الرئيسية الاقسام القوائم البحث

المحكمة الادارية العليا – الطعن رقم 10932 لسنة 47 ق عليا – جلسة 1/ 1/ 2005

بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
الدائرة الأولى- موضوع

بالجلسة المنعقدة علناً في يوم السبت الموافق 1/ 1/ 2005
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز – رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وحضور السادة الأساتذة المستشارين/ السيد محمد السيد الطحان وأحمد عبد الحميد حسن عبود و د. محمد كمال الدين منير أحمد و محمد أحمد محمود محمد – نواب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار/ رضا محمد عثمان – مفوض الدولة
وبحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس – سكرتير المحكمة

أصدرت الحكم الآتى

في الطعن رقم 10932 لسنة 47 القضائية عليا

المقام من

1- المستشار النائب العام " بصفته"
2- وزير الداخلية " بصفته"
3- رئيس مصلحة جوازات السفر والهجرة والجنسية " بصفته"

ضد

السيد/ جميل أحمد مبروك عبد ربه
في الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري " بالقاهرة " في الدعوى رقم 8044 لسنة 54 ق بجلسة 26/ 6/ 2001


الإجراءات

في يوم 22/ 8/ 2001 أودعت هيئة قضايا الدولة، بصفتها نائباً عن الطاعنين قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن، قيد بالرقم عاليه، فى الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة فى الدعوى رقم 8044 لسنة 54ق بجلسة 26/ 6/ 2001 والقاضي فى منطوقه " بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب ".
وطلبت الجهة الطاعنة – للأسباب الواردة فى تقرير الطعن – تحديد أقرب جلسة لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لتأمر- بصفة مستعجلة- بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا، لتقضي بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى واحتياطياً بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وعلى سبيل الاحتياط رفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المطعون ضده المصاريف عن درجتي التقاضي فى أي من الحالتين الأخيرتين.
وجرى إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني فى الطعن ارتأت فى ختامه قبوله شكلاً، ورفضه موضوعاً، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وعينت جلسة 2/ 6/ 2003 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التى تداولت نظره بالجلسات إلى أن قررت بجلسة 7/ 6/ 2004 إحالته إلى هذه الدائرة لنظره بجلسة 4/ 7/ 2004 حيث نظرته، وبجلسة 30/ 10/ 2004 قررت النطق بالحكم بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات فى شهر.
وبجلسة اليوم صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانوناً.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص- حسبما يبين من الأوراق – في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 8044 لسنة 54ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة بتاريخ 13/ 5/ 2000 بطلب الحكم بقبولها شكلاً، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من إدراج اسمه على قوائم الممنوعين من السفر، وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار، وإلزام المدعى عليهم المصروفات.
وذكر – شرحاً لدعواه – أنه فوجئ فى أثناء سفره إلى المملكة العربية السعودية لأداء العمرة بمنعه من السفر، وإدراج اسمه بقوائم الممنوعين من السفر بقرار من النائب العام، وذلك بسبب المخالفات المنسوبة إلى شركة القاهرة للمباني العامة والمساكن الجاهزة موضوع القضية رقم 960 لسنة 1996 أموال عامة، بشأن مشروعاتها بمنطقة السويس، علماً بأنه قد انقطعت علاقته بتلك الشركة منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً فى 24/ 11/ 1983، ولا شأن له بالمخالفات المنسوبة إليها، وأن علاقته بالشركة بدأت بالعمل بها كمهندس تحت التمرين عقب تخرجه من الجامعة بموجب عقد عمل مؤرخ فى 7/ 6/ 1982 وانتهى عمله بالاستقالة فى 24/ 11/ 1983، وأخلى طرفه منها، إلى جانب أن عمله بالشركة فترة تدريبه بالشركة كان مكتبياً ينحصر فى جرد وحصر الأعمال من واقع الكشوف ودفاتر التسليم والتسلم، ولم تسند إليه أعمال تنفيذية أو إنشائية خاصة بمشروع قناة السويس أو غيره، ونعى المدعي (المطعون ضده فى الطعن الماثل ) على القرار المطعون فيه مخالفته للدستور والقانون، إذ إنه بعيد عن أية شبهة جنائية تتعلق بموضوع الاتهام فى القضية رقم 960 لسنة 1996، ولم تشمله تحقيقات النيابة العامة فى هذه القضية، ولم تستدعه ولم تحقق معه، بما يقطع سلامة موقفه، ويجعل قرار منعه من السفر قيداً على حريته وإيذاء لمشاعره، وتعطيلاً لأعماله ومصالحه.
وبجلسة 26/ 6/ 2001 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه تأسيساً على أن البادي من ظاهر الأوراق، وبالقدر اللازم للفصل فى الشق العاجل من الدعوى، أن المدعى أدرج على قائمة الممنوعين من السفر إلى الخارج بموجب قرار النائب العام الصادر بتاريخ 12/ 1/ 1997، وذلك بدعوى أنه متهم فى القضية رقم 960 لسنة 1996 حصر أموال عامة عليا بالتربح والإضرار العمدي بالمال العام، فى حين أنكر المدعى ارتكابه أية مخالفات تتعلق بموضوع القضية المشار إليها، وذلك على أن عمله بالشركة المنسوبة إليها المخالفات كان مجرد عمل مكتبي، بعيداً عن الأعمال التنفيذية والإنشاءات لكونه التحق بالشركة المذكورة كمهندس تحت التمرين، وأن علاقته بالشركة قد انتهت بالاستقالة… وقدم – إثباتاً لذلك – محضر إخلاء طرف مؤرخاً فى 24/ 1/ 1984 يفيد أنه ليس لديه أية متعلقات تخص الشركة، كما قرر أن تحقيقات النيابة العامة فى القضية المنوه بها لم تشمله، حيث لم يتم استدعاؤه من قبل النيابة لسماع أقواله، وقد خلت الأوراق مما يثبت خلاف ذلك، بل كان الثابت من الشهادات الصادرة من نيابة الأموال العامة أن علاقة المدعى بتلك القضية تنحصر فى ورود اسمه بالكشف الوارد من الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان صاحبة المشروع المسند إلى شركة القاهرة للمباني العامة بمنطقة السويس، وهذا فى حد ذاته لا ينهض مسوغاً لمنع المدعي من السفر، ما دام لم ينسب إليه اتهام محدد على وجه الدقة، ولم يواجه بهذا الاتهام من خلال التحقيقات رغم مرور فترة غير قصيرة على القضية رقم 960 لسنة 1996 تربو على أربع سنوات، ومن ثم فإن مسلك الإدارة إزاء استمرار إدراج اسم المدعي على قوائم الممنوعين من السفر يشكل والحالة هذه قراراً سلبياً مخالفاً – بحسب الظاهر من الأوراق – لأحكام القانون وغير قائم على سند يبرره وخلصت المحكمة إلى توافر ركنى الجدية والاستعجال اللازمين لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله، كما شابه فساد فى الاستدلال ذلك أنه لم يتناول الرد على الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، بما يعد إخلالاً بحق الدفاع، كما أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون أيضاً عندما قضى بقبول الدعوى شكلاً، إذ إنه لا يوجد قرار سلبي بالمنع من السفر، وإنما قرار إيجابي صدر بتاريخ 12/ 1/ 1997 ولم يقم المطعون ضده دعواه إلا فى 13/ 5/ 2000 أي بعد أكثر من ثلاث سنوات من صدور هذا القرار، وأخيراً فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه يعد افتئاتاً على اختصاص النيابة العامة وهى القوامة على الدعوى الجنائية والأمينة على التحقيقات التى تجريها، ولا توجد سلطة فى الدستور أو القانون تستطيع أن توجه النيابة العامة إلى المدة والكيفية التى تجري بها تحقيقاتها ولا ميعاد غلق هذه التحقيقات إلا النيابة العامة ذاتها، وبالتالي فلا يصلح استمرار التحقيقات لمدة طويلة سببا لوصف قرار المنع من السفر بعدم المشروعية.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن مناط وقف تنفيذ القرار الإداري توافر ركنين هما: ركن الجدية بأن يكون القرار قد شابه عيب من عيوب المشروعية مما يرجح معه إلغاؤه، وركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإنه باستعراض أحكام الدستور يبين أن المشرع الدستوري جعل من الحرية الشخصية حقاً طبيعياً يصونه بنصوصه، ويحميه بمبادئه، فنص فى المادة منه على أن " الحرية الشخصية حق طبيعي، وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل، إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقاً لأحكام القانون " ونص فى المادة منه على انه لا يجوز أن يحظر على أى مواطن الإقامة فى جهة معينة، ولا أن يلزم بالإقامة فى مكان معين، إلا فى الأحوال المبينة فى القانون " ونص فى المادة على أنه " لا يجوز إبعاد أى مواطن عن البلاد أو منعه من العودة إليها ". كما نص فى المادة على أن " للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج، وينظم القانون هذا الحق، وإجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد ".
ومن حيث إنه فى ضوء هذه المبادئ الدستورية، قضت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 4 من نوفمبر سنة 2000 فى القضية رقم 243 لسنة 21 ق الدستورية بعدم دستورية نصي المادتين و من القانون رقم 97 لسنة 1959 فى شأن جوازات السفر، وكذلك بسقوط نص المادة من قرار وزير الداخلية رقم 3937 لسنة 1996، استناداً إلى أن حرية الانتقال تنخرط فى مصاف الحريات العامة، وأن تقييدها دون مقتض مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها، ويقوض صحيح بنيانها، كما أن الدستور بنص المادة منه عهد إلى السلطة التشريعية وحدها تقدير هذا المقتضى، ولازم ذلك أن يكون الأصل هو حرية التنقل، والاستثناء هو المنع منه، وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاض أو عضو نيابة عامة يعهد إليه القانون بذلك، وينظم القواعد الشكلية والموضوعية لإصدار الأمر بذلك، فى ضوء الضوابط التى وضع الدستور أصولها، وعلى هذا فإن أى نص يخالف هذه الأصول يعتبر منسوخاً حتماً بقوة الدستور نفسه، باعتباره القانون الوضعي الأسمي.
لما كان ذلك فإنه وإن كان قضاء هذه المحكمة قد جرى بأن النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة القضائية، تتولى أعمالاً قضائية أهمها وظيفة التحقيق ثم وظيفة الاتهام أمام المحاكم الجنائية، وأن القرارات والإجراءات التى تتخذها بحكم وظيفتها القضائية تعتبر من صميم الأعمال القضائية، إلا أن النيابة العامة لا تنهض ولايتها فى خصوص المنع من السفر إلا و فقاً لقانون ينظم القواعد الموضوعية والشكلية لإصدار قرارات بذلك، وأنه فى غياب هذا القانون وفى ضوء ما قضت به المحكمة الدستورية العليا بحكمها سالف الذكر فلا تستنهض النيابة العامة هذه الولاية ولا تقوم لها قائمة، ويكون ما تصدره النيابة فى هذا الشأن مجرد إجراء فاقد لسنده الدستوري والقانوني مما تختص محاكم مجلس الدولة باعتبارها صاحبة الولاية العامة فى المنازعات الإدارية وفقاً لنص المادة 172 من الدستور وقانون مجلس الدولة بمراقبة مشروعيته ووقف تنفيذه أو إلغائه حسب الأحوال، وذلك هو عين ما أكدته محكمة النقض فى الطعن رقم 2361 لسنة 55 ق بجلسة 15/ 11/ 1988.
ومتى كان ذلك، وكان الأمر موضوع الطعن الماثل فيما جرى به من منع المطعون ضده من السفر لم يصدر وفقاً لأحكام تنظم قواعد إصدار ذلك الأمر، فإنه يكون قائماً على غير أساس، ويتوافر معه ركن الجدية وكذلك ركن الاستعجال لتعلق الأمر بالمساس بحق من الحقوق الدستورية أو بحرية من الحريات العامة، ومن ثم يغدو متعيناً صدقاً وعدلاً القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه فيما قضى به قد التزم بهذه الوجهة من النظر فمن ثم يكون قد صدر متفقاً وصحيح حكم القانون، ويكون الطعن عليه غير قائم على سند سليم من الواقع أو القانون متعيناً رفضه، وكذلك – لذات السبب – رفض ما دفعت به جهة الإدارة الطاعنة من عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الدعوى أصلاً، لانتفاء الأمر القضائي بالمعنى المتقدم، وأيضا رفض دفعها بعدم قبول الدعوى أصلاً شكلاً لرفعها بعد الميعاد، لأن القرار المطعون فيه من القرارات المستمرة التى تنطوي على المساس بحق من الحقوق الشخصية المصونة دستورية وهو حق التنقل مما يتيح للمضرور منه أن يطعن عليه فى أي وقت ما بقيت حالة الاستمرار هذه فى الواقع القانوني.
ومن حيث أن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة: –
بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.

سكرتير المحكمة رئيس المحكمة
يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات