الرئيسية الاقسام القوائم البحث

قاعدة رقم الطعن رقم 9 لسنة 2 قضائية “دستورية” – جلسة 01 /06 /1991 

أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الرابع
من يناير 1987 حتى آخر يونيو 1991م – صـ 358

جلسة أول يونيه سنة 1991

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مصطفى حسن – رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: الدكتور عوض محمد المر والدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولي الدين جلال ونهاد عبد الحميد خلاف وفاروق عبد الرحيم غنيم وحمدي محمد علي – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عمارة – المفوض، وحضور السيد المستشار/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.

قاعدة رقم
القضية رقم 9 لسنة 2 قضائية "دستورية"

1- دعوى دستورية "المصلحة فيها" – جمارك.
مناط المصلحة في الدعوى الدستورية هو ارتباطها بالمصلحة القائمة في دعوى الموضوع، بأن يؤثر الحكم الصادر في المسألة الدستورية في الطلبات الموضوعية – ارتكاز دعوى براءة الذمة على المنازعة في سريان السعر التشجيعي المنصوص عليه في قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1976 على تقدير قيمة البضائع التي استوردها المدعي بالعملة الأجنبية – كون المركز القانوني للمدعي قد تحدد على مقتضى أحكام هذا القرار الذي التزمت به مصلحة الجمارك في مجال تحديد الضرائب الجمركية المستحقة عليه، تنحصر معه المصلحة في الدعوى الدستورية في الفصل في دستورية هذا القرار دون غيره من القرارات الخاصة بإنشاء وتنظيم سوق موازية للسوق الرسمية.
2- اختصاص – جمارك.
الدأب على تحديد سعر صرف الجنيه المصري في مواجهة العملات الأجنبية بقرار من وزير المالية بناء على قوانين النقد المتتالية – هذا التحديد ليس محجوزاً للسلطة التشريعية – الطعن على قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1976 فيما تضمنه من تحديد سعر صرف العملة المصرية في مواجهة العملات الأخرى بمناسبة تقدير قيمة البضائع المستوردة لحساب الضريبة الجمركية عليها، بادعاء انتحاله اختصاصاً مقرراً للسلطة التشريعية، على غير أساس.
3- قرار إداري "مشروعية".
الطعن بمخالفة القرار الإداري للقانون، إنما يتصل بمجال المشروعية ولا يمثل في حد ذاته مخالفة دستورية.
4- ضرائب "وعاء الضريبة – عدالة ضريبية".
تقدير وعاء الضريبة على أسس واقعية، شرط لازم لكفالة العدالة وصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة.
5- جمارك "سعر الصرف التشجيعي – عدالة ضريبية.
إجراء الاستيراد بدون تحويل عملة ولجوء المستورد في سبيل الحصول على العملة إلى مصادر خارج نطاق السوق الرسمية للصرف والتي لا يتصور أن يقل السعر المتداول فيها عن السعر التشجيعي الذي يجرى التعامل به في السوق الموازية – استهداف قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1976 في هذه الحالة تقدير قيمة البضاعة الواردة بنقد أجنبي على أسس واقعية في إطار السلطة المخولة للوزير بالمادة من قانون الجمارك، باتخاذ السعر التشجيعي الذي يجرى به التعامل في السوق الموازية معياراً لتقييم العملة الأجنبية التي تم الاستيراد بها بالعملة المصرية – التزام القرار بالأسس التي يقوم عليها النظام القانوني للضريبة الجمركية وبتقدير قيمتها تقديراً واقعياً، بما لا مخالفة فيه للدستور.
1- لما كان مناط المصلحة في الدعوى الدستورية هو ارتباطها بالمصلحة القائمة في دعوى الموضوع، وذلك بأن يؤثر الحكم الصادر في المسألة الدستورية، في الطلبات الموضوعية المبداة أمام محكمة الموضوع، وكان قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1976 في شأن تحديد قيمة البضائع المستوردة للأغراض الجمركية ينص في مادته الأولى على أن تقدر قيمة البضائع المحددة قيمتها بالنقد الأجنبي أو بحسابات غير مقيمة "على أساس القيمة الفعلية للبضاعة مقومة بالعملة المصرية في ميناء أو مكان الوصول، محسوبة بسعر الصرف التشجيعي، فيما عدا البضائع المحولة قيمتها بسعر الصرف الرسمي، فتقدر قيمتها على أساس السعر الرسمي" وكانت دعوى براءة الذمة المقامة من المدعي، ترتكز في جوهرها على المنازعة في سريان السعر التشجيعي الذي تضمنه هذا القرار في شأن تقدير قيمة البضائع التي قام المدعي باستيرادها بالعملة الأجنبية، وكان المركز القانوني للمدعي – بالنسبة إلى الضريبة الجمركية المطالب بها – تحدد على مقتضى أحكام هذه المادة بعد أن التزمت بها مصلحة الجمارك في مجال تحديد الضرائب الجمركية المستحقة عليه، فإن الفصل في دعوى براءة الذمة يتوقف على الفصل في دستورية القرار رقم 123 لسنة 1976 المشار إليه دون غيره من القرارات الأخرى المطعون عليها وذلك فيما تضمنه من تقدير قيمة البضائع على أساس القيمة الفعلية محسوبة بسعر الصرف التشجيعي وبحسبان أن هذه القرارات لا تتصل بالطلبات الموضوعية، وليس من شأن الفصل في دستوريتها أن يؤثر في تلك الطلبات، ذلك أن تلك القرارات لا تعدو أن تكون تنظيماً عاماً يتوخى إنشاء سوق موازية للسوق الرسمية القائمة على أساس سعر الصرف الرسمي، تقوم من خلالها البنوك التجارية المصرية بشراء وبيع ما يعرض عليها من العملات الأجنبية التي يحددها البنك المركزي وذلك بسعر صرف تشجيعي يتحدد على ضوء الاعتبارات والمؤشرات النقدية السائدة طبقاً للمادتين ، من القرار رقم 64 لسنة 1974 بشأن تطوير السوق الموازية للنقد، ومن ثم فإن هذا القرار – والذي حل محل القرار السابق رقم 477 لسنة 1973 بشأن إنشاء سوق موازية للنقد – يكون قد استهدف وضع التنظيم القانوني لهذه السوق بتعيين مواردها واستخداماتها المنظورة وغير المنظورة، فضلاً عن سائر القواعد الأخرى المتصلة بتلك السوق والتي لا شأن لها بأسس تحديد وتقدير وتحصيل الضريبة الجمركية أو شروط استحقاقها، وإذ كان ذلك، فإن نطاق الطعن – على الدعوى الماثلة – إنما ينحصر في قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1976 المشار إليه ولا يتعداه إلى غيره من القرارات المطعون عليها في صحيفة الدعوى الدستورية، حيث تنعدم مصلحة الطاعن – في هذه الدعوى – في الطعن عليها، ويتعين بالتالي عدم قبول الدعوى في هذا الشق لانتفاء المصلحة.
2، 3- النعي بأن نقد الدولة المصرية قد نظم دوماً – فيما يتعلق بسعر صرفه في مواجهة العملات الأجنبية – عن طريق سلطة التشريع التي يتولاها مجلس الشعب دون غيره، وأنه إذ أصدر وزير المالية القرار رقم 23 لسنة 1976 محدداً به سعر صرف العملة المصرية في مواجهة العملات الأخرى بمناسبة تقدير قيمة البضاعة المستوردة لحساب الضريبة الجمركية عليها، فإنه يكون قد انتحل اختصاصاً مقرراً للسلطة التشريعية – مردود بأن تحديد حساب صرف الجنيه المصري في مواجهة العملات الأجنبية قد تم دائماً بقرار من وزير المالية منذ صدور القانون رقم 25 لسنة 1916 بنظام النقود في البلاد المصرية، حيث نصت المادة منه على أن الليرة الإسترلينية سعر قانوني في القطر المصري بقيمة تحدد بقرار من وزير المالية، ثم صدر القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد الأجنبي، وأصدر وزير المالية تنفيذاً له قراره رقم 53 في 16 يوليه سنة 1947 بتحديد أسعار العملات الأجنبية بالنسبة للعملة المصرية… وفضلاً عن ذلك كله، فإن هذا الوجه من النعي – بفرض صحته – إنما يتصل بمجال المشروعية إذا تم تحديد سعر صرف العملة المصرية بالنسبة إلى العملات الأخرى بقرار إداري على خلاف القانون – ما دام هذا التحديد ليس محجوزاً بنص الدستور للسلطة التشريعية – ومن ثم فإن الأمر لا يمثل في حد ذاته بالنسبة للدعوى الماثلة مخالفة دستورية مما يستنهض ولاية هذه المحكمة للفصل فيها.
4- النعي بأن قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1976 قد تضمن تعديلاً للضريبة الجمركية بالزيادة مما يكون معه قد أخل بالمادتين ، من الدستور اللتين تنص أولاهما على أن إنشاء الضرائب وتعديلها وإلغائها لا يكون إلا بقانون، وتنص ثانيتهما على أن تنظيم القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة وإجراءات صرفها بقانون – مردود بأنه لئن كان الأصل في الضريبة العامة أنه لا يجوز تحصيلها – كدين في ذمة الممول – إذا كان القانون لم يجز فرضها، إلا أن الحالة الماثلة تستند مباشرة إلى قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 33 لسنة 1966 الذي تضمن أسس الضريبة الجمركية العامة على البضائع الواردة وأحكام الالتزام بها – وهي ضريبة لم ينازع المدعي في حق الدولة في فرضها ولا في كونه مخاطباً كمستورد بأحكامها. وكانت الضريبة محل الدعوى الماثلة هي ضريبة جمركية تتناول البضاعة عند عبورها الحدود وبمناسبة ورودها، ومصدرها المباشر هو نص المادة من قانون الجمارك المشار إليه التي تنص على إخضاع البضائع الواردة التي تدخل أراضي الجمهورية لضرائب الواردات المقررة في التعريفة الجمركية، وقد نظم القانون هذه الضريبة بأركانها سواء فيما يتعلق بالأشخاص الخاضعين لها أو الأموال والبضائع التي تتناولها، وكذلك شروط سريانها وسعرها وكيفية تحصيلها فضلاً عن الواقعة المنشئة لها، لما كان ذلك، وكان ورود البضاعة – في نطاق الدعوى الماثلة – يقتضي تقييمها توطئة لإخضاعها لضريبة قيمية تعتد بالحالة التي تكون عليها البضاعة وقت تطبيق التعريفة الجمركية عليها وطبقاً لجداول هذه التعريفة، وكانت الفقرة الأخيرة من المادة من قانون الجمارك قد بينت بوضوح وعاء الضريبة التي تستحق بمناسبة ورود البضاعة، فحصرت ذلك الوعاء في القيمة الفعلية للبضاعة مقومة بالعملة المصرية في ميناء أو مكان الوصول "وفقاً للشروط والأوضاع التي يقررها وزير الخزانة"، وذلك بوصفها بضاعة واردة محددة قيمتها بنقد أجنبي، وكان من المقرر قانوناً أو وعاء الضريبة هو المال الذي تفرض عليه، وقد حدد قانون الجمارك هذا الوعاء بأنه القيمة الفعلية للبضاعة الواردة مقومة بالعملة المصرية في ميناء الوصول – وإذ كان تحديد دين الضريبة يفترض التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع للضريبة، فقد كان من المنطقي أن يعهد قانون الجمارك إلى وزير المالية تحديد شروط وأوضاع تطبيقه باختيار الوسيلة الملائمة لتقدير هذا الوعاء من أجل التوصل إلى حقيقته على أكمل وجه ممكن، لما هو مقرر من أن تقدير وعاء الضريبة على أسس واقعية يعتبر شرطاً لازماً لكفالة العدالة وصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة.
5- إن إصدار وزير المالية – ابتغاء تقدير قيمة البضاعة الواردة بنقد أجنبي تقديراً واقعياً – القرار رقم 123 لسنة 1976 – الطعين – مستهدفاً تقدير قيمة هذا الوعاء على أسس واقعية في إطار السلطة المخولة له قانوناً بالمادة من قانون الجمارك وذلك باتخاذه من السعر التشجيعي الذي يجرى به التعامل في السوق الموازية معياراً لتقييم العملة الأجنبية التي تم الاستيراد بها بالعملة المصرية – وذلك ما لم تكن البضاعة الواردة قد حولت قيمتها بسعر الصرف الرسمي حيث تقدر قيمتها عندئذ على أساس هذا السعر – لما كان ذلك، وكان الاستيراد في الدعوى الماثلة قد تم بدون تحويل عملة بما يعنيه ذلك من عدم التزام الدولة بتدبيرها على أساس سعر الصرف الرسمي ولجوء المدعي – في سبيل الحصول على العملة – إلى مصادر خارج نطاق السوق الرسمية للصرف حيث لا يتصور أن يقل السعر المتداول فيها عن السعر التشجيعي الذي يجرى التعامل به في السوق الموازية، وكانت أسعار الصرف في السوق الموازية تتحدد على ضوء الاعتبارات والمؤشرات النقدية السارية طبقاً لنص المادة من قرار تطوير تلك السوق رقم 64 لسنة 1974، بما مؤداه أنها أسعار توجهها العوامل الاقتصادية التي لا تسيطر عليها الدولة أو تستقل بتقديرها، فضلاً عن أن تحديد الأسعار التشجيعية للعملات الأجنبية التي يجرى التعامل بها في نطاق السوق الموازية، تتولاه لجنة ألزمها القرار المشار إليه في المادة منه بأن تحدد هذه الأسعار بيعاً على أساس تضمينها عمولة لا تزيد نسبتها على 5% من الأسعار الرسمية شراء. إذ كان ذلك، وكان القرار الطعين قد أحال إلى السعر التشجيعي كمعيار لتقييم البضاعة الواردة بالعملة المصرية، فإن هذا القرار لا يكون قد عدل من الأسس التي يقوم عليها النظام القانوني للضريبة الجمركية المستحقة على المدعي – وبوجه خاص تلك المتعلقة بتحديد وعائها أو الأموال الخاضعة لها أو سعرها – وإنما سعى مصدر القرار بإصداره إلى تقدير قيمتها تقديراً واقعياً في إطار تلك الأوضاع التي خوله القانون تحديدها وفقاً لنص المادة منه، والتي تستمد ضوابطها أصلاً من السلطة التي يملكها في مجال حصر وتقدير وعاء الضريبة، بما لا مخالفة فيه للدستور.


الإجراءات

بتاريخ 16 مارس سنة 1980 أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالباً في ختامها: الحكم بعدم دستورية كافة القرارات الصادرة من وزير المالية الخاصة بالسعر التشجيعي للعملة، خاصة القرار رقم 477 لسنة 1973 في شأن إنشاء سوق موازية للنقد، والقرار رقم 64 لسنة 1974 بشان تطوير السوق الموازية للنقد، والقرار رقم 123 لسنة 1976 في شأن تحديد قيمة البضائع للأغراض الجمركية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة، مذكرة طلبت فيها الحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة، واحتياطياً بعدم قبول الدعوى أو برفضها.
وبعد تحضر الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل في أن المدعي كان قد تقدم إلى محكمة ميناء البصل الجزئية بأمر على عريضة قيد برقم 47 لسنة 1978 طالباً محاسبته جمركياً على أساس تحديد قيمة الشاسيهات التي سبق أن استوردها بالنقد الأجنبي، مقومة طبقاً للسعر الرسمي وليس السعر التشجيعي للعملة، وبالتالي صرف الفروق المستحقة له على هذا الأساس والبالغة 17017.52 جنيهاً. وبتاريخ أول يونيه سنة 1978 صدر الأمر المشار إليه بصرف تلك الفروق إلى المدعي، وقامت مصلحة الجمارك بتنفيذ هذا الأمر فعلاً، ثم تظلمت منه أمام قاضي الأمور الوقتية طالبة إلغاءه، فأقام المدعي الدعوى رقم 3362 لسنة 1979 تجاري كلي إسكندرية ضد وزيري المالية والتجارة ومصلحة الجمارك، طالباً الحكم ببراءة ذمته من الفروق المشار إليها، وخلال نظر هذه الدعوى دفع الحاضر عن المدعي أمام محكمة إسكندرية الابتدائية بعدم دستورية قرارات وزير المالية الصادرة بتنظيم السعر التشجيعي للعملة، وخاصة القرارات رقم 477 لسنة 1973 ورقم 64 لسنة 1974 ورقم 123 لسنة 1976، وبجلسة 16 يناير سنة 1980 صرحت المحكمة للمدعي بالطعن بعدم دستورية القرار موضوع الدعوى، فأقام الدعوى الماثلة، مستهدفاً الحكم فيها بعدم دستورية القرارات اللائحية الصادرة عن وزير المالية والمتعلقة بالسعر التشجيعي للعملة وعلى الأخص القرارات الثلاثة المشار إليها.
وحيث إن المدعي أقام دعواه الموضوعية رقم 3362 لسنة 1979 تجاري كلي إسكندرية طالباً في صحيفتها الحكم ببراءة ذمته من مبلغ الفروق سالف الذكر، قولاً منه بأن مصلحة الجمارك قومت البضائع التي استوردها بالنقد الأجنبي – توطئة لحساب الضريبة الجمركية المستحقة عليها – بما يعادل قيمتها بالعملة المصرية محسوبة على أساس سعر الصرف التشجيعي، حل أن سعر الصرف الرسمي للعملة هو الذي يتعين الاعتداد به – في مجال الأغراض الجمركية – لتحديد قيمة البضاعة التي استوردها، وأن الفرق بين هذين السعرين، يمثل المبلغ الذي يطلب الحكم ببراءة ذمته منه.
لما كان ذلك، وكان مناط المصلحة في الدعوى الدستورية هو ارتباطها بالمصلحة القائمة في دعوى الموضوع، وذلك بأن يؤثر الحكم الصادر في المسألة الدستورية، في الطلبات الموضوعية المبداة أمام محكمة الموضوع، وكان قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1976 في شأن تحديد قيمة البضائع المستوردة للأغراض الجمركية ينص في مادته الأولى على أن تقدر قيمة البضائع المحددة قيمتها بالنقد الأجنبي أو بحسابات غير مقيمة "على أساس القيمة الفعلية للبضاعة مقومة بالعملة المصرية في ميناء أو مكان الوصول، محسوبة بسعر الصرف التشجيعي، فيما عدا البضائع المحولة قيمتها بسعر الصرف الرسمي، فتقدر قيمتها على أساس السعر الرسمي" وكانت دعوى براءة الذمة المقامة من المدعي، ترتكز في جوهرها على المنازعة في سريان السعر التشجيعي الذي تضمنه هذا القرار في شأن تقدير قيمة البضائع التي قام المدعي باستيرادها بالعملة الأجنبية، وكان المركز القانوني للمدعي – بالنسبة إلى الضريبة الجمركية المطالب بها – قد تحدد على مقتضى أحكام هذه المادة بعد أن التزمت بها مصلحة الجمارك في مجال تحديد الضرائب الجمركية المستحقة عليه، فإن الفصل في دعوى براءة الذمة يتوقف على الفصل في دستورية القرار رقم 123 لسنة 1976 المشار إليه دون غيره من القرارات الأخرى المطعون عليها وذلك فيما تضمنه من تقدير قيمة البضائع على أساس القيمة الفعلية محسوبة بسعر الصرف التشجيعي وبحسبان أن هذه القرارات لا تتصل بالطلبات الموضوعية، وليس من شأن الفصل في دستوريتها أن يؤثر في تلك الطلبات، ذلك أن تلك القرارات لا تعدو أن تكون تنظيماً عاماً يتوخى إنشاء سوق موازية للسوق الرسمية القائمة على أساس سعر الصرف الرسمي، تقوم من خلالها البنوك التجارية المصرية بشراء وبيع ما يعرض عليها من العملات الأجنبية التي يحددها البنك المركزي وذلك بسعر صرف تشجيعي يتحدد على ضوء الاعتبارات والمؤشرات النقدية السائدة طبقاً للمادتين ، من القرار رقم 64 لسنة 1974 بشأن تطوير السوق الموازية للنقد، ومن ثم فإن هذا القرار – والذي حل محل القرار السابق رقم 477 لسنة 1973 بشأن إنشاء سوق موازية للنقد – يكون قد استهدف وضع التنظيم القانوني لهذه السوق بتعيين مواردها واستخداماتها المنظورة وغير المنظورة، فضلاً عن سائر القواعد الأخرى المتصلة بتلك السوق، والتي لا شأن لها بأسس تحديد وتقدير وتحصيل الضريبة الجمركية أو شروط استحقاقها، وإذ كان ذلك، فإن نطاق الطعن – في الدعوى الماثلة – إنما ينحصر في قرار وزير المالية رقم 123 لسنة 1976 المشار إليه ولا يتعداه إلى غيره من القرارات المطعون عليها في صحيفة الدعوى الدستورية، حيث تنعدم مصلحة الطاعن – في هذه الدعوى – في الطعن عليها، ويتعين بالتالي عدم قبول الدعوى في هذا الشق لانتفاء المصلحة.
وحيث إن المدعي أسس طعنه بعدم الدستورية على سند من القول بأن نقد الدولة المصرية قد نظم دوماً – فيما يتعلق بسعر صرفه في مواجهة العملات الأجنبية – عن طريق سلطة التشريع التي يتولاها مجلس الشعب دون غيره، وأنه إذ أصدر وزير المالية القرار رقم 123 لسنة 1976 المشار إليه محدداً به سعر صرف العملة المصرية في مواجهة العملات الأخرى بمناسبة تقدير قيمة البضاعة المستوردة لحساب الضريبة الجمركية عليها، فإنه يكون قد انتحل اختصاصاً مقرراً للسلطة التشريعية، هذا بالإضافة إلى أن القرار المشار إليه قد تضمن تعديلاً للضريبة الجمركية بالزيادة وأخل بذلك بالمادتين ، من الدستور التي تنص أولاهما على أن إنشاء الضرائب وتعديلها وإلغائها لا يكون إلا بقانون، وتنص المادة الثانية على أن تنظم القواعد الأساسية لجباية الأموال العامة وإجراءات صرفها بقانون.
وحيث إن هذا النعي مردود في شقه الأول بأن تحديد سعر صرف الجنيه المصري في مواجهة العملات الأجنبية قد تم دائماً بقرار من وزير المالية منذ صدور القانون رقم 25 لسنة 1916 بنظام النقود في البلاد المصرية، حيث نصت المادة منه على أن الليرة الإسترلينية سعر قانوني في القطر المصري بقيمة تحدد بقرار من وزير المالية، ثم صدر القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد الأجنبي، وأصدر وزير المالية تنفيذاً له قراره رقم 53 في 16 يوليه سنة 1947 بتحديد أسعار العملات الأجنبية بالنسبة للعملة المصرية……. وفضلاً عن ذلك كله، فإن هذا الوجه من النعي – بفرض صحته – إنما يتصل بمجال المشروعية إذا تم تحديد سعر صرف العملة المصرية بالنسبة إلى العملات الأخرى بقرار إداري على خلاف القانون – ما دام هذا التحديد ليس محجوزاً بنص الدستور للسلطة التشريعية – ومن ثم فإن الأمر لا يمثل في حد ذاته بالنسبة للدعوى الماثلة مخالفة دستورية مما يستنهض ولاية هذه المحكمة للفصل فيها.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة القرار الطعين للمادتين ، من الدستور – على الوجه سالف البيان – فإن هذا النعي بدوره مردود بأنه ولئن كان الأصل في الضريبة العامة أنه لا يجوز تحصيلها – كدين في ذمة الممول – إذا كان القانون لم يجز فرضها، إلا أن الحالة الماثلة تستند مباشرة إلى قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 33 لسنة 1966 الذي تضمن أسس الضريبة الجمركية العامة على البضائع الواردة وأحكام الالتزام بها – وهي ضريبة لم ينازع المدعي في حق الدولة في فرضها ولا في كونه مخاطباً كمستورد بأحكامها – وإن كان قد شرط لقيام هذا الحق أن تقوم العملة الأجنبية التي تم الاستيراد بها بسعر صرفها الرسمي وليس على أساس السعر التشجيعي الذي نص عليه القرار الطعين، بمقولة أن تقرير هذا السعر يخرج من جهة عن اختصاص وزير المالية، وينطوي من ناحية أخرى على تعديل لقيمة الضريبة الجمركية التي فرضها القانون عن طريق زيادة قيمتها.
وحيث إن الضريبة محل الدعوى الماثلة هي ضريبة جمركية تتناول البضاعة عند عبورها الحدود وبمناسبة ورودها، ومصدرها المباشر هو نص المادة من قانون الجمارك المشار إليه التي تنص على إخضاع البضائع الواردة التي تدخل أراضي الجهورية لضرائب الواردات المقررة في التعريفة الجمركية، وقد نظم القانون هذه الضريبة بأركانها سواء فيما يتعلق بالأشخاص الخاضعين لها أو الأموال والبضائع التي تتناولها، وكذلك شروط سريانها وسعرها وكيفية تحصيلها فضلاً عن الواقعة المنشئة لها، لما كان ذلك، وكان ورود البضاعة – في نطاق الدعوى الماثلة – يقتضي تقييمها توطئة لإخضاعها لضريبة قيمية تعتد بالحالة التي تكون عليها البضاعة وقت تطبيق التعريفة الجمركية عليها وطبقاً لجداول هذه التعريفة، وكانت الفقرة الأخيرة من المادة من قانون الجمارك قد بينت بوضوح وعاء الضريبة التي تستحق بمناسبة ورود البضاعة، فحصرت ذلك الوعاء في القيمة الفعلية للبضاعة مقومة بالعملة المصرية في ميناء أو مكان الوصول" وفقاً للشروط والأوضاع التي يقررها وزير الخزانة"، وذلك بوصفها بضاعة واردة محددة قيمتها بنقد أجنبي، وكان من المقرر قانوناً أو وعاء الضريبة هو المال الذي تفرض عليه، وقد حدد قانون الجمارك هذا الوعاء بأنه القيمة الفعلية للبضاعة الواردة مقومة بالعملة المصرية في ميناء الوصول. وإذ كان تحديد الضريبة يفترض التوصل إلى تقدير حقيقي لقيمة المال الخاضع للضريبة، فقد كان من المنطقي أن يعهد قانون الجمارك إلى وزير المالية تحديد شروط وأوضاع تطبيقه باختيار الوسيلة الملائمة لتقدير هذا الوعاء من أجل التوصل إلى حقيقته على أكمل وجه ممكن، لما هو مقرر من أن تقدير وعاء الضريبة على أسس واقعية يعتبر شرطاً لازماً لكفالة العدالة وصون مصلحة كل من الممول والخزانة العامة.
وإذ أصدر وزير المالية – ابتغاء تقدير قيمة البضاعة الواردة بنقد أجنبي تقديراً واقعياً – القرار رقم 123 لسنة 1976 المشار إليه مستهدفاً تقدير قيمة هذا الوعاء على أسس واقعية في إطار السلطة المخولة له قانوناً بالمادة من قانون الجمارك، وذلك بأن اتخذ من السعر التشجيعي الذي يجرى به التعامل في السوق الموازية معياراً لتقييم العملة الأجنبية التي تم الاستيراد بها بالعملة المصرية – وذلك بالطبع ما لم تكن البضاعة الواردة قد حولت قيمتها بسعر الصرف الرسمي حيث تقدر قيمتها عندئذ على أساس هذا السعر – لما كان ذلك، وكان الاستيراد في الدعوى الماثلة قد تم بدون تحويل عملة بما يعنيه ذلك من عدم التزام الدولة بتدبيرها على أساس سعر الصرف الرسمي ولجوء المدعي – في سبيل الحصول على العملة – إلى مصادر خارج نطاق السوق الرسمية للصرف حيث لا يتصور أن يقل السعر المتداول فيها عن السعر التشجيعي الذي يجرى التعامل به في السوق الموازية، وكانت أسعار الصرف في السوق الموازية تتحدد على ضوء الاعتبارات والمؤشرات النقدية السارية طبقاً لنص المادة من قرار تطوير تلك السوق رقم 64 لسنة 1974 المشار إليه، بما مؤداه أنها أسعار توجهها العوامل الاقتصادية التي لا تسيطر عليها الدولة أو تستقل بتقديرها، فضلاً عن أن تحديد الأسعار التشجيعية للعملات الأجنبية التي يجرى التعامل بها في نطاق السوق الموازية، تتولاه لجنة ألزمها القرار المشار إليه في المادة منه بأن تحدد هذه الأسعار بيعاً على أساس تضمينها عمولة لا تزيد نسبتها على 5% من الأسعار الرسمية شراء. إذ كان ذلك، وكان القرار الطعين قد أحال إلى السعر التشجيعي كمعيار لتقييم البضاعة الواردة بالعملة المصرية، فإن هذا القرار لا يكون قد عدل من الأسس التي يقوم عليها النظام القانوني للضريبة الجمركية المستحقة على المدعي – وبوجه خاص تلك المتعلقة بتحديد وعائها أو الأموال الخاضعة لها أو سعرها – وإنما سعى مصدر القرار بإصداره إلى تقدير قيمتها تقديراً واقعياً في إطار الشروط والأوضاع التي خوله القانون تحديدها وفقاً لنص المادة منه، والتي تستمد ضوابطها أصلاً من السلطة التي يملكها في مجال حصر وتقدير وعاء الضريبة بما لا مخالفة فيه للدستور.

لهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعي المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات