الرئيسية الاقسام القوائم البحث

قاعدة رقم الطعن رقم 55 لسنة 18 قضائية “دستورية”لم يتم التعرف على تاريخ الجلسة

أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 – صـ 540

جلسة 22 مارس 1997

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر – رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر – أمين السر.

قاعدة رقم
القضية رقم 55 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1 – دعوى دستورية "مناط المصلحة الشخصية المباشرة – انتفاؤها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي – بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها – عدم قبول الخصومة إلا من هؤلاء اللذين أضيروا من جريان النص المطعون فيه في شأنهم – انتفاء المصلحة إذا لم يكن هذا النص قد طبق على من أدعى مخالفته للدستور – أو كان من غير المخاطبين به أو كان قد أفاد من مزاياه – أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه.
2 – جزاء جناني "نص".
الجزاء الجنائي لا يفترض – لا عقوبة بغير نص يفرضها.
3 – تشريع "القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء: جزاء جنائي".
عدم إجازة هذا القانون تزويد المباني غير المرخص بإنشائها بالمرافق التي تلزمها. ليس هذا الجزاء عقاباً جنائياً.
4 – تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية".
الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط تحد من إطلاقها – جوهر هذه السلطة متمثل في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة لاختيار أكثرها تناسباً من الأغراض التي يتوخاها – المباني غير المرخص بإنشائها عمل عشوائي يهدد بتداعيها – تلك المضار تدخل المشرع لتوقيها – لا مخالفة في ذلك للدستور.
5 – تشريع "المادة 17 مكرراً من القانون رقم 106 لسنة 1976: حقوق".
عدم مساس هذا النص بحقوق الغير حسني النية، نتيجة لما هو منصوص عليه في المواد 15، 17 مكرراً ، 22 مكرراً من هذا القانون.
6 – تشريع "المادة 24 من قانون التخطيط العمراني الصادر بالقانون رقم 3 لسنة 1982: شروط".
شروط تقسيم الأراضي المعدة للبناء لا تعتبر في أغلب جوانبها وليدة الإرادة – صدورها وفق أحكام قانون التخطيط العمراني وبما لا يعارضها، بمراعاة أن هذا التخطيط إما أن يكون عاماً أو تفصيلياً.
7 – تشريع "المادة 22 من قانون التخطيط العمراني".
عدم جواز تنفيذ مشروع تقسيم أو إدخال تعديل في تقسيم معتمد أو قائم – أعمالاً لهذه المادة – إلا بعد اعتماده وفقاً لشروط هذا القانون ولائحته التنفيذية.
8 – تشريع "المادة 24 من قانون التخطيط العمراني: – قيود بنائية".
انقلاب الشروط التي تتضمنها قائمة التقسيم – بهذا النص – إلى قيود بنائية تأخذ حكم القيود القانونية التي تتضمنها قوانين المباني فلا يتحلل أحد منها – لا عدوان في ذلك على ولاية السلطة التشريعية – الحمل على تنفيذ هذه القيود عيناً عند مخالفتها أمر لازم.
المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان من المقرر كذلك أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، ومؤداه ألا تقبل الخصومة إلا من هؤلاء الذين أضيروا من جريان سريان النص المطعون عليه في شأنهم، سواء أكان هذا الضرر يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً، وبشرط أن يكون هذا الضرر مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية تسوية لآثاره، عائداً في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من أدعى مخالفته للدستور؛ أو كان من غير المخاطبين بأحكامه؛ أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه؛ دل ذلك على انتفاء مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص القانوني في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
متى كان ما تقدم، وكان النزاع الموضوعي يدور حول رفض شركة توزيع كهرباء القاهرة، توصيل التيار الكهربائي لبعض وحدات العقار رقم 17 شارع 263 بالمعادي على أساس عدم التقيد عند بناء هذا العقار بالردود القانونية ومخالفته قيود الارتفاع والشروط البنائية التي تتطلبها شركة المعادي للتنمية والتعمير، مما أدى إلى صدور عدد من القرارات التي تقضي بإزالة بعض أدواره؛ فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعية تتوافر في الطعن بعدم دستورية المادة 17 مكرراً من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، وكذلك المادة 24 من قانون التخطيط العمراني.
2 – الجزاء الجنائي لا يفترض، ولا عقوبة بغير نص يفرضها.
3 – قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، حدد حصراً الأفعال التي أثمها. ولئن كان هذا القانون لم يجز تزويد المباني بالمرافق التي تلزمها إلا بعد صدور شهادة من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم تفيد صدور ترخيص بإحداثها، ومطابقتها لشروط التراخيص، ولأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية، إلا أن هذا الجزاء لا يتمحض عقاباً جنائياً، بل هو نتيجة مترتبة بالضرورة على مخالفة نص المادة 4 من هذا القانون التي تقضي بأن الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم في شأن المباني التي يراد إنشاؤها أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها، يعتبر شرطاً لازماً لإجراء هذه الأعمال، تقيداً بمواصفاتها، وضماناً لخضوعها للأصول الفنية التي يقتضيها تنفيذها، وبما يكفل سلامتها، ودون ما إخلال بالقواعد الصحية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
4 – الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. ويتمثل جوهر هذه السلطة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التي تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التي يقدر مناسبتها أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها. وكلما كان التنظيم التشريعي مرتبطاً منطقياً بهذه الأغراض – وبافتراض مشروعيتها – كان هذا التنظيم موافقاً للدستور. والمباني التي يقيمها أصحابها بدون ترخيص، تفتقر في الأعم من الأحوال لشروط متانتها. ولا تلتئم كذلك والأوضاع التنظيمية المتطلبة فيها، بل تكون عملاً عشوائياً يهدد بتداعيها، ويفقدها قيمها الجمالية، بما يخل بأمن سكانها وجيرانهم، ويحتم إخلاءها، وتلك جميعها مضار تدخل المشرع لتوقيها درءاً لمفاسدها، وبما لا مخالفة فيه للدستور.
5 – النص المطعون فيه لا يتضمن مساساً بحقوق الغير حسني النية، ذلك أن المادة 15 من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، تخول الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم أن تصدر في شأن الأعمال المخالفة، قراراً بوقفها.
ولها أيضاً أن تتخذ التدابير التي تحول بها دون الانتفاع بهذه الأعمال أو إجراء أعمال بناء جديدة فيها، وذلك بشرط عدم الإضرار بحقوق الغير حسني النية.
وعليها كذلك أن تعلن عن الأعمال المخالفة بلافتة تعلنها في مكان ظاهر بموقع العقار، تبين فيها نطاق هذه الأعمال والتدابير التي اتخذتها بشأنها. ويعتبر المالك مسئولاً عن بقاء هذه اللافتة في مكانها – ببياناتها الواضحة – إلى أن تزال المخالفة أو يتم تصحيحها.
كذلك تقضي المادة 17 مكرراً من هذا القانون ببطلان الأعمال القانونية التي يكون محلها وحدة أقيمت بالمخالفة لقيود الارتفاع المصرح بها قانوناً. وتجرم المادة 22 مكرراً من هذا القانون، عدم تضمين عقود بيع أو تأجير الوحدات الخاضعة لأحكامه، البيانات المنصوص عليها في مادته الثانية عشر مكرراً . وهذه – بدورها – تقرر جزاءً مدنياً في شأنها يتمثل في عدم شهر عقود بيعها أو تأجيرها إذا لم تحرر على نموذج يتضمن ما تعلق من بياناتها بالترخيص الصادر في شأن بنائها أو تعليتها، والجهة التي صدر عنها هذا الترخيص، والأدوار المرخص بها وعدد وحداتها، وغير ذلك مما تحدده اللائحة التنفيذية.
6 – شروط تقسيم الأراضي المعدة للبناء، لا تعتبر في أغلب جوانبها وليدة الإرادة، بل تصدر وفق أحكام قانون التخطيط العمراني، وبما لا يعارضها، وبمراعاة أن هذا التخطيط إما يكون عاماً أو تفصيلياً.
ويعتبر أولهما شاملاً الصورة الإجمالية للمدن والقرى التي ينتظمها، كافلاً احتياجاتها العمرانية على المدى الطويل، قائماً على ضوء أوضاعها البيئية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، ودون إخلال بمتطلبات الدفاع القومي، ولا بوضع المدينة أو القرية بالنسبة إلى المحافظة والإقليم الواقعة به، أو الأقاليم المحيطة، وما تقضي به المخططات الإقليمية المعتمدة، وغير ذلك من الأوضاع التي تبينها اللائحة التنفيذية.
ويصدر ثانيهما بعد اعتماد التخطيط العام للمدينة أو القرية، متضمناً إعداد التخطيط التفصيلي للمناطق التي يتكون منها التخطيط العام مشتملاً تحديداً على ارتفاع المباني وطابعها المعماري، وكثافتها السكانية والبنائية، وعدد وحداتها وأماكن خدماتها ومرافقها وشوارعها، وحدود أبعاد قطع الأراضي ومساحاتها، والأجزاء التي تشغلها المباني منها، والشروط الخاصة بالمناطق التاريخية والسياحية والأثرية بما يكفل الحفاظ عليها وفقاً للقوانين المنظمة لها، وغير ذلك من الشروط التي تتوخى صون النواحي الجمالية.
وللوحدة المحلية – وإلى أن يتم إعداد التخطيط العام والتخطيط التفصيلي – وضع مشروعات بخطط تفصيلية لبعض الأراضي بالمدينة أو القرية متضمنة احتياجاتها العمرانية وشروط تقسيمها.
7 – عملاً بنص المادة 22 من قانون التخطيط العمراني، لا يجوز تنفيذ مشروع تقسيم أو إدخال تعديل في تقسيم معتمد أو قائم إلا بعد اعتماده وفقاً للشروط والأوضاع المنصوص عليها في هذا القانون ولائحته التنفيذية – بل إن المادة 15 من هذا القانون، صريحة في إلزامها الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم بالوحدة المحلية المختصة، بأن تتحقق قبل الانتهاء من فحص طلب اعتماد مشروع التقسيم، من سلامته فنياً، ومطابقته لأحكام هذا القانون.
8 – ما تغياه النص المطعون فيه من اعتبار الشروط الصادر بها قرار التقسيم، شروطاً بنائية تأخذ حكم القواعد القانونية التي تتضمنها قوانين المباني ولوائحها، هو إعمال لهذه الشروط بوصفها شريعة نافذة، فلا يتحلل أحد منها.
ولا عدوان في ذلك على ولاية السلطة التشريعية في مجال إقرار القوانين وفقاً لنص المادة 86 من الدستور، ذلك أن هذه السلطة ذاتها هي التي تنظم بتشريعاتها قواعد البناء في مدن مصر وقراها، وهي قواعد لا يتصور أن تعارضها شروط التقسيم، بل تستمد هذه الشروط – في أغلبها – مصدرها المباشر من نص القانون.
وحتى لو قيل بأن بعض الشروط التي تتضمنها قائمة التقسيم مصدرها الاتفاق، وأنها بذلك تعتبر حقوق ارتفاق في شأن المباني محلها، وأنها تتبادل – فيما بينها – مزاياها وأعباءها، إلا أن انقلابها بالنص المطعون فيه إلى قيود بنائية من نوع القيود التي تتضمنها القوانين واللوائح التي تنظم هذا الموضوع، يفيد انسلاخها عن صفتها كحقوق ارتفاق، واندراجها تحت القيود القانونية التي يقتضيها التنظيم العام لحق الملكية، فلا يجوز تجاهلها، بل يكون الحمل على تنفيذها عيناً – عند مخالفتها – لازماً.


الإجراءات

في الثالث من يونيو سنة 1996، أودعت المدعية قلم كتاب المحكمة صحيفة الدعوى الماثلة، طالبة الحكم بعدم دستورية المادة 17 مكرراً من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، وكذلك الحكم بعدم دستورية المادة 24 من قانون التخطيط العمراني الصادر بالقانون رقم 3 لسنة 1982. وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعية وآخرين، كانوا قد أقاموا ضد المدعى عليه السابع الدعوى رقم 14319 لسنة 1995 مدني شمال القاهرة بطلب إلزامه بتوصيل الكهرباء إلى الوحدات السكنية المملوكة لهم، والكائنة بالعقار رقم 17 شارع 263 بالمعادي في أدواره الرابع والخامس والسادس والسابع فوق الأرضي، وذلك على سند من أن قرار إزالة الدور الثامن بهذا العقار قد قضي بوقف تنفيذه من محكمة القضاء الإداري، وأثناء نظر محكمة شمال القاهرة الابتدائية لهذه الدعوى، دفعت المدعية بعدم دستورية نص المادة 17 مكرراً المضافة بالقانون رقم 25 لسنة 1992 إلى القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، وكذلك بعدم دستورية المادة 24 من قانون التخطيط العمراني الصادر بالقانون رقم 3 لسنة 1982.
وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع وصرحت للمدعية باللجوء إلى طريق الطعن بعدم الدستورية، فقد أقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن النصين المطعون عليهما بعدم الدستورية في الدعوى الراهنة يجريان كالآتي:
أولاً: المادة 17 مكرراً من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء، ونصها: –
"لا يجوز للجهات القائمة على شئون المرافق، تزويد العقارات المبنية أو أي من وحداتها بخدماتها، إلا بعد تقديم صاحب الشأن شهادة من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم تفيد صدور ترخيص بالمباني المقامة، ومطابقتها لشروط الترخيص ولأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية".
ثانيا: المادة 24 من قانون التخطيط العمراني الصادر بالقانون رقم 3 لسنة 1982، ونصها:
"تعتبر الشروط الواردة بالقائمة المنصوص عليها بالمادة السابقة، شروطاً بنائية تأتي في مرتبة الأحكام الواردة بقوانين ولوائح المباني، وتسري على مناطق التقاسيم التي تناولتها. وعلى الوحدة المحلية مراقبة تطبيق تلك الشروط، والتمسك بها في مواجهة المقسمين والمشترين واتخاذ كافة القرارات والإجراءات التي تكفل وضعها موضع التنفيذ وفقاً لأحكام هذا القانون".
وتنص المادة 23 من هذا القانون – المحال إليها بمقتضى المادة الرابعة والعشرين – على ما يأتي "يجب أن يذكر في عقود التعامل على قطع التقسيم، القرار الصادر باعتماد التقسيم، وقائمة الشروط الخاصة به، وأن ينص فيها على سريان هذه القائمة على المشترين وخلفائهم مهما تعاقبوا. وعلى مصلحة الشهر العقاري والتوثيق مراعاة ذلك.
وتعتبر قائمة الشروط المشار إليها جزءاً من قرار التقسيم، وتسري عليها أحكام هذا القانون، كما تعتبر الشروط الواردة بها حقوق ارتفاق يجوز للمشترين والمقسم أن يتمسكوا بها قبل بعضهم البعض".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن تتوافر ثمة علاقة منطقية بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية المطروحة على هذه المحكمة، لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان من المقرر كذلك أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، ومؤداه ألا تقبل الخصومة إلا من هؤلاء الذين أضيروا من جريان سريان النص المطعون عليه في شأنهم، سواء أكان هذا الضرر يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً، وبشرط أن يكون هذا الضرر مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية تسوية لآثاره، عائداً في مصدره إلى النص المطعون فيه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من أدعى مخالفته للدستور؛ أو كان من غير المخاطبين بأحكامه؛ أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه؛ دل ذلك على انتفاء مصلحته الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص القانوني في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النزاع الموضوعي يدور حول رفض شركة توزيع كهرباء القاهرة، توصيل التيار الكهربائي لبعض وحدات العقار رقم 17 شارع 263 بالمعادي على أساس عدم التقيد عند بناء هذا العقار بالردود القانونية ومخالفته قيود الارتفاع والشروط البنائية التي تتطلبها شركة المعادي للتنمية والتعمير، مما أدى إلى صدور عدد من القرارات التي تقضي بإزالة بعض أدواره؛ فإن المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعية تتوافر في الطعن بعدم دستورية المادة 17 مكرراً من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، وكذلك المادة 24 من قانون التخطيط العمراني.
وحيث إن المدعية تنعي على المادة 17 مكرراً من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، مخالفتها للمادتين 66 و184 من الدستور، تأسيساً على أن الجهات الإدارية والشرطة هي التي كان يتعين عليها أن تتولى بنفسها تنفيذ أحكام قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، إلا أن المشرع افترض عجزها عن هذا التنفيذ، وآثر أن يتولاه حسنو النية الذين يستأجرون الوحدات السكنية أو يشترونها، وحرمهم من المرافق العامة التي تلزمها، مهدراً بذلك آدميتهم من خلال إيقاع عقوبة صارمة عليهم بغير حكم قضائي.
وحيث إن هذا النعي بكل أوجهه مردود، أولاً: بأن الجزاء الجنائي لا يفترض، ولا عقوبة نص يفرضها.
ومردود ثانياً: بأن قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، حدد حصراً الأفعال التي أثمها. ولئن كان هذا القانون لم يجز تزويد المباني بالمرافق التي تلزمها إلا بعد صدور شهادة من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم تفيد صدور ترخيص بإحداثها، ومطابقتها لشروط التراخيص، ولأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية، إلا أن هذا الجزاء لا يتمحض عقاباً جنائياً، بل هو نتيجة مترتبة بالضرورة على مخالفة نص المادة 4 من هذا القانون التي تقضي بأن الحصول على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم في شأن المباني التي يراد إنشاؤها أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها، يعتبر شرطاً لازماً لإجراء هذه الأعمال، تقيداً بمواصفاتها، وضماناً لخضوعها للأصول الفنية التي يقتضيها تنفيذها، وبما يكفل سلامتها، ودون ما إخلال بالقواعد الصحية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
ومردود ثالثاً: بأن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة تعتبر تخوماً لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. ويتمثل جوهر هذه السلطة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – في المفاضلة التي يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التي تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التي يقدر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق الأغراض التي يتوخاها. وكلما كان التنظيم التشريعي مرتبطاً منطقياً بهذه الأغراض – وبافتراض مشروعيتها – كان هذا التنظيم موافقاً للدستور. والمباني التي يقيمها أصحابها بدون ترخيص، تفتقر في الأعم من الأحوال لشروط متانتها. ولا تلتئم كذلك والأوضاع التنظيمية المتطلبة فيها، بل تكون عملاً عشوائياً يهدد بتداعيها، ويفقدها قيمها الجمالية، بما يخل بأمن سكانها وجيرانهم، ويحتم إخلاءها، وتلك جميعها مضار تدخل المشرع لتوقيها درءاً لمفاسدها، وبما لا مخالفة فيه للدستور.
ومردود رابعاً: بأن النص المطعون فيه لا يضمن مساساً بحقوق الغير حسني النية، ذلك أن المادة 15 من قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء، تخول الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم أن تصدر في شأن الأعمال المخالفة، قراراً بوقفها.
ولها أيضاً أن تتخذ التدابير التي تحول بها دون الانتفاع بهذه الأعمال أو إجراء أعمال بناء جديدة فيها، وذلك بشرط عدم الإضرار بحقوق الغير حسني النية.
وعليها كذلك أن تعلن عن الأعمال المخالفة بلافتة تعلنها في مكان ظاهر بموقع العقار، تبين فيها نطاق هذه الأعمال والتدابير التي اتخذتها بشأنها. ويعتبر المالك مسئولاً عن بقاء هذه اللافتة في مكانها – ببياناتها الواضحة – إلى أن تزال المخالفة أو يتم تصحيحها.
وتقضي المادة 17 مكرراً من هذا القانون ببطلان الأعمال القانونية التي يكون محلها وحدة أقيمت بالمخالفة لقيود الارتفاع المصرح بها قانوناً. كذلك تجرم المادة 22 مكرراً من هذا القانون، عدم تضمين عقود بيع أو تأجير الوحدات الخاضعة لأحكامه، البيانات المنصوص عليها في مادته الثانية عشر مكرراً . وهذه – بدورها – تقرر جزاء مدنياً في شأنها يتمثل في عدم شهر عقود بيعها أو تأجيرها إذا لم تحرر على نموذج يتضمن ما تعلق من بياناتها بالترخيص الصادر في شأن بنائها أو تعليتها، والجهة التي صدر عنها هذا الترخيص، والأدوار المرخص بها وعدد وحداتها، وغير ذلك مما تحدده اللائحة التنفيذية.
ومردود خامساً: بأن من يقومون بشراء مكان معد للسكنى أو باستئجاره، لا يلتزمون وفقاً للنص المطعون فيه، بمراقبة الخاضعين لأحكام قانون توجيه وتنظيم أعمال البناء لحملهم على التقيد بها، والامتناع عن مخالفتها، وحتى لو فعل – وهو غير متصور – فإن ذلك لا يخولهم حقوقاً ليس لها سند من أحكام هذا القانون ويندرج تحتها إدخالهم مرافق لمبان لم يصدر ترخيص بإنشائها، ولا بإجراء أعمال فيها، ولا بتعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها أو تشطيبها.
وحيث إن المدعية تنعي على المادة 24 من قانون التخطيط العمراني، مخالفتها لنص المادة 86 من الدستور، تأسيساً على معاملتها الشروط التي تتضمنها قائمة التقسيم – وهي شروط يتفق عليها الأفراد فيما بينهم – باعتبارها شروطاً بنائية ترقى مرتبتها إلى النصوص القانونية التي تشتمل عليها قوانين المباني ولوائحها، واغتصابها بالتالي الاختصاص المقرر للسلطة التشريعية بمقتضى نص المادة 86 من الدستور في مجال إقرار القوانين، وهي ولاية لا يجوز أن تتخلى عنها، ولا أن تعهد لغيرها بها.
وحيث إن هذا النعي مردود، أولاً: بأن شروط تقسيم الأراضي المعدة للبناء، لا تعتبر في أغلب جوانبها وليدة الإرادة، بل تصدر وفق أحكام قانون التخطيط العمراني، وبما لا يعارضها، وبمراعاة أن هذا التخطيط إما يكون عاماً أو تفصيلياً.
ويعتبر أولهما شاملاً الصورة الإجمالية للمدن والقرى التي ينتظمها، كافلاً احتياجاتها العمرانية على المدى الطويل، قائماً على ضوء أوضاعها البيئية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية، ودون إخلال بمتطلبات الدفاع القومي، ولا بوضع المدينة أو القرية بالنسبة إلى المحافظة والإقليم الواقعة به، أو الأقاليم المحيطة، وما تقضي به المخططات الإقليمية المعتمدة، وغير ذلك من الأوضاع التي تبينها اللائحة التنفيذية.
ويصدر ثانيهما بعد اعتماد التخطيط العام للمدينة أو القرية، متضمناً إعداد التخطيط التفصيلي للمناطق التي يتكون منها التخطيط العام مشتملاً تحديداً على ارتفاع المباني وطابعها المعماري، وكثافتها السكانية والبنائية، وعدد وحداتها وأماكن خدماتها ومرافقها وشوارعها، وحدود أبعاد قطع الأراضي ومساحاتها، والأجزاء التي تشغلها المباني منها، والشروط الخاصة بالمناطق التاريخية والسياحية والأثرية بما يكفل الحفاظ عليها وفقاً للقوانين المنظمة لها، وغير ذلك من الشروط التي تتوخى صون النواحي الجمالية.
وللوحدة المحلية – وإلى أن يتم إعداد التخطيط العام والتخطيط التفصيلي – وضع مشروعات بخطط تفصيلية لبعض الأراضي بالمدينة أو القرية متضمنة احتياجاتها العمرانية وشروط تقسيمها.
ومردود ثانياً: بأنه عملاً بنص المادة 22 من قانون التخطيط العمراني، لا يجوز تنفيذ مشروع تقسيم أو إدخال تعديل في تقسيم معتمد أو قائم إلا بعد اعتماده وفقاً للشروط والأوضاع المنصوص عليها في هذا القانون ولائحته التنفيذية – بل إن المادة 15 من هذا القانون، صريحة في إلزامها الجهة الإدارية المختصة بشئون التخطيط والتنظيم بالوحدة المحلية المختصة، بأن تتحقق قبل الانتهاء من فحص طلب اعتماد مشروع التقسيم، من سلامته فنياً، ومطابقته لأحكام هذا القانون.
ومردود ثالثاً: بأن ما تغياه النص المطعون فيه من اعتبار الشروط الصادر بها قرار التقسيم، شروطاً بنائية تأخذ حكم القواعد القانونية التي تتضمنها قوانين المباني ولوائحها، هو إعمال لهذه الشروط بوصفها شريعة نافذة، فلا يتحلل أحد منها.
ولا عدوان في ذلك على ولاية السلطة التشريعية في مجال إقرار القوانين وفقاً لنص المادة 86 من الدستور، ذلك أن هذه السلطة ذاتها هي التي تنظم بتشريعاتها قواعد البناء في مدن مصر وقراها، وهي قواعد لا يتصور أن تعارضها شروط التقسيم، بل تستمد هذه الشروط – في أغلبها – مصدرها المباشر من نص القانون.
وحتى لو قيل بأن بعض الشروط التي تتضمنها قائمة التقسيم مصدرها الاتفاق، وأنها بذلك تعتبر حقوق ارتفاق في شأن المباني محلها، وأنها تتبادل – فيما بينها – مزاياها وأعباءها، إلا أن انقلابها بالنص المطعون فيه إلى قيود بنائية من نوع القيود التي تتضمنها القوانين واللوائح التي تنظم هذا الموضوع، يفيد انسلاخها عن صفتها كحقوق ارتفاق، واندراجها تحت القيود القانونية التي يقتضيها التنظيم العام لحق الملكية، فلا يجوز تجاهلها، بل يكون الحمل على تنفيذها عيناً – عند مخالفتها – لازماً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعية المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات