الرئيسية الاقسام القوائم البحث

المحكمة الادارية العليا – الطعن ين رقمي 6653 و7964 لسنة 51 ق عليا

بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
الدائرة الثالثة "موضوع"

بالجلسة المنعقدة برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ يحيى عبد الرحمن يوسف "نائب رئيس مجلس الدولة" "ورئيس المحكمة"
وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ منير صدقي يوسف خليل "نائب رئيس مجلس الدولة"
وعضوية السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد ماجد محمود أحمد "نائب رئيس مجلس الدولة"
وعضوية السيد الأستاذ المستشار/ عبد المجيد أحمد حسن المقنن "نائب رئيس مجلس الدولة"
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / عمر ضاحي عمر ضاحي "نائب رئيس مجلس الدولة"
وحضور السيد الأستاذ المستشار / محمد مصطفي عنان "مفوض الدولة"
وسكرتارية السيد / محمد عويس عوض الله "سكرتير المحكمة"

أصدرت الحكم الآتي

في الطعنين رقمي 6653 و7964 لسنة 51 قضائية عليا

المقامين من

مجدي فايز قدس

ضد

محافظ بني سويف بصفته
طعناً على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري – دائرة بني سويف والفيوم
بجلسة 18/ 1/ 2005 في الدعوى رقم 1042 لسنة 3ق


الإجراءات

في يوم الثلاثاء الموافق الثاني والعشرين من فبراير عام ألفين وخمسة أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن الأول حيث قيد بجدولها برقم 6653 لسنة 51ق في الحكم الصادر من الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري ببني سويف بجلسة 18/ 1/ 2005 في الدعوى رقم 1042 لسنة 3ق القاضي:
أولاً: في الدعوى الأصلية بقبولها شكلاً، ورفضها موضوعاً وإلزام المدعي المصروفات ومائه جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ثانياً: في الدعوى الفرعية بقبولها شكلاً، وفي الموضوع بإلزام المدعي عليه (الطاعن) بأن يؤدي للمدعي بصفته مبلغ 632500 جنيهاً (ستمائة واثنان وثلاثون ألفا وخمسمائة جنيه) ورفض ما عدا ذلك من طلبات وإلزام المدعي عليه المصروفات ومائه جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير ذلك الطعن الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء الحكم المطعون فيه وبأحقيته فيما انتهى إليه تقرير الخبراء من استرداد حقه، واحتياطياً: بسقوط الحق في المطالبة بالمبالغ المحكوم بها للجهة الإدارية بالتقادم.
وقد أعلن الطعن المذكور إلي الجهة الإدارية على النحو الثابت بالأوراق.
وفي يوم الأحد الموافق السادس من مارس عام ألفين وخمسة أودع وكيل الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن الثاني المقيد بجدولها برقم 7964 لسنة 51ق ضد ذات الحكم المطعون فيه بالطعن الأول وطلب للأسباب المبينة به الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً:
أولاً: في الدعوى الأصلية ببراءة ذمته من مبلغ 743713.25 جنيهاً وإلزام جهة الإدارة بأن تؤدي إليه مبلغاً مقداره مليون وأربعمائة ألف وإثنان جنيهاً.
ثانياً: برفض الدعوى الفرعية، وقد أعلن الطعن على النحو الثابت بالأوراق وأعدت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه رفض الطعنين موضوعاً، ثم نظر الطعنان بجلسة 6/ 4/ 2005 أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا حيث قررت ضمهما معاً ليصدر فيهما حكم واحد وأودع الحاضر عن الطاعن مذكرة بدفاعه وحافظة مستندات، وبجلسة 18/ 5/ 2005 حكمت الدائرة بإجماع الأراء بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبإحالة الطعنين إلي هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها وقد أودعت الهيئة تقريرها الذي ارتأت فيه الحكم بقبول الطعنين شكلاً، ورفضهما موضوعاً. وبجلسة 19/ 4/ 2006 حضر الطرفان وقررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 7/ 6/ 2006 وفيها قررت إحالة الطعنين إلي الدائرة الثالثة – موضوع لنظرهما بجلسة 3/ 10/ 2006 ومن ثم نظرتهما المحكمة بالجلسة المذكورة والجلسات التالية لها على النحو المبين بمحاضرها حيث حضر الطرفان كل بوكيل عنه وقدم الحاضر عن الجهة الإدارية حافظة بجلسة 5/ 12/ 2006 طويت على مذكرة تلك الجهة بالرد على الطعنين، وبجلسة 13/ 2/ 2007 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 17/ 4/ 2007 مع التصريح بمذكرات خلال شهر لمن يشاء حيث أودع الطاعن مذكرتين بدفاعه وقد قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لإتمام المداولة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
من حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر النزاع في الطعنين تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن الطاعن أقام الدعوى المطعون في الحكم الصادر فيها بتاريخ 30/ 3/ 1991 أمام محكمة القضاء الإداري – دائرة العقود الإدارية والتعويضات – حيث قيدت برقم 4343 لسنة 45ق. ضد محافظ بني سويف بصفته وطلب الحكم ببراءة ذمته من مبلغ مقداره 743713.20 جنيهاً تطالبه به المحافظة وإلزامها بأن تؤدي له مبلغاً مقداره مليون وأربعمائة واثنان جنيهاً.
وذكر شرحاً للدعوى أنه بتاريخ 7/ 3/ 1988 تعاقد مع محافظة بني سويف بناء على مزاد علني على استغلال المحجر رقم 55 بوادي جبل سنور مركز بني سويف لمدة ثلاث سنوات لاستخراج ثلاثمائة متر مكعب على الأقل شهرياً من خام الألبستر بسعر المتر مائه جنيه وقد استمر في استغلال المحجر لمدة خمسة عشر شهراً إلا أنه فوجئ بتاريخ 20/ 6/ 1989 بحدوث انهيار عنيف بالمحجر أدى إلي توقف الانتاج وتلف جزء كبير من المعدات ومن ثم أبلغ المختصين بالجهة الإدارية حيث قامت بتشكيل لجنة لإعداد تقرير مبدئي ثم قررت رئاسة مشروع المحاجر تكليف لجنة أخرى من مدير عام المساحة الجيولوجية والإدارة العامة للمحاجر بوزارة الصناعة لإجراء المعاينة ثم فوجئ بقرار من المحافظ بتشكيل لجنة أخرى من العاملين بالمشروع التي انتهت إلي امكانية تشغيل المحجر بعد إزالة آثار الانهيار. وأضاف المدعي أنه – آنذاك – كان قد سدد للمحافظة مبلغاً مقداره 235 ألف جنيه مقابل 2350 متراً مكعباً من الألبستر ولم يتمكن من استخراجها نتيجة الانهيار وقد طلب من الجهة الإدارية في 11/ 7/ 1989 بموجب إنذار على يد محضر تشكيل لجنة محايدة للوقوف على حالة المحجر إلا أنها تجاهلت طلبه، ثم طلب منها أن يستخرج الكمية التي لم يستطع استخراجها من المحجر 55 من المحجر رقم 51 الذي كان متعاقداً معها على استغلاله من قبل وبذات الأسعار الخاصة بالمحجر الأخير إلا أنه لم تلتفت لطلبه واستمرت في مطالبته بمبالغ مالية ثمن مواد تدعي استخراجه لها من المحجر رقم 55.
وأضاف المدعي أن الجهة الإدارية قامت بتاريخ 5/ 1/ 1991 بفسخ العقد أي قبل انتهاء مدة العقد بشهرين تقريباً بحجة عدم سداده التزاماته المالية وكان قد معنى على توقف الاستغلال تسعة عشر شهراً أي أكثر من نصف المدة المتعاقد عليها. ثم طالبته بسداد مبلغ 743713.25 جنيهاً وأوقعت حجزين على معداته بالمحجر رقم 51 وقامت بتسييل خطاب الضمان المقدم منه عن المحجر رقم 55 وقيمته 167 ألف جنيه رغم أنه لم يتمكن من استمال استغلال هذا المحجر بسبب الانهيار الطبيعي الذي حدث له وهو من قبيل القوة القاهرة وقد أخلت الجهة الإدارية بالتزاماتها حيث لم تتخذ إجراء جاداً للتحقق من ظروف الانهيار وآثاره وبالتالي يحق له استرداد مبلغ 235 ألف جنيه الذي كان سدده ولم يستخرج مواد مقابل قيمته فضلاً عن قيمة خطاب الضمان (167 ألف جنيه) بالإضافة إلي مليون جنيه قيمة التعويض عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابته.
وقد تدوولت الدعوى أمام المحكمة المذكورة حيث أدعت الجهة الإدارية فرعياً ضد المدعي أصلياً وذلك بصحيفة قيدت بجدول المحكمة بتاريخ 3/ 8/ 1998 طلبت في ختامها الحكم بإلزامه بأن يؤدي لها مبلغاً مقداره 632500 جنيه وفوائده القانونية بواقع 5% سنوياً من تاريخ المطالبة حتى تمام السداد استناداً إلي أن اللجنة التي عاينت المحجر انتهت إلي إمكانية تشغيله وأن الانهيار الذي حدث به لا يترتب عليه وقف استغلاله حيث توجد واجهة تشغيل بطول 10 – 15 متراً ويمكن استخراج المادة منها بعد عمل الصيانة اللازمة لحين تجهيز واجهة أخرى تحت الإشراف الفني للمشروع، كما أن تقرير اللجنة أكد إمكانية تشغيل المحجر في باقي واجهته بطول 70 متراً أو في الواجهة الأخرى بطول 15 متراً في الشمال الشرقي للمحجر، وأضافت الجهة الإدارية أن المدعي أصلياً – الطاعن – أخطر بتاريخ 11/ 8/ 1988 مدير محاجر بني سويف بأنه يقوم بتشغيل المحجر 55 ثم توقف عن استغلاله اعتباراً من 21/ 6/ 1989 ورغم مطالبته بضرورة الاستمرار في تشغيل المحجر وسداد مستحقات الجهة الإدارية من يونية 1988 فإنه لم يلتزم ولذلك عرض الأمر على المستشار القانوني للمحافظة وتم تطبيق المادة العاشرة من العقد والمادة 82 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 9 لسنة 1983 بفسخ العقد وينتج عن ذلك استحقاق الجهة الإدارية لمبلغ مقداره 637500 جنيهاً يخصم منه خمسة ألاف جنيه قيمة تأمين دخول المزاد حيث قام بسداده ويتبقى مبلغ 632500 جنيهاً يتعين إلزام المذكور بأدائه إليها مع الفوائد على النحو السالف بيانه.
وبجلسة 21/ 5/ 2000 قضت المحكمة المذكورة وقبل الفصل في موضوع الدعويين بندب بمكتب خبراء وزارة العدل ببني سويف لأداء المأمورية المبينة بأسباب ذلك الحكم وبعد أن أودع الخبير المنتدب التقرير المرفق بالأوراق أحيلت الدعوى إلي دائرة بني سويف والفيوم وقيدت برقم 1042 لسنة 3ق وتدوولت أمامها بالجلسات حتى أصدرت الحكم المطعون فيه، وشيدته على أسباب حاصلها أن الثابت من الأوراق أن اللجنة التي شكلتها الجهة الإدارية انتهت إلي أنه رغم حدوث الانهيار بجزء من واجهة المحجر فإنه يمكن استغلاله وقد تم إخطار المدعي أصلياً بذلك وبأنه لا مبرر لوقف التشغيل وقد أرسل المدعي برقية إلي الجهة الإدارية في 11/ 7/ 1989 بأنه يقوم بتشغيل المحجر، الأمر الذي يكون معه امتناعه عن سداد مستحقات تلك الجهة عن المدة من يونيه 1989 حتى نهاية عام 1990 لا مبرر له وإذ قامت الجهة الإدارية بفسخ العقد بتاريخ 5/ 1/ 1991 وتسييل خطاب الضمان وطرح المحجر في مزاد بجلسة 22/ 7/ 1991 رسا على المدعو/ رضوان عدلي حميده فإن مسلكها يكون متفقاً وأحكام العقد والقانون ويضحى طلب المدعي أصلياً براءة ذمته من مبلغ 743783.25 جنيهاً (ثمن المادة الخام والضرائب المستحقة عليه وغرامة التأخير) غير قائم على سند صحيح ويتعين رفضه، أما عن مطالبته بمبلغ 235 ألف جنيه الذي قام بسداده مقابل المادة المحجرية التي لم يستخرجها فإن الجهة الإدارية لم تحل بينه وبين استخراجها ويكون من حقها مصادرة خطاب الضمان ولا وجه لمطالبتها بالتعويض لانتفاء ركن الخطأ في جانبها. وخلصت المحكمة إلي إلزام المذكور بأن يؤدي للجهة الإدارية مبلغاً مقداره 632500 جنيهاً قيمة المادة المتعاقد عليها بعد استنزال ما قام بسداده ورفضت إلزامه بالفوائد القانونية استناداً إلي أنه لا يجوز التعويض مرتين عن واقعة واحدة، وأشارت المحكمة في قضائها إلي أنها لا تأخذ بما انتهى إليه تقرير لجنة خبراء وزارة العدل لأنه مخالف للثابت بالأوراق.
ومن حيث إن الطاعن لم يرتض ذلك الحكم فطعن عليه بالطعنين الماثلين وقد شيد طعنه الأول رقم 6653 لسنة 51 قضائية عليا على أسباب تخلص في أن ذلك الحكم جاء على خلاف ما ثبت للجنة الخبراء التي انتدبتها المحكمة دون سند يبرر ذلك خاصة وأنه يبين من تقريرها أن سبب توقف استغلاله للمحجر يرجع إلي جهة الإدارة لعدم إعدادها واجهة جديدة وأنه يستحيل طبقاً للواقع وطبيعة المحجر تشغيله إلا بعد إزالة آثار الانهيار وإعداد تلك الواجهة، وأضاف الطاعن أنه من المنطقي لو كان بإمكانه استخراج المادة من المحجر رغم حدوث الانهيار لقام بذلك وبادر إليه بدلاً من مطالبة الإدارة برد ما سدده لها مقدماً من ثم تلك المادة.
ثم أنهى الطاعن تقرير الطعن المذكور بأن المبالغ التي تطالب بها الجهة الإدارية تقادم الحق فيها طبقاً للمادة 68 من قانون التجارة التي تنص على تقادم الدعاوى الناشئة عن التزامات التجار قبل بعضهم البعض بمضي سبع سنوات من تاريخ حلول ميعاد الوفاء بالالتزام.
وبالنسبة للطعن الثاني رقم 7964 لسنة 51 قضائية عليا أضاف الطاعن إلي ما تقدم من أسباب في الطعن الأول أن الحكم المطعون فيه صدر في غيبته لأنه لم يخطر بجلسات نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري التي أصدرت الحكم، كما أن المحكمة لم تأخذ بما انتهت إليه لجنة الخبراء المنتدبه بناء على حكم منها دون أن تناقش تقريرها أو تبين سبب إهدار ما انتهى إليه مما يعني أنها عدلت عن وسيلة الإثبات التي لجأت إليها دون توضيح لأسباب ذلك بالمخالفة لقانون الإثبات.
كما أضاف الطاعن أن الحكم المطعون فيه لم يتفهم وقائع النزاع الفهم الصحيح ولم يحقق أوجه دفاعه مما شابه بالقصور في التسبيب والخطأ في فهم الواقع وتطبيق القانون خاصة وأن اللجان التي عاينت الانهيار الذي حدث بالمحجر أثبتت استحالة تشغيله وخطورة الحالة التي آل إليها نتيجة الشروخ العميقة والخطيرة التي أصابته فضلاً عن انهيار واجهته، الأمر الذي يمثل قوة قاهرة يستحيل معها تنفيذ التزاماته العقدية خاصة وأن أوراق الدعوى تؤكد أن المحافظة لم تفعل شيئاً لإصلاح المحجر وإعادة تأهيل آثار الانهيار حتى يمكن إعادة استغلاله وكل همها كان مطالبته بمبالغ مالية والإصرار على التشغيل دون حرص على الأرواح أو مراعاة للمخاطر التي يمكن أن تحدث بسبب التشغيل بالحالة التي آل إليها المحجر بعد الانهيار المشار إليه. وخلص الطاعن إلي طلباته سالفة البيان.
من حيث إنه من المقرر أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير ما يقدم فيها من الأدلة والبيانات واستخلاص ما يتفق وحقيقة واقعها هو من شأن المحكمة وتصريفها، وحسبما أن تبين الحقيقة الثابتة من الأوراق والمستندات المقدمة في الدعوى وتعمل في شأنها حكم القانون، وتقرير الخبير المقدم في الدعوى لا يعدو أن يكون عنصراً من عناصر الإثبات فيها وللمحكمة وفقاً لسلطتها التقديرية أن تأخذ به كله أو تطرحه كله أو تأخذ ببعض ما ورد به أو خلص إليه دون البعض الآخر متى كان مرد ذلك في جميع الأحوال إلي ما هو ثابت بعيون الأوراق ويتفق وحقيقة الواقع وحكم القانون ومتى اطمأنت المحكمة إلي تقرير الخبرة المقدم في النزاع ورأت سلامة الأسس والأبحاث التي قام عليها وأن النتيجة التي انتهى إليها لم تنتزع من الأوراق وإنما قامت على أصول ثابتة بها ومن شأنها أن تؤدي إليها وتنتجها واقعاً وقانوناً – فإنه يكون للمحكمة أن تأخذ بذلك التقرير محمولاً على أسبابه وفي أخذها به على هذا النحو ما يدل على أنها لم تجد في الطاعن التي وجهت إليه ما يستحق الرد عليه بأكثر مما ورد بالتقرير ذاته.
ومن حيث إنه لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن تعاقد مع محافظة بني سويف بتاريخ 7/ 3/ 1988 على استغلال المحجر رقم 55 بجبل وادي سنور – شرق النيل – لمدة ثلاث سنوات يقوم خلالها باستخراج خام الألباستر بكمية قدرها 900 متر مكعب شهرياً (تم الاتفاق على أن تكون 300 متر مكعب شهرياً) مقابل مائه جنيه للمتر الواحد على أن يتم دفع القيمة مقدماً، وقد ظل الطاعن يستغل المحجر ويؤدي التزاماته حتى تاريخ 21/ 6/ 1989 حيث حدث انهيار بواجهة المحجر التي يتم الاستغلال عن طريقها ومن ثم أبلغ إرادة مشروع المحاجر بذلك في اليوم التالي مباشرة وطلب تشكيل لجنة لمعاينة الموقع وما طرأ عليه نتيجة الانهيار حتى يتسنى تحديد موقفه ومدى إمكانية الاستمرار في التشغيل، وفي ذات اليوم قدم تقرير من كل من عطية أحمد مخلوف وأحمد مرزوق معوض الجيولوجي بالمنطقة الأولى تضمن أنه أثناء المرور على المحجر تبين وجود ذلك الانهيار بالمحجر مما أدى إلي إحداث شرخ عميق جداً بأعلى الجبل حتى نهاية أرضية المحجر وتشققات في جهات مختلفة مما يجعل الواجهة قابلة للانهيار في أي وقت، وخلص المذكوران إلي أن المحجر بهذه الحالة لا يمكن استخراج الألباستر المقرر شهرياً منه، كما يبين من الأوراق أن ذلك التقرير رفع إلي سكرتير عام المحافظة في ذات التاريخ 22/ 6/ 1989 حيث كلف كلاً من الجيولوجي أحمد يحيى أحمد مدير إدارة المحاجر ومحمود عباس أحمد الجيولوجي بالإدارة المذكورة بالانتقال فوراً على الطبيعة وإعداد تقرير فني عما حدث بالمحجر المشار إليه، كما قرر أيضاً تكليف كل من نور الدين زكي محمد وعصام الدين عزت وعادل محفوظ عبد المجيد وهم من الجيولوجيين بمشروع المحاجر بالانتقال أيضاً إلي المحجر ومعاينته على الطبيعة فوراً وإعداد تقرير فني عن الانهيار وما إذا كان يوقف العمل به من عدمه، وبناء على ذلك أعد مدير إدارة المحاجر ومعه الجيولوجي محمود عباس أحمد تقريراً مؤرخاً 23/ 6/ 1989 تضمن أن الانهيار الذي حدث بالمحجر طبيعي وترتب عليه انهيار جزء من واجهة التشغيل وسقوط كتل من الأحجار الجيرية يصل حجمها إلي ألف كيلو متر مكعب أغلقت مسافة 30 متراً بطول الواجهة وأن الجزء المتبقي منها بطول 70 متراً يمكن استخراج الألباستر منه طبقاً للأصول الفنية للاستغلال نظراً لوجود صدع رأسي عميق من أعلى الطبقات بطول الجزء الذي يمكن استغلاله من الواجهة (70 متراً) مع استمرار الصيانة، كما أعدت اللجنة الثانية التي كلفها سكرتير عام المحافظة تقريراً آخر في ذات التاريخ 23/ 6/ 1989 وأنضم إليهم فيه الجيولوجيون الذين أعدوا تقرير المرور على المحجر يوم حدوث الانهيار والسالف ذكره وقد خلصت اللجنة إلي أن الثابت من المعاينة على الطبيعة وجود شروخ وفواصل في الجزء المتبقي من واجهة التشغيل في اتجاهات مختلفة مما يجعلها محتملة السقوط في أي وقت سواء نتيجة التشغيل أو لاختلاف درجات الحرارة التي تؤثر على معاملات تمدد الصخور، كما نتج عن الانهيار حدوث فاصل في أعلى الجبل فوق واجهة التشغيل وباتجاه شرق غرب يميل إلي الشمال الشرقي والجنوب الغربي للمحجر بطول 80 متراً وفي اتجاه موازي لواجهة التشغيل بعرض عشرة أمتار من أعلى الجبل حتى أرضية التشغيل مما يجعل هذا الحائط الذي يصل حجمه إلي بضعة آلاف من الأمتار المكعبه قابلاً للانهيار في أي وقت، ولا توجد سوى بالجزء الشمالي الشرقي من المحجر واجهة تشغيل بطول حوالي عشرة إلي خمسة عشر متراً بارتفاع مترين.
وخلصت اللجنة من كل ما تقدم إلي أنه يستحيل تشغيل المحجر في هذه الظروف من الكميات الهائلة من المخلفات التي سقطت والآيلة للسقوط إلا بعد إزالتها وإعداد واجهة جديدة.
ومن حيث إن المحكمة تخلص مما تقدم إلي أن الانهيار الذي حدث للمحجر رقم 55 محل النزاع كان طبيعياً ولا دخل للطاعن به، وقد ترتب عليه استحالة تشغيل المحجر أو استخراج المادة المحجريه منه وهو على تلك الحالة حيث كان يجب إعداد واجهة جديدة لتشغيله وهو ما أكدته اللجنة الثانية التي شكلتها الجهة الإدارية والمكونة من ستة أعضاء من الجيولوجيين المختصين بها وقد عاينت المحجر على الطبيعة وأوضحت في تقريرها كما تقدم وصفاً دقيقاً وشاملاً لما نتج عن الانهيار وهو ما تطمئن إليه المحكمة وتأخذ به خاصة وقد أيدته لجنة خبراء وزارة العدل التي انتدبتها محكمة القضاء الإداري في تقريرها المرفق بالأوراق، ومن المقرر قانوناً أن الالتزام ينقضي لاستحالة تنفيذه، ومتى استحال تنفيذ الالتزام في العقود الملزمة للجانبين تنقضي معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه (المادة 159 مدني) ومتى كانت استحالة تنفيذ الالتزام راجعه إلي السبب الأجنبي الذي لا يد للمدين فيه فإن الالتزام ينقضي أصلاً سواء من حيث التنفيذ العيني أو بالتعويض (المادة 215 مدني) ومن المقرر أن السبب الأجنبي هو الحادث الفجائي أو القوة القاهرة أو خطأ الدائن أو فعل الغير، والثابت – كما تقدم – أن الانهيار الذي حدث للمحجر محل النزاع كان طبيعياً لا دخل لإرادة الطاعن فيه ويعتبر بمثابة قوة قاهرة خاصة أنه كان يستحيل دفعة أو توقعه، الأمر الذي مؤداه أن توقف الطاعن استغلال المحجر وتنفيذ بقية التزاماته الناشئة عن العقد كان له ما يبرره لاستحالة التنفيذ ولا يجوز اعتباره مقصراً في تنفيذ تلك الالتزامات وتوقيع الجزاءات العقدية عليه خاصة وقد خلت الأوراق مما يفيد أن الجهة الإدارية مكنته من استئناف استغلال المحجر بإعداد واجهة جديدة للتشغيل حسبما رأت اللجنة المشار إليها، ولا وجه للقول بأنه كان على الطاعن إزالة آثار الانهيار بمعرفته وإعداد واجهة جديدة للتشغيل واستئناف استخراج المادة المحجرية فذلك القول لا سند له سواء من العقد أو الشروط التي أبرم استناداً إليها بل إنه يتناقض مع طبيعة استغلال هذه المحاجر حيث يقوم أساساً على خضوع المستغل للضوابط والشروط الفنية التي تضعها الجهة الإدارية والتي غالباً ما تراعى فيها المصلحة العامة والخاصة معاً وتوفير السلامة والأمان اللازمين في استغلال المحاجر، الأمر الذي مؤداه أنه كان على الجهة الإدارية أن تقوم هي بإعداد واجهة جديدة لتشغيل المحجر وفقاً للاشتراطات والأساليب الفنية التي تحددها خاصة في ظل حدوث ذلك الانهيار وما ترتب عليه من آثار.
ومن حيث إنه متي كان ذلك فإنه لا يكون من حق الجهة الإدارية أن تطالب الطاعن بتنفيذ التزاماته الناشئة عن عقد استغلال المحجر حتى نهاية مدة التعاقد (مارس 1991) وتطلب منه سداد مبلغ 743713.20 جنيهاً الذي كان يلتزم به فيما لو استمر استغلاله للمحجر حتى انتهاء مدة العقد ويتعين القضاء ببراءة ذمته من هذا المبلغ، كما لا يكون من حق الجهة الإدارية أن تقوم بمصادرة خطاب الضمان المقدم من الطاعن بمبلغ 67500 جنيهاً وتقوم بتسييلة والحصول على قيمته ويتعين إلزامها برد هذا المبلغ إليه استناداً إلي ما تقدم من أنه لم يقصر في تنفيذ التزاماته أو يخل بها حتى توقع عليه ثمة جزاءات كما يكون من حقه أن يسترد مبلغ 234220.6 جنيهاً قيمة المادة المحجرية التي سددها مقدماً للجهة الإدارية ولم يقم باستخراجها بسبب حدوث الانهيار المشار إليه وهو ما أكدته لجنة خبراء وزارة العدل بتقريرها المرفق بالأوراق وبالتالي يكون جملة ما تلتزم الجهة الإدارية بأدائه للطاعن مبلغ 67500 + 234220.60 =301720.6 جنيهاً (ثلاثمائة وواحد ألف وسبعمائة وعشرون جنيهاً وستون قرشاً)، ولا وجه لمطالبة الجهة الإدارية بثمة تعويض لعدم ثبوت ركن الخطأ في جانبها على اعتبار أن استحالة تنفيذ العقد للقوة القاهرة يترتب عليها انتهاء العقد وانفساخة من تلقاء نفسه بما لا وجه معه لمطالبة الجهة الإدارية بتعويض عن قيامها بفسخ ذلك العقد، وقد أصابت محكمة القضاء الإداري برفض طلب التعويض بيد أنها أخطأت فهم الواقع وخالفت الثابت بالأوراق فيما قضت به من رفض الدعوى الأصلية بإبراء ذمة الطاعن من المبلغ سالف الذكر الذي تطالبه به الجهة الإدارية وبرفض إلزامها بأن تؤدي إليه قيمة خطاب الضمان الذي صادرته وقيمته المادة المحجرية التي لم يستخرجها وحصلت عليها منه دون وجه حق وذلك على النحو سالف البيان، كما أخطأت المحكمة بإلزام الطاعن بأن يؤدي للجهة الإدارية بمبلغ 632500 جنيهاً (ستمائة وأثنان وثلاثون ألفاً وخمسمائة جنيه) قيمة المواد المحجرية المتعاقد على استخراجها حتى نهاية مدة العقد ويتعين إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بإلزام الجهة الإدارية بأن تؤدي للطاعن المبلغ الذي خلصت إليه المحكمة فيما تقدم ووفقاً لما سيرد بالمنطوق خاصة وأن الحكم المطعون فيه قد استند فقط على ما ورد بالتقرير الذي أعده مدير إدارة المحاجر 0 أحمد يحيى أحمد – ومحمود عباس أحمد الجيولوجي بالإدارة والسالف ذكره من أن هناك واجهة بطول 70 متراً يمكن للطاعن تشغيل المحجر منها رغم أن هذا التقرير وحدة ليس مؤداه ما قضى به الحكم لأنه يناقض تقرير المرور المؤرخ 22/ 6/ 1989 المشار إليه الذي أثبت عدم إمكانية تشغيل المحجر وتقرير اللجنة المشكلة من ستة من الجيولوجيين بالإدارة الذي خلص كما تقدم إلي استحالة تشغيل المحجر وأن الأمر يستلزم إعداد واجهة جديدة للتشغيل بل إن التقرير الذي استندت إليه محكمة القضاء الإداري يحمل بين طياته ما يفيد عدم إمكانية تشغيل المحجر وأنه توجد مخاطرة إذا تم التشغيل وهو على تلك الحالة حيث أثبت وجود صدع رأسي عميق من أعلى الطبقة وبطول الواجهة التي ارتأى إمكانية التشغيل منها وأضاف أنها تحتاج إلي صيانة مستمرة مما يبعث إلي عدم الاطمئنان إلي ذلك التقرير وحدة كدليل على أنه كان بإمكان الطاعن الاستمرار في تنفيذ التزاماته فإذا أضيف إلي ذلك أن بقية التقارير التي أعدت عن المحجر قد أثبتت استحالة تشغيله بسبب ذلك الانهيار فإن الحكم المطعون فيه وقد أهدر هذه الأدلة وأقام قضاءه على دليل واحد رغم عدم كفايته لإثبات ما خلص إليه الحكم فإنه يكون غير مستخلص مما يؤدي إليه من الواقع أو القانون ولا ينال من ذلك ما أثبته الحكم من أن الطاعن أرسل برقية بتاريخ 11/ 7/ 1989 للجهة الإدارية بعد إنذاره باتخاذ الإجراءات القانونية ضده أشار فيها إلي أنه يقوم بتشغيل المحجر ذلك أن العبرة بحقيقة الواقع وقد خلت الأوراق مما يفيد أن الطاعن قد قام بالفعل بتشغيل المحجر واستخراج الألباستر منه بعد حدوث الانهيار المشار إليه وهو ما أكدته لجنة خبراء وزارة العدل بتقريرها الذي أعدته بناء على مأمورية محكمة القضاء الإداري بل إن الجهة الإدارية ذاتها لم تقدم دليلاً يفيد ذلك الأمر الذي يجعل البرقية المشار إليها لا أثر لها حيث لم ينفذ الطاعن ما سطره بها.
ومن حيث إنه عن المصروفات فإن الطرفين يلتزمان بها مناصفة عن درجتي التقاضي عملاً بنص المادة 186 مرافعات.

" فلهذه الأسباب "

حكمت المحكمة: بقبول الطعنين شكلاً، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بإلزام محافظة بني سويف بأن تؤدي للطاعن مبلغاً مقداره 301720.60 جنيهاً (ثلاثمائة وواحد ألف وسبعمائة وعشرون جنيهاً وستون قرشاً) ورفض الدعوى الفرعية وبرفض ما عدا ذلك من طلبات في الطعنين وألزمت الطرفين المصروفات مناصفة عن درجتي التقاضي.
صدر هذا الحكم وتلي علناً بجلسة يوم الثلاثاء الموافق من سنة 1428 هجرياً والموافق 19/ 6/ 2007م بالهيئة المبينة بصدره.

سكرتير المحكمة رئيس المحكمة
يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات