الطعن رقم 246 لسنة 24 ق – جلسة 18 /12 /1958
أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
العدد الثالث – السنة 9 – صـ 786
جلسة 18 من ديسمبر سنة 1958
برياسة السيد محمود عياد المستشار، وبحضور السادة: إبراهيم عثمان يوسف، ومحمد زعفراني سالم، والحسيني العوضي، ومحمد رفعت المستشارين.
الطعن رقم 246 لسنة 24 ق
( أ ) إثبات. طرق الإثبات "الإثبات بالبينة". متى يجوز لمحكمة الموضوع
الاعتماد على أقوال الشهود الذين سمعهم الخبير دون حلف يمين؟.
(ب) إثبات. طرق الإثبات "الإثبات بالبينة". ذكر محكمة الموضوع أن "الطاعنة لم تستشهد
بشهود ما ينفون ما قرره شهود الإثبات". مؤداه. هذا لا يفيد أن المحكمة قد فاتها العلم
بأن للطاعنة شهوداً.
(ج) إثبات. طرق الإثبات "الإثبات بالبينة". حق محكمة الموضوع في تقدير أقوال الشهود.
تقديرها مسألة موضوعية.
1 – لا تثريب على المحكمة إذا اتخذت من أقوال الشهود الذين سمعهم الخبير بغير حلف يمين
قرينة ضمن قرائن أخرى على اكتساب مورث المطعون عليهم ملكية أرض النزاع بالتقادم الطويل
ولا يشوب حكمها خطأ في القانون لأنها هي لم تسمع الشهود ولم يحلفوا أمامها اليمين.
2 – إذا كان الحكم المطعون فيه قد أورد أن "الطاعنة لم تستشهد بشهود ما ينفون ما قرره
شهود الإثبات" فإن هذه العبارة لا تفيد أن المحكمة قد فاتها العلم بأن للطاعنة شهوداً
لم تطلع على شهادتهم ولم توازنها بشهادة شهود الإثبات، وإنما تؤدي بمفهومها إلى أن
المحكمة إنما قصدت إلى القول بأن شهادة شهود الإثبات كانت موضع اطمئنانها وأنه لم يأت
أحد من الشهود بما ينفيها، لهذا ذكرت أنها تطمئن إلى شهادة هؤلاء الشهود وتراها مؤدية
لإثبات دعوى المطعون عليهم، ومن ثم يكون النعي على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت
في الأوراق على غير أساس.
3 – تقدير الشهادة مسألة موضوعية لا يصح الجدل فيها أمام محكمة النقض متى كان استخلاص
المحكمة سائغاً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن في أن الطاعنة
أقامت الدعوى رقم 27 سنة 1916 كلي بني سويف على مورث المطعون عليهم بصحيفة أعلنت في
8/ 11/ 1915 طلبت فيها الحكم بتثبيت ملكيتها إلى 31 فداناً و12 سهماً مبينة الحدود
والمعالم بالصحيفة وإلزامه برفع يده عنها وتسليمها ودفع الإيجار المستحق عليها وقدره
91 جنيهاً و9 مليمات عن المدة التي زرعها فيها وما استجد من الإيجار لغاية يوم التسليم
باعتبار إيجار الفدان 600 مليم سنوياً مع إلزامه بالمصاريف والأتعاب – ثم عدلت الطاعنة
طلباتها في 12 من يناير سنة 1929 إلى طلب تثبيت ملكيتها إلى 84 فداناً و14 قيراطاً
و14 سهماً بالحدود والمعالم المبينة بإعلان هذا التعديل وريع هذا القدر بواقع 600 مليم
للفدان في السنة. وكانت محكمة الدرجة الأولى قد أصدرت بتاريخ 16 من يوليه سنة 1916
حكماً تمهيدياً بندب خبير لمعاينة الأرض موضوع النزاع وتطبيق مستندات الطرفين عليها
وبحث ما إذا كانت قد استصلحت بمعرفة المدعى عليه من زمن قديم وما هو الزمن الذي مضى
على إصلاحها والبناء فيها وتقدير عمر المباني مع سماع ملاحظات الطرفين وأقوال شهودهما
بغير يمين عن وضع اليد والإصلاح والبناء ومدة كل ذلك وتقديم تقريره بما يراه من نتيجة
المعاينة والتحقيق ثم أصدرت بعد ذلك حكماً آخر في 16 من يوليه سنة 1917 بندب ثلاثة
من خبراء لمباشرة المأمورية المذكورة – وفي محضر الأعمال المحرر في 10 من أبريل سنة
1918 أثبت الخبراء ما تم بين طرفي النزاع من قبول المدعى عليه شرا ء الـ 31 فداناً
و12 سهماً بواقع ثلاثة جنيهات ثمناً للفدان – ومن موافقة الحاضرين عن مصلحة الأملاك
على ذلك – وقد اعتبر الخبراء مأموريتهم منتهية عند هذا الحد ورفعوا تقريرهم إلى المحكمة
للتصديق على محضر الصلح. ولكن مصلحة الأملاك اعترضت لدى المحكمة بأن مندوبيها لم يكونا
مفوضين بهذا العمل فقضت المحكمة الابتدائية في 23/ 12/ 1918 بعدم اعتماد عقد الصلح
المحرر بمحضر أعمال الخبراء وبإعادة المأمورية إليهم لإتمامها. ثم أصدرت المحكمة بعد
ذلك أحكاماً متعددة باستبدال من توفي أو اعتذر عن العمل من الخبراء. وفي 13 من ديسمبر
سنة 1933 حكمت تمهيدياً بندب أمين أفندي سامي الخبير لأداء المأمورية المبينة بالأحكام
التمهيدية بدلاً من الخبراء المعينين فيها وقد باشر هذا الخبير مأموريته وقدم تقريره.
وبتاريخ 2 من مايو سنة 1943 قضت المحكمة الابتدائية أولاً بتثبيت ملكية المصلحة (المدعية)
إلى 60 فداناً و1 قيراطاً و13 سهماً الموضحة الحدود والمعالم بنتيجة تقرير الخبير أمين
سامي ورفع يد المطعون عليهم عنها وتسليمها للمصلحة ثانياً – إلزام المطعون عليهم بأن
يدفعوا للمصلحة من تركة مورثهم المرحوم علي المصري رفع 31 فداناً و12 سهماً باعتبار
ريع الفدان الواحد 200 مليم سنوياً من تاريخ رفع الدعوى في 8 من نوفمبر سنة 1915 لغاية
سنة 1922 وريع 60 فداناً و1 قيراطاً و13 سهماً من سنة 1922 لغاية يونيه سنة 1931 باعتبار
ريع الفدان 200 مليم سنوياً. ثالثاً – إلزام المطعون عليهم بأن يدفعوا للمصلحة من مالهم
الخاص قيمة ريع 60 فداناً و1 قيراطاً و13 سهماً من يوليه سنة 1931 لغاية التسليم باعتبار
الفدان 200 مليم سنوياً وإلزامهم بالمصاريف ومبلغ 100 قرش أتعاباً للمحاماة ورفض ما
عدا ذلك من الطلبات. وبتاريخ 19 من مارس سنة 1944 استأنف المطعون عليهم هذا الحكم إلى
محكمة استئناف القاهرة فقيد بجدولها برقم 804 لسنة 61 ق وطلبوا قبول الاستئناف شكلاً
وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف بكامل أجزائه ورفض دعوى المستأنف عليها (الطاعنة)
مع إلزامها بالمصاريف عن الدرجتين وأتعاب المحاماة عنهما وبتاريخ 15 من ديسمبر سنة
1953 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليها وإلزامها
بالمصاريف عن الدرجتين ومبلغ 2000 قرش أتعاب محاماة للمستأنفين (المطعون عليهم) وبتاريخ
13 من يوليه سنة 1954 قررت الطاعنة الطعن بالنقض في هذا الحكم – وبعد استيفاء الطعن
إجراءاته أودعت النيابة العامة مذكرة برأيها طلبت فيها نقض الحكم المطعون فيه – وعرض
الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 15 من أكتوبر سنة 1958 وصممت النيابة العامة على
ما جاء بمذكرتها وطلبت إحالة الطعن إلى الدائرة المدنية والتجارية وقررت دائرة الفحص
إحالة الطعن إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 20 من نوفمبر سنة 1958 وفيها صممت النيابة
على رأيها سالف الذكر.
وحيث إن الطاعنة تنعي بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في القانون وذلك بتأسيسه
قضاءه برفض دعوى الطاعنة على أقوال الشهود الذين سمعهم الخبير أمين سامي والخبراء السابقون
عليه – والتي تبينت المحكمة منها أن مورث المطعون عليهم قد تملك أطيان النزاع بوضع
اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية – والتعويل على هذا التحقيق مخالف للقانون – إذ
يتعين إجراء التحقيق أمام قاضي الدعوى – وفقاً للأوضاع والإجراءات المرسومة في قانون
المرافعات لا عن طريق الخبراء الذين يسمعون أقوال الشهود بغير يمين مما يجعل شهادتهم
باطلة ولم يكن لمحكمة الموضوع أن تحصل فهم الواقع في الدعوى إلا بالدليل القانوني الذي
يجوز الاستدلال به في صورتها.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه
برفض دعوى الطاعنة – تأسيساً على ما ورد فيه من اكتساب مورث المطعون عليهم ملكية أرض
النزاع بوضع اليد عليها المدة الطويلة – وقد أورد في هذا الخصوص أنه "من حيث إنه ما
دام وضع اليد المملك بالتقادم المدة الطويلة قد ثبت من شهادة الشهود وما استخلصته المحكمة
من تقارير أهل الخبرة والقرائن المشار إليها آنفاً المؤيدة لها – ولم ينقطع وضع اليد
هذا لسبب قانوني من أسباب الانقطاع خلافاً لما ذهبت إليه محكمة أول درجة في هذا الصدد
فلا عبرة بعد هذا بما أشار إليه الخبير أمين سامي ونفس المستأنف عليها"… وإشارة الحكم
المطعون فيه – في خصوص "ما استخلصه من تقارير أهل الخبرة والقرائن المؤيدة لها" عائدة
إلى ما سبق له إيراده من قبل في أسبابه من قوله "إن وضع اليد هذا على أرض النزاع واغتصابها
مسلم به من المستأنف عليها (الطاعنة) ومقرر من أهل الخبرة في تقاريرهم ومحاضر أعمالهم
المقدمة في الدعوى للأسباب المذكورة فيها – ومن بينها معاينة أثر فرش المباني الموجود
في الأرض لوابور الري الذي نقل بعد وضعه إلى جهة أخرى كما هو وارد في معاينة الخبير
عبد اللطيف شكري في 9/ 2/ 1917" ومن ذلك يبين أن الحكم المطعون فيه قد اعتمد في قضائه
برفض دعوى الطاعنة إلى أدلة وقرائن منها ما استخلصه من أقوال الشهود الذين سمعهم الخبراء
بإذن المحكمة وفقاً للمادة 228 من قانون المرافعات (القديم) فلا تثريب على المحكمة
إذا اتخذت من أقوال الشهود الذين سمعهم الخبير بغير حلف يمين قرينة ضمن قرائن أخرى
على اكتساب مورث المطعون عليهم ملكية أرض النزاع بالتقادم الطويل ولا يشوب حكمها خطأ
في القانون لأنها هي لم تسمع الشهود ولم يحلفوا أمامها اليمين.
وحيث إن الطاعنة تنعي في الوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور
وفساد الاستدلال لإطراحه مستندات الحكومة وكشوف التمليك بدعوى أنه لا محل لها ولا معول
عليها – وأنه قد خالف الثابت في الأوراق حين قرر أن المصلحة (الطاعنة) لم تستشهد بشهود
ينفون ما قرره شهود المطعون عليهم – والحال أن محضر أعمال الخبراء المؤرخ 17/ 11/ 1928
قد سئل فيه عدد من الشهود الذين تقدمت بهم الطاعنة إليهم. وأجمعوا في شهادتهم على أن
مورث المطعون عليهم لم يضع يده على أرض النزاع إلا بعد عملية فك الزمام في سنة 1906
ولم يفطن الحكم لهذه الأقوال ولم يعرض لها.
وحيث إن النعي بما ورد في هذا الوجع مردود في شطره الأول بأن قضاء الحكم المطعون فيه
مؤسس على اكتساب مورث المطعون عليهم ملكية الأرض موضوع النزاع بوضع يده المدة الطويلة
فلا يعيب الحكم إطراحه مستندات الطاعنة التي كانت تستدل بها على أنها كانت هي المالكة
أصلاً للأطيان قبل اغتصاب المورث للأرض ووضع يده عليها. ومردود في شطره الثاني – بأن
ما ورد في الحكم المطعون فيه من القول "بأن المستأنف عليها (الطاعنة) لم تستشهد بشهود
ما ينفون ما قرره شهود الإثبات هؤلاء" لا يفيد أن محكمة الاستئناف قد فاتها العلم بأن
للطاعنة شهوداً سمعهم الخبراء ودونت أقوالهم في محاضر أعمالهم فلم تطلع على شهادتهم
ولم توازنها بشهادة شهود الإثبات – ولكن هذه العبارة تؤدي بمفهومها إلى أن محكمة الاستئناف
إنما قصدت إلى القول بأن شهادة شهود الإثبات كانت موضع اطمئنانها – وأنه لم يأت أحد
من الشهود بما ينفيها – لهذا ذكرت أنها تطمئن إلى شهادة هؤلاء الشهود – وتراها مؤدية
الإثبات دعوى المستأنفين – كما ذكرت أنه بحسبها أقوال هؤلاء الشهود دليلاً على وضع
اليد بدون حاجة إلى إعادة التحقيق بمعرفتها من جديد.
وحيث إن الطاعنة تنعي بالوجه الثاني من السبب الثاني – على الحكم المطعون فيه القصور
في التسبيب لأنه اعتمد في قضائه برفض دعوى الطاعنة في أقوال شهود الإثبات الذين جاءت
شهادتهم مضطربة مبهمة – لم يحددوا فيها أرض النزاع تحديداً واضحاً ولم يبينوا معالمها
وحدودها ومن ثم كانت غير منتجة في الدعوى كما أنهم في صدد تحديد مدة وضع يد المورث
تضاربت أقوالهم مما دعا الخبير أمين سامي إلى عدم التعويل عليها.
وحيث إن هذا النعي مردود بأنه فضلاً عن أن تقدير الشهادة مسألة موضوعية لا يصح الجدل
فيها أمام محكمة النقض متى كان استخلاص المحكمة سائغاً – فإن الطاعنة لم تورد لسبب
النعي وجه الإبهام في شهادة الشهود ولا التناقض المدعى به وأثر ذلك في الحكم المطعون
فيه ومن ثم يكون وجه النعي على غير أساس.
وحيث إن نعي الطاعنة بالوجه الثالث من السبب الثاني حاصله أن محكمة الاستئناف قد أغفلت
شأن الإقرار الحاصل من مورث المطعون عليهم بملكية الطاعنة لأرض النزاع – الثابت في
محضر أعمال الخبراء في سنة 1918 – فلم تحدث عن الأثر القانوني لهذا الإقرار – وذلك
بصرف النظر عن أنه لم يؤثر في سريان مدة التقادم بالقطع – لحصوله بعد رفع الطاعنة للدعوى.
وحيث إن النعي بهذا الوجه مردود بأن الحكم المطعون فيه لم يكن عليه أن يتحدث عن هذا
الإقرار وأثره القانوني بعد إذ قضى ببطلان الصلح المشار إليه في محضر أعمال الخبراء
في سنة 1918 على ما هو ثابت من الوقائع السالف إيرادها.
وحيث إنه لما تقدم جميعه يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه.
