الرئيسية الاقسام القوائم البحث

أصدرت الحكم الآتىلم يتم التعرف على تاريخ الجلسة

الجريدة الرسمية – العدد الأول مكرر ( أ ) – السنة التاسعة والخمسون
3 ربيع الآخر سنة 1437هـ، الموافق 13 يناير سنة 2016م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثانى من يناير سنة 2016م، الموافق الثانى والعشرين من ربيع الأول سنة 1437هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور – رئيس المحكمة.
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفى على جبالى ومحمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر وحاتم حمد بجاتو – نواب رئيس المحكمة.
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان – رئيس هيئة المفوضين.
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع – أمين السر.

أصدرت الحكم الآتى

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 186 لسنة 34 قضائية "دستورية".

المقامة من

السيد/ أحمد محمد محمود سيد

ضـد

1 – السيد رئيس الجمهورية
2 – السيد المستشار وزير العدل
3 – السيد المستشار النائب العام
4 – السيد رئيس مجلس الشورى
5 – السيد رئيس مجلس الوزراء
6 – السيدة/ حنان عبد الحكم على أحمد


الإجراءات

بتاريخ السادس والعشرين من ديسمبر سنة 2012، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا فى ختامها الحم بعدم دستورية نص المادة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها، طلبت فى ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق، فى أن المدعى عليها الأخيرة كانت قد أقامت الدعوى رقم 254 لسنة 2011 أمام محكمة الأسرة بإهناسيا؛ ضد المدعى، بطلب الحكم بتطليقها منه طلقة بائنة للضرر وسوء العشرة، على سند من القول أنها زوجة له بصحيح العقد الشرعى المؤرخ 4/ 1/ 2008 ولا تزال فى عصمته وطاعته، بيد أنه دائم الإساءة إليها وغير أمين عليها نفسًا ومالاً، ولا يعاملها بالمعروف، فضلاً عن قيامه بتسليمها منقولاتها وعدم رغبته فى استمرار حياتهما الزوجية؛ مما مؤداه استحالة العشرة بينهما وقيام الضرر الذى يبيح لها طلب تطليقها منه.
وبجلسة 19/ 11/ 2012 دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية تنص على أن: إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يُستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، يجوز لها أن تطلب من القاضى التفريق، وحينئذ يطلقها القاضى طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما، فإذا رفض الطلب ثم تكررت الشكوى ولم يثبت الضرر بعث القاضى حكمين وقضى على الوجه المبين بالمواد (7 و8 و9 و10 و11)".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة – وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية – مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية مؤثرًا فى الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع فى الدعوى الموضوعية تدور حول طلب المدعى عليها الأخيرة الحكم بتطليقها من المدعى طلقة بائنة للضرر وسوء العشرة، فمن ثم تتحقق مصلحة المدعى فى الطعن على الشطر الأول من المادة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المشار إليه، الذى ينص على أنه: "إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يُستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهم، يجوز لها أن تطلب من القاضى التفريق، وحينئذ يطلقها القاضى طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الإصلاح بينهما" وفيه ينحصر نطاق الدعوى الماثلة، دون سائر الأحكام التى يتضمنها نص تلك المادة.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه، مخالفته لنصوص المواد (2 و3 و7 و21) من الإعلان الدستورى الصدر فى مارس سنة 2011، على سند من أن هذا النص يخالف ما جاء بالقرآن الكريم والسنة المطهّرة؛ ويناقض ما استقر عليه العمل من الرجوع فى المسائل التى لا يحكمها نص إلى أرجح الأقوال فى المذهب الحنفى، الذى لا يقر تفريق المرأة عن زوجها بمعرفة القاضى عند وقوع شقاق بينهما، كما يتيح للزوجات، دون الأزواج، اللجوء للقضاء بطلب الحكم بالطلاق، متذرعات بوقوع "الضرر" دون تحديد لصوره أو أنواعه، مما يترتب عليه تشريد أبنائهن وهدم أسرهن وفقًا لأهوائهن، وجعل الباطل والكذب هو السائد؛ لتُحرم الزوجة من زوجها والابن من أبيه، وبذلك يخالف النص المطعون فيه مبادئ الشريعة الإسلامية، ويهدر مبدأى سيادة الشعب والمساواة، فضلاً عن إخلاله بحق التقاضى.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائمًا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاته وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه فى ضوء أحكام الدستور المعدَّل الصادر سنة 2014
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المادة من دستور سنة 1971 بعد تعديلها بتاريخ 22 من مايو سنة 1980 تنص على أن: "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع"، وكان ما تضمنه هذا النص – ويقابله نص المادة من الدستور الحالى – يدل على أن الدستور اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا التعديل قد أتى بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها، فيما تقره من نصوص تشريعية، بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية، بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن تُرد إليه هذه النصوص، أو تُستمد منه لضمان توافقها مع مقتضاه، ودونما إخلال بالضوابط الأخرى التى فرضها الدستور على السلطة التشريعية، وقيدها بمراعاتها والنزول عليها فى ممارستها لاختصاصاتها الدستورية، وكان من المقرر كذلك أن كل مصدر تُرد إليه النصوص التشريعية أو تكون نابعة منه، يتعين بالضرورة أن يكون سابقًا فى وجوده على هذه النصوص ذاتها؛ ذلك أن مرجعية مبادئ الشريعة الإسلامية، التى أقمها الدستور معيارًا للقياس فى مجال الشرعية الدستورية، تفترض لزومًا أن تكون النصوص التشريعية، المُدعى إخلالها بتلك المبادئ، صادرة بعد نشوء قيد المادة من الدستور الذى تُقاس على مقتضاه، بما مؤداه أن الدستور قصد بإقراره لهذا القيد أن يكون مداه من حيث الزمن منصرفًا إلى فئة من النصوص التشريعية دون سواها؛ هى تلك الصادرة بعد نفاذ هذا التعديل، فإذا انطوى نص منها على حكم يناقض مبادئ الشريعة الإسلامية، فإنه يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية. وإذ كان هذا القيد هو مناط الرقابة التى تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح؛ فإن النصوص التشريعية الصادرة قبل نفاذه تظل بمنأى عن الخضوع لحكمه.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المشار إليه قد صدر قبل نفاذ تعديل المادة من دستور سنة 1971 فى 22 من مايو سنة 1980، ولم يُدخل المشرع تعديلاً على النص محل الطعن الوارد به بعد هذا التاريخ، فإن القول بمخالفته حكم المادة من الدستور لتعارضه مع مبادئ الشريعة الإسلامية – أيًا كان وجه الرأى فى ذلك – يكون فى غير محله، حريًا بالالتفات عنه.
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن ما نص عليه الدستور – وأحكامه متكاملة لا تنافر فيها – من أن الأسرة قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وأن صون طابعها الأصيل وإرساء قيمتها وتقاليدها ضرورة لا يجوز لأحد أن ينحيها، مؤداه أن الأسرة لا يصلحها شقاق استفحل مداه ومزق تماسكها ووحدتها، ودهمها بالتالى تباغض يشقيها، بما يصد عنها تراحمها وتناصفها، فلا يرسيها على الدين والخُلق القويم، وكان النص المطعون فيه يجيز التفريق بين زوجين؛ إذا أساء الزوج لزوجته، وألحق به ضررًا – ماديًا أو أدبيًا – على نحو لا يستطيع معه دوام العشرة بين أمثالهما، فأجاز للزوجة طلب التفريق، فإن هذا النص يكون قد هيأ للزوجة مخرجًا يرد عنها الضرر، بعد أن استنفدت كافة وسائل الإصلاح، وصار التفريق حتمًا مقضيًا، ومن ثم فلا يناقض النص المطعون فيه تماسك الأسرة واستقرارها وترسيخ قيمها وتبعًا لذلك؛ لا يخالف أحكام الدستور فى هذا الصدد.
وحيث إن الدستور قد حرص على تأكيد أن السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، باعتباره مصدر السلطات، مقرنًا ذلك بغاية سامية تتمثل فى صيانة وحدته الوطنية التى تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، مما مؤداه ارتباط مبدأ سيادة الشعب، ارتباطًا لا تنفصم عراه، بمبدأ المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون.
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعى، وعلى تقدير أن الغاية التى يستهدفها تتمثل أصلاً فى صون حقوق المواطنين وحرياتهم فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ – فى جوهره – وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التى كفلها المشرع للمواطنين فى حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتأيه محققًا للصالح العام.
إذ كان ذلك، وكان من المقرر أيضًا أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كلفها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرته على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه دستوريًا هو ما يكون تحكميًا، ذلك أن كل تنظيم تشريعى لا يُعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبيًا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارًا للمصلحة العامة التى يسعى المشرع لبلوغها متخذًا من القواعد القانونية التى يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها، إذا إن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه؛ هو ذلك التنظيم الذى يقيم تقسيمًا تشريعًا ترتبط فيه النصوص القانونية التى يضمها بالأغراض المشروعة التى يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال الوسائل بالمقاصد واهيًا، كان التمييز انفلاتًا وعسفًا، فلا يكون مشروعًا دستوريًا.
وحيث إن الأصل فى سلطة المشرع فى تنظيمه لحق التقاضى أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض فى شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها فى صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يباشر الحق فى التقاضى فى نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا لتنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر اعتدالاً.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم فى ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ على ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفى إطار من القيود التى يقتضيها تنظيمه، ولا تصل فى مداها إلى حد مصادرته.
وحيث إن مبدأ خضوع الدولة للقانون مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يُعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضًا أوليًا لقيام الدولة القانونية، وضمانه أساسية لصون حقوق الإنسان وشخصيته المتكاملة، وهو ما حصر الدستور الحالى على تأكيده في شأن صيانة حقوق المرأة؛ فنص صراحة على أن تلتزم الدولة بحمايتها ضد كل أشكال العنف، وتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا، وكفالة تمكينها من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل.
وحيث إن المشرع قد تغيا من تقرير النص المطعون فيه – وفقًا لما تضمنته المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المشار إليه – اتقاء الأضرار الكبيرة التى يجلبها الشقاق بين الزوجين، ولا يقتصر أثرها عليهما، بل يتعداهما إلى ما خلق الله بينهما من ذرية وإلى كل من له بهما علاقة قرابة أو مصاهرة، و ليس فى أحكام مذهب أبى حنيفة ما يكن للزوجة التخلص، ولا ما يُرجع الزج عن غيّه؛ فيحتال كل منهما على إيذاء الآخر بقصد الانتقام، فتطالب الزوجة بالنفقة ولا غرض لها إلا إحراج الزوج بالطاعة، لا غرض له إلا أن يتمكن من إسقاط نفقتها وأن تنالها يده فيوقع بها ما شاء من ضروب العسف والجور، فضلاً عما يتولّد عن ذلك من إشكال فى تنفيذ حكم الطاعة والتنفيذ بالحبس لحكم النفقة، وما يؤدى إليه استمرار الشقاق من ارتكاب الجرائم والآثام، ولتلافى هذه الآثار دعت المصلحة إلى الأخذ بمذهب الإمام مالك فى أحكام الشقاق بين الزوجين، عدا الحالة التى يتبين للحَكَمين أن الإساءة من الزوجة دون الزوج؛ فلا يكون ذلك داعيًا لإغراء الزوجة الشاكية على فصم عُرى الزوجية بلا مرر، وكان سند وجوب النص المطروح قوله (صلّى الله عليه وسلّم) "لا ضرر لا ضرار"، وإعمال القاعدة الشرعية "الضرر يُزال"، وقاعدة "ارتكاب أخف الأضرار لاتقاء أشدها".
وحيث إن النص المطعون فيه خوّل الزوجة التى تضررت من إيذاء زوجها لها بقول أو فعل بما لا يليق بأمثالهما، وبلغ الضرر الواقع عليها مبلغ استحالة دوام العشرة بينهما من جرائه، أن تلجأ إلى القضاء طالبةً التطليق، وألزم القاضى بمحاولة الإصلاح بينهما؛ رأبًا للصداع، وحفاظًا على الأسرة والأبناء، وعرض الصلح مرتين على الأقل وفقًا لأحكام القانون رقم لسنة 2000 بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية، وذلك كله بعد عرض الأمر على مكتب تسوية المنازعات الأسرية، قبل رفع الأمر إلى القضاء، ثم إتاحة الفرصة لطرفى التداعى لإثبات وقوع الضرر المُدعى من جانب الزوجة، ونفيه من جانب الزوج وذلك بكافة طرق الإثبات، ليُتاح للقاضى أن يقف على أسباب النزاع، ويقدر قدر الإساءة ونسبتها، ثم يقرر على ضوء ما تقدم ما يراه؛ فإن المشرع يكون قد أعمل سلطته التقديرية فى شأن تنظيم طلب الزوجة تطليقها من زوجها إذا ادعت إضراره بها بما لا يُستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، بأن وضع للحماية القضائية للمتقاضين، عند نظر تلك المنازعات ذات الطابع الأسرى، نظامًا للتداعى يقوم على أساس نوع المنازعة، وربطها هذا التنظيم فى مجمله بالغايات التى استهدفها من وراء ذلك النص، والتى تتمثل – على ما يتضح جليًا من المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المشار إليه – فى تحقيق المصلحة العامة، فضلاً عن مصلحة الأسرة، وفق أسس موضوعية لا تقيم فى مجال تطبيقها تمييزًا منهيًا عنه بين المخاطبين به، وكان هذا التنظيم لا يناقض جوهر حق التقاضى، ولا ينتقص منه أو يقيده، بل هو تنظيم لخصومة قضائية متعلقة بالأسرة؛ وضعه المشرع – فى إطار سلطته التقديرية فى المفاضلة بين الأنماط المختلفة لإجراءات التداعى – ودون التقيد بقالب جامد يحكم إطار هذا التنظيم، فى ضوء ما تغياه من إحداث التوازن بين حقوق طرفى عقد الزواج؛ بأن أتاح للزوجة، فى مقابل حق الزوج فى إيقاع الطلاق بإرادته المنفردة، أن تطلب من القاضى التفريق، وحينئذ يطلقها القاضى طلقة بائنة إذا ثبت إضرار الزوج بها بما لا يُستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما، وعجز عن الإصلاح بينهما، ومن ثم يكون ما قرره المشرع بالنص المطعون فيه قائمًا على أسس مبررة ويرتبط بالأغراض المشروعة التى توخاها، وبالتالى تنتفى قالة إهدار مبدأى سيادة الشعب والمساواة، أو الإخلال بحق التقاضى.
ويحث إنه متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يخالف أحكام المواد (4 و10 و11 و53 و97) من الدستور، كما لا يخالف أى أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة
يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات