الطعن رقم 1166 سنة 28 ق – جلسة 17 /11 /1958
أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الثالث – السنة التاسعة – صـ 925
جلسة 17 من نوفمبر سنة 1958
برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة: محمود محمد مجاهد، وفهيم يسى جندي، والسيد أحمد عفيفي، وأحمد زكى كامل المستشارين.
الطعن رقم 1166 سنة 28 القضائية
(ا) اختلاس أموال أميرية. جريمة المادة 112 ع معدلة بق 69/ 53.
عناصر الواقعة الإجرامية. فعل الاختلاس. اختلافه عن فعل الاختلاس في السرقة. أثر ذلك
في تحديد قيام الجريمة.
تمام الجريمة بتحويل الحيازة من ناقصة إلى كاملة ولو لم يتم التصرف فعلا.
العدول بعد تحويل الحيازة لا أثر له في المسئولية عن الجريمة. مثال.
(ب) اختلاس أموال أميرية. جريمة المادة 112 ع معدلة بق 69/ 53. عناصر الواقعة الإجرامية.
صفة الموظف العمومي. نوع المال المختلس.
جندي الجيش هو من المكلفين بخدمة عامة. مؤاخذة بالمادة 112 ع عند اختلاسه مالا – عاما
أم خاصا – سلم إليه بسبب وظيفته. م 111، 119. ع.
1- كان مراد الشارع عند وضع نص المادة 112 عقوبات هو فرض العقاب على عبث الموظف بالائتمان
على حفظ الشيء الذي وجد بين يديه بمقتضى وظيفته – وهذه الصورة من الاختلاس هي صورة
خاصة من صور خيانة الأمانة – لا شبهة بينها وبين الاختلاس الذي نص عليه الشارع في باب
السرقة – فالاختلاس هناك يتم بانتزاع المال من حيازة شخص آخر خلسة أو بالقوة بنية تملكه
– أما هنا فالشيء المختلس في حيازة الجاني بصفة قانونية ثم تنصرف نية الحائز إلى التصرف
فيه على اعتبار أنه مملوك له، ومتى تغيرت هذه النية لدى الحائز وحول حيازته الناقصة
إلى حيازة كاملة بنية التملك وجدت جريمة الاختلاس تامة – وإن كان التصرف لم يتم فعلا
– فإذا قال الحكم "أن المتهم وزميله بصفتهما مستخدمين عموميين بإدارة البوليس الحربي
بالقوات المسلحة نقلا فعلا جزءا من البطاريات – المسلمة إليهما بسبب وظيفتهما لنقلها
من التل الكبير إلى إدارة البوليس الحربي بالقاهرة – والتي كانت موجودة أصلا في السيارة
إلى منزل شقيق المتهم الأول، وهذا التصرف من جانب المتهمين واضح الدلالة في أنهما انتويا
اختلاسها وتملكها والاحتفاظ بها لنفسيهما وقد كاشف أولهما الشاهد الأول بذلك وطلب إليه
مشاركة أخيه في التصرف فيها واقتسام ثمنها وقد رفض هذا الشاهد العرض". ما قاله الحكم
من ذلك يكفى لثبوت التغيير الطارئ على نية الحيازة ويكون الحكم صحيحا إذ وصف الواقعة
بأنها اختلاس تام لا ينفى فيها العدول بعد تمام الجريمة وتمام تحققها المسئولية ولا
يمنع من العقاب.
2- مجال تطبيق المادة 112 ع المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 53 يشمل كل موظف أو مستخدم
عمومي يختلس مالا مما تحت يده متى كان المال المختلس قد سلم إليه بسبب وظيفته، وإذ
كانت الخدمة العسكرية هي من الخدمات العامة بالقوات المسلحة فإن المتهم – بوصفه جنديا
في الجيش – يعتبر من المكلفين بالخدمة العامة يخضع لحكم المادة 112 عقوبات – ويصبح
مسئولا عما يكون تحت يديه من أموال سلمت إليه بسبب وظيفته يستوي في ذلك أن يكون مالا
عاما أم لا.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن مع آخر حكم عليه – بأنهما بصفتهما مستخدمين عموميين بإدارة البوليس الحربي بالقوات المسلحة اختلسا البطاريات والمهمات الأخرى المبينة الوصف والقيمة بالمحضر للجيش المصري والمسلمة إليهما وظيفتهما لنقلها من التل الكبير إلى إدارة البوليس الحربي بالقاهرة طلبت إلى غرفة الاتهام إحالتها إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد111 و112/ 1 و118 و119 من قانون العقوبات – فقررت بذلك ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام بمعاقبة المتهم (الطاعن) بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه مع المتهم الآخر متضامنين خمسمائة جنيه وبعزله من وظيفته. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض… الخ.
المحكمة
… حيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب
وفى بيان ذلك يقول الطاعن. أن الواقعة كما أثبتها الحكم على فرض صحتها لا عقاب عليها
إذا أورد على لسان الشاهد على حسن أبو السعود – الذي اعتمد عليه الحكم في الإدانة –
أنه راجع الطاعن وزميله المتهم الآخر فيما وقع منهما من اختلاس المهمات فعدلا عما كانا
ينتويانه وقبلا إعادة البطاريات المسروقة إلى الجيش فإذا كان هذا هو الحال فإن الواقعة
لا تخرج عن كونها شروعا في سرقة عدلا عنه بمحض اختيارهم مما يعدم الجريمة، هذا إلى
أن ركنين من أركان جريمة الاختلاس التي دين بها الطاعن غير متوفرين فهو من ناحية ليس
موظفا عموميا أو من الأمناء على الودائع وإنما هو مجند أو متطوع بالجيش يؤدى خدمة إلزامية
وفقا لقانون الخدمة العسكرية ولا يتقاضى عنها أجرا وليس من طبيعة عمله نقل المهمات،
ومن ناحية أخرى فإن المهمات موضوع الاختلاس ليست ملكا للحكومة المصرية بل هي مملوكة
للحكومة البريطانية – فردت المحكمة على هذا الدفاع الجوهري بقولها أن المعاهدة بين
الحكومتين المصرية والبريطانية بشأن قاعدة القنال قد ألغيت باعتداء القوات البريطانية
على الأرض وأن القانون الدولي هو الذي يحكم هذه القاعدة إلا أنها بدلا من تطبيق قواعد
هذا القانون أخذت بنظرية الشريعة الإسلامية من أن هذه الأسلاب غنيمة للحكومة، ثم إن
الطاعن دفع أمام المحكمة بأنه لم يتوجه بالسيارة إلى مسكنه إلا ليطمئن على أفراد أسرته
بسبب اشتداد بسبب الغازات على البلاد ولكن الحكم أطرح هذا الدفاع بشهادة شهود الإثبات
دون تمحيصها تمحيصا كافيا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أنه عهد إلى الطاعن وزميل له
وهما جنديان تابعان إلى البوليس الحربي وملحقان بالسرية الأولى من الجيش المصري بنقل
بعض بطاريات كانت في القاعدة البريطانية التي استولت عليها الحكومة المصرية على أثر
العدوان الثلاثي على مصر عهد بنقلها إلى إدارة البوليس الحربي بعابدين، فسولت لهما
نفساهما الاستيلاء على هذا المال الذي وجد بين يديهما بسبب وظيفتهما فقصدا فور وصولهما
إلى القاهرة إلى حارة الجنابكية التابعة لقسم الدرب الأحمر حيث يقيم أخ الطاعن – وعلى
مقربة من منزل هذا الأخير شاهد سعد عطيه على السيارة محملة فاستراب في أمرها وخف إلى
أحد جيرانه أحمد على رضوان وأفضى إليه بظنونه هذا الأخير إلى موقف السيارة حيث أبصر
الطاعن ينقل البطاريات من فوق السيارة ويسلمها للمتهم الثاني الذي يحملها بدوره إلى
منزل شقيق الطاعن فلما استطلع الأمر أقر له الطاعن بأنه أحضر البطاريات من معسكر الجيش
البريطاني وعرض عليه أن يشارك أخاه في بيعها ويتقسمان ثمنها ولكن الشاهد نقم عليه اقترافه
هذا العمل في هذا الوقت العصيب وطلب إعادة البطاريات فوعده المتهمان بذلك وفى ذلك الوقت
كان على حسن أبو السعود أبلغ بوليس النجدة بالواقعة فحضر إلى مكان الحادث وضبط الطاعن
وزميله وقادهما إلى قسم البوليس واستند الحكم في إدانة الطاعن وزميله إلى ما شهد به
كل من أحمد على رضوان وعلى حسن أبو السعود ومصطفى على حسن ومحمد على حسن وسعد عطيه
وإلى اعتراف المتهمين بذهابهما بالسيارة وهى محملة بالبطاريات إلى حارة الجنابكية لما
كان ذلك وكان مراد الشارع عند وضع نص المادة 112 عقوبات هو فرض العقاب على عبث الموظف
بالائتمان على حفظ الشيء الذي وجد بين يديه بمقتضى وظيفته الصورة من الاختلاس هي صورة
خاصة من صور خيانة الأمانة لا شبهة بينها وبين الاختلاس الذي نص عليه الشارع في باب
السرقة – فالاختلاس هناك يتم بانتزاع المال من حيازة شخص آخر خلسة أو بالقوة بنية تملكه
– أما هنا فالشيء المختلس في حيازة الجاني بصفة قانونية ثم تنصرف نية الحائز إلى التصرف
فيه على اعتبار أنه مملوك له، ومتى تغيرت هذه النية لدى الحائز وحول حيازته الناقصة
إلى حيازة كاملة بنية التملك وجدت جريمة الاختلاس تامة – وإن كان التصرف لم يتم فعلا
– وفى هذا يقول الحكم "أن المتهم وزميله نقلا فعلا جزءا من البطاريات التي كانت موجودة
أصلا في السيارة إلى منزل شقيق المتهم الأول وهذا التصرف من جانب المتهمين واضح الدلالة
في أنهما انتويا اختلاسه وتملكها والاحتفاظ بها لنفسيهما وقد كاشف أولهما الشاهد الأول
بذلك وطلب إليه مشاركة أخيه في التصرف فيها واقتسام ثمنها وقد رفض هذا الشاهد العرض"
وما أثبته الحكم يكفى لثبوت التغيير الطارئ على نية الحيازة ويكون الحكم صحيحا إذ وصف
الواقعة بأنها اختلاس تام لا ينفى فيها العدول بعد تمام الجريمة وتمام تحققها المسئولية
ولا يمنع من العقاب، لما كان ذلك وكان مجال تطبيق المادة 112 ع المعدلة بالقانون رقم
69 سنة 1953 يشمل كل موظف أو مستخدم عمومي يختلس مالا تحت يده متى كان المال المختلس
قد سلم إليه بسبب وظيفته, وكانت الخدمة العسكرية هي من الخدمات العامة بالقوات المسلحة
فالطاعن بوصفه جنديا في الجيش يعتبر من المكلفين بالخدمة العامة يخضع لحكم المادة 112
عقوبات ويصبح مسئولا عما يكون تحت يديه من أموال سلمت إليه بسبب وظيفته في ذلك أن يكون
مالا عاما أم لا فما يثيره الطاعن في شأن ملكية المهمات وما خاضت فيه محكمة الموضوع
لم يكن له مقتض ولا لزوم، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما
تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الاختلاس التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها
في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها وما أثاره الطاعن في باقي أوجه
الطعن هو من قبيل الدفاع الموضوعي الذي لا يقتضى من المحكمة ردا صريحا بل يكفى أن يكون
الرد عليه مستفادا من الحكم بالإدانة للأدلة التي أوردها.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
