الرئيسية الاقسام القوائم البحث

قاعدة رقم الطعن رقم 86 لسنة 17 ق “دستورية”لم يتم التعرف على تاريخ الجلسة

أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 – صـ 1135

جلسة 7 فبراير 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: سامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر – أمين السر.

قاعدة رقم
القضية رقم 86 لسنة 17 ق "دستورية"

1 – ضريبة "مفهومها"
الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها دون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء تحملهم بها.
2 – ضريبة "مقدرة تكليفية"
ارتباط فرض الضريبة بالمقدرة التكليفية للمكلفين بأدائها.
3 – ضريبة عامة "مفهومها"
اعتبار الضريبة عامة إذا كان تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة – وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية – مرتباً لدينها في ذمة الممول.
4 – دستور – ضريبة "أداؤها"
الضريبة التي يكون أداؤها واجباً قانوناً – وعلى ما تدل عليه المادتان 61، 119 من الدستور – هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التي لا تقوم إلا بها وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية ضابطاً لها.
5 – ضريبة عامة "دستوريتها"
تتحدد دستورية الضريبة العامة على ضوء أمرين هما:
1 – أن الأموال التي تجبيها الدولة من ضرائبها تكون وثيقة الاتصال بوظائفها الحيوية – ضرورة ربط الموارد – من ثم – في جملتها بمصارفها تفصيلاً وأحكام الرقابة عليها واعتبار ذلك التزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية.
2 – أن الضريبة العامة لا تزال مورداً مالياً تتضافر مع غيرها لمواجهة النفقات الكلية للدولة، ويكون النفع العام – من ثم – شرطاً أولياً لاقتضاء الدولة لضرائبها ورسومها وكذلك قيداً على إنفاقها لإيراداتها.
6 – ضرائب "أغراض التمويل"
أغراض التمويل تعتبر قيداً على السلطة الضرائبية – اعتبارها كذلك حداً على ضوابط إنفاق المال العام.
7 – موارد "تخصيص"
جواز تحويل الدولة بعض مواردها إلى جهة بعينها بشرطين هما:-
– أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين في مجموعهم.
– أن يكون دعم هذه الجهة مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها.
8 – موارد "تخصيص – ضريبة"
دعم جهة بعينها أهدافها لا يجوز أن يتم عن طريق فرض الضريبة ابتداء لصالحها – دعم هذه الجهة يلزم أن يكون من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً لأحكام الدستور.
9 – ضريبة – "حصيلة"
الأصل في الضريبة أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة على أساس أن حصيلتها تعتبر إيراداً عاماً.
10 – تشريع "نص البند "خامساً" من المادة 51 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن التطبيقية: ضريبة منعدمة".
النص المشار إليه فرض الضريبة المقررة بموجبه لصالح هذه النقابة بذاتها – أيلولة حصيلتها وفقاً له مباشرة إليها فلا تدخل خزانة الدولة ضمن مواردها – هذه الضريبة هي في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة – وذلك من خلال قيام تلك الضريبة بدور يخرجها عن مجال وظائفها – افتقادها من ثم مقوماتها وانحلالها عدماً.
1، 2، 3 – إن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة. وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد بذلها من أجلهم، وعاد عليهم مردودها. ومن ثم كان فرضها مرتبطاً بمقدرتهم التكليفية، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطاً بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام – وعوضاً عن تكلفته – وإن لم يكن مقدارها. متى كان ذلك، وكان الرسم المفروض بمقتضى قانون نقابة المهن الفنية التطبيقية على إنتاج الشيكارة الواحدة من الأسمنت، لا تقابله خدمة فعليه، تكون النقابة قد بذلتها لمن يتحملون بها، فإنها تنحل إلى ضريبة من الناحية القانونية، وهي بعد ضريبة لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تمتد إليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة – وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية – مرتباً لدينها في ذمة الممول، مما مؤداه تكافؤ الممولين في الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي – وبالقوة ذاتها – كلما توافر مناطها في أية جهة داخل حدودها الإقليمية، وهو ما يعني أنها ضريبة عامة يقوم التماثل فيما بين الممولين بصددها، على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، وليس بالنظر إلى مقدار الضريبة التي يؤدونها، ذلك أن التعادل بينهم في نطاقها ليس فعلياً، بل جغرافياً.
4 – من المقرر أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون – وعلى ما تدل عليه المادتان 61، 119 من الدستور – هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التي لا تقوم إلا بها، وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية التي ينبني عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور. ويعتبر أصل الحق في الضريبة محل النزاع الماثل، يكون مطروحاً على المحكمة الدستورية العليا بقوة النصوص الدستورية ذاتها، لتقول كلمتها في شأن دستوريتها.
5 – الضريبة العامة يحكمها أمران لا ينفصلان عنها، بل تتحدد دستوريتها على ضوئهما معاً:
أولهما: أن الأموال التي تجبيها الدولة من ضرائبها وثيقة الاتصال بوظائفها الحيوية، وبوجه خاص ما تعلق منها بتأمين مجتمعها، والعمل على تطويره. وقيامها على وظائفها هذه، يقتضيها أن توفر بنفسها – ومن خلال الضريبة وغيرها من الموارد – المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها.
والرقابة التي تفرضها السلطة التشريعية – بوسائلها – على هذه الموارد ضبطاً لمصارفها، هي الضمان لإنفاذ سياستها المالية التي لا يجنح الاقتصاد معها نحو أعاصير لا تؤمن عواقبها، وبوجه خاص في نطاق العمالة، وضمان استقرار الأسعار، وصون معدل معقول للتنمية، وكذلك حد أدنى لمواجهة أعباء الحياة.
وهذه القواعد والضوابط التي تهيمن بها السلطة التشريعية على الإنفاق العام، هي التي يتعين أن تنزل عليها السلطة التنفيذية، فلا تحيد عنها أو تعدل فيها، لضمان ألا يكون هذا الإنفاق إسرافاً أو تبديداً أو إرشاءً أو إغواء، بل أميناً، مقتصداً ورشيداً. وهي بعد قواعد لا يجوز على ضوئها جر مبالغ من الخزانة العامة قبل تخصيصها وفقاً للقانون، بما يكفل رصدها على الأغراض التي حددها، والتي لا يجوز أن تتحول السلطة التنفيذية عنها، ولا أن تعدل فيها بإرادتها المنفردة.
بما مؤداه أن ربط الموارد في جملتها، بمصارفها تفصيلاً، وإحكام الرقابة عليها، يعد التزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تناقض فحواه بعمل من جانبها، إذ هو جوهر اختصاصها في مجال ضبطها لمالية الدولة، وإرساء قواعدها وفقاً لأحكام المواد 115 و116 و120 من الدستور.
ثانيهما: أن الضريبة العامة – وبغض النظر عن جوانبها التنظيمية التي تعتبر من آثارها العرضية غير المباشرة – لا تزال مورداً مالياً، بل هي كذلك أصلاً وابتداء. ومن ثم تتضافر مع غيرها من الموارد التي تستخدمها الدولة لمواجهة نفقاتها الكلية، سواء في ذلك تلك التي يكون طابعها منتظماً أو طارئاً، بما مؤداه أن استخدامها لمواردها تلك، لا ينفصل عن واجباتها الدستورية التي تقتضيها أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها.
ومن ثم يكون النفع العام – أو ما يعبر عنه أحياناً بأكبر منفعة جماعية – قيداً على إنفاقها لإيراداتها، وكذلك شرطاً أولياً لاقتضائها لضرائبها ورسومها.
6، 7، 8 – أغراض التمويل تعتبر قيداً على السلطة الضرائبية يقارنها ولا يفارقها، وحدا من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال العام. ولا يعني ما تقدم أن الدولة لا تستطيع تحويل بعض مواردها إلى الجهة التي تراها لتعينها بها على النهوض بمسئولياتها وتطوير نشاطها، بل يجوز ذلك بشرطين:
أولهما: أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وفقاً لقانون إنشائها، وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين في مجموعهم، أولها آثارها على قطاع عريض من بينهم، مما يجعل دورها في الشئون التي تعنيهم حيوياً.
ثانيهما: أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها، على أن يتم ذلك – لا عن طريق الضريبة التي تفرضها السلطة التشريعية ابتداء لصالحها لتعود إليها مباشرة غلتها – بل من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور، وفي إطار الأسس الموضوعية التي يتحدد مقدار هذا الدعم على ضوئها.
9، 10 – الأصل في الضريبة – وباعتبار أن حصيلتها تعد إيراداً عاماً – أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التي تم تدبيرها، لتفقد كل منها ذاتيتها، ولتشكل جميعها نهراً واحداً لإيراداتها الكلية Consolidated Funds؛ وكان النص المطعون فيه قد فرض الضريبة المتنازع عليها لصالح نقابة بذاتها، واختصها بحصيلتها التي تؤول مباشرة إليها، فلا تدخل خزانة الدولة، أو تقع ضمن مواردها ليمتنع استخدامها في مجابهة نفقاتها، فإنها تكون في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة – لا عن طريق الضوابط التي فرضها الدستور في شأن الإنفاق العام – ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها عن مجال وظائفها، ويفقدها مقوماتها لتنحل عدماً.


الإجراءات

بتاريخ 18 ديسمبر سنة 1995 أودع المدعي بصفته هذه الدعوى بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية الشطر الأول من البند خامساً من المادة 51 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية.
قدمت كل من هيئة قضايا الدولة، ونقابة المهن الفنية التطبيقية، مذكرة بدفاعها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن نقابة المهن الفنية التطبيقية، كانت قد أقامت الدعوى رقم 3771 لسنة 1993 مدني، أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، ضد عدد من الشركات المنتجة للأسمنت – ومن بينها الشركة المدعية – بطلب ندب خبير حسابي لتقدير قيمة دمغة نقابة المهن التطبيقية المستحقة عليها وما يستجد من مبالغها، وكذلك رسم الإنتاج المقرر عن إنتاج كل شيكارة أسمنت بمليم واحد، وذلك أبتناء على أنها دين تقرر في ذمتها بمقتضى حكم البند "خامساً" من المادة 51 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بشأن نقابة المهن الفنية التطبيقية. وبجلسة 24/ 10/ 1995 دفعت الشركة المدعية بعدم دستورية الشطر الأول من البند المشار إليه، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد صرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية، فأقامتها. وبجلسة 27/ 2/ 1996 قضت بوقف الدعوى تعليقاً لحين الفصل في الطعن الراهن بعدم الدستورية.
وحيث إن المادة 51 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية تنص على أن "تتكون إيرادات النقابة من:
"خامساً" حصيلة رسم قدره مليم واحد على إنتاج الشيكارة من الأسمنت وزن 50 كيلو جرام…..".
وحيث إن من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة. وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد بذلها من أجلهم، وعاد عليهم مردودها. ومن ثم كان فرضها مرتبطاً بمقدرتهم التكليفية، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطاً بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام – وعوضاً عن تكلفته – وإن لم يكن بمقدارها. متى كان ذلك، وكان الرسم المفروض بمقتضى نقابة المهن الفنية التطبيقية على إنتاج الشيكارة الواحدة من الأسمنت، لا تقابله خدمة فعليه، تكون النقابة قد بذلتها لمن يتحملون بها، فإنها تنحل إلى ضريبة من الناحية القانونية، وهي بعد ضريبة لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تمتد إليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة – وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية – مرتباً لدينها في ذمة الممول، مما مؤداه تكافؤ الممولين في الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي – وبالقوة ذاتها – كلما توافر مناطها في أية جهة داخل حدودها الإقليمية، وهو ما يعني أنها ضريبة عامة يقوم التماثل فيما بين الممولين بصددها، على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، وليس بالنظر إلى مقدار الضريبة التي يؤدونها، ذلك أن التعادل بينهم في نطاقها ليس فعلياً، بل جغرافياً.
وحيث إن من المقرر أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون – وعلى ما تدل عليه المادتان 61، 119 من الدستور – هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التي لا تقوم إلا بها، وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية التي ينبني عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور. فإن أصل الحق في الضريبة محل النزاع الماثل، يكون مطروحاً على المحكمة الدستورية العليا بقوة النصوص الدستورية ذاتها، لتقول كلمتها في شأن دستوريتها.
وحيث إن الضريبة العامة يحكمها أمران لا ينفصلان عنها، بل تتحدد دستوريتها على ضوئهما معاً:
أولهما: أن الأموال التي تجبيها الدولة من ضرائبها وثيقة الاتصال بوظائفها الحيوية، وبوجه خاص ما تعلق منها بتأمين مجتمعها، والعمل على تطويره. وقيامها على وظائفها هذه، يقتضيها أن توفر بنفسها – ومن خلال الضريبة وغيرها من الموارد – المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها.
والرقابة التي تفرضها السلطة التشريعية – بوسائلها – على هذه الموارد ضبطاً لمصارفها، هي الضمان لإنفاذ سياستها المالية التي لا يجنح الاقتصاد معها نحو أعاصير لا تؤمن عواقبها، وبوجه خاص في نطاق العمالة، وضمان استقرار الأسعار، وصون معدل معقول للتنمية، وكذلك حد أدنى لمواجهة أعباء الحياة.
وهذه القواعد والضوابط التي تهيمن بها السلطة التشريعية على الإنفاق العام، هي التي يتعين أن تنزل عليها السلطة التنفيذية، فلا تحيد عنها أو تعدل فيها، لضمان ألا يكون هذا الإنفاق إسرافاً أو تبديداً أو إرشاءً أو إغواء، بل أميناً، مقتصداً ورشيداً. وهي بعد قواعد لا يجوز على ضوئها جر مبالغ من الخزانة العامة قبل تخصيصها وفقاً للقانون، بما يكفل رصدها على الأغراض التي حددها، والتي لا يجوز أن تتحول السلطة التنفيذية عنها، ولا أن تعدل فيها بإرادتها المنفردة.
بما مؤداه أن ربط الموارد في جملتها، بمصارفها تفصيلاً، وإحكام الرقابة عليها، يعد التزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تناقض فحواه بعمل من جانبها، إذ هو جوهر اختصاصها في مجال ضبطها لمالية الدولة، وإرساء قواعدها وفقاً لأحكام المواد 115 و116 و120 من الدستور.
ثانيهما: أن الضريبة العامة – وبغض النظر عن جوانبها التنظيمية التي تعتبر من آثارها العرضية غير المباشرة – لا تزال مورداً مالياً، بل هي كذلك أصلاً وابتداء. ومن ثم تتضافر مع غيرها من الموارد التي تستخدمها الدولة لمواجهة نفقاتها الكلية، سواء في ذلك تلك التي يكون طابعها منتظماً أو طارئاً، بما مؤداه أن استخدامها لمواردها تلك، لا ينفصل عن واجباتها الدستورية التي تقتضيها أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها.
ومن ثم يكون النفع العام – أو ما يعبر عنه أحياناً بأكبر منفعة جماعية – قيداً على إنفاقها لإيراداتها، وكذلك شرطاً أولياً لاقتضائها لضرائبها ورسومها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن أغراض التمويل تعتبر قيداً على السلطة الضرائبية يقارنها ولا يفارقها، وحداً من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال العام. ولا يعني ما تقدم أن الدولة لا تستطيع تحويل بعض مواردها إلى الجهة التي تراها لتعينها بها على النهوض بمسئولياتها وتطوير نشاطها، بل يجوز ذلك بشرطين:
أولهما: أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وفقاً لقانون إنشائها، وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين في مجموعهم، أولها آثارها على قطاع عريض من بينهم، مما يجعل دورها في الشئون التي تعنيهم حيوياً.
ثانيهما: أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها، على أن يتم ذلك – لا عن طريق الضريبة التي تفرضها السلطة التشريعية ابتداء لصالحها لتعود إليها مباشرة غلتها – بل من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور، وفي إطار الأسس الموضوعية التي يتحدد مقدار هذا الدعم على ضوئها.
وحيث إن الأصل في الضريبة – وباعتبار أن حصيلتها تعد إيراداً عاماً – أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التي تم تدبيرها، لتفقد كل منها ذاتيتها، ولتشكل جميعها نهراً واحداً لإيراداتها الكلية Consolidated Funds؛ وكان النص المطعون فيه قد فرض الضريبة المتنازع عليها لصالح نقابة بذاتها، واختصها بحصيلتها التي تؤول مباشرة إليها، فلا تدخل خزانة الدولة، أو تقع ضمن مواردها ليمتنع استخدامها في مجابهة نفقاتها، فإنها تكون في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة – لا عن طريق الضوابط التي فرضها الدستور في شأن الإنفاق العام – ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها عن مجال وظائفها، ويفقدها مقوماتها لتنحل عدماً، وهو ما يقتضي الحكم بعدم دستوريتها لمخالفتها أحكام المواد 61 و115 و116 و119 و120 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية البند "خامساً" من المادة 51 من القانون رقم 67 لسنة 1974 بإنشاء نقابة المهن الفنية التطبيقية، فيما نص عليه من تخويلها حق اقتضاء رسم قدره مليم واحد على إنتاج الشيكارة من الأسمنت وزن 50 كيلو جرام، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات