الرئيسية الاقسام القوائم البحث

قاعدة رقم الطعن رقم 14 لسنة 16 قضائية “دستورية” – جلسة 15 /06 /1996 

أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء السابع
من أول يوليو 1995 حتى آخر يونيو 1996 – صـ 716

جلسة 15 يونيه سنة 1996

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ محمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على جبالى – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدى أنور صابر – أمين السر.

قاعدة رقم
القضية رقم 14 لسنة 16 قضائية "دستورية"

1- دعوى دستورية "شرط المصلحة الشخصية المباشرة: مؤداه"
مؤدى هذا الشرط هو ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم أم كان قد وقع فعلاً.
2- دعوى دستورية "انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة".
انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة إذا لم يكن النص المطعون فيه قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه.
3- المحكمة الدستورية العليا "ولايتها"
المحكمة الدستورية العليا لا تقتحم بممارسة ولايتها حدوداً تقع فى دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية.
4- المحكمة الدستورية العليا "رقابتها".
رقابة المحكمة الدستورية العليا يجب أن تدور وجوداً وعدماً مع تلك الأضرار التى تستقل بعناصرها ويمكن إدراكها.
5- دعوى دستورية "حقوق الآخرين".
لا يجوز أن يقيم المدعى دعواه الدستورية ليصون بها – وكأصل عام – حقوق الآخرين ومصالحهم.
6- دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة: مناطها"
مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى النزاع الموضوعى.
7- نصوص قانونية "تكاملها".
الأصل فى النصوص القانونية التى تنتظمها وحدة الموضوع، هو امتناع فصلها عن بعضها – اعتبارها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها وتتضافر معانيها.
8- الرقابة على الدستورية "مناطها".
مناط الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستورية القوانين واللوائح هو قيام تعارض بين نص قانون وحكم فى الدستور – لا شأن لها بالتناقض بين نصين قانونيين من مرتبة واحدة أو من مرتبتين مختلفتين.
9- دستور "لوائح تنفيذية".
الأصل فى اللوائح التنفيذية – وفقاً للدستور – أنها تفصل فى ما ورد إجمالاً فى نصوص القانون بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها.
10- تأمين اجتماعى "تشريع – قرار وزير التأمينات الاجتماعية رقم 74 لسنة 1988 بشأن التأمين على عمال المقاولات والمحاجر والملاحات: لائحة تنفيذية".
القرار المذكور إذ صدر إعمالاً للمادة 125 من قانون التأمين الاجتماعى ومفصلاً ما ورد بها إجمالاً، فإنه يتمحض تنظيما لائحيا صادرا فى الحدود المرسومة فى الدستور فى شأن اللوائح اللازمة لتنفيذ القانون.
11- عمال المقاولات "انعدام التوازن".
انتفاء التوازن غالباً بين عمال المقاولات وبين أرباب عملهم – لا تحكم علاقاتهم بهم مساواة اقتصادية يساومون على شروط العمل من خلالها.
12- عمال المقاولات "التحايل على حقيقة أجورهم – خدمات تأمينية".
مصلحة المقاولين ينافيها تقديمهم للهيئة القائمة على شئون التأمين الاجتماعى بياناً واقعياً بتكلفة العمل – تحايلهم على التخلص من أعبائهم التأمينية، يحملهم على الإخلال بوعائها من خلال التقرير بأجور أقل من تلك التى يدفعونها فعلاً للعمال الذين تعاقدوا معهم على تنفيذ المقاولة – كذلك إخفاء البيانات الصحيحة الأخرى عنهم – حيلولة ذلك دون انتفاع هؤلاء العمال بالخدمات التأمينية الواجب تقديمها لهم.
13- عمال المقاولات "تقدير المشرع حصة المقاول".
لم يكن أمام المشرع إزاء التجهيل بأجور عمال المقاولة، مع انتفاء الوسائل العملية التى يمكن بها رصدها سوى أن يتدخل بالأسس التى تبناها لتحديد الحصة التى يلتزم المقاول – بصفته رباً للعمل بتقديمها لجهة التأمين الاجتماعى.
14- تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية: مفاضلة بين البدائل".
قيام السلطة التقديرية للمشرع – فى جوهرها – على المفاضلة بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع معين لاختيار أنسبها لمصلحة الجماعة بافتراض اتصالها بالحقوق محل التنظيم.
15- عمال المقاولات "مقدار أجورهم".
اعتناق المشرع – إزاء تحايل المقاولين – معياراً مرناً للدلالة على مقدار أجور هؤلاء العمال – اعتداده بالقيمة الكلية للمقاولة مستقطعاً جزاء منها يكون معبراً عن الحد الأدنى لأجور العمال القائمين بتنفيذها – اعتبارها – من ثم – وعاء محدداً لحصة المقاولين عنهم فى التأمين الاجتماعى.
16- عمال المقاولات "تقدير أجورهم تشريعياً".
انتفاء الدليل على المغالاة فى التقدير التشريعى للقيمة الإجمالية لأجور العمالة – القيمة الكلية للمقاولة حددها المشرع وفق أسس موضوعية فى الوثائق الكاشفة عنها.
17- عمال المقاولات "القيمة الكلية للمقاولة: المنازعة فيها " – تشريع "القرار رقم 74 لسنة 1988".
المنازعة فى تقدير القيمة الكلية للمقاولة موكول إلى اللجنة الفنية لأعمال المقاولات المنصوص عليها فى القرار المشار إليه – المفترض أن تمحص هذه اللجنة الأسس التى قام عليها التقدير – جواز الطعن فى قرارها أمام القضاء.
18- عمال المقاولات "تقدير حصص المقاولين" – تشريع "القرار رقم 74 لسنة 1988. قاعدة موضوعية: حجيتها".
تقدير حصص المقاولين فى أعباء التأمين الاجتماعى على ما يقع غالباً فى الحياة العملية – المعايير التى اعتنقها القرار المذكور لتحديد هذه الحصص لا شأن لها بالقرائن القانونية – مردها قاعدة موضوعية غير مناقضة للدستور.
19- دستور – تأمين اجتماعى "غايته".
المزايا التأمينية – إعمالاً للدستور ضرورة اجتماعية بقدر ما هى ضرورة اقتصادية – غايتها تأمين المشمولين بها عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم – كفالة الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم.
20- عمال المقاولات "اعتبارهم مؤمن عليهم" – تشريع "القرار رقم 74 لسنة 1988".
العمال المخاطبون بأحكام هذا القرار مطالبون وجوباً بالانضمام إلى هذا النوع من التأمين – اعتبارهم مؤمناً عليهم يستحقون المزايا التأمينية المكفولة فى هذا القرار – حصص المقاولين تعتبر بديلاً عن التزاماتهم القانونية قبل عمالهم كلما قام سببها بتحقق الخطر المؤمن عليه.
21- عمال المقاولات "حصص المقاولين: مغايرة الضريبة" تشريع "القرار رقم 74 لسنة 1988".
توخى هذا القرار حمل المقاولين على الإسهام فى المزايا التأمينية الواجب كفالتها لعمالهم – حصص المقاولين تمثل جانباً من وعاء توجهه الدولة – التى تقوم فى التأمين الاجتماعى بدور المؤمن – إلى المشمولين بأحكامه، لضمان انتفاعهم بالحقوق التأمينية المقررة لتغاير بذلك الضريبة سواء فى أساسها أو بالنظر إلى دوافعها.
1، 2، 3- إن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو لذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى. ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً. فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها.
4، 5، 6- ولا يتصور بالتالى أن تكون الدعوى الدستورية أداء يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم، أو نافذة يعرضون من خلالها ألواناً من الصراع بعيداً عن مصالحهم الشخصية المباشرة، أو شكلاً للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإثباتها أو نفيها، بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها – التى كثيراً ما تؤثر فى حياة الأفراد وحرياتهم وأموالهم – بما يكفل فاعليتها. وشرط ذلك إعمالها عن بصر وبصيرة، فلا تقبل عليها اندفاعاً، ولا تعرض عنها تراخياً، ولا تقتحم بممارستها حدوداً تقع فى دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل يجب أن تكون رقابتها ملاذا اخيرا ونهائيا، وأن تدور وجوداً وعدماً مع تلك الأضرار التى تستقل بعناصرها، ويكون ممكناً إدراكها، لتكون لها ذاتيتها. ومن ثم يخرج من نطاقها ما يكون من الضرر متوهماً أو منتحلاً أو مجرداً in abstracto أو يقوم على الافتراض. ولا يجوز بالتالى أن يقيم المدعى دعواه الدستورية، ليصون بها – وكأصل عام – حقوق الآخرين ومصالحهم، بل ليكفل من خلالها إنفاذ تلك الحقوق التى تعود عليه فائدة حمايتها in concreto.
والتزاماً بهذا الإطار، جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا، على أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى النزاع الموضوعى.
7- الأصل فى النصوص القانونية التى تنتظمها وحدة الموضوع، هو امتناع فصلها عن بعضها، باعتبار أنها تكون فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، وتتضافر معاينها، وتتحد توجهاتها، ليكون نسيجاً متآلفاً؛ وكانت المادة الثالثة من القرار رقم 74 لسنة 1988 المطعون فيه التى تبين قواعد حساب الأجور التى يتم على أساسها حساب حصة صاحب العمل فى اشتراكات التأمين الاجتماعى فى شأن المقاولات التى أخضعها هذا القرار لأحكامه، تكملها مادته الرابعة التى تتعلق بالوعاء الذى تحسب على أساسه هذه الأجور؛ فإن أحكام هاتين المادتين ترتبطان فيما بينهما ارتباطاً لا يقبل التجزئة، ليدور طعن المدعية – وقد تناول هذه الأحكام ذاتها متوخياً هدمها – فى فلكها، ولتقوم بتحديها مصلحتها الشخصية المباشرة، ذلك أن تقرير صحتها أو بطلانها يؤثر بالضرورة فى النزاع الموضوعى القائم على عدم استحقاق الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لحصة المقاول التى اقتضتها جبراً إعمالاً من جانبها لأحكام القرار رقم 74 لسنة 1988 المطعون فيه.
ولا كذلك نص المادة 9 من هذا القرار التى لا تتعلق بالحصة التى يؤديها المقاول فى اشتراكات التأمين الاجتماعى، بل مدارها تلك التى يدفعها المؤمن عليه مباشرة إلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى. وهو ما يعنى أن إبطالها لن يحقق للمدعية – وباعتبارها رب عمل – أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزها القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه عند رفعها، مما يقتضى الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة إليها فى هذا الشق من دعواها.
8- الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستورية القوانين واللوائح، مناطها قيام تعارض بين نص قانونى وحكم فى الدستور، ولا شأن لها بالتناقض بين نصين قانونين، سواء جمعهما قانون واحد أم تفرقا بين قانونين مختلفين، أم كان واقعاً بين تشريعين من مرتبتين مختلفتين.
9، 10- ما تذهب إليه المدعية من أن القرار المطعون فيه جاوز حدود السلطة المخولة لوزير التأمينات فى إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ قانون التأمين الاجتماعى، مردود بأن الأصل فى اللوائح التى تصدر وفقاً لنص المادة 144 من الدستور، أنها تفصل ما ورد إجمالاً فى نصوص القانون بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها. وإذ تقضى الفقرة الأخيرة من المادة 125 من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 بأنه [ومع عدم الإخلال بالحد الأدنى لأجر الاشتراك الأساسى، يكون لوزير التأمينات الاجتماعية بقرار يصدره بناء على اقتراح مجلس الإدارة، أن يحدد أجر الاشتراك بالنسبة لبعض فئات المؤمن عليهم وطريقة حساب هذا الأجر وطريقة حساب الاشتراكات، وتاريخ بدء انتفاعهم بنظام المكافأة]؛ وكان القرار المطعون فيه قد صدر عن الوزير المختص فى شأن فئة من المؤمن عليهم، هم عمال المقاولات، مفصلاً – بالأحكام التى تضمنها – ما ورد إجمالاً بنص المادة 125 من قانون التأمين الاجتماعى؛ فإن هذا القرار يتمحض تنظيماً لائحياً صدر فى الحدود التى رسمتها المادة 144 من الدستور فى شأن اللوائح اللازمة لتنفيذ القانون.
11، 12- عمال المقاولات يمثلون فى الأعم من الأحوال، عمالة غير منتظمة، ويخضعون غالباً لشروط رب العمل مهما بلغ من تحيفها وعنتها، وهم يقبلونها عادة صاغرين ضماناً لقوتهم، فلا يهيمون على وجوههم مشردين لينتفى التوازن بينهم وبين أرباب علمهم، فلا تحكم علاقاتهم بهم مساواة اقتصادية يساومون على شروط العمل من خلالها.
ويزداد الأمر دقة مع وجود فائض للعمالة يكون فيه عرضها مجاوزاً طلبها، وكذلك فى غيبة تنظيم نقابى يناضل – عن طريق الضغوط التى يفرضها – من أجل صون حقوق العمال المنضمين إليه. هذا فضلاً عن أن المقاولين يمارون فى شأن حقيقة الأجور التى يتقاضاها عمالهم باعتبار أن مصلحتهم بنافيها أن يقدموا للهيئة التى تقوم على شئون التأمين الاجتماعى، بياناً دقيقاً بتكلفة العمل، ذلك أن أعباءهم التأمينية تتحدد على ضوء حصتهم التى يدفعونها إليها بعد خفضها إلى أدنى حد ممكن، بل والتحايل على التخلص منها، مما يحملهم على الإخلال بوعائها سواء من خلال التقرير بأجور أقل من تلك التى يدفعونها فعلاً للعمال الذين تعاقدوا معهم على تنفيذ المقاولة، أو بإخفاء حقائق بدئها وانتهائها، أو عن طريق الإيهام بأن المقاولة لا تقتضى إلا عدداً من العمال أقل من هؤلاء الذين قاموا عملاً بتنفيذها، ليكون إلباس الحقيقة غير ثوبها محوراً لبياناتهم، مما يناقض مصالح العمال، ويحول دون انتفاعهم بالخدمات التأمينية التى كان يجب تقديمها إليهم سواء فى أصلها أو نطاقها.
13، 14- إزاء التجهيل بأجور عمال المقاولة، والتحايل لإخفائها، أو تقرير غير حقيقتها مع انتفاء الوسائل العملية التى يمكن بها رصدها بلا زيادة أو نقصان – لم يكن أمام المشرع إلا أن يتدخل بالأحكام المطعون عليها ليحدد على ضوئها وبصورة واقعية – ومن خلال الأسس التى تبناها – الحصة التى يلتزم المقاول – بصفته رباً للعمل – بتقديمها إلى الهيئة التى ترعى شئون العمال فى مجال التأمين الاجتماعى. وهو ما يقع فى نطاق السلطة التقديرية للمشرع التى تقوم – فى جوهرها – على المفاضلة بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيها بينها على تنظيم موضوع معين لاختيار ما يكون – فى تقديره – انسبها لمصلحة الجماعة وأقربها للوفاء بمتطلباتها بافتراض مشروعيتها جميعاً واتصالها بالحقوق محل التنظيم.
15- يؤيد ذلك أن القيمة الكلية لأجور عمال المقاولة – التى تتحدد على ضوئها حصة من يستخدمونهم من المقاولين فى التأمين الاجتماعى – يتعذر ضبطها بما لا يحور من حقيقتها. وإذ كان المقاولون – فى أغلبهم – لا يعنيهم إيفاء حصتهم هذه، بل يحرصون على اجهاض وعائها ببياناتهم الصورية أو التى يخالطها التدليس، فقد كان منطقياً أن يرد المشرع سعيهم عليهم من خلال اعتناق معيار مرن يكون مؤشراً صادقاً على مقدار الأجور التى يتقاضاها هؤلاء العمال، فاعتد بالقيمة الكلية للمقاولة، مستقطعاً جزءاً منها يكون معبراً عن الحد الأدنى لأجور العمال الذين قاموا بتنفيذها، واعتبرها وعاء محدداً للمقاولين حصتهم فى التأمين الاجتماعى.
16- واقعية التقدير التشريعى للقيمة الإجمالية لأجور العمالة، يثبتها انتفاء الدليل على المغالاة فيها، ويؤكدها أن القيمة الكلية للمقاولة لا تتحدد اعتسافاً، بل وفق أسس موضوعية تتمثل فى الوثائق الكاشفة عنها، وهى الترخيص الصادر عن الجهة المختصة أو العقد أو أمر التشغيل أو المقايسات المعتمدة، على أن تتم مراجعتها على ضوء ختامى الأعمال، كى لا يدخل فيها إلا ما تم تنفيذه فعلاً منها.
كذلك فإن موضوعية هذا التقدير يشهد عليها ما ينص عليه البند من المادة الثالثة من القرار المطعون فيه التى تقضى بأنه فى حالة إسناد بعض عمليات المقاولة إلى مقاولين من الباطن، تخصم الاشتراكات المستحقة عن هذه العمليات من قيمة الاشتراكات المستحقة عن المقاولة. وليس لهذا القرار من شأن – وعلى ما تنص عليه المادة 15 – بالعمليات التى يقوم الدليل على طبيعتها وحجمها على أن تنفيذها تم بالعمالة الدائمة للمقاول.
17- الفصل فى النزاع حول القيمة الكلية للمقاولة إذا ثار الخلاف حول حقيقتها فيما بين أرباب الأعمال والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى؛ موكول إلى اللجنة الفنية لأعمال المقاولات المنصوص عليها فى المادة 19 من القرار المطعون فيه. ومن المفترض أن تمحص هذه اللجنة – التى عاملها المشرع بوصفها لجنة فض المنازعات المنصوص عليها فى المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعى – الأسس التى قام عليها ذلك التقدير، فلا تعتد بالقيمة الكلية للمقاولة على إطلاقها، بل يتعين أن تستبعد منها العمليات التى لا دخل للقوة العاملة فى إحداثها أو تكوينها، كقيمة المعدات والتوريدات المصنعة بالكامل وسابقة التجهيز التى تمثل جزءاً من أصول وعناصر المشروع محل المقاولة، وكذلك تكلفة الخبرة الأجنبية، ليكون قرارها فى شأن ذلك كله، كاشفاً عن النسبة المئوية التى يتعين حقاً اقتطاعها خصماً من القيمة الكلية للمقاولة، وهو بعد قرار يجوز الطعن فيه أمام القضاء، سواء من زاوية العناصر الواقعية التى استخلصها أو الضوابط القانونية التى طبقها.
18- إن تقدير حصص المقاولين فى أعباء التأمين الاجتماعى وفقاً لنص المادتين الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه – وهما مدار الطعن ومرماه – مبناه قاعدة موضوعية أقامها المشرع على ما يقع غالباً فى الحياة العملية، لينقلب بها ما هو راجح عملاً إلى حقائق ثابتة لا يجوز إطراحها فى حالة بذاتها، ذلك أن المشرع وإن اعتد فى صوغ القاعدة الموضوعية بما يكون واقعاً فى أكثر الأحوال وأعمها، إلا أن هذه القاعدة تستغرق علتها، فلا يجوز معارضتها بها بعد اندماجها فيها واختفائها. بما مؤداه أن المشرع يتقدم بتلك القاعدة مجردة عن سببها. وليس بالتالى أن تعود إلى الظهور من خلال التدليل على تخلفها فى حالة بذاتها. وبذلك تفارق القواعد الموضوعية القرائن القانونية التى ينشئها المشرع بمناسبة وقائع بذاتها إعفاء من اثباتها. ذلك أن القرائن القانونية – قاطعة كانت أم غير قاطعة – وإن كان مبناها ما يقع فى أكثر الأحوال وأغلبها مثلما هو الشأن فى القواعد الموضوعية – إلا أن القرائن جميعها – حتى ما كان منها قاطعاً – يجوز دحضها بالإقرار واليمين باعتبار أن علتها تلازمها ولا تفارقها، بل تقوم إلى جوارها. إذا كان ذلك، وكانت المعايير التى اعتنقها المادتان الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه لتحديد حصص المقاولين فى أعباء التأمين الاجتماعى، لا شأن لها بالقرائن القانونية، بل مردها إلى قاعدة موضوعية مستعصية على الجدل، ولا يناقض مضمونها حكماً فى الدستور، فإن هذه المعايير تظل مع مرونتها، مؤكدة لقاعدة ثابتة لا يجوز هدمها، ولو قام الدليل على تخلفها فى حالة بذاتها.
19- إن الدستور وإن حرص على دعم التأمين الاجتماعى حين ناط بالدولة مد خدماتها فى هذا المجال إلى المواطنين فى الحدود التى يبينها القانون، وذلك من خلال تقرير ما يعينهم على مواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى – التى يحدد المشرع نطاقها – هى التى تكفل بمداها واقعاً أفضل يؤمن المواطن فى غده، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع وفقاً لنص المادة 7 من الدستور. بما مؤداه أن المزايا التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هى ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها فى مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم.
20- ما ذهبت إليه المدعية من أن الحصص التى يؤديها المقاولون إلى الهيئة العامة القومية للتأمين الاجتماعى، تتمحض عن مزية لها ، تنفرد بها، وتعود إليها وحدتها غلتها، مردود بأن العمال المخاطبين بأحكام القرار المطعون فيه، مطالبون وجوباً وبالانضمام إلى هذا النوع من التأمين، ويعتبرون بذلك مؤمناً عليهم يستحقون المزايا التأمينية التى كفلها هذا القرار عند سدادهم لحصصهم فى اشتراكات التأمين الاجتماعى [المواد 5 و6 و7 و8 من القرار المطعون فيه] وليس إسهام المقاول مع المؤمن عليه فى أعباء هذا التأمين، إلا ضماناً للحقوق التأمينية التى يستأديها العمال من خلال توفير مصادر تمويلها، وعلى تقدير أن الحصص التى يقدمها المقاولون إلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، تعتبر بديلاً عن التزاماتهم القانونية قبل عمالهم كلما قام سببها بتحقيق الخطر المؤمن منه، سواء كان ذلك أثناء خدمتهم أو انتهائها.
21- توخى القرار المطعون فيه حمل المقاولين على الإسهام فى المزايا التأمينية التى ينبغى كفالتها لعمالهم، فلا يستغلهم هؤلاء انحرافاً بحجبها عنهم بهتاناً، أو الانتقاص منها عدواناً؛ وكانت الحصص التى تقتضيها الدولة من المقاولين، هى واسطتها أصلاً لإيفاء الحقوق التأمينية المقررة قانوناً لعمالهم، سواء أكان ذلك أثناء خدمتهم كالتعويض عن إصابتهم ورعايتهم طبياً، أم كان بعد انتهائها كتعويض الدفعة الواحدة؛ فإن إيفاء هذه الحصص ينفصل قانونا عن مفهوم الضريبة التى لا يجوز فرضها إلا بقانون أو فى الحدود التى يبينها بوصفها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من الملتزمين بأدائها دون أن يقابلها نفع خاص عليهم من وراء دفعها. يؤيد ذلك أن المقاولين لا يؤدون حصصهم تفضلاً، بل تعود عليهم ثمارها بطريق غير مباشر، باعتبار أن غايتها النهائية، هى أن تمتد مظلة التأمين الاجتماعى إلى هؤلاء العمال الذين قدموا إليهم من جهدهم وخبراتهم، ما أعانهم على تنفيذ المقاولة. ومن ثم تمثل حصص المقاولين جانباً من وعاء توجهه الدولة – التى تقوم فى التأمين الاجتماعى بدور المؤمن – إلى المشمولين بأحكامه، لضمان انتفاعهم بالحقوق التأمينية فى الحدود التى يبينها القانون، لتغاير بذلك الضريبة سواء فى أساسها أو بالنظر إلى دوافعها. بل إنها – فى مفهومها وغايتها – أدخل إلى النظم التى تقيم التعاون بين المؤمن عليهم على أسس دقيقة تتوخى مواجهة المخاطر التى يتعرضون لها، وتوقى أضرارها، من خلال توزيعها أو تشتيتها، وهى فى نطاق الطعن الماثل مخاطر لا يجوز إعفاء المقاولين من بعض تبعاتها، بل يكون تحملهم بها قبل عمالهم لازماً قانوناً، باعتبار أن تغطيتها أكفل لأمنهم وأدعى لاستفزازهم.


الإجراءات

بتاريخ 27 مارس سنة 1994، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبه الحكم بعدم دستورية قرار وزير التأمينات الاجتماعية رقم 74 الصادر فى 26/ 12/ 1988 بشأن التأمين على عمال المقاولات والمحاجر والملاحات.
وقدمت كل من هيئة قضايا الدولة، والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن الهيئة القومية لسكك حديد مصر، كانت قد أسندت إلى الشركة المدعية فى مناقضة عامة أعلنت عنها، عملية نظافة القطارات بحوش أبو غطاس ومحطة مصر، فأبرمت معها العقد 953/ 67/ 2، وسددت عنها اشتراكات التأمين الاجتماعى لمصلحة عمالها القائمين بهذه العملية خصماً من مستحقاتها لديها تنفيذاً لقرار وزير التأمينات الاجتماعية رقم 74 لسنة 1988 بشأن التأمين على عمال المقاولات والمحاجر والملاحات. وإذ لم تقبل الشركة هذا الخصم، فقد أقامت الدعوى رقم 634 لسنة 1993 مدنى كلى أمام محكمة جنوب القاهرة الابتدائية مختصمة فيها الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى طعناً على قرار لجنة فحص المنازعات بها، طالبة الحكم بإلزامها برد ما سبق خصمه من مستحقاتها لدى الهيئة القومية لسكك حديد مصر وفقاً لأحكام القرار رقم 74 لسنة 1988 المشار إليه.
وبجلسة 8/ 3/ 1994 دفع الحاضر عن الشركة المدعية بعدم دستورية هذا القرار. وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد أجلت نظر الدعوى إلى جلسة 29/ 3/ 1994، لتقديم الشركة المدعية ما يفيد إقامة الدعوى الدستورية، فأقامتها.
وحيث إن الشركة المدعية تقول بمخالفة القرار رقم 74 لسنة 1988 المطعون فيه للدستور من وجوه متعددة أولها: أنه انتزع عمال المقاولات من نطاق تطبيق قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، وأحالهم إلى نظام أخر يفتقر إلى مزايا هذا القانون، وليس له به من صلة، وهو ما يعد تجاوزاً لحدود السلطة المخولة لوزير التأمينات الاجتماعية بمقتضى نص المادة 144 من الدستور فى شأن إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القانون.
ثانيهما: أن الأصل المقرر بمقتضى المادة 40 من قانون التأمين الاجتماعى هو ألا يتحمل المؤمن عليه بنصيب فى نفقات التأمين إلا بناء على نص خاص، وهو ما لم يرد إلا فى المواد 17 و46 و72 و90 من هذا القانون. بيد أن المادة 95 من القرار المطعون فيه، نقضت هذا الأصل بإلزامها المؤمن عليه أن يؤدى بنفسه نقداً حصته فى اشتراكات التأمين الاجتماعى، مما يخل بالمساواة بين عمال المقاولات وغيرهم من المؤمن عليهم المشمولين بقانون التأمين الاجتماعى، إذ يلتزم رب العمل وفقاً لهذا القانون، بأن يؤدى عن عمال منشأته اشتراكاتهم فى هذا التأمين شاملة حصته مضافاً إليها الحصة التى يقتطعها من اجورهم. ومن شأن هذا التمييز، الإخلال بنص المادة 40 من الدستور.
ثالثها: أن نظام التأمين على عمال المقاولات وفقاً للقرار المطعون فيه، لا يعدو أن يكون نظاماً لجباية الأموال لاستناده إلى أسس غير واقعية تتمثل فى اتخاذه أساساً لحساب حصة رب العمل فى اشتراكات التأمين الاجتماعى، لا يتحدد على ضوء أجر العمالة الفعلية، بل بواقع نسبة مئوية من القيمة الكلية للمقاولة، ليتمحض بذلك عن فرض ضريبة لا يجوز إنشاؤها إلا بقانون.
وحيث إن المادة الثانية من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، لم تشترط لسريان أحكامه على عمال المقاولات – كما اشترطت بالنسبة إلى غيرهم من الخاضعين لقانون العمل – أن تكون علاقتهم برب العمل علاقة منتظمة، بل استثنتهم من هذا الشرط تقديراً من المشرع بان ما يغلب على علاقتهم بأرباب العمل فى نطاق المقاولات، هو عدم انتظامها. وما إسباغ نظام التأمين الاجتماعى عليهم إلا إنفاذاً لنص المادة 17 من الدستور التى تكفل للمواطنين جميعاً خدمات التأمين الاجتماعى والصحى ومعاشات العجز عن العمل، والبطالة والشيخوخة.
وحيث إن البين من قرار وزير التأمينات الاجتماعية رقم 74 لسنة 1988 بشأن التأمين على عمال المقاولات والمحار والملاحات، أنه يقضى فى مادته الأولى بأن تسرى أحكامه على العمال الموضحة مهنهم فى الجدول رقم المرفق، ومن بينهم عمال المقاولات الذين يرتبط عملهم بعملياتها، أياً كانت مدة العمل.
وبمقتضى مادته الثالثة، يكون حساب الأجور التى يتم على أساسها حساب حصة صاحب العمل فى اشتراكات التأمين الاجتماعى فى العمليات التى يتم التعاقد عليها اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القرار، على أساس نسبة مئوية من القيمة الكلية للمقاولة تتحدد وفقاً للجدول رقم 3 المرفق، وبمراعاة أنه فى حالة إسناد بعض عمليات من قيمة الاشتراكات المستحقة عن المقاولة. فإذا أسندت جميع عمليات المقاولة إلى مقاولين من الباطن، تعين ألا تقل الاشتراكات المستحقة عن مجموع العمليات الداخلة فى المقاولة عن قيمة الاشتراكات المستحقة على القيمة الكلية للمقاولة. ووفقاً لمادته الرابعة يعتد بالترخيص الصادر من الجهة المختصة أو العقد أو أمر التشغيل أو المقايسات المعتمدة بحسب الأحوال فى تحديد الوعاء الذى تحسب على أساسه الأجور التى يتم على أساسها حساب حصة العمل فى الاشتراكات ويراجع هذا التحديد على ختامى الأعمال . وتوجب مادته الحادية عشرة على المقاول إخطار مكتب الهيئة المختص الذى يقع فى دائرته محل المقاولة، عن كل مقاولة يقوم بتنفيذها قبل البدء فى التنفيذ، وكذلك بكل تغيير يطرأ على حجم المقاولة.
وعملاً بمادته الخامسة عشرة، لا تسرى أحكام هذا القرار فى شأن العمليات التى حددتها ويندرج تحتها العمليات التى ترى اللجنة المنصوص عليها فى المادة 19، أنها بحسب طبيعتها وحجمها، يتم تنفيذها بالعمالة الدائمة لصاحب العمل.
كما ناط هذا القرار باللجنة الفنية لأعمال المقاولات والمحاجر والملاحات المنصوص عليها فى المادة 19، مباشرة الاختصاصات التى نص عليها فى مادته العشرين، ومن بينها البت فى العمليات التى يثور بشأنها خلاف. وتعتبر اللجنة بالنسبة للعمليات التى يكون فيها الخلاف بين الهيئة وأصحاب الشأن، لجنة فض المنازعات المنصوص عليها فى المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعى.
وحيث إن شرط المصلحة الشخصية المباشرة، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية، وليس من معطياتها النظرية، أو تصوراتها المجردة، وهو لذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية، ويرسم تخوم ولايتها، فلا تمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو ببطلانها على النزاع الموضوعى. ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر وشيكاً يتهددهم، أم كان قد وقع فعلاً. فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه، أو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة. ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الصور جميعها، لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه عند رفعها.
ولا يتصور بالتالى أن تكون الدعوى الدستورية أداء يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم، أو نافذة يعرضون من خلالها ألواناً من الصراع بعيداً عن مصالحهم الشخصية المباشرة، أو شكلاً للحوار حول حقائق علمية يطرحونها لإثباتها أو نفيها، بل تباشر المحكمة الدستورية العليا ولايتها – التى كثيراً ما تؤثر فى حياة الأفراد وحرياتهم وأموالهم – بما يكفل فاعليتها. وشرط ذلك إعمالها عن بصر وبصيرة، فلا تقبل عليها اندفاعاً، ولا تعرض عنها تراخياً، ولا تقتحم بممارستها حدوداً تقع فى دائرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية. بل يجب أن تكون رقابتها ملاذاً أخيراً ونهائياً، وأن تدور وجوداً وعدماً مع تلك الأضرار التى تستقل بعناصرها، ويكون ممكناً إدراكها، لتكون لها ذاتيتها. ومن ثم يخرج من نطاقها ما يكون من الضرر متوهماً أو منتحلاً أو مجرداً in abstracto أو يقوم على الافتراض. ولا يجوز بالتالى أن يقيم المدعى دعواه الدستورية، ليصون بها – وكأصل عام – حقوق الآخرين ومصالحهم، بل ليكفل من خلالها إنفاذ تلك الحقوق التى تعود عليه فائدة حمايتها in concreto.
والتزاماً بهذا الإطار، جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا، على أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسائل الدستورية لازماً للفصل فى النزاع الموضوعى.
وحيث الأصل فى النصوص القانونية التى تنتظمها وحدة الموضوع، هو امتناع فصلها عن بعضها، باعتبار أنها تكون فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، وتتضافر معاينها، وتتحد توجهاتها، ليكون نسيجاً متآلفاً؛ وكانت المادة الثالثة من القرار رقم 74 لسنة 1988 المطعون فيه التى تبين قواعد حساب الأجور التى يتم على أساسها حساب حصة صاحب العمل فى اشتراكات التأمين الاجتماعى فى شأن المقاولات التى أخضعها هذا القرار لأحكامه، تكملها مادته الرابعة التى تتعلق بالوعاء الذى تحسب على أساسه هذه الأجور؛ فإن أحكام هاتين المادتين ترتبطان فيما بينهما ارتباطا لا يقبل التجزئة، ليدور طعن المدعية – وقد تناول هذه الأحكام ذاتها متوخياً هدمها – فى فلكها، ولتقوم بتحديها مصلحتها الشخصية المباشرة، ذلك أن تقرير صحتها أو بطلانها يؤثر بالضرورة فى النزاع الموضوعى القائم على عدم استحقاق الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى لحصة المقاول التى اقتضتها جبراً إعمالاً من جانبها لأحكام القرار رقم 74 لسنة 1988 المطعون فيه.
ولا كذلك نص المادة 9 من هذا القرار التى لا تتعلق بالحصة التى يؤديها المقاول فى اشتراكات التأمين الاجتماعى، بل مدارها تلك التى يدفعها المؤمن عليه مباشرة إلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، وهو ما يعنى أن إبطالها لن يحقق للمدعية – وباعتبارها رب عمل – أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزها القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية، عما كان عليه عند رفعها، مما يقتضى الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة إليها فى هذا الشق من دعواها.
ولا محل بالتالى للفصل فى التعارض المدعى به بين حكمها ونص المادة الرابعة من قانون التأمين الاجتماعى. فضلا عن أن الرقابة القضائية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا فى شأن دستورية القوانين واللوائح، مناطها قيام تعارض بين نص قانونى وحكم فى الدستور، ولا شأن لها بالتناقض بين نصين قانونين، سواء جمعهما قانون واحد أم تفرقا بين قانونين مختلفين، أم كان واقعاً بين تشريعين من مرتبتين مختلفتين.
وحيث إن ما تذهب إليه المدعية من أن القرار المطعون فيه جاوز حدود السلطة المخولة لوزير التأمينات فى إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ قانون التأمين الاجتماعى، مردود بأن الأصل فى اللوائح التى تصدر وفقاً لنص المادة 144 من الدستور، أنها تفصل ما ورد إجمالاً فى نصوص القانون بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها. وإذ تقضى الفقرة الأخيرة من المادة 125 من قانون التأمين الاجتماعى الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975 بأنه [ومع عدم الإخلال بالحد الأدنى لأجر الاشتراك الأساسى، يكون لوزير التأمينات الاجتماعية بقرار يصدره بناء على اقتراح مجلس الإدارة، أن يحدد أجر الاشتراك بالنسبة لبعض فئات المؤمن عليهم وطريقة حساب هذا الأجر وطريقة حساب الاشتراكات، وتاريخ بدء انتفاعهم بنظام المكافأة]؛ وكان القرار المطعون فيه قد صدر عن الوزير المختص فى شأن فئة من المؤمن عليهم، هم عمال المقاولات، مفصلاً – بالأحكام التى تضمنها – ما ورد إجمالاً بنص المادة 125 من قانون التأمين الاجتماعى؛ فإن هذا القرار يتمحض تنظيماً لائحياً صدر فى الحدود التى رسمتها المادة 144 من الدستور فى شأن اللوائح اللازمة لتنفيذ القانون.
وحيث إن المدعية، تنعى على القرار المطعون فيه – محدداً نطاقاً على ضوء أحكام مادتيه الثالثة والرابعة المرتبطتين ببعضهما على ما تقدم – إهداره للمادتين 17 و119 من الدستور، تأسيساً على أن الاشتراكات التى تقتضيها الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى من المقاولين، لا تقدر وفق الأجور الفعلية لعمالهم، بل على أساس نسبة مئوية من القيمة الإجمالية لمجموع العمليات الداخلة فى المقاولة، بعد استبعاد بعض العناصر منها. وليس ذلك من المشرع إلا تقديراً جزافياً لا يقوم على أسس واقعية، ينحل إلى ضريبة تم فرضها بغير قانون يبين أحكامها، لتظهر خصائص الجباية فى النصين المطعون عليهما اللذين توخيا مجرد إنماء الموارد المالية للدولة، دون خدمات تأمينية تؤديها لعمال المقاولات المؤمن عليهم، حال أن التأمين الاجتماعى لا يعدو أن يكون خدمة تلتزم الدولة بكفالتها.
وحيث إن هذا النعى مردود أولاً: بأن عمال المقاولات يمثلون فى الأعم من الأحوال، عمالة غير منتظمة، ويخضعون غالباً لشروط رب العمل مهما بلغ من تحيفها وعنتها، وهم يقبلونها عادة صاغرين ضماناً لقوتهم، فلا يهيمون على وجوههم مشردين لينتفى التوازن بينهم وبين أرباب علمهم، فلا تحكم علاقاتهم بهم مساواة اقتصادية يساومون على شروط العمل من خلالها.
ويزداد الأمر دقة مع وجود فائض للعمالة يكون فيه عرضها مجاوزاً طلبها، وكذلك فى غيبة تنظيم نقابى يناضل – عن طريق الضغوط التى يفرضها – من أجل صون حقوق العمال المنضمين إليه. هذا فضلاً عن أن المقاولين يمارون فى شأن حقيقة الأجور التى يتقاضاها عمالهم باعتبار أن مصلحتهم ينافيها أن يقدموا للهيئة التى تقوم على شئون التأمين الاجتماعى، بياناً دقيقاً بتكلفة العمل، ذلك أن أعباءهم التأمينية تتحدد على ضوء حصتهم التى يدفعونها إليها بعد خفضها إلى أدنى حد ممكن، بل والتحايل على التخلص منها، مما يحملهم على الإخلال بوعائها سواء من خلال التقرير بأجور أقل من تلك التى يدفعونها فعلاً للعمال الذين تعاقدوا معهم على تنفيذ المقاولة، أو بإخفاء حقائق بدئها وانتهائها، أو عن طريق الإيهام بأن المقاولة لا تقتضى إلا عدداً من العمال أقل من هؤلاء الذين قاموا عملاً بتنفيذها، ليكون إلباس الحقيقة غير ثوبها محوراً لبياناتهم، مما يناقض مصالح العمال، ويحول دون انتفاعهم بالخدمات التأمينية التى كان يجب تقديمها إليهم سواء فى أصلها أو نطاقها.
ولم يكن أمام المشرع – إزاء التجهيل بأجور عمال المقاولة، والتحايل لإخفائها، أو تقرير غير حقيقتها مع انتفاء الوسائل العملية التى يمكن بها رصدها بلا زيادة أو نقصان -إلا أن يتدخل بالأحكام المطعون عليها ليحدد على ضوئها وبصورة واقعية – ومن خلال الأسس التى تبناها – الحصة التى يلتزم المقاول – بصفته رباً للعمل – بتقديمها إلى الهيئة التى ترعى شئون العمال فى مجال التأمين الاجتماعى، وهو ما يقع فى نطاق السلطة التقديرية للمشرع التى تقوم – فى جوهرها – على المفاضلة بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيها بينها على تنظيم موضوع معين لاختيار ما يكون – فى تقديره – انسبها لمصلحة الجماعة وأقربها للوفاء بمتطلباتها بافتراض مشروعيتها جميعاً واتصالها بالحقوق محل التنظيم.
يؤيد ذلك أن القيمة الكلية لأجور عمال المقاولة – التى تتحدد على ضوئها حصة من يستخدمونهم من المقاولين فى التأمين الاجتماعى – يتعذر ضبطها بما لا يحور من حقيقتها. وإذ كان المقاولون – فى أغلبهم – لا يعنيهم إيفاء حصتهم هذه، بل يحرصون على إجهاض وعائها ببياناتهم الصورية أو التى يخالطها التدليس، فقد كان منطقياً أن يرد المشرع سعيهم عليهم من خلال اعتناق معيار مرن يكون مؤشراً صادقاً على مقدار الأجور التى يتقاضاها هؤلاء العمال، فاعتد بالقيمة الكلية للمقاولة، مستقطعاً جزءاً منها يكون معبراً عن الحد الأدنى لأجور العمال الذين قاموا بتنفيذها، واعتبرها وعاء مُحَدَّداً للمقاولين حصتهم فى التأمين الاجتماعى.
ومردود ثانياً: بأن واقعية التقدير التشريعى للقيمة الإجمالية لأجور العمالة، يثبتها انتفاء الدليل على المغالاة فيها، ويؤكدها أن القيمة الكلية للمقاولة لا تتحدد اعتسافاً، بل وفق أسس موضوعية تتمثل فى الوثائق الكاشفة عنها، وهى الترخيص الصادر عن الجهة المختصة أو العقد أو أمر التشغيل أو المقايسات المعتمدة، على أن تتم مراجعتها على ضوء ختامى الأعمال، كى لا يدخل فيها إلا ما تم تنفيذه فعلاً منها.
كذلك فإن موضوعية هذا التقدير يشهد عليها ما ينص عليه البند من المادة الثالثة من القرار المطعون فيه التى تقضى بأنه فى حالة إسناد بعض عمليات المقاولة إلى مقاولين من الباطن، تخصم الاشتراكات المستحقة عن هذه العمليات من قيمة الاشتراكات المستحقة عن المقاولة. وليس لهذا القرار من شأن – وعلى ما تنص عليه المادة 15 – بالعمليات التى يقوم الدليل على طبيعتها وحجمها على أن تنفيذها تم بالعمالة الدائمة للمقاول.
ومردود ثالثاً: بأن الفصل فى النزاع حول القيمة الكلية للمقاولة إذا ثار الخلاف حول حقيقتها فيما بين ارباب الأعمال والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، موكول إلى اللجنة الفنية لأعمال المقاولات المنصوص عليها فى المادة 19 من القرار المطعون فيه. ومن المفترض أن تمحص هذه اللجنة – التى عاملها المشرع بوصفها لجنة فض المنازعات المنصوص عليها فى المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعى – الأسس التى قام عليها ذلك التقدير، فلا تعتد بالقيمة الكلية للمقاولة على إطلاقها، بل يتعين أن تستبعد منها العمليات التى لا دخل للقوة العاملة فى إحداثها أو تكوينها، كقيمة المعدات والتوريدات المصنعة بالكامل وسابقة التجهيز التى تمثل جزءاً من أصول وعناصر المشروع محل المقاولة، وكذلك تكلفة الخبرة الأجنبية، ليكون قرارها فى شأن ذلك كله، كاشفاً عن النسبة المئوية التى يتعين حقاً اقتطاعها خصماً من القيمة الكلية للمقاولة. وهو بعد قرار يجوز الطعن فيه أمام القضاء، سواء من زاوية العناصر الواقعية التى استخلصها أو الضوابط القانونية التى طبقها.
وحيث إن تقدير حصص المقاولين فى أعباء التأمين الاجتماعى وفقاً لنص المادتين الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه – وهما مدار الطعن ومرماه – مبناه قاعدة موضوعية أقامها المشرع على ما يقع غالباً فى الحياة العملية، لينقلب بها ما هو راجح عملاً إلى حقائق ثابتة لا يجوز اطراحها فى حالة بذاتها، ذلك أن المشرع وإن اعتد فى صوغ القاعدة الموضوعية بما يكون واقعاً فى أكثر الأحوال وأعمها، إلا أن هذه القاعدة تستغرق علتها، فلا يجوز معارضتها بها بعد اندماجها فيها واختفائها. بما مؤداه أن المشرع يتقدم بتلك القاعدة مجردة عن سببها. وليس بالتالى أن تعود إلى الظهور من خلال التدليل على تخلفها فى حالة بذاتها. وبذلك تفارق القواعد الموضوعية القرائن القانونية التى ينشئها المشرع بمناسبة وقائع بذاتها إعفاء من إثباتها. ذلك أن القرائن القانونية – قاطعة كانت أم غير قاطعة – وإن كان مبناها ما يقع فى أكثر الأحوال وأغلبها مثلما هو الشأن فى القواعد الموضوعية – إلا أن القرائن جميعها – حتى ما كان منها قاطعاً – يجوز دحضها بالإقرار واليمين باعتبار أن علتها تلازمها ولا تفارقها، بل تقوم إلى جوارها. إذا كان ذلك، وكانت المعايير التى اعتنقها المادتان الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه لتحديد حصص المقاولين فى أعباء التأمين الاجتماعى، لا شأن لها بالقرائن القانونية، بل مردها إلى قاعدة موضوعية مستعصية على الجدل، ولا يناقض مضمونها حكماً فى الدستور، فإن هذه المعايير تظل مع مرونتها، مؤكدة لقاعدة ثابتة لا يجوز هدمها، ولو قام الدليل على تخلفها فى حالة بذاتها.
وحيث إن الدستور وإن حرص على دعم التأمين الاجتماعى حين ناط بالدولة مد خدماتها فى هذا المجال إلى المواطنين فى الحدود التى يبينها القانون، وذلك من خلال تقرير ما يعينهم على مواجهة بطالتهم أو عجزهم عن العمل أو شيخوختهم، فذلك لأن مظلة التأمين الاجتماعى – التى يحدد المشرع نطاقها – هى التى تكفل بمداها واقعاً أفضل يؤمن المواطن فى غده، وينهض بموجبات التضامن الاجتماعى التى يقوم عليها المجتمع وفقاً لنص المادة 7 من الدستور. بما مؤداه أن المزايا التأمينية ضرورة اجتماعية بقدر ما هى ضرورة اقتصادية، وأن غايتها أن تؤمن المشمولين بها فى مستقبل أيامهم عند تقاعدهم أو عجزهم أو مرضهم، وأن تكفل الحقوق المتفرعة عنها لأسرهم بعد وفاتهم.
وحيث إن ما ذهبت إليه المدعية من أن الحصص التى يؤديها المقاولون إلى الهيئة العامة القومية للتأمين الاجتماعى، تتمحض عن مزية لها ، تنفرد بها، وتعود إليها وحدتها غلتها، مردود بأن العمال المخاطبين بأحكام القرار المطعون فيه، مطالبون وجوباً بالانضمام إلى هذا النوع من التأمين، ويعتبرون بذلك مؤمناً عليهم يستحقون المزايا التأمينية التى كفلها هذا القرار عند سدادهم لحصصهم فى اشتراكات التأمين الاجتماعى [المواد 5 و6 و7 و8 من القرار المطعون فيه]. وليس إسهام المقاول مع المؤمن عليه فى أعباء هذا التأمين، إلا ضماناً للحقوق التأمينية التى يستأديها العمال من خلال توفير مصادر تمويلها، وعلى تقدير أن الحصص التى يقدمها المقاولون إلى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، تعتبر بديلاً عن التزاماتهم القانونية قبل عمالهم كلما قام سببها بتحقيق الخطر المؤمن منه، سواء كان ذلك أثناء خدمتهم أو انتهائها.
وحيث إن القرار المطعون فيه قد توخى حمل المقاولين على الإسهام فى المزايا التأمينية التى ينبغى كفالتها لعمالهم، فلا يستغلهم هؤلاء انحرافاً بحجبها عنهم بهتاناً، أو الانتقاص منها عدواناً؛ وكانت الحصص التى تقتضيها الدولة من المقاولين، هى واسطتها أصلاً لإيفاء الحقوق التأمينية المقررة قانوناً لعمالهم، سواء أكان ذلك أثناء خدمتهم كالتعويض عن إصابتهم ورعايتهم طبياً، أم كان بعد انتهائها كتعويض الدفعة الواحدة؛ فإن إيفاء هذه الحصص ينفصل قانونا عن مفهوم الضريبة التى لا يجوز فرضعا إلا بقانون أو فى الحدود التى يبينها بوصفها فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من الملتزمين بأدائها دون أن يقابلها نفع خاص عليهم من وراء دفعها. يؤيد ذلك أن المقاولين لا يؤدون حصصهم تفضلاً، بل تعود عليهم ثمارها بطريق غير مباشر، باعتبار أن غايتها النهائية، هى أن تمتد مظلة التأمين الاجتماعى إلى هؤلاء العمال الذين قدموا إليهم من جهدهم وخبراتهم، ما أعانهم على تنفيذ المقاولة. ومن ثم تمثل حصص المقاولين جانباً من وعاء توجهه الدولة – التى تقوم فى التأمين الاجتماعى بدور المؤمن – إلى المشمولين بأحكامه، لضمان انتفاعهم بالحقوق التأمينية فى الحدود التى يبينها القانون، لتغاير بذلك الضريبة سواء فى أساسها أو بالنظر إلى دوافعها. بل إنها – فى مفهومها وغايتها – أدخل إلى النظم التى تقيم التعاون بين المؤمن عليهم على أسس دقيقة تتوخى مواجهة المخاطر التى يتعرضون لها، وتوقى أضرارها، من خلال توزيعها أو تشتيتها، وهى فى نطاق الطعن الماثل مخاطر لا يجوز إعفاء المقاولين من بعض تبعاتها، بل يكون تحملهم بها قبل عمالهم لازماً قانوناً، باعتبار أن تغطيتها أكفل لأمنهم وأدعى لاستفرارهم.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكان النصان المطعون عليهما لا يتعارضان مع حكم الدستور من أوجه أخرى.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماه.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات