الطعن رقم 265 لسنة 9 ق – جلسة 07 /06 /1964
مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ
القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة – العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1964 إلى أخر سبتمبر سنة 1964) – صـ
1220
جلسة 7 من يونيه سنة 1964
برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ علي محسن مصطفى وعبد الفتاح بيومي نصار وحسنين رفعت حسنين وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.
القضية رقم 265 لسنة 9 القضائية
تظلم – دعوى – قبول – التظلم الوجوبي الذي لا مناص من اللجوء إليه
قبل إقامة دعوى الإلغاء – انتظار المواعيد قبل رفع الدعوى – لم يقصد لذاته – عنى به
إفساح المجال أمام الإدارة لإعادة النظر في قرارها المتظلم منه – لا معنى لانتظار انقضاء
الميعاد إذا عمدت الإدارة إلى البت في التظلم قبل انقضاء فسحته – استعجال ذو الشأن
مراجعة القضاء وانقضاء الميعاد خلال سير الدعوى – تكشف الحال عن إضمار جهة الإدارة
رفض التظلم – الدفع بعدم قبول الدعوى لا سند له.
نصت المادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة في بندها الثاني
على أنه "ولا تقبل الطلبات الآتية: – ….. الطلبات المقدمة رأساً بإلغاء القرارات
الإدارية المنصوص عليها في البندين (ثالثاً) و(رابعاً) عدا ما كان منها صادراً من مجالس
تأديبية والبند (خامساً) من المادة وذلك قبل التظلم منها إلى الهيئة الإدارية التي
أصدرت القرار أو الهيئات الرئيسية وانتظار المواعيد المقررة للبت في هذا التظلم" وقد
تناولت البنود "ثالثاً" و"رابعاً" و"خامساً" من المادة المذكورة "الطلبات التي
قدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة بالتعيين في الوظائف
العامة أو الترقية أو بمنح علاوات" (الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء
القرارات النهائية للسلطة التأديبية) و(الطلبات التي يقدمها الموظفون العموميون بإلغاء
القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق
التأديبي). وقد وردت في المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 165 لسنة 1955 فيما
يختص بالتظلم الوجوبي الحكمة التي قام عليها استحداث هذا التظلم وهي ما زالت تلهم النصوص
الوضعية الحالية. جاء في المذكرة الإيضاحية المشار إليها تبريراً للتظلم الوجوبي ما
يلي: "أن الغرض من ذلك هو تقليل الوارد من القضايا بقدر المستطاع وتحقيق العدالة الإدارية
بطريق أيسر على الناس وإنهاء تلك المنازعات في مراحلها الأولى إن رأت الإدارة أن المتظلم
على حق في تظلمه، فإن رفضته أو لم تبت فيه في خلال الميعاد المقرر فله أن يلجأ إلى
طريق التقاضي". وأنه لواضح من ذلك أن المشرع ولئن استحدث التظلم الوجوبي الذي لامناص
من اللجوء إليه قبل إقامة دعوى الإلغاء للحكمة التي تضمنتها المذكرة الإيضاحية إلا
أنه في صدد المواعيد لم يخرج عما قرره في شأن التظلم الاختياري، لأن انتظار المواعيد
قبل رفع الدعوى لم يقصد لذاته وإنما أريد به إفساح المجال أمام الإدارة لإعادة النظر
في قرارها المتظلم منه، وعلى ذلك لا ينبغي تأويل هذه النصوص تأويلاً حرفياً يخرجها
عن الغرض من وضعها إذ لا معنى لانتظار انقضاء الميعاد إذا عمدت الإدارة إلى البت في
التظلم قبل انقضاء فسحته، وكذلك إذا استعجل ذو الشأن مراجعة القضاء ثم انقضى الميعاد
خلال سير الدعوى فإن الإدارة وقد تكشف الحال عن إضمارها رفض ظلاماتهم تكون مسرفة في
إعناتهم لو نعت عليهم التعجل بإقامة دعوى الإلغاء دون انتظار فوات الميعاد فمن ثم يكون
الدفع بعدم قبول الدعوى لمجرد أنها أقيمت قبل ستين يوماً على تقديم التظلم لا سند له
من القانون.
إجراءات الطعن
بتاريخ 18 من فبراير سنة 1963 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن وزير التربية والتعليم سكرتيرية هذه المحكمة أوراق الطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بتاريخ 20 من ديسمبر سنة 1962 في القضية رقم 248 لسنة 15 القضائية والقاضي بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بالنسبة لطلب رد أقدمية المدعي في الدرجة السادسة بإنهاء الخصومة، وبالنسبة لطلب إلغاء القرار الصادر في 1/ 12/ 1954 برد أقدمية المطعون ضده في الدرجة الخامسة الفنية العالية إلى تاريخ الترقية إليها بمقتضى القرار الصادر في أول ديسمبر سنة 1954 وبالنسبة لطلب إلغاء القرار الصادر في 10 من مايو سنة 1962 بإلغاء هذا القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية العالية وما يترتب على ذلك من آثار, وألزمت الحكومة المصروفات. وقد نظر هذا الطعن أمام لجنة فحص الطعون في 2 من نوفمبر سنة 1963 فأحالته إلى المحكمة الإدارية العليا وتداول بالجلسات وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى إجراءاته الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة حسبما يبين من أوراقها تجمل في أن المطعون ضده كان قد رفع
الدعوى المذكورة بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 13 من ديسمبر سنة 1960
طالباً الحكم بإرجاع أقدميته في الدرجة الخامسة إلى 21 من يوليه سنة 1955 وما يترتب
على ذلك من آثار. وقال شرحاً لدعواه أنه كان يعمل في وزارة الزراعة في وظيفة من الدرجة
السابعة وحصل على دبلوم الخدمة الاجتماعية من الدور الأول عام سنة 1948 ثم رقي إلى
الدرجة السادسة في 21 من يونيه سنة 1948. وفي 7 من أكتوبر سنة 1955 نقل إلى وزارة التربية
والتعليم وردت أقدميته في الدرجة السادسة إلى 21 من يونيه سنة 1948 وهو تاريخ امتحان
الدور الأول الذي أداه للحصول على دبلوم الخدمة الاجتماعية، وبعد أن اشتغل مفتشاً للتربية
الاجتماعية بمنطقة بورسعيد التعليمية أعير للحكومة السعودية في أكتوبر سنة 1955 وانتهت
هذه الإعارة في 30 من يناير سنة 1959 وفي أثناء إعارته المذكورة أجرت الوزارة بتاريخ
21 من أغسطس سنة 1957 حركة ترقيات إلى الدرجة الخامسة الفنية تمت بناء على كتاب ديوان
الموظفين رقم 40/ 1/ 13/ 39/ في 15 من يوليه سنة 1957 الذي تضمن فتوى مجلس الدولة التي
اعتبرت دبلوم مدرسة الخدمة الاجتماعية مؤهلاً عالياً وبالتالي لا تسري في شأن حملته
النسبة المقررة بمقتضى الفقرة الثانية من المادة السادسة من قانون المعادلات الدراسية
رقم 371 لسنة 1953، واستطرد المطعون ضده في شرح دعواه أمام محكمة القضاء الإداري قائلاً
أن الوزارة أغفلت سحب أقدميته في الدرجة الخامسة إلى 31 من مارس سنة 1955 وهو التاريخ
الذي رقي فيه حملة الدبلومات العالية والشهادات الجامعية المتساوون معه في أقدميه الدرجة
السادسة فلم يرق إلى الدرجة الخامسة إلا في 31 من أغسطس سنة 1957، وعندما علم بصدور
حكم محكمة القضاء الإداري بتاريخ 22 من يونيه سنة 1960 في الدعوى رقم 561 لسنة 12 القضائية
الذي قرر لزملائه الحق في سحب أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى تاريخ ترقية زملائهم
الجامعيين المعينين معهم في الدرجة السادسة بتاريخ 21 من يونيه سنة 1948 قام برفع تظلم
إلى الوزارة بتاريخ 21 من أغسطس 1960، ولكنه لم يتلق رداً من الجهة الإدارية، ثم عاد
المطعون ضده معدلاً طلباته أمام محكمة القضاء الإداري فطلب أصلياً الحكم بإرجاع أقدميته
في الدرجة السادسة إلى 19 من يونيه سنة 1948 تاريخ نهاية امتحان دبلوم الخدمة الاجتماعية
وذلك استناداً إلى كتاب ديوان الموظفين (ملف 40/ 1/ 29/ 25) المؤرخ 10 من يوليه سنة
1961 كما أنه عدل طلباته إلى طلب احتياطي وهو الحكم باعتبار أقدميته في الدرجة الخامسة
الفنية راجعة إلى 21 من يوليه سنة 1955 واحتياطياً بتعويض مؤقت قدره قرش صاغ واحد عن
تخطيه في الترقية بهذا القرار. وأثناء تحضير الدعوى على ضوء الطلبات المعدلة أودعت
الجهة الإدارية بجلسة 4 من أبريل سنة 1962 أمام محكمة القضاء الإداري قراراً بإجابة
المدعى (المطعون ضده) إلى طلبه الخاص بإرجاع أقدميته في الدرجة السادسة إلى 19 من يونيه
سنة 1948، وبعد أن اطلع المدعي (المطعون ضده) على قرار إرجاع أقدميته في الدرجة السادسة
إلى 19 من يونيه سنة 1948 قام بتعديل طلباته مرة أخرى فطلب أولاً: الحكم بإلغاء القرار
الصادر في أول ديسمبر سنة 1954 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة
وما يترتب على ذلك من آثار – ثانياً: الحكم بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 10 من مايو
سنة 1962 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة الفنية وكطلب احتياطي
مقتضاه الحكم بإلزام الوزارة بأن تدفع له مبلغ قرش واحد بصفة تعويض عن الأضرار التي
أصيب بها من جراء تخطيه في الترقية وإلزام الوزارة المصروفات في جميع الحالات ومقابل
أتعاب المحاماة. وقال المدعي شرحاً لطلباته على الوجه المتقدم أنه لما أرجعت أقدميته
في الدرجة السادسة إلى 19 من يونيه سنة 1948 أصبح في مركز يسمح له بالطعن على القرار
الصادر في أول ديسمبر سنة 1954 وأنه إذا ما تم له ذلك فإن أقدميته الجديدة في الدرجة
الخامسة تخول له الطعن على القرار الصادر في 7 من مايو سنة 1962 بإجراء ترقيات إلى
الدرجة الرابعة، وردت الجهة الإدارية على الطلبات المعدلة في صورتها الأخيرة بأن المدعي
لم يتظلم من القرار الصادر في 10 من مايو سنة 1962 وأنه تقدم بالطعن مباشرة إلى المحكمة،
ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبوله شكلاً – وعن الموضوع قالت أن الدور في الترقية إلى الدرجة
الخامسة بمقتضى القرار الصادر في أول ديسمبر سنة 1954 وصل إلى من ترجع أقدميته في الدرجة
السادسة العالية إلى 15 من يوليه سنة 1948 إلا أن أقدمية المدعي المطعون ضده في الدرجة
المذكورة حين صدور القرار كانت ترجع إلى 18 من أكتوبر سنة 1948، ولم يكن يدركه الدور
بالنسبة إلى الترقية إلى الدرجة الرابعة ذلك أن الدور في الترقية قد وصل إلى من ترجع
أقدميته في الدرجة الخامسة إلى أول ديسمبر سنة 1954 بشرط أن تكون أقدميته في السادسة
راجعة إلى 10 من يوليه سنة 1948، ومن ثم لم يرق المدعي ضمن من رقوا بمقتضى القرار المطعون
فيه حيث أن أقدميته في الدرجة الخامسة ما زالت راجعة إلى 31 من أغسطس سنة 1957 وأنه
بناء على ذلك لا يستحق الترقية إلى الدرجة الرابعة. وطلبت الوزارة في النهاية الحكم
برفض الدعوى موضوعاً وإلزام رافعها المصروفات في الحالين. وقد قضت محكمة القضاء الإداري
في الدعوى بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1962 بقبولها شكلاً، وفي الموضوع بالنسبة لطلب رد
أقدمية المدعي (المطعون عليه) في الدرجة السادسة بانتهاء الخصومة وبالنسبة لطلب إلغاء
القرار الصادر في أول ديسمبر سنة 1954 برد أقدميته في الدرجة الخامسة الفنية العالية
إلى تاريخ الترقية إليها بمقتضى القرار الصادر في أول ديسمبر سنة 1954 وما يترتب على
ذلك من آثار وبالنسبة لطلب إلغاء القرار الصادر في 10 من مايو سنة 1962 بإلغاء هذا
القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي (المطعون ضده) في الترقيات إلى الدرجة الرابعة الفنية
العالية وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومات المصروفات. وقد استندت محكمة القضاء
الإداري فيما قضت به من ناحية الشكل إلى أنه لما كانت الوزارة قد أصدرت في 23 من مارس
سنة 1962 قراراً باعتبار أقدمية المدعي في السادسة راجعة إلى 19 من يونيه سنة 1948
ولم يعلم المدعي بهذا القرار إلا في جلسة التحضير بهيئة مفوضي الدولة فإن علمه الحقيقي
بمحتويات القرار المطعون فيه بالترقية إلى الدرجة الخامسة وكذلك مركزه القانوني في
الدرجة السادسة لم يتحدد إلا بصدور قرار بتسوية وضعه في هذه الدرجة – ولما كان تظلمه
ينصرف أيضاً إلى الطعن في قرار الترقية إلى الدرجة الرابعة لأن الطعن على قرار الترقية
إلى الدرجة الخامسة ينسحب بحكم اللزوم على قرار الترقية إلى الدرجة الرابعة ولما لم
يتلق المدعي رداً على تظلمه أعلن عريضة تعديل الطلبات وأودعها سكرتيرية محكمة القضاء
الإداري في 5 من يونيه سنة 1962، ومن ثم تكون الدعوى قد رفعت في الميعاد القانوني ومقبولة
شكلاً. وبالنسبة للموضوع عن الطلب الأول الخاص برد أقدمية المدعي في الدرجة السادسة
فقد خلصت المحكمة إلى أن الجهة الإدارية قد استجابت إلى طلبات المدعي وأصدرت القرار
رقم 122 بتاريخ 21 من مارس سنة 1962 باعتبار أقدميته في الدرجة السادسة راجعه إلى 19
من يونيه سنة 1948 بدلاً من 10 من أغسطس سنة 1948 فمن ثم وقد أجيب المدعي إلى هذا الطلب
يتعين الحكم بانتهاء الخصومة فيه – أما عن طلب المدعي إلغاء القرار الصادر في أول ديسمبر
سنة 1954 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة الفنية العالية فالثابت
من أوراق الدعوى أن الترقية إلى الدرجة الخامسة بالقرار المطعون فيه تمت بالأقدمية
المطلقة وقد شملت كل من ترجع أقدميته في الدرجة السادسة إلى 15 من يوليه سنة 1948،
ولما كانت أقدمية المدعي في الدرجة السادسة قد استقرت بالقرار رقم 122 المشار إليه
واعتبرت راجعة إلى 19 من يونيه سنة 1948 فإن هذه الأقدمية كانت تؤهل المدعي للترقية
إلى الدرجة الخامسة بالقرار المطعون إذ قرار تعديل أقدميته في الدرجة السادسة قرار
كاشف والمدعي يستمد حقه في هذا التعديل من القانون مباشرة. وتأسيساً على ذلك يكون تخطيه
في الترقية إلى الدرجة الخامسة غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين إلغاء القرار
الصادر في أول ديسمبر سنة 1954 فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الخامسة
الفنية العالية على أنه لما كان المدعي قد رقي إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من 31 من
أغسطس سنة 1957 فإن مصلحته أصبحت تتحقق برد أقدميته إلى التاريخ المحدد بالقرار الصادر
في أول ديسمبر سنة 1954 – واستطرد حكم محكمة القضاء الإداري فيما يتعلق بطلب الترقية
إلى الدرجة الرابعة الفنية العلبة إلى أن الثابت أن القرار المطعون فيه تضمن ترقية
من ترجع أقدميتهم في الدرجة الخامسة إلى أول ديسمبر سنة 1954 وفي الدرجة السادسة إلى
10 من ديسمبر سنة 1948 ولما كانت أقدمية المدعي على الوجه السالف بيانه قد اعتبرته
في الدرجة الخامسة منذ أول ديسمبر سنة 1954 وفي الدرجة السادسة إلى 19 من يونيه سنة
1948 وكان آخر من رقي إلى الدرجة الرابعة بالقرار المطعون فيه ترجع أقدميته في الدرجة
السادسة إلى أول يوليه سنة 1948 وفي الدرجة الخامسة إلى أول ديسمبر سنة 1954 وقد جرت
الترقية في هذا القرار بالأقدمية المطلقة فمن ثم يكون تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة
الرابعة بالقرار المطعون غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك الحكم بإلغاء
هذا القرار فيما تضمنه من تخطي المدعي في الرقية إلى الدرجة الرابعة الفنية العالية
وما يترتب على ذلك من آثار. فطعنت إدارة قضايا الحكومة في حكم محكمة القضاء الإداري
نيابة عن وزارة التربية والتعليم بعريضة أودعت سكرتارية المحكمة في 18 من فبراير سنة
1963 نوهت فيها بأن المطعون ضده أودع لسكرتارية محكمة القضاء الإداري صحيفة دعواه في
17/ 12/ 1960 وطلب الحكم بإرجاع أقدميته في الدرجة السادسة إلى 19 من يونيه سنة 1948
وإلى الخامسة في 21 من يوليه سنة 1955 ثم عدل طلبه إلى طلب إلغاء القرار الصادر في
أول ديسمبر سنة 1954 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة – وأن الوزارة
دفعت الدعوى بعدم قبول الطعن على القرار الأخير إذ تقدم بالدعوى قبل أن يقدم تظلمه
عن هذا القرار الذي لم يقدم إلا في 23 من مايو سنة 1962 قبل استنفاذ المدة المحددة
قانوناً للتظلم – وبتاريخ 20 من ديسمبر سنة 1962 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً استناداً
إلى أن رفع الدعوى قبل انقضاء ميعاد التظلم لا يؤدي إلى الحكم بعدم قبولها شكلاً، وأنها
تنعى على هذا الحكم مخالفته لحكم جديد صدر من المحكمة العليا في الطعن رقم 698 لسنة
6 القضائية بتاريخ 20 من يناير سنة 1963 قضى بأن رفع الدعوى قبل مضي ميعاد التظلم يؤدي
إلى الحكم بعدم قبولها عملاً بنص المادة من قانون المرافعات، وذلك لمخالفته للحكم
الصادر في الطعن رقم 518 لسنة 3 القضائية. وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً ضمنته
وقائع الموضوع وأوجه الطعن فقالت أن الوزارة الطاعنة أصدرت قراراً في 23 من فبراير
سنة 1962 باعتبار أقدمية المطعون ضده في الدرجة السادسة راجعة إلى 19 من يونيه سنة
1948 ولم يعلم المطعون ضده بهذا القرار إلا في جلسة التحضير بهيئة مفوضي الدولة في
4 من أبريل 1962، وهذا القرار هو الذي تحدد بموجبه مركزه في الدعوى، ومن ثم فإن علمه
اليقيني بمحتويات القرار المطعون فيه بالترقية إلى الدرجة الخامسة ثم بالترقية إلى
الدرجة الرابعة إنما يبدأ من ذلك التاريخ وقد تظلم المطعون ضده تظلماً إدارياً في 23
من مايو سنة 1962 وقد قيد هذا التظلم برقم 3473 وقام بإعلان عريضة تعديل طلباته قلم
كتاب محكمة القضاء الإداري في 5 من يونيه سنة 1962 قبل فوات ستين يوماً على تظلمه –
ثم أردفت هذه الهيئة أن الواضح من مطالعة أحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 في ضوء مذكرته
الإيضاحية أن المشرع ولئن استحدث التظلم الوجوبي الذي لا مناص من استنفاده قبل مراجعة
القضاء إلا أنه في صدد المواعيد لم يخرج عما قرره في شأن التظلم الاختياري. لما كان
انتظار المواعيد مقصوداً به إفساح المجال أمام الإدارة لإعادة النظر في قرارها فإن
النتيجة الطبيعية لذلك أن الغرض من قول الشارع "وانتظار المواعيد المقررة للبت في التظلم،
يكون قد تحقق إذا عمدت الإدارة إلى البت في التظلم قبل انقضاء فسحة الميعاد التي منحتها
أو إذا بادر ذوو الشأن بمراجعة القضاء وانقضى الميعاد أثناء سير الدعوى دون أن تجيبهم
الإدارة إلى طلباتهم. وانتهت في مذكرتها إلى أن القول بعدم قبول الدعوى لمجرد أنها
أقيمت قبل انقضاء الستين يوماً على تقديم التظلم لا سند له من القانون ويكون الطعن
على هذا الأساس لا سند له مما يتعين معه قبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً – هذا وقد
قدم المطعون ضده مذكرة رد فيها على أسباب الطعن طالباً رفضه مؤسساً وجهة نظره على أن
الطعن قام على أساس فهم خاطئ للواقع وتكييفها ذلك أن المدعي أقام دعواه في الأصل طالباً
تسوية حالته بإرجاع أقدميته في الدرجة الخامسة إلى 21 من يوليه سنة 1957 تاريخ ترقية
زملاء له في هذا التاريخ. والواضح من هذا الطلب أن المطعون ضده إنما قصد الطعن بالإلغاء
في القرار الصادر في 21 من يوليه سنة 1957 تاريخ ترقية زملاء له وأنه لم يقصد التسوية
بمعناها الفني المعروف وأنه من المقرر أن تكييف الدعوى وبيان حقيقة وضعها يخضع لرقابة
القاضي باعتباره تفسيراً للنية الحقيقية التي قصدها المدعي في عريضة دعواه، ولذلك سار
القضاء على التيسير على المدعين في تكييف دعاويهم متى تبين أنه أساء التعبير عن الوسيلة
القانونية اللازمة لبلوغه غرضه – واستطرد المدعي في مذكرته إلى أن الواضح من الوقائع
ومن الطلب المذكور الذي صاغ فيه المدعي دعواه أول ما قدمها أنه كان يقصد الإلغاء وليس
التسوية، فهو قد قرن التاريخ الذي ذكره بأنه "تاريخ ترقية زملاء له" أي أنه كان يهدف
في الحقيقة إلى إلغاء قرار صدر بالترقية في ذلك التاريخ – وأنه لا نزاع من حيث الوقائع
في أن المدعي كان قد تظلم من ذلك القرار في 21 من أغسطس 1960 ثم رفع دعواه في حدود
الميعاد في 17 من ديسمبر سنة 1960 أي بعد فوات ستين يوماً من التظلم وفي حدود الستين
يوماً التالية وأنه بذلك يكون طلب الإلغاء الموجه من المدعي في عريضة دعواه بتاريخ
17 من ديسمبر سنة 1960 هو طلب مقبول شكلاً لتقديمه في الميعاد، وبعد استيفاء التظلم
الوجوبي الذي يقتضيه القانون.
وأنه من المقرر في نطاق الطعن بالإلغاء في قرارات الترقية أنه لا يقتصر على القرار
المطعون فيه وحده بل هو يتضمن بحكم اللزوم الطعن في أي قرار بالترقية إلى الدرجات التالية
متى تمت الترقية فيها بحسب الأقدمية في الدرجات السابقة مما يغني عن تكرار الطعن في
القرارات التالية وذلك لارتباط الفرع بالأصل ارتباط النتيجة بالسبب (حكم المحكمة الإدارية
العليا في 17 من يناير سنة 1959) لأنه في الواقع عندما قدم المدعي طعنه الأول في عريضة
دعواه كان نطاق هذا الطعن شاملاً لكل قرارات الترقية اللاحقة المترتبة على طلبه المذكور
والذي يقوم أساساً على اعتباره في الدرجة السادسة منذ 19 من يونيه سنة 1948. ويترتب
على ذلك أن المدعي في الواقع لم يكن محتاجاً لتعديل طلباته ولا للتظلم من جديد في تلك
القرارات التبعية المرتبطة بالطلب الأصلي والمترتبة عليه بحكم الزوم والارتباط، وأن
ما فهم على أنه تعديل في الطلبات كان في الواقع تفسيراً لها وتوضيحاً لنطاق طعنه، ومن
ثم فإنه لا يصح أن يحاسب على ذلك في معرض المؤاخذة على الشكل، والزعم بأنه لم يراع
المواعيد بعد التظلم عند تقديمه لهذه الطلبات التي ظنت الطاعنة أنها جديدة – وأضاف
المدعي (المطعون ضده) أنه يرد أيضاً على الطعن باختلاف ظروف هذه الدعوى عن تلك الصادر
فيها حكم المحكمة العليا في الطعن رقم 698 لسنة 6 القضائية والذي تستشهد به إدارة قضايا
الحكومة، إذ الواضح أن هذه القضية تتعلق بدعوى جديدة أقيمت قبل انتظار مواعيد التظلم
بل أن المدعية قدمت تظلمها قبل صدور القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه في ضوء ما طلبته هذه المحكمة من ضم التظلم الخاص بالقرارين المطعون فيهما
والصادرين في أول ديسمبر سنة 1954، 10 من مايو سنة 1962 وتقديم ذات التظلم المقدم من
المطعون عليه في 23 من مايو سنة 1962، قدمت هيئة مفوضي الدولة مذكرة شارحة نوهت فيها
بأن الجهة الإدارية أفادت بأن التظلم المقدم من المطعون عليه بتاريخ 23 من مايو سنة
1962 قيد برقم 1108 لسنة 1962 وهو تظلم خاص بالقرار الصادر بالترقية إلى الدرجة الخامسة
اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1954، وقامت بإيداعه بموجب الكتاب رقم 2574 في 20 من مايو
سنة 1964 وأنه يبين من ذلك أن المدعي لم يتظلم من قرار الترقية إلى الدرجة الرابعة
الصادر في 10 من مايو سنة 1962، وكان تظلمه على هذه الصورة أي من قرار الترقية إلى
الدرجة الخامسة الصادر في أول ديسمبر سنة 1954 بعد أن اطلع على قرار تعديل أقدميته
في الدرجة السادسة بإرجاعها إلى 19 من يونيه سنة 1948 وأودع عريضة بتعديل الطلبات المقدمة
بتاريخ 31 من مايو سنة 1962 وضمنها الطعن في قرار الترقية إلى الدرجة الخامسة سالف
الذكر وكذلك الطعن على قرار الترقية الصادر بالترقية للدرجة الرابعة اعتباراً من 10
من مايو سنة 1962، ثم استطردت الهيئة قائلة أنه على هدى ما تقدم فإنه وأن كان المطعون
ضده لم يتظلم إلا من قرار الترقية إلى الدرجة الخامسة ورفع دعواه طعناً على القرارين
بالترقية إلى الدرجتين الخامسة والرابعة إلا أن ذلك لا يؤثر على حقه في الطعن في القرار
الأخير دون أن يتظلم منه، خاصة وأن الجهة الإدارية لا تزال تحاج المطعون في أحقيته
في الترقية إلى الدرجة الخامسة وهذه تظلم منها المدعي تظلماً مستوفياً لكافة أركانه
القانونية.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن رفع الدعوى قبل مضي الميعاد المقرر قانوناً للتظلم يؤدي إلى
الحكم بعدم قبولها.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن الوزارة الطاعنة أصدرت في 23 من مارس سنة 1962 قراراً
باعتبار أقدميه المطعون ضده في الدرجة السادسة راجعة إلى 19 من يونيو سنة 1948 ولم
يعلم المطعون ضده بهذا القرار إلا في جلسة التحضير بهيئة المفوضين في 4 من أبريل سنة
1962، وهذا القرار هو الذي تحدد بموجبه مركزه في الدعوى فإن علمه اليقيني بمحتويات
القرار المطعون فيه بالترقية إلى الدرجة الخامسة ثم بالترقية إلى الدرجة الرابعة إنما
يبدأ من ذلك التاريخ. وقد تظلم المطعون ضده من قرار الترقية إلى الدرجة الخامسة اعتباراً
من أول ديسمبر سنة 1954 وذلك بتاريخ 23 من مايو سنة 1962 وقد قيد هذا التظلم برقم 1108
– وقام بإعلان عريضة تعديل طلباته بالطعن على قرار الترقية إلى الدرجة الخامسة سالف
الذكر وكذلك القرار الصادر بالترقية إلى الدرجة الرابعة الصادر في 10 من مايو سنة 1962،
قبل مضي الستين يوماً على تقديمه لتظلمه.
ومن حيث إن المادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة نصت في
بندها الثاني على أنه ".. ولا تقبل الطلبات الآتية: – ….. الطلبات المقدمة
رأساً بإلغاء القرارات الإدارية المنصوص عليها في البندين (ثالثاً) و(رابعاً) عد ما
كان منها صادراً من مجالس تأديبية والبند (خامساً) من المادة وذلك قبل التظلم منها
إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئيسة وانتظار المواعيد المقررة
للبت في هذا التظلم". وقد تناولت البنود (ثالثاً) و(رابعاً) و(خامساً) من المادة المذكورة "الطلبات التي قدمها ذوو الشأن بالطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة
بالتعيين في الوظائف العامة أو الترقيات أو بمنح علاوات"، "الطلبات التي يقدمها الموظفون
العموميون بإلغاء القرارات النهائية للسلطة التأديبية"، "الطلبات التي يقدمها الموظفون
العموميون بإلغاء القرارات الإدارية الصادرة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم
من غير الطريق التأديبي" – وقد وردت في المذكرة الإيضاحية المرافقة للقانون رقم 165
لسنة 1955 فيما يختص بالتظلم الوجوبي الحكمة التي قام عليها استحداث هذا التظلم وهي
حكمة ما زالت تلهم النصوص الوضعية الحالية. جاء في المذكرة الإيضاحية المشار إليها
تبريراً للتظلم الوجوبي ما يلي: "فإن الغرض من ذلك هو تقليل الوارد من القضايا بقدر
المستطاع وتحقيق العدالة الإدارية بطريق أيسر على الناس وإنهاء تلك المنازعة في مراحلها
الأولى أن رأت الإدارة أن المتظلم على حق في تظلمه فإن رفضته أو لم تبت فيه في خلال
الميعاد المقرر فله أن يلجأ إلى طريق التقاضي". وأنه لواضح من ذلك أن المشرع ولئن استحدث
التظلم الوجوبي الذي لامناص من اللجوء إليه قبل إقامة دعوى الإلغاء للحكمة التي تضمنتها
المذكرة الإيضاحية إلا أنه في صدد المواعيد لم يخرج عما قرره في شأن التظلم الاختياري،
لأن انتظار المواعيد قبل رفع الدعوى لم يقصد لذاته وإنما أريد به إفساح المجال أمام
الإدارة لإعادة النظر في قرارها المتظلم منه، وعلى ذلك لا ينبغي تأويل هذه النصوص تأويلاً
حرفياً يخرجها عن الغرض من وضعها إذ لا معنى لانتظار انقضاء الميعاد إذا عمدت الإدارة
إلى البت في التظلم قبل انقضاء فسحته، وكذلك إذا استعجل ذوو الشأن مراجعة القضاء ثم
انقضى الميعاد خلال سير الدعوى فإن الإدارة وقد تكشف الحال عن إضمارها رفض ظلاماتهم
تكون مسرفة في إعناتهم لو نعت عليهم التعجل بإقامة دعوى الإلغاء دون انتظار فوات الميعاد،
ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى لمجرد أنها أقيمت قبل ستين يوماً على تقديم التظلم
لا سند له من القانون.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بأن المدعي لم يتظلم من قرار الترقية إلى الدرجة الرابعة الصادر
في 10 من مايو سنة 1962 وتأثير ذلك على طعنه عليها في عريضة تعديل الطلبات، فإن المستفاد
من الأوراق أن الجهة الإدارية ما زالت تجادل المطعون عليه في أحقيته في الترقية إلى
الدرجة الخامسة، وهذه قد تظلم منها تظلماً صحيحاً مستوفياً شرائطه مما يجعل تظلمه من
تخطيه في الترقية إلى الدرجة الرابعة على أساس الأقدمية عديم الجدوى، وليس من شك في
أن المدعي وقد سلمت له جهة الإدارة بحقه في إرجاع أقدميته في الدرجة السادسة إلى 19
من يونيه سنة 1948 ثم تظلم بناء على ذلك من تخطيه في الترقية بالأقدمية إلى الدرجة
الخامسة يسوغ له قانوناً أن يضمن عريضة تعديل طلباته الطعن على هذا القرار الصادر بتخطيه
في الترقية إلى الدرجة الرابعة بالأقدمية، ذلك أن الطعن على القرار الأول يتضمن حتماً
وبحكم اللزوم الطعن في أي قرار يتخطاه في الترقية إلى الدرجة التالية متى كانت هذه
الترقية حاصلة بالأقدمية لارتباط هذه بتلك ارتباط النتيجة بالسبب.
ومن حيث إنه إذ ذهب الحكم المطعون هذا المذهب يكون قضاؤه متفقاً وحكم القانون مما يتعين
معه قبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الحكومة بالمصروفات.
