الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1777 لسنة 34 ق – جلسة 18 /05 /1965 

أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
العدد الثاني – السنة 16 – صـ 482

جلسة 18 من مايو سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومختار رضوان، ومحمود عزيز الدين سالم، وحسين سامح.


الطعن رقم 1777 لسنة 34 القضائية

( أ ) مسئولية جنائية. "مسئولية مفترضة". "مسئولية تضامنية".
الإنسان لا يسأل حنائياً إلا عما كان لنشاطه دخل في وقوعه. مجال تطبيق نظريتي المسئولية المفترضة والتضامنية: في الحدود التي ينص عليها القانون.
(ب) قانون. "تفسيره".
وجوب التحرز في تفسير القوانين الجنائية وعدم تحميل عبارتها فوق ما تحتمل.
(ج) عمل. مسئولية جنائية.
عدم مسئولية رب العمل الأصلي عن النشاط الإجرامي للمقاول من الباطن وعما قد يقترفه وحده من أفعال معاقب عليها قانوناً.
(د) عمل. مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. "مسئولية تضامنية".
نص الشارع على نوعين من التضامن في المسئولية: (أولهما) التضامن في المسئولية الجنائية والمدنية بين أصحاب العمل الأصليين (وثانيهما) التضامن في المسئولية المدنية فحسب بين صاحب العمل الأصلي ومن تنازل لهم عن العمليات كلها أو بعضها.
1 – من المقرر في التشريعات الجنائية الحديثة أن الإنسان لا يسأل بصفته فاعلاً أو شريكاً إلا عما يكون لنشاطه دخل في وقوعه من الأعمال التي نص القانون على تجريمها سواء أكان ذلك بالقيام بالفعل أو الامتناع الذي يجرمه القانون. ولا مجال للمسئولية المفترضة أو للمسئولية التضامنية في العقاب إلا استثناء وفى الحدود التي نص عليها القانون.
2 – يجب التحرز في تفسير القوانين الجزائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل.
3 – ليس هناك وجه لمساءلة رب العمل الأصلي عن النشاط الإجرامي للمقاول من الباطن وعما قد يقترفه وحده من أفعال معاقب عليها قانوناً، إذ المادة 53 من القانون رقم 91 لسنة 1959 قد اقتصرت على معالجة حقوق عمال المقاول من الباطن دون أن تشير من قريب أو بعيد إلى ما قد يتردى فيه ذلك المقاول بصفته صاحب العمل المتعاقد معهم من مسئولية جنائية نتيجة لما قد يقع منه شخصياً من إخلال بالالتزامات المقررة قانوناً على عاتقه لصالحهم ويكون من شأنه وقوع فعل من الأفعال المؤثمة قانوناً. وأن المادة 221 من القانون الواردة في باب العقوبات كغيرها من المواد الواردة في ذات الباب لم يرد بها ما يفيد الخروج عن الأحكام العامة في المسئولية الجنائية باعتناق نظرية
المسئولية المفترضة.
4 – مؤدى أحكام المادة 87 من القانون رقم 91 لسنة 1959 التي حلت محل المادة 53 من القانون رقم 317 لسنة 1952 أن المشرع نص على نوعين من التضامن في المسئولية – أولهما – التضامن في المسئولية الجنائية والمدنية بين أصحاب العمل الأصليين باعتبارهم شركاء في المنشأة ومتولين معاً الإشراف عليها وإدارتها – وثانيهما – التضامن في المسئولية المدنية فحسب بين صاحب العمل الأصلي ومن تنازل لهم عن العمليات كلها أو بعضها حتى يخرج بذلك عن الحدود المرسومة للتضامن في القانون المدني.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في يوم أول أبريل سنة 1962 بدائرة مركز شبين الكوم: (أولاً) لم يقوما بتحرير عقود عمل للعمال المبينة أسماؤهم من نسختين. (ثانياً) لم ينشئا ملفاً خاصاً لكل عامل مبيناً به البيانات المقررة. وطلبت عقابهما بالمواد 42، 69، 215، 221، 235 من القانون رقم 91 لسنة 1959. ومحكمة شبين الكوم الجزئية قضت بتاريخ 22/ 12/ 1962 حضورياً للمتهم الأول وحضورياً اعتبارياً للمتهم الثاني عملاً بالمادتين 215 و221/ 1 – 2 من القانون المذكور بتغريم كل منهما جنيهين عن كل عامل عن كل تهمة فاستأنف المتهمان هذا الحكم. ومحكمة شبين الكوم الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت حضورياً في 18/ 5/ 1963 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض… إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي عدم تحرير عقود عمل للعمال وفقاً لقانون العمل وعدم إنشاء ملف لكل منهم قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، ذلك بأنه اعتنق نظرية حكم محكمة أول درجة في شأن تفسير المادة 53 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1959 التي من مقتضاها اعتبار الطاعن بوصفه صاحب العمل الأصلي مسئولاً جنائياً مع المتهم الثاني المقاول من الباطن عن تنفيذ الالتزامات المترتبة على عقد العمل الفردي فيما بين المقاول الأخير وعماله مع أن هذه المادة إنما تلزم في الأصل المقاول من الباطن بأن يسوي في الحقوق بين عماله وعمال صاحب العمل الأصلي وتجعل الأخير متضامناً معه في هذا الالتزام مما يقتضي أن تكون مسئوليته قاصرة على كفالة المساواة من الناحية المدنية وحدها وهو ما يتفق وقواعد المسئولية التضامنية ويمكن استخلاصه مما تنص عليه المادتان 85 و87 من قانون العمل ومن عدم نص المواد 215 و221 و235 منه والخاصة بالعقاب على التضامن في العقوبة.
وحيث إن الدعوى الجنائية أقيمت على كل من الطاعن وآخر بوصف أنهما (أولاً) لم يقوما بتحرير عقود عمل للعمال المبينة أسماؤهم بالمحضر على الوجه المقرر بالقانون (ثانياً) لم ينشئا ملفاً خاصاً لكل عامل مبيناً به البيانات المقررة, وطلبت النيابة العامة معاقبتهما بالمواد 42، 69، 215، 221، 235 من القانون رقم 91 لسنة 1959, ومحكمة أول درجة قضت حضورياً للطاعن وحضورياً اعتبارياً للمتهم الثاني بتغريم كل منهما جنيهين عن كل عامل عن كل تهمة. فاستأنفا وقضت المحكمة الاستئنافية حضورياً بقبول استئنافهما شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بلا مصاريف جنائية – وقد حصل الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه واقعة الدعوى بما مفاده أنها تخلص فيما أثبته مفتش العمل بشبين الكوم في محضره المؤرخ 1/ 4/ 1962 من أنه أثناء مروره على مصنع طوب المتهم الأول (الطاعن) والمتهم الثاني بوصفه مقاولاً من الباطن تبين له أنهما ارتكبا المخالفات الواردة بوصف النيابة عن اثنى عشر عاملاً وأنه بسؤال المتهم الأول (الطاعن) قرر أن المسئول عن هذه المخالفات هو المتهم الثاني الذي يقوم بتوريد الأنفار بموجب اتفاق بينهما – وقد أقر الأخير بما أسند إليه – وبعد أن أورد الحكم على ثبوت الواقعة بالصورة المتقدمة في حق كل من المتهمين أدلة مستمدة مما ورد بمحضر ضبط الواقعة ومن اعتراف المتهم الثاني عرض لدفاع الطاعن بانتفاء مسئوليته ورد عليه في قوله: "ومن حيث إن المادة 53 من القانون رقم 91 لسنة 1959 قد نصت على أنه إذا عهد صاحب العمل إلى آخر بتأدية عمل من أعماله أو جزء منها وكان ذلك في منطقة عمل واحدة وجب على هذا الأخير أن يسوي بين عماله وعمال صحاب العمل الأصلي في جميع الحقوق ويكون هذا الأخير متضامناً معه في ذلك، وقد ورد هذا النص في الفصل الثاني من الباب الثاني من القانون آنف الذكر والخاص بعقد العمل الفردي. ومن حيث إنه يتضح مما تقدم أن القانون قد ألزم كلاً من صاحب العمل والمقاول من الباطن بتنفيذ جميع الالتزامات الخاصة بعقد العمل الفردي ومن ثم يكون كل من المتهمين الأول والثاني مسئولين عن عدم تحرير عقد العمل وإنشاء ملف خاص لكل عامل" لما كان ذلك، وكان الحكم قد انتهى بناء على ما ارتآه من تفسير لنص المادة 53 من قانون العمل إلى اعتبار الطاعن مسئولاً جنائياً عن المخالفات التي ارتكبها المقاول من الباطن نتيجة لمخالفته الالتزامات التي يفرضها عليه عقد العمل الفردي وكان من المقرر في التشريعات الجنائية الحديثة أن الإنسان لا يسأل بصفته فاعلاً أو شريكاً إلا عما كان لنشاطه دخل في وقوعه من الأعمال التي نص القانون على تجريمها سواء أكان ذلك بالقيام بالفعل أو الامتناع الذي يجرمه القانون وأنه لا مجال لتطبيق أي من نظريتي المسئولية المفترضة أو المسئولية التضامنية في العقاب إلا استثناء وفى الحدود التي ينص عليها القانون وأنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجزائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عبارتها فوق ما تحتمل. ولما كان المستفاد من نصوص المواد من 42 إلى 88 من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1959 التي تضمنت أحكام عقد العمل الفردي أنها تكفلت ببيان العديد من حقوق كل من العمال وأصحاب العمل وتحديد الالتزامات المفروضة على كل منهم في سبيل تنظيم تأدية العمل ورفع مستوى الإنتاج وإحكام الرقابة على العمال وأصحاب الأعمال على السواء، وكانت المادة 53 وقد جرى نصها كما يلي: "إذا عهد صاحب العمل إلى آخر بتأدية عمل من أعماله أو جزء منها وكان ذلك في منطقة عمل واحدة وجب على هذا الأخير أن يسوي بين عماله وعمال صاحب العمل الأصلي في جميع الحقوق ويكون هذا الأخير متضامناً معه في ذلك" إنما استهدفت إلزام ملتزم العمل من الباطن بأن يسوي بين عماله وبين عمال صاحب العمل الأصلي في الحقوق كحق اقتضاء الأجر والحصول على الإجازة وتوفير وسائل الانتقال والغذاء والمسكن… وفى صميم هذه الحقوق متى تساوت ظروف العمل وتعادلت المؤهلات والكفاية وتحققت الشروط الواردة بها وجعلت صاحب العمل الأصلي متضامناً معه في تحقيق هذه المساواة حتى توصد الطريق على أصحاب الأعمال الذين يسندون عن عمد كل أو بعض عملهم الأصلي إلى مقاولين أو أصحاب أعمال آخرين رغبة في التخلص من الحقوق التي حصل عليها عمالهم بمقتضى القانون ومنعاً من التفرقة في المعاملة التي تثير الحفيظة ودرءاً لما قد يكون عليه المقاول من الباطن من عجز عن الوفاء بما فرضه عليه القانون من التزامات وليتمكن عمال المقاول من الباطن – في سبيل المحافظة على حقوقهم والحصول عليها – من الرجوع عليه، باعتباره صاحب العمل المتعاقد معهم، وعلى رب العمل الأصلي متضامنين للمطالبة بتلك الحقوق، وهى ذات صيغة مدنية وفقاً لأحكام وقواعد مسئولية المدينين المتضامنين في القانون المدني. لما كان ذلك، وكانت المادة سالفة الذكر قد اقتصرت على معالجة حقوق عمال المقاول من الباطن دون أن تشير من قريب أو بعيد إلى ما قد يتردى فيه ذلك المقاول بصفته صاحب العمل المتعاقد معهم من مسئولية جنائية نتيجة لما قد يقع منه شخصياً من إخلال بالالتزامات المقررة قانوناً على عاتقه لصالحهم ويكون من شأنه وقوع فعل من الأفعال المؤثمة قانوناً وكانت المادة 221 من القانون الواردة في باب العقوبات، كغيرها من المواد الواردة في ذات الباب، لم يرد بها ما يفيد الخروج عن الأحكام العامة في المسئولية الجنائية باعتناق نظرية المسئولية المفترضة، فإنه لا يكون هناك وجه لمساءلة رب العمل الأصلي عن نشاط المقاول من الباطن الإجرامي وعما قد يقترفه وحده من أفعال معاقب عليها قانوناً. ولا يقدح في ذلك ما جرى به نص المادة 87 من القانون التي حلت محل المادة 53 من القانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي من أنه "يكون أصحاب العمل مسئولين بالتضامن فيما بينهم عن أية مخالفة لأحكام هذا الفصل. كما يكون المتنازل لهم عن العمليات كلها أو بعضها متضامنين مع صاحب العمل في الوفاء بجميع التكاليف التي تفرضها الأحكام المشار إليها". إذ أن مؤدى أحكام هذه المادة أن المشرع نص على نوعين من التضامن في المسئولية أولهما التضامن في المسئولية الجنائية والمدنية بين أصحاب العمل الأصليين باعتبارهم شركاء في المنشأة ومتولين معاً الإشراف عليها وإدارتها وثانيهما التضامن في المسئولية المدنية فحسب بين صاحب العمل الأصلي ومن يتنازل لهم عن العمليات كلها أو بعضها حتى يخرج بذلك عن الحدود المرسومة للتضامن في القانون المدني. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه المؤيد لحكم محكمة أول درجة يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله بما يستوجب نقضه. ولما كان كل من الحكمين لم يعن باستظهار وتكييف علاقة الطاعن بالمحكوم عليه الآخر وبيان ما إذا كان الأخير يعتبر بمثابة مورد للعمال الذين يقوم الطاعن بالإشراف عليهم في أداء الأعمال المنوطة بهم أم أنه مقاول من الباطن عهد إليه رب العمل (الطاعن) بأداء كل أو بعض أعماله بعمال من لدنه يعملون تحت إمرته وإشرافه – كما لم يبين أي الحكمين كيف انتهى إلى أن ذلك المحكوم عليه الثاني هو مقاول من الباطن رغم ما ورد في مدونات حكم محكمة أول درجة من أنه إنما يقوم بتوريد الأنفار. لما كان ما تقدم، وكان القصور في بيان الواقعة كما صار إثباتها في الحكم المطعون فيه يعجز هذه المحكمة عن تطبيق حكم القانون عليها على وجهه الصحيح، فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإحالة.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات