قاعدة رقم الطعن رقم 58 لسنة 17 قضائية “دستورية”لم يتم التعرف على تاريخ الجلسة
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 – صـ 967
جلسة 15 نوفمبر 1997
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير ومحمد علي سيف الدين، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 58 لسنة 17 قضائية "دستورية"
1 – مسائل دستورية "الفصل فيها".
الفصل في المسائل الدستورية يلزم أن يكون محيطاً بأصولها وفروعها، نافذاً إلى أعماقها.
2 – اختصاص – دعوى دستورية.
البت في اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى الدستورية سابق بالضرورة على
بحثها لشروط قبولها – وتواجههما المحكمة من تلقاء نفسها.
3 – رقابة قضائية على الدستورية "محلها".
تعلق الرقابة القضائية على الدستورية بالنصوص القانونية أياً كان محلها أو موضعها أو
نطاق تطبيقها أو السلطة التي أقرتها أو أصدرتها.
4 – رقابة قضائية على الدستورية: "عيب مشروعية: مصلحة".
عوار مخالفة النصوص المطعون عليها للقانون يجعل عيبها متعلقاً بمشروعيتها – انتفاء
المصلحة في الفصل دستوريتها مع قيام هذا العوار.
5 – خصومة دستورية "ضريبة".
كلما كان موضوع الخصومة الدستورية متعلقاً بدستورية ضريبة فرضها المشرع، فإن نصوص الدستور
التي تنظم قوالبها الشكلية وكذلك أسسها الموضوعية تعتبر جميعها مثارة في هذه الخصومة.
6 – دعوى دستورية "صحيفة: بياناتها".
ما تطلبه القانون من أن تتضمن صحيفة الدعوى الدستورية بياناً بأوجه مخالفة النصوص المطعون
عليها لأحكام الدستور لا يفيد بالضرورة أن يكون عرضها لأوجه مخالفتها مباشراً – يكفي
فيه أن يكون تعيين مناحي هذه المخالفة غير مباشر.
7 – ضريبة – رسوم.
الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بها لا تقابلها خدمة بذاتها،
وذلك على نقيض الرسوم التي لا تقتضيها الدولة من مواطنيها إلا بمناسبة عمل بذاته أتته
بعد طلبه منها.
8 – رسوم "عمليات البيع بالمزاد" – ضريبة عامة.
الرسم المقرر على عمليات البيع بالمزاد إنما ينحل في صحيح حكم القانون إلى ضريبة عامة.
9 – دستور – ضريبة عامة – سلطة تشريعية.
السلطة التشريعية وفقاً للدستور هي التي تنظم أوضاع الضريبة العامة بقانون يصدر عنها
ينظم كل أوضاعها عدا الإعفاء منها إذ يجوز أن يتقرر في الأحوال التي يبينها القانون
– صدور قانون في شأن الضريبة العامة يكون محيطاً بجوانبها عدا الإعفاء منها إنما يتصل
بأوضاعها الشكلية التي يلزم إفراغها فيها.
10 – ضريبة عامة – رقابة قضائية – المحكمة الدستورية العليا.
إقرار السلطة التشريعية لقانون الضريبة العامة لا يحول دون مباشرة المحكمة الدستورية
العليا لرقابتها القضائية في شأن توافر الشروط الموضوعية لعناصر بنيانها.
11 – ضريبة عامة "وعاء" – المحكمة الدستورية العليا – عدل اجتماعي.
ضرورة قيام صلة منطقية بين الملتزم بالضريبة العامة والمال المتخذ وعاء لها – لا تنهض
الضريبة بتخلف هذه الصلة سوية على قدميها – تحري المحكمة الدستورية العليا هذه الصلة
لضمان أن يظل إطارها مرتبطاً بما ينبغي أن يقيمها على حقائق العدل الاجتماعي.
12 – ضريبة عامة "وعاء" – مقدرة تكليفية.
يلزم أن تكون صور الدخل على اختلافها – أياً كان مصدرها – وعاء أساسياً للضريبة كافلاً
عدالتها وموضوعيتها ومرتبطاً بالمقدرة التكليفية لمموليها.
13 – ضريبة "مورد مالي" – حق الملكية.
من غير الجائز أن يكون المطلب المالي توجهاً نهماً مؤثراً في بنيان الضريبة عاصفاً
بحقوق الملكية المتصلة بها بما ينال من أصلها.
14 – بيع بالمزاد "طبيعته" – رسم تنمية "تمييز".
البيع بالمزاد لا يفارق في طبيعته غيره من البيوع – عدم جواز إفراده دونها برسم التنمية.
15 – عدل "منظور اجتماعي".
العدل لا يعدو أن يكون مفهوماً مجرداً – العدل من منظور اجتماعي إنما يتحدد على ضوء
القيم التي ارتضتها الجماعة خلال زمن معين – القيم التي يحتضنها العدل محدداً من منظور
اجتماعي تظل نتاج الخبرة التي صهرها العقل الجمعي.
16 – دستور "عدالة اجتماعية" – ضريبة "حصيلة".
من غير المسوغ في إطار مفهوم الدستور للعدالة الاجتماعية التي جعلها قيداً على بنيان
الضريبة أن يتمثل هدفها في مجرد اجتناء حصيلتها لتغطية عجز قائم.
17 – تشريع "نص البند 13 من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم بتنمية
الموارد المالية للدولة: تمييز جائر".
انطواء هذا النص على تمييز جائر بين أشكال من التعامل لا تفصلها حدود واضحة عن بعضها
البعض.
1 – الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية المطعون
عليها، لا تحول بينها ورد هذه النصوص إلى الأصول التي أنبتتها كلما آل إبطالها إلى
زوال ما تفرع عنها واتصل بها اتصال قرار؛ وكان ذلك مؤداه أن الفصل في المسائل الدستورية
لا يجوز أن يكون محلقاً حول أسوارها، منحصراً في بعض جوانبها أو جزئياتها، بل محيطاً
بأصولها وفروعها، نافذاً إلى أعماقها؛ ومحدداً على ضوئها – بالنظر إليها في مجموعها
– موضوع الخصومة الدستورية، ونطاق المصلحة فيها.
2 – البت في اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى الدستورية سابق بالضرورة على بحثها لشروط
قبولها، وكلاهما سابق على خوضها في موضوعها، وتواجههما المحكمة من تلقاء نفسها. إذ
لا يجوز أن تفصل في خصومة تنحسر عنها ولايتها؛ واختصاصها بنظرها لا يمنعها من الاستيثاق
من توافر شروط اتصالها بها وفقاً لقانونها؛ فلا يكون مدخلها للفصل في موضوعها إلا تالياً
لانعقاد ولايتها بنظرها، ثم توافر شروط قبولها.
3 – الولاية التي تباشرها هذه المحكمة في مجال الرقابة على الدستورية، إنما تتعلق بالنصوص
القانونية أياً كان محلها أو موضعها أو نطاق تطبيقها أو السلطة التي أقرتها أو أصدرتها،
وأن غايتها رد النصوص القانونية المطعون عليها إلى أحكام الدستور، تثبتاً من اتفاقها
أو تعارضها معها.
4 – المحكمة لا تتناول بقضائها مسائل دستورية طرح أمرها عليها إلا إذا كان فصلها فيها
لازماً. ولا كذلك أن تكون النصوص المطعون عليها قد أصابها عوار مخالفتها لقانون قائم،
إذ يعتبر عيبها عندئذ متعلقاً بمشروعيتها، كافياً وحده لطلب إلغائها أمام جهة القضاء
الإداري، فلا تقوم مع وجوده، مصلحة في الفصل في دستوريتها.
5 – كلما كان موضوع الخصومة الدستورية متعلقاً بدستورية ضريبة فرضها المشرع، فإن نصوص
الدستور التي تنظم قوالبها الشكلية، وكذلك تلك التي تتعلق بأسسها الموضوعية، تعتبر
جميعها – بكامل مشتملاتها – مثارة في تلك الخصومة، فلا تنفصل عنها.
6 – جرى قضاء هذه المحكمة على أن قانونها وإن تطلب أن تتضمن صحيفة الدعوى الدستورية
بياناً بأوجه مخالفة النصوص المطعون عليها لأحكام الدستور تحديداً لمواقع بطلانها،
إلا أن ذلك لا يفيد بالضرورة أن يكون عرضها لمناحي مخالفتها للدستور مباشراً، وإنما
يكفي أن يكون تعيينها غير مباشر، من خلال نظرة كلية تحيط بعناصر النزاع في مجموعها،
مع ربطها بالخصومة الدستورية من جهة مقاصدها، وما دار من جدل حول موضوعها.
7 – الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً وبصفة نهائية من المكلفين بها، لا يملكون
التنصل من أدائها باعتبار أن حصيلتها تُعينها على النهوض بخدماتها ومهامها التي يفيد
مواطنوها منها بوجه عام، فلا تكون الضريبة التي يتحملون بها إلا إسهاماً منطقياً من
جانبهم في تمويل أعبائها، ولا تقابلها بالتالي خدمة بذاتها أدتها مباشرة لأحدهم. وذلك
على نقيض رسومها التي لا تقتضيها من أيهم إلا بمناسبة عمل أو أعمال محددة بذاتها أتتها
بعد طلبها منها، فلا يكون حصولها على مقابل يناسبها – وإن لم يكن بقدر تكلفتها – إلا
جزاء عادلاً عنها، ومن ثم تكون هذه الأعمال مناط فرضها، وبما يوازيها.
8 – الرسم المقرر على عمليات البيع بالمزاد على اختلافها، وأياً كان محلها، لا يقابل
جهداً محدداً بذل لمصلحة من يروجون لها، أو يقومون بإجرائها، أو يحصلون على ناتجها،
ومن ثم ينحل في صحيح حكم القانون، إلى ضريبة عامة لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية
بذاتها ينحصر المخاطبون بها في دائرتها، ولكنها تمتد إلى النطاق الإقليمي للدولة، بكل
الأجزاء التي يشتمل عليها، فلا يكون تحقق الواقعة التي أنشأتها – في أي منها – إلا
مرتباً لدينها في ذمة الممول، وكافلاً تكافؤ المخاطبين بها في مجال الخضوع لها.
9 – السلطة التشريعية هي التي تنظم أوضاع الضريبة العامة بقانون يصدر عنها – على ما
تقضي به المادة 119 من الدستور – يكون متضمناً تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان مبلغها،
والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عن توريدها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها،
وضوابط تقادمها، وغير ذلك مما يتصل ببنيانها عدا الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في
الأحوال التي يبينها القانون.
إن صدور قانون في شأن الضريبة العامة يكون محيطاً بجوانبها عدا الإعفاء منها، ويعتبر
مصدراً مباشراً لها، إنما يتصل بأوضاعها الشكلية التي ينبغي إفراغها فيها. ولا يفترض
بالضرورة توافر أسسها الموضوعية التي ترد عنها تحيفها من خلال علاقة منطقية يوازن بها
المشرع بين اتجاه الدولة أو سعيها لتنمية مواردها نهوضاً بأعبائها، وبين حق المخاطبين
بها في تقرير معدلها وشروط اقتضائها وفق ضوابط تتهيأ بها للعدالة الاجتماعية – وهي
قاعدة نظامها – أسبابها.
10، 11، 12 – إن إقرار السلطة التشريعية لقانون الضريبة العامة، لا يحول دون مباشرة
هذه المحكمة لرقابتها في شأن توافر الشروط الموضوعية لعناصر بنيانها، وذلك بالنظر إلى
خطورة الآثار التي تحدثها هذه الضريبة، وعلى الأخص من زاوية اتصالها بمظاهر الانكماش
أو الانتعاش وتأثيرها على فرص الاستثمار والادخار والعمل وحدود الإنفاق، فلا تنحسر
رقابتها بالتالي في شأن الضريبة التي فرضها المشرع، عن الواقعة القانونية التي أنشأتها،
وقوامها صلة منطقية بين شخص محدد يعتبر ملتزماً بها، والمال المتخذ وعاء لها مُتَحِّملاً
بعبئها.
وهذه الصلة هي التي لا تنهض الضريبة بتخلفها سوية على قدميها. وتتحراها هذه المحكمة
لضمان أن يظل إطارها مرتبطاً بما ينبغي أن يقيمها على حقائق العدل الاجتماعي مُحَدِّدِ
مضمونها وغاياتها على ضوء القيم التي احتضنها الدستور، ويندرج تحتها ضرورة أن تكون
صور الدخل على اختلافها – أياً كان مصدرها – وباعتباره إيراداً مضافاً إلى رءوس الأموال
التي أنتجتها، وعاء أساسياً للضريبة، كافلاً عدالتها وموضوعيتها، ومرتبطاً بالمقدرة
التكليفية لمموليها، فلا ينال اتخاذ الدخل قاعدة لها، من رءوس الأموال في ذاتها بما
يؤول إلى تآكلها أو يحول دون تراكمها، بل تظل قدراتها في مجال التنمية، باقية مصادرها،
متجددة روافدها.
13 – المشرع وإن توخي أصلاً بالضريبة التي يفرضها، أن يدبر من خلالها موارد مالية لأشخاص
القانون العام يقتضيها إشباعها لنفقاتها، إلا أن طلبها هذه الموارد، لا يجوز أن يكون
توجهاً نهماً مؤثراً في بنيان الضريبة، محدداً أسسها وضوابطها؛ عاصفاً بحقوق الملكية
التي تتصل بها بما ينال من أصلها، أو يفقدها مقوماتها، أو يفصل عنها بعض أجزائها، أو
يقيد من نطاق الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وهو
ما يعني أن أغراض الجباية وحدها لا تعتبر هدفاً يحدد للضريبة مسارها، ولا يجوز أن تهيمن
على تشكيل ملامحها. فذلك مما لا يحميه الدستور، وعلى الأخص كلما كان عبؤها فادحاً يحيل
أمرها عُسراً.
14 – البيع بالمزاد لا يفارق في طبيعته، غيره من البيوع، وكان ينبغي بالتالي أن يعامل
باعتباره من جنسها ومشمولاً بحكمها، فلا يقوم تمييز يفرده دونها برسم التنمية. والقول
بأن البيوع بالمزاد تكفل للأموال محلها أعلى الأسعار من خلال الإعلان عنها والترويج
لها والإغراء بها، مردود أولاً: بأن العروض الأفضل تفترض زيادة في قيمة الأموال التي
تتعلق بها، عن ثمنها عند تلقيها. وهو اعتبار لا ينحصر في البيوع التي أخضعها المشرع
دون غيرها لضريبة التنمية.
15 – العدل – وباعتباره قيمة مثلى – لا يعدو أن يكون مفهوماً مجرداً. بيد أن العدل
من منظور اجتماعي إنما يتحدد على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة خلال زمن معين، وكان
تقيدها بها مهيمناً على مظاهر سلوكها تعبيراً من جانبها عن أكثر المصالح توافقاً مع
الضمير الجماعي لأفرادها، فلا يكون القبول بها، إلا حلاً ملائماً لتنازع توجهاتهم وتعارضها.
ولئن جاز القول بأن تلك القيم لا تعني شيئاً ثابتاً باطراد، وأن معانيها وغاياتها تتباين
تبعاً لمعايير الضمير الاجتماعي ومستوياتها، وكان لا يجوز على ضوء ما قد يقع من تعارض
بين حقائق العدالة الاجتماعية ومتطلباتها العملية، أن يكون تصورها ذاتياً، ولا أن تكون
دائرة تطبيقها منغلقة على نفسها، إلا أن القيم التي يحتضنها العدل – محدداً من منظور
اجتماعي – تظل نتاج الخبرة التي صهرها العقل الجمعي، فلا يتلمس المشرع طريقها بعيداً
عما يراه الأفراد في مجموعهم حقاً وإنصافاً.
16 – لا يسوغ في إطار مفهوم الدستور للعدالة الاجتماعية التي جعلها قيداً على بنيان
الضريبة بكل العناصر التي يشتمل عليها، أن يتمثل هدفها في مجرد اجتناء حصيلتها لتغطية
عجز قائم، فلا يكون اختيار المشرع لأموال بذواتها متخذاً منها وعاء ضريبياً، موجهاً
بغير الأغراض المالية التي تتحرر بطبيعتها من كل قيد عليها؛ ولا وطأتها إلا إهداراً
للحق في أن تتحدد موازين الضريبة وضوابطها وفق أسس موضوعية، تكون حيدتها ضماناً لاعتدالها،
وإنصافها نافياً جورها، فلا يقيمها المشرع انحرافاً بها عن صحيح بنيانها.
17 – التصرفات العقارية المنصوص عليها في المادة 19 من قانون الضرائب على الدخل الصادر
بالقانون رقم 157 لسنة 1981، وإن أخرجتها الفقرة الثالثة من المادة الثانية من القانون
رقم 147 لسنة 1984 المشار إليه من نطاق سريان ضريبة التنمية المنصوص عليها في البند
من مادته الأولى، إلا أن هذا القانون فرض على البيوع بالمزاد – وبافتراض تحقيقها
لأرباح شأنها في ذلك شأن غيرها من التصرفات القانونية المنصوص عليها في المادة 19 من
قانون الضرائب على الدخل – ضريبة التنمية التي نص عليها في البند 13، متبنياً بذلك
تمييزاً جائراً بين أشكال من التعامل لا تفصلها حدود واضحة عن بعضها البعض، فلا تظهر
الضريبة التي فرضها على هذه البيوع، إلا شائهة عصية على توفيقها مع أحكام الدستور.
الإجراءات
في الأول من أكتوبر سنة 1995، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى
قلم كتاب المحكمة، طلباً للحكم بعدم دستورية المادة 15 من قرار وزير المالية رقم 76
لسنة 1986 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد
المالية للدولة المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1986 فيما قضت به من سريان رسم التنمية
على حصيلة بيع العقارات بالمزاد.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين خلصت في ختامهما إلى طلب الحكم أصلياً بعدم اختصاص
المحكمة بنظر الدعوى، واحتياطياً بعد قبولها ومن باب الاحتياط الكلي برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن الشركة
المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 4364 لسنة 1995. مدني كلي الإسكندرية ضد المدعى عليه
الثالث وآخر طالبة الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا لها مبلغ مائة وعشرة آلاف جنية
قيمة ما دفعته بدون وجه حق كرسم تنمية بواقع 5% من قيمة بيع عقار مملوك لها بطريق المزاد
إعمالاً لنص المادة 15 من قرار وزير المالية رقم 76 لسنة 1986 بإصدار اللائحة التنفيذية
للقانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة المعدل بالقانون
رقم 5 لسنة 1986. وأثناء نظر تلك الدعوى دفعت المدعية بعدم دستورية هذا النص؛ وقدرت
محكمة الموضوع جدية الدفع، وصرحت لها برفع الدعوى الدستورية؛ فأقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة 15 من اللائحة التنفيذية لقانون فرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة
الصادرة بقرار وزير المالية رقم 76 لسنة 1986 – المطعون عليها – تنص على أن:
"يسري رسم التنمية المفروض بالبند رقم من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة
1984 المعدل بالقانون رقم 5 لسنة 1986، على جميع حالات البيع بالمزاد سواء كان بيعاً
اختيارياً أو قضائياً أو إدارياً؛ وسواء تعلق البيع بعقار أو بمنقول أو بحقوق معنوية.
ويكون الرسم بواقع 5% من ثمن البيع؛ ويلتزم به البائع، ويستحق الرسم فور رسو المزاد؛
ويتم تحصيل وتوريد الرسم وفقاً للقواعد الواردة في المواد التالية".
وحيث إن المدعية تنعي على نص المادة من اللائحة التنفيذية المطعون عليها، أنه
فرض رسم تنمية على بيع أي عقار أو منقول بالمزاد في الوقت الذي قررت فيه الفقرة الثالثة
من المادة الثانية من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة،
عدم سريان هذا الرسم على التصرفات العقارية المنصوص عليها في المادة 19 من قانون الضرائب
على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، بما مؤداه خضوع أنواع من التصرفات العقارية
للضريبة المفروضة عليها بمقتضى قانون الضرائب على الدخل، وإعفائها بالتالي من رسم التنمية
توقياً لازدواج ضريبي.
بل إن النص المطعون فيه لم يقتصر على تنفيذ حكم البند 13 من قانون تنمية الموارد المالية
للدولة، وإنما جعل سريان هذا الرسم شاملاً لكل بيع بالمزاد، سواء تعلق بمنقول أو بعقار
أو بحقوق معنوية، وسواء كان هذا البيع اختيارياً أو قضائياً أو إدارياً، وهو ما يعد
نسخاً لحكم البند 13 من هذا القانون الذي اكتفى بفرض رسم تنمية بمقدار 5% من قيمة البيوع
التي تتم عن طريق المزاد؛ وإهداراً لحقيقة أن هذه البيوع من التصرفات القانونية التي
كان ينبغي إخضاعها لضريبة واحدة، هي تلك المنصوص عليها بقانون الضرائب على الدخل.
هذا فضلاً عن تعارض النص المطعون فيه وحكم المادة 38 من الدستور التي تقيم النظام الضريبي
على أساس من العدالة الاجتماعية، تقديراً بأن جباية الأموال في ذاتها، لا تعتبر هدفاً
يحميه الدستور.
وحيث إن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة في شأن دستورية النصوص القانونية
المطعون عليها، لا تحول بينها ورد هذه النصوص إلى الأصول التي أنبتتها كلما آل إبطالها
إلى زوال ما تفرع عنها واتصل بها اتصال قرار؛ وكان ذلك مؤداه أن الفصل في المسائل الدستورية
لا يجوز أن يكون محلقاً حول أسوارها، منحصراً في بعض جوانبها أو جزئياتها، بل محيطاً
بأصولها وفروعها، نافذاً إلى أعماقها؛ ومحدداً على ضوئها – بالنظر إليها في مجموعها
– موضوع الخصومة الدستورية، ونطاق المصلحة فيها.
وحيث إن متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد صدر تنفيذاً الحكم البند 13 من قانون
تنمية الموارد المالية للدولة، وفي حدود السلطة التي خولها هذا القانون لوزير المالية،
فإنه يغدو مرتبطاً عضوياً بهذا البند، فلا ينعزل عن الأحكام التي تضمنها باعتباره مُفَصِّلاً
مجملها.
ولا يجوز بالتالي قصر الدعوى الدستورية الماثلة على النص المطعون فيه بها، بل يكون
نطاقها مشتملاً بالضرورة على أصل القاعدة التي تفرع هذا النص عنها ممثلة في اتخاذ البيع
بالمزاد وعاء لضريبة التنمية التي فرضها هذا القانون في شأن هذا النوع من البيوع دون
غيرها.
وحيث إن البت في اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى الدستورية سابق بالضرورة على بحثها
لشروط قبولها، وكلاهما سابق على خوضها في موضوعها، وتواجههما المحكمة من تلقاء نفسها.
إذ لا يجوز أن تفصل في خصومة تنحسر عنها ولايتها؛ واختصاصها بنظرها لا يمنعها من الاستيثاق
من توافر شروط اتصالها بها وفقاً لقانونها؛ فلا يكون مدخلها للفصل في موضوعها إلا تالياً
لانعقاد ولايتها بنظرها، ثم توافر شروط قبولها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى الماثلة تأسيساً
على أن مناعي المدعية في شأن النص المطعون فيه تتعلق جميعها بمخالفته لقانون تنمية
الموارد المالية للدولة، فلا يكون ما اعتراه من عوار متصلاً بدستوريته، بل بمشروعيته.
وحيث إن هذا الدفع مردود، أولاً: بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الولاية التي
تباشرها في مجال الرقابة على الدستورية، إنما تتعلق بالنصوص القانونية أياً كان محلها
أو موضعها أو نطاق تطبيقها أو السلطة التي أقرتها أو أصدرتها، وأن غايتها رد النصوص
القانونية المطعون عليها إلى أحكام الدستور، تثبتاً من اتفاقها أو تعارضها معها.
ومردود ثانياً: بأن المحكمة لا تتناول بقضائها مسائل دستورية طرح أمرها عليها إلا إذا
كان فصلها فيها لازماً. ولا كذلك أن تكون النصوص المطعون عليها قد أصابها عوار مخالفتها
لقانون قائم، إذ يعتبر عيبها عندئذ متعلقاً بمشروعيتها، كافياً وحده لطلب إلغائها أمام
جهة القضاء الإداري، فلا تقوم مع وجوده مصلحة في الفصل في دستوريتها.
ولا يثير النص المطعون فيه مسائل دستورية يمكن تجنبها، فقد صدر تنفيذاً لقانون قائم،
مفصلاً قاعدة أجملها بما لا خروج فيه عليها، فلا يكون إلا موافقاً لهذا القانون، ومشروعاً
بالتالي.
وحيث إن الدفع المبدي من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى الماثلة بقالة خلو صحيفتها
من بيان النص الدستوري المدعى بمخالفته، وأوجه المخالفة عملاً بالمادة 30 من قانون
هذه المحكمة، مردود أولاً: بأن المدعية تنعي على النص المطعون فيه مخالفته لقواعد العدالة
الاجتماعية التي يقوم عليها النظام الضريبي وفقاً لنص المادة 38 من الدستور، وهو ما
يفيد ادعاءها مجافاة الضريبة المطعون عليها لتلك القيم التي لا ينهض العدل – محدداً
من منظور اجتماعي – بعيداً عنها.
ومردود ثانياً: بأن كلما كان موضوع الخصومة الدستورية متعلقاً بدستورية ضريبة فرضها
المشرع، فإن نصوص الدستور التي تنظم قوالبها الشكلية، وكذلك تلك التي تتعلق بأسسها
الموضوعية، تعتبر جميعها – بكامل مشتملاتها – مثارة في تلك الخصومة، فلا تنفصل عنها.
ومردود ثالثاً: بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة على أن قانونها وإن تطلب أن تتضمن صحيفة
الدعوى الدستورية بياناً بأوجه مخالفة النصوص المطعون عليها لأحكام الدستور تحديداً
لمواقع بطلانها، إلا أن ذلك لا يفيد بالضرورة أن يكون عرضها لمناحي مخالفتها للدستور
مباشراً، وإنما يكفي أن يكون تعيينها غير مباشر، من خلال نظرة كلية تحيط بعناصر النزاع
في مجموعها، مع ربطها بالخصومة الدستورية من جهة مقاصدها، وما دار من جدل حول موضوعها.
وحيث إن من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها
الدولة جبراً وبصفة نهائية من المكلفين بها، لا يملكون التنصل من أدائها باعتبار أن
حصيلتها تُعينها على النهوض بخدماتها ومهامها التي يفيد مواطنوها منها بوجه عام، فلا
تكون الضريبة التي يتحملون بها إلا إسهاماً منطقياً من جانبهم في تمويل أعبائها، ولا
تقابلها بالتالي خدمة بذاتها أدتها مباشرة لأحدهم. وذلك على نقيض رسومها التي لا تقتضيها
من أيهم إلا بمناسبة عمل أو أعمال محددة بذاتها أتتها بعد طلبها منها، فلا يكون حصولها
على مقابل يناسبها – وإن لم يكن بقدر تكلفتها – إلا جزاء عادلاً عنها، ومن ثم تكون
هذه الأعمال مناط فرضها، وبما يوازيها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان الرسم المقرر على عمليات البيع بالمزاد على اختلافها، وأياً
كان محلها، لا يقابل جهداً محدداً بذل لمصلحة من يروجون لها، أو يقومون بإجرائها، أو
يحصلون على ناتجها، فإنه ينحل في صحيح حكم القانون، إلى ضريبة عامة لا يقتصر نطاق تطبيقها
على رقعة إقليمية بذاتها ينحصر المخاطبون بها في دائرتها، ولكنها تمتد إلى النطاق الإقليمي
للدولة، بكل الأجزاء التي يشتمل عليها، فلا يكون تحقق الواقعة التي أنشأتها – في أي
منها – إلا مرتباً لدينها في ذمة الممول، وكافلاً تكافؤ المخاطبين بها في مجال الخضوع
لها.
وحيث إن السلطة التشريعية هي التي تنظم أوضاع الضريبة العامة بقانون يصدر عنها – على
ما تقضي به المادة 119 من الدستور – يكون متضمناً تحديد وعائها وأسس تقديره، وبيان
مبلغها، والملتزمين أصلاً بأدائها، والمسئولين عن توريدها، وقواعد ربطها وتحصيلها وتوريدها،
وضوابط تقادمها، وغير ذلك مما يتصل ببنيانها عدا الإعفاء منها، إذ يجوز أن يتقرر في
الأحوال التي يبينها القانون.
وحيث إن صدور قانون في شأن الضريبة العامة يكون محيطاً بجوانبها عدا الإعفاء منها،
ويعتبر مصدراً مباشراً لها، وإنما يتصل بأوضاعها الشكلية التي ينبغي إفراغها فيها.
ولا يفترض بالضرورة توافر أسسها الموضوعية التي ترد عنها تحيفها من خلال علاقة منطقية
يوازن بها المشرع بين اتجاه الدولة أو سعيها لتنمية مواردها نهوضاً بأعبائها، وبين
حق المخاطبين بها في تقرير معدلها وشروط اقتضائها وفق ضوابط تتهيأ بها للعدالة الاجتماعية
– وهي قاعدة نظامها – أسبابها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن إقرار السلطة التشريعية لقانون الضريبة العامة، لا يحول
دون مباشرة هذه المحكمة لرقابتها في شأن توافر الشروط الموضوعية لعناصر بنيانها، وذلك
بالنظر إلى خطورة الآثار التي تحدثها هذه الضريبة، وعلى الأخص من زاوية اتصالها بمظاهر
الانكماش أو الانتعاش وتأثيرها على فرص الاستثمار والادخار والعمل وحدود الإنفاق، فلا
تنحسر رقابتها بالتالي في شأن الضريبة التي فرضها المشرع، عن الواقعة القانونية التي
أنشأتها، وقوامها صلة منطقية بين شخص محدد يعتبر ملتزماً بها، والمال المتخذ وعاء لها
مُتَحِّملاً بعبئها.
وهذه الصلة هي التي لا تنهض الضريبة بتخلفها سوية على قدميها. وتتحراها هذه المحكمة
لضمان أن يظل إطارها مرتبطاً بما ينبغي أن يقيمها على حقائق العدل الاجتماعي مُحَدَّدِ
مضمونها وغاياتها على ضوء القيم التي احتضنها الدستور، ويندرج تحتها ضرورة أن تكون
صور الدخل على اختلافها – أياً كان مصدرها – وباعتباره إيراداً مضافاً إلى رءوس الأموال
التي أنتجتها، وعاء أساسياً للضريبة، كافلاً عدالتها وموضوعيتها، ومرتبطاً بالمقدرة
التكليفية لمموليها، فلا ينال اتخاذ الدخل قاعدة لها، من رءوس الأموال في ذاتها بما
يؤول إلى تآكلها أو يحول دون تراكمها، بل تظل قدراتها في مجال التنمية، باقية مصادرها،
متجددة روافدها.
كذلك فإن المشرع وإن توخي أصلاً بالضريبة التي يفرضها، أن يدبر من خلالها موارد مالية
لأشخاص القانون العام يقتضيها لنفقاتها، إلا أن طلبها هذه الموارد، لا يجوز أن يكون
توجهاً نهماً مؤثراً في بنيان الضريبة، محدداً أسسها وضوابطها؛ عاصفاً بحقوق الملكية
التي تتصل بها بما ينال من أصلها، أو يفقدها مقوماتها، أو يفصل عنها بعض أجزائها، أو
يقيد من نطاق الحقوق التي تتفرع عنها في غير ضرورة تقتضيها وظيفتها الاجتماعية. وهو
ما يعني أن أغراض الجباية وحدها لا تعتبر هدفاً يحدد للضريبة مسارها، ولا يجوز أن تهيمن
على تشكيل ملامحها. فذلك مما لا يحميه الدستور، وعلى الأخص كلما كان عبؤها فادحاً يحيل
أمرها عسراً.
وحيث إن فرض رسم تنمية على البيع بالمزاد، لم يكن مقرراً بمقتضى القانون رقم 147 لسنة
1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة، ولكنه صار كذلك عملاً بالمادة الأولى
من القانون رقم 5 لسنة 1986 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 147 لسنة 1984 المشار إليه،
والتي توخي المشرع بها – وعلى ما جاء بتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الخطة والموازنة
ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية – المضي قدماً في تصحيح مسار الدولة اقتصادياً
ومالياً بالنظر إلى الأوضاع التي يمر بها الموطن، والناشئة عن انخفاض الإيرادات الجارية
من العملات الحرة بسبب الهبوط الشديد والمفاجئ في أسعار الصادرات البترولية وانخفاض
عائدات قناة السويس والسياحة.
وحيث إن البند 13 المضاف بمقتضى القانون رقم 5 لسنة 1986 إلى المادة الأولى من القانون
رقم 147 لسنة 1984 المشار إليهما، يقضي بأن يفرض على البيع بالمزاد 5% من قيمة البيع
يلزم بها البائع. وعملاً بقرار وزير المالية رقم 76 لسنة 1986 باللائحة التنفيذية لهذا
القانون، يسري رسم التنمية المفروض بالبند 13 من المادة الأولى منه، على جميع عمليات
البيع بالمزاد، سواء أكان بيعاً اختيارياً أو قضائياً أو إدارياً.
وحيث إن البيع بالمزاد لا يفارق في طبيعته، غيره من البيوع، وكان ينبغي بالتالي أن
يعامل باعتباره من جنسها ومشمولاً بحكمها، فلا يقوم تمييز يفرده دونها برسم التنمية.
والقول بأن البيوع بالمزاد تكفل للأموال محلها أعلى الأسعار من خلال الإعلان عنها والترويج
لها والإغراء بها، مردود أولاً: بأن العروض الأفضل تفترض زيادة في قيمة الأموال التي
تتعلق بها، عن ثمنها عند تلقيها. وهو اعتبار لا ينحصر في البيوع التي أخضعها المشرع
دون غيرها لضريبة التنمية.
ومردود ثانياً: بأن ضريبة التنمية المطعون عليها تتناول قيمة البيوع التي أسفر المزاد
عنها، ومن ثم تكون هذه القيمة وعاء لتلك الضريبة. وإسناد الضريبة إلى هذه القيمة –
وسواء كانت تعبر عن زيادة أو نقص في القيمة الأصلية للمبيع – كان يقتضي انسحابها إلى
كل بيع سواء تم بالمزاد أو عن غير هذا الطريق.
ومردود ثالثاً: بأن البيوع بالمزاد لا تبلور دائماً فائضاً مضافاً إلى القيمة الأصلية
للأموال موضوعها، ذلك أن منها ما يكون اضطرارياً يتم في وقت غير ملائم، فلا يكون بيعها
مواتياً. وقد تدار هذه البيوع قضائياً أو إدارياً فلا يكون للقائمين على إجرائها مصلحة
مباشرة في اقتضاء ثمن عادل لها. وعندئذ لا تكون الضريبة التي فرضها المشرع إلا عبئاً
ينال من رؤوس الأموال ذاتها من خلال اقتطاعها لبعض أجزائها، وهو ما يخرج بهذه الضريبة
عن وظيفتها الأساسية بوصفها إسهاماً منطقياً من الملتزمين بها – كل بقدر سعته – في
النهوض بالأعباء التي يقتضيها تسيير وتنظيم وتطوير المرافق العامة، وكذلك إحداثها.
ومردود رابعاً: بأن العدل – وباعتباره قيمة مثلى – لا يعدو أن يكون مفهوماً مجرداً.
بيد أن العدل من منظور اجتماعي إنما يتحدد على ضوء القيم التي ارتضتها الجماعة خلال
زمن معين، وكان تقيدها بها مهيمناً على مظاهر سلوكها تعبيراً من جانبها عن أكثر المصالح
توافقاً مع الضمير الجماعي لأفرادها، فلا يكون القبول بها، إلا حلاً ملائماً لتنازع
توجهاتهم وتعارضها. ولئن جاز القول بأن تلك القيم لا تعني شيئاً ثابتاً باطراد، وأن
معانيها وغاياتها تتباين تبعاً لمعايير الضمير الاجتماعي ومستوياتها، وكان لا يجوز
على ضوء ما قد يقع من تعارض بين حقائق العدالة الاجتماعية ومتطلباتها العملية، أن يكون
تصورها ذاتياً، ولا أن تكون دائرة تطبيقها منغلقة على نفسها، إلا أن القيم التي يحتضنها
العدل – محدداً من منظور اجتماعي – تظل نتاج الخبرة التي صهرها العقل الجمعي، فلا يتلمس
المشرع طريقها بعيداً عما يراه الأفراد في مجوعهم حقاً وإنصافاً.
ولا يسوغ في إطار مفهوم الدستور للعدالة الاجتماعية التي جعلها قيداً على بنيان الضريبة
بكل العناصر التي يشتمل عليها، أن يتمثل هدفها في مجرد اجتناء حصيلتها لتغطية عجز قائم،
فلا يكون اختيار المشرع لأموال بذواتها متخذاً منها وعاء ضريبياً، موجهاً بغير الأغراض
المالية التي تتحرر بطبيعتها من كل قيد عليها؛ فلا تكون وطأتها إلا إهداراً للحق في
أن تتحدد موازين الضريبة وضوابطها وفق أسس موضوعية، تكون حيدتها ضماناً لاعتدالها،
وإنصافها نافياً جورها، فلا يقيمها المشرع انحرافاً بها عن صحيح بنيانها.
ومردود خامساً: بأن النصوص المطعون فيه يفترض أن البيوع بالمزاد دون غيرها من البيوع
التي تتم بطريق آخر، وكذلك دون غيرها من صور التعامل التي تخرج بها بعض الأموال بعوض
من ذمة أصحابها إلى غيرهم، هي وحدها التي تنتج ربحاً صافياً يجوز أن يكون محلاً لضريبة
التنمية، وهو افتراض لا يستقيم عقلاً، ومؤداه أن يكون هذا الإيراد – وباعتباره مضافاً
إلى أصول قيم الأموال التي تعلق بها – محققاً، منحصراً في البيوع بالمزاد دون غيرها،
قائماً بها في كل أحوالها وظروفها، وهو ما لا دليل عليه. ولئن جاز القول بأن ضريبة
التنمية التي فرضها المشرع على البيوع بالمزاد، أيسر من غيرها في مجال متابعتها وربطها
وتحصيلها، إلا أن هذا الاعتبار وحده لا يقيمها على أساس من الدستور.
ومردود سادساً: بأن التصرفات العقارية المنصوص عليها في المادة 19 من قانون الضرائب
على الدخل الصادر بالقانون رقم 157 لسنة 1981، وإن أخرجتها الفقرة الثالثة من المادة
الثانية من القانون رقم 147 لسنة 1984 المشار إليه من نطاق سريان ضريبة التنمية المنصوص
عليها في البند من مادته الأولى، إلا أن هذا القانون فرض على البيوع بالمزاد –
وبافتراض تحقيقها لأرباح شأنها في ذلك شأن غيرها من التصرفات القانونية المنصوص عليها
في المادة 19 من قانون الضرائب على الدخل – ضريبة التنمية التي نص عليها في البند 13،
متبنياً بذلك تمييزاً جائراً بين أشكال من التعامل لا تفصلها حدود واضحة عن بعضها البعض،
فلا تظهر الضريبة التي فرضها على هذه البيوع، إلا شائهة عصية على توفيقها مع أحكام
الدستور.
وحيث إنه متى كان ما تقدم فإن ضريبة التنمية التي فرضها المشرع على البيوع بالمزاد
تكون مخالفة لأحكام المواد 32، 34، 38، 40 من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
أولاً: بعدم دستورية البند 13 من المادة الأولى من القانون رقم 147 لسنة 1984 بفرض
رسم تنمية الموارد المالية للدولة.
ثانياً: بسقوط نص المادة 15 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادرة بقرار وزير
المالية رقم 76 لسنة 1986 مع الأحكام الأخرى المرتبطة بها والتي تضمنتها المواد 16،
17، 18، 19 من هذه اللائحة.
ثالثاً: بإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة