الرئيسية الاقسام القوائم البحث

قاعدة رقم الطعن رقم 55 لسنة 4 قضائية “دستورية” – جلسة 05 /09 /1992 

أحكام المحكمة الدستورية العليا ـ الجزء الخامس (المجلد الثانى)
من أول يوليو 1992 حتى آخر يونيو 1993 – صـ 20

جلسة 5 سبتمبر سنة 1992

برئاسة المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر رئيس المحكمة، وحضور السادة المستشارين: الدكتور محمد إبراهيم أبو العينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبد الرحيم غنيم وسامى فرج يوسف ومحمد على عبد الواحد والدكتور عبد المجيد فياض – أعضاء، وحضور السيد المستشار/ محمد خيرى طه عبد المطلب المفوض وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد – أمين السر.

قاعدة رقم
القضية رقم 55 لسنة 4 قضائية "دستورية"

1ـ دعوى دستورية ـ الحكم فيها "حجيته ـ نطاقها". "تشريع" مطاعن شكلية وعيوب موضوعية.
قضاء المحكمة الدستورية العليا بحسم ما أثير من نزاع حول اختصاص رئيس الجمهورية ـ باصدار القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 استنادا إلى المادة 147 من الدستور ـ وحول ما يشوب المادة السادسة من هذا القرار بقانون من عيوب موضوعية ـ أثره ـ النعى من جديد بعدم استيفاء ذلك التشريع لأوضاعه الشكلية التى تطلبها الدستور، فى غير محله.
2ـ دعوى دستورية "المصلحة فيها بالنسبة إلى ساقطى الجنسية والمغادرين نهائيا من المصريين".
مناط المصلحة فى الدعوى الدستورية ـ أن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع ـ المصريون الذين أسقطت نهائيا جنسيتهم المصرية أو غادروا البلاد دون عودة، لا يعتبرون من رعايا الدول الأجنبية التى أبرمت مصر معها اتفاقيات دولية فى شأن ما يستحقونه من تعويضات عن تدابير الحراسة ـ خضوع هاتين الفئتين لأحكام الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 فى شأن تحديد التعويض المستحق لهم ـ اقتصار مصلحتهم فى الطعن على أحكام هذه الفقرة.
3ـ التعويض عن تدابير الحراسة "قضاء المحكمة فى شأن هذا التعويض ـ أثره".
إذ خلص قضاء هذه المحكمة إلى أن التعويض المقرر وفقا للفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 ـ فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى من أسقطت عنهم الجنسية المصرية أو تخلوا عنها ـ مؤداه استيلاء الدولة دون مقابل على ما يجاوز الحد الأقصى المقرر لهذا التعويض بالمخالفة للمادتين 34، 36 من الدستور، فإن هذا القضاء تكون حجيته مطلقة لانسحابه إلى الدولة وإلى الكافة بما يحول دون المنازعة فيه أو إعادة طرحه من جديد على هذه المحكمة.
4ـ الخصومة فى الدعاوى الدستورية "طبيعتها" ـ خضوع الدولة للقانون "أثره على الاحكام الصادرة فى الدعوى الدستورية" ـ ولاية المحكمة الدستورية العليا "مرجعها فيما يصدر عنها من قضاء فى المسائل الدستورية".
الدعوى الدستورية من الدعاوى العينية، والخصومة فيها قوامها مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور تحريا لتطابقها معها إعلاء للشرعية الدستورية. وقد الزم الدستور فى المادة 65 منه الدولة بالخضوع للقانون، وجعل من علوه عليها وانعقاد السيادة لأحكامه، قاعدة لنظامها، ومحوراً لبناء أساس الحكم فيها على ما تقضى به المادة 64 بما يردها عن التحلل من قضاء هذه المحكمة أو مجاوزة مضمونه، وآية ذلك، أن هذه المحكمة تستمد مباشرة من الدستور ولايتها فى مجال الرقابة الدستورية، ومرجعها إلى أحكامه ـ وهو القانون الأعلى ـ فيما يصدر عنها من قضاء فى المسائل الدستورية.
5ـ تشريع "إحالته فى تنظيم موضوع معين إلى أحكام بذاتها تستقل عن النص التشريعى المطعون عليه: أثره".
إذ كان النص التشريعى المطعون عليه قد أحال فى مجال تحديد الأموال وقيمة التعويضات المستحقة لأصحابها إلى تنظيم تشريعى معين، فإن الأحكام المحال إليها ـ فى مجال تطبيق كل منها وبالنسبة إلى المخاطبين بها ـ تكون هى مناط الرقابة التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين واللوائح، وهى التى يجب أن يتناولها الطعن بعدم الدستورية إذا كان تطبيقها على المدعين قد أخل بمصالحهم الشخصيه المباشرة.
6ـ تشريع "مزاياه".
ليس لأحد أن يطعن على نص تشريعى يكون قد أفاد من مزاياه.
1ـ إن ما ينعاه المدعون من صدور القرار بقانون المطعون عليه دون تفويض من السلطة التشريعية بالمخالفة لنص المادتين 86، 108 من الدستور، يندرج تحت المطاعن الشكلية التى جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبناها مخالفة نص تشريعى للأوضاع الإجرائية التى تطلبها الدستور، سواء فى ذلك ما كان منها متصلا باقتراح النصوص التشريعية أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية، أم ما كان منها متعلقا بالشروط التى يفرضها الدستور لممارسة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصدارها فى غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها، وكان البين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون المطعون عليه ـ وعلى ما قررته المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر فى القضيتين رقمى 139، 140 لسنة 5 قضائية "دستورية" والذى نشر فى الجريدة الرسمية بتاريخ 3 يولية سنة 1986 ـ من أن القرار بقانون المطعون عليه رقم 141 لسنة 1981 صدر استنادا إلى المادة 147 من الدستور، ملتزما الحدود الضيقة التى تفرضها الطبيعة الاستثنائية لمباشرة رئيس الجمهورية الأختصاص بإصداره فى غيبة السلطة التشريعية، وكان هذا القضاء نافيا لصدور هذا القرار بقانون أثناء انعقاد السلطة التشريعية بناء على تفويض منها فى الأحوال المنصوص عليها فى المادة 108 من الدستور، ومن ثم فان قالة مخالفة ذلك القرار بقانون لاوضاعه الشكلية المنصوص عليها فى الدستور، تكون قد طرحت على هذه المحكمة وكلمتها فى شأنها قاطعة لا تحتمل تعقيبا أو تأويلا. كما أن قضاء هذه المحكمة فى القضيتين المشار إليهما، جزم كذلك بأن محكمة القيمة المشكلة وفقا للقانون رقم 95 لسنة 1980، تعتبر القاضى الطبيعى فى مفهوم المادة 68 من الدستور بالنسبة إلى المنازعات المنصوص عليها فى المادة السادسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981، وهى دعاوى ومنازعات الحراسة على أموال الأشخاص الطبيعيين والأشخاص الاعتبارية. ولا تعدو إثارة المدعين لهذا النزاع من جديد بنعيهم على المادة السادسة المشار إليها مخالفتها المادتين 68، 167 من الدستور، أن تكون جحدا للحجية المطلقة التى أثبتها قانون هذه المحكمة لأحكامها فى المسائل الدستورية.
2ـ مناط المصلحة فى الدعوى الدستورية ـ وهى شرط لقبولها ـ أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع. وإذ كان ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه من استمرار تطبيق أحكام اتفاقيات التعويضات مع بعض الدول الأجنبية على رعايا هذه الدول الذين خضعوا لتدابير الحراسة المشار إليها فى المادة الأولى من هذا القرار بقانون. مشروط بأن يكون المدعون من رعايا الدول الأجنبية التى أبرمت مصر معها اتفاقيات دولية فى شأن التعويضات التى يستحقونها عن أموالهم وممتلكاتهم التى جرى إخضاعها لتدابير الحراسة استنادا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ، وكان المدعون لا يندرجون تحت هؤلاء الرعايا، بل تنظم أوضاعهم ـ وبحكم كونهم من المصريين الذين أسقطت عنهم الجنسيه المصرية ـ الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه التى أوردها المشرع ليحدد بمقتضاها التعويض المستحق عن تدابير الحراسة لفئتين من الأشخاص هما: من أسقطت عنهم الجنسية المصرية ولم ترد إليهم من ناحية؛ ومن غادروا مصر مغادرة نهائية ولم يعودوا إلى الإقامة بها خلال المدة المنصوص عليها فى القانون رقم 69 لسنة 1974 بإصدار قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة من ناحية أخرى. متى كان ذلك، فان مصلحة المدعين تتعلق بالفقرة الثانية من المادة الثالثة المشار إليها، وبها تتحدد المسألة الدستورية التى تدعى هذه المحكمة للفصل فيها.
3ـ إذ كان المشرع قد حدد التعويض عن تدابير الحراسة المستحق لهاتين الفئتين وفقا لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1971 ـ وفى الحدود المنصوص عليها فيه ـ وكان أمر هذا التعويض قد عرض على هذه المحكمة فى الدعوى رقم 8 لسنة 8 قضائية "دستورية" وخلص قضاؤها فى شأنها الصادر فى 7 مارس سنة 1992 إلى أن التعويض المقرر وفقا للفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه ـ فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى من أسقطت عنهم الجنسية المصرية أو تخلوا عنها ـ مشروط بألا يجاوز مقداره حدا معينا، ومؤداه استيلاء الدولة دون مقابل على ما يجاوز هذا الحد، الأمر الذى يتضمن اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة لحكم المادتين 34، 36 من الدستور، وخروجا على المادة 37 منه التى لا تجيز تحديد حد أقصى للأموال التى يجوز تملكها فى غير نطاق الملكية الزراعية، وقد نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية بتاريخ 2 أبريل سنة 1992، متى كان ذلك، فان قضاء هذه المحكمة ـ فيما فصل فيه ـ سواء من ناحية العيوب الشكلية أو المطاعن الموضوعية، إنما يحوز حجية مطلقة فى مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بكامل سلطاتها وعلى امتداد تنظيماتها المختلفة، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه، أو السعى لنقضه من خلال إعادة طرحه على هذه المحكمة لمراجعته.
4ـ الخصومة فى الدعوى الدستورية ـ وهى بطبيعتها من الدعاوى العينية ـ قوامها مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور تحريا لتطابقها معها إعلاءً للشرعية الدستورية. ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هى موضوع الدعوى الدستورية، أو هى بالأحرى محلها. وإهدارها بقدر تهاترها مع أحكام الدستور، هى الغاية التى تبتغيها هذه الخصومة، وقضاء المحكمة فى شأن تلك النصوص هو القاعدة الكاشفة عن حقيقة صحتها أو بطلانها. ومن ثم لا يعتبر قضاء المحكمة باستيفاء النص التشريعى المطعون عليه لأوضاعه الشكلية أو انحرافه عنها، أو اتفاقه مع الأحكام الموضوعية فى الدستور، أو مروقة عنها، منصرفا إلى من كان طرفا فى الخصومة الدستورية دون سواه، بل منسحبا إليه وإلى الأغيار كافة، ومتعديا إلى الدولة التى ألزمها الدستور فى المادة 65 منه بالخضوع للقانون وجعل من علوه عليها وانعقاد السيادة لأحكامه، قاعدة لنظامها، ومحورا لبناء أساس الحكم فيها على ما تقضى به المادة 64 من الدستور بما يردها عن التحلل من هذا القضاء أو مجاوزة مضمونه، ويلزم كل شخص بالعمل على مقتضاه وضبط سلوكه وفقا لفحواه، ذلك أن هذه المحكمة تستمد مباشرة من الدستور ولايتها فى مجال الرقابة الدستورية، ومرجعها إلى أحكامه ـ وهو القانون الأعلى ـ فيما يصدر عنها من قضاء فى المسائل الدستورية التى تطرح عليها ـ وكلمتها فى شأن دلالة النصوص التى يضمها الدستور بين دفتيه هى القول الفصل، وضوابطها فى التأصيل ومناهجها فى التفسير هى مدخلها إلى معايير منضبطة تحقق لأحكام الدستور وحدتها العضوية وتكفل الانحياز لقيم الجماعة فى مختلف مراحل تطورها. وليس إلتزمها بإنفاد الأبعاد الكاملة للشرعية الدستورية إلا إرساء لحكم القانون فى مدارجه العليا وفاء بالأمانة التى حملها الدستور بها، وعقد لها ناصية النهوض بتبعاتها، وكان حتما أن يكون التقيد بأحكامها مطلقا ساريا على الدولة والناس أجمعين، وعلى قدم من المساواة الكاملة، وهو ما أثبتته المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا.
5، 6ـ إذ نصت المادة الخامسة من القرار بقانون المطعون عليه على أن "تحدد الاموال وقيمة التعويضات المستحقة وفقا لأحكام هذا القانون، ويخطر صاحب الشأن بذلك، ويكون له حق المنازعة فى هذا التحديد وقيمة التعويضات المستحقة خلال ستين يوما من تاريخ تسلمه أو إعلانه على يد محضر بهذا التحديد وبقيمة التعويض"، وكان المدعون ينعون عليها مخالفتها للحماية التى كفلها الدستور للملكية الخاصة فى المادتين 34، 36 منه، وكان المشرع قد أورد الجملة الأولى من هذه المادة لا ليقرر بموجبها حكما جديدا مضافا إلى النصوص الأخرى التى اشتمل عليها القرار بقانون المطعون عليه ويستقل بمضمونه عنه، وإنما ليحيل بمقتضاها إلى أحكام هذا القرار بقانون فى مجال تحديد الأموال وقيمة التعويضات المستحقة لأصحابها، ومن ثم تكون الأحكام المحال إليها ـ فى مجال تطبيق كل منها وبالنسبة إلى المخاطبين بها ـ هى مناط الرقابة التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا على دستورية القوانين واللوائح، وهى التى ينبغى أن يتناولها الطعن بعدم الدستورية إذا كان تطبيقها على المدعين قد أخل بمصالحهم الشخصية المباشرة. أما الجملة الثانية من المادة الخامسة من القرار بقانون المطعون عليه، فتخول كل ذى شأن حق المنازعة فى تحديد قيمة الأموال وقيمة التعويض خلال ستين يوما من تاريخ علمه أو إخطاره على يد محضر بهذا التحديد وبقيمة التعويض، وهو حكم يتمحض لمصلحة المدعين، ولا يتصور أن يكون قد أضر بهم. وليس لأحد ـ وعلى ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا ـ أن يطعن على نص تشريعى يكون قد أفاد من مزاياه.


الاجراءات

بتاريخ 15 مارس سنة 1982 أودع المدعون صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبين الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى أو برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع ـ على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق ـ تتحصل فى أن المدعين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 4697 لسنة 1980 مدنى كلى جنوب القاهرة ضد المدعى عليهم فى الدعوى الماثلة بطلب الحكم بعدم الاعتداد بالتصرفات الصادرة عن الحارس العام فى شأن أموال وممتلكات مورثهم المشار اليها فى صحيفة الدعوى وتسليمها إليهم. وقد أحيلت هذه الدعوى إلى محكمة القيم حيث قيدت برقم 217 لسنة 1 ق "قيم" وفيها دفع المدعون بجلسة 14 فبراير سنة 1982 بعدم دستورية القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981، فقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى وحددت لهم شهرا لرفع الدعوى الدستورية، فأقاموا الدعوى الماثلة.
وحيث إن المدعين ينعون على القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 المشار إليه مخالفته للمادتين 86، 108 من الدستور لانتزاع رئيس الجمهورية ولاية التشريع من مجلس الشعب دون تفويض منه بإصداره. كما ينعون على مادتيه الثانية والخامسة، انطواءهما على عدوان على الملكية الخاصة ومصادرة لها بغير حكم قضائى بالمخالفة للمادتين 34، 36 من الدستور، وإهدارهما حجية الحكم الصادر من هذه المحكمة بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964، ويصمون كذلك مادته الثالثة بمخالفتها مبدأى تكافؤ الفرص والمساواة المنصوص عليهما فى المادتين 8 و40 من الدستور قولا بأنها تقيم تفرقة لا مبرر لها بين الأفراد فى مجال رد الأموال والممتلكات التى خضعت لتدابير الحراسة. ويضيفون إلى ما تقدم أن مادته السادسة مصادمة للمادتين 68، 167 من الدستور لعقدها الاختصاص بنظر المنازعات المتعلقة بالأموال والممتلكات التى خضعت للحراسة لمحكمة القيم دون القضاء العادى قاضيها الطبيعى.
وحيث إن ما ينعاه المدعون من صدور القرار بقانون المطعون عليه دون تفويض من السلطة التشريعية بالمخالفة لنص المادتين 86، 108 من الدستور، يندرج تحت المطاعن الشكلية التى جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبناها مخالفة نص تشريعى للأوضاع الإجرائية التى تطلبها الدستور، سواء فى ذلك ما كان منها متصلا باقتراح النصوص التشريعية أو إقرارها أو إصدارها حال انعقاد السلطة التشريعية، أم ما كان منها متعلقا بالشروط التى يفرضها الدستور لممارسة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصدارها فى غيبة السلطة التشريعية أو بتفويض منها، وكان البين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون المطعون عليه ـ وعلى ما قررته هذه المحكمة بحكمها الصادر فى القضيتين رقمى 139، 140 لسنة 5 قضائية "دستورية" والذى نشر فى الجريدة الرسمية بتاريخ 3 يوليو سنة 1986 ـ أن القرار بقانون المطعون عليه صدر استنادا إلى المادة 147 من الدستور، ملتزما الحدود الضيقة التى تفرضها الطبيعة الاستثنائية لمباشرة رئيس الجمهورية الاختصاص بإصداره فى غيبة السلطة التشريعية، وكان هذا القضاء نافيا لصدور هذا القرار بقانون أثناء انعقاد السلطة التشريعية بناء على تفويض منها فى الأحوال المنصوص عليها فى المادة 108 من الدستور، فإن وجه النعى الذى أثاره المدعون فى شأن عدم استيفاء ذلك القرار بقانون لأوضاعه الشكلية، ويكون قد طرح على هذه المحكمة وكلمتها فيه قاطعة لا تحتمل تعقيبا أو تأويلا.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة فى القضيتين المشار إليهما جزم كذلك بأن محكمة القيم المشكلة وفقا للقانون رقم 95 لسنة 1980 تعتبر القاضى الطبيعى فى مفهوم المادة 68 من الدستور بالنسبة إلى المنازعات المنصوص عليها فى المادة السادسة من القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 وهى دعاوى ومنازعات الحراسة على أموال الأشخاص الطبيعيين والأشخاص الاعتبارية، فإن عودة المدعين إلى إثارة هذا النزاع من جديد بنعيهم على المادة السادسة المشار إليها مخالفتها المادتين 68، 167 من الدستور، لا يعدو أن يكون من جانبهم جحدا للحجية المطلقة التى أثبتها قانون هذه المحكمة لأحكامها فى المسائل الدستورية.
وحيث إن مورث المدعين كل مصريا وقت فرض الحراسة على أمواله وممتلكاته، وقد اسقطت عنه الجنسية المصرية بعد أن غادر البلاد مغادرة نهائية، وكان المدعى الأول والمدعية الثالثة مصريين كذلك، وقد أسقطت عنهما الجنسية المصرية لمغادرتهما البلاد نهائيا بنية عدم العودة، وكان من بين الأوراق المقدمة بملف الدعوى فى شأن المدعية الثانية ما يدل كذلك على إسقاط الجنسية المصرية عنها، وكان المقرر ـ على ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ أن مناط المصلحة فى الدعوى الدستورية ـ وهى شرط لقبولها ـ أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازما للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، وكانت واقعة النزاع الماثل – وعلى ما سلف البيان – تدل على أن مصلحة المدعين جميعهم تنحصر فى الطعن على الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه دون فقرتها الأولى ومادته الثانية، فإن مناعى المدعين تتحدد فى هذا النطاق دون غيره، ومن ثم تقتصر عليه ولا تتعداه. يؤيد ذلك أن ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه من استمرار تطبيق أحكام اتفاقيات التعويضات مع بعض الدول الأجنبية على رعايا هذه الدول الذين خضعوا لتدابير الحراسة المشار إليها فى المادة الأولى من هذا القرار بقانون – مشروط بأن يكون المدعون من رعايا الدول الأجنبية التى أبرمت مصر معها اتفاقيات دولية فى شأن التعويضات التى يستحقونها عن أموالهم وممتلكاتهم التى جرى إخضاعها لتدابير الحراسة استنادا إلى أحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 فى شأن حالة الطوارئ. ولا يعتبر المدعون – وعلى ما تقدم – من هؤلاء الرعايا، بل تنظم أوضاعهم ـ وبحكم كونهم من المصريين الذين أسقطت عنهم الجنسية المصرية ـ الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه التى أوردها المشرع ليحدد بمقتضاها التعويض المستحق عن تدابير الحراسة لفئتين من الأشخاص هما: من أسقطت عنهم الجنسية المصرية ولم ترد إليهم من ناحية؛ ومن غادروا مصر مغادرة نهائية ولم يعودوا إلى الإقامة بها خلال المدة المنصوص عليها فى القانون رقم 69 لسنة 1974 بإصدار قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة من ناحية أخرى. متى كان ذلك، وكان المشرع قد حدد التعويض المستحق لهاتين الفئتين عن تلك التدابير وفقا لأحكام القانون رقم 49 لسنة 1971 ـ وفى الحدود المنصوص عليها فيه ـ وكان أمر هذا التعويض قد عرض على هذه المحكمة فى القضية رقم 8 لسنة 8 قضائية "دستورية" وخلص قضاؤها فى شأنها الصادر فى 7 مارس سنة 1992 إلى أن التعويض المقرر وفقا للفقرة الثانية من المادة الثالثة من القرار بقانون المطعون عليه ـ فى مجال تطبيقها بالنسبة إلى من أسقطت عنهم الجنسية المصرية أو تخلوا عنها ـ مشروط بألا يجاوز مقداره حدا معينا، ومؤداه استيلاء الدولة دون مقابل على ما يجاوز هذا الحد، الأمر الذى يتضمن اعتداء على الملكية الخاصة ومصادرة لها بالمخالفة لحكم المادتين 34، 36 من الدستور، وخروجا على المادة 37 منه التى لا تجيز تحديد حد أقصى للأموال التى يجوز تملكها فى غير نطاق الملكية الزراعية. وقد نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية بتاريخ 2 أبريل سنة 1992. متى كان ذلك، وكان من المقرر أن قضاء هذه المحكمة ـ فيما فصل فيه فى الدعاوى المتقدمة ـ سواء من ناحية العيوب الشكلية أو المطاعن الموضوعية، إنما يحوز حجية مطلقة فى مواجهة الكافة، وبالنسبة إلى الدولة بكامل سلطاتها وعلى امتداد تنظيماتها المختلفة، وهى حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه، أو السعى لنقضه من خلال إعادة طرحه على هذه المحكمة لمراجعته، ذلك أن الخصومة فى الدعوى الدستورية ـ وهى بطبيعتها من الدعاوى العينية ـ قوامها مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور تحريا لتطابقها معها إعلاءً للشرعية الدستورية. ومن ثم تكون هذه النصوص ذاتها هى موضوع الدعوى الدستورية، أو هى بالأحرى محلها. واهدارها بقدر تهاترها مع أحكام الدستور، هى الغاية التى تبتغيها هذه الخصومة. وقضاء المحكمة فى شأن تلك النصوص هو القاعدة الكاشفة عن حقيقة صحتها أو بطلانها. ومن ثم لا يعتبر قضاء المحكمة باستيفاء النص التشريعى المطعون عليه لأوضاعه الشكلية أو انحرافه عنها، أو اتفاقه مع الأحكام الموضوعية فى الدستور أو مروقه عنها، منصرفا إلى من كان طرفا فى الخصومة الدستورية دون سواه، بل منسحبا إليه وإلى الأغيار كافة، ومتعديا إلى الدولة التى ألزمها الدستور فى المادة 65 منه بالخضوع للقانون، وجعل من علوه عليها وانعقاد السيادة لأحكامه، قاعدة لنظامها، ومحوراً لبناء أساس الحكم فيها على ما تقضى به المادة 64 من الدستور، بما يردها عن التحلل من القضاء هذه المحكمة أو مجاوزة مضمونه، ويلزم كل شخص بالعمل على مقتضاه وضبط سلوكه وفقا لفحواه. ذلك أن هذه المحكمة تستمد مباشرة من الدستور ولايتها فى مجال الرقابة الدستورية، ومرجعها إلى أحكامه ـ وهو القانون الأعلى ـ فيما يصدر عنها من قضاء فى المسائل الدستورية التى تطرح عليها ـ وكلمتها فى شأن دلالة النصوص التى يضمها الدستور بين دفتيه هى القول الفصل، وضوابطها فى التأصيل ومناهجها فى التفسير هى مدخلها إلى معايير منضبطة تُحقق لأحكام الدستور وحدتها العضوية وتكفل الانحياز لقيم الجماعة فى مختلف مراحل تطورها. وليس التزامها بإنفاد الأبعاد الكاملة للشرعية الدستورية إلا إرساء لحكم القانون فى مدارجه العليا وفاء بالأمانة التى حملها الدستور بها وعقد لها ناصية النهوض بتبعاتها، وكان حتما أن يكون التقيد بأحكامها مطلقا ساريا على الدولة والناس أجمعين وعلى قدم من المساواة الكاملة. وهو ما أثبتته المادة 49 من قانون هذه المحكمة. متى كان ذلك، فإن الخصومة فى هذا الشق تكون غير مقبولة بعد أن حسمتها هذه المحكمة بأحكامها التى سلف بيانها.
وحيث إن المادة الخامسة من القرار بقانون المطعون عليه تنص على أن "تحدد الأموال وقيمة التعويضات المستحقة وفقا لأحكام هذا القانون، ويخطر صاحب الشأن بذلك، ويكون له حق المنازعة فى هذا التحديد وقيمة التعويضات المستحقة خلال ستين يوما من تاريخ تسلمه أو إعلانه على يد محضر بهذا التحديد وبقيمة التعويض". وإذ نعى المدعون على المادة المتقدمة مخالفتها للحماية التى فرضها الدستور للملكية الخاصة فى المادتين 34، 36 منه، وكان المشرع قد أورد الجملة الأولى من هذه المادة لا ليقرر بموجبها حكما جديدا مضافا إلى النصوص الأخرى التى اشتمل عليها القرار بقانون المطعون عليه ويستقل بمضمونه عنه، وإنما ليحيل بمقتضاها إلى أحكام هذا القرار بقانون فى مجال تحديد الأموال وقيمة التعويضات المستحقة لأصحابها. ومن ثم تكون الأحكام المحال إليها ـ فى مجال تطبيق كل منها وبالنسبة إلى المخاطبين بها ـ هى مناط الرقابة التى تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح، وهى التى ينبغى أن يتناولها الطعن بعدم الدستورية إذا كان تطبيقها على المدعين قد أخل بمصالحهم الشخصية المباشرة. أما الجملة الثانية من المادة الخامسة من القرار بقانون المطعون عليه، فتخول كل ذى شأن حق المنازعة فى تحديد قيمة الأموال وقيمة التعويض خلال ستين يوما من تاريخ علمه أو إخطاره على يد محضر بهذا التحديد وبقيمة التعويض، وهو حكم يتمحض لمصلحة المدعين، ولا يتصور أن يكون قد أضر بهم، وليس لأحد ـ وعلى ما جرى به قضاء المحكمة ـ أن يطعن على دستورية نص تشريعى يكون قد أفاد من مزاياه، الأمر الذى يتعين معه الالتفات عن المطاعن التى أثارها المدعون فى شأن المادة الخامسة سالفة البيان.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى، وبمصادرة الكفالة، والزمت المدعين المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات