المحكمة الادارية العليا – الطعن رقم 8224 لسنة 47 ق عليا – جلسة 1/ 2/ 2003
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
الدائرة الأولى
بالجلسة المنعقدة علنًا في يوم السبت الموافق 1/ 2/ 2003
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عبد الرحمن عثمان أحمد عزوز
رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ على فكرى حسن صالح ود. محمد ماجد محمود أحمد وأحمد
عبد الحميد حسن عبود ومحمد أحمد محمود محمد – نواب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار/ حتة محمود حتة – مفوض الدولة
وبحضور السيد/ كمال نجيب مرسيس – سكرتير المحكمة
أصدرت الحكم الآتى
فى الطعن رقم 8224 لسنة 47 ق. عليا
المقام من
عبد السلام عبد الرؤوف مصطفى
ضد
وزير الأشغال العامة والموارد المائية فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة فى الدعوى رقم 10314 لسنة 52 ق بجلسة 24/ 12/ 2000
الإجراءات
فى يوم السبت الموافق 26/ 5/ 2001 أودع وكيل الطاعن، قلم كتاب المحكمة
الإدارية العليا تقرير طعن – قيد بجدولها العام برقم 8224 لسنة 47 قضائية عليا – فى
الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة فى الدعوى رقم 10314 لسنة 52 ق بجلسة
14/ 12/ 2000، والقاضى فى منطوقه " بسقوط الحق المطالب به بالتقادم وألزمت المدعى المصروفات
".
وطلب الطاعن – للأسباب الواردة بتقرير الطعن – الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع
بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجددًا بالتعويض المناسب للطاعن مع إلزام المطعون
ضده بالمصروفات والأتعاب عن درجتى التقاضى.
وجرى إعلان الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرًا مسببًا برأيها القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم
بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددًا بإلزام الجهة الإدارية
المدعى عليها بأن تؤدى للمدعى مبلغ التعويض الذى تقدره المحكمة مع إلزامها المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 3/ 6/ 2002 وتدوول بجلسات المرافعة على
النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 28/ 8/ 2002 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة
الإدارية العليا (الدائرة الأولى/ موضوع) لنظره بجلسة 2/ 11/ 2002، ونظرت المحكمة الطعن
على الوجه الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 14/ 12/ 2002 قررت إصدار الحكم بجلسة 1/ 2/
2003 وصرحت بتقديم مذكرات فى شهر، فى فترة حجز الطعن للحكم قدمت هيئة قضايا الدولة
مذكرة صممت فيها على الطلبات.
وبجلسة اليوم صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر النزاع تتحصل – حسبما يبين من الأوراق – فى أنه بتاريخ 27/ 9/ 1998
أقام الطاعن الدعوى رقم 10314 لسنة 52 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة طالبًا
الحكم بإلزام المدعى عليه (المطعون ضده) بالتعويض المناسب والمصروفات وأتعاب المحاماة.
وقال شرحًا لدعواه: أنه فى منتصف شهر ديسمبر 1991 فوجئ وأهالى قرية سيدى غازى باقتحام
مياه الصرف المالحة لمنازلهم نتيجة ارتفاع منسوب المياه فى مصرف/ حسين عبد الله والمصارف
المتصلة به، حيث غمرت المياه المنازل والأراضى الزراعية وأغرقت البهائم والحيوانات،
وظل الحال على ذلك لمدة 38 يومًا دون إنقاذ لهم من قبل الدولة، وقد حلت بهم المجاعة
بعد أن بارت الأراضى وغرقت ملابسهم ولم يجدوا ما يأكلونه أو يرتدونه، وتهدئة للموقف
أحيل المسئولون إلى التحقيق بمعرفة النيابة الإدارية التى أجرت تحقيقًا فى الواقعة
انتهى بإحالة رئيس الإدارة المركزية للأشغال العامة والموارد المائية وكذا مدير عام
رى النوبارية إلى المحكمة التأديبية بتهمة الإخلال بواجباتهم الوظيفية مما ترتب عليه
غرق منطقة النوبارية والمناطق المحيطة بها وفيها منطقة سيدى غازى، وقضت المحكمة التأديبية
بانقضاء الدعوى قبل الأول لوفاته وبمجازاة الثانى بالفصل من الخدمة. وأضاف المدعى أنه
أصيب بأضرار مادية من جراء هذا الحادث تمثلت فى غرق أراضيه الزراعية ونفوق المواشى
والأغنام والطيور المملوكة له، كما أصيب بأضرار أدبية تمثلت فيما أصابه وأسرته من ألم
نفسى نتيجة التشرد والهلع.
وبجلسة 24/ 12/ 2000 أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها المطعون فيه بانقضاء الحق فى
المطالبة بالتعويض بالتقادم، وشيدت المحكمة قضاءها على أن المشرع أورد فى المادة 172
من القانون المدنى حكما عاما يسرى على كافة دعاوى التعويض الناشئة عن المصدر الثالث
من مصادر الالتزام – وهو العمل غير المشروع – مقتضاه سقوط الحق فى المطالبة بالتعويض
بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذى علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالمسئول عنه قانونًا،
وأنه لما كان الثابت من الأوراق أن المدعى علم بالضرر الذى أصابه فى منتصف ديسمبر 1991،
كما علم بالمتسبب فى أحداثه – وهم المسئولون عن مرفق الرى والصرف بمحافظة الإسكندرية
– فى 24/ 2/ 1993 تاريخ صدور الحكم التأديبى بإدانة المسئولين عن مرفق الرى بالإسكندرية،
ولم يقم برفع دعواه الماثلة بالمطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر إلا فى27/ 9/ 1998
بعد مرور مدة تزيد على ثلاث سنوات، ومن ثم فإن الحق فى المطالبة بالتعويض قد سقط بالتقادم
الثلاثى. بيد أن المدعى (الطاعن) لم يرتض الحكم المذكور فأقام طعنه الماثل ينعى فيه
على الحكم مخالفته للقانون استنادًا إلى عدة أسباب حاصلها: أن الحكم الطعين خالف أحكام
عديدة نهائية وباتة وحائزة لقوة الأمر المقضى صادرة من المحكمة الإدارية العليا، كما
أنه طبق الفقرة من المادة 172 من القانون المدنى التى تقرر سقوط دعوى التعويض الناشئة
عن العمل غير المشروع بثلاث سنوات، فى حين أن الفقرة الواجبة التطبيق هى الفقرة من تلك المادة والتى تربط سقوط دعوى التعويض الناشئة عن جريمة – وهى فى هذه الحالة
المخالفة التأديبية التى حوكم عنها مدير عام رى النوبارية – بسقوط الدعوى الجنائية
وهى لم تسقط بعد، بالإضافة إلى أن الحكم الطعين أخطأ فى حساب مدة التقادم حيث اعتد
بتاريخ حدوث الغرق فى 4/ 12/ 1991 وبتاريخ العلم بالشخص المسئول عنه بناء على الحكم
الصادر من المحكمة التأديبية فى الدعوى رقم 24 لسنة 20 ق بجلسة 24/ 2/ 1993 مخالفًا
بذلك نص المادة 17 من قانون الإجراءات الجنائية والذى يقرر أنه إذا تعددت الإجراءات
التى تقطع المدة – كالاتهام أو التحقيق أو المحاكمة – فإن سريان مدة التقادم تبدأ من
تاريخ آخر إجراء، وهو هنا تاريخ الحكم النهائى الصادر من المحكمة الإدارية العليا بجلسة
24/ 6/ 2000 بتعديل عقوبة الفصل الموقعة على مدير الرى إلى عقوبة اللوم، إلى جانب أن
الحكم الطعين ترك إعمال التقادم الطويل وأخذ بالتقادم القصير بالمخالفة لما استقرت
عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا ودائرة توحيد المبادئ من أن مسئولية الإدارة عن
القرارات المخالفة للقانون لا يسقط التعويض عنها بالتقادم الثلاثى وإنما يسقط بالتقادم
العادى وهو خمسة عشر عامًا.
ومن حيث إن الفيصل فى النزاع الماثل يكمن فى الوقوف على أمرين – الأول: تاريخ العلم
بالمسئول عن الضرر. والثانى: مصدر الضرر وما إذا كان عملاً ماديًا أم قرارًا إداريًا.
ومن حيث إنه عن الأمر الأول – وهو تاريخ العلم بالمسئول عن الضرر – فإنه لا جدال أن
كون الحادث الذى تسبب عنه الضرر ناشئًا عن إحدى مصارف الرى الخاضعة لإشراف وزارة الأشغال
العامة والموارد المائية – وهى معلومة للطاعن – يقتضى بحسب الحال أن يكون تاريخ وقوع
الحادث هو تاريخ العلم بالضرر وبالمسئول عنه فى ذات الوقت، ذلك أن مرفق الرى هو المسئول
قانونًا عن أعمال التطهير والصيانة للمصارف العمومية – ومنها المصرف محل النزاع – ومن
ثم فإن إهمال أو تقصير من جانبه فى إجراء هذا العمل يترتب عليه ضرر للغير، يسأل المرفق
ذاته عن نتائجه بغض النظر عن تابعيه الذين تتحدد مسئوليتهم المدنية قبل المرفق على
أساس قواعد ومعايير الخطأ الشخصى والخطأ المرفقى، وهى مسئولية لا شأن للغير بها حيث
تنهض مسئولية المرفق عن تعويض المضرور مباشرة سواء تحققت مسئولية التابع أو لم تتحقق،
والقول بغير ذلك مؤداه انتفاء مسئولية المرفق إذا لم تقم مسئولية التابع المدنية عن
التعويض وهو ما لم يقل به الطاعن ذاته، وعلى ذلك فإنه لا وجه لاتخاذ تاريخ الحكم التأديبى
– سواء الابتدائي أو النهائى – أساسًا للعلم بالمسئول عن الضرر الذى أصاب الطاعن، سيما
وان الحكم قد فصل فقط فى مسئولية المحال التأديبية ولم يتعرض لمسئوليته المدنية عن
الخطأ الذى حوكم من أجله، ويتعين تبعًا لذلك حساب تاريخ العلم بالمسئول عن الضرر من
تاريخ وقوع الضرر.
ومن حيث إنه عن الأمر الثانى – وهو تحديد طبيعة مصدر الضرر – فإنه لما كان التعويض
الذى يطالب به الطاعن، يقوم على أساس خطأ الجهة الادارية التمثل فى الإهمال والتقصير
فى صيانة وتطهير المصرف محل النزاع، مما نجم عنه ارتفاع منسوب المياه فى المصرف واندفاعها
إلى الخارج لتغرق أموال وممتلكات الطاعن، وهذا الإهمال والتقصير لا يعدو أن يكون فعلاً
ماديًا أو مسلكًا إداريا لا يرقى إلى مرتبة القرار الإداري بمفهومه الاصطلاحي، وذلك
لتجرده من القصد أو الإرادة التى هى مناط فى قيام القرار الإداري سواء فى صورته الإيجابية
أو السلبية، ومن ثم فهو يندرج فى نطاق العمل غير المشروع الذى يخضع الحق فى المطالبة
به للتقادم الثلاثى الوارد بالفقرة من المادة 172 من القانون المدنى، والتى تنص
على أن " تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات
من اليوم الذى علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه، وتسقط هذه الدعوى
فى كل حال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع…" وغنى عن الذكر أن
مناط سقوط الحق فى التعويض بانقضاء خمس عشرة سنة وفقًا لهذا النص، هو أن تمضى هذه المدة
دون أن يعلم المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه، فإذا ما علم بهما قبل انقضاء
المدة فإن السقوط يخضع للتقادم الثلاثى.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن الحادث الذى تسبب عنه الضرر
للطاعن، وهو ارتفاع منسوب المياه بمصرف/ حسين عبد الله الخاضع لإشراف وزارة الأشغال
العامة والموارد المائية، قد وقع فى عام 1991، الأمر الذى يفيد أن الطاعن علم بحدوث
الضرر وبالمسئول عنه (وهو وزارة الأشغال) فى هذا التاريخ، ومن ثم كان يتعين عليه أن
يقيم دعواه بطلب التعويض عن هذا الضرر فى ميعاد غايته ثلاث سنوات من هذا التاريخ، وإذ
لم يقم الطاعن برفع دعواه إلا فى 27/ 9/ 1998 بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات، فإن
حقه فى المطالبة بالتعويض يكون قد سقط بالتقادم الثلاثى.
وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة، فإنه يكون قد أصاب وجه الحق ولا مطعن عليه،
الأمر الذى يضحى معه هذا الطعن غير قائم على أساس من القانون خليق بالرفض.
ولا ينال من ذلك ما ذهب إليه الطاعن من أن الفقرة الواجبة التطبيق على النزاع ليست
هى الفقرة من المادة 172 من القانون المدنى وإنما الفقرة التى تنص على إنه
".. إذا كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة، وكانت الدعوى الجنائية لم تسقط بعد انقضاء
المواعيد المذكورة فى الفقرة السابقة، فإن دعوى التعويض لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجنائية
" ذلك أن المقصود بالجريمة فى هذه الفقرة هى الجريمة الجنائية بينما الجريمة الماثلة
هى جريمة تأديبية، وقد خص المشرع كلا من الجريمتين الجنائية والتأديبية بميعاد سقوط
مستقل فى قانونى الإجراءات الجنائية والعاملين المدنيين بالدولة، وبالتالى لا وجه لقياس
أحدهما على الأخرى فى مجال سقوط الحق فى التعويض بالتقادم.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.
" فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة:
بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعًا وألزمت الطاعن المصروفات.
| سكرتير المحكمة | رئيس المحكمة |
