قاعدة رقم الطعن رقم 63 لسنة 17 قضائية “دستورية” – جلسة 04 /05 /1996
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء السابع
من أول يوليو 1995 حتى آخر يونيو 1996 – صـ 609
جلسة 4 مايو سنة 1996
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفى على الجبالى – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدى أنور صابر – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 63 لسنة 17 قضائية "دستورية"
– دعوى دستورية "حكم فيها من المحكمة العليا: حجية" – تطبيق "المادة
280 من لائحة المحاكم الشرعية".
قضاء المحكمة العليا – سواء كان قد انتهى إلى عدم دستورية النص المطعون فيه ومن ثم
بطلانه وزوال الآثار الناتجة عنه أم إلى دستوريته وبراءته بالتالى من المثالب الدستورية
جميعها وبقائه نافذاً فى الصورة التى أفرغها المشرع فيه – لا حجية مطلقة فى مواجهة
الكافة – اعتبارها بذاتها قولاً فصلاً لا يقبل تعقيباً. عدم قبول الدعوى بالطعن بعدم
دستورية المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية اعمالا للحجية المطلقة للحكم الصادر
من المحكمة العليا برفض الدعوى بعدم دستورية هذه المادة.
إن موضوع هذا الطعن برمته، سبق أن عرض على المحكمة العليا التى أصدرت فيه حكما برفض
الدعوى رقم 10 لسنة 5 ق دستورية بجلسة 3/ 4/ 1976، ونشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية
بتاريخ 29/ 7/ 1976، وأقيم ذلك الحكم على نظر حاصله، أن المادة 280 من لائحة ترتيب
المحاكم الشرعية لا تغلق باب الاجتهاد، بل إنها تنص على وجوب إصدار الأحكام – فيما
لا يرد فيه نص وضعى – وفقاً لأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة. وليس من شأن هذه المادة
منع المشرع من أن يستلهم من المذاهب الأربعة ومن غيرها ما يراه ملائماً لزمانه وبيئته،
باعتبار أن السياسة التشريعية تقتضى من المشرع أن يفتح باب الرحمة من الشريعة نفسها،
وأن يرجح إلى آراء العلماء لمعالجة الأمراض الاجتماعية كلما استعصى مرض منها، حتى يشعر
الناس بأن الشريعة مخرجاً من الضيق، هذا فضلاً عن أن تخير المشرع مذهباً دون مذهب أو
أرجح الأقوال فى مذهب من المذاهب، وإلزام القضاء التقيد به، هو من المسائل التى يترخص
فيها بسلطة تقديرية وفقاً لما يراه ملائماً لظروف المجتمع.
وقد جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا، على أن الفقرة الأولى من المادة الرابعة من
قانون المحكمة العليا الصادر بالقرار بقانون رقم 81 لسنة 1969، إذ نصت على أن تختص
المحكمة العليا دون غيرها بالفصل فى دستورية القوانين؛ وكانت المادة 31 من قانون الإجراءات
والرسوم أمام المحكمة العليا الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1970 تقضى بأن ينشر
فى الجريدة الرسمية منطوق الأحكام الصادرة من المحكمة العليا بالفصل فى دستورية القوانين،
وتكون هذه الأحكام ملزمة لجميع جهات القضاء؛ فإن هاتين المادتين تكونان قد قطعتا بأن
الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا فى الدعاوى الدستورية، لا يقتصر أثرها على من كان
طرفاً فيها من الخصوم، بل ينصرف هذا الأثر كذلك إلى الناس أجمعين، وإلى الدولة بمختف
تنظيماتها، بما فى ذلك جهات القضاء على تشعبها، وذلك سواء كانت هذه الأحكام قد انتهت
إلى عدم دستورية النص المطعون عليه، ومن ثم بطلانه وزوال الآثار الناتجة عنه أم إلى
دستوريته وبالتالى براءته من المثالب الدستورية جميعها، وبقائه نافذاً فى الصورة التى أفرغها المشرع فيه. ذلك أن الخصومة فى الدعاوى الدستورية – وهى عينية بطبيعتها – تنصب
على النصوص التشريعية ذاتها، تحرياً لموافقتها أو مخالفتها للدستور، هذا فضلاً على
أن الرقابة القضائية على دستورية النصوص التشريعية التى انفردت بها المحكمة العليا،
هى رقابة شاملة قوامها هذه النصوص ذاتها أياً كانت الجهة التى أقرتها أو أصدرتها، وتنبسط
إلى تجريدها من قوة نفاذها إذا ما قضى بعدم دستوريتها، أو إلى تقرير صحتها وانتفاء
موجبات إبطالها، فلا يعرقل سريانها فى مواجهة المخاطبين بها أى عائق.
متى كان ما تقدم، وكان قضاء المحكمة العليا فيما فصل فيه فى الدعوى رقم 10 لسنة 5 قضائية
دستورية المشار إليها، إنما يحوز حجية مطلقة فى مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة
بكامل سلطاتها، وعلى امتداد تنظيماتها المختلفة، وهى حجية تعتبر بذاتها قولاً فصلاً
لا يقبل تعقيبا، فإن الدعوى الدستورية الماثلة تكون غير مقبولة.
الإجراءات
بتاريخ 23 أكتوبر سنة 1995 أودعت صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة
طالبة الحكم بعدم دستورية المادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم
بقانون رقم 78 لسنة 1931.
قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فيها برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى. أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى
عليها الثانية كانت قد أقامت الدعوى رقم 36 لسنة 1995 أمام محكمة الدقى الجزئية للأحوال
الشخصية بطلب الحكم بإسقاط حضانة المدعية لصغيرها أحمد طارق شاكر وبأحقيتها فى حضانته،
وقد دفعت المدعية – أثناء نظر الدعوى الموضوعية – بعدم دستورية المادة 280 من لائحة
ترتيب المحاكم الشرعية، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع بعدم الدستورية فقد صرحت
لها برفع دعواها الدستورية، فأقامت الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعية تنعى على المادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 المشتمل على
لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المتعلقة بها، أن إيجابها صدور الأحكام طبقاً
لأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة دون سواه، إنما يقع مخالفاً لنص المادة الثانية من
الدستور التى تلزم السلطة التشريعية بالتقيد بمبادئ الشريعة الإسلامية فيما تقره من
القواعد القانونية، ويخل كذلك بنص المادة التاسعة من الدستور التى تقضى بأن الأسرة
أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية. كما يناقض نص المادة الحادية عشرة من
الدستور التى تنص على كفالة الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها فى المجتمع ومساواتها بالرجل فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية،
وذلك دون إخلال بأحكام الشريعة الاسلامية.
وحيث إن المادة 280 من اللائحة المشار إليها، تنص على أن تصدر الأحكام طبقاً للمدون
فى هذه اللائحة، ولأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة. ما عدا الأحوال التى ينص فيها قانون
المحاكم الشرعية على قواعد خاصة، فيجب فيها أن تصدر تلك الأحكام طبقاً لتلك القواعد.
وحيث إن موضوع هذا الطعن برمته، سبق أن عرض على المحكمة العليا التى أصدرت فيه حكماً
برفض الدعوى رقم 10 لسنة 5 ق دستورية بجلسة 3/ 4/ 1976، ونشر هذا الحكم بالجريدة الرسمية
بتاريخ 29/ 7/ 1976، وأقيم ذلك الحكم على نظر حاصله، أن المادة 280 من لائحة ترتيب
المحاكم الشرعية لا تغلق باب الاجتهاد، بل إنها تنص على وجوب إصدار الأحكام – فيما
لا يرد فيه نص وضعى – وفقاً لأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة. وليس من شأن هذه المادة
منع المشرع من أن يستلهم من المذاهب الأربعة ومن غيرها ما يراه ملائماً لزمانه وبيئته،
باعتبار أن السياسة التشريعية تقتضى من المشرع أن يفتح باب الرحمة من الشريعة نفسها،
وأن يرجح إلى آراء العلماء لمعالجة الأمراض الاجتماعية كلما استعصى مرض منها، حتى يشعر
الناس بأن الشريعة مخرجاً من الضيق، هذا فضلاً عن أن تخير المشرع مذهباً دون مذهب أو
أرجح الأقوال فى مذهب من المذاهب، وإلزام القضاء التقيد به، هو من المسائل التى يترخص
فيها بسلطة تقديرية وفقاً لما يراه ملائماً لظروف المجتمع.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن الفقرة الأولى من المادة الرابعه
من قانون المحكمة العليا الصادر بالقرار بقانون رقم 81 لسنة 1969، إذ نصت على أن تختص
المحكمة العليا دون غيرها بالفصل فى دستورية القوانين؛ وكانت المادة 31 من قانون الإجراءات
والرسوم أمام المحكمة العليا الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1970 تقضى بأن ينشر
فى الجريدة الرسمية منطوق الأحكام الصادرة من المحكمة العليا بالفصل فى دستورية القوانين،
وتكون هذه الأحكام ملزمة لجميع جهات القضاء؛ فإن هاتين المادتين تكونان قد قطعتا بأن
الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا فى الدعاوى الدستورية، لا يقتصر أثرها على من كان
طرفاً فيها من الخصوم، بل ينصرف هذا الأثر كذلك على الناس أجمعين، وإلى الدولة بمختف
تنظيماتها، بما فى ذلك جهات القضاء على تشبعها، وذلك سواء كانت هذه الأحكام قد انتهت
إلى عدم دستورية النص المطعون عليه، ومن ثم بطلانه وزوال الآثار الناتجة عنه أم إلى
دستوريته وبالتالى براءته من المثالب الدستورية جميعها، وبقائه نافذاً فى الصورة التى أفرغها المشرع فيه. ذلك أن الخصومة فى الدعوى الدستورية – وهى عينية بطبيعتها – تنصب
على النصوص التشريعية ذاتها، تحرياً لموافقتها أو مخالفتها للدستور، هذا فضلاً على
أن الرقابة القضائية على دستورية النصوص التشريعية التى انفردت بها المحكمة العليا،
هى رقابة شاملة قوامها هذه النصوص ذاتها أياً كانت الجهة التى أقرتها أو أصدرتها، ويمتد
نطاقها إلى تجريدها من قوة نفاذها إذا ما قضى بعدم دستوريتها، أو إلى تقرير صحتها وانتفاء
موجبات إبطالها، فلا يعرقل سريانها فى مواجهة المخاطبين بها أى عائق.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان قضاء المحكمة العليا فيما فصل فيه فى الدعوى رقم 10
لسنة 5 قضائية دستورية المشار إليها، إنما يحوز حجية مطلقة فى مواجهة الكافة، وبالنسبة
إلى الدولة بكامل سلطاتها، وعلى امتداد تنظيماتها المختلفة، وهى حجية تعتبر بذاتها
قولا فصلا لا يقبل تعقيبا، فإن الدعوى الدستورية الماثلة تكون غير مقبولة.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى وبمصادرة الكفالة، والزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
