المحكمة الادارية العليا – الطعن رقم 6517 لسنة 51ق عليا
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
الدائرة الرابعة
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ إسماعيل صديق راشد – نائب رئيس
مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ حسين على شحاته السماك – نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ حسن كمال أبو زيد – نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ أحمد إبراهيم زكي الدسوقي – نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ د. حسني درويش عبد الحميد – نائب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار/ عصام أبو العلا – مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ يحيي سيد على – سكرتير المحكمة
أصدرت الحكم الآتي
في الطعن رقم 6517 لسنة 51ق. عليا
المقام من
أحمد عبد الحميد درويش ومحمد عبد القادر محمد
ضد
رئيس هيئة النيابة الإدارية… بصفته
طعنا في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها بجلسة 25/ 12/
2004 في الدعوى رقم152 لسنة45ق
الإجراءات
في يوم الأحد الموافق 20/ 2/ 2005 أودع الأستاذ/ حسان عواد أحمد
المحامي بصفته وكيلا عن الطاعنين تقرير الطعن الماثل قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا
حيث قيد بجدولها تحت رقم 6517 لسنة 51ق. عليا طعنا على الحكم المشار إليه بعاليه والقاضي:
(بمجازاة محمد عبد القادر محمد بخصم شهر من راتبه وبمجازاة أحمد عبد الحميد درويش بالوقف
عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع صرف نصف الأجر خلال مدة الوقف).
وطلب الطاعنان للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا، وبصفة مستعجلة
بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغائه والقضاء مجددا ببراءة الطاعنين مما
هو منسوب إليهما.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا
وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا بعدم جواز نظر الدعوى التأديبية
رقم 52 لسنة 45ق لسبق مجازاة الطاعنين إداريا.
وقد حدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 8/ 2/ 2006، وبجلسة 24/
5/ 2006 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 2/ 7/ 2006، وبجلسة
26/ 5/ 2007 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة
على أسبابه لدى النطق به.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
من حيث إنه ولئن كانت الأوراق قد أجدبت مما يفيد إعلان النيابة الإدارية بتقرير الطعن،
إلا أنها وقد حضرت أثناء تداول الطعن بجلسات الفحص والموضوع وبذلك تكون الغاية من الإعلان
قد تحققت فمن ثم يعتبر هذا الحكم قد صدر حضوريا في مواجهة النيابة الإدارية وبالتالي
يسرى ويخيج به عليها.
ومن حيث إن الطعن استوفي سائر أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر المنازعة الماثلة تتحصل في أنه بتاريخ 2/ 9/ 2003 أقامت النيابة الإدارية
الدعوى رقم 152 لسنة 45ق بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية
وملحقاتها متضمنة تقرير اتهام ضد كل من:
1-محمد عبد القادر-مهندس تنظيم بحي المرج-الدرجة الثالثة.
2-أحمد عبد الحميد درويش-مهندس تنظيم بحي المرج-الدرجة الثالثة.
لأنهما خلال المدة من 14/ 11/ 2001 وحتى 8/ 12/ 2002 بجهة عملهما وبوصفهما السابق لم
يؤديا العمل المنوط بهما بدقة وخالفا القواعد والأحكام المالية المعمول بها في القوانين
واللوائح المنظمة لأعمال البناء وذلك بأن الأول:
تراخي في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد مالك العقار الكائن بالقطعة رقم 127 تقسيم الأباصيرى
لقيامه بتنفيذ الأعمال المخالفة المشار إليها سلفا وقيامه ببناء ستة أدوار من السادس
إلى الحادي عشر بذات العقار بدون ترخيص وذلك في المدة من 5/ 9/ 2002 وحتى 8/ 12/ 2002
بالمخالفة للتعليمات وعلى النحو الموضح بالأوراق.
الثاني: تراخي في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد مالك العقار محل التحقيق لقيامه بإجراء
التعديلات وتنفيذ الأعمال المخالفة المنوه عنها سلفا وقيامه ببناء ستة أدوار من السادس
إلى الحادي عشر بذات العقار بدون ترخيص وذلك في المدة من أول شهر مارس 2002 وحتى نهاية
شهر يوليو سنة 2002 بالمخالفة للتعليمات وعلى النحو الموضح بالأوراق.
وارتأت النيابة الإدارية أن المذكورين بذلك يكونا قد ارتكبا المخالفة المالية والإدارية
المنصوص عليها بالمواد الواردة بتقرير الاتهام، لذا طالبت بمحاكمتهما تأديبيا طبقا
لنصوص هذه المواد والمواد الأخرى الواردة بذات التقرير.
وبجلسة 25/ 12/ 2004 صدر الحكم المطعون فيه وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أنه بشأن
ما نسب إلى المحال الأول بصفته مهندس تنظيم بحي المرج ومسئول عن المنطقة الكائن بها
العقار المشار إليه اعتبارا من 5/ 9/ 2002 من تراخي في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد
مالك العقار لارتكابه المخالفات السالف بيانها فإن الثابت من الأوراق والتحقيقات وما
تأيد بشهادة المهندس/ هشام سعيد إبرايهم أن المحال المذكور تراخي خلال المدة من 21/
9/ 2002 حتى 8/ 12/ 2002 في اتخاذ الإجراءات حيال المالك إزاء قيامه بتحويل البدروم
من جراج إلى مخازن والمحال مسئول فقط عما تقدم بحسبان أن الثابت من الأوراق أنه قام
باتخاذ هذه الإجراءات في 9/ 12/ 2002 وأضافت المحكمة أنها وإذ اطمأنت إلى صحة ما تقدم
فإن المحال المذكور يكون قد أخل بواجبات وظيفته على على نحو يستوجب مساءلته تأديبيا
عنها ومجازاته بخصم شهر من راتبه.
واستطرد المحكمة من أنه بشأن ما نسب إلى المحال الثاني بصفته مهندس تنظيم حي المرج
ومسئول عن المنطقة الكائن بها العقار المشار إليه اعتبارا من 14/ 11/ 2001 حتى 4/ 9/
2002 من تراخيه في اتخاذ الإجراءات ضد مالك العقار اعتبارا من مارس 2002 حتى 1/ 8/
2002 إزاء ارتكابه للمخالفات السالف بيانها فإن الثابت من الأوراق والتحقيقات وما تأيد
بشهادة الشهود وما أقر به المحال أنه لم يقم باتخاذ الإجراءات المشار إليها إلا بعد
أن أوضحها له الشاهد/ ضياء الدين العوضي رزق-وكيل الإسكان بحي المرج-وأنه لم يكن يعلم
وإذ اطأنت المحكمة إلى هذه الأقوال التي تأيدت بما حوته الأوراق والمستندات على نحو
تضحي معه المخالفة المنسوبة إلى المحال الثاني ثابتة في حقه ثبوتا يقينيا مما يتعين
معه مساءلته تأديبيا عما تقدم وبمجازاته بالوقف عن العمل لمدة ثلاثة أشهر مع صرف نصف
الأجر خلال مدة الوقف.
ومن حيث إن مبني الطعن الماثل على الحكم الطعين ينحصر في مخالفة القانون والخطأ في
تطبيقه وتأويله على سند من القول أن الحكم الطعين قد استند إلى أحكام القانون رقم 42
لسنة 1967 بشأن التفويض في بعض الاختصاصات للخلوص إلى مشروعية تفويض رئيس الجهاز المركزي
للمحاسبات لاختصاصه المنصوص عليه بالمادة الخامسة ن القانون رقم 144 لسنة 1988 بشأن
الجهاز المركزي للمحاسبات إلى وكلائه وهو مالا يستقيم وصراحة النص سالف الذكر إذ أن
المشرع قد خول رئيس الجهاز المذكور وحده دون غيره بهذا الاختصاص فضلا عما شاب الحكم
الطعين من القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة ما هو ثابت بالأوراق فضلا
عن الغلو في تقدير الجزاء الأمر الذي يتعين معه إلغائه والقضاء مجددا ببراءة الطاعنين
مما هو منسوب إليهم بتقرير الاتهام وخلص الطاعنون إلى طلب الحكم لهم بطلباتهم سالفة
البيان.
ومن حيث إن واقعات الطعن الماثل تخلص حسبما يبين من مطالعة الأوراق فيما تناولته النيابة
الإدارية للإدارة المحلية-القسم الثاني-بالتحقيق فيما أبلغت به الشئون القانونية بحي
المرج بشأن التحقيق في بعض المخالفات التي اكتشفت بالعقار الكائن بالقطعة رقم 127 تقسيم
الأباصيري، وخلصت النيابة الإدارية بمذكرتها المعدة في القضية رقم 763 لسنة 2002 إلى
ثبوت مسئولية الطاعنين عن المخالفات المنسوبة إليهما والمنوه عنها بصدر هذا التقرير
وأوصت النيابة الإدارية بمجازاة الطاعنين إداريا مع أخذ الطاعن الأول بالشدة وبغخطار
الجهاز المركزي للمحاسبات وبتاريخ 11/ 3/ 2003 قرر نئاب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية
مجازاة الطاعن الأول بخصم أجر شهر من راتبه ومجازاة الطاعن الثاني بخصم خمسة أيام من
أجره وقد صدر تنفيذ لذلك القرار الإداري رقم 45 لسنة 2003 المؤرخ 26/ 3/ 2003 وبتاريخ
5/ 4/ 2003 عرضت الجهة الإدارية القرار سالف الذكر على الجهاز المركزي للمحاسبات مشفوعا
بالتحقيقات وكافة أوراق الموضوع وارتأي الجهاز المذكور أن الجزاء الموقع على الطاعنين
لا يتناب مع ما ثبت في حقهما لذا فقد طلب إحالة المذكورين إلى المحاكمة التأديبية وبتاريخ
22/ 4/ 2003 وافقت وكيل الجهاز لشئون الإدارة المركزية الثانية للمخالفات المالية المفوض
من رئيس الجهاز بالقرار رقم 1830 لسنة 1999 بشأن تفويض وكلاء الجهاز لشئون الإدارات
المركزية للمخالفات المالية في مباشرة الاختصاص المنصوص عليه في البندين (1، 2) من
الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من قانون الجهاز المركزي للمحاسبات على إحالة الأوراق
إلى النيابة الإدارية للإدارة المحلية-قسم ثان-لتتولي إقامة الدعوى التأديبية ضد الطاعنين
وبناء عليه أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية المنوه عنها بصدر هذا التقرير
ضد المذكورين وطلبت محاكمتهم تأديبيا عما نسب إليهم من مخالفات على النحو المشار إليه
سلفا.
ومن حيث إن المادة الثانية من قانون الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 144 لسنة 1988 تنص
على أن: "يمارس الجهاز أنواع الرقابة الآتية:
………………….. 3-الرقابة القانونية على القرارات الصادرة في شأن المخالفات
المالية".
وتنص المادة الخامسة من ذات القانون على أن "يباشر الجهاز اختصاصاته في
أولا: ………………………………….. ثانيا: ………………………………………..
ثالثا: في مجال الرقابة على القرارات الصادرة في شِأن المخالفات المالية: يختص الجهاز
بفحص ومراجعة القرارات الصادرة من الجهات الخاضعة لرقابته في شأن المخالفات المالية
التي تقع بها وذلك للتأكد من أن الإجراءات المناسبة قد اتخذت بالنسبة لتلك المخالفات
وأن المسئولية عنها قد حددت وتمت محاسبة المسئولين عن ارتكابها ويتعين موافاة الجهاز
بالقرارات المشار إليها خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدورها مصحوبة بكافة أوراق الموضوع
ولرئيس الجهاز ما يأتي:
1-أن يطلب خلال ثلاثين يوما من تاريخ ورود الأوراق كاملة للجهاز-إذا رأي وجها لذلك-تقديم
العامل إلى المحاكمة التأديبية وعلى الجهة المختصة بالإحالة إلى المحاكمة التأديبية
في هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية خلال الثلاثين يوما التالية.
2-أن يطلب إلى الجهة الإدارية مصدره القرار في شأن المخالفة المالية خلال ثلاثين يوما
من تاريخ ورود الأوراق كاملة للجهاز إعادة النظر في قرارها وعليها أن توافي الجهاز
بما اتخذته في هذا الصدد خلال الثلاثين يوما التالية لعلمها بطلب الجهاز.
فإذا لم تستجب الجهة الإدارية لطلب الجهاز كان لرئيسه خلال الثلاثين يوما التالية أن
يطلب تقديم العامل إلى المحاكمة التأديبية وعلى الجهة التأديبية المختصة مباشرة الدعوى
التأديبية خلال الثلاثين يوما التالية".
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن المشرع اختص الجهاز المركزي للمحاسبات – من خلال قطاعاته
وإداراته المركزية والعامة التي يتكون منها هيكله التنظيمي-بفحص ومراجعة القرارات الصادرة
من الجهات الخاضعة لرقابته في شأن المخالفات المالية التي بها وذلك للتأكد من أن الإجراءات
المناسبة لهذه المخالفات قد اتخذت وأن المسئولية عنها قد تحددت وتمت مساءلة المسئولين
عن ارتكابها بما يروعهم عن العودة إليها وأوجب المشرع على الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز
المذكور موافاته بالقرارات المشار إليها خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدورها مرفقا بها
كافة أوراق الموضوع لكي يتمكن من مباشرة ما عهد إليه من اختصاص بفحصها ومراجعتها ويبسط
عليها رقابته على نحو ما قرر القانون، بيد أن المشرع حين نظم أمر تقديم العامل إلى
المحاكمة التأديبية وأوجب على الجهة المختصة بالإحالة إليها وهي النيابة الإدارية مباشرة
الدعوى قبله خلال الثلاثين يوما التالية غاير في الصياغة وناط ذلك لرئيس الجهاز وحده
دون غيره باعتبار أن العامل المطلوب تقديمه للمحاكمة سبق وأن اتخذت الإجراءات القانونية
في مواجهته بنسبة المخالفة المالية إليه والتحقيق معه في شأنها وإيقاع الجزاء الذي
ارتأته السلطة المختصة مناسبا لها ومن ثم فإن قرارها بالجزاء في هذا الشأن يعد مكتمل
الأركان ولذلك ناط المشرع برئيس الجهاز وحده دون غيره سلطة التعقيب على قرار الجزاء
الصادر من السلطة المختصة وإهداره وتقديم العامل إلى المحكمة التأديبية أو أن يطلب
إليها خلال ثلاثين يوما من ورود الأوراق كاملة للجهاز إعادة النظر في قرارها بالجزاء
التي عليها الاستجابة لطلبه وإلا طلب إحالة العامل إلى المحاكمة التأديبية وهذا الاختصاص
الذي ناطه المشرع برئيس الجهاز المركزي للمحاسبات اختصاص معقود له ومقصور عليه لا يجوز
له النزول عنه أو التفويض فيه ذلك أن قانون الجهاز المذكور الصادر بالقانون رقم 144
لسنة 1988 قد ورد خلوا من ثمة نص يجيز ذلك وذلك بالمخالفة لقانون الملغي والسابق عليه
رقم 129 لسنة 1964 والذي كانت المادة منه تجيز لرئيس الجهاز أن يفوض نائب الرئيس
في مباشرة بعض اختصاصاته كما أجازت له تفويض الوكلاء في ذلك مما مقتضاه ونزولا عند
القاعدة الأصولية التي تعتبر المشرع منزها عن السهو واللغو وكل مغايرة في اللفظ يلجأ
إليها بالنسبة إلى وضع تشريعي سابق لابد وأن يقصد به غرضا خاصا ومعني متميزا وأن هذه
المغايرة مقصودة ليس في ذاتها فحسب وإنما في آثارها ومداها القانوني ومن ثم فإذا أسقط
المشرع كلية فكرة (التفويض) من نص المادة من قانون الجهاز المركزي للمحاسبات الصادر
بالقانون رقم 144 لسنة 1988 فهو إسقاط مقصود يمتنع معه على رئيس الجهاز اللجوء إليه
ويتعين عليه تبعا مباشرة ذلك الاختصاص بنفسه دون جواز تفويض غيره.
وهذا ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من أنه "لما لموافقة رئيس الجهاز على
إحالة العامل إلى المحكمة التأديبية من أثر هام وخطير وهو تحريك الدعوى التأديبية قبل
العامل فإنه يتعين أن تكون هذه الموافقة واضحة وصريحة وأن يكون تاريخها واضحا تماما
لا يحوطه لبس أو غموض…. ولما كانت مذكرة وكيل الجهاز التي انتهت إلى طلب الموافقة
على إحالة المطعون ضدهم إلى المحاكمة التأديبية قد خلت من أي توقيع أو تأشيرة بالموافقة
على ما تضمنته من رئيس الجهاز…. ولا يوجد أي توقيع لرئيس الجهاز أو تأشيرة بالموافقة
بما لا يمكن معه التأكد من أن رئيس الجهاز قد وافق على إحالة المطعون ضدهم إلى المحاكمة
التأديبية والأمر في هذا الشأن لا يفترض ولا يستنتج وإنما يجب أن يكون قاطعا وصريحا
وواضحا لا غموض فيه ولا يعتوره شك… ومن ثم فلا يمكن القول بوجود أو صدور موافقة من
رئيس الجهاز على إحالة المطعون ضدهم إلى المحاكمة التأديبية وبالتالي يكون قرار مجازاتهم
من قبل الجهة الإدارية قد أصبح نهائيا وتكون الدعوى التأديبية قد سقطت قبلهم".
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2449 لسنة 39ق. عليا جلسة 26/ 4/ 1997).
ولا يجوز الحجاج في هذا الشأن بجواز تفويض رئيس الجهاز المذكور لاختصاصه في تقديم العامل
إلى المحاكمة التأديبية بسند من جواز التفويض في الاختصاصات التأديبية بحسبان أن القرار
التأديبي يدخل الاختصاص بإصداره ضمن ولاية إصدار القرارات الإدارية عامة بما يخضع له
من ضوابط وأحكام ودون محاجة في ذلك بأن ولاية التأديب لها أهمية وطبيعة خاصة لأن هذه
الأهمية تظل ولاية إصدار القرارات الإدارية بصفة عامة ولا يجوز الحجاج بذلك لأنه ولئن
كان لا خلاف في أن القرار التأديبي هو في حقيقته قرار إداري ومن زمرة القرارات الإدارية
ويصدر عن سلطة عامة في نطاق الرابعة الوظيفية بين العامل وجهة الإدارة بيد أن هذا القرار
يصدر في نطاق ما رسمه القانون من إجراءات وما استلزمه من ضمانات وممن عينه من سلطات
فإذا لم تراع أيا من هذه الإجراءات أو تتوافر أيا من هذه الضمانات أو صدر عن غير السلطات
المحددة لإصداره وقع القرار في درج البطلان ذلك أن عدم جواز التفويض في السلطات التأديبية
ليس مرجعة أن القرار التأديبي يخرج عن طبيعة القرارات الإدارية وإنما مراجعة أن القرار
التأديبي يصدر في نطاق نظام يتأبى على ذلك التفويض لأمرين:
أولهما: أن المشرع حين يعهد بالاختصاص التأديبي لسلطة معينة فإنه يعتبر ذلك ضمانة مقررة
لا يسوغ لها من بعد إهدارها بتفويضها إلى سلطة أخرى غير التي عينها المشرع وكانت تحت
بصره لدى تحديد السلطات التأديبية وتوزيع الاختصاصات التأديبية بينهما.
وثانيهما: أن المشرع حين نظم السلطات التأديبية وزعها بين سلطة تختص بتوقيع الجزاء
وأخرى تتولي التعقيب عليها وهذا التنظيم والتوزيع يتأبى على التفويض والذي لو أجيز
لاستجمعت السلطة المفوضة سلطة إيقاع الجزاء والتعقيب عليه الأمر الذي يخل بضمانات التأديب
التي تقتضي الفصل بين سلطة إيقاع الجزاء وسلطة التعقيب عليه.
لذلك استقر قضاء هذه المحكمة على أن ولاية التأديب لا تملكها سوى الجهة التي ناط بها
المشرع هذا الاختصاص في الشكل الذي حدده لما في ذلك من ضمانات قدر أنها لا تتحقق إلا
بهذه الأوضاع وترتيبا على ذلك تواترت التشريعات المنظمة لشئون العاملين على تحديد السلطات
التي تملك توقيع الجزاءات على العاملين على سبيل الحصر ولم يخول هذه السلطات التفويض
في اختصاصاتها ومن ثم لا يجوز للسلطات التأديبية أن تنزل عن هذا الاختصاص أو تفويض
فيه تحقيقا للضمانات التي توخاها المشرع باعتبار أن شخص الرئيس المنوط به توقيع الجزاء
محل اعتبار وعليه يتعين أن تتولي كل سلطة مباشرة الاختصاص المنوط بها دون أن يكون لها
الحق في الخروج عليه صعودا -ونزولا والقول بغير ذلك يؤدي إلى الخلط بين الاختصاصات
المحددة لكل سلطة تأديبية ويتمنع لذلك قانونا ومنطقا الخروج على هذا التقسيم والأخذ
بنظام التفويض في الاختصاص المنصوص عليه في القانون رقم 42 لسنة 1967 في شأن التفويض
في الاختصاص ذلك أن تحديد الاختصاص في توقيع الجزاءات التأديبية يتنافى مع التفويض
في الاختصاصات المنصوص عليه في القانون رقم 42 لسنة 1967 وبالتالي لا يجوز الجمع بين
هذين النظامين لأنه حيث يوجد تنظيم خاص في أمر تحديد الاختصاصات بالنسبة للجزاءات التأديبية
ولا يجوز الأخذ بنظام التفويض العام المنصوص عليه في القانون رقم 42 لسنة 1967 سالف
الإشارة".
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1584 لسنة 32ق. عليا جلسة 8/ 12/ 1987 وكذا
حكمها في الطعن رقم 2216 لسنة 40ق. عليا جلسة 14/ 2/ 1998).
كما لا يجوز الحاج بما انتهت إليه الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بفتواها
ملف رقم 86/ 214 الصادرة بجلستها المنعقدة بتاريخ 5/ 12/ 1990 من جواز تفويض المحافظ
لنوابه في اختصاصاته التأديبية ذلك أن هذا الإفتاء قد صدر محمولا على حكم خاص ضمنه
المشرع نص المادة 31 من القانون رقم 43 لسنة 1979 بنظام الإدارة المحلية المعدل بالقانونين
رقمي 50، 145 لسنة 1988 وهو مالم يتوافر في شأن قانون الجهاز المركزي للمحاسبات الصادر
بالقانون رقم 144 لسنة 1988 بل والتحقق فيه عكس ذلك على ما سلف بيانه.
وأخيرا فإن قصر اختصاص إحالة العامل إلى المحاكمة التأديبية على رئيس الجهاز المذكور
يجد سنده في أن المشرع في مجال التنسيق بين سلطات التأديب في التشريعات المختلفة ارتأت
عدم جواز أن يناط بالتعقيب على قرارات الجزاء الصادرة من سلطات التأديب في قانون نظام
العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 وهي الوزير المختص أو
المحافظ المختص أو رئيس الهيئة العامة أو في نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون
رقم 48 لسنة 1978 وهي رئيس مجلس إدارة الشركة أو مجلس إدارتها أو رئيس جمعيتها العمومية
بسلطة تدنوها وهي رئيس إدارة مركزية في الجهاز المذكور وإنما قصر ذلك على رئيسه باعتباره
سلطة تعلو السلطات التأديبية المشار إليها أو توازيها وذلك حتى يقع في يقين هذه السلطات
سلامة تقدير رئيس الجهاز في تقديم العامل إلى المحاكمة التأديبية أو في طلب معاودة
النظر في الجزاء الذي سبق وأن وقع عليه.
(يراجع في ذلك حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعون أرقام 14726، 15046، 15235، 15237،
15469، 15707، 16233 لسنة 50ق. عليا جلسة 2/ 7/ 2005 وكذا في ذات المعني حكمها في الطعن
رقم 3950 لسنة 48ق. عليا جلسة 12/ 2/ 2005).
ومن حيث إنه وهديا بما تقدم ولما كان الثابت حسبما يبين من الأوراق أن طلب إحالة الطاعنين
إلى المحاكمة التأديبية قد صدر عن وكيل الجهاز المركزي للمحاسبات بموجب الكتاب رقم
213 الوارد إلى النيابة الإدارية للإدارة المحلية-قسم ثان-بتاريخ 22/ 4/ 2003 وذلك
استنادا لقرار رئيس الجهاز المذكور رقم 1830 لسنة 1999 بشأن تفويض وكلاء الجهاز لشئون
الإدارات المركزية للمخالفات المالية في مباشرة الاختصاص المنصوص عليه في البندين (1،
2) من الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من قانون الجهاز المركزي للمحاسبات رقم 144
لسنة 1988 فمن ثم يكون طلب إحالة الطاعنين إلى المحاكمة التأديبية قد صدر ممن لا يملكه
قانونا وهو رئيس الجهاز وحده دون غيره على نحو ما سلف بيانه ومن ثم يضحي باطلا ويستطيل
هذا البطلان ليلحق بقرار الإحالة إلى المحاكمة التأديبية وما استتبعه ذلك من إقامة
الدعوى التأديبية رقم 152 لسنة 45ق، الأمر الذي يغدو معه القرار رقم 11 لسنة 2003 فيما
تضمنه من مجازاة الطاعن الأول بخصم شهر من أجره وكذا مجازاة الطاعن الثاني بخصم خمسة
أيام من راتبه قد صار نهائيا بما لا يجوز معه إعادة مساءلتهما تأديبيا عن ذات المخالفات
التي تمت مجازاتهما عنها إداريا والتي هي موضوع ومحل الدعوى التأديبية المشار إليها
وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذه الوجهة من النظر فمن ثم فإنه يكون قد خالف صحيح حكم
القانون الأمر الذي يتعين معه الحكم بإلغائه والقضاء مجددا بعدم جواز نظر الدعوى التأديبية
رقم 152 لنسة 45ق لسبق مجازاة الطاعنين إداريا وذلك دون حاجة إلى بحث أسباب الطعن الأخرى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم
المطعون فيه والقضاء مجددا بعدم جواز نظر الدعوى رقم 152 لسنة 45ق لسبق مجازاة الطاعنين
إداريا.
صدر هذا الحكم وتلي علنا في جلسة يوم الاثنين الموافق 2/ 7/ 2007 ميلادية، و18 جماد
ثان 1428 هجريه، بالهيئة المبينة بصدره.
| أمين السر | رئيس المحكمة |
