الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1822 لسنة 36 ق – جلسة 05 /12 /1966 

أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الثالث – السنة 17 صـ 1214

جلسة 5 من ديسمبر سنة 1966

برياسة السيد المستشار/ حسين السركي نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: مختار رضوان، وجمال المرصفاوي، ومحمد محفوظ، وحسين سامح.


الطعن رقم 1822 لسنة 36 القضائية

(أ, ب, ج) أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
(أ) تمسك الدفاع عن الطاعن بطلب تحقيق واقعة إصابته. إطراح الحكم هذا الدفاع بقالة أن واقعة إصابة الطاعن مستقلة عن واقعة إصابة المجني عليه ولا شأن لها بها استنادا إلى أن النيابة العامة أمرت بنسخ صورة من الأوراق خصصتها للواقعة المذكورة. عدم كفاية ذلك لنفي قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس.
(ب) حق الدفاع الشرعي عن النفس شرع لرد أي اعتداء على نفس المدافع أو على نفس غيره.
(ج) حصول اعتداء بالفعل على النفس أو المال. غير لازم لقيام حالة الدفاع الشرعي. كفاية صدور فعل من المجني عليه يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي. لا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطرا حقيقيا في ذاته. يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره، مادام أن هذا الاعتقاد أو التصور مبنيا على أسباب معقولة.
تقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته. موضوعي.
1- متى كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن تمسك بطلب تحقيق واقعة إصابته، وكان الحكم قد استند في إطراحه لما أثاره الدفاع في خصوص هذه الواقعة إلى ما قاله من أنها واقعة مستقلة عن واقعة إصابة المجني عليه ولا شأن لها بها، دون أن يورد أسبابا تبرر ما استخلصه من ذلك سوى ما أشار إليه من أن النيابة العامة أمرت بنسخ صورة من الأوراق خصصتها للواقعة المذكورة، فإن هذا القول المقتضب من الحكم على إطلاقه لا يصلح سببا لإطراح ما أثاره الدفاع في هذا الخصوص، ولا يكفي لنفي قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس، ذلك بأن فصل واقعة إصابة الطاعن عن الواقعة المسندة إليه ليس من شأنه أن يحول دون تحقيق الدعوى برمتها – بما فيه الواقعة التي فصلت – على الوجه الذي يكفل استيفاء دفاع الطاعن، ومن حق المحكمة بل من واجبها أن تعرض لها بوصفها عنصر من عناصر الأدلة المعروضة عليها في صدد الحالة التي يدعيها الطاعن لتقول كلمتها في حقيقتها بما لا يتجاوز حاجيات الدعوى المطلوب من المحكمة الفصل فيها ولا خصوصياتها.
2- حق الدفاع الشرعي عن النفس شرع لرد اعتداء على نفس المدافع أو على نفس غيره.
3- الأصل أنه لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد حصل بالفعل اعتداء على النفس أو المال، بل يكفي أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي, ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطرا حقيقيا في ذاته بل بكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون هذا الاعتقاد أو التصور مبنيا على أسباب مقبولة، وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري يجب أن يتجه وجهة شخصية تراعى فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان ما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن تلك الملابسات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 9/ 7/ 1964 بدائرة مركز أبو كبير محافظة الشرقية: ضرب محمد أحمد شاهين عمدا فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها نتيجة الفقد العظمي الكامل في عظام الجدارية اليمنى والذي لا ينتظر أن يملأ بالعظام بل بنسيج ليفي مما يعرض المخ للتأثيرات الجوية والمؤثرات الطفيفة الأخرى التي ما كانت لتؤثر فيه وهو محمي بالعظام كما يجعل المصاب أكثر تعرضا للأمراض المخية السحائية والشلل والصرع والجنون وغيرها من المضاعفات الخطيرة المحتملة بنسبة 15%. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 240/ 1 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. وادعى المجني عليه مدنيا قبل المتهم بمبلغ 300 ج على سبيل التعويض مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضوريا في 12/ 4/ 1966 عملا بمواد الاتهام والمادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وبإلزامه بأن يدفع للمدعي المدني مبلغ مائة جنية على سبيل التعويض ومصروفات الدعوى المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.. الخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحداث عاهة مستديمة انطوى على إخلال بحق الدفاع وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الدفاع طلب من المحكمة تحقيق واقعة إصابة الطاعن لمعرفة ما إذا كان هو الذي بدأ بالعدوان أم كان معتدى عليه بما يجعله في حالة دفاع شرعي، وعلى الرغم مما أثبته الحكم من أن الطاعن أصيب بثلاث إصابات تضمنها التقرير الطبي إلا أن المحكمة لم تحقق سبب هذه الإصابات وصلتها بالحادث موضوع الاتهام وذهبت في تبرير إغفالها ذلك إلى أن هذه الواقعة مستقلة عن إصابة المجني عليه ولا شأن لها بها دون أن تورد في حكمها سندا يبرر هذا القول من جانبها، هذا إلى أن المحكمة قد أوردت في حكمها وقائع الدعوى بما يرشح لقيام حالة الدفاع الشرعي على اعتبار أن الطاعن كان يدافع عن ولديه دفاعا شرعيا، ولكنها انتهت إلى نفي حالة الدفاع استنادا إلى أنه لم يقع ثمة اعتداء على ولدى الطاعن وأن شجارهما مع جارهما لم يكن يعدو التماسك، في حين أن المستفاد مما أورده الحكم أن الطاعن كان في حالة تدعوه إلى الاعتقاد بوجود اعتداء على ولديه مما يبرر الدفاع، ومع ذلك فإن الحكم لم يدحض هذا الاعتقاد الذي توحي به الوقائع الواردة به، ومن ثم جاء معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أنه في حوالي ظهر يوم 9/ 7/ 1964 قامت مشاحنة بين الشحات وأحمد ولدى المتهم مصيلحي السيد عوض (الطاعن) وبين مصطفى عبادة بالحقل بناحية الحمارين أم عثمان التابعة لمركز أبو كبير محافظة الشرقية بسبب نزاع قام بينهما حول حفر المصرف المار بين أراضيهم وإذ سمع المجني عليه محمد أحمد شاهين بهذه المشاحنة أسرع إليها مع الناس وتدخل لفضها فحضر المتهم مصيلحي السيد عوض وبيده فأس ضرب بها المجني عليه على رأسه وكتفه الأيمن فأحدث به الإصابتين الموصوفتين بالتقريرين الطبيين الابتدائي والشرعي والتي تخلف لديه من جراء إحداهما وهى إصابة الرأس عاهة مستديمة يستحيل برؤها. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال المجني عليه وسائر شهود الإثبات ومما أثبته التقريران الطبيان الابتدائي والشرعي. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعن في دفاعه – مما يتصل بوجه الطعن – وأطرحه بقوله: "وطلب الدفاع عن المتهم الحكم ببراءته وقال إنه هو الذي حصل الاعتداء عليه وحدثت به إصابات عديدة وجسيمة ولم يتناول التحقيق موضوع هذا الاعتداء الحاصل عليه وما إذ كان هو البادئ بالاعتداء أم أن الاعتداء بدأ عليه وأنه من المقطوع به أن المتهم حضر قبل المجني عليه فإذا ما كان الاعتداء على الأول جسيما فلا تكون له القدرة بعد ذلك على ضرب المجني عليه بفأس. أما ما أثاره الدفاع حول إصابات المتهم وأنها جسيمة ولم يرفق بالأوراق التقرير الطبي الخاص به ووصفت بمعرفة البوليس والنيابة أنها جسيمة ولم يجر التحقيق بشأن ما إذا كان المتهم هو البادئ بالاعتداء أم غير ذلك فإن هذا الدفاع لا يجدي المتهم في شئ، ذلك أنه فضلا عن أن الثابت بالأوراق أنه بالكشف الطبي على المتهم…… وجد عنده جرحان رضيان بفروة الرأس فوق الجداريتين اليمنى واليسرى وجرح رضى بالرقبة وتقرر لعلاجه مدة أقل من عشرين يوما ومن الثابت كذلك أن النيابة العامة قد أمرت بشأن إصابة المتهم بنسخ صورة الأوراق وإفراد واقعة مستقلة عنها. فإن الواضح للمحكمة أن موضوع إصابة المتهم عبارة عن واقعة مستقلة لا شأن لها بإصابة المجني عليه ولا تجديه في الدفاع عن ارتكابه جريمة الاعتداء الأخير ذلك أنه علاوة على أن الواقعة كما استخلصتها المحكمة أخذا من أدلة الثبوت في الدعوى هى أن المتهم حضر وبيده فأس إلى مكان الشجار الذي كان بين ولديه وبين مصطفى عبادة وكان المجني عليه قد سبقه إلى مكان الحادث لفض هذا الشجار فبادره المتهم بالضرب بالفأس معتقدا أنه يتشاجر مع ولديه. والمتهم نفسه في أقواله الأولى بمحضر ضبط الواقعة قد قرر أنه ذهب إلى مكان الحادث فوجد الشجار بين ولديه وجاره المذكور فتدخل لفض هذا الشجار فعلى ذلك فإن الواقعة على هذه الصورة مع ثبوت أن ثمة اعتداء لم يحصل على ولدى المتهم ولم يكن تشاجرهما مع جارهما لا يعدو التماسك فإنه لا يكون للمتهم بعد ذلك أن يقول إن تدخله غنما يجعله في حالة دفاع شرعي لمنع اعتداء على ولديه". لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن تمسك بطلب تحقيق واقعة إصابته، وكان الحكم قد استند في اطراحه لما أثاره الدفاع في خصوص هذه الواقعة إلى ما قاله من أنها واقعة مستقلة عن واقعة إصابة المجني عليه ولا شأن لها بها، دون أن يورد أسباب تبرر ما استخلصه من ذلك سوى ما أشار إليه من أن النيابة العامة قد أمرت بنسخ صورة من الأوراق خصصتها للواقعة المذكورة، وكان هذا القول المقتضب من الحكم على إطلاقه لا يصلح سببا لاطراح ما أثاره الدفاع في هذا الخصوص ولا يكفي لنفي قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس، ذلك بأن فصل واقعة إصابة الطاعن عن الواقعة المسندة إليه ليس من شأنه أن يحول دون تحقيق الدعوى برمتها – بما فيه الواقعة التي فصلت – على الوجه الذي يكفل استيفاء دفاع الطاعن، ومن حق المحكمة بل من واجبها أن تعرض لها بوصفها عنصرا من عناصر الأدلة المعروضة عليها في صدد الحالة التي يدعيها الطاعن لتقول كلمتها في حقيقتها بما لا يتجاوز حاجيات الدعوى المطلوب من المحكمة الفصل فيها ولا خصوصياتها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة لم تستجل هذا الأمر وقضت بإدانة الطاعن دون أن تستظهر سبب إصابته وصلتهما بالاعتداء الذي أثبتت وقوعه منه، فإن الحكم يكون قد شابه غموض وقصور يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على حقيقة واقعة الدعوى. لما كان ذلك، وكان حق الدفاع الشرعي عن النفس قد شرع لرد أي اعتداء على نفس المدافع أو على نفس غيره، وكان الأصل أنه لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون قد حصل بالفعل اعتداء على النفس أو المال، بل يكفي أن يكون قد صدر من المجني عليه فعل يخشى منه المتهم وقوع جريمة من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي، ولا يلزم في الفعل المتخوف منه أن يكون خطرا حقيقيا في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره بشرط أن يكون هذا الاعتقاد أو التصور مبنيا على أسباب مقبولة، وتقدير ظروف الدفاع الشرعي ومقتضياته أمر اعتباري يجب أن يتجه وجهة شخصية تراعى فيها مختلف الظروف الدقيقة التي أحاطت بالمدافع وقت رد العدوان مما لا يصح معه محاسبته على مقتضى التفكير الهادئ البعيد عن تلك الملابسات. ولما كان مفاد ما أورده الحكم أن الطاعن ضرب المجني عليه بالفأس لاعتقاده أنه كان يعتدي على ولديه، وكان الحكم لم يتعرض لاستظهار مدى سلامة هذا الاعتقاد، وأثره في قيام أو عدم قيام حالة الدفاع الشرعي، فإن الحكم يكون مشوبا بالقصور أيضا من هذه الناحية. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات