طعن رقم 252 سنة 24 ق – جلسة 19 /06 /1958
أحكام النقض – المكتب الفني – مدني
العدد الثاني – السنة 9 – صـ 591
جلسة 19 من يونيه سنة 1958
برياسة السيد عبد العزيز محمد رئيس المحكمة، وبحضور السادة: عثمان رمزي، ومحمد متولي عتلم، وإبراهيم عثمان يوسف، ومحمد زعفراني سالم المستشارين.
طعن رقم 252 سنة 24 ق
( أ ) عمل. فسخ. مرض العامل. عدم انفساخ عقد البيع بسبب مرض العامل
ما لم يقم الدليل على أن رب العمل أعرب عن نيته في الفسخ بسبب ذلك.
(ب) عمل. فسخ. محكمة الموضوع. سلطتها في استخلاص نية رب العمل في إنهاء عقد العمل بسبب
مرض العامل مما يقدم إليها من الأدلة.
1 – لا يعتبر مرض العامل بذاته – قبل صدور قوانين العمل الفردي وبعد صدورها – من الأسباب
التي تؤدي إلى انفساخ العقد بين العامل ورب العمل بقوة القانون ومن تلقاء نفسه. بل
يجب أن يقوم الدليل في الدعوى على أن رب العلم أعرب عن نيته في غير تعسف في إنهاء العقد
بسبب هذا المرض. فإذا لم يقم الدليل على رغبة رب العمل في فسخ العقد بل كانت الوقائع
تدل على استمراره فإنه لا يكون ثمت سند للقول بحصول فسخ ضمني له.
2 – إنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص نية رب العمل في إنهاء عقد العمل بسبب مرض
العامل من الأدلة التي تقدم إليها إلا أنه يشترط أن يكون هذا الاستخلاص سائغاً. فإذا
كانت المحكمة قد اعتبرت قيام رب العمل بأداء الأجر كاملاً للعامل طيلة مرضه الذي امتد
سنوات دليلاً على رغبته في فسخ العقد بينما هو صريح الدلالة على العكس فإن هذا الاستخلاص
يكون غير مستساغ.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار
المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه ومن سائر الأوراق أن مورث الطاعنين المرحوم
ستافرو راباس كان قد التحق بخدمة الشركة المطعون عليها في سنة 1900 ووصل مرتبه في الشهر
إلى 61 جنيهاً و700 مليماً بما فيه العلاوات إلى أن أصيب في ديسمبر سنة 1940 بانفجار
في الشريان وانقطع عن العمل بسبب مرضه الذي اتصل به حتى وفاته في 18 من يونيه سنة 1944
وظل يتقاضى مرتبه من الشركة إلى أن توفي فأقام ورثته الطاعنون الدعوى 3462 سنة 1950
كلي مصر بصحيفة أعلنت إلى المطعون ضدها في 12 من أكتوبر سنة 1950 يطلبون الحكم بإلزامها
أن تؤدي إليهم – على أساس التعهد الصادر منها والمودع بمكتب العمل في 3 من يوليه سنة
1943 خاصاً بأجور ومكافآت عمالها بمصنع طره – بمبلغ أربعة آلاف جنيه هو ما يستحقه مورثهم
من مكافأة عدلوها أثناء نظر الدعوى إلى 2190 جنيهاً و640 مليماً مع الفوائد القانونية
من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد. وفي 12 من مايو سنة 1952 قضت محكمة مصر الابتدائية
حضورياً بإلزام المطعون ضدها بأن تدفع إلى الطاعنين المبلغ المطالب به من فوائده بواقع
4% من تاريخ الحكم حتى السداد مؤسسة قضاءها على أن مورث الطاعنين وقد كان رئيساً للميكانيكيين
يعتبر هو ومرءوسوه في عداد العمال الفنيين الذين يحق لهم التمسك بما جاء بكتاب المطعون
ضدها سالف الذكر الرقيم 3 من يوليه سنة 1943 والمتضمن للشروط التي التزمت المطعون ضدها
– قبل وفاة المورث – بمعاملة عمال مصنعها بمقتضاها بدلاً من الاتفاقيات السابقة وأن
المكافأة تحتسب باعتبار آخر مرتب كان يتقاضاه العامل وعلى أساس 15 يوماً عن كل سنة
من العشر سنوات الأولى من خدمته وأجرة 20 يوماً عن كل سنة من العشر سنوات الثانية وأجرة
ثلاثين يوماً عن كل سنة تأتي بعد ذلك، واستطرد الحكم الأول يقول إنه وإن كان انقطاع
العامل عن العمل لمرضه يعطى صاحب العمل الحق في فسخ عقد العمل واعتباره منتهياً إذا
ما استطال به المرض إلا أن هذا الحق لا يعدو أن يكون رخصة بفسخ العقد إذا شاء استعملها
صاحب العمل فيخطر العامل بذلك وإلا حق للعامل اعتبار عقد العمل سارياً بغير فسخ كما
هو الحال في هذه الدعوى التي استمرت الشركة تؤدي إلى مورث الطاعنين كامل مرتبه حتى
وفاته دون أن تنذره أو تخطره بفسخ العقد فيكون ما صرف له من مرتبات ومصاريف علاج من
حقه طبقاً لشروط العمل السارية على كافة العمال بالمصنع فلا محل الخصم شيء منها من
المكافأة عن مدة الخدمة وهي أربعة وأربعون عاماً وعلى أساس أن آخر مرتب له 61 جنيهاً
و700 مليم بإقرار الشركة المطعون ضدها. فاستأنفت الشركة هذا الحكم قائلة إن المرحوم
ستافرو راباس لم يكن في خدمتها وقت صدور لائحة 3 من يوليو سنة 1943 لانقطاعه عن العمل
بسبب مرضه الغير قابل للشفاء من ديسمبر سنة 1940 وأنه لم يكن عاملاً تسري عليه أحكام
تلك اللائحة بل كان موظفاً مكلفاً بالإدارة الفنية للمصنع وأن التعويض الذي كان يستحقه
قد تسدد جميعه باتفاقه مع الشركة عن طريق استمرار دفع مرتبه كاملاً من بدء مرضه حتى
وفاته فبلغ ما قبضه من تلك الفترة 2529 جنيهاً و700 مليم بخلاف مصاريف العلاج وقدرها
220 جنيهاً وأن استحقاق الورثة للتعويض طبقاً للائحة 3 من يوليه سنة 1943 مشروط بأن
يكون هؤلاء الورثة قصراً أو بنات غير متزوجات بينما كان الطاعنون جميعاً بلغاً ومتزوجين
في وقت الوفاة فلا يستحقون تعويضاً. فقبلت المحكمة الاستئناف شكلاً وقضت في موضوعه
بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض دعوى الطاعنين مع إلزامهم بمصاريف الدرجتين ومقابل أتعاب
المحاماة. فقرر محامي الطاعنين في 15 من يوليه سنة 1954 بالطعن في هذا الحكم بطريق
النقض قبل إعلانه إليهم. وبعد استيفاء الإجراءات عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة
30 من أبريل سنة 1958 وصممت النيابة على ما جاء بمذكرتها طالبة إحالة الطعن إلى هذه
المحكمة ونقض الحكم المطعون فيه، فصدر قرار دائرة الفحص بالإحالة وأمام هذه الهيئة
صمم الطرفان والنيابة على طلباتهم.
وحيث إن الطاعنين يقيمون طعنهم على سببين أولهما – أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بانفساخ
عقد العمل ضمناً قبل وفاة مورثهم استناداً إلى مجرد انقطاعه عن العمل بسبب المرض دون
أن يقوم في الأوراق دليل على حصول التفاسخ خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله من
حيث الأخذ بقواعد الإثبات والسير في تحقيق الأدلة كما أنه وقد بني قضاءه على ما استنبطه
من حصول هذا التفاسخ حالة أن تفاسخاً ما لم يحصل – يكون فاقد الأساس القانوني لإبتنائه
على واقعة وهمية لا أصل لها في الأوراق. ثانياً – أن الحكم أخطأ في تفسير لائحة المصنع
الصادرة في 3 من يوليه سنة 1943 إذ هو وقف عند حالة من أحوال المكافآت الواردة بالبند
الثاني منها وطبقها على واقعة الطعن من أن هذا البند أورد حالتين غير هذه الحالة وجاءت
الأولى منهما مقررة حق العامل في المكافأة مطلقاً من كل قيد. فإغفال الحكم لها خطأ
في تكييف فهم الواقع في الدعوى بموجبها مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن القانون الواجب التطبيق أصلاً في خصوص
هذا النزاع هو القانون المدني الذي كان معمولاً به لدى المحاكم المختلطة والذي استندت
الشركة المطعون عليها إلى المادتين 242 و502 منه إلا أنه نظراً لقصور هاتين المادتين
عن تبيان آثار فسخ العقد ولعدم قيام قانون يحكم عقد العمل آنذاك فقد رجع الحكم المطعون
فيه إلى قواعد العدل والإنصاف وأنه لما كان مورث الطاعنين قد انقطع عن العمل بسبب مرضه
في ديسمبر سنة 1940 إلى أن توفي في 18 من يونيه سنة 1944 وكانت شركة كوتسيكا وشركاه
قد استمرت تؤدي إليه مبلغاً يعادل كامل مرتبه طوال هذه الفترة فقد استخلص الحكم المطعون
فيه أن نية الشركة قد انصرفت حين الدفع إلى مكافأة المورث وتعويضه عن مدة خدمته وبنت
استخلاصها على كون الأجرة مقابل العمل الذي يؤديه العامل فإذا انقطع عن العمل واستحالت
عودته إليه سقط عن المؤجر الالتزام بالأجر وقد سقط الالتزام عن المطعون عليها في هذه
الدعوى من تاريخ مرض المورث في ديسمبر سنة 1940. وأنه من غير المعقول أن تتبرع له الشركة
بكامل مرتبه ثلاث سنوات ونصف علاوة على مصاريف علاجه بينما هي مؤسسة تجارية تستأجر
العمال للاستفادة من جهدهم. وأن سكوت الورثة نيف وست سنوات عن رفع دعواهم يكشف عن أنهم
كانوا على علم بأن مورثهم إنما كان يتقاضى خلال مرضه تعويضاً عن مدة خدمته السابقة.
وانتهى الحكم إلى أن البادي من هذه القرائن ومن تصرفات طرفي الخصومة هو حصول فسخ ضمني
يقرره القضاء بناءً على طلب صاحب المصلحة فيه وينسحب أثره إلى وقت قيامه وهو الانقطاع
للمرض. ثم استطرد الحكم المطعون فيه يقول إنه مع التسليم جدلاً بانطباق اللائحة الداخلية
للمصنع الصادرة في 3 من يوليه سنة 1943 باعتبار أن وفاة المورث لاحقة لصدورها وعلى
أساس أن التفاسخ لم يحصل وأن عقد العمل استمر سارياً في فترة المرض حتى حصول الوفاة
فإن البند الثاني منها لا يجيز منح الورثة الطاعنين تعويضاً إذ ليس منهم قصر ولا بنات
غير متزوجات.
وحيث إنه وإن كان التزام رب العمل أداء الأجرة مرتبطاً بأداء العامل لعمله وكان هذا
الارتباط مؤدياً في حالة توقف العامل عن الأداء إلى تقرير الحق لرب العمل في إنهاء
العقد ما لم يمنعه القانون عن ذلك لمدة يقدرها حماية للعامل في فترة مرضه – إلا أن
المرض لم يكن بذاته – قبل صدور قوانين عقد العمل الفردي وبعد صدورها من الأسباب التي
تؤدي إلى انفساخ العقد بين العامل ورب العمل بقوة القانون ومن تلقاء نفسه بل يجب أن
يقوم الدليل في الدعوى على أن رب العمل أعرب عن نيته في غير تعسف – في إنهاء العقد
بسبب هذا المرض. كما أنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص هذه النية من الأدلة التي
تقدم إليها إلا أنه يشترط أن يكون هذا الاستخلاص سائغاً ومن غير المستساغ اعتبار قيام
رب العمل بأداء الأجر كاملاً للعامل طيلة مرضه الذي امتد سنوات دليلاً على رغبته في
فسخ العقد بينما هو صريح الدلالة على العكس. ومتى ثبت هذا كان ما حاول الحكم استنباطه
بالتالي من أن ما دفع للمورث إنما كان التعويض المستحق له. وليس أجره الشهري استنباطاً
من غير دليل وينقضه أن لا محل للتحدث عن التعويض عن عقد لم يفسخ بعد. بل كل الوقائع
على استمراره.
وحيث إنه متى كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنين على
حصول الفسخ الضمني الذي لا سند له فإن النعي عليه بانعدام أساسه في فسخه للعقد يكون
نعياً سديداً.
وحيث إن الطاعنين ينعون في الوجه الآخر خطأ الحكم في تكييف فهم الواقع في الدعوى إذ
أخطأ في تفسير لائحة المصنع الصادرة في 3 من يوليه سنة 1943 عندما عرض لذلك على فرض
التسليم جدلاً من ناحيته بعد حصول الفسخ وسريان العقد حتى الوفاة.
وحيث إن البين من مراجعة تلك اللائحة أنها تقرر للعامل مكافأة تستحق له وتحتسب وفقاً
لامتداد خدمته عشر أو عشرين سنة أو ما فوق ذلك كما أن هناك نوعاً آخر من المكافأة رتبته
اللائحة لورثة العامل وشرطت استحقاقهم لها أن يكون هؤلاء الورثة قصراً أو بنات غير
متزوجات – وهذه المكافأة المشروطة للورثة كما هو ظاهر من النص هي مكافأة مستقلة عن
تلك التي رتبتها للعامل أصلاً والتي يصح لورثته أن يخلفوه فيها وعلى ذلك يكون تفسير
الحكم المطعون فيه لهذا البند من اللائحة بأن كل ما رتب للورثة من حق إنما هو تلك المكافأة
المشروطة والمشار إليها في الفقرة الثانية يكون مسخاً لظاهر النص مما يتعين معه نقض
الحكم في هذا الخصوص أيضاً.
