الرئيسية الاقسام القوائم البحث

القاعدة رقم الطعن رقم 5 لسنة 18 قضائية “دستورية” – جلسة 01 /02 /1997 

أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الثامن
من أول يوليو 1996 حتى آخر يونيو 1998 – صـ 310

جلسة 1 فبراير سنة 1997

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر -رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد علي سيف الدين – أعضاء، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر -أمين السر.

القاعدة رقم
القضية رقم 5 لسنة 18 قضائية "دستورية"

1- دعوى دستورية "شرط المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها".
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يتحقق ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التي تقوم عليها الدعوى الموضوعية – وجوب أن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع.
2- تشريع "القانونان رقما 577 لسنة 1954، 10 لسنة 1990 بشأن نزع الملكية: تأقيت الاستيلاء".
التنظيم العام لسلطة الاستيلاء على العقار – وفقاً لهذين القانونين – حتى مع قيام حالة الضرورة الملجئة التي تسوغ مباشرتها – يجعل توقيتها شرطاً جوهرياً لازماً لممارستها.
3- تشريع "القانون رقم 521 لسنة 1955: استيلاء"
تخويل وزير التعليم بمقتضى هذا القانون سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم دون تقيد بزمن معين – احتواؤه على تنظيم خاص – مناقضته لأصل تأقيت الاستيلاء.
4- دستور "الدولة القانونية".
الدولة القانونية – وفقاً لنص المادتين 64، 65 من الدستور – تتقيد في كافة مظاهر نشاطها بقواعد قانونية تعلو عليها.
5- الدولة القانونية "استيلاء".
خضوع الدولة للقانون يقتضيها ألا يكون الاستيلاء على أموال بذواتها منتهياً إلى نزع ملكيتها – الاستيلاء يكون كذلك إذا كان ممتداً إلى غير حد.
6- استيلاء "تأقيت"
الاستيلاء لا يعتبر بديلاً عن نزع الملكية جبراً عن أصحابها – تأقيت الاستيلاء يكون من الناحية الدستورية لازماً.
7- الملكية الخاصة "حمايتها – وظيفتها الاجتماعية – استيلاء نهائي".
الحماية المكفولة للملكية الخاصة دستورياً في إطار وظيفتها الاجتماعية، تفترض ألا ترهق القيود المفروضة عليها جوهر بنيانها – الاستيلاء نهائياً على أموال بذواتها لا يصون حرمتها.
8- تشريع "القانون رقم 521 لسنة 1995: افتئات على الملكية".
إطلاق هذا القانون زمن الاستيلاء من كل قيد – افتئاته من ثم على الملكية.
9- استيلاء "قوانين تأجير الأماكن" – حرية التعاقد – مصلحة مشروعة.
النص في هذه القوانين على اعتبار الأماكن الصادرة في شأنها قرارات استيلاء مؤجرة إلى الجهات التي تم الاستيلاء لصالحها – حلول قرار الاستيلاء بذلك محل عقد الإيجار – وجوب ارتباط الاستيلاء بزمن معين ومقابل تعويض عادل – حرية التعاقد هي الأصل – من غير المتصور أن تخلي هذه الحرية مكانها لإجراء يقوضها ما لم يكن كافلاً لمصلحة مشروعة تربو عليها.
10- ملكية خاصة "تنظيم".
لا يجوز لجهة الإدارة أن تعيد تنظيم نطاق المصالح التي يحميها حق الملكية إلا وفقاً للأحكام المنصوص عليها في الدستور. الملكية وإن كان يجوز تنظيمها إلا أن هذه السلطة التنظيمية لا يجوز أن تجاوز بمداها الحدود اللازمة لضبطها – إطلاق هذه السلطة من عقالها يعتبر أخذاً للملكية من أصحابها. مشروعية المصلحة في هذا التنظيم حدها قواعد الدستور – انقضاض المشرع على المزايا التي تنتجها الملكية يعتبر تجريداً لأصحابها منها.
11- استيلاء – تشريع "القانون رقم 521 لسنة 1955: غصب للأموال".
الاستيلاء وفقاً لهذا القانون ليس موقوتاً – خروج العقارات محله من السلطة الفعلية لأصحابها – تعطيله وظائفها – يعدل هذا الاستيلاء في الآثار التي يرتبها نزع الملكية من أصحابها دون تعويض، وفي غير الأحوال المنصوص عليها في القانون. اعتبار ذلك غصباً للملكية وعدوان عليها.
1- المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يتحقق ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان القانون المطعون عليه – رقم 521 لسنة 1955- قد تضمن مادتين فصلتا الأحكام الموضوعية التي انتظمها، تخول أولاهما وزير التربية والتعليم أن يصدر قرارات بالاستيلاء على العقارات الخالية اللازمة لوزارة التعليم ومعاهدها، والجهات التي تعاونها في أداء رسالتها. وتنص ثانيتهما على إلغاء القانون رقم 76 لسنة 1947 السابق عليه؛ وكان الاستيلاء قد صار – وعملاً بنص المادة الأولى من القانون اللاحق – ممتداً إلى غير حد، بعد أن كان موقوتاً وفقاً لنص المادة الثانية من القانون الملغى، فإن مصلحة المدعية تنحصر في الطعن على المادة الأولى من القانون الجديد، دون غيرها من الأحكام التي تضمنها هذا القانون.
2- التنظيم العام لسلطة الاستيلاء المؤقت على العقار، تقرر من خلال قانونين هما القانون رقم 577 لسنة 1954 والقانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع الملكية، وقد حدد أولهما مدة الاستيلاء بما لا يجاوز سنين ثلاثاً، يبدأ سريانها من تاريخ الاستيلاء الفعلي على العقار على أن يعود إلى أصحابه بالحالة التي كان عليها عند الاستيلاء. ولا يجوز مد هذه المدة إلا عند الضرورة، وباتفاق ذوي الشأن على المدة الزائدة، فإذا صار هذا الاتفاق متعذراً، تعين قبل انقضاء المدة الأصلية بوقت ملائم، أن تتخذ الجهة الإدارية الإجراءات التي يقتضيها نزع ملكية العقار. وقد اعتنق ثانيهما هذه القواعد ذاتها باستثناء أن مدة الاستيلاء تعتبر منتهية بانتهاء الأغراض التي توخاها، أو بمضي ثلاث سنين من تاريخ الاستيلاء الفعلي أيهما أقرب.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن هذا التنظيم العام لسلطة الاستيلاء على العقار – حتى مع قيام حالة الضرورة الملجئة التي تسوغ مباشرتها – يعارض استمرار آثارها إلى غير حد، ويجعل توقيتها شرطاً جوهرياً لازماً لممارستها، فلا يكون تراميها في الزمان ملتئماً مع طبيعتها، بل منافياً للأصل فيها، كافلاً عملاً نزع ملكية الأموال محلها بغير الوسائل التي رسمها القانون لهذا الغرض.
3- القانون المطعون فيه نقض هذا الأصل في شأن العقارات التي تحتاجها وزارة التعليم ومعاهدها أو الجهات التي تعاونها في أداء رسالتها، مخولاً وزير التعليم سلطة الاستيلاء عليها دون تقيد بزمن معين، ومفصحاً عن هذا الاتجاه من خلال إلغاء القانون السابق عليه – وهو القانون رقم 76 لسنة 1947- الذي جعل مدة الاستيلاء غايتها سنة واحدة لا يجوز تجديدها إلا بعد تجديد العمل بهذا القانون، وناعياً على هذا التحديد افتقاره إلى المرونة الكافية التي تقتضيها الضرورة العملية التي تسوغ الاستيلاء.
متى كان ذلك، وكان القانون المطعون فيه قد صدر متضمناً تنظيماً خاصاً لسلطة الاستيلاء التي يباشرها وزير التعليم، فإن هذا التنظيم لا يكون مقيداً بالإطار العام لهذه السلطة محدداً على ضوء الأحكام التي أوردها في شأنها القانونان رقما 577 لسنة 1954 و10 لسنة 1990 على التوالي، ذلك أن كل تنظيم عام لا يقيد القواعد القانونية التي تضمنها تنظيم خاص، ولا يعتبر محدداً لمجال تطبيقها أو معدلاً لها، وإنما يقتصر أثره على تكملتها فيما لا نص عليه فيها.
4، 5، 6- ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الدولة القانونية – وفقاً لنص المادتين 64 و65 من الدستور – هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها بقواعد قانونية تعلو عليها، وتكون ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها بأشكالها المختلفة؛ وكان خضوعها للقانون على هذا النحو، يقتضيها ألا يكون الاستيلاء على أموال بذواتها منتهياً إلى نزع ملكيتها جبراً عن أصحابها، وهو يكون كذلك إذا كان ممتداً إلى غير حد، معطلاً حقهم في الحصول على التعويض كاملاً عنها بقدر قيمتها ومؤدياً عملاً إلى تقويض دعائمها، فلا يكون انتفاعهم بها ممكناً؛ وكان الاستيلاء لا يعتبر بديلاً عن نزع الملكية، ولا موازياً لتجريد أصحابها منها، أو معادلاً في أثره لزوالها عنهم، إلا إذا استطال زمناً ينفلت به عن حدود الدائرة التي كان ينبغي أن يعمل فيها، فإن التقيد بنطاقها يكون – من الناحية الدستورية – لازماً.
7، 8- الحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة في إطار وظيفتها الاجتماعية، تفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها المشرع عليها جوهر بنيانها، وألا يكون شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة وجودها، وينحدر بالحماية المقررة لها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية؛ وكان الاستيلاء نهائياً على أموال بذواتها لا يصون حرمتها، ولو ظل سند ملكيتها بيد أصحابها؛ وكان القانون المطعون فيه قد أطلق زمن الاستيلاء من كل قيد، وصار بالتالي ممتداً دون حد، ما لم تقرر الجهة الإدارية بنفسها رد الأموال المستولى عليها لأصحابها؛ وكان صون الملكية الخاصة وإعاقتها لا يجتمعان، فإن هدم بنيانها من خلال قيود ترهقها مع استمرارها دون مبرر، يكون افتئاتاً عليها، منافياً للحق فيها.
9- ما تنص عليه قوانين إيجار الأماكن على تعاقبها – بدءاً بالقانون رقم 121 لسنة 1947 وانتهاء بالقانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر – من أن الأماكن الصادرة في شأنها قرارات استيلاء تعتبر مؤجرة إلى الجهات التي تم الاستيلاء لصالحها، مؤداه أن يقوم قرار الاستيلاء مقام عقد الإيجار خلافاً للأصل في القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن التي يقتصر مجال سريانها على العلائق الإيجارية التي أنشأتها إرادة أطرافها، وبافتراض صحتها إلى حين انتهاء مدتها قانوناً؛ وكان هذا الاستيلاء، وإن توخي أصلاً تحقيق أغراض تقتضيها الضرورة، كاستيلاء وزارة التعليم على الدور اللازمة للمدارس، إلا أن هذه الضرورة ينبغي أن تقدر بقدرها، فلا يكون الاستيلاء إلا مقيداً زمناً، ومقابل تعويض عادل، وبشرط أن تُرد الأموال المستولى عليها إلى أصحابها – خالية مما يثقلها – بعد انتهاء مدة محددة يكون زمنها مرتبطاً باعتدالها، فلا يقوم قرار الاستيلاء على أموال بذاتها صحيحاً إذ ظل نفاذه متراخياً دون ضابط، أو صدر مقيداً بزمن محدود، ولكن دون ما ضرورة تقتضيه، بل كان انحياز من الجهة الإدارية لعسفها، أو خياراً غير مبرر من جانبها. ذلك أن حرية التعاقد هي الأصل في العقود جميعاً، فلا تنشئها إلا الإرادة الواعية، وهي كذلك تقضيها، ولا يتصور أن تخلي هذه الحرية مكانها لإجراء ينال منها أو يقوضها، ما لم يكن كافلاً لمصلحة مشروعة تربو عليها.
10- نزع ملكية بعض الأموال، وإن كان يفترض تعطيل وظائفها بإخراجها من حوزة أصحابها؛ وكان من المقرر أنه لا يجوز لجهة الإدارة أن تعيد تنظيم نطاق المصالح التي يحميها حق الملكية إلا وفقاً للأحكام المنصوص عليها في الدستور، ولا أن تنال دون مقتض من هذا الحق من خلال سلطاتها البوليسية؛ وكان ثابتاً كذلك أن الملكية في ذاتها لا يجوز أن يؤول أمرها إلى زوال تبعاً لثقل القيود التي تفرض عليها، وتتابعها وامتدادها زمناً، فلا يبقى من منافعها شيئاً ذا قيمة، فقد غدا لازماً توكيد أن الملكية وإن كان يجوز تنظيمها، إلا أن هذه السلطة التنظيمية "لا يجوز أن تجاوز بمداها الحدود اللازمة لضبطها، وإلا اعتبر إطلاقها من عقالها، وتجردها من كوابحها، أخذاً للملكية من أصحابها". ولئن كان هذا المعيار العام مرناً لا يتضمن حصراً لصور تطبيقه، إلا أن من البديهي أن ما يعتبر اقتحاماً مادياً ودائما للملكية، لا يخرج عن أن يكون اعتصاراً لمحتواها. وكذلك الأمر كلما كان التنظيم التشريعي لحق الملكية حائلاً دون استعمالها اقتصادياً في الأغراض المقصودة منها، أو معطلاً كل خيار لأصحابها في توجيهها إنتاجياً وفق ما يقدرون أكفل لمصالحهم.
ولا يجوز أن يقال عندئذ بأن للدولة مصلحة مشروعة في هذا التنظيم، من خلال ترتيبها لأوضاع تتصل بتطوير مجتمعها، واستثارة ملامحها الإيجابية، ذلك أن مشروعية المصلحة حدها قواعد الدستور، إذ هي مدخلها وقاعدة بنيانها، ولا يتصور أن تقوم المصلحة على خلافها، وما الملكية إلى المزايا التي تنتجها وتتصل بها، فإذا أنقض المشرع عليها، كان ذلك تجريداً لأصحابها منها.
11- البين من النصوص التي تضمنها القانون المطعون فيه، أن الاستيلاء وفقاً للأحكام التي تضمنتها مادته الأولى، ليس موقوتاً، بل متراخياً إلى غير حد، وموكولاً انتهاؤه إلى السلطة التقديرية لوزير التعليم، فلا يبقى من الأموال التي يرد عليها شيء من منافعها، بل تخرج بتمامها من السلطة الفعلية لأصحابها، مع حرمانهم من كل فائدة اقتصادية يمكن أن تعود عليهم منها، وبما يعطل وظائفها عملاً. وهو ما يعدل – في الآثار التي يرتبها – نزع الملكية من أصحابها دون تعويض، وفي غير الأحوال التي نص عليها القانون، وبعيداً عن القواعد الإجرائية التي رسمها، بما يعتبر غصباً لها يحيل أصلها عدماً. بل إن اغتيالها على هذا النحو يمثل أسوأ صور العدوان عليها، لاتخاذه الشرعية ثوباً وإطاراً، وانحرافه عنها قصداً ومعنى، فلا تكون الملكية التي كفل الدستور صونها إلا سراباً أو وهماً.


الإجراءات

بتاريخ 25 يناير سنة 1996، أودعت المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب الحكمة الدستورية العليا، بطلب الحكم بعدم دستورية القانون رقم 521 لسنة 1955 بتخويل وزير التربية والتعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت في ختامها الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً برفضها.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق. والمداولة.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعية تمتلك الفيلا رقم 1 شارع عابد بالطالبية محافظة الجيزة، إلا أنها لظروف عائلية انتقلت منها إلى الإسكندرية لتقيم بها، بعد تأجيرها الفيلا إلى آخرين مكثوا فيها حتى 1951.
بيد أن منطقة الجيزة التعليمية فاجأتها بأن قراراً بالاستيلاء عليها قد صدر عن وزير التعليم، وأن أجرتها قد قدرت بمبلغ ستين جنيهاً شهرياً، وذلك إعمالاً لأحكام القانون النافذ آنئذ وهو القانون رقم 76 لسنة 1947 الذي يخول هذا الوزير سلطة الاستيلاء على أي عقار خال يكون لازماً للوزارة أو للمعاهد التعليمية.
بل إن الوزارة أنشأت بعدئذ بعض المباني على الأرض المحيطة بالفيلا، دون علمها وموافقتها مما حملها على أن تعرض على الوزارة نزع ملكيتها مع ملحقاتها، إلا أن الوزارة – وبعد قبولها لهذا العرض – لم تمض قدماً في تنفيذه، فأقامت ضدها دعواها رقم 9702 لسنة 1991 أمام محكمة الجيزة الابتدائية. طالبة في صحيفتها الحكم أصلياً باستحقاقها العقار، واحتياطياً تقدير قيمته تمهيداً لنقل ملكيته إلى الوزارة بمقدارها.
وقد قضت محكمة أول درجة برفض دعواها، وأثناء نظر استئنافها عن هذا الحكم المقيد أمام محكمة استئناف القاهرة برقم 5952 لسنة 112 قضائية، دفعت بعدم دستورية أحكام القانون رقم 521 لسنة 1955 الصادر بتخويل وزارة التعليم سلطة الاستيلاء على أي عقار خال يدون لازماً لاحتياجاتها أو لمعاهد التعليم.
وإذا قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، فقد أقامت المدعية دعواها الدستورية الماثلة.
وحيث إن المدعية تنعي على القانون المطعون فيه، الإخلال بالأحكام التي نظم بها الدستور الأساس الاقتصادي للدولة، وكذلك تلك التي كفل بها صون الملكية الخاصة، وأخضع الدولة على ضوئها للقانون – وهي المنصوص عليها في المواد 4 و32 و34 و65 من الدستور – وذلك تأسيساً على أوجه ثلاثة.
أولها: أن الأصل في سلطة الاستيلاء على العقار، أنها استثنائية ينبغي أن تتم في أضيق الحدود، ولمواجهة ظروف ملحه لا تحتمل التأخير، وأن يكون مداها موقوتاً بمدة محددة. فإذا استطال زمن الاستيلاء، وصار ممتداً دون قيد، عدواناً على الملكية الخاصة التي كفل الدستور صونها بعناصرها جميعاً، ويندرج تحتها استعمال واستغلال المالك للشيء في كل الأغراض التي أعد لها، جنياً لثماره. بل أن أثر هذا النوع من الاستيلاء لا يقتصر على تعطيل هذين العنصرين اللذين لا يتصور بقاء حق الملكية كاملاً بدونهما، بل يتعداه إلى إنهاء فرص التعامل في الأموال المستولى عليها بعد انحدار قيمتها، وهو ما يعتبر عدواناً عليها، وإخلالاً بحرية التعاقد التي يندرج مفهومها تحت الحرية الشخصية التي صانها الدستور، مرتقياً بها إلى مدارج الحقوق الطبيعية، ونكولاً – فوق هذا – عن ضوابط الشرعية الدستورية التي يجب أن تلتزمها الدولة القانونية في أعمالها وتصرفاتها.
ثانيهما: أن تجريد من يملكون من ملكيتهم، لا يجوز إلا وفقاً للأحكام التي نظمها قانون نزع الملكية. ولئن جاز الاستيلاء استثناء على أموال تراها وزارة التعليم لازمة لها أو لمعاهدها، إلا أن ابتلاع القاعدة من خلال مستثنياتها غير متصور، بل يتعين أن تفرض القاعدة العامة وجودها، وألا يفسر الاستثناء منها إلا في أضيق الحدود. وكان ينبغي على وزارة التعليم أن تبادر من تلقاء نفسها إلى التخلي عن الفيلا المتنازع عليها والأرض التي تحيطها بعد تعذر اتفاقها مع أصحابها على قيمة يقبلونها للنزول عنها، أو أن تتخذ بمبادرة منها إجراءات نزع ملكيتها.
ثالثها: أن النص في قوانين إيجار الأماكن على اعتبار الأماكن المستولى عليها مؤجرة للجهات التي تقرر الاستيلاء لصالحها، يفيد بالضرورة أن يكون الاستيلاء عليها موقوتاً بعد أن استثنتها هذه القوانين من الأحكام التي فرضتها في شأن مقدار الأجرة وامتداد الإجارة امتداداً قانونياً بعد انتهاء مدتها. ولا يتصور بعدئذ أن يكون الاستيلاء غير مقيد بزمن معين، ولا أن يخل بالتوازن المفترض في شأن علائق إيجارية قوامها الإرادة، ولا سيما وأن من غير الجائز أن تمتد القيود التي يفرضها المشرع على حق الملكية، إلى الدائرة التي اعتبرها الدستور مجالاً حيوياً لهذا الحق، وإلا كان إبطالها لازماً.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يتحقق ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة التي تقوم عليها الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع؛ وكان القانون المطعون عليه – رقم 521 لسنة 1955- قد تضمن مادتين فصلتا الأحكام الموضوعية التي انتظمها، تخول أولاهما وزير التربية والتعليم أن يصدر قرارات بالاستيلاء على العقارات الخالية اللازمة لوزارة التعليم ومعاهدها، والجهات التي تعاونها في أداء رسالتها. وتنص ثانيتهما على إلغاء القانون رقم 76 لسنة 1947 السابق عليه؛ وكان الاستيلاء قد صار – وعملاً بنص المادة الأولى من القانون اللاحق – ممتداً إلى غير حد، بعد أن يكون موقوتاً وفقاً لنص المادة الثانية من القانون الملغى، فإن مصلحة المدعية تنحصر في الطعن على المادة الأولى من القانون الجديد، دون غيرها من الأحكام التي تضمنها هذا القانون.
وحيث إن التنظيم العام لسلطة الاستيلاء المؤقت على العقار، تقرر من خلال قانونين هما القانون رقم 577 لسنة 1954 والقانون رقم 10 لسنة 1990 بشأن نزع الملكية، وقد حدد أولهما مدة الاستيلاء بما لا يجاوز سنين ثلاثاً، يبدأ سريانها من تاريخ الاستيلاء الفعلي على العقار على أن يعود بعد انتهائها إلى أصحابه بالحالة التي كان عليها عند الاستيلاء. ولا يجوز مد هذه المدة إلا عند الضرورة، وباتفاق ذوي الشأن على المدة الزائدة، فإذا صار هذا الاتفاق متعذراً، تعين قبل انقضاء المدة الأصلية بوقت ملائم، أن تتخذ الجهة الإدارية الإجراءات التي يقتضيها نزع ملكية العقار. وقد اعتنق ثانيهما هذه القواعد ذاتها باستثناء أن مدة الاستيلاء تعتبر منتهية بانتهاء الأغراض التي توخاها، أو يمضي ثلاث سنين من تاريخ الاستيلاء الفعلي أيهما أقرب.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن هذا التنظيم العام لسلطة الاستيلاء على العقار – حتى مع قيام حالة الضرورة الملجئة التي تسوغ مباشرتها – يعارض استمرار آثارها إلى غير حد، ويجعل توقيتها شرطاً جوهرياً لازماً لممارستها، فلا يكون تراميها في الزمان ملتئماً مع طبيعتها، بل منافياً للأصل فيها، كافلاً عملاً نزع ملكية الأموال محلها بغير الوسائل التي رسمها القانون لهذا الغرض.
بيد أن القانون المطعون فيه نقض هذا الأصل في شأن العقارات التي تحتاجها وزارة التعليم ومعاهدها أو الجهات التي تعاونها في أداء رسالتها، مخولاً وزير التعليم سلطة الاستيلاء عليها دون تقيد بزمن معين، ومفصحاً عن هذا الاتجاه من خلال إلغاء القانون السابق عليه – وهو القانون رقم 76 لسنة 1947- الذي جعل مدة الاستيلاء غايتها سنة واحدة لا يجوز تجديدها إلا بعد تجديد العمل بهذا القانون، وناعياً على هذا التحديد افتقاره إلى المرونة الكافية التي تقتضيها الضرورة العملية التي تسوغ الاستيلاء.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان القانون المطعون فيه قد صدر متضمناً تنظيماً خاصاً لسلطة الاستيلاء التي يباشرها وزير التعليم، فإن هذا التنظيم لا يكون مقيداً بالإطار العام لهذه السلطة محدداً على ضوء الأحكام التي أوردها في شأنها القانونان رقما 577 لسنة 1954 و10 لسنة 1990 على التوالي، ذلك أن كل تنظيم عام لا يقيد القواعد القانونية التي تضمنها تنظيم خاص، ولا يعتبر محدداً لمجال تطبيقها أو معدلاً لها، وإنما يقتصر أثره على تكملتها فيما لا نص عليه فيها.
وحيث إن ما ذهبت إليه هيئة قضايا الدولة من أن القانون المطعون فيه يعيد تنظيم الملكية الخاصة في إطار وظيفتها الاجتماعية، ودون إخلال بالضوابط التي فرضها الدستور في شأنها، مردود أولاً: بما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الدولة القانونية – وفقاً لنص المادتين 64 و65 من الدستور – هي التي تتقيد في كافة مظاهر نشاطها بقواعد قانونية تعلو عليها، وتكون ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها بأشكالها المختلفة؛ وكان خضوعها للقانون على هذا النحو، يقتضيها ألا يكون الاستيلاء على أموال بذواتها منتهياً إلى نزع ملكيتها جبراً عن أصحابها، وهو يكون كذلك إذا كان ممتداً إلى غير حد، معطلاً حقهم في الحصول على التعويض كاملاً عنها بقدر قيمتها، ومؤدياً عملاً إلى تقويض دعائمها، فلا يكون انتفاعهم بها ممكناً؛ وكان الاستيلاء لا يعتبر بديلاً عن نزع الملكية، ولا موازياً لتجريد أصحابها منها، أو معادلاً في أثره لزوالها عنهم، إلا إذا استطال زمناً ينفلت به عن حدود الدائرة التي كان ينبغي أن يعمل فيها، فإن التقيد بنطاقها يكون – من الناحية الدستورية – لازماً.
ومردود ثانياً: بأن الحماية التي كفلها الدستور للملكية الخاصة في إطار وظيفتها الاجتماعية، تفترض ألا ترهق القيود التي يفرضها المشرع عليها جوهر بنيانها، وألا يكون من شأنها تعطيل الانتفاع بها بما يفقدها علة وجودها، وينحدر بالحماية المقررة لها إلى ما دون مستوياتها الموضوعية؛ وكان الاستيلاء نهائياً على أموال بذواتها لا يصون حرمتها، ولو ظل سند ملكيتها بيد أصحابها؛ وكان القانون المطعون فيه قد أطلق زمن الاستيلاء من كل قيد وصار بالتالي ممتداً دون حد، ما لم تقرر الجهة الإدارية بنفسها رد الأموال المستولى عليها لأصحابها؛ وكان صون الملكية الخاصة وإعاقتها لا يجتمعان، فإن هدم بنيانها من خلال قيود ترهقها مع استمرارها دون مبرر، يكون افتئاتاً عليها، منافياً للحق فيها.
وحيث إن ما تنص عليه قوانين إيجار الأماكن على تعاقبها – بدءاً بالقانون رقم 131 لسنة 1947 وانتهاء بالقانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر – من أن الأماكن الصادرة في شأنهم قرارات استيلاء تعتبر مؤجرة إلى الجهات التي تم الاستيلاء لصالحها، مؤداه أن يقوم قرار الاستيلاء مقام عقد الإيجار، خلافاً للأصل في القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن التي يقتصر مجال سريانها على العلائق الإيجارية التي أنشأتها إرادة أطرافها، وبافتراض صحتها إلى حين انتهاء مدتها قانوناً؛ وكان هذا الاستيلاء، وإن توخي أصلاً تحقيق أغراض تقتضيها الضرورة، كاستيلاء وزارة التعليم على الدور اللازمة للمدارس؛ إلا أن هذه الضرورة ينبغي أن تقدر بقدرها، فلا يكون الاستيلاء إلا مقيداً زمناً، ومقابل تعويض عادل، وبشرط أن ترد الأموال المستولى عليها إلى أصحابها – خالية مما يثقلها – بعد انتهاء مدة محددة يكون زمنها مرتبطاً باعتدالها، فلا يقوم قرار الاستيلاء على أموال بذاتها صحيحاً إذا ظل نفاذه متراخياً دون ضابط، أو صدر مقيداً بزمن محدود، ولكن دون ما ضرورة تقتضيه، بل كان انحيازاً من الجهة الإدارية لعسفها، أو خياراً غير مبرر من جانبها. ذلك أن حرية التعاقد هي الأصل في العقود جميعها، فلا تنشئها إلا الإرادة الواعية، وهي كذلك تقتضيها، ولا يتصور أن تخلي هذه الحرية مكانها لإجراء ينال منها أو يقوضها، ما لم يكن كافلاً لمصلحة مشروعة تربو عليها.
وحيث إن نزع ملكية بعض الأموال، وإن كان يفترض تعطيل وظائفها بإخراجها من حوزة أصحابها؛ وكان من المقرر أنه لا يجوز لجهة الإدارة أن تعيد تنظيم نطاق المصالح التي يحميها حق الملكية إلا وفقاً للأحكام المنصوص عليها في الدستور، ولا أن تنال دون مقتض من هذا الحق من خلال سلطاتها البوليسية؛ وكان ثابتاً كذلك أن الملكية في ذاتها لا يجوز أن يؤول أمرها إلى زوال تبعاً لثقل القيود التي تفرض عليها وتتابعها وامتدادها زمناً، فلا يبقى من منافعها شيئاً ذا قيمة، فقد غدا لازماً توكيد أن الملكية وإن كان يجوز تنظيمها، إلا أن هذه السلطة التنظيمية "لا يجوز أن تجاوز بمداها الحدود اللازمة لضبطها، وإلا اعتبر إطلاقها من عقالها، وتجردها من كوابحها، أخذاً للملكية من أصحابها". ولئن كان هذا المعيار العام مرناً لا يتضمن حصراً لصور تطبيقه، إلا أن من البديهي أن ما يعتبر اقتحاماً مادياً ودائماً للملكية، لا يخرج عن أن يكون اعتصاراً لمحتواها. وكذلك الأمر كلما كان التنظيم التشريعي لحق الملكية حائلاً دون استعمالها اقتصادياً في الأغراض المقصودة منها، أو معطلاً كل خيار لأصحابها في توجيهها إنتاجياً وفق ما يقدرون أكفل لمصالحهم.
ولا يجوز أن يقال عندئذ بأن للدولة مصلحة مشروعة في هذا التنظيم، من خلال ترتيبها لأوضاع تتصل بتطوير مجتمعها، واستثارة ملامحها الإيجابية، ذلك أن مشروعية المصلحة حدها قواعد الدستور، إذ هي مدخلها وقاعدة بنيانها، ولا يتصور أن تقوم المصلحة على خلافها، وما الملكية إلى المزايا التي تنتجها وتتصل بها، فإذا أنقض المشرع عليها، كان ذلك تجريداً لأصحابها منها.
وحيث إن البين من النصوص التي تضمنها القانون المطعون فيه، أن الاستيلاء وفقاً للأحكام التي تضمنتها مادته الأولى، ليس موقوتاً، بل متراخياً إلى غير حد، وموكولاً انتهاؤه إلى السلطة التقديرية لوزير التعليم، فلا يبقى من الأموال التي يرد عليها شيء من منافعها، بل تخرج بتمامها من السلطة الفعلية لأصحابها، مع حرمانهم من كل فائدة اقتصادية يمكن أن تعود عليهم منها، وبما يعطل وظائفها عملاً. وهو ما يعدل – في الآثار التي يرتبها – نزع الملكية من أصحابها دون تعويض، وفي غير الأحوال التي نص عليها القانون، وبعيداً عن القواعد الإجرائية التي رسمها، بما يعتبر غصباً لها يحيل أصلها عدماً. بل إن اغتيالها على هذا النحو يمثل أسوأ صور العدوان عليها، لاتخاذه الشرعية ثوباً وإطاراً، وانحرافه عنها قصداً ومعنى، فلا تكون الملكية التي كفل الدستور صونها إلا سراباً أو وهماً.
وحيث إنه على ضوء ما تقدم، يكون نص المادة الأولى من القانون المطعون فيه مخالفاً لأحكام المواد 32 و34 و64 و65 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 521 لسنة 1955 بتخويل وزير التعليم سلطة الاستيلاء على العقارات اللازمة للوزارة ومعاهد التعليم، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات