الطعن رقم 2638 لسنة 30 ق – جلسة 28 /01 /1989
مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة أحكام
المحكمة الإدارية العليا
السنة الرابعة والثلاثون – الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1988 إلى آخر فبراير سنة
1989) – صـ 474
جلسة 28 من يناير سنة 1989
برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد حامد الجمل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة يحيى السيد الغطريفي ود. إبراهيم علي حسن وإسماعيل صديق راشد وأحمد شمس الدين خفاجى المستشارين.
الطعن رقم 2638 لسنة 30 القضائية
هيئة عامة – اللوائح الداخلية والقرارات المتعلقة بالشئون المالية
الإدارية والفنية.
مدلول عبارة دون التقيد بالقواعد الحكومية فيما تضعه الهيئات من لوائح (هيئة تنشيط
السياحة).
ناط الدستور بالقانون تنظيم موازنات وحسابات الهيئات العامة وتنظيم القواعد الأساسية
لتحصيل الأموال العامة وإنفاقها – أجاز قانون الهيئات العامة أن تضع الهيئة لائحتها
الداخلية دون التقيد بالقواعد الحكومية – يقصد بالقواعد الحكومية تلك القواعد التنظيمية
العامة الصادرة بإدارة تشريعية مكافئة للوائح والقرارات التنظيمية التي تصدرها مجالس
إدارات الهيئات العامة – ليس لمجلس الإدارة أن يضع لائحة لا تتقيد بالقوانين لأن تلك
اللوائح أدنى مرتبة من القوانين فضلاً عن أنه لا يجوز للوائح الصادرة من الهيئات العامة
أن تخرج عن النظام العام الإداري والمالي المتمثل في المبادئ والأسس العامة الجوهرية
الحاكمة لتلك الأنظمة على مستوي الدولة – أثر ذلك بطلان النص على جواز الخروج عن أحكام
لائحة المناقصات والمزايدات ولائحة المخازن الحكومية بقرار من رئيس مجلس الإدارة –
تطبيق.
(ب) عاملون مدنيون بالدولة – الواجبات الوظيفية والمخالفات التأديبية – سوء تنظيم المرفق
وأثره – دور الموظف في بحث مشروعية القوانين والأوامر قبل تنفيذها.
ولم يفرض المشرع على الموظف العادي غير المتخصص أن يبحث في مدى مشروعية النص اللائحي
لمعرفة ما إذا كان متوافقاً مع القواعد القانونية من عدمه – يختلف ذلك عن موقف المشرع
عندما أوجب على الموظف أن يبحث مدي مشروعية الأمر الإداري الصادر إلى المرؤوس من رئيسه
ويعترض كتابه على ما يراه غير مشروع من تلك الأوامر بحيث يتحمل الرئيس وحده مسئولية
الأمر الفردي المخالف للقانون – تنفيذ الموظف بحسن نية لنص لائحي مخالف للقاعدة القانونية
التزاماً منه بنص المادة 77 من قانون العاملين المدنيين بالدولة يقوم مانعاً لمسئوليته
التأديبية عن تنفيذه نص غير صحيح قانوناً – أساس ذلك: صدور ونفاذ مثل هذا النص وبقاؤه
في مجال التطبيق يمثل خطأ وخللاً في تنظيم المرفق العام وإهدار للشرعية اللائحية لا
شأن للعامل حسن النية غير المتخصص وغير المسئول عن وضعه أو تعديله – تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم 17 من يوليو سنة 1984 أودع الأستاذ الدكتور….. المحامي
قلم كتاب…. المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2638 لسنة 30 القضائية
في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لمستوي الإدارة العليا بجلسة 19 من مايو سنة
1984 في الدعوى رقم 72 لسنة 26 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعنين….
و…. والقاضي بمجازاة الأول بتغريمه مبلغ مائة جنيه ومجازاة الثاني بخصم شهر من أجره.
وطلب الطاعن للأسباب الموضحة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبوقف تنفيذ الحكم
المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغائه.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده علو الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن
شكلاً وبرفض طلب وقف التنفيذ، وفي الموضوع برفض الطعن.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة الثامن من يونيو سنة 1988.
وبجلسة التاسع من نوفمبر سنة 1988 أحالت الدائرة المذكورة الطعن إلى هذه المحكمة فنظرته
بجلسة 19 من نوفمبر سنة 1988، وبجلسة السابع من يناير سنة 1989 قررت المحكمة إصدار
الحكم بجلسة اليوم 28 من يناير سنة 1989، وفيها صدر الحكم، وأودعت مسودته مشتملة على
أسبابه فور النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفي سائر أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بتاريخ 31 من ديسمبر
سنة 1983 أقامت النيابة الإدارية الدعوى رقم 72 لسنة 26 القضائية بإيداع أوراقها قلم
كتاب المحكمة التأديبية لمستوي الإدارة العليا منطوية على تقرير باتهام أربعة من العاملين
بالهيئة العامة لتنشيط السياحة من بينهم.
– …… مدير المشتريات بهيئة تنشيط السياحة سابقاً، ومدير إنتاج الأفلام للمركز القومي
للسينما حالياً. بالفئة الثانية.
– ….. رئيس قطاع الشئون المالية والإدارية بالهيئة العامة لتنشيط السياحة سابقاً
ومستشار وزير الدولة للثقافة بعقد بعد المعاش.
لأنهما خلال المدة من 4/ 4/ 1982 حتى 3/ 5/ 1982 بالهيئة العامة لتنشيط السياحة خالفا
القواعد والأحكام المالية للدولة بأن:
– الأول…… قام باتخاذ إجراءات شراء أدوات البوفيه الخاص بالهيئة خصماً على ميزانيتها
بالمخالفة للوائح المالية.
– الثاني….. وافق على شراء الأدوات المذكورة بالرغم من مخالفة إجراءات شرائها للتعليمات
المالية.
ولذلك رأت النيابة الإدارية أن المذكورين يكونا ارتكبا المخالفات المالية المنصوص عليها
في المادتين 77/ 1، 4، 78/ 1 من قانون العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم
47 لسنة 1978 المعدل بالقانون رقم 115 لسنة 1983، 69/ 1، 70/ 1، 71 من لائحة شئون العاملين
بالهيئة العامة لتنشيط السياحة الصادر بالقرار الوزاري رقم 298 لسنة 1981 والمادة 60
من لائحة مشتريات الهيئة المذكورة.
وبجلسة 19 من مايو سنة 1984 أصدرت المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا حكمها بمجازاة
السيد……. بخصم شهر من أجره وبمجازاة السيد/ ….. بتغريمه مبلغ مائة جنيه.
وأقامت المحكمة التأديبية لمستوي الإدارة العليا قضاءها على أن المتهمين (الطاعنين)
قد ارتكبا مخالفة تأديبية مالية لمخالفة حكم المادة من اللائحة المالية للميزانية
والحسابات التي نصت على أن لا تتحمل الحكومة أثمان ما قد يشتري للمكاتب من الثلاجات
وأدوات الشرب والقهوة وما يماثلها ومصروفات صيانتها أو لوازمها. ويجوز عند الاقتضاء
أن تشتري مثل هذه الأصناف بموافقة وزير المالية وقد نصت المادة من اللائحة المالية
للهيئة العامة لتنشيط السياحة على أن تطبق أحكام اللائحة المالية للميزانية والحسابات
فيما لم يرد بشأنه نص خاص بها.. وقد خلت تلك اللائحة من أي نص بنظم أحكام شراء أدوات
الشرب، الأمر الذي يجعل حكم اللائحة المالية للميزانية والحسابات والواجب التطبيق.
وبمقتضاه لا تتحمل الهيئة أثمان المشتريات التي أشتراها المتهمان الطاعنان.
ومن حيث إن….. مدير المشتريات بالهيئة قد اعترف بأنه قام بعرض مذكرة على مدير عام
الشئون المالية بالهيئة للموافقة عليها ثم تولى الاشتراك في اختيار الأدوات المطلوبة
من محلات عمر أفندي.
ومن حيث أن….. رئيس قطاع الشئون المالية والإدارية في ذلك الوقت – قد اعترف بأنه
وافق على الكشف والمذكرة المقدمين للشراء.
وقد خلصت المحكمة التأديبية من ذلك إلى مسئولية المتهمين (الطاعنين) عما أسنده إليهما
تقرير الاتهام، ومن ثم انتهت إلى مساءلتهما ومجازاتهما تأديبياً.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله
وذلك لأن قرار رئيس الجمهورية رقم 134 لسنة 1981 بإنشاء الهيئة العامة للتنشيط السياحي
قد نص في المادة الرابعة منه على أن مجلس إدارة الهيئة هو السلطة المهيمنة على شئونها،
ويختص بوضع السياسة العامة التي تسير عليها. وله أن يتخذ ما يراه لازماً من القرارات
لتحقيق أغراض الهيئة وله على الأخص إصدار القرارات واللوائح الداخلية والقرارات المتعلقة
بالشئون المالية والإدارية والفنية للهيئة دون التقيد بالقواعد الحكومية.
وقد صدر قرار وزير السياحة رقم لسنة 1981 بإصدار لائحة المشتريات والمبيعات والمخازن
للهيئة بعد موافقة مجلس الإدارة، وقضي المادة منه على أن يكون الخروج أو الاستثناء
من أحكام اللائحة ومن أحكام لائحة المناقصات والمزايدات في حالات فردية بقرار من رئيس
مجلس الإدارة، ومفاد ذلك أن الهيئة غير مقيدة بالقواعد الحكومية، إذ أن المادة منه سالفة البيان قد أعطت لرئيس مجلس الإدارة سلطة الاستثناء من أحكام اللوائح في حالات
فردية.
وإذ كان ذلك وكان رئيس مجلس إدارة الهيئة قد أصدر قراره رقم لسنة 1981 بتاريخ 26/
7/ 1981 متضمناً ندب السيد/ …… (الطاعن الأول) رئيساً لقطاع الشئون المالية بالهيئة
وتفويضه في اختصاصات رئيس الهيئة في حالة غيابه فإن موافقة هذا الأخير على الشراء في
الحالة الماثلة جعله مشروعاً.
ويستند الطاعنان إلى أن الحكم المطعون عليه قد خالف هذا النظر رغم وجود المستندات المؤيدة
له بملف الدعوى التأديبية وبالتالي فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون على نحو يطلبان
معه إلغاءه.
ومن حيث إن النيابة الإدارية قد نسبت إلى الطاعن الأول…. أنه عندما كان رئيساً لقطاع
الشئون المالية والإدارية بالهيئة وافق على شراء أدوات البوفيه الخاص بالهيئة خصماً
على ميزانيتها بالمخالفة للوائح المالية.
ومن حيث إن المادة من اللائحة المالية للهيئة الصادرة بقرار وزير السياحة رقم
3 لسنة 1982 نص على أن "تطبق أحكام اللائحة المالية للميزانية والحسابات فيما لم يرد
بشأنه نص خاص في هذه اللائحة".
وقد خلت هذه اللائحة من أيه أحكام تنظم شراء أدوات الشرب للبوفيه، كما خلت لائحة المشتريات
والمخازن بالهيئة الصادر بقرار وزير السياحة رقم 282 لسنة 1981 من مثل هذه الأحكام
الأمر الذي ينتهي إلى تطبيق أحكام اللائحة المالية للميزانية والحسابات التي تنص في
المادة 427 منها على أن "لا تتحمل الحكومة أثمان ما قد يشترى للمكاتب من الثلاجات وأدوات
الشرب والقهوة وما يماثلها ولا بمصروفات صيانتها أو لوازمها ويجوز عند الاقتضاء أن
تشتري مثل هذه الأصناف بموافقة وزير المالية".
ومن حيث إن مقتضي تطبيق النصوص المتقدمة أن قيام الهيئة بشراء أدوات البوفيه قد تم
بالمخالفة لأحكام اللائحة المالية للميزانية والحسابات. ومن ثم فهي تشكل مخالفة مالية
توجب مؤاخذة مرتكبيها تأديبياً.
ومن حيث إن الطاعن قد دافع عن نفسه أمام المحكمة التأديبية دفاعاً قانونياً مقتضاه
أن قرار رئيس الجمهورية رقم 134 لسنة 1971 بإنشاء الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي
ينص في المادة منه على أنه لمجلس إدارة الهيئة أن تتخذ ما تراه لازماً من القرارات
لتحقيق أغراض الهيئة، وله على الأخص – إصدار القرارات واللوائح الداخلية والقرارات
المتعلقة بالشئون الإدارية والمالية والفنية للهيئة دون التقيد بالقواعد الحكومية.
وإعمالا لهذا النص فقد صدر قرار وزير السياحة رقم 282 لسنة 1981 استناداً إلى موافقة
مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي. بإصدار لائحة المشتريات والمبيعات
والمخازن بالهيئة، ونص اللائحة في المادة منها على أن "تسري أحكام لائحة المناقصات
والمزايدات الحكومية في كل ما لم يرد به نص خاص في هذه اللائحة وتعتبر أحكامها جزاءاً
مكملاً لأحكام هذه اللائحة تخضع لها العقود التي تنظمها. ونص المادة من هذه اللائحة
على أن يكون الخروج أو الاستثناء من أحكام هذه اللائحة ومن أحكام لائحة المناقصات والمزايدات
وأحكام لائحة المخازن الحكومية في حالات فردية بقرار من رئيس مجلس الإدارة. ولا يجوز
إجراء أي تعديل في أحكام هذه اللائحة إلا بموافقة مجلس الإدارة وبعد الرجوع إلى الهيئة
العامة للخدمات الحكومية" وقد صدر قرار رئيس مجلس إدارة الهيئة رقم لسنة 1981
ناصاً في مادته الأولى على أن "يندب السيد……. وكيل الوزارة بالمجلس الأعلى للثقافة
رئيساً لقطاع الشئون المالية والإدارية والاقتصادية" وناصاً في مادته الثانية على أن
"يفوض في اختصاصه رئيس الهيئة في الشئون المالية والإدارية وشئون العاملين في حالة
غيابه" وقد حوت حافظة مستندات الطاعن كتاباً رسمياً من رئيس مجلس إدارة الهيئة يفيد
موافقة السيد/ …. على الشراء استثناء من أحكام لائحة المشتريات والمزايدات الخاصة
بالهيئة كانت في إطار التفويض الصادر لسيادته في هذا الخصوص.
ومن حيث إن النظام العام المالي الوارد بأحكام دستور جمهورية مصر العربية الصادر في
سبتمبر سنة 1971 قد تضمن في المادة من الدستور أن "يحدد القانون أحكام موازنات
المؤسسات والهيئات العامة وحساباتها" وتضمن في المادة من الدستور أن "ينظم القانون
القواعد الأساسية لحماية الأموال العامة وإجراءات صرفها".
ومن حيث إن مؤدى هذين النصين أن الدستور قد أناط بالقانون تنظيم موازنات الهيئات العامة
وتنظيم القواعد الأساسية لتحصيل الأموال العامة وإنفاقها.
ومن حيث إنه إذا كان قانون الهيئات العامة الصادر بالقانون رقم 61 لسنة 1963 قد أجاز
أن تكون للهيئات العامة لوائح داخلية تنظيم شئونها دون التقيد بالقواعد الحكومية، وبناء
على ذلك صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 134 لسنة 1981 بإنشاء الهيئة المصرية العامة للتنشيط
السياحي والذي أجاز لمجلس إدارة الهيئة إصدار القرارات واللوائح الداخلية والقرارات
المتعلقة بالشئون الإدارية والمالية والفنية للهيئة دون التقيد بالقواعد الحكومية –
فإن المقصود بالقواعد الحكومية هي تلك القواعد التنظيمية العامة الصادرة بأداة تشريعية
مكافئة للوائح والقرارات التنظيمية التي تصدرها مجالس إدارة الهيئات العامة وبينها
الهيئة العامة للتنشيط السياحي وليس بالبداهة لمجلس إدارة أية هيئة عامة وضع لوائح
لا تتقيد بالقوانين لأن تلك اللوائح أدنى مرتبة منها كما أن اللوائح التي تصدر عن تلك
الهيئات العامة لا يجوز لها أن تخرج عن النظام العام الإداري أو المالي المتمثل في
المبادئ العامة الجوهرية الحاكمة لتلك الأنظمة على مستوى الدولة.
ومن حيث إن قرار وزير السياحة رقم 282 لسنة 1981 بإصدار لائحة المشتريات والمبيعات
والمخازن بالهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي قد نص في المادة منه على أن
"يكون الخروج أو الاستثناء من أحكام هذه اللائحة ومن أحكام لائحة المناقصات والمزايدات
وأحكام لائحة المخازن الحكومية في حالات فردية بقرار من رئيس مجلس الإدارة".
ومن حيث إن هذا النص قد جاء مخالفاً للنظام العام المالي الذي أناط بالقانون تنظيم
موازنات وحسابات الهيئات العامة وتنظيم القواعد الأساسية لتحصيل الأموال العامة وإنفاقها
إذ أجاز الاستثناء عن القواعد اللائحية بقرارات إدارية فردية على نحو غير جائز في قواعد
التشريع الإداري ذلك أنه وفقاً لمبدأ الشرعية وسيادة القانون الذي يقوم عليه النظام
الدستوري المصري (الباب الرابع من الدستور) المواد 64، 65 والمواد ، ، من الدستور لتدرج القواعد القانونية فالقانون يلي نصوص الدستور في المرتبة وتليه نصوص
اللوائح وهي متدرجة تبدأ بالقرار الجمهوري ثم القرار الوزاري ثم تلك التي تصدر من سلطات
إدارية أدنى تطبيقاً لذلك وتنص المادة من الدستور صراحة بأن اللوائح التنفيذية
التي يصدرها رئيس الجمهورية لا يجوز أن تتضمن ما فيه تعديل أو تعطيل للقانون أو الإعفاء
من تنفيذه ويقتضي هذا التدرج في القواعد القانونية أن تتقيد كل قاعدة بالتي فوقها،
وأن تقيد القاعدة أو القواعد التي تليها.
ومن حيث أنه كما يجب أن تتقيد كل قاعدة بالتي تعلوها من حيث مصدرها على ما تقدم، فإن
القرار الفردي ينبغي أن يتقيد بحكم القرار التنظيمي العام (اللائحة) ولو كان مصدرهما
واحد فلا تستطيع السلطة الإدارية أن تصدر قراراً في شأن حالة فردية يخالف اللائحة التنظيمية
ولو كانت هي التي أصدرته بل يجب عليها أن تعدل اللائحة أولاً ثم يصدر القرار الفردي
على وفق أحكامها.
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم عدم صحة شرعية المادة من لائحة المشتريات والمبيعات
والمخازن بالهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي فيما تضمنه من تقرير اختصاص رئيس
مجلس إدارة الهيئة في الاستثناء من أحكام هذه اللائحة وكذلك من أحكام لائحة المناقصات
والمزايدات وأحكام لائحة المخازن الحكومية في حالات فردية لأن مثل هذا الاستثناء يعد
خروجاً على الشرعية وسيادة القانون ومقتضيات النظام العام المالي والنظام العام الإداري
على ما تقدم.
ومن حيث إن مؤدي عدم شرعية نص المادة المشار إليها عدم صحة ما استند إليه الطاعن
الأول في دفاعه والمتمثل في أنه كان بإقراره شراء أدوات البوفيه الخاص بالهيئة يمارس
الاختصاص الذي يملكه رئيس مجلس إدارة الهيئة بمقتضي هذا النص والذي فوضه رئيس مجلس
الإدارة في مباشرته عند غيابه.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن التفسير الصحيح للقواعد القانونية يقتضى القول بأن الطاعن
قد استند في إقراره شراء أدوات البوفيه الخاص بالهيئة إلى نص لائحي ليست له شرعية القواعد
القانونية الواجبة المراعاة على نحو يجعل تلك من جانبه غير قانونية، الأمر الذي يشكل
مخالفة تأديبية في حقه.
إلا أنه من حيث أن قانون العاملين المدنيين بالدولة ينص في المادة منه على أن
يحظر على العامل: مخالفة القواعد والأحكام المنصوص عليها في القوانين واللوائح
المعمول بها.
……
مخالفة اللوائح والقوانين الخاصة بالمناقضات والمزايدات والمخازن والمشتريات وكافة
القواعد المالية.
ومن حيث إن مقتضى هذا النص أن العامل مسئول عن تنفيذ القواعد والأحكام اللائحية خصوصاً
تلك التي تتعلق بالمناقضات والمزايدات والمخازن والمشتريات ومختلف القواعد المالية.
ومن حيث إن المشرع بذلك لم يفرض على الموظف أن يبحث في مدى مشروعية النص اللائحي لمعرفة
ما إذا كان متوافقاً مع القواعد القانونية من عدمه على خلاف موقف المشرع من تقريره
لواجب الموظف في أن يبحث في مدى مشروعية الأمر الإداري الصادر إلى المرؤوس عن رئيسه
ويعترض كتابه على ما يراه غير مشروع من تلك الأوامر وبحيث يتحمل الرئيس وحده مسئولية
الأمر الفردي المخالف للقانون الذي أصدره في حالة إصراره كتابة على تنفيذ مرؤوسيه لأوامره
رغم اعتراضه عليها. وذلك طبقاً لما قضت به صراحة المادة من أنه "لا يعفي العامل
من الجزاء استناداً إلى أمر صادر إليه من رئيسه إلا إذا أثبت أن ارتكاب المخالفة كان
تنفيذاً لأمر مكتوب بذلك صادر إليه من هذا الرئيس بالرغم من تنبيهه كتابة إلى المخالفة
وفي هذه الحالة تكون المسئولية على مصدر الأمر وحده".
ومن حيث إن المشرع على ما تقدم لم يفرض على الموظف الإداري العادي غير المتخصص الذي
لا اختصاص له في وضع أو تعديل النصوص اللائحية والتنظيمية أن يبحث في مدي مشروعية النص
اللائحي الصادر من السلطة المختصة للتحري عن مدى توافقه مع القواعد الدستورية والقانونية
ومن ثم فإن تنفيذ الموظف بحسن نية لنص مخالف للقواعد المذكورة التزاماً بنص المادة
من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة يقوم مانعاً لمسئوليته التأديبية عن
تنفيذ نص غير صحيح قانوناً لأن صدور ونفاذ مثل هذا النص وبقاءه في مجال التطبيق يمثل
خطأ وخللاً في تنظيم المرفق العام وإهداراً للشرعية اللائحية لا شأن للعامل حسن النية
غير المتخصص وغير المسئول عن وضعه أو تعديله.
ومن حيث إن مؤدى ذلك أنه رغم ما سلف بيانه من أن الطاعن الأول يعتبر أنه قد ارتكب مخالفة
تأديبية بإقراره شراء أدوات البوفيه الخاص بالهيئة استناداً إلى نص لائحي صدر غير متفق
مع الشرعية طبقاً لصحيح القواعد القانونية الواجبة المراعاة فإن الطاعن قد قام في ذات
الوقت لصالحه مانع من موانع المسئولية التأديبية يتمثل في حسن نيته والتزامه القانوني
بتنفيذ القواعد اللائحية المالية السارية والنافذة بالهيئة التي يخدم فيها دون البحث
المتعمق في مدى موافقتها للقانون.
ومن حيث إن الطاعن الأول قد استند في إقراره شراء أدوات البوفيه إلى اختصاص رئيس مجلس
إدارة الهيئة المفوض به استناداً إلى نص قرار رئيس مجلس الإدارة رقم لسنة 1981
سالف الذكر.
ومن حيث إن رئيس مجلس إدارة الهيئة قد أقر كتاب رسمي موقع منه بخاتم الهيئة بأن موافقة
الطاعن على الشراء استثناء من أحكام لائحة المشتريات والمزايدات الخاصة بالهيئة كان
في إطار التفويض الصادر لسيادته في هذا الخصوص طبقاً للمادة من لائحة المشتريات
الخاصة بالهيئة الصادر بقرار السيد وزير السياحة رقم 282 لسنة 1981.
ومن حيث إن جهة الإدارة لم تعترض على ما ورد في هذا المستند أمام المحكمة التأديبية،
ولا أمام دائرة فحص الطعون ولا في جلسات نظر الموضوع أمام هذه المحكمة فإن المحكمة
تعدل على هذا المستند وتعتبره صحيحاً ومن ثم يكون الطاعن الأول قد قام لصالحه مانع
من موانع المسئولية التأديبية بما يقتضي الحكم بعدم مسئوليته مما أسند إليه.
ومن حيث إن النيابة الإدارية قد نسبت إلى الطاعن الثاني السيد…… مدير المشتريات
بالهيئة – أنه قام باتخاذ إجراءات شراء أدوات البوفيه الخاص بالهيئة بعد الحصول على
موافقة الطاعن الأول (رئيس قطاع الشئون المالية والإدارية).
ومن حيث إن ثبوت قيام المانع من المسئولية التأديبية لصالح الطاعن الأول على النحو
سالف الذكر يؤدي بذاته إلى حتمية ثبوت قيام ذات المانع لصالح الطاعن الثاني لأنه استند
في الشراء بحسن نيته إلى موافقة الطاعن الأول.
ومن حيث إن مؤدى ذلك الحكم بعدم مسئولية الطاعن الثاني كذلك مما أسند إليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب خلاف هذا المذهب ومن ثم فإنه يكون قد خالف القانون
مما يتعين معه القضاء بإلغائه.
ومن حيث إن هذا الطعن معفى من الرسوم القضائية وفقاً لحكم المادة من نظام العاملين
المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 لأن الحكم المطعون فيه من أحكام
المحاكم التأديبية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضي به من مجازاة الطاعنين وبعدم مسئوليتهما مما هو منسوب إليهما.
