الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 2832 لسنة 32 ق – جلسة 21 /04 /1991 

مجلس الدولة – المكتب الفنى – مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون – العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1990 إلى آخر فبراير سنة 1991) – صـ 38


جلسة 21 من إبريل سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الاساتذة المستشارين/ فؤاد عبد العزيز عبد الله رجب وعبد المنعم عبد الغفار فتح الله وحنا ناشد مينا حنا ومحمد أمين المهدى العباسى وحسن حسنين على حسنين ومحمود عبد المنعم موافى ومحمد يسرى زين العابدين ويحيى السيد الغطريفى وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم ومحمد عبد الرحمن سلامة علام نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2832 لسنة 32 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة – تسوية حالة – الحاصلون على مؤهلات عليا أثناء الخدمة. الفقرتان الاولى والثالثة من المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 بتصحيح أوضاع العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام.
العامل الذى يحصل أثناء الخدمة على مؤهل عال قبل إجراء التسكين فى وظائف الجدول المعتمد من رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة له الحق فى أن تسوى حالته بنقله بفئته وأقدميته ومرتبه إذا كان أكبر من الفئة والمرتب اللذين يستحقهما طبقاً للفقرتين الأولى والثانية من المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 بتصحيح أوضاع العاملين وذلك إلى مجموعة الوظائف العالية غير التخصصية ما لم يكن بقاؤه فى مجموعته الوظيفية الاصلية أفضل له – لا مجال فى هذا الصدد للقول بأن نقل العامل فى هذه الحالة إلى مجموعة الوظائف العالية غير التخصصية هو أمر جوازى متروك تقديره لجهة الادارة – أساس ذلك: أن المشرع استخدم تعبيراً أمراً ينص على أن "ينقل العامل بفئته وأقدميته ومرتبه" ولم يستخدم ما يفيد الجواز والتخيير والتقدير لجهة الإدارة كما هو الحال فى نص المادة مكررا من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 – تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 3/ 7/ 1986 أودع الأستاذ محمد عبد المجيد الشاذلى المحامى بصفته وكيلاً عن السيد/ حمزة أنور حمزة الزهيرى – قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2832 لسنة 32 ق عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (دائرة التسويات ب) بجلسة 7/ 5/ 1986 فى الدعوى رقم 5928 لسنة 38 ق والقاضى برفض الدعوى وإلزام المدعى بالمصروفات. وطلب الطاعن – للاسباب المبينة تفصيلاً بتقرير الطعن – الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبأحقية الطاعن فى أن ينقل بفئته وأقدميته وراتبه إلى مجموعة الوظائف العالية غير التخصصية وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة المصروفات عن الدرجتين.
وقدم الأستاذ المستشار الدكتور البيومى محمد البيومى مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضى الدولة بالرأى القانون فى الطعن الذى ارتأت فى ختامه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام المدعى بالمصروفات.
ونظر الطعن أمام الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا على الوجه المبين بمحاضر جلساتها، وبعد أن حجزته للحكم لجلسة 14/ 1/ 1990 قررت إعادته إلى المرافعة وإحالته إلى دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا المشكلة بالهيئة المنصوص عليها فى المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة، وقد نظر الطعن أمام هذه الدائرة بجلسة 24/ 2/ 1990 وتدوول بجلساتها على الوجه المبين بالمحاضر، وقدم السيد الأستاذ المستشار مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضى الدولة فى الموضوع الذى ارتأت فيه – للأسباب المبينة بالتقرير الحكم – أولاً: بأحقية العامل الذى يحصل أثناء الخدمة على مؤهل عال قبل صدور قرار رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة باعتماد جداول التقييم والتوصيف فى الجهة التى يعمل بها ويكون قد بلغ فئة أعلى أو مرتباً أكبر من الفئة أو المرتب الذى يستحقه طبقا للأحكام التى تضمنتها المادة الرابعة من القانون رقم لسنة 1975 فى الإفادة من حكم الفقرة الثالثة من المادة الرابعة المشار إليها ذلك بفئته وأقدميته ومرتبه إلى مجموعة الوظائف العالية غير التخصصية. ثانياً: عدم أحقية العامل الذى يحصل على مؤهل عال أثناء الخدمة بعد صدور قرار رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة باعتماد جدول تقييم وتوصيف الوظائف فى الجهة التى يعمل بها فى الإفادة من حكم الفقرة الثالثة من المادة الرابعة المشار إليها متى كان جدول الوظائف ممولاً فى الميزانية. وبعد أن حجز الطعن للحكم لجلسة / / ومد أجل النطق به لجلسة / / أعيد للمرافعة لجلسة 10/ 3/ 1991 ثم حجز الحكم لجلسة اليوم 21/ 4/ 1991 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
وحيث إن وقائع المنازعة تتحصل حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الاوراق فى أن الطاعن أقام بتاريخ 28/ 6/ 1984 دعواه رقم 5928 لسنة 38 ق طالباً فى ختامها الحكم بأحقيته فى أن ينقل بالفئة المالية التى بلغها عند حصوله على مؤهله العالى وبذات أقدميته فيها وراتبه الذى بلغه فى هذا التاريخ إلى مجموعة الوظائف العالية التخصصية بمصلحة الجمارك وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية. وقال المدعى شرحاً لدعواه أنه حاصل على دبلوم التجارة الثانوية عام 1969 وعين بوظيفة مراجع بقطاع جمارك القاهرة فى 18/ 9/ 1969 بالفئة الثامنة المكتبية (180/ 360) ورقى إلى الفئة السابعة (240/ 780) فى 1/ 10/ 1975 وعدلت أقدميته فيها إلى 31/ 12/ 1974 طبقاً لأحكام القانون رقم 135 لسنة 1980، ثم نقل إلى الدرجة الثالثه المكتبية (240/ 780) بذات أقدميته فيها وأصبح شاغلاً للدرجة الثالثة من 31/ 12/ 1974 وذلك طبقاً للقانون رقم 47 لسنة 1978، وفى أكتوبر عام 1980 حصل على مؤهل عال (ليسانس آداب قسم فلسفة) أثناء الخدمة، فتقدم إلى مصلحة الجمارك طالباً نقله بفئته وأقدميته فيها بذات راتبه الذى وصل إليه إلى مجموعة الوظائف العالية غير التخصصية طبقاً للمادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 غير أن الجهة الإدارية أهملت طلبه مستندة فى ذلك إلى أن القرار الوزارى رقم 61/ 1979 الصادر من وزير المالية بتحديد المؤهلات الدراسية التى يجوز تعيين العاملين الحاصلين عليها بمصلحة الجمارك لم يتضمن ذكر مؤهل المدعى (ليسانس الآداب) من عداد المؤهلات الواردة به. ونعى المدعى على هذا القرار مخالفة القانون استناداً إلى أن نص الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 ورد بصيغة الأمر ولا مجال فيه للسلطة التقديرية كما ورد النص مطلقاً فلا يجوز تقييده. وبجلسة 7/ 5/ 1986 حكمت محكمة القضاء الإدارى برفض الدعوى، وأقامت قضاءها على أن مؤدى نص الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 بتصحيح أوضاع العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام أن العامل الذى يحصل أثناء الخدمة على المؤهل العالى قبل صدور قرار رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة باعتماد جداول التوصيف والتقييم فى الجهة التى يعمل بها ينشأ له الحق فى تسوية حالته وفقاً لحكم هذه الفقرة وذلك بنقله بفئته وأقدميته ومرتبه الذى بلغه وقت حصوله على المؤهل العالى إلى مجموعة الوظائف العالية غير التخصصية وذلك ما لم يكن بقاؤه فى مجموعته أفضل. وإذ كان الثابت أن المدعى حصل على ليسانس الآداب فى أكتوبر سنة 1980 أى بعد اعتماد جداول توصيف وتقييم وظائف مصلحة الجمارك فى 17/ 6/ 1980 فلا ينشأ له ثمة حق فى الإفادة من أحكام المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 سالفة الذكر. هذا فضلاً عن أن القرار الوزارى رقم 61 لسنة 1979 قد حدد المؤهلات الدراسية التى يجوز تعيين الحاصلين عليها بمصلحة الجمارك فقصرها على ليسانس الحقوق وبكالوريوس التجارة، ومن ثم لا يجوز تعيين حملة ليسانس الآداب بالمصلحة.
وإذ لم يرتض المدعى هذا الحكم فقد طعن عليه بالطعن الماثل ونعى عليه بالخطأ فى تطبيق القانون وتأويله للأسباب الآتية:
1 – أن ما استند إليه الحكم المطعون فيه من أن جداول توصيف وتقييم وترتيب الوظائف بمصلحة الجمارك قد اعتمدت من الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فى 17/ 6/ 1980 يناقض ما استندت إليه المحكمة ذاتها فى حكمها الصادر فى الدعوى رقم 5408 لسنة 38 ق من أن جداول توصيف وتقييم الوظائف بالمصلحة تم اعتماده فى 4/ 5/ 1982 وقد اضطردت أحكام تلك المحكمة على ذلك.
أن المعول عليه طبقاً لنص المادة الرابعة من مواد إصدار القانون رقم 11 لسنة 1975 هو تمام توصيف وتقييم وترتيب الوظائف، والمرجع فى ذلك إلى أحكام قرار رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة رقم 134 لسنة 1978 فى شأن المعايير اللازمه لترتيب الوظائف للعاملين المدنيين بالدولة. وقد جاء هذا القرار مفصلاً تلك الأحكام وآخرها نقل العاملين إلى الوظائف الواردة بجدول الوظائف المعتمدة، وبذلك فإن اعتماد الجداول ليس إلا خطوة من خطوات إتمام نظام توصيف وتقييم وترتيب الوظائف بمصلحة الجمارك. والثابت أن ميزانية مصلحة الجمارك حتى الآن لم تدرج بها الوظائف التى اعتمدها جدول التوصيف والتقييم وإنما وردت بها درجات مالية فحسب، بمعنى أن هذا الجدول لم ينفذ فى الموازنة ومن ثم لا يمكن الاعتداد به.
أن نص الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 المشار إليه هو نص آمر يفيد الحتم وليس فى أعماله مجال لسلطة تقديرية للوزير أو لغيره، ولم يتضمن تفويضاً لأحد فى تحديد مؤهلات بعينها يفيد أربابها من حكم تلك المادة.
وحيث إن المادة 54 مكررا من قانون مجلس الدولة تنص على أنه "إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر أحد الطعون أنه قد صدرت منها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها البعض أو رأت العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة صادرة من المحكمة الإدارية العليا، تعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة فى كل عام قضائى من أحد عشر مستشاراً برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم فالأقدم من نوابه….." ومن حيث إنه وفقاً لما استقر فى أحكام المحكمة الإدارية العليا منذ إنشائها سنة 1955 فإن قضاء محاكم مجلس الدولة هو قضاء مشروعية يقوم على مراقبة مشروعية وسلامة وصحة تصرفات الإدارة والتزامها بسيادة القانون وسواء تعلق النزاع بالطعن بالإلغاء فى قرار إدارى أو التعويض عن هذا القرار أو بتسوية مركز قانونى من المراكز التى تنشأ أو تعد أو تلغى بمقتضى أحكام القانون مباشرة أو كان بشأن تصرف قانونى يتعلق بأحد العقود الإدارية أو بغير ذلك من المنازعات الإدارية التى تختص بها محاكم مجلس الدولة باعتبارها صاحبة الاختصاص العام فى المنازعات الإدارية طبقاً لأحكام المادة من الدستور ووفقاً لأحكام القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن تنظيم مجلس الدولة ومن ثم فإن للمنازعة الإدارية طبيعتها العامة المتميزة التى تحتم رعاية لوحدة محلها وأثارها من جهة وحسن سير العدالة الإدارية من جهة أخرى وكون الفيصل فى شرعيتها يتوقف فى معظم الأحوال على مدى التزام الإدارة العامة لأحكام قانونية آمره لا محل فيها لتقدير الجهة الإدارية أو إذا منحتها سلطة تقديرية فى منح أو منع أو تعديل المراكز القانونية للأفراد فإن غاية ما تملك من اختيار فى هذا الشأن يتعين دائماً أن يكون الصالح العام وفى إطار سيادة الدستور والقانون الذى يتعين أن تلتزمه السلطة التنفيذية ومثلما تلتزمه السلطة القضائية والسلطة التشريعية، ومن ثم فإن المحكمة الإدارية العليا قد استقرت أحكامها على أن الطعن أمامها فى الأحكام التى تصدر فى أى منازعة ادارية يبسط رقابتها وولايتها على النزاع برمته دون تقيد بأسباب الطعن أو بموضوعه ما دام أن تحقيق رقابة المشروعية وسيادة الدستور والقانون تحتم شمول الرقابة القانونية والقضائية للمحكمة لجميع جوانب النزاع إعلاء للمشروعية وسيادة القانون وإذا كان ذلك صحيحاً وسليماً فى مجال ولاية دوائر المحكمة الإدارية فإنه يكون أصح وأولى بالإتباع فى مجال ولاية الدائرة الخاصة بتوحيد المبادئ فى هذه المحكمة التى أنشأها المشرع مستهدفاً ضمان عدم تعارض المبادئ القانونية التى تلتزم بها محاكم مجلس الدولة عند الفصل فى المنازعات الإدارية تحقيقاً للمساواة ولسيادة الدستور والقانون ضماناً لحسن سير العدالة وعدم اضطراب واختلاف المراكز القانونية للمتقاضيين باختلاف المحاكم والدوائر التى تنظر النزاع وتوحيداً للتفسير الصحيح لأحكام الدستور والقوانين واللوائح وإعلاء للمشروعية الموحدة الأسس والمبادئ، ومن ثم فإنه متى أحيل الطعن إلى هذه الهيئة بالتطبيق لنص المادة 54 مكرراً وهى قمة التشكيل القضائى بمجلس الدولة فإن منازعة الطعن برمتها تكون معروضة عليها وخاضعة لرقابتها القانونية الكاملة ولا يكون ثمة ما يمنع هذه الهيئة من الفصل فى الطعن بكامل أشطاره متى رأت وجهاً لذلك ما دام صالحاً للفصل ومهيأ للحكم فيه، كما يكون لها أن تقتصر فى حكمها على البت فى المسألة القانونية التى تكشف أوراق الدعوى والطعن أنها كانت محلاً لتناقض الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا أو فصلت فيها أحكام سابقة على وجه معين ويراد العدول عنها، ثم تحيل بعد ذلك الطعن إلى دائرة المحكمة الإدارية العليا المختصة لتفصل فى موضوع الطعن على هدى ما أصدرته هذه الهيئة من قضاء فى المسألة القانونية التى بتت فيها.
وحيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 بتصحيح أوضاع العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام تنص على أن "يعين اعتباراً من تاريخ نشر هذا القانون حملة المؤهلات المنصوص عليها فى المادة فى الفئات المالية وبالأقدمية الافتراضية المقررة لمؤهلاتهم، كما تحدد أقدمية من يعين بعد حصوله على مؤهل عال أو أى مؤهل آخر أعلى من مؤهله أثناء الخدمة فى الفئة المقررة لمؤهله طبقاً لأقدمية خريجى ذات الدفعة من حملة المؤهل الأعلى الحاصل عليه المعينون طبقاً لأحكام القانون رقم 85 لسنة 1983 المشار إليه وذلك ما لم تكن أقدميته أفضل. وإذا كان العامل قد بلغ اثناء الخدمة فئة أعلى أو مرتباً أكبر من الفئة أو المرتب الذى يستحقه طبقاً لأحكام السابقة ينقل بفئته وأقدميته ومرتبه إلى مجموعة الوظائف العالية غير التخصصية فى الجهة التى تلائم خبراته ما لم يكن بقاؤه فى مجموعته الوظيفية الأصلية أفضل له".
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه وتقرير الطعن وسائر الأوراق المقدمة فى الدعوى والطعن أن الغاية من قرار الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 14/ 1/ 1990 بإحالة الطعن الماثل إليها هو البت فى مسألتين قانونيتين يثيرهما حكم الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 وهما: أولاً – هل ينشأ للعامل الذى يحصل أثناء الخدمة على مؤهل عال – وكان قد بلغ فئة أعلى أو مرتباً أكبر من الفئة أو المرتب الذى يستحقه طبقاً لأحكام الفقرتين الأولى والثانية من المادة الرابعة المشار إليها مستحق ومستمدة مباشرة من حكم الفقرة الثالثة من هذه المادة فى أن ينقل بفئته وأقدميته ومرتبه إلى مجموعة الوظائف العالية غير التخصصية، أم أن ذلك يتوقف على تقدير جهة الإدارة.
ثانياً: تحديد المدى الزمنى لسريان حكم الفقرة الثالثة من المادة الرابعة المشار إليها والواقعة أو الإجراء الذى يتوقف بتحققه أعمال حكم هذه الفقرة.
وحيث إنه عن المسألة الأولى فإن البادى بجلاء من نص الفقرة الثالثة من المادة الرابعة سالفة الذكر أنه قد ورد بصيغة آمرة مؤداها أن العامل الذى يحصل أثناء الخدمة على مؤهل عال وكان قد بلغ فئة أعلى أو مرتباً أكبر من الفئة أو المرتب الذى يستحقه طبقاً للأحكام التى تضمنتها الفقرتان الأولى والثانية من المادة الرابعة المشار إليها، ينشأ له الحق فى تسوية حالته وفقاً لحكم الفقرة الثالثة وذلك بنقله بفئته ومرتبه الذى بلغه وقت حصوله على المؤهل العالى إلى مجموعة الوظائف العالية غير التخصصية وذلك ما لم يكن بقاؤه فى مجموعته الوظيفية أفضل، ولا مجال فى هذا الصدد للقول بأن نقل العامل – فى هذه الحالة – بحالته إلى مجموعة الوظائف العالية غير التخصصية، هو أمر جوازى متروك تقديره لجهة الإدارة استناداً إلى ما ذهبت إليه بعض الأحكام القضائية من أن هذا النقل هو فى حقيقته تعيين بالمؤهل الأعلى الذى حصل عليه العامل أثناء الخدمة يستصحب فيه حالته قبل التعيين، وإنما هو – ولا ريب – من قبيل تسوية الحالة التى يستمد العامل حقه فيهما من أحكام القانون مباشرة، فالمشرع قد استخدم تعبير آمر ينص على أن "ينقل بفئته وأقدميته ومرتبه……" ولم يستخدم ما يفيد الجواز والتخيير والتقدير لجهة الإدارة كما لم يستخدم إطلاقاً عبارة "يعين" للدلالة على مقصوده من النص، وتتأكد صحة هذا النظر بمقارنه نص الفقرة الثالثة من المادة الرابعة المشار إليها بنص المادة 25 مكرراً من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 التى تنص على أنه "مع مراعاة………. يجوز للسلطة المختصة تعيين العاملين الذين يحصلون أثناء الخدمة على مؤهلات أعلى لازمة لشغل الوظائف الحالية بالوحدة التى يعملون بها متى توافرت فيهم الشروط اللازمة لشغل هذه الوظائف……..".
ومن حيث إنه من المبادئ العامة المسلم بها فى تفسير أحكام القانون عدم الانحراف عن صريح عبارة النص أو تفسيره على نحو يتعارض مع عباراته الواضحة الصريحة والقاطعة الدلالة على المقصود منها إلى معان أخرى، وإلا كان ذلك افتئاتاً على إرادة المشرع وإحلال لإرادة المفسر قاضياً كان أو غيره محل السلطة التشريعية دون سند من الدستور أو القانون فلا اجتهاد مع صراحة النص التشريعى وقطعية دلالته على ما تقصده السلطة التشريعية من تقريره.
وحيث إنه عن المسألة الثانية فإنه لما كان الحكم الذى تضمنته الفقرة الثالثة من المادة الرابعة المشار إليها هو فى حقيقة الأمر من باب استمرار بتطبيق نظام تسعير الشهادات والمؤهلات الدراسية بصفة محددة ومؤقتة فى المجال الذى حدده النص وهو نظام شخصى يقوم على أساس الربط بين المؤهل والدرجة المالية التى يشغلها الموظف العام الذى يحصل عليه ومن ثم فإن سريان حكمها رهين باستمرار العمل بهذا النظام وإذا كان قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 يقوم على أساس نظام موضوعى قوامه توصيف الوظائف وتقييمها وترتيبها وبموجبه يتم الربط بين الوظيفة التى هى عبارة عن مجموعة من الواجبات والمسئوليات تحددها السلطة المختصة وتتطلب فيمن يشغلها مؤهلات واشتراطات معينة والدرجة المالية المقررة لها وفقاً للهيكل التنظيمى للوحدة الإدارية وجدول الوظائف المقرر لها، فمن ثم يتعين وقف أعمال حكم الفقرة الثالثة من المادة الرابعة المشار إليها من تاريخ وضع هذا النظام الموضوعى للتوظف موضع التطبيق والتنفيذ، ولا يتأتى ذلك إلا باستكمال كافة مراحل وإجراءات ترتيب الوظائف للعاملين المدنيين بالدولة وتطبيق الاحكام التى يقتضيها تنفيذه الصادر بها قرار رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة رقم 134 لسنة 1978 وبيان ذلك أن المادة 8 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 تنص على أن "تضع كل وحدة هيكلاً تنظيمياً لها……. وتضع كل وحدة جدولاً للوظائف مرفقاً به بطاقات وصف كل وظيفة وتحديد واجباتها ومسئولياتها والاشتراطات اللازم توافرها فيمن يشغلها وتصنيفها وترتيبها فى إحدى المجموعات النوعية وتقييمها بإحدى الدرجات المبينة بالجدول رقم الملحق بهذا القانون. كما يجوز إعادة تقييم وظائف كل وحدة. ويعتمد جدول الوظائف وبطاقات وصفها والقرارات الصادرة بإعادة تقييم الوظائف بقرار من رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة".
وتنص المادة 9 من القانون المذكور على أن "يصدر رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة القرارات المتضمنة للمعايير اللازمة لترتيب الوظائف والأحكام التى يقتضيها تنفيذه، ويدخل ضمن ذلك الحد الأدنى للخبرة المطلوبة لشغل الوظيفة الأدنى مباشرة" وتنفيذاً لذلك صدر قرار رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة رقم 134 لسنة 1978 بشأن المعايير اللازمة لترتيب الوظائف للعاملين المدنيين بالدولة والأحكام التى يقتضيها تنفيذه، وبعد أن أورد القرار فى الفصل الأول أحكام ترتيب وتوصيف وتقييم الوظائف، وفى الفصل الثانى تحديد وتعريف المجموعات النوعية التى تصف فيها الوظائف وفى الفصل الثالث تعريف الدرجات، وفى الفصل الرابع قواعد وإجراءات تسجيل وحفظ جداول الوظائف وأوصافها – وفى الفصل الخامس والأخير ينص على قواعد نقل العاملين إلى الوظائف الواردة بجداول الوظائف المعتمدة من الجهاز، فبينت المادة 9 من القرار تفصيلاً قواعد نقل العاملين إلى الوظائف المعادلة لوظائفهم الواردة بالجداول وأناطت ذلك بالسلطة المختصة فى الجهة الإدارية بعد العرض على لجنة شئون العاملين وهو ما جرى العمل على تسميته بتسكين العاملين على الوظائف المعتمدة.
ومؤدى ما تقدم أنه لا يكفى لوضع النظام الموضوعى للتوظف موضع التطبيق والتنفيذ بما يستتبعه ذلك من وقف سريان حكم الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 وسائر الأحكام الأخرى الخاصة بالنظام الشخص للتوظيف القائم على تسعير الشهادات والمؤهلات مجرد صدور قرار رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة باعتماد جداول توصيف وتقييم الوظائف للجهة الإدارية، بحسبان أن صدور هذا القرار لا يعدو أن يكون مجرد تقرير للجدول بإجراء تنظيمى فى الوحدة الإدارية ومرحلة من مراحل استكمال العمل بنظام توصيف وتقييم الوظائف بالجهة، وحيث إن الوظيفة العامة ليست مجرد تحديد وتنظيم الاختصاصات وأعمال يؤديها الموظف العام الذى يشغلها وإنما هى أيضاً وفى الغالبية العظمى من الوظائف العامة وبالذات فى الجهاز الإدارى للدولة والخاضع لنظام العاملين المدنيين بالدولة عبارة عن درجة مالية ومربوط مالى محدد مقرر يصرف منه لشاغلها أجرة مقابل أدائه لعملها وبالتالى فإن الوظيفة العامة ليست مجرد عمل واختصاص ومسئولية وإنما هى أيضاً درجة وفئة ومصرف مالى، وهى من هذا الوجه باعتبارها عملاً مأجوراً ينفق عليه من الباب الأول بالموازنة العامة للدولة وفقاً لنصوص الدستور والقانون المنظم للموازنة العامة وكذلك لقانون اعتماد الموازنة السنوية للدولة، ويتعين لوجودها الذى يتحقق به إمكان شغلها بالموظف العام أن يتحقق إنشاؤها وإدراجها كمصرف مالى فى الموازنة العامة للدولة بالجهة الإدارية التى يراد شغل الوظيفة بها ورد قرار التسكين أو التعيين أو النقل إلى الوظيفة على غير محل (المواد 115، 116، 117، 122) والمادتين 13، 14 من الدستور، والمواد 8، 9، 10، 12، 15، 17، 18، (20/ 5)، 23 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 والقانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة، القانون رقم 127 لسنة 1981 بشأن المحاسبة الحكومية.
وكان مثل هذا القرار معدوماً ويمثل صدوره مخالفة تأديبية ومالية تستوجب المسئولية التأديبية لصدوره وإعمالا لذلك فإن القرارات التى تصدر بشأن اعتماد رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة للجداول الخاصة بتوصيف الوظائف فى الوحدات الإدارية تنص صراحة على أن صدور هذا القرار ليس تمويلاً لهذه الوظائف وتنبيها للجهات الإدارية بأنه يتعين استكمال المراحل اللازمة لإيجاد الوظائف بالجدول المذكور من خلال توفير التمويل اللازم لها فى الموازنة العامة قبل التسكين عليها للعاملين الذين تتوفر فيهم اشتراطات شغلها وطبقاً للقواعد التى حددها نظام العاملين المدنيين بالدولة واللوائح الصادرة تنفيذاً له. ومن ثم فإن نظام توصيف وتقييم الوظائف بأية وحدة إدارية لا يستكمل مقومات نفاذه وتطبيق أحكامه إلا بعد تمويله لا مكان شغل العاملين (أى تسكينهم) فى الوظائف المعادلة الواردة بالجداول المعتمدة وفقاً للقواعد المنصوص عليها فى الفصل الخامس من قرار رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة رقم 134 لسنة 1978 المشار إليه، فإذا ما تم ذلك اندرجت العلاقة الوظيفية للعامل فى الجهة الإدارية التى تم فيها التمويل لجدول الوظائف المعتمد فى إطار أحكام النظام الموضوعى للتوظف وانتهى مجال أعمال أحكام النظام الشخصى ومن بينها حكم الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 سالفة الذكر وبات من المحتم عدم نقل أية وظيفة إلا بمن تتوافر فيه الاشتراطات التى حددها جدول الوظائف المعتمد وطبقاً للقواعد القانونية التى يحددها قانون العاملين واللوائح الصادرة تنفيذاً لأحكامه.
وحيث إن الطعن الماثل غير مهيأ للفصل فى موضوعه بكافة أشطاره، فمن ثم تكتفى الهيئة بحسم أمر الخلاف فى المسألتين القانونيتين المعروضتين عليها على النحو سالف الذكر وتعيد الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فى موضوعه.ه.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بأحقية العامل الذى يحصل أثناء الخدمة على مؤهل عال قبل اجراء التسكين فى وظائف الجدول المعتمد من رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة فى أن تسوى حالته بنقله بفئته وأقدميته ومرتبه إذا كان أكبر من الفئة والمرتب اللذين يستحقهما طبقاً للفقرتين الأولى والثانية من المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 بتصحيح أوضاع العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام، وذلك إلى مجموعة الوظائف العالية غير التخصصية ما لم يكن بقاؤه فى مجموعته الأصلية أفضل له.
وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فى موضوعه..

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات