الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1171 لسنة 7 ق – جلسة 06 /06 /1964 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة – العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1964 إلى أخر سبتمبر سنة 1964) – صـ 1161


جلسة 6من يونيه سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ/ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي. المستشارين.

القضية رقم 1171 لسنة 7 القضائية

( أ ) موظف – تأديب – تحقيق إداري – السلطة المختصة بإجرائه – القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية – اختصاص النيابة الإدارية لا يخل بحق الجهة الإدارية في التحقيق مع موظفيها – التحقيق الذي يجريه، في حدود القانون، قسم الشئون القانونية والتحقيقات بهذه الجهة، مع أحد موظفيها ويمكن من الدفاع عن نفسه فيمتنع – هو تحقيق سليم لا مخالفة فيه للمادة 85 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 – لا محل لإجبار الجهة الإدارية على إحالة هذا التحقيق إلى النيابة الإدارية ما دامت قد عهدت به إلى جهة خولها القانون هذا الحق – أساس ذلك.
(ب) موظف – تأديب – قرار تأديبي – احتفاظ الموظف بأصل محررات إدارية رسمية الفترة اللازمة لتصويرها فوتوغرافياً ولإرفاقها بشكواه – يشكل ذنباً إدارياً طبقاً للمادتين 76 و83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 – صحة قرار مجازاته عن هذا الذنب.
(جـ) قرار إداري – ملائمة إصدار القرار ووزن مناسبات إصداره – دخولها في صميم اختصاص الإدارة وتقديرها – مقتضى ذلك: ليس للقضاء الإداري أن يحل نفسه محل الإدارة في هذا الشأن – ليس لهذا القضاء أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة إصدار القرار الإداري، ما دام تقديرها قد استخلص استخلاصاً سائغاً من الوقائع الثابتة في الأوراق – أساس ذلك ومثال.
1) يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن النيابة الإدارية تختص، بالنسبة إلى الموظفين الداخلين في الهيئة أو الخارجين عنها والعمال، بإجراء الرقابة وفحص الشكاوى التي تحال إليها من الجهات المختصة وإجراء التحقيق فيما يحال إليها من الجهات الإدارية المختصة وفيما تتلقاه من شكاوي الأفراد والهيئات التي يثبت الفحص جديتها أو فيما يتكشف لها أثناء الرقابة أو أثناء التحقيق، وهذا الاختصاص لا يخل بحق الجهة الإدارية في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق مع موظفيها وذلك وفقاً لما هو وارد بالمادة الثالثة من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري.
ومن حيث إن ذلك الذي يقرره قانون النيابة الإدارية فيما يتعلق بالتحقيق الإداري، هو بعينه ما يجرى عليه التحقيق والتأديب الإداري من أصول وضوابط مستلهمة ومقررة في كنف قاعدة أساسية كلية تصدر عنها وتستقي منها الجزئيات والتفاصيل وهي تحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان للموظف موضوع المساءلة الإدارية ويجب أن يكون له كل مقومات التحقيق القانوني الصحيح وكفالاته وضماناته من حيث وجوب استدعاء الموظف وسؤاله ومواجهته بما هو مأخوذ عليه من أعمال وتمكينه من الدفاع عن نفسه وإتاحة الفرصة له لمناقشة شهود الإثبات وسماع من يرى الاستشهاد بهم من شهود النفي وغير ذلك من مقتضيات الدفاع، ولا يتعين إتباع تلك الإجراءات إذا تطلب القانون إجراء تحقيق فحسب وإنما يجب الالتزام بها حتى إذ رأت الإدارة مختارة إجراء التحقيق وهو أمر تقتضيه العدالة كمبدأ عام في كل محاكمة جنائية أو تأديبية دون حاجة إلى نص خاص عليه ومع ذلك فقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه:"…. وفي جميع الأحوال يجوز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاهاً على أن يثبت مضمونها بالمحضر الذي يحوي الجزاء". وثابت من الأوراق على النحو المتقدم أن جزاء الخصم من مرتب المدعي لمدة خمسة أيام قد صدر بناء على تحقيق أجري معه بواسطة رئيس قسم الشئون القانونية والتحقيقات. الذي واجه المدعي بالمخالفات المنسوبة إليه وبالصور الفوتوغرافية للأوراق الرسمية المرفقة بالشكوى المرسلة لرئاسة الجمهورية وقد مكن المحقق المدعي من أن يدافع عن نفسه، فامتنع المدعي عن الإجابة ثم صدر القرار بالجزاء المطعون فيه ممن يملك إصداره وهو مدير عام مصنع 99 بعد اطلاعه على مذكرة قسم الشئون القانونية والتحقيقات المؤرخة 22من ديسمبر سنة 1958 المرفق بها أوراق التحقيق الذي أجري بمعرفة رئيس القسم المذكور، وإذ مكن المحقق المدعي من الدفاع عن نفسه فامتنع عن إبداء دفاعه، فإنه يكون قد فوت على نفسه هذا الحق، ولا يلومن إلا نفسه، ولا محل لإجبار الجهة الإدارية على إحالة التحقيق إلى النيابة الإدارية طالما أنها عهدت بالتحقيق إلى جهة خولها القانون هذا الحق، كما سلف البيان.
ومن حيث إن مفاد ذلك أن التحقيق الذي أجراه قسم الشئون القانونية والتحقيقات قد تم في حدود القانون ومراعاة لأحكامه نصاً وروحاً – فلا محل والحالة هذه للنعي على هذا التحقيق أو للطعن فيه ولا سبيل إلى القضاء ببطلانه – والحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى غير ذلك وقضي بأن التحقيق معيب ومخالف لما تقضي به المادة 85 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه – ويكون القرار المطعون فيه قد بني على تحقيق سليم.
2) إذا كان الثابت أن الأوراق موضوع مجازاة المدعي – قد أثبت فيها موظفون عموميون، تعليقاً على ما تلقوه من المدعي من طلب أجازة، بياناتهم طبقاً للأوضاع القانونية كل في حدود اختصاصه وفي نطاق سلطته. فهي بهذه المثابة محررات إدارية رسمية أقر فحواها واشترك في تحريرها موظفون عموميون بما لهم من سلطة خولتها لهم القوانين واللوائح، فإذا ما احتفظ المدعي بأصل هذه الأوراق الفترة اللازمة حتى تمكن من تصويرها فوتوغرافياً فيكون قد خالف مضمون المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ويكون الذنب الإداري قد وقع من المدعي وثبت في حقه وهو الذي استتبع توقيع الجزاء الإداري عليه بالخصم من مرتبه لمدة خمسة أيام، فيكون القرار المطعون فيه، والحالة هذه قد صدر مطابقاً للقانون.
3) إن الحكم المطعون فيه قد خرج عن مجال التعقيب القانوني الصحيح على القرار واتجه وجهة أخرى قوامها مراجعة الإدارة في وزنها لمناسبات القرار وملاءمة إصداره، فأخل نفسه بذلك محلها فيما هو داخل في صميم اختصاصها وتقديرها، بدعوى أن الأسباب التي أخذت بها الإدارة لا تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها، مع أن وزن الإدارة لمناسبات قراراها قد كان وزناً معقولاً مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من الوقائع التي فصلتها بشأن ما قدرته خاصاً بحيازة المدعي لبعض المستندات وتصويره إياها وأن ذلك يشكل ذنباً إدارياً ولا ينتقص من هذا التقدير، صفة هذه الأوراق وكونها ذات أهمية أو أوراق عادية خصوصاً إذا ما أخذ في الاعتبار أن المدعي يعمل في مرفق ذي خطر هو مرفق الدفاع وفيه يقتضي الأمر اليقظة التامة وعدم السكوت عن أي فعل أو عمل ولو كان يبدو تافهاً حتى يكون المرفق في الوضع المرجو منه، وما قد يترتب على ذلك – في نظر الإدارة – من اضطراب العمل في المرفق وهي صاحبة التقدير الأول والأخير في هذا الشأن، كما يجب التنبيه في هذا المقام إلى أنه ليس من حق القضاء الإداري أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى جهة الإدارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة إصدار القرار، ما دام هذا التقدير قد استخلص استخلاصاً سائغاً من الوقائع الثابتة في الأوراق وإلا كان في ذلك مصادرة للإدارة على تقديرها وغل ليدها عن مباشرة وظيفتها في الحدود الطبيعية التي تقتضيها هذه الوظيفة وما تستلزمه من حرية في وزن مناسبات القرارات التي تصدرها وتقدير ملاءمة إصدارها.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد 7 من مايو سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن وزارة الحربية والهيئة العامة للمصانع الحربية، سكرتيرية المحكمة، عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي) بجلسة 8 من مارس سنة 1961 في القضية رقم 990 لسنة 13 القضائية المقامة من سليم كامل جندي ضد وزارة الحربية والقاضي بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 13 من مايو سنة 1959 المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة المدعي بخصم مقابل أجر خمسة أيام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت إدارة المصانع الحربية المدعى عليها مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي "وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استندت إليها في عريضة الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين".
وقد أعلن الطعن للمدعي في 16 من مايو سنة 1961.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة مذكرة بالرأي القانوني حددت فيها وقائع الدعوى والمسائل القانونية التي أثارها النزاع وأبدت رأيها مسبباً ضمنته أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض دعوي المطعون ضده، وإلزامه بالمصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة أول فبراير سنة 1964 وأبلغت إدارة قضايا الحكومة والمدعي في 29 من ديسمبر سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وقررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا حيث حدد لنظره جلسة 28 من مارس سنة 1964 التي أبلغ بها الطرفان في 10 من فبراير سنة 1964 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما استظهرته المحكمة من الأوراق تتحصل في أن المدعي أقام دعواه بعريضة أودعها سكرتيريه محكمة القضاء الإداري في 30 من مايو سنة 1959 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير عام مصنع 99 الحربي بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الوزارة بالمصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة – وقال شرحاً لدعواه أنه يطعن في القرار الصادر من المدير العام لمصنع 99 الحربي بتاريخ 11 من يناير سنة 1959 والمبلغ إليه في 25 من يناير سنة 1959 بمجازاته باستقطاع خمسة أيام من راتبه لما نسب إليه من تقديمه صوراً فوتوغرافية لأوراق رسمية خاصة بالمصنع رفق شكواه لتقدمه إلى رئاسة الجمهورية الأمر الذي لا يتأتى إلا بأخذه أصول هذه الأوراق الرسمية وإحرازه إياها مخالفاً بذلك أحكام المادة 76 من قانون موظفي الدولة ونظراً لخطورة هذا التصرف خصوصاً في مصنع حربي، وقد تظلم من هذا الجزاء للوزير بتاريخ 31 من يناير سنة 1959 ولم ترد عليه الوزارة على الرغم من انقضاء الميعاد المقرر للبت فيه، ويقول أن له شقيقاً موظفاً بإدارة المصانع الحربية يدعى شفيق كامل جندي تخطته الإدارة في الترقية إلى الدرجة الخامسة في الحركة التي صدرت في 30 من مارس سنة 1957 فتظلم إلى الوزير من هذا التخطي وقد أسفر بحث تظلمه عن عدم مشروعية التخطي فأمر الوزير بإنصافه ولكن لم تنفذ المصانع الحربية قرار الوزير فلجأ إلى مجلس الدولة وأقام الدعوي رقم 1300 لسنة 11 بالطعن على القرار المذكور فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة وما يترتب على ذلك من آثار فأسخطت هذه الدعوى إدارة المصانع الحربية وصممت على الانتقام من الأخوين، ففي يوم 20 من أغسطس سنة 1958 دعي لمقابلة مدير عام مصنع 99 في حضور المهندسين جميل رزق الله وإسماعيل حلمي يس وعصمت عثمان وابتدره المدير العام بأن الإدارة العامة قررت الاستغناء عن خدماته بمقولة أن له علاقة بأحد عمال المصنع خارج الهيئة وأبدى له المدير أن يختار بين أن تستصدر الهيئة قراراً جمهورياً بالاستغناء عنه لصالح العمل، أو الاستقالة أو إجراء تحقيق داخلي ينتهي باستصدار قرار بالفصل فاعترض المدعي على ذلك بأنه لا يوجد ما يدعو إلى اتخاذ هذه الإجراءات ثم قدم تظلماً في 29 من أغسطس سنة 1958 لرئاسة الجمهورية ولوزير الحربية ولوكيل الوزارة لشئون المصانع ولمدير عام مصنع 99 فترتب على هذا التظلم أن أصدر مدير عام مصنع 99 قراراً بنقله من وظيفة رئيس قسم الصيانة الميكانيكية بالمصنع إلى وظيفة مهندس عادي بأقسام العدد والمعاملات بالمصنع فتظلم في 31 من أغسطس سنة 1958 لرئاسة الجمهورية ولوزير الحربية من هذا النقل التعسفي الذي لا سبب له إلا الانتقام منه ومن أخيه بسبب موقف كل منهما المشروع في الدفاع عن حقوقه واستبانت خطة المدير العام للمصنع في مضايقته ومعاملته معاملة تعسفية في ناحية أخرى، هي ناحية الأجازات الاعتيادية التي كان يطلبها في حدود ما تسمح به لوائح المصنع، فقد تقدم في 8 من يونيه سنة 1958 بطلب منحه أجازة اعتيادية لمدة ستة أيام لمناسبة اشتراكه في رحلة للهيئة العامة للمصانع الحربية إلى سوريا مع زملائه المهندسين ووافق الرئيس المباشر له المهندس عصمت عثمان على هذا الطلب وكذلك نائب مدير عام المصنع المهندس جميل رزق الله ولكن المدير العام للمصنع رفض الموافقة وحرمه من السفر مع زملائه ولم يأمر برد قيمة الاشتراك التي دفعها كعضو في الرحلة.
وفي يوم 24 من يونيه سنة 1958، سلمه المعتصم رشيد رضا رئيس شئون الأفراد بالمصنع، خطاباً تضمن أن المدير العام للمصنع قرر حرمانه من جميع أجازاته الاعتيادية وعدم قيامه بأية أجازة اعتيادية إلا بعد موافقة المدير العام شخصياً، في حين أن جميع مهندسي وموظفي المصنع تعرض أجازاتهم على نائب المدير العام – ومثل هذا الخطاب وصل إلى شقيقه المحاسب شوقي كامل جندي فكانا بذلك الموظفين الوحيدين بالمصنع اللذين حرما من هذا الحق.
وفي يوم 23 من سبتمبر سنة 1958 تقدم بطلب أجازة اعتيادية لمدة خمسة عشر يوماً فأشر عليه رئيسه المباشر المهندس عصمت عثمان بكلمة لا مانع وأرسل الطلب إلى نائب المدير العام المهندس جميل رزق الله فأشر عليه بالآتي: "بعرض الموضوع على السيد المدير العام أفاد سيادته بأنه لدواعي العمل ترجأ هذه الإجازة". وإذ كانت حالة العمل بالمصنع وقتذاك لا تبرر إرجاء منحه أجازته الاعتيادية التي يتمتع بها سائر مهندسي وموظفي المصنع بالصيف – فقد انجلت الأمور عن الخطة المرسومة لمضايقته وأفراده وشقيقه بمعاملة شاذة لم يعامل بها أحد من زملائهما – فلم يجد محيصاً من التظلم مرة ثالثة إلى رئاسة الجمهورية ووزير الحربية، فقدم بالفعل في يوم أول أكتوبر سنة 1958 تظلماً وأرسل مع التظلم تأييداً لما تضمنه من حقائق صوراً فوتوغرافية من طلبات الأجازات التي تقدم بها وأشر عليها رئيسه المباشر ورفضها المدير العام للمصنع وتتابعت بعد ذلك بل وقبل ذلك تصرفات المدير العام للمصنع المنطوية على اضطهاده ومضايقته في عمله من ذلك:
"بتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1958 أرسل بالبريد المسجل إلى مدير عام المصنع التماساً يطلب فيه إفادته عن أقدميته بين شاغلي الدرجة الخامسة بالكادر الفني العالي وهو طلب تخوله المادة 12 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 ورغم قانونية هذا الطلب فإنه لم يتلق أي رد عليه ولم تسلم له صورة من كشف أقدميته حتى الآن.
بتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1958 أيضاً تقدم بالتماس عن طريق مكتب المهندس عصمت عثمان رئيس أقسام العدد والمعاملات بالمصنع، طالباً فيه صرف مكافأته عن عملية إنشاء وتركيب قوس النصر الخاص بالمصانع الحربية وهو القوس الذي أقيم لمناسبة قيام الجمهورية العربية المتحدة في فبراير سنة 1958 والذي اشتغل في إعداده نحواً من 70 ساعة في غير أوقات العمل الرسمية وقد أستند إلى أن جميع زملائه من مهندسي وموظفي وعمال المصنع حصلوا على مكافآتهم عن هذه الأعمال الإضافية ما عداه.
ورغم مضي وقت طويل على هذا الطلب فإنه لم يتلق عنه رداً، وذلك بالرغم من أن اسمه كان مدرجاً بالكشف المرفق بالمذكرة التي تقدم بها مدير عام المصنع في مايو سنة 1958 إلى وكيل الوزارة لشئون المصانع، والمدون به أسماء جميع المهندسين الذين اشتركوا في العملية المذكورة والمكافأة التي يقترحها سيادته لكل منهم لكن المدير العام عاد وشطب اسمه دون سبب.
وفي 2 من ديسمبر سنة 1958 عاد إلى طلب منحه أجازة اعتيادية مدتها أسبوعان من 6 من ديسمبر سنة 1958 ونوه بأن جميع زملائه بالمصنع حصلوا على الأجازات الاعتيادية التي طلبوها – ولكن المهندس عصمت عثمان الرئيس المباشر استدعاه وابلغه رفضه لهذا الطلب بدعوى أن حالة العمل لا تسمح بإجابته فأوضح لسيادته أنه لم يحصل على أية أجازة اعتيادية طوال سنة 1958 على خلاف زملائه جميعاً، هذا إلى أن عمله الجديد منذ نقله من رئيس قسم الصيانة الميكانيكية ليس على النحو الذي يستوجب رفض إعطائه أجازة لمدة أسبوعين.
بتاريخ 4 من ديسمبر سنة 1958 صدر القرار رقم 1568 بإجراء الترقيات من الدرجة السادسة الفنية إلى الدرجة الخامسة الفنية ومن الدرجة الرابعة الفنية إلى الدرجة الثالثة الفنية وقد رقى فيها جميع من أتموا المدد القانونية المقررة للترقية، وتركت الترقيات من الدرجة الخامسة إلى الدرجة الرابعة وظهر جلياً أن هذا الترك استهدف تأجيل ترقيته حيث كانت أقدميته توجب ترقيته في التاريخ المذكور، وظهر أن هذا التأجيل أريد به التمكين لإدارة المصنع من أن تضع عنه تقريراً بدرجة ضعيف يبرر حرمانه من الترقية إلى الدرجة الرابعة.
وإزاء ذلك قدم يوم 23 من ديسمبر سنة 1958 تظلماً آخر ملتمساً رفع الظلم عنه ومعاملته على قدم المساواة مع زملائه.
وفي أوائل يناير سنة 1959 فوجئ بحضور جمال شحاتة الموظف تحت الاختبار بالدرجة السادسة بإدارة الشئون المالية والإدارية بالمصنع لسؤاله كتابة عن كيفية حصوله على طلبات الأجازات الاعتيادية التي أرفقت بشكواه المؤرخة في أول أكتوبر سنة 1958صوراً فوتوغرافية منها فتبين له على الفور أن السيد المذكور قدم للتحقيق معه في مخالفة أريد تصويرها وإسنادها إليه فطلب من السيد المذكور أن يحيل الموضوع إلى النيابة الإدارية لتتولى التحقيق معه لضمان حيدتها والتزامها أحكام القانون فيما تتولى تحقيقه وإبداء الرأي فيه، ولاسيما وأن سيادته موظف حديث بالخدمة ولا يزال تحت الاختبار وفي درجة مالية تقل عن درجته، فلم يستجيب الأستاذ جمال شحاتة لهذا الطلب وأبدى أن الأمر في شأن النيابة الإدارية رهن بإرادة مدير عام المصنع فأصر على طلبه وانصرف السيد المذكور دون أن يحقق غرضه من المأمورية التي قدم من أجلها.
وبتاريخ 25 من يناير سنة 1959 ابلغ عن طريق رئيس أقسام العدد والمعاملات بالمصنع بقرار أصدره المدير العام للمصنع بتاريخ 13 من يناير سنة 1959 بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه وجاء في ديباجة القرار أن الجزاء قام على السبب الآتي: – "نظراً لتقديمك صوراً فوتوغرافية لأوراق رسمية خاصة بالمصنع برفق شكواك المقدمة للسيد رئيس الجمهورية، الأمر الذي لا يتأتى إلا بأخذك أصول هذه الأوراق الرسمية وإحرازك إياها مخالفاً بذلك أحكام المادة 76 من قانون التوظف، ونظراً لخطورة هذا التصرف خصوصاً في مصنع حربي" فأشر على هذا القرار في يوم اطلاعه عليه في 25 من يناير سنة 1959 محتفظاً لنفسه في الطعن عليه وفي يوم 31 من يناير سنة 1959 بعث بطريق البريد الموصى عليه إلى الوزير بتظلم من هذا القرار مفصلاً مقدماته وملابساته وما ينطوي عليه من تعسف في استعمال السلطة ومخالفة أحكام القانون، ورغم المدة المقررة لبحث التظلم فإنه لم يتلق عنه أي رد.
وإدارة المصانع الحربية لم تستمع إلى دفاعه في شأن الواقعة التي جوزي عنها قبل أن تصدر قرار الجزاء تنفيذاً لحكم المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فيكون قرارها قد وقع مخالفاً للنص المذكور، ومن ثم يتعين إلغاؤه.
والقرار من ناحية أخرى قد صدر فاقداً لركن السبب لأن المادة 76 التي استندت إليها الإدارة في توقيع الجزاء تمنع أن يحتفظ الموظف لنفسه بأصل أية ورقة من الأوراق الرسمية، ولو كانت خاصة بعمل كلف به شخصياً، وهو لم يحتفظ لنفسه بأصل أية ورقة رسمية مما تحدثت عنها المادة لأن الأوراق التي قدم صوراً فوتوغرافية منها عبارة عن ثلاثة ورقات بيانها كالآتي:
(ا) طلب أجازة اعتيادية لمدة ستة أيام مؤرخ 8 من يونيه سنة 1958 للسفر في رحلة المصانع إلى الإقليم الشمالي، وقد أشر عليه الرئيس المباشر له بأنه لا يرى مانعاً من إجابة الطالب واعتمد ذلك من المهندس جميل رزق الله نائب المدير العام بتاريخ 8 من يونيه سنة 1958 – وقد بقي معه كدليل على الترخيص له في القيام بالأجازة.
فلا تثريب عليه إذن في أخذ صورة فوتوغرافية منه.
الأفراد بالمصنع رقم 99 مؤرخ 24 من يونيه سنة 1958 مضمونه أن المدير العام قرر إلغاء الأجازة التي سبق الترخيص بها له مع حرمانه من القيام بأي أجازة اعتيادية من التاريخ الذي صدر فيه الخطاب.
وظاهر أن هذا الخطاب الشخصي ليس محله ملف الخدمة، بل إنه خاص به فلا وجه لمساءلته ومجازاته بسبب تقديمه صورة فوتوغرافية منه.
خطاب شخصي ورد إليه من المعتصم رشيد رضا رئيس شئون.
طلب مؤرخ 23 من سبتمبر سنة 1958 مقدم منه إلى مدير عام المصنع بالتماس التصريح له بالموافقة على منحه أجازة اعتيادية مدتها خمسة عشر يوماً ابتداء من 28 من سبتمبر سنة 1958 إلى 12 من أكتوبر سنة 1958 وقد أشر عليه بأنه حصل على ثلاثة أيام أجازة اعتيادية طول العام، والأجازة المطلوبة مستحقه. ويلي ذلك إشارة من المهندس عصمت عثمان الرئيس المباشر له نصها:"لا مانع" ثم إشارة أخرى من المهندس جميل رزق الله نائب مدير عام المصنع نصها كما يأتي: –
"بعرض الموضوع على السيد المدير العام أفاد سيادته بأنه لدواعي العمل ترجأ هذه الأجازة". وكذلك ذلك في يوم 25 من سبتمبر سنة 1958.
وقد سبق بيان أن حالة العمل كانت تسمح بإعطائه الأجازة التي يطلبها وأن جميع زملائه نالوا الأجازات التي طلبوها – بما في ذلك رئيسه المباشر.
وكان هذا الخطاب موقعاً منه أصلاً وقد أشر عليه بالإرجاء إلى أن تسمح دواعي العمل بإعطائه الأجازة التي يطلبها – فاحتفظ به إلى أن تزول الدواعي المزعومة فيعيد تقديمه إلى إدارة المصنع – فليس في احتفاظه به أية مخالفة لنص المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وأكثر زملائه يصنعون مثل ذلك.
ولما كان اعتبار احتفاظه بالأوراق المذكورة منطوياً على المخالفة التي تنص عليها المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951 هو السبب الذي قام عليه قرار الجزاء فمتى سقط هذا السبب فإن القرار يضحي غير مشروع متعين الإلغاء، وفضلاً عن هذه المخالفات القانونية فقد بان من سياق عرض الوقائع أن للجزاء دوافع شخصية غير التي يستند إليها القرار فيكون القرار مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة ومتعين الإلغاء لهذا السبب أيضاً.
وأودع المدعي حافظة مستنداته ضمنها صورة من التظلم الذي بعث به إلى رئاسة الجمهورية وآخرين في 29 من أغسطس سنة 1958 بشأن التدابير التي تحاك ضده من مدير عام المصنع لإرغامه على الاستقالة والثاني بتاريخ 31 من أغسطس سنة 1958 بشأن نقله من رئيس قسم الصيانة الميكانيكية عقب تقديم التظلم السابق والثالث بتاريخ أول أكتوبر سنة 1958 بشأن حرمانه من أجازته الاعتيادية. والرابع بتاريخ 23 من ديسمبر سنة 1958 متظلماً من اضطهاده في العمل: عدم موافاته ببيان بتحديد أقدميته في الدرجة الخامسة، وعدم صرف مكافأته عن عملية إنشاء وتركيب قوس النصر الخاص بالمصانع الحربية لمناسبة قيام الجمهورية العربية المتحدة في فبراير سنة 1958 وحرمانه من أجازته الاعتيادية، وعدم ترقيته للدرجة الرابعة بالكادر الفني العالي رغم إتمامه المدة القانونية، ويذكر أن تظلماته السابقة قد زادت من شدة ضغط الاضطهاد عليه وزادت بهم في الإسراع للقضاء عليه بوضعهم تقرير سري عنه عن سنة 1958 بدرجة ضعيف حتى يتخطوه في الترقية التي يستحقها والمستند الخامس بتاريخ 30 من يناير سنة 1959 بالتظلم من قرار الجزاء المطعون فيه والمستند السادس صورة من قرار الجزاء المطعون فيه.
كما أودع المدعي صوراً فوتوغرافية من الأوراق التي كانت محلاً للمؤاخذة في القرار المطعون فيه.
وأودعت إدارة قضايا الحكومة بالجلسة المنعقدة في 26 من أكتوبر سنة 1959 بهيئة المفوضين مذكرة بدفاع الهيئة العامة للمصانع الحربية وحافظة بها أربع مستندات، طلبت فيها رفض الدعوى وقالت أن القرار المطعون فيه يقوم على سببه المبرر له حيث قد ثبت من تقديم المدعي صوراً شمسية لطلبات الإجازة المرفقة بملف خدمته أنه احتفظ لنفسه بأصل هذه الأوراق فضلاً عن تقديمه صوراً فوتوغرافية لها رفق شكواه لرئاسة الجمهورية في أول أكتوبر سنة 1958 فأحيل إلى جهة التحقيق وهي إدارة الشئون القانونية والتحقيقات بالهيئة العامة للمصانع الحربية وقد رفض أن يدلى أمامها بأية أقوال فأصدر مدير المصنع قراراً بمجازاته بخصم خمسة أيام من مرتبه نظير ما نسب إليه من إحراز أوراق رسمية وتصويرها مخالفاً بذلك المادة 76 من قانون التوظف والأوراق موضوع مجازاة المدعي هي أوراق إدارية رسمية فيكون المدعي قد ارتكب الجريمة التأديبية الواردة في المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فقرار مجازاة المدعى والحالة هذه قد صادف سبباً صحيحاً أفصح عنه وهو قد صدر من السلطة العامة في حدود النصاب القانوني وبعد أن أجري مع المدعي تحقيق رفض سيادته أن يدلي فيه بأية أقوال وبذلك لا يكون صحيحاً ما نعاه المدعي على القرار من أنه صدر مفتقراً للسبب ودون إجراء تحقيق.
ثم أودعت وزارة الحربية مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة لأن المدعي اختصم وزير الحربية ولم يختصم مدير الهيئة العامة للمصانع الحربية.
وبجلسة 8 من مارس سنة 1961 قضت المحكمة في موضوع الدعوى بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 13 من يناير سنة 1959 المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة المدعي بخصم مقابل أجر خمسة أيام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار. وألزمت إدارة المصانع الحربية المدعى عليها مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي، وأقامت المحكمة قضاءها عن الدفع بعدم قبول الدعوى: أن قوام الدفع بعدم قبول الدعوى هو قبول وزارة الحربية أن الدعوى أقيمت عليها في حين كان يجب أن تقام على مدير الهيئة العامة للمصانع الحربية باعتبار أن لهذه الهيئة شخصية مستقلة وأن الذي يمثلها أمام القضاء هو المدير طبقاً لنص المادة 4 من قرار رئيس الجمهورية رقم 678 لسنة 1957 بإنشاء الهيئة المشار إليها، أن هذا الدفع مردود بأن إدارة الهيئة العامة للمصانع الحربية قد مثلت في الدعوى عند تحضيرها بواسطة هيئة مفوضي الدولة وأودعت مذكرة بدفاعها تناولت موضوع الدعوى كاملاً مما لا يقبل معه أي دفع في هذا الخصوص ويتعين لذلك القضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى.
وعن الموضوع، يقول الحكم أن الثابت من الاطلاع على الأوراق أن قرار الجزاء المطعون فيه قد صدر دون سماع المدعي وتحقيق دفاعه بخصوص الواقعة التي جوزي من أجلها اكتفاء بالتحقيق الذي أجراه قسم التحقيقات والشئون القانونية بالمصنع وهو تحقيق مبتور لم تسمع فيه أقوال المدعي إذ قد طلب بحق أن يجرى التحقيق معه بواسطة النيابة الإدارية وكان ينبغي أن يحال إلى هذه الجهة، خاصة وأن مدير المصنع هو المشكو بسبب ما نسبه إليه المدعي من اضطهاده إياه ولهذا يكون التحقيق معيباً مخالفاً لما تقضي به المادة 85 من قانون نظام موظفي الدولة من وجوب سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه وترتيباً على ذلك يكون قرار الجزاء مخالفاً لنص المادة المشار إليها، ومن ثم باطل قانوناً.
وعن موضوع الجزاء فإن سببه على ما هو واضح مما قدم به الأمر المطعون فيه أن المدعي حصل على صور شمسية لبعض طلبات مقدمة منه بالتماس الترخيص له بأجازات وعليها تأشيرات للرؤساء المختصين مما استنتج منه أن المدعي قد أحرز أصول هذه الطلبات ليتمكن من استخراج صورها وما عدا ذلك مخالفة للمادة 76 من قانون نظام موظفي الدولة، أن الثابت من الأوراق المودعة ملف الدعوى أن الصور الفوتوغرافية التي أرفقها المدعي بشكواه التي رفعها إلى رئاسة الجمهورية في أول أكتوبر سنة 1958 هي عبارة عن: –
(ا) صورة من طلب أجازة اعتيادية تقدم من المدعي إلى مدير المصنع لمدة ستة أيام ابتداء من أول يوليه سنة 1958 بمناسبة سفره في رحلة نظمتها الهيئة العامة للمصانع الحربية لزيارة سورية ومؤشر على الطلب بعدم وجود المانع من منح الإجازة ومؤشر عليه كذلك من مدير المصنع بالاعتماد.
وصورة ثانية من خطاب سري شخصي صادر من رئيس شئون الأفراد إلى المدعي تاريخه 24 من يونيه سنة 1958 ونصه، المرجو الإحاطة بأن السيد المدير العام قرر اليوم 24 من يونيه سنة 1958 إلغاء الأجازة الاعتيادية السابق تصديق سيادته لكم عليها للسفر في رحلة للإقليم الشمالي اعتباراً من أول يوليه سنة 1958 مع حرمانكم من القيام بأي أجازة اعتيادية لحين صدور تعليمات أخرى من السيد المدير العام شخصياً".
وصورة ثالثة من طلب تقدم من المدعي بطلب إجازة لمدة 15 يوماً من 28 من سبتمبر سنة 1958 وأشر عليه الرؤساء المختصون بعدم وجود مانع من منح الأجازة ثم دون عليه تأشير آخر يتضمن أن الموضوع عرض على المدير العام فقرر لدواعي العمل إرجاء الأجازة.
ويقول الحكم أنه وإن كانت أصول الأوراق التي أرفق المدعي صورها مع شكواه للجهات الرئيسية تعتبر بصفة عامة وبعد ضمها إلى ملف المدعي أوراقاً رسمية غير أن هذه الأوراق ليست بغير شك من نوع الأوراق المقصودة في المادة 76 من قانون نظام الموظفين والتي يحرم على الموظف الاحتفاظ بأصولها لنفسه، ذلك أن المقصود بالأوراق الرسمية في هذه المادة هي الأوراق المتعلقة بالعمل الحكومي سواء كان الموظف مكلفاً به شخصياً أو كان غير مكلف به، والثابت أن الأوراق التي حصل عليها المدعي هي صور وليست أصولاً لطلبات خاصة بأجازاته وليس لها بعمله الوظيفي ولا بالعمل عامة أدنى ارتباط – هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن نص المادة 76 السالف ذكرها إنما يحرم على الموظف الاحتفاظ لنفسه بأصل أية ورقة من الأوراق الرسمية ومؤدى ذلك أن يحوز الموظف أصل الورقة الرسمية على وجه الاستمرار، في حين أن الثابت أن المدعي لم يحتفظ إطلاقاً بأصول طلبات الأجازات السابق الإشارة إليها وإنما احتفظ بصورها الشمسية ولا اعتداد بما ذهب إليه دفاع الهيئة العامة لشئون المصانع الحربية من أن المدعي أحرز أصول هذه الأوراق فترة من الزمن هي التي استلزمها تصويرها، ذلك لأن نقل الصور الفوتوغرافية من الأصل المحفوظ بالدوسيه لا يستلزم حتماً نقل الورقة من مكانها ثم أنه حتى مع التسليم بأن المدعي أحرز فترة ما أصل الورقة ثم ردها إلى مكانها فإن هذا النقل ليس معاً يندرج لفظ (احتفظ) الوارد بالمادة 76 السابق ذكرها.
ولجميع ما تقدم تكون الواقعة التي قام عليها قرار الجزاء المطعون فيه غير قائمة في حق المدعي وبالتالي يكون القرار فاقداً سببه ويقع باطلاً.
وتقول المحكمة أنه لا يفوتها أن تلاحظ على تصرف مدير المصنع رقم 99 إزاء طلبات المدعي للأجازات أنه على ما ثبت من الأوراق، تصرف غير طبيعي، وإذ بعد أن يعتمد المدير أجازة المدعي لمدة ستة أيام من أول يوليه سنة 1958 يعود فيأمر بإلغائها ولا يكتفي بذلك بل يحرم المدعي من الحصول على أجازته بالطريق المعتاد شأنه باقي زملائه وإنما يستلزم ذلك إذناً خاصاً من مدير المصنع شخصياً – فإذا عاد المدعي بطلب أجازة اعتيادية لخمسة عشر يوماً من 28 من سبتمبر سنة 1958 برفض المدير منحه إياها متعللاً في ذلك بدواعي العمل، وهذا وذاك لا يمكن تفسيره إلا برغبة المدير في إعنات المدعي ومضايقته. رغبة قد يكون ما حداه إليها ما ذكره المدعي بصحيفة دعواه من وقائع لم تنقضها المدعي عليها. وهذا التصرف يضم القرار المطعون فيه بسوء استعمال السلطة، ولما تقدم يكون القرار المطعون فيه مخالفاً للقانون مشوباً بالانحراف في السلطة، ومن ثم يكون متعيناً إلغاؤه وإلزام الهيئة العامة للمصانع الحربية بمصاريف الدعوى.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لما يلي:
أولاً: من المقرر أن الموظف المحال إلى التحقيق يجب أن توفر له جميع ضمانات الدفاع عن نفسه بأن يعلم بالأسباب التي بني عليها الاتهام الموجه إليه وأن يسمح له بتقديم ملاحظاته بالدفاع أما شفوياً أو كتابة فإذا مكن الموظف من ذلك ولكنه امتنع عن إبداء دفاعه فإنه يكون قد فوت على نفسه هذا الحق ولا يلومن إلا نفسه، أما القرار الصادر بتوقيع الجزاء عليه فإنه يكون مشروعاً إذا ما بني على وقائع ثابتة في الأوراق. ولا يخل بما سلف أن امتناع المطعون ضده عن إبداء أقواله أمام المحقق كان بسبب رغبته في إحالة التحقيق إلى جهة أخرى للتحقيق هي النيابة الإدارية ذلك أن قيام هيئات مستقلة بالرقابة والتحقيق لا يمكن أن يخل بحق الجهة الإدارية في الرقابة والتحقيق، فقد حرص قانون النيابة الإدارية على إيضاح أن قيام النيابة الإدارية بالرقابة لا يخل بحق الجهة الإدارية في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق ذلك لأن رقابة الأجهزة الذاتية تعمل لحساب أقرب مسئول عن التنفيذ فالرئيس الإداري يملك سلطة تقديرية واسعة في إجراء ما يراه من رقابة وبالوسيلة التي يراها وبالطريق الذي يرسمه والذي يراه موصلاً إياه إلى أن يتأكد من أن المرفق يؤدي واجبه على أكمل وجه وأحسنه.
لكل ذلك فإن القرار المطعون فيه يكون قد بني على تحقيق سليم مستنداً إلى وقائع ثابتة في الأوراق ما كان المطعون ضده ليستطيع إنكارها.
ثانياً: يحرم نص المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على الموظف سلب حيازة الدولة لأية ورقة رسمية ولو كان هذا السلب مؤقتاً غير دائم إذ المفروض أن تكون جميع الأوراق الرسمية تحت حيازة الدولة الدائمة لاحتمال الحاجة إليها في أي وقت ولا فارق في ذلك بين ورقة وأخرى إذ أن النص جاء عاماً وشاملاً لجميع ما ينطبق عليه وصف الورقة الرسمية. ولا جدال في أن الأوراق التي احتفظ بها المطعون ضده حتى تمكن من تصويرها أوراق رسمية لها علاقة وثيقة بعمل المطعون ضده الوظيفي وبالعمل الحكومي عامة ولذلك فإنه يكون قد خالف نص المادة 76 السالف الإشارة إليه ويكون القرار الصادر بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه جزاء على هذه المخالفة قد صدر سليماً موافقاً القانون.
ثالثاً: استند الحكم المطعون فيه في قضائه بإلغاء القرار موضوع الدعوى إلى أن هذا القرار شابه عيب الانحراف بالسلطة، وهذا الذي ذهب إليه الحكم لا سند له من القانون أو الواقع إذ أن عيب إساءة استعمال السلطة يجب أن يشوب الغاية من القرار ذاتها بأن يكون مصدر القرار قد تنكب به وجه المصلحة التي يتغياها وأصدره بباعث لا يمت إلى هذه المصلحة العاملة بسبب. وجميع المزاعم التي ذكرها المطعون ضده لا تتعلق بالقرار موضوع الدعوى وهو قرار مجازاته لاحتفاظه لنفسه بأصول أوراق رسمية بل إنها موجهة إلى رفض الجهة الإدارية منحه أجازاته وإلى أن هذا الرفض المذكور يتم عن إساءة استعمال الإدارة لسلطتها، وإذا صح هذا فإن هذا العيب يكون قد لحق بقرار رفض منحه الأجازات لا بقرار آخر صدر عن وقائع أخرى لا علاقة لها بموضوع الأجازات.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة أوراق الطعن، أن المدعي مهندس بالدرجة الخامسة بالكادر الفني العالي بالهيئة العامة للمصانع الحربية، قدم عدة شكاوى لرئاسة الجمهورية ولوزير الحربية ونائب وزير الحربية ولوكيل الوزارة لشئون المصانع الحربية ولمدير مصنع 99، بدأها في 29 من أغسطس سنة 1958 ثم في 31 من أغسطس سنة 1958 وفي أول أكتوبر سنة 1958 وفي 23 من ديسمبر سنة 1958، وأرفق بشكواه المؤرخة أول أكتوبر سنة 1958 تأييداً لشكواه، صوراً فوتوغرافية لأصول ثلاثة من الأوراق المودعة بملف خدمته وبيانها.
(ا) طلب أجازة اعتيادية مؤرخ 8 من يونيه سنة 1958 مقدم من المدعي لمدة ستة أيام اعتباراً من أول يوليه سنة 1958، ومؤشر عليه من المهندس عصمت عثمان بأنه لا مانع ومعتمد من نائب المدير العام في 8 من يونيه سنة 1958.
خطاب (سري وخاص) رقم 2/ 4/ 2 – 12 محرر في 24 من يونيه سنة 1958 وصادر من الشئون المالية والإدارية والأفراد بمصنع 99 بالهيئة العامة للمصانع الحربية وموقع عليه من رئيس شئون الأفراد، المعتصم رشيد رضا ومرسل إلى المدعي ومتضمن أن المدير العام قرر بتاريخ اليوم (24من يونيه سنة 1958) إلغاء الأجازة الاعتيادية السابق تصديق سيادته عليها للمدعي للسفر في رحلة الإقليم الشمالي اعتباراً من أول يوليه سنة 1958 مع حرمانه من القيام بأي أجازة اعتيادية من يومئذ ولحين صدور تعليمات أخرى من المدير العام شخصياً.
طلب مقدم من المدعي بتاريخ 23 من سبتمبر سنة 1958 لمدير عام المصنع للموافقة على قيامه بأجازة اعتيادية لمدة خمسة عشر يوماً ابتداء من يوم 28 من سبتمبر سنة 1958 ومؤشر عليه من الموظف المختص إدارة شئون الأفراد في 23 من سبتمبر بأن الأجازة المطلوبة مستحقة ومن المهندس عصمت عثمان في 23 من سبتمبر، بأنه لا مانع – كما تصمن تأشيرة نائب المدير العام المؤرخة 25 من سبتمبر والتي تقضي بأنه بعرض الموضوع على السيد المدير العام، أفاد سيادته بأنه لدواعي العمل ترجأ هذه الأجازة – وتقدمت إدارة الشئون المالية والإدارية لمدير عام المصنع بمذكرة ضمنتها أن المدعي تقدم بشكوى لرئاسة الجمهورية أرفق بها صور فوتوغرافية لأوراق رسمية تحمل توقيع موظفين مسئولين بالمصنع وأن هذا التصرف من جانبه يعتبر مخالفة لأحكام قانون نظام موظفي الدولة والتي تقضي بأنه لا يجوز للموظف أن يحتفظ بورقة رسمية فأشر المدير العام في 17 من ديسمبر سنة 1958 بإحالة المذكور إلى قسم الشئون القانونية والتحقيقات لسؤاله، غير أن المدعي رفض في 22 من ديسمبر سنة 1958 الإدلاء بأقواله بالتحقيق الذي قام به الأستاذ جمال شحاتة سالم رئيس قسم التحقيقات – وطلب إحالة التحقيق إلى النيابة الإدارية فأصدر المدير العام في 11 من يناير سنة 1959 قراره بمجازاة المدعي بخصم خمسة أيام من راتبه وذلك لتقديمه صوراً فوتوغرافية لأوراق – رسمية خاصة بالمصنع – رفق شكواه للسيد رئيس الجمهورية. الأمر الذي لا يتأتى إلا بأخذه أصول هذه الأوراق الرسمية وإحرازه إياها مخالفاً لذلك أحكام المادة 76 من قانون نظام موظفي الدولة – ولخطورة هذا التصرف في مصنع حربي.
ثم تظلم المدعي في 30 من يناير سنة 1959 من قرار الجزاء ثم أقام دعواه في 30 من مايو سنة 1959 فأشار مفوض الدولة في 26 من يوليه سنة 1959 بعدم ملائمة البت في التظلم.
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن النيابة الإدارية تختص بالنسبة إلى الموظفين الداخلين في الهيئة أو الخارجين عنها والعمال بإجراء الرقابة وفحص الشكاوى التي تحال إليها من الجهات المختصة وإجراء التحقيق فيما يحال إليها من الجهات الإدارية المختصة وفيما تتلقاه من شكاوى الأفراد والهيئات التي يثبت الفحص جديتها أو فيما يتكشف لها أثناء الرقابة أو أثناء التحقيق، وهذا الاختصاص لا يخل بحق الجهة الإدارية في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق مع موظفيها وذلك وفقاً لما هو وارد بالمادة الثالثة من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري.
ومن حيث إن ذلك الذي يقرره قانون النيابة الإدارية فيما يتعلق بالتحقيق الإداري، هو بعينه ما يجرى عليه التحقيق والتأديب الإداري من أصول وضوابط مستلهمة ومقررة في كنف قاعدة أساسية كلية تصدر عنها وتستقي منها الجزئيات والتفاصيل وهي تحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان للموظف موضوع المساءلة الإدارية ويجب أن يكون له كل مقومات التحقيق القانوني الصحيح وكفالاته وضماناته من حيث وجوب استدعاء الموظف وسؤاله ومواجهته بما هو مأخوذ عليه من أعمال وتمكينه من الدفاع عن نفسه وإتاحة الفرصة له لمناقشة شهود الإثبات وسماع من يرى الاستشهاد بهم من شهود النفي وغير ذلك من مقتضيات الدفاع ولا يتعين إتباع تلك الإجراءات إذا تطلب القانون إجراء تحقيق فحسب وإنما يجب الالتزام بها حتى إذا رأت الإدارة مختارة إجراء التحقيق وهو أمر تقتضيه العدالة كمبدأ عام في كل محاكمة جنائية أو تأديبية دون حاجة إلى نص خاص عليه، ومع ذلك فقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه"…. وفي جميع الأحوال يجوز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاهاً على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذي يحوي الجزاء". وثابت من الأوراق على النحو المتقدم أن جزاء الخصم من مرتب المدعي لمدة خمسة أيام قد صدر بناء على تحقيق أجري معه بواسطة رئيس قسم الشئون القانونية والتحقيقات، الذي واجه المدعي بالمخالفة المنسوبة إليه وبالصور الفوتوغرافية للأوراق الرسمية المرفقة بالشكوى المرسلة لرئاسة الجمهورية، وقد مكن المحقق المدعي من أن يدافع عن نفسه، فامتنع المدعي عن الإجابة ثم صدر القرار بالجزاء المطعون فيه ممن يملك إصداره وهو مدير عام مصنع 99 بعد اطلاعه على مذكرة قسم الشئون القانونية والتحقيقات المؤرخة 22 من ديسمبر سنة 1958 المرفق معها أوراق التحقيق الذي أجري بمعرفة رئيس القسم المذكور، وإذ مكن المحقق المدعي من الدفاع عن نفسه فامتنع عن إبداء دفاعه، فإنه يكون قد فوت على نفسه هذا الحق، ولا يلومن إلا نفسه، ولا محل لإجبار الجهة الإدارية على إحالة التحقيق إلى النيابة الإدارية طالما أنها عهدت بالتحقيق إلى جهة خولها القانون هذا الحق، كما سلف البيان.
ومن حيث إن مفاد ذلك أن التحقيق الذي أجراه قسم الشئون القانونية والتحقيقات قد تم في حدود القانون ومراعاة لأحكامه نصاً وروحاً – فلا محل والحالة هذه للنعي على هذا التحقيق أو للطعن فيه ولا سبيل إلى القضاء ببطلانه – والحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى غير ذلك وقضي بأن التحقيق معيب ومخالف لما تقضي به المادة 85 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه – ويكون القرار المطعون فيه قد بني على تحقيق سليم.
ومن حيث إنه إذا كان الثابت أن الأوراق – موضوع مجازاة المدعي قد أثبت فيها موظفون عموميون، تعليقاً على ما تلقوه من المدعي من طلب أجازة، بياناتهم طبقاً للأوضاع القانونية كل في حدود اختصاصه وفي نطاق سلطته، فهي بهذه المثابة محررات إدارية رسمية أقر فحواها واشترك في تحريرها موظفون عموميون بما لهم من سلطة خولتهم إياها القوانين واللوائح، فإذا ما احتفظ المدعي بأصل هذه الأوراق، الفترة اللازمة حتى تمكن من تصويرها فوتوغرافياً فيكون قد خالف مضمون المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ويكون الذنب الإداري قد وقع من المدعي وثبت في حقه وهو الذي استتبع توقيع الجزاء الإداري عليه بالخصم من مرتبه لمدة خمسة أيام، فيكون القرار المطعون فيه، والحالة هذه – قد صدر مطابقاً للقانون خالياً من أي عيب.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه – وقد ذهب غير هذا المذهب – يكون قد خرج عن مجال التعقيب القانوني الصحيح على القرار واتجه وجهة أخرى قوامها مراجعة الإدارة في وزنها لمناسبات القرار وملائمة إصداره، فأحل نفسه بذلك محلها فيما هو داخل في صميم اختصاصها وتقديرها، بذريعة أن الأسباب التي أخذت بها الإدارة لا تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها مع أن هذه الدعوى لا تستند إلى أي أساس سليم، لا من الواقع أو القانون، بل على العكس من ذلك قد كان وزن الإدارة لمناسبات قرارها وزناً معقولاً مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من الوقائع التي فصلتها بشأن ما قدرته خاصاً بحيازة المدعي لبعض المستندات وتصويره إياها وأن ذلك يشكل ذنباً إدارياً ولا ينتقص من هذا التقدير، صفة هذه الأوراق وكونها ذات أهمية أو أوراق عادية خصوصاً إذا ما أخذ في الاعتبار أن المدعي يعمل في مرفق ذي خطر هو مرفق الدفاع، يقتضي الأمر فيه اليقظة التامة وعدم السكوت عن أي فعل أو عمل ولو كان يبدو تافهاً حتى يكون المرفق في الوضع المرجو منه، وما قد يترتب على ذلك – في نظر الإدارة – من اضطراب العمل في المرفق، وهي صاحبة التقدير الأول والأخير في هذا الشأن، كما يجب التنبيه في هذا المقام إلى أنه ليس من حق القضاء الإداري أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى جهة الإدارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة إصدار القرار، ما دام هذا التقدير قد استخلص استخلاصاً سائغاً من الوقائع الثابتة في الأوراق وإلا كان في ذلك مصادرة للإدارة على تقديرها وغل ليدها عن مباشرة وظيفتها في الحدود الطبيعية التي تقتضيها هذه الوظيفة وما تستلزمه من حرية في وزن مناسبات القرارات التي تصدرها وتقدير ملاءمة إصدارها، ولا ينال من قرار الجزاء ما ساقه المدعي من وقائع خاصة بدعوى حرمانه من الأجازة الاعتيادية أو حرمانه من الأجر الإضافي عن عملية إنشاء وتركيب قوس النصر الخاص بالمصانع الحربية في مناسبة قيام الجمهورية العربية المتحدة في فبراير سنة 1958 أو نقله من رئاسة قسم الصيانة الميكانيكية وما اتخذ من تدابير لإرغامه على الاستقالة أو اضطهاده في العمل إلى غير ذلك مما تضمنته شكاويه ذلك أن ما يثيره في شكاويه يشكل موضوع دعاوى مستقلة لا ارتباط بينها وبين القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن تقديم المدعي صوراً فوتوغرافية لأوراق رسمية خاصة بالمصنع يكون المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادة 76 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 فضلاً عن المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادة 83 من ذلك القانون وهي الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها.
ومن حيث إن سبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بوجبات وظيفته أو إثباته عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه فتتجه نية الإدارة إلى توقيع جزاء عليه بحسب الأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر.
ومن حيث إنه قد وضح أن الأسباب التي استندت إليها الهيئة العامة للمصانع الحربية في قرارها بتوقيع الجزاء المط

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة – العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1964 إلى أخر سبتمبر سنة 1964) – صـ 1161


جلسة 6من يونيه سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ/ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي. المستشارين.

القضية رقم 1171 لسنة 7 القضائية

( أ ) موظف – تأديب – تحقيق إداري – السلطة المختصة بإجرائه – القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية – اختصاص النيابة الإدارية لا يخل بحق الجهة الإدارية في التحقيق مع موظفيها – التحقيق الذي يجريه، في حدود القانون، قسم الشئون القانونية والتحقيقات بهذه الجهة، مع أحد موظفيها ويمكن من الدفاع عن نفسه فيمتنع – هو تحقيق سليم لا مخالفة فيه للمادة 85 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 – لا محل لإجبار الجهة الإدارية على إحالة هذا التحقيق إلى النيابة الإدارية ما دامت قد عهدت به إلى جهة خولها القانون هذا الحق – أساس ذلك.
(ب) موظف – تأديب – قرار تأديبي – احتفاظ الموظف بأصل محررات إدارية رسمية الفترة اللازمة لتصويرها فوتوغرافياً ولإرفاقها بشكواه – يشكل ذنباً إدارياً طبقاً للمادتين 76 و83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 – صحة قرار مجازاته عن هذا الذنب.
(جـ) قرار إداري – ملائمة إصدار القرار ووزن مناسبات إصداره – دخولها في صميم اختصاص الإدارة وتقديرها – مقتضى ذلك: ليس للقضاء الإداري أن يحل نفسه محل الإدارة في هذا الشأن – ليس لهذا القضاء أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الإدارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة إصدار القرار الإداري، ما دام تقديرها قد استخلص استخلاصاً سائغاً من الوقائع الثابتة في الأوراق – أساس ذلك ومثال.
1) يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن النيابة الإدارية تختص، بالنسبة إلى الموظفين الداخلين في الهيئة أو الخارجين عنها والعمال، بإجراء الرقابة وفحص الشكاوى التي تحال إليها من الجهات المختصة وإجراء التحقيق فيما يحال إليها من الجهات الإدارية المختصة وفيما تتلقاه من شكاوي الأفراد والهيئات التي يثبت الفحص جديتها أو فيما يتكشف لها أثناء الرقابة أو أثناء التحقيق، وهذا الاختصاص لا يخل بحق الجهة الإدارية في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق مع موظفيها وذلك وفقاً لما هو وارد بالمادة الثالثة من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري.
ومن حيث إن ذلك الذي يقرره قانون النيابة الإدارية فيما يتعلق بالتحقيق الإداري، هو بعينه ما يجرى عليه التحقيق والتأديب الإداري من أصول وضوابط مستلهمة ومقررة في كنف قاعدة أساسية كلية تصدر عنها وتستقي منها الجزئيات والتفاصيل وهي تحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان للموظف موضوع المساءلة الإدارية ويجب أن يكون له كل مقومات التحقيق القانوني الصحيح وكفالاته وضماناته من حيث وجوب استدعاء الموظف وسؤاله ومواجهته بما هو مأخوذ عليه من أعمال وتمكينه من الدفاع عن نفسه وإتاحة الفرصة له لمناقشة شهود الإثبات وسماع من يرى الاستشهاد بهم من شهود النفي وغير ذلك من مقتضيات الدفاع، ولا يتعين إتباع تلك الإجراءات إذا تطلب القانون إجراء تحقيق فحسب وإنما يجب الالتزام بها حتى إذ رأت الإدارة مختارة إجراء التحقيق وهو أمر تقتضيه العدالة كمبدأ عام في كل محاكمة جنائية أو تأديبية دون حاجة إلى نص خاص عليه ومع ذلك فقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه:"…. وفي جميع الأحوال يجوز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاهاً على أن يثبت مضمونها بالمحضر الذي يحوي الجزاء". وثابت من الأوراق على النحو المتقدم أن جزاء الخصم من مرتب المدعي لمدة خمسة أيام قد صدر بناء على تحقيق أجري معه بواسطة رئيس قسم الشئون القانونية والتحقيقات. الذي واجه المدعي بالمخالفات المنسوبة إليه وبالصور الفوتوغرافية للأوراق الرسمية المرفقة بالشكوى المرسلة لرئاسة الجمهورية وقد مكن المحقق المدعي من أن يدافع عن نفسه، فامتنع المدعي عن الإجابة ثم صدر القرار بالجزاء المطعون فيه ممن يملك إصداره وهو مدير عام مصنع 99 بعد اطلاعه على مذكرة قسم الشئون القانونية والتحقيقات المؤرخة 22من ديسمبر سنة 1958 المرفق بها أوراق التحقيق الذي أجري بمعرفة رئيس القسم المذكور، وإذ مكن المحقق المدعي من الدفاع عن نفسه فامتنع عن إبداء دفاعه، فإنه يكون قد فوت على نفسه هذا الحق، ولا يلومن إلا نفسه، ولا محل لإجبار الجهة الإدارية على إحالة التحقيق إلى النيابة الإدارية طالما أنها عهدت بالتحقيق إلى جهة خولها القانون هذا الحق، كما سلف البيان.
ومن حيث إن مفاد ذلك أن التحقيق الذي أجراه قسم الشئون القانونية والتحقيقات قد تم في حدود القانون ومراعاة لأحكامه نصاً وروحاً – فلا محل والحالة هذه للنعي على هذا التحقيق أو للطعن فيه ولا سبيل إلى القضاء ببطلانه – والحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى غير ذلك وقضي بأن التحقيق معيب ومخالف لما تقضي به المادة 85 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه – ويكون القرار المطعون فيه قد بني على تحقيق سليم.
2) إذا كان الثابت أن الأوراق موضوع مجازاة المدعي – قد أثبت فيها موظفون عموميون، تعليقاً على ما تلقوه من المدعي من طلب أجازة، بياناتهم طبقاً للأوضاع القانونية كل في حدود اختصاصه وفي نطاق سلطته. فهي بهذه المثابة محررات إدارية رسمية أقر فحواها واشترك في تحريرها موظفون عموميون بما لهم من سلطة خولتها لهم القوانين واللوائح، فإذا ما احتفظ المدعي بأصل هذه الأوراق الفترة اللازمة حتى تمكن من تصويرها فوتوغرافياً فيكون قد خالف مضمون المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ويكون الذنب الإداري قد وقع من المدعي وثبت في حقه وهو الذي استتبع توقيع الجزاء الإداري عليه بالخصم من مرتبه لمدة خمسة أيام، فيكون القرار المطعون فيه، والحالة هذه قد صدر مطابقاً للقانون.
3) إن الحكم المطعون فيه قد خرج عن مجال التعقيب القانوني الصحيح على القرار واتجه وجهة أخرى قوامها مراجعة الإدارة في وزنها لمناسبات القرار وملاءمة إصداره، فأخل نفسه بذلك محلها فيما هو داخل في صميم اختصاصها وتقديرها، بدعوى أن الأسباب التي أخذت بها الإدارة لا تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها، مع أن وزن الإدارة لمناسبات قراراها قد كان وزناً معقولاً مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من الوقائع التي فصلتها بشأن ما قدرته خاصاً بحيازة المدعي لبعض المستندات وتصويره إياها وأن ذلك يشكل ذنباً إدارياً ولا ينتقص من هذا التقدير، صفة هذه الأوراق وكونها ذات أهمية أو أوراق عادية خصوصاً إذا ما أخذ في الاعتبار أن المدعي يعمل في مرفق ذي خطر هو مرفق الدفاع وفيه يقتضي الأمر اليقظة التامة وعدم السكوت عن أي فعل أو عمل ولو كان يبدو تافهاً حتى يكون المرفق في الوضع المرجو منه، وما قد يترتب على ذلك – في نظر الإدارة – من اضطراب العمل في المرفق وهي صاحبة التقدير الأول والأخير في هذا الشأن، كما يجب التنبيه في هذا المقام إلى أنه ليس من حق القضاء الإداري أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى جهة الإدارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة إصدار القرار، ما دام هذا التقدير قد استخلص استخلاصاً سائغاً من الوقائع الثابتة في الأوراق وإلا كان في ذلك مصادرة للإدارة على تقديرها وغل ليدها عن مباشرة وظيفتها في الحدود الطبيعية التي تقتضيها هذه الوظيفة وما تستلزمه من حرية في وزن مناسبات القرارات التي تصدرها وتقدير ملاءمة إصدارها.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد 7 من مايو سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن وزارة الحربية والهيئة العامة للمصانع الحربية، سكرتيرية المحكمة، عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي) بجلسة 8 من مارس سنة 1961 في القضية رقم 990 لسنة 13 القضائية المقامة من سليم كامل جندي ضد وزارة الحربية والقاضي بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 13 من مايو سنة 1959 المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة المدعي بخصم مقابل أجر خمسة أيام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت إدارة المصانع الحربية المدعى عليها مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي "وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استندت إليها في عريضة الطعن، الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين".
وقد أعلن الطعن للمدعي في 16 من مايو سنة 1961.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة مذكرة بالرأي القانوني حددت فيها وقائع الدعوى والمسائل القانونية التي أثارها النزاع وأبدت رأيها مسبباً ضمنته أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض دعوي المطعون ضده، وإلزامه بالمصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة أول فبراير سنة 1964 وأبلغت إدارة قضايا الحكومة والمدعي في 29 من ديسمبر سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وقررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا حيث حدد لنظره جلسة 28 من مارس سنة 1964 التي أبلغ بها الطرفان في 10 من فبراير سنة 1964 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة وقررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما استظهرته المحكمة من الأوراق تتحصل في أن المدعي أقام دعواه بعريضة أودعها سكرتيريه محكمة القضاء الإداري في 30 من مايو سنة 1959 طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير عام مصنع 99 الحربي بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الوزارة بالمصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة – وقال شرحاً لدعواه أنه يطعن في القرار الصادر من المدير العام لمصنع 99 الحربي بتاريخ 11 من يناير سنة 1959 والمبلغ إليه في 25 من يناير سنة 1959 بمجازاته باستقطاع خمسة أيام من راتبه لما نسب إليه من تقديمه صوراً فوتوغرافية لأوراق رسمية خاصة بالمصنع رفق شكواه لتقدمه إلى رئاسة الجمهورية الأمر الذي لا يتأتى إلا بأخذه أصول هذه الأوراق الرسمية وإحرازه إياها مخالفاً بذلك أحكام المادة 76 من قانون موظفي الدولة ونظراً لخطورة هذا التصرف خصوصاً في مصنع حربي، وقد تظلم من هذا الجزاء للوزير بتاريخ 31 من يناير سنة 1959 ولم ترد عليه الوزارة على الرغم من انقضاء الميعاد المقرر للبت فيه، ويقول أن له شقيقاً موظفاً بإدارة المصانع الحربية يدعى شفيق كامل جندي تخطته الإدارة في الترقية إلى الدرجة الخامسة في الحركة التي صدرت في 30 من مارس سنة 1957 فتظلم إلى الوزير من هذا التخطي وقد أسفر بحث تظلمه عن عدم مشروعية التخطي فأمر الوزير بإنصافه ولكن لم تنفذ المصانع الحربية قرار الوزير فلجأ إلى مجلس الدولة وأقام الدعوي رقم 1300 لسنة 11 بالطعن على القرار المذكور فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة الخامسة وما يترتب على ذلك من آثار فأسخطت هذه الدعوى إدارة المصانع الحربية وصممت على الانتقام من الأخوين، ففي يوم 20 من أغسطس سنة 1958 دعي لمقابلة مدير عام مصنع 99 في حضور المهندسين جميل رزق الله وإسماعيل حلمي يس وعصمت عثمان وابتدره المدير العام بأن الإدارة العامة قررت الاستغناء عن خدماته بمقولة أن له علاقة بأحد عمال المصنع خارج الهيئة وأبدى له المدير أن يختار بين أن تستصدر الهيئة قراراً جمهورياً بالاستغناء عنه لصالح العمل، أو الاستقالة أو إجراء تحقيق داخلي ينتهي باستصدار قرار بالفصل فاعترض المدعي على ذلك بأنه لا يوجد ما يدعو إلى اتخاذ هذه الإجراءات ثم قدم تظلماً في 29 من أغسطس سنة 1958 لرئاسة الجمهورية ولوزير الحربية ولوكيل الوزارة لشئون المصانع ولمدير عام مصنع 99 فترتب على هذا التظلم أن أصدر مدير عام مصنع 99 قراراً بنقله من وظيفة رئيس قسم الصيانة الميكانيكية بالمصنع إلى وظيفة مهندس عادي بأقسام العدد والمعاملات بالمصنع فتظلم في 31 من أغسطس سنة 1958 لرئاسة الجمهورية ولوزير الحربية من هذا النقل التعسفي الذي لا سبب له إلا الانتقام منه ومن أخيه بسبب موقف كل منهما المشروع في الدفاع عن حقوقه واستبانت خطة المدير العام للمصنع في مضايقته ومعاملته معاملة تعسفية في ناحية أخرى، هي ناحية الأجازات الاعتيادية التي كان يطلبها في حدود ما تسمح به لوائح المصنع، فقد تقدم في 8 من يونيه سنة 1958 بطلب منحه أجازة اعتيادية لمدة ستة أيام لمناسبة اشتراكه في رحلة للهيئة العامة للمصانع الحربية إلى سوريا مع زملائه المهندسين ووافق الرئيس المباشر له المهندس عصمت عثمان على هذا الطلب وكذلك نائب مدير عام المصنع المهندس جميل رزق الله ولكن المدير العام للمصنع رفض الموافقة وحرمه من السفر مع زملائه ولم يأمر برد قيمة الاشتراك التي دفعها كعضو في الرحلة.
وفي يوم 24 من يونيه سنة 1958، سلمه المعتصم رشيد رضا رئيس شئون الأفراد بالمصنع، خطاباً تضمن أن المدير العام للمصنع قرر حرمانه من جميع أجازاته الاعتيادية وعدم قيامه بأية أجازة اعتيادية إلا بعد موافقة المدير العام شخصياً، في حين أن جميع مهندسي وموظفي المصنع تعرض أجازاتهم على نائب المدير العام – ومثل هذا الخطاب وصل إلى شقيقه المحاسب شوقي كامل جندي فكانا بذلك الموظفين الوحيدين بالمصنع اللذين حرما من هذا الحق.
وفي يوم 23 من سبتمبر سنة 1958 تقدم بطلب أجازة اعتيادية لمدة خمسة عشر يوماً فأشر عليه رئيسه المباشر المهندس عصمت عثمان بكلمة لا مانع وأرسل الطلب إلى نائب المدير العام المهندس جميل رزق الله فأشر عليه بالآتي: "بعرض الموضوع على السيد المدير العام أفاد سيادته بأنه لدواعي العمل ترجأ هذه الإجازة". وإذ كانت حالة العمل بالمصنع وقتذاك لا تبرر إرجاء منحه أجازته الاعتيادية التي يتمتع بها سائر مهندسي وموظفي المصنع بالصيف – فقد انجلت الأمور عن الخطة المرسومة لمضايقته وأفراده وشقيقه بمعاملة شاذة لم يعامل بها أحد من زملائهما – فلم يجد محيصاً من التظلم مرة ثالثة إلى رئاسة الجمهورية ووزير الحربية، فقدم بالفعل في يوم أول أكتوبر سنة 1958 تظلماً وأرسل مع التظلم تأييداً لما تضمنه من حقائق صوراً فوتوغرافية من طلبات الأجازات التي تقدم بها وأشر عليها رئيسه المباشر ورفضها المدير العام للمصنع وتتابعت بعد ذلك بل وقبل ذلك تصرفات المدير العام للمصنع المنطوية على اضطهاده ومضايقته في عمله من ذلك:
"بتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1958 أرسل بالبريد المسجل إلى مدير عام المصنع التماساً يطلب فيه إفادته عن أقدميته بين شاغلي الدرجة الخامسة بالكادر الفني العالي وهو طلب تخوله المادة 12 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 ورغم قانونية هذا الطلب فإنه لم يتلق أي رد عليه ولم تسلم له صورة من كشف أقدميته حتى الآن.
بتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1958 أيضاً تقدم بالتماس عن طريق مكتب المهندس عصمت عثمان رئيس أقسام العدد والمعاملات بالمصنع، طالباً فيه صرف مكافأته عن عملية إنشاء وتركيب قوس النصر الخاص بالمصانع الحربية وهو القوس الذي أقيم لمناسبة قيام الجمهورية العربية المتحدة في فبراير سنة 1958 والذي اشتغل في إعداده نحواً من 70 ساعة في غير أوقات العمل الرسمية وقد أستند إلى أن جميع زملائه من مهندسي وموظفي وعمال المصنع حصلوا على مكافآتهم عن هذه الأعمال الإضافية ما عداه.
ورغم مضي وقت طويل على هذا الطلب فإنه لم يتلق عنه رداً، وذلك بالرغم من أن اسمه كان مدرجاً بالكشف المرفق بالمذكرة التي تقدم بها مدير عام المصنع في مايو سنة 1958 إلى وكيل الوزارة لشئون المصانع، والمدون به أسماء جميع المهندسين الذين اشتركوا في العملية المذكورة والمكافأة التي يقترحها سيادته لكل منهم لكن المدير العام عاد وشطب اسمه دون سبب.
وفي 2 من ديسمبر سنة 1958 عاد إلى طلب منحه أجازة اعتيادية مدتها أسبوعان من 6 من ديسمبر سنة 1958 ونوه بأن جميع زملائه بالمصنع حصلوا على الأجازات الاعتيادية التي طلبوها – ولكن المهندس عصمت عثمان الرئيس المباشر استدعاه وابلغه رفضه لهذا الطلب بدعوى أن حالة العمل لا تسمح بإجابته فأوضح لسيادته أنه لم يحصل على أية أجازة اعتيادية طوال سنة 1958 على خلاف زملائه جميعاً، هذا إلى أن عمله الجديد منذ نقله من رئيس قسم الصيانة الميكانيكية ليس على النحو الذي يستوجب رفض إعطائه أجازة لمدة أسبوعين.
بتاريخ 4 من ديسمبر سنة 1958 صدر القرار رقم 1568 بإجراء الترقيات من الدرجة السادسة الفنية إلى الدرجة الخامسة الفنية ومن الدرجة الرابعة الفنية إلى الدرجة الثالثة الفنية وقد رقى فيها جميع من أتموا المدد القانونية المقررة للترقية، وتركت الترقيات من الدرجة الخامسة إلى الدرجة الرابعة وظهر جلياً أن هذا الترك استهدف تأجيل ترقيته حيث كانت أقدميته توجب ترقيته في التاريخ المذكور، وظهر أن هذا التأجيل أريد به التمكين لإدارة المصنع من أن تضع عنه تقريراً بدرجة ضعيف يبرر حرمانه من الترقية إلى الدرجة الرابعة.
وإزاء ذلك قدم يوم 23 من ديسمبر سنة 1958 تظلماً آخر ملتمساً رفع الظلم عنه ومعاملته على قدم المساواة مع زملائه.
وفي أوائل يناير سنة 1959 فوجئ بحضور جمال شحاتة الموظف تحت الاختبار بالدرجة السادسة بإدارة الشئون المالية والإدارية بالمصنع لسؤاله كتابة عن كيفية حصوله على طلبات الأجازات الاعتيادية التي أرفقت بشكواه المؤرخة في أول أكتوبر سنة 1958صوراً فوتوغرافية منها فتبين له على الفور أن السيد المذكور قدم للتحقيق معه في مخالفة أريد تصويرها وإسنادها إليه فطلب من السيد المذكور أن يحيل الموضوع إلى النيابة الإدارية لتتولى التحقيق معه لضمان حيدتها والتزامها أحكام القانون فيما تتولى تحقيقه وإبداء الرأي فيه، ولاسيما وأن سيادته موظف حديث بالخدمة ولا يزال تحت الاختبار وفي درجة مالية تقل عن درجته، فلم يستجيب الأستاذ جمال شحاتة لهذا الطلب وأبدى أن الأمر في شأن النيابة الإدارية رهن بإرادة مدير عام المصنع فأصر على طلبه وانصرف السيد المذكور دون أن يحقق غرضه من المأمورية التي قدم من أجلها.
وبتاريخ 25 من يناير سنة 1959 ابلغ عن طريق رئيس أقسام العدد والمعاملات بالمصنع بقرار أصدره المدير العام للمصنع بتاريخ 13 من يناير سنة 1959 بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه وجاء في ديباجة القرار أن الجزاء قام على السبب الآتي: – "نظراً لتقديمك صوراً فوتوغرافية لأوراق رسمية خاصة بالمصنع برفق شكواك المقدمة للسيد رئيس الجمهورية، الأمر الذي لا يتأتى إلا بأخذك أصول هذه الأوراق الرسمية وإحرازك إياها مخالفاً بذلك أحكام المادة 76 من قانون التوظف، ونظراً لخطورة هذا التصرف خصوصاً في مصنع حربي" فأشر على هذا القرار في يوم اطلاعه عليه في 25 من يناير سنة 1959 محتفظاً لنفسه في الطعن عليه وفي يوم 31 من يناير سنة 1959 بعث بطريق البريد الموصى عليه إلى الوزير بتظلم من هذا القرار مفصلاً مقدماته وملابساته وما ينطوي عليه من تعسف في استعمال السلطة ومخالفة أحكام القانون، ورغم المدة المقررة لبحث التظلم فإنه لم يتلق عنه أي رد.
وإدارة المصانع الحربية لم تستمع إلى دفاعه في شأن الواقعة التي جوزي عنها قبل أن تصدر قرار الجزاء تنفيذاً لحكم المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فيكون قرارها قد وقع مخالفاً للنص المذكور، ومن ثم يتعين إلغاؤه.
والقرار من ناحية أخرى قد صدر فاقداً لركن السبب لأن المادة 76 التي استندت إليها الإدارة في توقيع الجزاء تمنع أن يحتفظ الموظف لنفسه بأصل أية ورقة من الأوراق الرسمية، ولو كانت خاصة بعمل كلف به شخصياً، وهو لم يحتفظ لنفسه بأصل أية ورقة رسمية مما تحدثت عنها المادة لأن الأوراق التي قدم صوراً فوتوغرافية منها عبارة عن ثلاثة ورقات بيانها كالآتي:
(ا) طلب أجازة اعتيادية لمدة ستة أيام مؤرخ 8 من يونيه سنة 1958 للسفر في رحلة المصانع إلى الإقليم الشمالي، وقد أشر عليه الرئيس المباشر له بأنه لا يرى مانعاً من إجابة الطالب واعتمد ذلك من المهندس جميل رزق الله نائب المدير العام بتاريخ 8 من يونيه سنة 1958 – وقد بقي معه كدليل على الترخيص له في القيام بالأجازة.
فلا تثريب عليه إذن في أخذ صورة فوتوغرافية منه.
الأفراد بالمصنع رقم 99 مؤرخ 24 من يونيه سنة 1958 مضمونه أن المدير العام قرر إلغاء الأجازة التي سبق الترخيص بها له مع حرمانه من القيام بأي أجازة اعتيادية من التاريخ الذي صدر فيه الخطاب.
وظاهر أن هذا الخطاب الشخصي ليس محله ملف الخدمة، بل إنه خاص به فلا وجه لمساءلته ومجازاته بسبب تقديمه صورة فوتوغرافية منه.
خطاب شخصي ورد إليه من المعتصم رشيد رضا رئيس شئون.
طلب مؤرخ 23 من سبتمبر سنة 1958 مقدم منه إلى مدير عام المصنع بالتماس التصريح له بالموافقة على منحه أجازة اعتيادية مدتها خمسة عشر يوماً ابتداء من 28 من سبتمبر سنة 1958 إلى 12 من أكتوبر سنة 1958 وقد أشر عليه بأنه حصل على ثلاثة أيام أجازة اعتيادية طول العام، والأجازة المطلوبة مستحقه. ويلي ذلك إشارة من المهندس عصمت عثمان الرئيس المباشر له نصها:"لا مانع" ثم إشارة أخرى من المهندس جميل رزق الله نائب مدير عام المصنع نصها كما يأتي: –
"بعرض الموضوع على السيد المدير العام أفاد سيادته بأنه لدواعي العمل ترجأ هذه الأجازة". وكذلك ذلك في يوم 25 من سبتمبر سنة 1958.
وقد سبق بيان أن حالة العمل كانت تسمح بإعطائه الأجازة التي يطلبها وأن جميع زملائه نالوا الأجازات التي طلبوها – بما في ذلك رئيسه المباشر.
وكان هذا الخطاب موقعاً منه أصلاً وقد أشر عليه بالإرجاء إلى أن تسمح دواعي العمل بإعطائه الأجازة التي يطلبها – فاحتفظ به إلى أن تزول الدواعي المزعومة فيعيد تقديمه إلى إدارة المصنع – فليس في احتفاظه به أية مخالفة لنص المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وأكثر زملائه يصنعون مثل ذلك.
ولما كان اعتبار احتفاظه بالأوراق المذكورة منطوياً على المخالفة التي تنص عليها المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951 هو السبب الذي قام عليه قرار الجزاء فمتى سقط هذا السبب فإن القرار يضحي غير مشروع متعين الإلغاء، وفضلاً عن هذه المخالفات القانونية فقد بان من سياق عرض الوقائع أن للجزاء دوافع شخصية غير التي يستند إليها القرار فيكون القرار مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة ومتعين الإلغاء لهذا السبب أيضاً.
وأودع المدعي حافظة مستنداته ضمنها صورة من التظلم الذي بعث به إلى رئاسة الجمهورية وآخرين في 29 من أغسطس سنة 1958 بشأن التدابير التي تحاك ضده من مدير عام المصنع لإرغامه على الاستقالة والثاني بتاريخ 31 من أغسطس سنة 1958 بشأن نقله من رئيس قسم الصيانة الميكانيكية عقب تقديم التظلم السابق والثالث بتاريخ أول أكتوبر سنة 1958 بشأن حرمانه من أجازته الاعتيادية. والرابع بتاريخ 23 من ديسمبر سنة 1958 متظلماً من اضطهاده في العمل: عدم موافاته ببيان بتحديد أقدميته في الدرجة الخامسة، وعدم صرف مكافأته عن عملية إنشاء وتركيب قوس النصر الخاص بالمصانع الحربية لمناسبة قيام الجمهورية العربية المتحدة في فبراير سنة 1958 وحرمانه من أجازته الاعتيادية، وعدم ترقيته للدرجة الرابعة بالكادر الفني العالي رغم إتمامه المدة القانونية، ويذكر أن تظلماته السابقة قد زادت من شدة ضغط الاضطهاد عليه وزادت بهم في الإسراع للقضاء عليه بوضعهم تقرير سري عنه عن سنة 1958 بدرجة ضعيف حتى يتخطوه في الترقية التي يستحقها والمستند الخامس بتاريخ 30 من يناير سنة 1959 بالتظلم من قرار الجزاء المطعون فيه والمستند السادس صورة من قرار الجزاء المطعون فيه.
كما أودع المدعي صوراً فوتوغرافية من الأوراق التي كانت محلاً للمؤاخذة في القرار المطعون فيه.
وأودعت إدارة قضايا الحكومة بالجلسة المنعقدة في 26 من أكتوبر سنة 1959 بهيئة المفوضين مذكرة بدفاع الهيئة العامة للمصانع الحربية وحافظة بها أربع مستندات، طلبت فيها رفض الدعوى وقالت أن القرار المطعون فيه يقوم على سببه المبرر له حيث قد ثبت من تقديم المدعي صوراً شمسية لطلبات الإجازة المرفقة بملف خدمته أنه احتفظ لنفسه بأصل هذه الأوراق فضلاً عن تقديمه صوراً فوتوغرافية لها رفق شكواه لرئاسة الجمهورية في أول أكتوبر سنة 1958 فأحيل إلى جهة التحقيق وهي إدارة الشئون القانونية والتحقيقات بالهيئة العامة للمصانع الحربية وقد رفض أن يدلى أمامها بأية أقوال فأصدر مدير المصنع قراراً بمجازاته بخصم خمسة أيام من مرتبه نظير ما نسب إليه من إحراز أوراق رسمية وتصويرها مخالفاً بذلك المادة 76 من قانون التوظف والأوراق موضوع مجازاة المدعي هي أوراق إدارية رسمية فيكون المدعي قد ارتكب الجريمة التأديبية الواردة في المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فقرار مجازاة المدعى والحالة هذه قد صادف سبباً صحيحاً أفصح عنه وهو قد صدر من السلطة العامة في حدود النصاب القانوني وبعد أن أجري مع المدعي تحقيق رفض سيادته أن يدلي فيه بأية أقوال وبذلك لا يكون صحيحاً ما نعاه المدعي على القرار من أنه صدر مفتقراً للسبب ودون إجراء تحقيق.
ثم أودعت وزارة الحربية مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة لأن المدعي اختصم وزير الحربية ولم يختصم مدير الهيئة العامة للمصانع الحربية.
وبجلسة 8 من مارس سنة 1961 قضت المحكمة في موضوع الدعوى بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 13 من يناير سنة 1959 المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة المدعي بخصم مقابل أجر خمسة أيام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار. وألزمت إدارة المصانع الحربية المدعى عليها مصاريف الدعوى وخمسمائة قرش مقابل أتعاب محامي المدعي، وأقامت المحكمة قضاءها عن الدفع بعدم قبول الدعوى: أن قوام الدفع بعدم قبول الدعوى هو قبول وزارة الحربية أن الدعوى أقيمت عليها في حين كان يجب أن تقام على مدير الهيئة العامة للمصانع الحربية باعتبار أن لهذه الهيئة شخصية مستقلة وأن الذي يمثلها أمام القضاء هو المدير طبقاً لنص المادة 4 من قرار رئيس الجمهورية رقم 678 لسنة 1957 بإنشاء الهيئة المشار إليها، أن هذا الدفع مردود بأن إدارة الهيئة العامة للمصانع الحربية قد مثلت في الدعوى عند تحضيرها بواسطة هيئة مفوضي الدولة وأودعت مذكرة بدفاعها تناولت موضوع الدعوى كاملاً مما لا يقبل معه أي دفع في هذا الخصوص ويتعين لذلك القضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى.
وعن الموضوع، يقول الحكم أن الثابت من الاطلاع على الأوراق أن قرار الجزاء المطعون فيه قد صدر دون سماع المدعي وتحقيق دفاعه بخصوص الواقعة التي جوزي من أجلها اكتفاء بالتحقيق الذي أجراه قسم التحقيقات والشئون القانونية بالمصنع وهو تحقيق مبتور لم تسمع فيه أقوال المدعي إذ قد طلب بحق أن يجرى التحقيق معه بواسطة النيابة الإدارية وكان ينبغي أن يحال إلى هذه الجهة، خاصة وأن مدير المصنع هو المشكو بسبب ما نسبه إليه المدعي من اضطهاده إياه ولهذا يكون التحقيق معيباً مخالفاً لما تقضي به المادة 85 من قانون نظام موظفي الدولة من وجوب سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه وترتيباً على ذلك يكون قرار الجزاء مخالفاً لنص المادة المشار إليها، ومن ثم باطل قانوناً.
وعن موضوع الجزاء فإن سببه على ما هو واضح مما قدم به الأمر المطعون فيه أن المدعي حصل على صور شمسية لبعض طلبات مقدمة منه بالتماس الترخيص له بأجازات وعليها تأشيرات للرؤساء المختصين مما استنتج منه أن المدعي قد أحرز أصول هذه الطلبات ليتمكن من استخراج صورها وما عدا ذلك مخالفة للمادة 76 من قانون نظام موظفي الدولة، أن الثابت من الأوراق المودعة ملف الدعوى أن الصور الفوتوغرافية التي أرفقها المدعي بشكواه التي رفعها إلى رئاسة الجمهورية في أول أكتوبر سنة 1958 هي عبارة عن: –
(ا) صورة من طلب أجازة اعتيادية تقدم من المدعي إلى مدير المصنع لمدة ستة أيام ابتداء من أول يوليه سنة 1958 بمناسبة سفره في رحلة نظمتها الهيئة العامة للمصانع الحربية لزيارة سورية ومؤشر على الطلب بعدم وجود المانع من منح الإجازة ومؤشر عليه كذلك من مدير المصنع بالاعتماد.
وصورة ثانية من خطاب سري شخصي صادر من رئيس شئون الأفراد إلى المدعي تاريخه 24 من يونيه سنة 1958 ونصه، المرجو الإحاطة بأن السيد المدير العام قرر اليوم 24 من يونيه سنة 1958 إلغاء الأجازة الاعتيادية السابق تصديق سيادته لكم عليها للسفر في رحلة للإقليم الشمالي اعتباراً من أول يوليه سنة 1958 مع حرمانكم من القيام بأي أجازة اعتيادية لحين صدور تعليمات أخرى من السيد المدير العام شخصياً".
وصورة ثالثة من طلب تقدم من المدعي بطلب إجازة لمدة 15 يوماً من 28 من سبتمبر سنة 1958 وأشر عليه الرؤساء المختصون بعدم وجود مانع من منح الأجازة ثم دون عليه تأشير آخر يتضمن أن الموضوع عرض على المدير العام فقرر لدواعي العمل إرجاء الأجازة.
ويقول الحكم أنه وإن كانت أصول الأوراق التي أرفق المدعي صورها مع شكواه للجهات الرئيسية تعتبر بصفة عامة وبعد ضمها إلى ملف المدعي أوراقاً رسمية غير أن هذه الأوراق ليست بغير شك من نوع الأوراق المقصودة في المادة 76 من قانون نظام الموظفين والتي يحرم على الموظف الاحتفاظ بأصولها لنفسه، ذلك أن المقصود بالأوراق الرسمية في هذه المادة هي الأوراق المتعلقة بالعمل الحكومي سواء كان الموظف مكلفاً به شخصياً أو كان غير مكلف به، والثابت أن الأوراق التي حصل عليها المدعي هي صور وليست أصولاً لطلبات خاصة بأجازاته وليس لها بعمله الوظيفي ولا بالعمل عامة أدنى ارتباط – هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن نص المادة 76 السالف ذكرها إنما يحرم على الموظف الاحتفاظ لنفسه بأصل أية ورقة من الأوراق الرسمية ومؤدى ذلك أن يحوز الموظف أصل الورقة الرسمية على وجه الاستمرار، في حين أن الثابت أن المدعي لم يحتفظ إطلاقاً بأصول طلبات الأجازات السابق الإشارة إليها وإنما احتفظ بصورها الشمسية ولا اعتداد بما ذهب إليه دفاع الهيئة العامة لشئون المصانع الحربية من أن المدعي أحرز أصول هذه الأوراق فترة من الزمن هي التي استلزمها تصويرها، ذلك لأن نقل الصور الفوتوغرافية من الأصل المحفوظ بالدوسيه لا يستلزم حتماً نقل الورقة من مكانها ثم أنه حتى مع التسليم بأن المدعي أحرز فترة ما أصل الورقة ثم ردها إلى مكانها فإن هذا النقل ليس معاً يندرج لفظ (احتفظ) الوارد بالمادة 76 السابق ذكرها.
ولجميع ما تقدم تكون الواقعة التي قام عليها قرار الجزاء المطعون فيه غير قائمة في حق المدعي وبالتالي يكون القرار فاقداً سببه ويقع باطلاً.
وتقول المحكمة أنه لا يفوتها أن تلاحظ على تصرف مدير المصنع رقم 99 إزاء طلبات المدعي للأجازات أنه على ما ثبت من الأوراق، تصرف غير طبيعي، وإذ بعد أن يعتمد المدير أجازة المدعي لمدة ستة أيام من أول يوليه سنة 1958 يعود فيأمر بإلغائها ولا يكتفي بذلك بل يحرم المدعي من الحصول على أجازته بالطريق المعتاد شأنه باقي زملائه وإنما يستلزم ذلك إذناً خاصاً من مدير المصنع شخصياً – فإذا عاد المدعي بطلب أجازة اعتيادية لخمسة عشر يوماً من 28 من سبتمبر سنة 1958 برفض المدير منحه إياها متعللاً في ذلك بدواعي العمل، وهذا وذاك لا يمكن تفسيره إلا برغبة المدير في إعنات المدعي ومضايقته. رغبة قد يكون ما حداه إليها ما ذكره المدعي بصحيفة دعواه من وقائع لم تنقضها المدعي عليها. وهذا التصرف يضم القرار المطعون فيه بسوء استعمال السلطة، ولما تقدم يكون القرار المطعون فيه مخالفاً للقانون مشوباً بالانحراف في السلطة، ومن ثم يكون متعيناً إلغاؤه وإلزام الهيئة العامة للمصانع الحربية بمصاريف الدعوى.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لما يلي:
أولاً: من المقرر أن الموظف المحال إلى التحقيق يجب أن توفر له جميع ضمانات الدفاع عن نفسه بأن يعلم بالأسباب التي بني عليها الاتهام الموجه إليه وأن يسمح له بتقديم ملاحظاته بالدفاع أما شفوياً أو كتابة فإذا مكن الموظف من ذلك ولكنه امتنع عن إبداء دفاعه فإنه يكون قد فوت على نفسه هذا الحق ولا يلومن إلا نفسه، أما القرار الصادر بتوقيع الجزاء عليه فإنه يكون مشروعاً إذا ما بني على وقائع ثابتة في الأوراق. ولا يخل بما سلف أن امتناع المطعون ضده عن إبداء أقواله أمام المحقق كان بسبب رغبته في إحالة التحقيق إلى جهة أخرى للتحقيق هي النيابة الإدارية ذلك أن قيام هيئات مستقلة بالرقابة والتحقيق لا يمكن أن يخل بحق الجهة الإدارية في الرقابة والتحقيق، فقد حرص قانون النيابة الإدارية على إيضاح أن قيام النيابة الإدارية بالرقابة لا يخل بحق الجهة الإدارية في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق ذلك لأن رقابة الأجهزة الذاتية تعمل لحساب أقرب مسئول عن التنفيذ فالرئيس الإداري يملك سلطة تقديرية واسعة في إجراء ما يراه من رقابة وبالوسيلة التي يراها وبالطريق الذي يرسمه والذي يراه موصلاً إياه إلى أن يتأكد من أن المرفق يؤدي واجبه على أكمل وجه وأحسنه.
لكل ذلك فإن القرار المطعون فيه يكون قد بني على تحقيق سليم مستنداً إلى وقائع ثابتة في الأوراق ما كان المطعون ضده ليستطيع إنكارها.
ثانياً: يحرم نص المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على الموظف سلب حيازة الدولة لأية ورقة رسمية ولو كان هذا السلب مؤقتاً غير دائم إذ المفروض أن تكون جميع الأوراق الرسمية تحت حيازة الدولة الدائمة لاحتمال الحاجة إليها في أي وقت ولا فارق في ذلك بين ورقة وأخرى إذ أن النص جاء عاماً وشاملاً لجميع ما ينطبق عليه وصف الورقة الرسمية. ولا جدال في أن الأوراق التي احتفظ بها المطعون ضده حتى تمكن من تصويرها أوراق رسمية لها علاقة وثيقة بعمل المطعون ضده الوظيفي وبالعمل الحكومي عامة ولذلك فإنه يكون قد خالف نص المادة 76 السالف الإشارة إليه ويكون القرار الصادر بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه جزاء على هذه المخالفة قد صدر سليماً موافقاً القانون.
ثالثاً: استند الحكم المطعون فيه في قضائه بإلغاء القرار موضوع الدعوى إلى أن هذا القرار شابه عيب الانحراف بالسلطة، وهذا الذي ذهب إليه الحكم لا سند له من القانون أو الواقع إذ أن عيب إساءة استعمال السلطة يجب أن يشوب الغاية من القرار ذاتها بأن يكون مصدر القرار قد تنكب به وجه المصلحة التي يتغياها وأصدره بباعث لا يمت إلى هذه المصلحة العاملة بسبب. وجميع المزاعم التي ذكرها المطعون ضده لا تتعلق بالقرار موضوع الدعوى وهو قرار مجازاته لاحتفاظه لنفسه بأصول أوراق رسمية بل إنها موجهة إلى رفض الجهة الإدارية منحه أجازاته وإلى أن هذا الرفض المذكور يتم عن إساءة استعمال الإدارة لسلطتها، وإذا صح هذا فإن هذا العيب يكون قد لحق بقرار رفض منحه الأجازات لا بقرار آخر صدر عن وقائع أخرى لا علاقة لها بموضوع الأجازات.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة أوراق الطعن، أن المدعي مهندس بالدرجة الخامسة بالكادر الفني العالي بالهيئة العامة للمصانع الحربية، قدم عدة شكاوى لرئاسة الجمهورية ولوزير الحربية ونائب وزير الحربية ولوكيل الوزارة لشئون المصانع الحربية ولمدير مصنع 99، بدأها في 29 من أغسطس سنة 1958 ثم في 31 من أغسطس سنة 1958 وفي أول أكتوبر سنة 1958 وفي 23 من ديسمبر سنة 1958، وأرفق بشكواه المؤرخة أول أكتوبر سنة 1958 تأييداً لشكواه، صوراً فوتوغرافية لأصول ثلاثة من الأوراق المودعة بملف خدمته وبيانها.
(ا) طلب أجازة اعتيادية مؤرخ 8 من يونيه سنة 1958 مقدم من المدعي لمدة ستة أيام اعتباراً من أول يوليه سنة 1958، ومؤشر عليه من المهندس عصمت عثمان بأنه لا مانع ومعتمد من نائب المدير العام في 8 من يونيه سنة 1958.
خطاب (سري وخاص) رقم 2/ 4/ 2 – 12 محرر في 24 من يونيه سنة 1958 وصادر من الشئون المالية والإدارية والأفراد بمصنع 99 بالهيئة العامة للمصانع الحربية وموقع عليه من رئيس شئون الأفراد، المعتصم رشيد رضا ومرسل إلى المدعي ومتضمن أن المدير العام قرر بتاريخ اليوم (24من يونيه سنة 1958) إلغاء الأجازة الاعتيادية السابق تصديق سيادته عليها للمدعي للسفر في رحلة الإقليم الشمالي اعتباراً من أول يوليه سنة 1958 مع حرمانه من القيام بأي أجازة اعتيادية من يومئذ ولحين صدور تعليمات أخرى من المدير العام شخصياً.
طلب مقدم من المدعي بتاريخ 23 من سبتمبر سنة 1958 لمدير عام المصنع للموافقة على قيامه بأجازة اعتيادية لمدة خمسة عشر يوماً ابتداء من يوم 28 من سبتمبر سنة 1958 ومؤشر عليه من الموظف المختص إدارة شئون الأفراد في 23 من سبتمبر بأن الأجازة المطلوبة مستحقة ومن المهندس عصمت عثمان في 23 من سبتمبر، بأنه لا مانع – كما تصمن تأشيرة نائب المدير العام المؤرخة 25 من سبتمبر والتي تقضي بأنه بعرض الموضوع على السيد المدير العام، أفاد سيادته بأنه لدواعي العمل ترجأ هذه الأجازة – وتقدمت إدارة الشئون المالية والإدارية لمدير عام المصنع بمذكرة ضمنتها أن المدعي تقدم بشكوى لرئاسة الجمهورية أرفق بها صور فوتوغرافية لأوراق رسمية تحمل توقيع موظفين مسئولين بالمصنع وأن هذا التصرف من جانبه يعتبر مخالفة لأحكام قانون نظام موظفي الدولة والتي تقضي بأنه لا يجوز للموظف أن يحتفظ بورقة رسمية فأشر المدير العام في 17 من ديسمبر سنة 1958 بإحالة المذكور إلى قسم الشئون القانونية والتحقيقات لسؤاله، غير أن المدعي رفض في 22 من ديسمبر سنة 1958 الإدلاء بأقواله بالتحقيق الذي قام به الأستاذ جمال شحاتة سالم رئيس قسم التحقيقات – وطلب إحالة التحقيق إلى النيابة الإدارية فأصدر المدير العام في 11 من يناير سنة 1959 قراره بمجازاة المدعي بخصم خمسة أيام من راتبه وذلك لتقديمه صوراً فوتوغرافية لأوراق – رسمية خاصة بالمصنع – رفق شكواه للسيد رئيس الجمهورية. الأمر الذي لا يتأتى إلا بأخذه أصول هذه الأوراق الرسمية وإحرازه إياها مخالفاً لذلك أحكام المادة 76 من قانون نظام موظفي الدولة – ولخطورة هذا التصرف في مصنع حربي.
ثم تظلم المدعي في 30 من يناير سنة 1959 من قرار الجزاء ثم أقام دعواه في 30 من مايو سنة 1959 فأشار مفوض الدولة في 26 من يوليه سنة 1959 بعدم ملائمة البت في التظلم.
ومن حيث إنه يجب التنبيه بادئ ذي بدء إلى أن النيابة الإدارية تختص بالنسبة إلى الموظفين الداخلين في الهيئة أو الخارجين عنها والعمال بإجراء الرقابة وفحص الشكاوى التي تحال إليها من الجهات المختصة وإجراء التحقيق فيما يحال إليها من الجهات الإدارية المختصة وفيما تتلقاه من شكاوى الأفراد والهيئات التي يثبت الفحص جديتها أو فيما يتكشف لها أثناء الرقابة أو أثناء التحقيق، وهذا الاختصاص لا يخل بحق الجهة الإدارية في الرقابة وفحص الشكاوى والتحقيق مع موظفيها وذلك وفقاً لما هو وارد بالمادة الثالثة من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري.
ومن حيث إن ذلك الذي يقرره قانون النيابة الإدارية فيما يتعلق بالتحقيق الإداري، هو بعينه ما يجرى عليه التحقيق والتأديب الإداري من أصول وضوابط مستلهمة ومقررة في كنف قاعدة أساسية كلية تصدر عنها وتستقي منها الجزئيات والتفاصيل وهي تحقيق الضمان وتوفير الاطمئنان للموظف موضوع المساءلة الإدارية ويجب أن يكون له كل مقومات التحقيق القانوني الصحيح وكفالاته وضماناته من حيث وجوب استدعاء الموظف وسؤاله ومواجهته بما هو مأخوذ عليه من أعمال وتمكينه من الدفاع عن نفسه وإتاحة الفرصة له لمناقشة شهود الإثبات وسماع من يرى الاستشهاد بهم من شهود النفي وغير ذلك من مقتضيات الدفاع ولا يتعين إتباع تلك الإجراءات إذا تطلب القانون إجراء تحقيق فحسب وإنما يجب الالتزام بها حتى إذا رأت الإدارة مختارة إجراء التحقيق وهو أمر تقتضيه العدالة كمبدأ عام في كل محاكمة جنائية أو تأديبية دون حاجة إلى نص خاص عليه، ومع ذلك فقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه"…. وفي جميع الأحوال يجوز أن يكون الاستجواب والتحقيق شفاهاً على أن يثبت مضمونه بالمحضر الذي يحوي الجزاء". وثابت من الأوراق على النحو المتقدم أن جزاء الخصم من مرتب المدعي لمدة خمسة أيام قد صدر بناء على تحقيق أجري معه بواسطة رئيس قسم الشئون القانونية والتحقيقات، الذي واجه المدعي بالمخالفة المنسوبة إليه وبالصور الفوتوغرافية للأوراق الرسمية المرفقة بالشكوى المرسلة لرئاسة الجمهورية، وقد مكن المحقق المدعي من أن يدافع عن نفسه، فامتنع المدعي عن الإجابة ثم صدر القرار بالجزاء المطعون فيه ممن يملك إصداره وهو مدير عام مصنع 99 بعد اطلاعه على مذكرة قسم الشئون القانونية والتحقيقات المؤرخة 22 من ديسمبر سنة 1958 المرفق معها أوراق التحقيق الذي أجري بمعرفة رئيس القسم المذكور، وإذ مكن المحقق المدعي من الدفاع عن نفسه فامتنع عن إبداء دفاعه، فإنه يكون قد فوت على نفسه هذا الحق، ولا يلومن إلا نفسه، ولا محل لإجبار الجهة الإدارية على إحالة التحقيق إلى النيابة الإدارية طالما أنها عهدت بالتحقيق إلى جهة خولها القانون هذا الحق، كما سلف البيان.
ومن حيث إن مفاد ذلك أن التحقيق الذي أجراه قسم الشئون القانونية والتحقيقات قد تم في حدود القانون ومراعاة لأحكامه نصاً وروحاً – فلا محل والحالة هذه للنعي على هذا التحقيق أو للطعن فيه ولا سبيل إلى القضاء ببطلانه – والحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى غير ذلك وقضي بأن التحقيق معيب ومخالف لما تقضي به المادة 85 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيقه – ويكون القرار المطعون فيه قد بني على تحقيق سليم.
ومن حيث إنه إذا كان الثابت أن الأوراق – موضوع مجازاة المدعي قد أثبت فيها موظفون عموميون، تعليقاً على ما تلقوه من المدعي من طلب أجازة، بياناتهم طبقاً للأوضاع القانونية كل في حدود اختصاصه وفي نطاق سلطته، فهي بهذه المثابة محررات إدارية رسمية أقر فحواها واشترك في تحريرها موظفون عموميون بما لهم من سلطة خولتهم إياها القوانين واللوائح، فإذا ما احتفظ المدعي بأصل هذه الأوراق، الفترة اللازمة حتى تمكن من تصويرها فوتوغرافياً فيكون قد خالف مضمون المادة 76 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ويكون الذنب الإداري قد وقع من المدعي وثبت في حقه وهو الذي استتبع توقيع الجزاء الإداري عليه بالخصم من مرتبه لمدة خمسة أيام، فيكون القرار المطعون فيه، والحالة هذه – قد صدر مطابقاً للقانون خالياً من أي عيب.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه – وقد ذهب غير هذا المذهب – يكون قد خرج عن مجال التعقيب القانوني الصحيح على القرار واتجه وجهة أخرى قوامها مراجعة الإدارة في وزنها لمناسبات القرار وملائمة إصداره، فأحل نفسه بذلك محلها فيما هو داخل في صميم اختصاصها وتقديرها، بذريعة أن الأسباب التي أخذت بها الإدارة لا تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها مع أن هذه الدعوى لا تستند إلى أي أساس سليم، لا من الواقع أو القانون، بل على العكس من ذلك قد كان وزن الإدارة لمناسبات قرارها وزناً معقولاً مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من الوقائع التي فصلتها بشأن ما قدرته خاصاً بحيازة المدعي لبعض المستندات وتصويره إياها وأن ذلك يشكل ذنباً إدارياً ولا ينتقص من هذا التقدير، صفة هذه الأوراق وكونها ذات أهمية أو أوراق عادية خصوصاً إذا ما أخذ في الاعتبار أن المدعي يعمل في مرفق ذي خطر هو مرفق الدفاع، يقتضي الأمر فيه اليقظة التامة وعدم السكوت عن أي فعل أو عمل ولو كان يبدو تافهاً حتى يكون المرفق في الوضع المرجو منه، وما قد يترتب على ذلك – في نظر الإدارة – من اضطراب العمل في المرفق، وهي صاحبة التقدير الأول والأخير في هذا الشأن، كما يجب التنبيه في هذا المقام إلى أنه ليس من حق القضاء الإداري أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى جهة الإدارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة إصدار القرار، ما دام هذا التقدير قد استخلص استخلاصاً سائغاً من الوقائع الثابتة في الأوراق وإلا كان في ذلك مصادرة للإدارة على تقديرها وغل ليدها عن مباشرة وظيفتها في الحدود الطبيعية التي تقتضيها هذه الوظيفة وما تستلزمه من حرية في وزن مناسبات القرارات التي تصدرها وتقدير ملاءمة إصدارها، ولا ينال من قرار الجزاء ما ساقه المدعي من وقائع خاصة بدعوى حرمانه من الأجازة الاعتيادية أو حرمانه من الأجر الإضافي عن عملية إنشاء وتركيب قوس النصر الخاص بالمصانع الحربية في مناسبة قيام الجمهورية العربية المتحدة في فبراير سنة 1958 أو نقله من رئاسة قسم الصيانة الميكانيكية وما اتخذ من تدابير لإرغامه على الاستقالة أو اضطهاده في العمل إلى غير ذلك مما تضمنته شكاويه ذلك أن ما يثيره في شكاويه يشكل موضوع دعاوى مستقلة لا ارتباط بينها وبين القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن تقديم المدعي صوراً فوتوغرافية لأوراق رسمية خاصة بالمصنع يكون المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادة 76 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 فضلاً عن المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادة 83 من ذلك القانون وهي الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها.
ومن حيث إن سبب القرار التأديبي بوجه عام هو إخلال الموظف بوجبات وظيفته أو إثباته عملاً من الأعمال المحرمة عليه، فكل موظف يخالف الواجبات التي تنص عليها القوانين أو القواعد التنظيمية العامة أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته، إنما يرتكب ذنباً إدارياً يسوغ تأديبه فتتجه نية الإدارة إلى توقيع جزاء عليه بحسب الأوضاع المقررة قانوناً وفي حدود النصاب المقرر.
ومن حيث إنه قد وضح أن الأسباب التي استندت إليها الهيئة العامة للمصانع الحربية في قرارها بتوقيع الجزاء المطعون فيه وهي أسباب قويمة تقوم على استخلاص سائغ من وقائع صحيحة لها أصل ثابت في الأوراق، ومن ثم فإن القرار يكون قد صدر سليماً مطابقاً للقانون ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء هذا القرار، قد بني على خطأ في تأويل القانون وتطبيقه فيتعين القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

عون فيه وهي أسباب قويمة تقوم على استخلاص سائغ من وقائع صحيحة لها أصل ثابت في الأوراق، ومن ثم فإن القرار يكون قد صدر سليماً مطابقاً للقانون ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء هذا القرار، قد بني على خطأ في تأويل القانون وتطبيقه فيتعين القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات