الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 247 لسنة 43 ق – جلسة 11 /11 /1973 

أحكام النقض – المكتب الفنى – جنائى
العدد الثالث – السنة 24 – صـ 929

جلسة 11 من نوفمبر سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ جمال صادق المرصفاوى رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ نصر الدين حسن عزام، ومحمود كامل عطيفة، ومصطفى محمود الأسيوطى، ومحمد عادل مرزوق.


الطعن رقم 247 لسنة 43 القضائية

رشوة. جريمة. "أركانها". قانون. "تفسيره". قصد جنائى.
إيراد الشارع لمصطلح معين فى نص ما. وجوب صرفة لهذا المعنى فى كل نص آخر يرد فيه. جريمة المادة 19 مكرراً ثانياً عقوبات. جريمة مستحدثه ذات كيان خاص يغاير جريمة الوسيط فى الرشوة المنصوص عليها فى المادة 107 مكرراً عقوبات.
ما يلزم لقيام تلك الجريمة المستحدثة: إتيان الجانى فعله فى المهد الأول للرشوة وهو عليم بوجود حقيقى لموظف عام أو من حكمه، وبوجود عمل حقيقى أو مزعوم أو مبنى على اعتقاد خاطئ لهذا الموظف يراد منه أداؤه أو امتناع عنه، وبوجود حقيقى لصاحب حاجة لهذا العمل وأن تتجه إرادة الجانى فى الحقيقة وليس بمجرد الزعم إلى إتيان فعل عرض الرشوة أو قبول الوساطة فيها.
انصراف قصد المتهم إلى الاستئثار بالمبلغ لنفسه دون أن ينصرف قصده إلى الاتصال بالطرف الآخر المزمع إرشائه. ينتفى معه الركن المعنوى لجريمة المادة 109 مكرراً ثانياً عقوبات.
الأصل فى قواعد التفسير أن الشارع إذا ما أورد مصطلحاً معيناً فى نص ما لمعنى معين وجب صرفه لهذا المعنى فى كل نص آخر يرد فيه. ويؤخذ من وضوح عبارة المادة 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات وما كشفت عنه الأعمال التشريعية لهذه المادة، وإيرادها مع مثيلاتها فى باب بذاته من الكتاب الثانى – وهو الباب الثالث الخاص بالرشوة إنه وإن كانت الجريمة المستحدثة ذات كيان خاص، يغاير جريمة الوسيط فى الرشوة والمنصوص عليها فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات إلا أنه وقد قرن الشارع الأفعال المادية المكونة لها بجريمة الرشوة فإنه يلزم لقيام تلك الجريمة المستحدثة أن يأتى الجانى فعله فى المهد الأول للرشوة وهو عليم بوجود حقيقى لموظف عام أو من فى حكمه، وبوجود عمل حقيقى أو مزعوم أو مبنى على اعتقاد خاطئ لهذا الموظف يراد منه أداؤه أو الامتناع عنه، وبوجود حقيقى لصاحب حاجة لهذا العمل، ويلزم فوق ذلك أن تكون إرادة الجانى على هذا الأساس قد اتجهت فى الحقيقة وليس بمجرد الزعم إلى إتيان فعل عرض الرشوة أو قبول الوساطة فيها، ذلك بأنه لو أراد الشارع مد التأثيم فى هذه الجريمة إلى مجرد الزعم، لعمد إلى الافصاح عن ذلك فى صراحة – على غرار سنته فى المادة 104 مكرراً من تأثيم زعم الموظف أن العمل من أعمال وظيفته وليس يجوز القياس أو التوسع فى التفسير، لأنه فى مجال التأثيم محظور. لما كان ذلك، وكان الأمر المطعون فيه – الصادر من مستشار الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قد أثبت بما أورده من أدلة سائغة أن قصد المطعون ضدهما لم ينصرف البتة إلى الاتصال بالطرف الآخر المزمع إرشاؤه وأنهما إنما قصدا الاستئثار بالمبلغ لنفسيهما، بما ينتفى معه – فى صورة الدعوى – الركن المعنوى للجريمة المنصوص عليها فى المادة 109 مكررا ثانيا من قانون العقوبات، فإن الأمر المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما فى يوم 2 فبراير سنة 1967 بدائرة قسم الموسكى محافظة القاهرة: عرضا وقبلا الوساطة فى رشوة موظف عمومى ولم يتعد عملهما العرض أو القبول بأن عرضا على كل من رئيس رابطة العاملين بالهيئة المصرية العامة لاستغلال وتنمية الأراضى وأمين صندوقها الوساطة فى رشوة الموظف المختص بالبت فى صرف مكافأة نهاية الخدمة المستحقة لأعضاء الرابطة أنفة الذكر مقابل تسليم مبلغ تسعين جنيهاً قبض منها المتهم الأول أربعين جنيهاً حالة كونهما موظفين عموميين (المتهم الأول مراجع بالجهاز المركزى للمحاسبات والثانى كاتب بهيئة التنمية واستصلاح الأراضى). وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما عملاً بالمواد 103 و104 و109 مكررا ثانيا من قانون العقوبات، فقرر بتاريخ 17 ديسمبر سنة 1969 بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية.. فطعنت النيابة العامة فى هذا الأمر بطريق النقض فى 25 يناير سنة 1970 وقدم رئيسها تقريرا بأسباب طعنه فى التاريخ ذاته موقعاً عليه منه. وبتاريخ 2 نوفمبر سنة 1970 قضت هذه المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الأمر المطعون فيه واحالة القضية إلى مستشار الإحالة بمحكمة القاهرة الابتدائية للفصل فيها. فنظرت الدعوى من جديد وقضى بتاريخ 20 من أبريل سنة 1972 حضورياً للأول وغيابياً للثانى بأن لا وجه لإقامة الدعوى العمومية قبلهما. فطعنت النيابة العامة فى هذا الأمر بطريق النقض للمرة الثانية … إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الأمر المطعون فيه – الصادر من مستشار الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية – أنه قد أخطأ فى تطبيق القانون وفى تأويله، ذلك بأنه أقام قضاءه على عدم وجود مرتش حقيقى اتجهت نية المطعون ضدهما إلى الاتصال به، وإنما قد انصرف قصدهما إلى الاحتفاظ بالمبلغ لنفسيهما ويرجع خطأ الحكم إلى أنه فى مجال تحصيله أركان جريمة عرض أو قبول الوساطة فى رشوه والمنصوص عليها فى المادة 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات – قد خلط بينها وبين جريمة الوسيط المنصوص عليها فى المادة 107 مكرراً من القانون ذاته مع تميز كل من الجريمتين بذاتيه مستقلة، إذ تتحقق أولاهما بمجرد تقدم الجانى إلى صاحب الحاجة عارضاً عليه التوسط لمصلحته لدى الغير. وتوافر القصد الجنائى العام باتجاه إرادة الجانى إلى ارتكاب الفعل المادى للجريمة مع علمه بذلك دون استلزام انصراف الإرادة إلى الاتصال بالطرف الآخر الذى عرض الوساطة لديه أو حتى وجود هذا الطرف فى الواقع ودون البحث فيما إذا كان الجانى قد انتوى فى الواقع عرض ما تسلمه على الموظف أو الاحتفاظ به لنفسه.
وحيث إن الأمر المطعون فيه بعد أن ألمع إلى واقعة الاتهام، عرض لحكم القانون فى شأنها فى قوله "وحيث إن المادة 109 مكررا ثانيا من قانون العقوبات قد نصت على عقاب كل من عرض أو قبل الوساطة فى رشوة ولم يتعد عمله العرض أو القبول. وحيث إن المسلم به فقهاً وقضاء أن الوساطة كالسمسرة اتفاق تبعى موضوعه اتفاق أصلى يراد عقده بين راش حقيقى ومرتش حقيقى أى أنه لكى تتحقق فكرة الوساطة وتتوافر يجب أن يوجد شخص يراد حقيقة أن يقوم بدور الراشى وأن يوجد شخص يراد حقيقة أن يقوم بدور المرتشى، وأن يوجد شخص ثالث يريد أن يقوم حقيقة وفعلاً بدور الوسيط أو السمسار بين هذا وذاك وهو قاصد وجاد فى أن يتم الاتفاق بين هذين على الارشاء والارتشاء، فإذا لم يوجد شخص حقيقى يراد الاتصال به لإرشائه أو لأخذ الرشوة منه ولم يوجد لدى الشخص الثالث قصد العمل على إتمام الاتفاق بين راش ومرتش فلا تتوافر فكرة الوساطة على الاطلاق ولا يمكن أن يوجد قانوناً لا وساطة تامة ولا عرض وساطة كما أنه لو زعم الجانى أنه وسيط للمرتشى وحصل على رشوة بنية الاحتفاظ بها لنفسه، فهذا لا يخضع الوسيط لأحكام الرشوة بعد وقوعها قانوناً ذلك لعدم توفر القصد لدى المنسوب إليه الوساطة وهو السعى بقصد العمل على إتمام الاتفاق بين راش موجود وحقيقى. وحيث إنه يبين من كل ما تقدم أن العرض لا يكون عرضاً فى نص المادة 109 مكرراً ثانياً إلا إذا كان عرضاً جاداً حقيقياً، كذلك القبول لا يكون قبولاً إلا إذا كان قبولاً جاداً حقيقياً وهذا هو الشأن فى كل فعل من الأفعال المنصوص عليها فى مواد باب الرشوة وهو الشأن فى كل نصوص قانون العقوبات. أما الأفعال والمزاعم غير الجدية فلا يترتب عليها أحكام القانون لأنه لا يحفل بالعمل الصورى الهازل الخالى من الجد المجرد من الحقيقة. وحيث إنه بتطبيق تلك القواعد فى خصوصية واقعة الدعوى يتضح أن الاتهام الموجه ليس له سند من الواقع أو صحيح القانون إذ لم يثبت أن المتهم الأول – المطعون ضده الأول – قد أخذ المبلغ بقصد توصيله كله أو بعضه لشخص آخر وهو القصد الذى لابد من توافره لوجوده فكرة الوساطة ولعرض الوساطة لقبول الوساطة". وخلص الحكم قائلاً "إنه ليس هناك وجود حقيقى لشخص المرتشى وأن الصورة التى أخذت بها النيابة من أحاديث الشهود والمتهم قبل ضبطه إنما مردها الإيهام من الوسيط المتهم بوجود المرتشى بقصد الحصول على المبلغ لحسابه هو شخصياً ومن ثم تكون أركان الجريمة التى يتعين توفرها وعنتها المادة 109 مكرراً ثانياً عقوبات، غير قائمة وأن ما أتاه المتهمان لم يبلغ حد الكفاية ليخرج عن نطاق الكذب العادى".
وحيث إنه لما كانت المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات تنص على أنه "يعاقب الراشى والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشى ومع ذلك يعفى الراشى أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها" بينما المادة 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات المضافة بالقرار بالقانون رقم 112 لسنة 1957، والمعدلة بالقرار بالقانون رقم 120 لسنة 1962 الذى غلظ العقاب – تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضى بها قانون العقوبات أو أى قانون آخر يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من عرض أو قبل الوساطة فى رشوة ولم يتعد عمله العرض أو القبول، فإذا وقع ذلك من موظف عمومى فيعاقب الجانى بالعقوبة المنصوص عليها فى المادة 104 وإذا كان ذلك بقصد الوساطة لدى موظف عمومى يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها فى المادة 105 مكرراً". وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية للقرار بالقانون رقم 112 لسنة 1957 فى شأن المادة 109 مكرراً ثانياً ما نصه: "استحدث المشروع فى الباب الثالث من الكتاب الثانى الخاص بالرشوة جريمة جديدة بالمادة 109 مكرراً ثانياً وهى عرض أو قبول الوساطة فى جريمة من جرائم الرشوة. فقد دلت أحوال التطبيق أن ذلك الفعل يكون بمنجاة من العقاب إذا لم تتوافر فيه أركان جريمة أخرى فى القانون فرؤى تجريمه فى كل الصور لملاحقة جريمة الرشوة فى مهدها الأول". وقالت المذكرة الإيضاحية للقرار بالقانون رقم 120 لسنة 1962 "غلظت العقوبة الواردة فى المادة (109 مكرراً ثانياً) بشأن جريمة عرض الوساطة أو قبولها ملاحقة لجريمة الرشوة فى مهدها الأول كبحاً للدوافع التى تدعو لها وتمهد الطريق إليها، وحتى تلائم روح العهد وتحقق أهدافه بشأن القضاء على الفساد والإفساد. وقد لوحظ فى النص أنه يفرق فى العقوبة بين حالة الوساطة من فرد عادى لدى موظف عمومى وحالة الوساطة من موظف عمومى لدى آخر". لما كان ذلك، وكان الأصل فى قواعد التفسير أن الشارع إذا ما أورد مصطلحاً معيناً فى نص لمعنى معين وجب صرفه لهذا المعنى فى كل نص آخر يرد فيه، وكان يؤخذ من وضوح عبارة المادة 109 مكرراً ثانياً وما كشفت عنه الأعمال التشريعية لهذه المادة، وإيرادها مع مثيلاتها فى باب بذاته من الكتاب الثانى – وهو الباب الثالث الخاص بالرشوة أنه وإن كانت الجريمة المستحدثة ذات كيان خاص، يغاير جريمة الوسيط فى الرشوة والمنصوص عليها فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات، إذ تغيا الشارع من الجريمة المستحدثة تجريم الأفعال التى لا تجاوز عرض أو قبول الوساطة فى رشوة والتى لا تبلغ حد الاشتراك فى رشوة أو فى شروع فيها والتى لا يؤثمها نص المادة 109 مكرراً أو أى نص أخر، وذلك للقضاء على سماسرة الرشوة ودعاتها، إلا أنه وقد قرن الشارع الأفعال المادية المكونة لها بجريمة الرشوة بقوله "كل من عرض أو قبل الوساطة فى رشوة" فإنه لا قيام لهذه الجريمة المستحدثة إلا إذا كان عرض الوساطة أو قبولها إنما كان فى جريمة من جرائم الرشوة التى انتظمها وحدد عناصرها ومقوماتها ذلك الباب ما دام أن مدلول النص هو الإحالة بالضرورة – فى بيان المقصود بالرشوة وفى تحديد الأركان التى يلزم تحققها لقيام أية جريمة منها – إلى أحكام المادة 103 وما بعدها من قانون العقوبات. لما كان ذلك، فقد لزم لقيام تلك الجريمة المستحدثة أن يأتى الجانى فعله فى المهد الأول للرشوة وهو عليم بوجود حقيقى لموظف عام أو من فى حكمه، وبوجود عمل حقيقى أو مزعوم أو مبنى على اعتقاد خاطئ – لهذا الموظف يراد منه أداؤه أو الامتناع عنه، وبوجود حقيقى لصاحب حاجة لهذا العمل، ويلزم فوق ذلك أن تكون إرادة الجانى – على هذا الأساس – قد اتجهت فى الحقيقة وليس بمجرد الزعم إلى إتيان فعل عرض الرشوة أو قبول الوساطة فيها، ذلك بأنه لو أراد الشارع مد التأثيم فى هذه الجريمة إلى مجرد الزعم، لعمد إلى الإفصاح عن ذلك فى صراحة، على غرار سنته فى المادة 104 مكرراً من تأثيمه زعم الموظف أن العمل من أعمال وظيفته، وليس يجوز القياس أو التوسع فى التفسير، لأنه فى مجال التأثيم محظور. لما كان ذلك، وكان الأمر المطعون فيه قد أثبت بما أورده من أدلة سائغة، أن قصد المطعون ضدهما لم ينصرف البتة إلى الاتصال بالطرف الآخر المزمع إرشاؤه وأنهما إنما قصدا الاستئثار بالمبلغ لنفسيهما، بما ينتفى معه – فى صورة الدعوى – الركن المعنوى للجريمة المنصوص عليها فى المادة 109 مكررا ثانيا من قانون العقوبات، فإن الأمر المطعون فيه يكون قد اصاب صحيح القانون، ويكون الطعن متعين الرفض.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات