قاعدة رقم الطعن رقم 3 لسنة 8 قضائية “دستورية” – جلسة 01 /02 /1992
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الخامس
– المجلد الأول
من أول يوليو 1991 حتى آخر يونيو 1992 – صـ 142
جلسة أول فبراير سنة 1992
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد ابراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم ومحمد على عبد الواحد والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيرى – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ السيد عبد الحميد عماره – المفوض، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 3 لسنة 8 قضائية "دستورية"
1 – قضاة "تأديب – صلاحية".
عدم انسحاب ضمانات الدعوى التأديبية لرجال القضاء – المتعلقة بطبيعتها – إلى دعوى الصلاحية
أساس ذلك، مغايرة قانون السلطة القضائية بين نظامين لكل منهما مجاله وخصائصه وآثاره،
المساءلة التأديبية التى فصل أحكامها فى المواد من 99 إلى 110، والصلاحية لولاية القضاء
التى أفرد لها المادة 111 منه وبالتالى استحالة تطابقهما من كل الوجوه، وإلا فقد أحدهما
مغزاه، ولكان متعينا دمجها معا فى نظام واحد يكون بذاته نافيا لاستقلال كل منهما عن
الآخر.
2 – قضاة "تأديب – صلاحية".
الأصل على الدعوى التأديبية ألا تقام إلا عن تهمة محددة تظاهرها الادلة المؤيدة لها
– أثره: أن تكون إقامتها بناء على تحقيق جنائى أو إدارى (مادة/ 99/ من قانون السلطة
القضائية) كضمانة جوهرية غايتها الاستيثاق من كنه الوقائع وجدية الاتهام، وأن تشتمل
عريضة الدعوى على بيان التهمة والأدلة المؤيدة لها مادة/ 100 منه ولأن إسنادها إلى
شخص معين يتطلب أن يكون على بينة منها بما ينفى التجهيل بها – نقيض ذلك، دعوى الصلاحية
التى لا تقوم فى الأصل على تهمة محددة وإنما يجوز أن يؤسس مجلس الصلاحية قراره على
ما يتولد من الانطباع عن أفعال آتاها القاضى، وتناقلتها ألسن الناس، واستقر أمرها فى
وجدانهم كحقيقة تزعزع الثقة فيه وتنال من اعتباره، وبالتالى لا يرتبط حكم مجلس الصلاحية
لزما بواقعة معينة، بل يقوم عمل المجلس فى جوهره على تقييم لحالة القاضى فى مجموعها،
من حيث صلاحيته للاستمرار فى وظيفته القضائية.
3 – قضاة "شروط تولى القضاء: حمد السيرة حسن السمعة"، "نظام الصلاحية: أساسه".
حمد السيرة حسن السمعة – شرط لا ينفك عمن يولى منصب القضاء، بل يلازمه دوما ما بقى
قائما بأعبائه، فإذا ما انتفت صلاحيته للاستمرار فيه، تعين بقرار من مجلس الصلاحية
إحالته إلى المعاش، أو نقله إلى وظيفة أخرى بعيدا عن العمل القضائى.
4 – قضاة "نظام الصلاحية: معاييره".
الأمر المعتبر فى تقدير حالة القاضى هو النهج الذى احتذاه طريقا ثابتا فى مظاهر سلوكه
المختلفة، وبالتالى لا يتقيد تقدير مجلس الصلاحية للقيم التى التزمها، بفترة دون أخرى
ولا بواقعة دون غيرها، وإنما يقلب البصر فى الصورة المتكاملة لسمعته وسيرته، وما استقر
فى شأنها بطريقة التواتر ماضيا وحاضرا – أساس ذلك، أن عمل القاضى لا يقاس بغيره من
الموظفين العامين ولا هو يؤاخذ بالضوابط المعمول بها فى شأن واجباتهم الوظيفية، وإنما
يتعين أن تكون مقاييس سلوكه أكثر صرامة وأشد حزما، نأيا بالعمل القضائى عن الشبهات
ومواطن الريب التى تلقى ظلالا قاتمة على حيدته ونزاهته، وتتضاءل معها أو تنعدم الثقة
فى القائمين عليه، بما يستوجب الحكم بانتفاء صلاحية القاضى لولاية القضاء، وإبعاده
عن محيط العمل القضائى، إذا ما انزلق إلى أفعال كان ينبغى عليه تجنبها، صونا لهيبة
الوظيفة القضائية، وتوكيدا لسمو شأنها، وتوقيا للتعريض بها.
5 – قضاة "دعوى الصلاحية – مجلس الصلاحية: القاضى الطبيعى".
اتصال دعوى الصلاحية بالشروط التى يتطلبها القانون فيمن يولى القضاء وما يثار حول القاضى من أمور تمس السلطة القضائية فى صميمها وتعتبر من دخائلها – إسناد المشرع الفصل فى
هذه الدعوى إلى مجلس من قضاة هم على القمة من مدارج التنظيم القضائي، وبالتالى أكثر
خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية، وشئون القائمين عليها، وأعمق فهما للمقاييس الصارمة
التى يتعين أن يؤدى العمل القضائى فى إطارها وما يرتبط بالوظيفة القضائية من قيم رفيعة
ترد عنها كل تخرص أو شبهة تنال منها – مؤداه، أن مجلس الصلاحية هو القاضى الطبيعى بالنسبة
إلى دعوى الصلاحية، وألا مخالفة لحكم المادة 68 من الدستور.
6 – قضاة "صلاحية: أعمال قضائية" – حق الدفاع.
تشكيل مجلس الصلاحية لرجال الفضاء بأكمله من عناصر قضائية، وهيمنته على إجراءات الدعوى
إذا ما قرر سيرها، غير مقيد بطلبات وزير العدل فيها، بلا معقب عليه من أى جهة، واسناده
تحقيقا لموضوعها إلى حد أعضائه ما يراه لازما من أعمال التحقيق، وتخويله أو هذا العضو
استدعاء الشهود مزودا بالسلطة المقررة لمحاكم الجنح، وتمام الإجراءات التى يتخذها فى
مواجهة القاضى وعدم جواز الفصل فى الدعوى إلا بعد سماع أقوال النيابة العامة، واختتام
المرافعة بدفاعه، كذلك عدم جواز الحكم فى غيبته إلا بعد التحقق من صحة إعلانه، واشتمال
الحكم على الأسباب التى بنى عليها – مفاده، أن دعوى الصلاحية خصومة قضائية أسند المشرع
ولاية الفصل فيها إلى مجلس الصلاحية باعتباره جهة قضاء تباشر بصفة دائمة اختصاصاتها
ضمن اطار من الضمانات الرئيسية للتقاضى – قالة الإخلال بحق الدفاع الذى كفل الدستور
أصله فى لمادة 69 فقرة أولى منه، لا محل لها.
7 – قضاة "صلاحية: إعلان" – حق الدفاع.
ميعاد الثلاثة أيام الذى تنص المادة 111 من قانون السلطة القضائية على أن يدعو مجلس
الصلاحية العضو المحال إليه للحضور خلاله، لا يخل بحق العضو فى الدفاع إذ له الحضور
بشخصه أو تفويض أحد رجال القضاء من غير مستشارى النقض لابدائه، وسواء كان ذلك شفاهة
أو كتابة، كما لا يجوز الفصل فى الدعوى إلا بعد سماع دفاعه، أو بعد التحقق من صحة إعلانه
إن كان الحكم فى غيبته.
8 – قضاه "صلاحية" – حق التقاضى.
حظر المشرع الطعن فى أحكام مجلس الصلاحية لرجال القضاء، غير مخالف للدستور – أساس ذلك،
قصر التقاضى على درجة واحدة مما يستقل المشرع بتقديره.
9 – مبدأ المساواة "ماهيته – صور التمييز".
مبدأ المساواة لا يعنى معاملة فئات المواطنين على ما بينها من تباين فى مراكزها القانونية
معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم على معارضة صور التمييز جميعها – أساس ذلك، إن
من صور التمييز ما يستند إلى أسس موضوعية لا مخالفة فيها لنص المادة 40 من الدستور،
إذ التميز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميا، باعتبار أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارا للمصلحة العامة
التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من ورائه، فإذا كان النص التشريعى بما انطوى عليه من
التمييز مصادما لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها، أو إعتباره مدخلا إليها،
فإن التمييز يكون تحكميا وغير مستند إلى أسس موضوعية، ومجافيا ليص تلك المادة.
10 – قضاة "صلاحية" – مبدأ المساواة.
إفراد قانون السلطة القضائية دعوى الصلاحية بتنظيم خاص محددا قواعده وفق اسس موضوعية
لا تمييز فيها بين المخاطبين بها من رجال القضاء المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة
إليها، لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة، صونا للوظيفة القضائية، وما ينبغى أن
يتوافر من ثقة فى القائمين عليها – اعتبار هذا التنظيم مرتبطا بهذه المصالح المشروعة
ومحققا لها – لا إخلال بمبدأ المساواة.
1 – ضمانات الدعوى التأديبية، منها ما هو خاص بها لتعلقه بطبيعتها وانصرافها إلى الدعوى
التأديبية دون سواها، يفيد بالضرورة عدم انسحابها إلى دعوى الصلاحية التى لا تختلط
بالدعوى التأديبية ولا تعد فرعا منها، ذلك أن قانون السلطة القضائية قصد إلى المغايرة
بين نظامين لكل منهما مجال يعمل فيه، هما المساءلة التأديبية التى فصل أحكامها فى المواد
99 إلى 110 من هذا القانون، ونظام الصلاحية لولاية القضاء الذى أفرد له المادة 111
لينظم موضوعها، وإذ غاير المشرع بين هذين النظامين فى الخصائص والآثار، فإن تطابقهما
من كل الوجوه يغدو أمرا مستحيلا، وإلا فقد أحدهما مغزاه، ولكان متعينا دمجهما معا فى
نظام واحد يكون بذاته نافيا لاستقلال كل منهما عن الآخر.
2، 3، 4 – الأصل فى الدعوى التأديبية أنها لا تقام إلا عن تهمة محددة تظاهرها الأدلة
المؤيدة لها، ومن ثم يتعين أن تكون إقامتها – وعلى ما تنص عليه المادة 99 من قانون
السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 – بناء على تحقيق جنائى أو
ادارى، يتولاه أحد نواب رئيس محكمة النقض أن رئيس محكمة استئناف يندبه وزير العدل بالنسبة
إلى المستشارين، أو مستشار من إدارة التفتيش القضائى بالنسبة إلى الرؤساء بالمحاكم
الابتدائية وقضاتها، وبالتالى يكون التحقيق الجنائى أو الادارى الذى يتم إجراؤه قبل
إقامة الدعوى التأديبية وفقا لنص المادة 99 المشار إليها، ضمانة جوهرية غايتها الاستيثاق
مما اذا كانت الوقائع المنسوبة إلى القاضى لها معينها من الأوراق، وترقى بما لها من
خصائص إلى مرتبة التهمة المحددة التى يجوز أن تقام الدعوى التأديبية عنها. واستصحابا
لطبيعة الدعوى التأديبية، نص قانون السلطة القضائية فى المادة 100 منه على أن تكون
عريضتها مشتملة على بيان بالتهمة، والأدلة المؤيدة لها، باعتبار أن الدعوى التأديبية
لا يحوز رفعها إلا عن واقعة بذاتها أو وقائع محددة عناصرها تفصيلا، وبوصفها محل المؤاخذة
المسلكية، ولأن اسنادها إلى شخص بذاته يتطلب أن يكون على بينة منها بما ينفى التجهيل
بها، وتلك هى الغاية التى استهدفتها كذلك المادة 102 من القانون المشار اليه وذلك بإيجابها
أن تكون الدعوة الموجهة إلى القاضى للمثول أمام مجلس التأديب متضمنة بيانا كافيا لموضوع
الدعوى ولأدلة الاتهام المؤيدة لوقوع الجريمة التأديبية، وذلك إذا رأى هذا المجلس وجها
للسير فى إجراءات المحاكمة عن جميع التهم أو بعضها، والأمر على نقيض ذلك فى مجال دعوى
الصلاحية المغايرة فى الأساس الذى تقوم عليه للدعوى التأديبية، ولا تعتبر بالتالى من
طبيعتها أو تندرج تحت مفهومها، ذلك أن دعوى الصلاحية لا تقوم فى الأصل على تهمة محددة
جرى إسنادها إلى القاضى، وان صح الارتكان إلى الحكم الصادر فى شأنها لتقييم حالته على
ضوء الشروط التى يتطلبها المشرع فيمن يولى القضاء، ومن بينها أن يكون شاغل الوظيفة
القضائية محمود السيرة حسن السمعة، وهو شرط لا ينفك عنه، بل يلازمه دوما ما بقى قائما
بأعبائها، بحيث اذا انتفت صلاحيته للاستمرار فيها، تعين بقرار من مجلس الصلاحية إحالته
إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة أخرى بعيدا عن العمل القضائى، وليس لازما أن تكون عناصر
الواقعة الواحدة مؤيدة فى كل جزئياتها بالأدلة المثبتة بها، وإنما يجوز أن يؤسس مجلس
الصلاحية قراره على ما يتولد من الانطباع عن أفعال أتاها القاضى، وتناقلتها ألسن الناس
فى محيط اجتماعى معين، واستقر أمرها فى وجدانهم كحقيقة تزعزع الثقة فيه وتنال من اعتباره،
وبالتالى لا يرتبط قرار مجلس الصلاحية لزوما بواقعة معينة، بل يقوم عمل المجلس فى جوهره
على تقييم لحالة القاضى فى مجموعها من حيث صلاحيته للاستمرار فى وظيفته القضائية، وتنحل
دعوى الصلاحية بالتالى إلى دعوى أهلية يراعى عند الفصل فيها الاعتداد بالعناصر المختلفة
التى تتصل بهذا التقييم حتى ما كان منها متعلقا بحقبة ماضية، ذلك أن الأمر المعتبر
فى تقدير حالة القاضى هو النهج الذى احتذاه طريقا ثابتا فى مظاهر سلوكه المختلفة، ومن
ثم لا يتقيد تقدير مجلس الصلاحية للقيم التى التزمها بفترة معين دون أخرى، ولا بواقعة
دون غيرها، وإنما يقلب البصر فى الصورة المتكاملة لسمعته وسيرته، وما استقر فى شأنها
بطريق التواتر ماضيا وحاضرا، ذلك أن علم القاضى لا يقاس بغيره من الموظفين العامين،
ولا هو يؤاخذ بالضوابط المعمول بها فى شأن واجباتهم الوظيفية، وانما يتعين أن تكون
مقاييس سلوكه أكثر صرامة وأشد حزما، نأيا بالعمل القضائى عن أن تحيطه الشبهات، أو تكتنفه
مواطن الريب التى تلقى بذاتها ظلالا قاتمة على حيدته ونزاهته، وتتضاءل معها أو تنعدم
الثقة فى القائمين عليه بما يستوجب الحكم بانتفاء صلاحية القاضى لولاية القضاء وإبعاده
عن محيط العمل القضائى إذا ما انزلق إلى أفعال كان ينبغى عليه أن يتجنبها صونا لهيبة
الوظيفة الفضائية، وتوكيدا لسمو شأنها، وتوقيا للتعريض بها إذا لابستها عوامل تنتقص
من كرامتها، أو داخلتها المآخذ التى لا يطمأن معها إلى الالتزام بقيمها الرفيعة.
5 – لما كان المشرع قد ناط بالمجلس المنصوص عليه فى المادة 98 من قانون السلطة القضائية،
الفصل فى دعوى الصلاحية بمراعاة الأحكام التى خصها بها بمقتضى المادة 111 من هذا القانون،
وفى اطار الضمانات الجوهريه المنصوص عليها فى المواد 104، 105، 106، 107 منه، وكان
مؤدى النصوص المتقدمة مجتمعة – أن الاختصاص بالفصل على دعوى الصلاحية موكول إلى سبعة
من رجال القضاء، هم بطبيعة مراكزهم وأقدمياتهم على القمة من مدارج التنظيم القضائى،
وبالتالى أكثر خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية وشئون القائمين عليها، وأعمق فهما
للمقاييس الصارمة التى يتعين أن يؤدى العمل القضائى فى اطارها، وأنفذ إلى الضوابط الكامنة
فى طبيعة الوظيفة القضائية، وما يرتبط بها من القيم الرفيعة التى ترد عنه كل تخرص أو
شبهة تنال منها، ومن ثم يكون مجلس الصلاحية – وعلى ضوء تلك الحقائق – مهيأ أكثر من
غيره للفصل فى نزاع قد يؤول إلى ابعاد القاضى عن تولى مهام الوظيفة الفضائية، وهو نزاع
يتصل مباشرة بالشروط التى يتطلبها القانون فيمن يولى القضاء، والمعتبرة من الشئون المتصلة
بجوهر الوظيفة القضائية، لارتباطها بالقائمين عليها، وكيفية النهوض بمتطلباتها. إذ
كان ذلك، وكان المشرع – إعمالا للتفويض المخول له بمقتضى المادة 167 من الدستور فى
شأن تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها – قد أسند الفصل فى دعوى
الصلاحية الى قضاة من بين رجال السلطة القضائية يكونون أكثر إحاطة بها، وأقدر على مواجهتها
بحكم مواقعهم العليا فى التنظيم القضائى، هم هؤلاء الذين يتكون منهم مجلس الصلاحية،
فإن إقامة هذا المجلس على شئون تلك الدعوى لا يتضمن خروجا على نص المادة 67 من الدستور،
إذ هو قاضيها الطبيعى بالنسبة إلى من يحالون اليه من رجال السلطة القضائية لما أثير
حولهم من أمور تمس السلطة القضائية فى صميمها وتعتبر من دخائلها.
6، 7، 8 – إن المشرع قد أفرد مجلس الصلاحية بتنظيم خاص عهد اليه بمقتضاه ولاية الفصل
"بصفة قضائية" فى الدعوى المتعلقة بها. وتتحدد ملامح هذا التنظيم فى تشكيل مجلس الصلاحية
بأكمله من عناصر قضائية، وقيامه دون غيره على شئون دعوى الصلاحية، وهيمنته على إجراءاتها
اذا ما قرر السير فيها، فإذا بان له من الاطلاع على أوراقها أن موجبات رفعها إليه منتفية،
غض النظر عنها غير مقيد فى ذلك بطلب الاحالة إلى المعاش أو النقل إلى وظيفة غير قضائية
المرفوع اليه من وزير العدل، اذ لا ينال هذا الطلب – وبه تقام دعوى الصلاحية – من السلطة
المطلقة التى يملكها المجلس بصدده بلا معقب عليه من أى جهة. وكلما رأى مجلس الصلاحية
محلا للسير فى إجراءاتها، اعتبر ذلك افتتاحا للخصومة يؤذن بالبدء فى تحقيق موضوعها
، وفى سبيل ذلك اختص المشرع مجلس الصلاحية بالحق فى أن يعهد إلى أحد اعضائه باجراء
ما يراه لازما من أعمال التحقيق التى يستظهر بها وجه الحقيقة، أو تلقى ضوءا على بعض
جوانبها، انطلاقا من أن التحقيق الذى تجريه المحكمة أو الهيئة القضائية التى خولها
المشرع سلطة الحكم فى الدعوى هو الذى يكفل التوصل إلى الحقيقة الراجحة التى يقيم عليها
الحكم قضاءه. وبلوغا لهذه الغاية خول المشرع مجلس الصلاحية، وكذلك من يندبه لأعمال
التحقيق، حق استدعاء الشهود لسماع أقوالهم اذا كان من شأنها إيضاح بعض الوقائع التى
غمض أمرها، وتجلية وجه الخفاء فيها، مزودا فى ذلك بالسلطة المخولة لمحاكم الجنح، كذلك
فان الأصل فى الاجراءات التى يتخذها المجلس هو أنها تتم فى مواجهة القاضى المرفوعة
عليه الدعوى، فلا يجوز للمجلس أن يحكم فى غيبته الا بعد التحقق من صحة اعلانه. ولئن
نص القانون على أن يدعو مجلس الصلاحية العضو المحال اليه للحضور امامه بميعاد ثلاثة
أيام – وهو ميعاد قصير نسبيا – إلا أن ذلك لا يخل بحقه فى الدفاع عن وجهة نظره وابدائها
كاملة أمام المجلس، سواء استجاب إلى الدعوة الموجهة اليه وحضر بشخصه لدحض الوقائع المنسوبة
اليه، أم فوض فى الدفاع عنه أحد رجال القضاء من غير مستشارى محكمة النقض، بما مؤداه
ضمان حقه فى الدفاع بالأصالة أو الوكالة، شفاهة أو كتابة، وتوكيدا لهذه الضمانة ذاتها،
حرص المشرع على أن يخول مجلس الصلاحية الحق فى أن يطلب من العضو المحال اليه الحضور
بشخصه اذا قدر ضرورة ذلك لاستيضاح بعض النقاط المثارة فى الدعوى، أو التى تتصل بها
كى يكون الحكم فيها صادرا عن بصر وبصيرة دالا على أنه احاط بجوانبها المختلفة. وتعزيزا
لضمانة الدفاع، لا يجوز لمجلس الصلاحية أن يفصل فى الدعوى المتعلقة بها الا بعد سماع
أقوال النيابة العامة ودفاع العضو المرفوعة عليه الدعوى، على أن يكون هذا العضو آخر
من يتكلم، بما يعنيه ذلك من ضمان حقه فى الرد تعقيبا على كل واقعة نسبتها اليه النيابة
العامة أو كشفت عنها الأوراق، وتفنيدا لأقوال الشهود توصلا إلى اطراحها. كذلك فان ما
قرره المشرع من عدم جواز الحكم فى غيبته الا بعد التحقق من صحة اعلانه يمثل ضمانة قصد
بها – بالاضافة إلى مواجهته بكل ما قدم ضده من الادلة – أن يقف مجلس الصلاحية على حقيقة
الأمر فى شأن صلاحيته للعمل القضائى، وهو ما يفيد لزوما تقصيه لكل واقعة جرى إسنادها
اليه كى ينزلها المنزلة التى يستحقها، ويكون عقيدته على ضوء ما ينتهى اليه بشأنها،
ومن ثم فان قالة الإخلال بحق المدعى فى الدفاع – الذى كفل الدستور أصله بالفقرة الأولى
من المادة 69 منه – لا يكون لها محل. وعلى ضوء الأحكام السالف بيانها تتمحض دعوى الصلاحية
عن خصومة قضائية أسند المشرع الفصل فيها إلى مجلس الصلاحية المشكل من عناصر قضائية
صرفة، وذلك باعتباره جهة قضاء تباشر بصفة دائمة اختصاصاتها المنصوص عليها فى قانون
السلطة القضائية طبقا للمادة 111منه، وضمن اطار من الضمانات الرئيسية للتقاضى التى
كفلها المشرع للعضو المرفوعة عليه الدعوى، وأخصها تكليفه الحضور أمام هذا المجلس لمواجهة
ما أسند إليه، وتمكينه من إبداء دفاعه وسماع أقواله وتحقيقها، ومقابلتها بطلبات النيابة
العامة وأقوال الشهود ليتخذ مجلس الصلاحية على ضوء جماع العناصر المطروحة فى الدعوى
قرارا قضائيا حاسما للخصومة محددا به وفقا للقانون خاتمتها، سواء برفض الدعوى أو بإبعاد
العضو عن محيط العمل القضائى، وفى كل ذلك يتعين أن يكون هذا القرار القضائى مشتملا
على الأسباب التى بنى عليها كى يكون له مأخذه من الأوراق وحكم القانون. واذ حظر المشرع
الطعن فى هذا القرار الذى لا يعدو أن يكون حكما بمعنى الكلمة، فقد دل بذلك على اتجاه
إرادته إلى قصر التقاضى فى المسائل التى فصل فيها هذا الحكم على درجة واحدة، وهو ما
يستقل المشرع بتقديره فى إطار سلطته فى مجال تنظيم الحقوق وبمراعاة ما يقتضيه الصالح
العام.
9 – مبدأ المساواة فى الحقوق بين المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على
ما بينها من تباين فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا
المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية،
ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة 40 من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنها بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميا، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته
بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى
تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فاذا كان النص التشريعى المطعون عليه – بما أنطوى عليه
من التمييز – مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره مدخلا إليها،
فإن التمييز يكون تحكميا، وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية ومجافيا لنص المادة 40
المشار إليها.
10 – أفرد قانون السلطة القضائية دعوى الصلاحية بذلك التنظيم الخاص محدداً قواعده وفق
أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزا من أى نوع بين المخاطبين بها من رجال السلطة
القضائية المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة اليها، وكان قصر هذا التنظيم عليهم قد
تقرر لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة صونا للوظيفة القضائية، وتوكيدا لما ينبغى أن يتوافر من الثقة فى القائمين عليها، وتلك جميعها مصالح مشروعة يعتبر هذا التنظيم
مرتبطا بها ومحققا لها، فان قالة الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون بينهم وبين غيرهم
من المواطنين، تكون فاقدة لاساسها حرية بالرفض.
الإجراءات
بتاريخ 6 فبراير سنة 1986 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب
المحكمة طالبا الحكم بعدم دستورية المادة 111 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار
بقانون رقم 46 لسنة 1972 فيما تضمنته من عدم جواز الطعن فى القرار الصادر من مجلس الصلاحية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها رفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن مجلس الصلاحية
كان قد قضى فى الدعوى رقم 2 لسنة 1984 بنقل المدعى إلى وظيفة غير قضائية وذلك إعمالا
للمادة 111 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل
بالقانون رقم 35 لسنة 1984. فطعن على هذا القرار أمام الدائرة المدنية بمحكمة النقض
– دائرة طلبات رجال القضاء – حيث قيد طلبه رقم 43 لسنة 54 ق "رجال قضاء". وأثناء نظر
هذه الدائرة لذلك الطلب بجلسة 5 نوفمبر سنة 1985 دفع بعدم دستورية المادة 111 من قانون
السلطة القضائية المشار اليه. وإذ ارتآت الدائرة جدية الدفع، وقررت تأجيل نظر الدعوى
إلى جلسة 11 فبراير سنة 1986 ليرفع المدعى الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعى ينعى على المادة 111 المطعون عليها مخالفتها للدستور من عدة أوجه أولها:
أن ما يصدر عن مجلس الصلاحية فصلا فى الطلب المقدم اليه بشأن زوال صلاحية القاضى لولاية
القضاء لغير الأسباب الصحية لا يعد حكما اذ لا تتوافر فيه خصائص القرار القضائى بعد
أن جرد قانون السلطة القضائية دعوى الصلاحية من عدد من الضمانات الأساسية التى كفلها
فى مجال الدعوى التأديبية، هى تلك المنصوص عليها فى المواد 99 و100 و102 منه. واذ حظر
النص المطعون فيه الطعن فى القرار الصادر عن مجلس الصلاحية – وهو لا يعدو أن يكون قرارا
اداريا – فقد أخل بحكم الفقرة الثانية من المادة 68 من الدستور التى لا تجيز إسباغ
الحصانة المانعة من الخضوع لرقابة القضاء على الأعمال والقرارات الإدارية على اختلافها.
ثانيها: أن ضمانة الدفاع التى كفلتها الفقرة الأولى من المادة 69 من الدستور غير متحققة
فى النص المطعون فيه اذ أخل بمقوماتها. ثالثها: ان تقرير صلاحية القضاة للاستمرار فى
وظائفهم القضائية أو نفى هذه الصلاحية عنهم مسألة وثيقة الصلة بشئونهم التى كان ينبغى أن تقوم عليها الدائرة المدنية والتجارية بمحكمة النقض بوصفها قاضيهم وفقا للفقرة الأولى
من المادة 68 من الدستور. الأمر الذى ينطوى على التمييز – فى مجال اللجوء إليه – بينهم
وبين غيرهم من المواطنين بالمخالفة لنص المادة 40 من الدستور.
وحيث إن من بين ما ينعاه المدعى فى الدعوى الماثلة على مجلس الصلاحية المنصوص عليه
فى المادة 98 من قانون السلطة القضائية، أن قراره بنقل القاضى إلى وظيفة غير قضائية
أو باحالته إلى المعاش لا يعتبر قرارا قضائيا ما لم يكن الاطار الذى يعمل فيه هذا المجلس
مشتملا على ضمانات الدعوى التأديبية المنصوص عليها فى المواد 99، 100، 102، من هذا
القانون.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن من ضمانات الدعوى التأديبية ما هو خاص بها لتعلقه بطبيعتها.
وانصرافها إلى الدعوى التأديبية دون سواها يفيد بالضرورة عدم انسحابها الى دعوى الصلاحية
التى لا تختلط بالدعوى التأديبية ولا تعد فرعا منها، ذلك أن قانون السلطة القضائية
قصد إلى المغايرة بين نظامين لكل منهما مجال يعمل فيه، هما المساءلة التأديبية التى
فصل أحكامها فى المواد من 99 إلى 110 من هذا القانون، ونظام الصلاحية لولاية القضاء
الذى أفرد له المادة 111 لينظم موضوعها، واذ غاير المشرع بين هذين النظامين فى الخصائص
والآثار، فان تطابقهما من كل الوجوه يغدو أمرا مستحيلا، والا فقد احدهما مغزاه، ولكان
متعينا دمجهما معا فى نظام واحد يكون بذاته نافيا لاستقلال كل منهما عن الآخر.
وحيث إن الأصل فى الدعوى التأديبية أنها لا تقام إلا عن تهمة محددة تظاهرها الأدلة
المؤيدة لها، ومن ثم يتعين أن تكون اقامتها – وعلى ما تنص عليه المادة 99 من قانون
السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 بناء على تحقيق جنائى أو إدارى،
يتولاه أحد نواب رئيس محكمة النقض أو رئيس محكمة استئناف يندبه وزير العدل بالنسبة
إلى المستشارين أو مستشار من ادارة التفتيش القضائى بالنسبة إلى الرؤساء بالمحاكم الابتدائية
وقضاتها، وبالتالى يكون التحقيق الجنائى أو الإدارى الذى يتم إجراؤه قبل اقامة الدعوى
التأديبية وفقا لنص المادة 99 المشار اليها ضمانة جوهرية غايتها الاستيثاق مما اذا
كانت الوقائع المنسوبة إلى القاضى لها معينها من الأوراق، وترقى بما لها من خصائص إلى
مرتبة التهمة المحددة التى يجوز أن تقام الدعوى التأديبية عنها.
وحيث إنه استصحابا لطبيعة الدعوى التأديبية، نص قانون السلطة القضائيه الصادر بالقرار
بقانون رقم 46 لسنة 1972 فى المادة 100 منه على أن تكون عريضتها مشتملة على بيان بالتهمة،
والأدلة المؤيدة لها باعتبار أن الدعوى التأديبية لا يحوز رفعها إلا عن واقعة بذاتها
أو وقائع محددة عناصرها تفصيلا بوصفها محل المؤاخذة المسلكية، ولأن إسنادها إلى شخص
بذاته يتطلب أن يكون على بينة منها بما ينفى التجهيل بها، وتلك هى الغاية التى استهدفتها
كذلك المادة 102 من بقانون المشار إليه، وذلك بإيجابها أن تكون الدعوة الموجهة إلى
القاضى للمثول أمام مجلس التأديب متضمنة بيانا كافيا لموضوع الدعوى ولأدلة الاتهام
المؤيدة لوقوع الجريمة التأديبية، وذلك إذا رأى هذا المجلس وجها للسير فى إجراءات المحاكمة
عن جميع التهم أو بعضها، والأمر على نقيض ذلك فى مجال دعوى الصلاحية المغايرة فى الأساس
الذى تقوم عليه للدعوى التأديبية، ولا تعتبر بالتالى من طبيعتها أو تندرج تحت مفهومها،
ذلك أن دعوى الصلاحية لا تقوم فى الأصل على تهمة محددة جرى إسنادها إلى القاضى، وإن
صح الارتكان إلى الحكم الصادر فى شأنها لتقييم حالته على ضوء الشروط التى يتطلبها المشرع
فيمن يولى القضاء، ومن بينها أن يكون شاغل الوظيفة القضائية محمود السيرة حسن السمعة،
وهو شرط لا ينفك عنه بل يلازمه دوما ما بقى قائما بأعبائها بحيث اذا انتفت صلاحيته
للاستمرار فيها، تعين بقرار من مجلس الصلاحية إحالته إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة
أخرى بعيدا عن العمل القضائى، وليس لازما أن تكون عناصر الواقعة الواحدة مؤيدة فى كل
جزئياتها بالأدلة المثبتة بها، وانما يجوز أن يؤسس مجلس الصلاحية قراره على ما يتولد
من الانطباع عن أفعال أتاها القاضى، وتناقلتها ألسن الناس فى محيط اجتماعى معين، واستقر
أمرها فى وجدانهم كحقيقة تزعزع الثقة فيه وتنال من اعتباره، وبالتالى لا يرتبط قرار
مجلس الصلاحية لزوما بواقعة معينة، بل يقوم عمل المجلس فى جوهره على تقييم لحالة القاضى
فى مجموعها من حيث صلاحيته للاستمرار فى وظيفته القضائية، وتنحل دعوى الصلاحية بالتالى
إلى دعوى أهلية يراعى عند الفصل فيها الاعتداد بالعناصر المختلفة التى تتصل بهذا التقييم
حتى ما كان منها متعلقا بحقبة ماضية، ذلك أن الأمر المعتبر فى تقدير حالة القاضى هو
النهج الذى احتذاه طريقا ثابتا فى مظاهر سلوكه المختلفة، ومن ثم لا يتقيد تقدير مجلس
الصلاحية للقيم التى التزمها بفترة معينة دون أخرى، ولا بواقعة دون غيرها، وإنما يقلب
البصر فى الصورة المتكاملة لسمعته وسيرته، وما استقر فى شأنها بطريق التواتر ماضيا
وحاضرا، ذلك أن علم القاضى لا يقاس بغيره من الموظفين العامين، ولا هو يؤاخذ بالضوابط
المعمول بها فى شأن واجباتهم الوظيفية، وانما يتعين أن تكون مقاييس سلوكه أكثر صرامة
وأشد حزما نأيا بالعمل القضائى عن أن تحيطه الشبهات أو تكتنفه مواطن الريب التى تلقى
بذاتها ظلالا قاتمة على حيدته ونزاهته، وتتضاءل معها أو تنعدم الثقة فى القائمين عليه
بما يستوجب الحكم بانتفاء صلاحية القاضى لولاية القضاء وإبعاده عن محيط العمل القضائى
إذا ما انزلق إلى أفعال كان ينبغى عليه أن يتجنبها صوتا لهيبة الوظيفة الفضائية، وتوكيدا
لسمو شأنها، وتوقيا للتعريض بها إذا لابستها عوامل تنتقص من كرامتها، أو داخلتها المآخذ
التى لا يطمأن معها إلى الالتزام بقيمها الرفيعة.
وحيث إن قانون السلطة القضائية نظم فى المادة 111 منه الأحكام المتعلقة بدعوى الصلاحية،
فنص فى فقرتها الأولى على أنه اذا ظهر فى أى وقت أن القاضى فقد أسباب الصلاحية لولاية
القضاء لغير الأسباب الصحية، يرفع طلب الاحالة إلى المعاش أو النقل إلى وظيفة أخرى
غير قضائية من وزير العدل من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب رئيس المحكمة إلى المجلس
المشار اليه فى المادة 98 منه، ولهذا المجلس إذا رأى محلا للسير فى الإجراءات أن يندب
عند الاقتضاء أحد أعضائه لإجراء ما يلزم من التحقيقات، ويدعو المجلس القاضى للحضور
امامه بميعاد ثلاثة أيام، كما تنص فقرتها الثانية على أنه "بعد سماع طلبات ممثل النيابة
العامة ودفاع القاضى أو من ينوب عنه يصدر المجلس حكمه مشتملا على الأسباب التى بنى عليها، اما بقبول الطلب واحالة القاضى إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة أخرى غير قضائية،
وإما برفضه الطلب. وتسرى على هذا الطلب – وعملا بالفقرة الثالثة من المادة 111 المشار
إليها – أحكام المواد 104، 105، 106، 107 من هذا القانون.
وحيث إن البين مما تقدم، ان المشرع ناط بالمجلس المنصوص عليه فى المادة 98 من قانون
السلطة القضائية، الفصل فى دعوى الصلاحية بمراعاة الأحكام التى خصها بها بمقتضى المادة
111 المشار إليها وفى إطار الضمانات الجوهرية المنصوص عليها فى المواد 104، 105، 106،
107 من هذا القانون.
وحيث إن مؤدى النصوص المتقدمة مجتمعة – أن الاختصاص بالفصل فى دعوى الصلاحية موكول
إلى سبعة من رجال القضاء هم بطبيعة مراكزهم وأقدمياتهم على القمة من مدارج التنظيم
القضائى، وبالتالى أكثر خبرة ودراية بأوضاع السلطة القضائية وشئون القائمين عليها،
وأعمق فهما للمقاييس الصارمة التى يتعين أن يؤدى العمل القضائى فى إطارها، وانفذ إلى
الضوابط الكامنة فى طبيعة الوظيفة القضائية وما يرتبط بها من القيم الرفيعة التى ترد
عنه كل تحرض أو شبهة تنال منها، ومن ثم يكون مجلس الصلاحية – وعلى ضوء تلك الحقائق
– مهيأ أكثر من غيرة للفصل فى نزاع قد يؤول إلى ابعاد القاضى عن تولى مهام الوظيفة
الفضائية، وهو نزاع يتصل مباشرة بالشروط التى يتطلبها القانون فيمن يولى القضاء، والمعتبرة
من الشئون المتصلة بجوهر الوظيفة القضائية لارتباطها بالقائمين عليها، وكيفية النهوض
بمتطلباتها، إذ كان ذلك، وكان المشرع – اعمالا للتفويض المخول له بمقتضى المادة 167
من الدستور فى شأن تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها قد أسند
الفصل فى دعوى الصلاحية الى قضاة من بين رجال لسلطة القضائية يكونون أكثر إحاطة بها،
وأقدر على مواجهتها بحكم مواقعهم العليا فى التنظيم القضائى هم هؤلاء الذين يتكون منهم
مجلس الصلاحية، فإن إقامة هذا المجلس على شئون تلك الدعوى لا يتضمن خروجا على نص المادة
68 من الدستور، إذ هو قاضيها الطبيعى بالنسبة إلى من يحالون اليه من رجال السلطة القضائية
لما أثير حولهم من أمور تمس السلطة القضائية فى صميمها وتعتبر من دخائلها.
وحيث إن المشرع قد أفرد مجلس الصلاحية بتنظيم خاص عهد اليه بمقتضاه ولاية الفصل "بصفة
قضائية" فى الدعوى المتعلقة بها وتتحدد ملامح هذا التنظيم فى تشكيل مجلس الصلاحية بأكمله
من عناصر قضائية، وقيامه دون غيره على شئون دعوى الصلاحية، وهيمنته على إجراءاتها إذا
ما قرر السير فيها، فاذا بان له من الاطلاع على أوراقها أن موجبات رفعها اليه منتفية،
غض النظر غير مقيد فى ذلك بطلب الاحالة إلى المعاش أو النقل إلى وظيفة غير قضائية المرفوع
اليه من وزير العدل، اذ لا ينال هذا الطلب – وبه تقام دعوى الصلاحية – من السلطة المطلقة
التى يملكها المجلس بصددها بلا معقب عليه من أى جهة، وكلما رأى مجلس الصلاحية محلا
للسير فى إجراءاتها، اعتبر افتتاحا للخصومة يؤذن بالبدء فى تحقيق موضوعها. وفى سبيل
ذلك اختص المشرع مجلس الصلاحية بالحق فى أن يعهد إلى أحد أعضائه بإجراء ما يراه لازما
من أعمال التحقيق التى يستظهر بها وجه الحقيقة أو تلقى ضوءا على بعض جوانبها انطلاقا
من أن التحقيق الذى تجريه المحكمة أو الهيئة القضائية التى خولها المشرع سلطة الحكم
فى الدعوى هو الذى يكفل التوصل إلى الحقيقة الراجحة الى يقيم عليها الحكم قضاءه، وبلوغا
لهذه الغاية خول المشرع مجلس الصلاحية وكذلك من يندبه لأعمال التحقيق حق استدعاء الشهود
لسماع أقوالهم اذا كان من شأنها إيضاح بعض الوقائع التى غمض أمرها، وتجلية وجه الخفاء
فيها مزودا فى ذلك بالسلطة المخولة لمحاكم الجنح، كذلك فان الأصل فى الإجراءات التى
يتخذها المجلس هو أنها تتم فى مواجهة القاضى المرفوعة عليه الدعوى فلا يجوز للمجلس
أن يحكم فى غيبته إلا بعد التحقق من صحة إعلانه. ولئن نص القانون على أن يدعو مجلس
الصلاحية العضو المحال إليه للحضور أمامه بميعاد ثلاثة أيام – وهو ميعاد قصير نسبيا
– الا أن ذلك لا يخل بحقه فى الدفاع عن وجهة نظره وإبدائها كاملة أمام المجلس سواء
استجاب إلى الدعوة الموجهة اليه وحضر بشخصه لدحض الوقائع المنسوبة اليه أم فوض فى الدفاع
عنه أحد رجال القضاء من غير مستشارى محكمة النقض بما مؤداه ضمان حقه فى الدفاع بالأصالة
أو الوكالة، شفاهة أو كتابة وتوكيدا لهذه الضمانة ذاتها، حرص المشرع على أن يخول مجلس
الصلاحية الحق فى أن يطلب من العضو المحال اليه الحضور بشخصه اذا قدر ضرورة ذلك لاستيضاح
بعض النقاط المثارة فى الدعوى أو التى تتصل بها كى يكون الحكم فيها صادرا عن بصر وبصيرة
دالا على أنه احاط بجوانبها المختلفة، وتعزيزا لضمانة الدفاع، لا يجوز لمجلس الصلاحية
أن يفصل فى الدعوى المتعلقة بها الا بعد سماع أقوال النيابة العامة ودفاع العضو المرفوعة
عليه الدعوى، على أن يكون هذا العضو آخر من يتكلم بما يعنيه ذلك من ضمان حقه فى الرد
تعقيبا على كل واقعة نسبتها اليه النيابة العامة أو كشفت عنها الأوراق، وتنفيدا لأقوال
الشهود توصلا إلى اطراحها. كذلك فان ما قرره المشرع من عدم جواز الحكم فى غيبته الا
بعد التحقق من صحة اعلانه يمثل ضمانه قصد بها – بالاضافة إلى مواجهته بكل ما قدم ضده
من الأدلة – أن يقف مجلس الصلاحية على حقيقة الأمر فى شأن صلاحيته للعمل القضائى، وهو
ما يفيد لزوما تقصيه لكل واقعة جرى اسنادها اليه كى ينزلها المنزلة التى يستحقها، ويكون
عقيدته على ضوء ما ينتهى اليه بشأنها، ومن ثم فان قالة الاخلال بحق المدعى فى الدفاع
ـ الذى كفل الدستور أصله بالفقرة الأولى من المادة 69 منه – لا يكون لها محل.
وحيث إنه على ضوء الأحكام السالف بيانها تتمحض دعوى الصلاحية عن خصومة قضائية أسند
المشرع الفصل فيها إلى مجلس الصلاحية المشكل من عناصر قضائية صرفة، وذلك باعتباره جهة
قضاء تباشر بصفة دائمة اختصاصاتها المنصوص عليها فى قانون السلطة القضائية طبقا للمادة
111 منه، وضمن اطار من الضمانات الرئيسية للتقاضى الى كفلها المشرع للعضو المرفوعة
عليه الدعوى، وأخصها تكليفه الحضور أمام هذا المجلس لمواجهة ما أسند اليه، وتمكينه
من إبداء دفاعه وسماع أقواله وتحقيقها ومقابلتها بطلبات النيابة العامة وأقوال الشهود
ليتخذ مجلس الصلاحية على ضوء جماع العناصر المطروحة فى الدعوى قرارا قضائيا حاسما للخصومة
محددا به وفقا للقانون خاتمتها سواء برفض الدعوى أو بإبعاد العضو عن محيط العمل القضائى،
وفى كل ذلك يتعين أن يكون هذا القرار القضائى مشتملا على الأسباب التى بنى عليها كى
يكون له مأخذه من الأوراق وحكم القانون. وإذ حظر المشرع الطعن فى هذا القرار الذى لا
يعدو أن يكون حكما بمعنى الكلمة، فقد دل بذلك على اتجاه إرادته إلى قصر التقاضى فى
المسائل التى فصل فيها هذا الحكم على درجة واحدة، وهو ما يستقل المشرع بتقديره فى اطار
سلطته فى مجال تنظيم الحقوق وبمراعاة ما يقتضيه الصالح العام.
وحيث إن ما ينعاه المدعى من خلال النص المطعون فيه بالمادة 40 من الدستور مردود بأن
مبدأ المساواة فى الحقوق بين المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما
بينها من تباين فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ
على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة 40 المشار اليها بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها
هو ذلك الذى يكون تحكميا، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته بل لتحقيق
أغراض بعينها تعكس مشروعيتها اطارا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع إلى تحقيقها من
وراء هذا التنظيم، فاذا كان النص التشريعى المطعون عليه – بما أنطوى عليه من التمييز
– مصادما لهذه الأغراض بحيث يستحيل منطقيا ربطه بها أو اعتباره مدخلا إليها، فإن التمييز
يكون تحكميا وغير مستند بالتالى إلى أسس موضوعية ومجافيا لنص المادة 40 من الدستور.
إذ كان ذلك، وكان قانون السلطة القضائية قد أفرد دعوى الصلاحية بذلك التنظيم الخاص
محدداً قواعده وفق أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزا من أى نوع بين المخاطبين
بها من رجال السلطة القضائية المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة اليها، وكان قصر
هذا التنظيم عليهم قد تقرر لأغراض بعينها تقتضيها المصلحة العامة صونا للوظيفة القضائية،
وتوكيدا لما ينبغى أن يتوافر من الثقة فى القائمين عليها، وتلك جميعها مصالح مشروعة
يعتبر هذا التنظيم مرتبطا بها ومحققا لها، فان قالة الاخلال بمبدأ المساواة أمام القانون
تكون فاقدة لأساسها حرية بالرفض.
وحيث إن النص المطعون فيه، لا يتعارض مع أى حكم من أحكام الدستور من أوجه أخرى.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماه.
أصدرت المحكمة – خلال الفترة التى تناولها هذا الجزء من أحكام المحكمة
– أحكاما برفض الطعون بعدم دستورية المادة 111 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار
بقانون رقم 46 لسنة 1972 لذات الأسباب، وذلك فى الدعاوى التالية:
1 – الدعوى رقم 2 لسنة 9 قضائية "دستورية" بجلسة أول فبراير سنة 1992.
2 – الدعوى رقم 5 لسنة 9 قضائية "دستورية" بجلسة أول فبراير سنة 1992.
3 – الدعوى رقم 16 لسنة 10 قضائية "دستورية" بجلسة أول فبراير سنة 1992.
4 – الدعوى رقم 19 لسنة 10 قضائية "دستورية" بجلسة 7 مارس سنة 1992.
5 – الدعوى رقم 37 لسنة 10 قضائية "دستورية" بجلسة 7 مارس سنة 1992.
6 – الدعوى رقم 30 لسنة 10 قضائية "دستورية" بجلسة 18 إبريل سنة 1992.
