الرئيسية الاقسام القوائم البحث

قاعدة رقم الطعن رقم 78 لسنة 17 قضائية “دستورية” – جلسة 01 /02 /1997 

أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 – صـ 324

جلسة 1 فبراير سنة 1997

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف. وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر -أمين السر.

قاعدة رقم
القضية رقم 78 لسنة 17 قضائية "دستورية"

1- دعوى دستورية "تقدير جدية الدفع: قرار ضمني".
ليس لازماً في مجال تقدير جدية الدفع أن تتخذ فيه محكمة الموضوع قراراً صريحاً، بل يكفيها أن يكون قرارها في هذا الشأن ضمنياً مستفاداً من عيون الأوراق.
2- دعوى دستورية "مناط المصلحة الشخصية المباشرة".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يتوافر ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها.
3- دستور "حق الملكية: صونها" – إجارة (تنظيم خاص – ضرورة".
التدابير الاستثنائية التي فرضها المشرع لمواجهة أزمة الإسكان قد آل أمرها إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها – تطبيقها ظل مرتبطاً بالضرورة التي أملتها لا يجاوز قدرها – وإلا اعتبر إقرارها فيما وراءها منافياً للمادتين 32، 34 من الدستور اللتين تكفلان صون الملكية الخاصة.
4- إجارة "تدابير استثنائية" – حرية التعاقد.
الأصل في النصوص القانونية التي أملتها الضرورة أن يكون إعمالها مشروطاً بتوافر موجباتها وبقدرها – من غير الجائز اعتبار التدابير الاستثنائية في مجال العلائق الإيجارية حلاً نهائياً لمشكلاتها – ضرورة عدول المشرع عنها عند زوال مبرراتها والاعتداد بحرية التعاقد بوصفها الأصل.
5- إجارة "قوانين استثنائية: أجرة".
غاية القوانين الاستثنائية التي تدخل بها المشرع لتقدير أجرة الأماكن التي حددتها، أن يكون هذا التقدير محدداً وفق ضوابط لا تجوز مخالفتها – تطبيقها لازماً في مجال سريان القانون الذي أوجبها.
6- تشريع "المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر: أجرة".
النص المشار إليه – فما يتعلق بالأماكن التي أخرجها من نطاق تطبيق القواعد الآمرة لتحديد الأجرة وجواز الطعن في الأحكام الصادرة في شأنها – إنما يعيد العلائق الإيجارية إلى الأصل.
7- تشريع "المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981: مساواة".
انتظام هذا النص المخاطبين بأحكامه بقواعد موحدة لا تمييز فيها بين فئاتهم: لا مخالفة فيه للدستور.
8- تشريع "المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981: حق التقاضي".
تقدير أجرة الأماكن المخصصة لغير أغراض السكنى غدا عائداً إلى طرفي العلاقة الإيجارية وفقاً لهذا القانون – اتفاقهما بشأنها منتج لأثاره – لكل ذي شأن فيه حق التداعي فيما نشأ عنه من الحقوق: لا إخلال بحق التقاضي.
1- ليس لازماً – في مجال تقدير جدية الدفع المثار أمام محكمة الموضوع – أن تتخذ فيه قراراً صريحاً يكون قاطعاً بما اتجهت إليه عقيدتها، بل يكفيها أن يكون قرارها في هذا الشأن ضمنياً مستفاداً من عيون الأوراق، ومن ذلك تعليقها الفصل في النزاع الموضوعي على ما يفيد رفع الدعوى الدستورية في شأن النصوص القانونية المدفوع أمامها بعدم دستوريتها، إذ لو كان ما طرح عليها في شأن مناعيها لا يستقيم عندهم عقلاً، لكان قرارها إرجاء النزاع الموضوعي حتى الفصل فيها من المحكمة الدستورية العليا، لغواً.
2- المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يتوافر ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، قد مايز – في مجال تحديد الأجرة – بين الأماكن المؤجرة لأغراض السكنى، وغيرها من الأماكن التي ألحق المشرع الإسكان الفاخر بها؛ وكانت المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعي تنحصر في إبطال هذا التمييز، لإخضاع الأماكن المؤجرة جميعها – التي يتعلق بها مجال تطبيق هذا القانون – لقواعد موحدة تطبقها لجان تحديد الأجرة، وتقرر على ضوئها أجرة أقل للعين التي يشغلها، فإن دعواه الدستورية تتقيد بهذا النطاق، وبه يتحدد موضوعها.
3- القيود التي يفرضها المشرع على حق الملكية، كثيراً ما تتناول الانتفاع بالأعيان المؤجرة التي قدر أن تزايد الطلب عليها مع قلة المعروض منها يقتضى أحاطتها بتدابير استثنائية خرج فيها على القواعد العامة في عقد الإجارة، مستهدفاً بها على الأخص الحد من حرية المؤجر في تقدير الأجرة، واعتبار العقد ممتداً بقوة القانون بذات شروطه الأصلية عدا المدة والأجرة. ولئن جاز القول بأن هذه التدابير الاستثنائية التي فرضها المشرع لمواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها، قد آل أمرها إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، مع تعلقها بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على عقود الإجارة القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها، إلا أن تطبيقها ظل مرتبطاً بالضرورة التي أملتها بوصفها باعثها وإطارها. وما كان لسريانها بالتالي أن ينفصل عن مبرراتها، ولا أن يجاوز مداها قدر هذه الضرورة، وإلا اعتبر إقرارها فيما وراءها منافياً لنص المادتين 32 و34 من الدستور اللتين تكفلان صون الملكية الخاصة – لا تدمير أصلها أو بعض عناصرها – ولا تتسامحان فيها يفرض عليها من القيود عدا تلك التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وبافتراض نأيها عن الاستغلال.
4- الأصل في النصوص القانونية التي اقتضتها الضرورة أن يكون إعمالها مشروطاً بتوافر موجباتها، وبقدرها. ولا يجوز بالتالي أن تعتبر التدابير الاستثنائية التي تدخل بها المشرع في مجال العلائق الإيجارية – من أجل ضبطها – حلاً نهائياً ودائماً لمشكلاتها، فلا يتحول المشرع عنها، بل عليه أن يعيد النظر فيها، وأن يَعْدِل عنها عند زوال مبرراتها، وأن تُخْلى هذه التدابير عندئذ مكانها لحرية التعاقد بوصفها الحرية الأصل في العقود جميعها. وكلما قدر المشرع إنهاء التدابير الاستثنائية التي كان قد فرضها في شأن الأعيان المؤجرة، دل ذلك على أن شروط التعاقد لتأجيرها أضحت عملاً اتفاقياً يكفي لانعقاده أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتيهما مع تطابقهما.
5، 6، 7- القوانين الاستثنائية التي درج المشرع على التدخل بها لتقدير أجرة الأماكن التي حددتها، غايتها أن يكون هذا التقدير محدداً وفق ضوابط ومعايير لا تجوز مخالفتها، بل يكون تطبيقها لازماً في مجال سريان القانون الذي أوجبها؛ وكان الأصل المقرر بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981 السابق الإشارة إليه، هو ألا تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى – واعتباراً من تاريخ العمل بأحكامه – على 7% من قيمة الأرض والبناء؛ وكان ذلك مؤداه أن تتولى لجان تقدير الأجرة المنصوص عليها في المادة الثالثة من هذا القانون، اختصاصها في مجال تحديد مبلغها، وفقاً للأسس والمعايير التي ضبطها المشرع بها؛ وكان لا اختصاص لهذه اللجان بتقدير أجرة أماكن أعدها أصحابها لغير أغراض السكنى، ولا أجرة مساكن يعتبر مستواها فاخراً بالنظر إلى موقعها ومكوناتها وأعمال تشطيبها، وغير ذلك من مواصفاتها التي حددتها اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار وزير التعمير رقم 766 لسنة 1981، وإلا وقع قرارها بتقدير الأجرة باطلاً بطلاناً مطلقاً لخروجها عن حدود ولايتها، وكان المدعي قد توخي بدعواه، إرجاع قيود استثنائية قدر المشرع في نطاق تطبيق هذا القانون، إنهاءها لمجاوزتها قدر الضرورة الاجتماعية التي تطلبتها؛ وكان لا يتصور أن يكون استلاب الناس أموالهم حقاً لأحد، ولا أن تقدر الضرورة بعيداً عن حقائقها؛ وكان النص المطعون فيه يعيد العلائق الإيجارية إلى الأصل فيها بعد أن اختل التوازن بين أطرافها اختلالاً جسيماً، وغدا تنظيمها منافياً لطبيعتها، متغولاً حدود التضامن الاجتماعي التي كفلتها المادة 7 من الدستور، وقوامها وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال روابط أفرادها ليكون بعضهم لبعض ظهيراً، فلا يتفرقون بدداً؛ وكان النص المطعون فيه – وفيما يتعلق بالأماكن التي أخرجها من نطاق تطبيق القواعد الآمرة لتحديد الأجرة وجواز الطعن في الأحكام الصادرة بشأنها – إنما يَرُد الحقوق لأصحابها، ويقيم ميزانها عدلاً وإنصافاً، فإن إدعاء مخالفته للدستور – وقد تغيا هذه الأغراض، وانتظم المخاطبين بأحكامه بقواعد موحدة لا تمييز فيها بين فئاتهم – يكون لغواً.
8- اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون – وفي مجال تطبيق أحكامه – لم يعد الحق في تقدير أجرة الأماكن التي خصصها أصحابها لغير أغراض السكنى، مقيداً بقواعد آمرة لا تجوز مخالفتها، بل صار أمر تحديد مبلغها عائداً إلى طرفي العلاقة الإيجارية يدخلان فيها بإرادتيهما، ويقرران معاً شروطها ومن بينها مقدار الأجرة. ويعتبر هذا الاتفاق بالتالي شريعتهما التي لا يجوز أصلاً نقضها أو تعديلها – وعملاً بنص المادة 147 من القانون المدني – إلا بتراضيهما. ويظل هذا الاتفاق منتجاً لآثاره إلى أن يزول وجوده قانوناً سواء بالانقضاء أو الانحلال أو الإبطال. ولكل ذي شأن فيه حق التداعي فيما نشأ عنه من الحقوق، دون قيود مالية أو عوائق إجرائية تنال من محتواه، لا إخلال – من ثم – بحق التقاضي.


الإجراءات

بتاريخ 3 ديسمبر 1995، أودع المدعي هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد استأجر من المدعى عليه الثالث عيناً لاستعمالها مكتباً للمحاماة بأجرة شهرية قدرها مائة جنيه وعشرة تؤدى مقدماً أول كل شهر. وإزاء تأخره في إيفائها، فقد أنذره المؤجر بدفعها، ثم أقام ضده الدعوى رقم 10608 لسنة 1993 أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإخلائه من العين. وأثناء نظر هذه الدعوى، أقام المستأجر دعواه الفرعية رقم 49 لسنة 1994 أمام المحكمة ذاتها طالباً الحكم بخفض الأجرة المقدرة عن المكان المؤجر إلى عشرين جنيهاً إلى أن تحدد لجان التقدير أجرتها، مستنداً في ذلك إلى أن العقار منشأ قبل عام 1954 ويعامل بالتالي – في مجال تحديد الأجرة – وفقاً لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1977 دون أحكام القانون رقم 136 لسنة 1981 الصادرين كليهما في شأن تأجير وبيع الأماكن المرخص في إقامتها اعتباراً من تاريخ نفاذه في 31/ 7/ 1981.
وبجلستها المعقودة في 16/ 2/ 1994، قررت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية ضم الدعوى الثانية إلى الأولى للارتباط وليصدر فيها حكم واحد، ثم قضت بجلستها المعقودة في 30/ 3/ 1994 – وقبل الفصل في الدعوى الفرعية – بندب خبير لتحديد الأجرة القانونية للعين والقانون الواجب التطبيق في شأنها. وإذ أودع الخبير تقريره منتهياً فيه إلى أن المكان المؤجر أقيم في ظل العمل بالقانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، فقد دفع المدعي في الدعوى الفرعية – المستأجر – بعدم دستورية هذا القانون، فأرجأت محكمة الموضوع الفصل في النزاع الموضوعي إلى أن يقدم ما يدل على رفع دعواه الدستورية، فأقامها.
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت الدعوى الدستورية بعدم قبولها، مستندة في ذلك إلى وجهين، أولهما: أن تأجيل الفصل في النزاع الموضوعي إلى أن يقدم المدعي ما يفيد الطعن بعدم الدستورية، لا يعتبر تصريحاً منها برفعها. ثانيهما: أن المدعي لم يبين ما إذا كانت الوحدة المؤجرة إليه من الإسكان الفاخر أو من غيره، ولم يحدد كذلك موضوع الدعويين الأصلية والفرعية والطلبات فيهما، بل جاء مجهلاً بكل ذلك، وبالتالي بنطاق المسألة الدستورية التي تُدعى هذه المحكمة للفصل فيها.
وحيث إن هذا الدفع بوجهيه مردود، أولاً: بأنه ليس لازماً – في مجال تقدير جدية الدفع المثار أمام محكمة الموضوع – أن تتخذ فيه قراراً صريحاً يكون قاطعاً بما اتجهت إليه عقيدتها، بل يكفيها أن يكون قرارها في هذا الشأن ضمنياً مستفاداً من عيون الأوراق، ومن ذلك تعليقها الفصل في النزاع الموضوعي على ما يفيد رفع الدعوى الدستورية في شأن النصوص القانونية المدفوع أمامها بعدم دستوريتها، إذ لو كان ما طرح عليها في شأن مناعيها لا يستقيم عندها عقلاً، لكان قرارها إرجاء النزاع الموضوعي حتى الفصل فيها من المحكمة الدستورية العليا، لغواً.
ومردود ثانياً: بأن المدعي أبان في صحيفة دعواه الدستورية – وبما لا تجهيل فيه – عن أن القانون رقم 136 لسنة 1981 قد مايز – في مجال تحديد الأجرة – بين الأماكن المهيأة للسكنى من غير الإسكان الفاخر، وغيرها من الأماكن المؤجرة التي يشملها هذا القانون، مخالفاً في ذلك نص المادتين 40 و68 من الدستور. والدعويان – الأصلية والفرعية – محددتان كذلك نطاقاً، باعتبار أن أولاهما تتعلق بطلب إخلاء المدعي من العين التي يشغلها بعد أن تراخى في أجرتها، وثانيتهما: بطلب رد ما زاد من الأجرة التي دفعها عن حدودها المقررة قانوناً. وهما معاً مرتبطتان، والحكم في المسائل الدستورية التي دعيت هذه المحكمة للفصل فيها، يؤثر عليهما معاً.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يتوافر ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها؛ وكان القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، قد مايز – في مجال تحديد الأجرة – بين الأماكن المؤجرة لأغراض السكنى، وغيرها من الأماكن التي ألحق المشرع الإسكان الفاخر بها؛ وكانت المصلحة الشخصية والمباشرة للمدعي تنحصر في إبطال هذا التمييز، لإخضاع الأماكن المؤجرة جميعها – التي يتعلق بها مجال تطبيق هذا القانون – لقواعد موحدة تطبقها لجان تحديد الأجرة، وتقرر على ضوئها أجرة أقل للعين التي يشغلها، فإن دعواه الدستورية تتقيد بهذا النطاق، وبه يتحدد موضوعها.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أن "فيما عدا الإسكان الفاخر، لا يجوز أن تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون على 7% من قيمة الأرض والمباني وعلى ألا تقل المساحة المؤجرة لهذه الأغراض عن ثلثي مساحة العقار……".
وحيث إن المدعي في الدعوى الدستورية، نعى على هذه الفقرة مخالفتها للدستور، وذلك تأسيساً على أن المشرع مايز بين الأماكن تبعاً لنوع استخداماتها، فبينما جعل الإسكان الفاخر والأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى بمنأى عن الخضوع لقواعد تحديد الأجرة من خلال اللجان التي نص عليها، أخضع ما عداها لهذا التحديد، كافلاً بذلك أن يكون عمل هذه اللجان مقصوراً على الأماكن المهيأة للسكنى من غير الإسكان الفاخر، فلا تمتد قواعد تحديد الأجرة لسواها، مما يخل بمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وكذلك بحق التقاضي المنصوص عليهما في المادتين 40 و68 من الدستور.
وحيث إن القيود التي يفرضها المشرع على حق الملكية، كثيراً ما تتناول الانتفاع بالأعيان المؤجرة التي قدر أن تزايد الطلب عليها مع قلة المعروض منها يقتضي أحاطتها بتدابير استثنائية خرج فيها على القواعد العامة في عقد الإجارة، مستهدفاً بها على الأخص الحد من حرية المؤجر في تقدير الأجرة، واعتبار العقد ممتداً بقوة القانون بذات شروطه الأصلية ما عدا المدة والأجرة. ولئن جاز القول بأن هذه التدابير الاستثنائية التي فرضها المشرع لمواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها، قد آل أمرها إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، مع تعلقها بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على عقود الإجارة القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها، إلا أن تطبيقها ظل مرتبطاً بالضرورة التي أملتها بوصفها باعثها وإطارها. وما كان لسريانها بالتالي أن ينفصل عن مبرراتها، ولا أن يجاوز مداها قدر هذه الضرورة، وإلا اعتبر إقرارها فيما وراءها منافياً لنص المادتين 32 و34 من الدستور اللتين تكفلان صون الملكية الخاصة – لا تدمير أصلها أو بعض عناصرها – ولا تتسامحان فيما يفرض عليها من القيود عدا تلك التي تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وبافتراض نأيها عن الاستغلال.
وحيث إن ما تقدم مؤداه – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الأصل في النصوص القانونية التي اقتضتها الضرورة أن يكون إعمالها مشروطاً بتوافر موجباتها، وبقدرها. ولا يجوز بالتالي أن تعتبر التدابير الاستثنائية التي تدخل بها المشرع في مجال العلائق الإيجارية – من أجل ضبطها – حلاً نهائياً ودائماً لمشكلاتها، فلا يتحول المشرع عنها، بل عليه أن يعيد النظر فيها، وأن يعْدِل عنها عن زوال مبرراتها، وأن تُخْلى هذه التدابير عندئذ مكانها لحرية التعاقد بوصفها الحرية الأصل في العقود جميعها. وكلما قدر المشرع إنهاء التدابير الاستثنائية التي كان قد فرضها في شأن الأعيان المؤجرة، دل ذلك على أن شروط التعاقد لتأجيرها أضحت عملاً اتفاقياً يكفي لانعقاده أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتيهما مع تطابقهما.
وحيث إن القوانين الاستثنائية التي درج المشرع على التدخل بها لتقدير أجرة الأماكن التي حددتها، غايتها أن يكون هذا التقدير محدداً وفق ضوابط ومعايير لا تجوز مخالفتها، بل يكون تطبيقها لازماً في مجال سريان القانون الذي أوجبها؛ وكان الأصل المقرر بمقتضى المادة الأولى من القانون رقم 136 لسنة 1981 السابق الإشارة إليه، هو ألا تزيد الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى – واعتباراً من تاريخ العمل بأحكامه – على 7% من قيمة الأرض والبناء؛ وكان ذلك مؤداه أن تتولى لجان تقدير الأجرة المنصوص عليها في المادة الثالثة من هذا القانون، اختصاصها في مجال تحديد مبلغها، وفقاً للأسس والمعايير التي ضبطها المشرع بها؛ وكان لا اختصاص لهذه اللجان بتقدير أجرة أماكن أعدها أصحابها لغير أغراض السكنى، ولا أجرة مساكن يعتبر مستواها فاخراً بالنظر إلى موقعها ومكوناتها وأعمال تشطيبها، وغير ذلك من مواصفاتها التي حددتها اللائحة التنفيذية لهذا القانون الصادر بها قرار وزير التعمير رقم 766 لسنة 1981، وإلا وقع قرارها بتقدير الأجرة باطلاً بطلاناً مطلقاً لخروجها عن حدود ولايتها؛ وكان المدعي قد توخي بدعواه، إرجاع قيود استثنائية قدر المشرع في نطاق تطبيق هذا القانون، إنهاءها لمجاوزتها قدر الضرورة الاجتماعية التي تطلبتها؛ وكان لا يتصور أن يكون استلاب الناس أموالهم حقاً لأحد، ولا أن تقدر الضرورة بعيداً عن حقائقها؛ وكان النص المطعون فيه يعيد العلائق الإيجارية إلى الأصل فيها بعد أن اختل التوازن بين أطرافها اختلالاً جسيماً، وغدا تنظيمها منافياً لطبيعتها، متغولاً حدود التضامن الاجتماعي التي كفلتها المادة 7 من الدستور، وقوامها وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال روابط أفرادها ليكون بعضهم لبعض ظهيرا، فلا يتفرقون بدداً؛ وكان النص المطعون فيه – وفيما يتعلق بالأماكن التي أخرجها من نطاق تطبيق القواعد الآمرة لتحديد الأجرة وجواز الطعن في الأحكام الصادرة بشأنها – إنما يَرُد الحقوق لأصحابها، ويقيم ميزانها عدلاً وإنصافاً، فإن إدعاء مخالفته للدستور – وقد تغيا هذه الأغراض، وانتظم المخاطبين بأحكامه بقواعد موحدة لا تمييز فيها بين فئاتهم – يكون لغواً.
وحيث إن ما ينعاه المدعي من أن القانون رقم 136 لسنة 1981 المشار إليه، قد أخل بحق التقاضي المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور، بعد أن قصر عمل لجان تحديد الأجرة على الأماكن المهيأة للسكنى من غير الإسكان الفاخر دون غيرها، ولم يجز الطعن في مقدار الأجرة بعد تحديدها، مردود بأن اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون – وفي مجال تطبيق أحكامه – لم يعد الحق في تقدير أجرة الأماكن التي خصصها أصحابها لغير أغراض السكنى، مقيداً بقواعد آمرة لا تجوز مخالفتها، بل صار أمر تحديد مبلغها عائداً إلى طرفي العلاقة الإيجارية يدخلان فيها بإرادتيهما، ويقرران معاً شروطها ومن بينها مقدار الأجرة. ويعتبر هذا الاتفاق بالتالي شريعتهما التي لا يجوز أصلاً نقضها أو تعديلها – وعملاً بنص المادة 147 من القانون المدني – إلا بتراضيهما. ويظل هذا الاتفاق منتجاً لآثاره إلى أن يزول وجوده قانوناً سواء بالانقضاء أو الانحلال أو الإبطال. ولكل ذي شأن فيه حق التداعي فيما نشأ عنه من الحقوق، ودون قيود مالية أو عوائق إجرائية تنال من محتواه.
وحيث إنه متى كان كل ما تقدم، وكان النص المطعون فيه لا يتعارض مع أي حكم في الدستور من أوجه أخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وبمصادرة الكفالة وألزمت المدعي المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات