قاعدة رقم الطعن رقم 63 لسنة 13 قضائية “دستورية” – جلسة 20 /03 /1993
أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الخامس
(المجلد الثانى)
من أول يوليو 1992 حتى آخر يونيو 1993 – صـ 226
جلسة 20 مارس سنة 1993
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين/ الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم والدكتور عبد المجيد فياض ومحمد على سيف الدين وعدلى محمود منصور – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب – رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.
قاعدة رقم
القضية رقم 63 لسنة 13 قضائية "دستورية"
1 – حق الملكية – إيجار الأماكن – "القيود الاستثنائية على العلاقة
الإيجارية".
لم تعد الملكية فى ظل النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، حقا مطلقا،
وإنما يجوز أن تفرض عليها القيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد
نطاقها ومداها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والاغراض التى ينبغى توجيهها إليها،
وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع بين المصالح المختلفة، ويرجح من خلالها ما يراه
منها أولى بالرعاية وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور، وهى قيود أكثر ما تكون وضوحا
فى مجال الانتفاع بالأعيان المؤجرة لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض
من الأماكن المهيأة للسكنى لمقابلة الزيادة فى الطلب عليها.
2 – حق الملكية – إيجار الأماكن "ارتباط القيود الاستثنائية فى شأن العلاقة الإيجارية
بالضرورة التى أملتها".
عمد المشرع – لمواجهة أزمة الإسكان التى ترتد جذورها إلى الحربين العالميتين الأولى
والثانية – إلى اصدار تشريعات استثنائية خرج فيها على القواعد العامة فى عقد الإيجار.
ولئن صح القول بأن الطبيعة المؤقتة لهذه التشريعات الاستثنائية قد زايلتها، وأن الأمر
قد آل إلى اعتبارها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، إلا أن تطبيقها ظل مرتبطا بالضرورة
التى أملتها، وما كان ينبغى لسريانها أن يجاوز قدر هذه الضرورة، وإلا اعتبر إقرارها
فيما يجاوز هذا النطاق مخالفا للدستور لخروجها على مقتضى الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية،
وانتقاصها – بالتالى – من الحماية التى كفلها الدستور لهذا الحق.
3 – حق الملكية – إيجار الأماكن "سريان القيود الاستثنائية أصلا على العلائق الإيجارية
فى المدن: أساس ذلك".
دل المشرع – بما قرره من قصر سريان التشريعات الاستثنائية أصلا على المدن – على أنها
لا تنطبق على القرى إلا استثناء، وعلى ضوء حالة الضرورة المرتبطة بأوضاعها وظروفها
الخاصة، وذلك خلافا للمدن التى أفصح الواقع العملى عن أن أزمة الاسكان واقعة فى نطاقها
أصلا، وأن حدتها فى مجالها أكثر تفاقما وأبعد غورا مما اقتضى سريان التشريعات الاستثنائية
المنظمة للعلائق الإيجارية فى شأنها سريانا مباشرا لا متراخيا، وحمل المشرع على أن
يؤثر المدن – ابتداء – بهذا التنظيم الخاص لمواجهة مخاطر فادحة ناشئة عن أزمة الإسكان
المحيطة بها أو المترتبة عليها.
4 – تشريع – سلطة تقديرية "نطاقها".
الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور
بضوابط معينة.
5 – تشريع – سلطة تقديرية "دلالتها".
يتمثل جوهر السلطة التقديرية فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة
لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص
الموضوع الذى تناوله بالتنظيم.
6 – تشريع – سلطة تقديرية "أثرها".
ما قرره المدعى من أن مشكلة الإسكان فى القرى باتت تتفاقم حدتها، وتتعاظم مخاطرها،
بما يحتم معاملتها على مقتضى الأحكام الاستثنائية السارية فى المدن، لا يعدو أن يكون
جدلا من جانبه فى شأن النطاق الذى اختاره المشرع لتطبيق هذه التشريعات، وهو نطاق يستقل
المشرع بتقديره كلما كان ملحوظا فى تحديده ما توجبه الضرورة الناشئة عن أزمة الإسكان
أو المترتبة عليها، وفى حدود متطلباتها.
7 – تشريع – عمومية القاعدة القانونية "ماهيتها".
إن عموم القاعدة القانونية لا يعنى انصرافها إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة،
أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أفعال، وإنما تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها
بانتفاء التخصيص، ويتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجردة من الاعتداد بشخص معين أو بواقعة
بذاتها معينة تحديدا.
8 – مبدأ المساواة أمام القانون "مؤداه".
لا يعنى هذا المبدأ أن يعامل المواطنون المختلفة مراكزهم القانونية معاملة قانونية
متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها
ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوى بالتالى على مخالفة المادة 40 من الدستور، بما
مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها، هو ذلك الذى يكون تحكميا.
9 – مبدأ المساواة أمام القانون "معيار التفرقة بين التمييز الموضوعى والتمييز التحكمى".
لا يعتبر التنظيم التشريعى لموضوع ما، مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر
هذا التمييز ملبيا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التى يسعى
المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلا إليها،
فإذا كان النص التشريعى – بما انطوى عليه من التمييز – مصادما لهذه الأغراض مجافيا
لها، بما يحول دون ربطه منطقيا بها أو اعتباره مدخلا إليها، فإن ذلك النص يكون مستندا
إلى أسس غير موضوعية، ومتبنياً تمييزاً تحكميا بالمخالفة لنص المادة 40 من الدستور.
10 – تشريع – إيجار أماكن "تطبيقه على المدن أصلا وعلى القرى استثناء – لا إخلال فيه
بمبدأ المساواه".
ما قرره المشرع من سريان أحكام إيجار الأماكن – أصلا – على عواصم المحافظات والبلاد
المعتبرة مدنا وفق قانون الإدارية المحلية – مبناه قاعدة مجردة، مستندة إلى أسس موضوعية
لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزا بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية بالنسبة
إليها. وآية ذلك إن عدم سريان أحكامه على القرى جميعها بصفة فورية مرده أن أزمة الإسكان
متفاقمة فى المدن وأن التدابير الاستثنائية مرتبطة بالضرورة التى أملتها.
1 – حرص الدستور على النص على صون الملكية الخاصة وكفل عدم المساس بها إلا على سبيل
الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها، باعتبار أنها فى الأصل مترتبة على الجهد
الخاص الذى بذله صاحبها بكده وعرقه، ويتعين بالتالى أن يختص دون غيره بالأموال التى
يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها، لتعود إليه ثمارها وغيرها من المزايا المترتبة
عليها، وكان المشرع وإن أفرد بعض العلائق الإيجارية بتنظيم خاص حَمَّلها فيه بقيود
من طبيعة استثنائية، فذلك لأن الملكية فى إطار النظم الوضعية التى تزاوج بين الفردية
وتدخل الدولة، لم تعد حقا مطلقا، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى، وإنما يجوز أن
تفرض عليها القيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد نطاقها ومرماها
على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها، وبمراعاة الموازنة
التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية،
على ضوء أحكام الدستور، ومستهديا – بوجه خاص – فى مجال أداء هذه الوظيفة – بالقيم التى
تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبحسبان أن القيود التى تفرضها
الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل غايتها
خير الفرد والجماعة، وهى قيود أكثر ما تكون وضوحا فى مجال الانتفاع بالأعيان المؤجرة.
2 – عمد المشرع لمواجهة الأزمة المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأه
للسكنى لمقابلة الزيادة المطردة فى الطلب عليها، وهى الأزمة التى ترتد جذورها إلى الحربين
العالميتين الأولى والثانية، وما ترتب عليهما من ارتفاع أجرة الأماكن على اختلافها
بعد انقطاع ورود المواد الأولية للبناء ونضوبها وازدياد النازحين إلى المدن، بالإضافة
إلى الزيادة الطبيعية فى سكانها، إلى إصدار تشريعات استثنائية – قدر فى شأنها الضرورة
بقدرها – خرج فيها على القواعد العامة فى عقد الإيجار، مستهدفا بها – على الأخص – الحد
من حرية المؤجر فى تقدير الأجرة، واعتبار العقد ممتدا بقوة القانون بذات شروطه الأصلية
عدا المدة والأجرة. ولئن صح القول بأن مواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها، أقتضى
أن تكون التشريعات الاستثنائية الصادرة دفعا لها أو تخفيفا من قسوته، متصلة حلقاته،
مترامية فى زمن تطبيقه، محتفظة بذاتيتها واستقلالها عن القانون المدنى، متعلقة أحكامها
بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على الآثار التى
رتبتها عقود الإيجار القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها، وزايلتها بالتالى
صفتها المؤقتة، وآل الأمر إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، إلا
أن تطبيقها ظل مرتبطا بالضرورة التى أملتها، وما كان ينبغى لسريانها أن يجاوز قدر هذه
الضرورة، وإلا اعتبر إقرارها فيما جاوز النطاق مخالفا للدستور لخروجها على مقتضى الوظيفة
الاجتماعية لحق الملكية، وانتقاصها بالتالى – ودون مسوغ مشروع – من الحماية التى كفلها
الدستور لهذا الحق.
3 – دأب المشرع فى التشريعات الاستثنائية لأجرة الأماكن – بدءا من القانون رقم 121
لسنة 1947 وانتهاء بالقانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة
بين المؤجر والمستأجر – على تحديد نطاق لتطبيقها قصره أصلا على المدن، مع الترخيص بمد
سريان أحكامها كلها أو بعضها إلى القرى وفق ما هو منصوص عليه فى الفقرة الثانية من
المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهو ما يدل على أن التشريعات الاستثنائية
لا تسرى على القرى إلا استثناء، وعلى ضوء حالة الضرورة المرتبطة بأوضاع كل قرية وظروفها
الخاصة، وذلك خلافا للمدن التى أفصح الواقع العملى عن أن أزمة الإسكان واقعة أصلا فى
نطاقها، وأن حدتها فى مجالها أكثر تفاقما وأبعد غورا، مما اقتضى سريان التشريعات الاستثنائية
المنظمة للعلائق الإيجارية فى شأنها سريانا مباشرا لا متراخيا، وحمل المشرع على أن
يؤثر المدن – ابتداء – بهذا التنظيم الخاص لمواجهة مخاطر فادحة ناشئة عن ازمة الإسكان
المحيطة بها.
4، 5، 6 – الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها
الدستور بضوابط معينة، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع
بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة، وأكثرها ملاءمة للوفاء
بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، وكان ما قرره المدعى من أن مشكلة
الإسكان فى القرى باتت تتفاقم حدتها وتتعاظم مخاطرها، خلافا لما توقعه المشرع حين أقر
النص التشريعى المطعون فيه، بما يحتم معاملتها على مقتضى الأحكام الاستثنائية السارية
فى المدن، لا يعدو أن يكون جدلا من جانبه فى شأن نطاق تطبيق أحكام قانون إيجار الأماكن،
وهو نطاق يستقل المشرع بتقديره كلما كان ملحوظا فى تحديده ما توجبه الضرورة الناشئة
عن أزمة الاسكان، وفى حدود متطلباتها. إذ كان ذلك، فإن قالة مخالفة النص التشريعى المطعون
فيه للدستور – من هذه الناحية – لا يكون لها محل.
7 – جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن عموم القاعدة لا ينعى انصرافها إلى جميع
الموجودين على إقليم الدولة، أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال. وإنما تتوافر
للقاعدة القانونية مقوماتها بانتفاء التخصيص. ويتحقق ذلك، إذا سنها المشرع مجردة من
الاعتداد بشخص معين، أو بواقعة بذاتها معينة تحديدا.
8، 9 – مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من
تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة
صور التمييز جميعا، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوى بالتالى على
مخالفة لنص المادة 40 من الدستور، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك
الذى يكون تحكميا، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض
بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة
التى يسعى المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم
سبيلا إليها، فإذا كان النص التشريعى المطعون عليه – بما انطوى عليه من التمييز – مصادما
لهذه الأغراض مجافيا لها، بما يحول دون ربطه منطقيا بها، أو اعتباره مدخلا إليها، فإن
ذلك النص يكون مستندا إلى أسس غير موضوعية، ومتبنيا تمييزا تحكميا بالمخالفة لنص المادة
40 من الدستور.
10 – سريان أحكام قانون إيجار الأماكن – أصلا – على عواصم المحافظات والبلاد المعتبرة
مدنا وفق قانون الإدارة المحلية، مبناه قاعدة عامة مجردة، مستندة إلى أسس موضوعية لا
تقيم فى مجال تطبيقها تمييزا من أى نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم القانونية
بالنسبة إليها، وكان عدم سريان أحكامه بصفة فورية على القرى جميعها، مرده أن أزمة الإسكان
منحصرة أصلا فى المدن مما استلزم مواجهتها بتدابير استثنائية، وكانت القواعد التى يقوم
التى يقوم عليها هذا التنظيم الخاص، مرتبطة بأغراضه النهائية، ومؤدية إليها، فإن قالة
الإخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة الأربعين من الدستور، تكون فاقدة لأساسها.
الإجراءات
بتاريخ 3 من أغسطس سنة 1991 أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب
المحكمة طالباً الحكم بعدم دستورية العبارة الواردة فى نهاية الفقرة الأولى من المادة
الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977.
أودعت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة اصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن المدعى
عليه الأول كان قد أقام الدعوى رقم 371 لسنة 1990 مدنى جزئى القناطر طالبا الحكم بإنهاء
عقد الإيجار المبرم مع المدعى فى شأن الشقة ملكه بقرية أبو الغيط مركز القناطر الخيرية.
وقد صدر الحكم فيها بإنهاء العلاقة الإيجارية وتسليم العين المؤجرة خالية له. واستأنف
المدعى هذا الحكم أمام محكمة بنها الابتدائية "مأمورية قليوب الكلية". وأثناء نظر استئنافه
دفع بجلسة 14 من مايو سنة 1991 بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة
1977، وإذ قدرت المحكمة المذكورة جدية دفعه، فقد صرحت له بإقامة دعواه الدستورية، فأقام
الدعوى الماثلة، وحصر فى صحيفتها المسألة الدستورية فى الجملة الأخيرة الواردة فى الفقرة
الأولى من المادة الأولى المشار إليها.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير
وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر تنص على أنه: "فيما عدا الأراضى الفضاء، تسرى أحكام هذا الباب على الأماكن وأجزاء الأماكن على اختلاف أنواعها المعدة
للسكنى أو لغير ذلك من الأغراض سواء كانت مفروشة أو غير مفروشة مؤجرة من المالك أو
من غيره، وذلك فى عواصم المحافظات والبلاد المعتبرة مدنا بالتطبيق لأحكام القانون رقم
52 لسنة 1975 بإصدار قانون الحكم المحلى والقوانين المعدلة له"، كما تنص الفقرة الثانية
من المادة الأولى المشار إليها على أنه يجوز بقرار من وزير الإسكان والتعمير، مد نطاق
سريان أحكامه كلها أو بعضها على القرى بناء على اقتراح المجلس المحلى للمحافظة، وكذلك
على المناطق السكنية التى لا ينطبق عليها قانون نظام الحكم المحلى المشار إليه، ولا
يكون لهذا القرار أثر على الأجرة المتعاقد عليها قبل صدوره.
وحيث إن المدعى ينعى على عبارة "وذلك فى عواصم المحافظات والبلاد المعتبرة مدنا بالتطبيق
لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1975 بإصدار قانون نظام الحكم المحلى والقوانين المعدلة
له، إخلال حكمها بمبدأ المساواة أمام القانون" وذلك لتمييزها بين المواطنين المستأجرين
لأماكن فى المدن، وغيرهم ممن أقبلوا على السكنى فى القرى. مما يخل بحق الآخرين فى الحماية
القانونية المقررة لنظرائهم، والمتمثلة أساسا فى امتداد عقد الإيجار امتدادا قانونيا
وتحريم دفع أية مبالغ خارج إطاره. وهى حماية يتعين بسطها عليهم درءا لإعناتهم من قبل
المؤجرين.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن الدستور حرص على النص على صون الملكية الخاصة وكفل
عدم المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفى الحدود وبالقيود التى أوردها، باعتبار
أنها فى الأصل مترتبة على الجهد الخاص الذى بذله صاحبها بكده وعرقه، ويتعين بالتالى أن يختص دون غيره، بالأموال التى يملكها وتهيئة الانتفاع المفيد بها لتعود إليه ثمارها
التى تغلها وغيرها من المزايا، وكان المشرع وإن أفرد بعض العلائق الإيجارية بتنظيم
خاص حملها فيه بقيود من طبيعة استثنائية، فذلك لأن الملكية فى إطار النظم الوضعية التى
تزاوج بين الفردية وتدخل الدولة، لم تعد حقا مطلقاً، ولا هى عصية على التنظيم التشريعى.
وإنما يجوز أن تفرض عليها القيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة يتحدد
نطاقها ومرماه، على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى توجيهها إليها،
وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه من المصالح أولى بالرعاية
وأجدر بالحماية على ضوء أحكام الدستور، ومستهديا – بوجه خاص – فى تنظيم أداء هذه الوظيفة
بالقيم التى تنحاز إليها الجماعة فى مرحلة معينة من مراحل تطورها، وبحسبان أن القيود
التى تفرضها الوظيفة الاجتماعية على حق الملكية للحد من إطلاقها، ولا تعتبر مقصودة
لذاتها، بل غايتها خير الفرد والجماعة. وهى بعد قيود أكثر ما تكون وضوحاً فى مجال الانتفاع
بالأعيان المؤجرة التى تتزاحم فى شأنها كثرة من الضوابط قصد بها فى الأصل مواجهة الأزمة
المتفاقمة الناشئة عن قلة المعروض من الأماكن المهيأة للسكنى لمقابلة الزيادة المطردة
فى الطلب عليها، وهى الأزمة التى ترتد جذورها إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية،
وما ترتب عليهما من ارتفاع أجرة الأماكن على اختلافها بعد انقطاع ورود المواد الأولية
للبناء ونضوبه، وازدياد النازحين إلى المدن، بالإضافة إلى الزيادة الطبيعية فى سكانها،
وكان أن عمد المشرع إلى مواجهة هذه الأزمة بتشريعات استثنائية – قدر فى شأنها الضرورة
بقدرها – خرج فيها على القواعد العامة فى عقد الايجار، مستهدفا بها – على الأخص – الحد
من حرية المؤجر فى تقدير الأجرة واعتبار العقد ممتدا بقوة القانون بذات شروطه الأصلية
عدا المدة والأجرة. ولئن صح القول بأن مواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها، اقتضى
أن تكون التشريعات الاستثنائية الصادرة دفعا لها أو تخفيفا من قسوتها، متصلة حلقاتها،
مترامية فى زمن تطبيقها، محتفظة بذاتيتها واستقلالها عن القانون المدنى، متعلقة أحكامها
بالنظام العام لإبطال كل اتفاق على خلافها، ولضمان سريانها بأثر مباشر على الآثار التى
رتبتها عقود الإيجار القائمة عند العمل بها ولو كانت مبرمة قبلها، وزايلتها بالتالى صفتها المؤقتة، وآل الأمر إلى اعتبار أحكامها من قبيل التنظيم الخاص لموضوعها، إلا
أن تطبيقها ظل مرتبطا بالضرورة التى أملتها، وما كان ينبغى لسريانها أن يجاوز قدر هذه
الضرورة، وإلا اعتبر إقرارها فيما جاوز هذا النطاق مخالفا للدستور لخروجها على مقتضى
الوظيفة الاجتماعية لحق الملكية وانتقاصها بالتالى – ودون مسوغ مشروع – من الحماية
التى كفلها الدستور لهذا الحق.
وحيث إنه إذ كان ذلك، وكانت القيود المرتبطة بهذا التنظيم الخاص أساسها حالة الضرورة
– ومعها تدور وجودا وعدما – باعتبارها علة لتقريرها، وكان المشرع قد دأب فى تلك التشريعات
كافة – بدءا من القانون رقم 121 لسنة 1947 فى شأن إيجار الأماكن، وانتهاء بالقانون
رقم 49 لسنة 1977 المشار إليه – على تحديد نطاق لتطبيقها قصره أصلا على المدن، مع الترخيص
بمد سريان أحكامها كلها أو بعضها إلى القرى وفق ما هو منصوص عليه فيه، وهو ما يدل
على أن التشريعات الاستثنائية لا تسرى على القرى إلا استثناء، وعلى ضوء حالة الضرورة
المرتبطة بأوضاع كل قرية وظروفها الخاصة، وذلك خلافا للمدن التى أفصح الواقع العملى
عن أن أزمة الإسكان واقعة أصلا فى نطاقها، وأن حدتها فى مجالها أكثر تفاقما وأبعد غورا
مما اقتضى سريان التشريعات الاستثنائية المنظمة للعلائق الإيجارية فى شأنها سريانا
مباشرا لا متراخيا، وحمل المشرع على أن يؤثر المدن – ابتداء – بهذا التنظيم الخاص لمواجهة
مخاطر فادحة ناشئة عن أزمة الإسكان المحيطة بها أو المترتبة عليها. إذ كان ذلك وكان
الأصل فى سلطة المشرع فى مجال تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور
بضوابط معينة، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريها المشرع بين
البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرها ملاءمة للوفاء
بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم، وكان ما قرره المدعى من أن مشكلة
الإسكان فى القرى باتت تتفاقم حدتها وتتعاظم مخاطرها، خلافا لما توقعه المشرع حين أقر
النص التشريعى المطعون فيه، بما يحتم معاملتها على مقتضى الأحكام الاستثنائية السارية
فى المدن، لا يعدو أن يكون جدلا من جانبه فى شأن نطاق تطبيق أحكام قانون إيجار الأماكن،
وهو نطاق يستقل المشرع بتقديره كلما كان ملحوظا فى تحديده ما توجبه الضرورة الناشئة
عن أزمة الإسكان، وفى حدود متطلباتها. إذ كان ذلك، فإن قالة مخالفة النص التشريعى المطعون
فيه للدستور – من هذه الناحية – لا يكون لها محل.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة – من ناحية أخرى – قد جرى على أن عموم القاعدة لا يعنى انصرافها
إلى جميع الموجودين على إقليم الدولة، أو انبساطها على كل ما يصدر عنهم من أعمال. وإنما
تتوافر للقاعدة القانونية مقوماتها بانتفاء التخصيص. ويتحقق ذلك إذا سنها المشرع مجرده
من الاعتداد بشخص معين أو بواقعة بذاتها معينة تحديدا، وكان النص المطعون فيه – بالشروط
التى حدد بها نطاقه ومجال تطبيقه – يتمحض عن قاعدة عامة مجردة لتعلقه بوقائع غير محدد
بذاوتها وانسحابه إلى أشخاص بأوصافهم، وكان مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا
يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت فى مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة.
كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند
إلى أسس موضوعية ولا ينطوى بالتالى على مخالفة لنص المادة 40 من الدستور، بما مؤداه
أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميا ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا
يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها. وتعكس مشروعية
هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية
التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلا إليها، فإذا كان النص التشريعى المطعون عليه – بما
انطوى عليه من التمييز – مصادما لهذه الأغراض مجافيا لها بما يحول دون ربطه منطقيا
بها، أو اعتباره مدخلا إليها، فإن ذلك النص يكون مستندا إلى أسس غير موضوعية ومتبنيا
تمييزا تحكميا بالمخالفة لنص المادة 40 من الدستور. إذ كان ذلك، وكان ما قرره النص
التشريعى المطعون فيه من سريان أحكام إيجار الأماكن – أصلا – على عواصم المحافظات والبلاد
المعتبرة مدناً وفق قانون الإدارة المحلية، مبناه قاعدة عامة مجردة، تستند إلى أسس
موضوعية، لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزا من أى نوع بين المخاطبين بها المتكافئة مراكزهم
القانونية بالنسبة إليها، وكان عدم سريان أحكامه على القرى جميعها بصفة فورية، عائدا
إلى المصلحة العامة التى أملتها أزمة الإسكان فى المدن وما تستلزمه مواجهتها تدابير
استثنائية؛ فإن القواعد التى يقوم عليها هذا التنظيم الخاص تعتبر مرتبطة بأغراضه النهائية
مؤدية إليها، وتكون قالة الاخلال بمبدأ المساواة المنصوص عليه فى المادة الأربعين من
الدستور، تكون فاقدة لاساسها.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، والزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه أتعابا للمحاماه.
