الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1276 لسنة 13 ق – جلسة 22 /11 /1970 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة – العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1970 إلى منتصف فبراير سنة 1971) – صـ 33


جلسة 22 من نوفمبر سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد مختار العزبى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد ومحمد جاد ومحمد فهمي طاهر وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضية رقم 1276 لسنة 13 القضائية

(أ) – هيئة عامة – الهيئة العامة للسكك الحديدية – موظف – الترقية باجتياز امتحان
– قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 وقرار رئيس الجمهورية رقم 1640 لسنة 1960 لا يوردان استثناء من قاعدة عامة وإنما يقرران قاعدة أصلية بالنسبة للترقية إلى الدرجات التي تستوجب إجراء امتحانات أو التي تتحدد بقرار من وزير المواصلات – اللائحة لم تضع قيوداً على السلطة التقديرية للوزير في تحديد نوع هذه الوظائف – تعميم نظام الامتحان للوظائف الأعلى ليس من شأنه أن يعطل تطبيق قواعد الترقية بالأقدمية أو بالاختيار – هذه القواعد بعد تعميم نظام الامتحان بقيت قائمة ومعمولاً بها في كل الأحوال التي لا تستلزم إجراء امتحان.
(ب) – هيئة عامة – الهيئة العامة للسكك الحديدية – نظام موظفي الهيئة
– قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 وقرار رئيس الجمهورية رقم 1640 لسنة 1960 يكمل احدهما الأخر – لا يسوغ القول أن احدهما صدر نتيجة تفويض من الآخر – أساس ذلك.
1- يبين من استقراء نص المادتين 27 فقرة أخيرة من قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 و35 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1640 لسنة 1960، اللتين قررتا مبدأ الاستناد إلى الامتحان في الترقية إلى الدرجات الأعلى، أن هاتين المادتين لم تقررا استثناء من قاعدة عامة أو من أصل عام، وإنما وضعتا قاعدة أصلية يعمل بها جنبا إلى جنب مع القواعد التي نظمت الترقيات سواء بالأقدمية أو بالاختيار، قد جرى نص الفقرة الأخيرة من المادة 27 المشار إليها كالآتي "إذا كان نوع الوظائف المطلوب الترقية إليها يستوجب اجتياز امتحانات خاصة، تكون الترقية إلى هذه الوظائف مقصورة على الناجحين في الامتحان وبمثل هذا جرى نص المادة 35 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1640 لسنة 1960 فقد قضى بأن "يشترط للترقية إلى الوظائف التي تحدد بقرار من وزير المواصلات بعد موافقة مجلس الإدارة اجتياز امتحانات خاصة.. " فهذان النصان لا يوردان استثناء من قاعدة عامة، وانما يقرران قاعدة أصلية بالنسبة للترقية إلى الدرجات التي تستوجب إجراء امتحانات أو التي تحدد بقرار من وزير المواصلات ولا يمكن القول بأن عبارة "نوع الوظائف" أو عبارة "الوظائف التي تحدد بقرار من وزير المواصلات" تفيد أو تعني أي منهما، أن واضع اللائحة قصد أن يضع قيوداً أو حدوداً على ما خوله من سلطة تقديرية كاملة في تحديد نوع هذه الوظائف – وقد يكون هذا النوع هو الأغلب الأعم – فهذا الاتجاه في التيسير لا يجد له سنداً من النصوص السابقة، وعلى النقيض من ذلك أنه يسوغ القول بأنه لو أراد واضع اللائحة تقييداً، وتحديداً للسلطة التقديرية الكاملة المخولة بمقتضى هذه النصوص، لأفصح عن إرادته هذه بوسيلة أو بأخرى كما لا يستقيم القول بأن تعميم الامتحان للترقية إلى الوظائف الأعلى، من شأنه أن يعطل تطبيق قواعد الترقية بالأقدمية وكذلك قواعد الترقية بالاختيار، ذلك أن قرار تعميم الامتحان لم يشمل الترقية إلى سائر الوظائف وإنما استثنى الوظائف الرئيسية، كما أنه – على ما سلف البيان – كان بالنسبة للترقية إلى وظائف المرتبة الأولى نظاماً مرحلياً يتوقف العمل به في نهاية السنة المالية 1964/ 1965، ومن المتصور وقد خول مجلس الإدارة والوزير سلطة تحديد الوظائف التي يشترط للترقية إليها اجتياز امتحانات خاصة ليكون هناك قدر من المرونة في تعديل ما يصدر من قرارات في هذا الشأن، بمراعاة مقتضيات وظروف العمل تحقيقاً للصالح العام، من المتصور أن يكون هذا التعديل بالحذف كما يكون بالإضافة، ومن ثم فإن أحكام الترقية بالأقدمية والاختيار بعد تعميم نظام الامتحان، بقيت قائمة ومعمولاً بها في كل الأحوال التي لم تستلزم للترقية بها إجراء امتحانات خاصة.
2- إن رئيس الجمهورية رأى وهو يصدر قراره رقم 2190 لسنة 1959 أن يترك بعض الأمور التفصيلية لقرار آخر يصدره هو القرار رقم 1640 لسنة 1960، القراران يكمل احدهما الآخر، وقد صدر بأداة واحدة، فلا يسوغ القول بأن احداهما صدر نتيجة تفويض من الآخر أو أن احدهما أدنى مرتبة من الآخر، وليس صحيحاً كذلك أن رئيس الجمهورية فوض من المشرع بمقتضى المادة 2 من القانون رقم 366 لسنة 1956 بإنشاء الهيئة، بإصدار لائحة ٍنظام موظفي الهيئة، ذلك أن ما تضمنه القانون المشار إليه في هذا الشأن لا يعدو أن يكون تقريراً لحق مخول لرئيس الجمهورية بمقتضى الدستور في مباشرة اختصاصه بإصدار اللوائح المنظمة للمصالح العامة، ولا شك أن تنظيم شئون العاملين بهذه المصالح مما يدخل في مجال هذا التنظيم.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل – حسبما يخلص من أوراق الطعن – في أن المدعي أقام الدعوى رقم 833 لسنة 18 القضائية ضد وزارة النقل والهيئة العامة للسكك الحديدية بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 9 من مايو سنة 1964، طلب فيها "الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 13 المؤرخ 4 من يناير سنة 1964 الصادر بترقية زميليه للمرتبة الثالثة العالية فيما تضمنه هذا القرار من تخطي المدعى في الترقية لهذه المرتبة اعتباراً من 30 من ديسمبر سنة 1963 بالأقدمية المطلقة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة مع حفظ كافة الحقوق الأخرى"، وتوجز أسانيد دعواه في أنه حصل على دبلوم الهندسة التطبيقية العليا سنة 1945، وفي مايو سنة 1946 التحق بخدمة هيئة السكك الحديدية بالدرجة السادسة الفنية، ثم رقى للدرجة الخامسة فالرابعة، وأنه متفان في عمله وقد أثبت كفاءة وجدارة فيه استحق من أجلها مكافأة تشجيعية ومعظم تقاريره السنوية بمرتبة جيد ومنها تقريره السنوي عن عام 1963، وقد خلت السنة المذكورة درجات من المرتبة الثالثة الفنية بقسم الإشارات التابع له، وكان ترتيبه الأول في الأقدمية، غير أن الهيئة تخطته في الترقية لإحدى هذه الدرجات ورقت المهندسين اللذين يليانه في الأقدمية، وصدر بترقيتهما لهذه المرتبة القرار الإداري رقم 13 في 4 من يناير سنة 1964، وذلك بسبب عدم نجاحه في امتحان الترقية، وقد تظلم من هذا القرار في 12 من يناير سنة 1964، ويتحصل نعيه على القرار المذكور في أن مبدأ الأخذ بنظام امتحانات الترقية بالهيئة مخالف للقانون، ذلك أنه بعد أن صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 الخاص بموظفي الهيئة ونص فيه على قواعد الترقية بالأقدمية والاختيار ونظام التقارير السرية، وهي المبادئ التي تضمنتها سائر نظم العاملين بالدولة، نص في الفقرة الخيرة من المادة 27 من هذا القرار على أنه "إذا كان نوع الوظائف المطلوب الترقية إليها يستوجب اجتياز امتحانات خاصة فتكون الترقية إلى هذه الوظائف مقصورة على الناجحين في الامتحان مع مراعاة الأسبقية وذاك طبقاً للائحة التنفيذية"، وقد جاء في المادة 25 من اللائحة التنفيذية أنه "يشترط للترقية إلى الوظائف التي تحدد بقرار من وزير المواصلات بعد موافقة مجلس الإدارة اجتياز امتحانات خاصة وتراعى الأسبقية في ترتيب النجاح عند الترقية لهذه الوظائف، ويصدر مدير السكك الحديدية القرارات اللازمة لتنظيم إجراءات الامتحان وشروطه"، واستناداً إلى هذا النص أصدرت الهيئة في 28 من يوليه سنة 1963 القرار الإداري رقم 26/ 10/ 2 تنفيذاً للقرار الوزاري رقم 482/ 2 – 62 – 62 بالعمل بنظام امتحانات الترقية اعتباراً من أول يوليه سنة 1963، وقد جعل القرار جميع الترقيات إلى جميع المرتبات حسب نتيجة الامتحان، فخرج بذلك من التخصيص إلى التعميم، وقد ترتب على ذلك تعطيل تطبيق معظم نصوص مواد قراري رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 ورقم 1640 لسنة 1960 الواردة تحت الفصل الخامس الخاص بقواعد الترقيات والعلاوات والتقارير السنوية، وأصبحت في حكم الملغاة إلغاء تاما، وخرجت الهيئة بذلك عن حكمة التشريع الأعلى وجعلت من الاستثناء أصلا عاما، وقد كان هو أحد ضحايا هذا النظام غير القانوني، إذ أن قرار تركه ذكر فيه أنه بني على أنه غير صالح للترقية لرسوبه في الامتحان الذي أجري في 9 من ديسمبر سنة 1963 وقد أجابت الجهة الإدارية عن الدعوى بأنه نظرا لخلو مرتبتين ثالثة بإدارة هندسة الإشارات والاتصالات السلكية واللاسلكية فقد أخطر المدعي وكذلك بعض زملائه، ومن بينهم السيدان/ محمد السيد درويش الموجي وصليب إبراهيم غطاس المطعون في قرار ترقيتهما بعقد امتحان لشغل هذه الدرجات – وفعلا تقدم المذكورون إلى هذا الاختبار، وظهرت النتيجة معلنة حصول المدعي على تقدير ضعيف "غير صالح" بينما نجح المطعون في قرار ترقيتهما في ذات الاختبار، وبتطبيق للنتائج السابقة والقرارات واللوائح المنظمة لقواعد الترقية صدر القرار الوزاري رقم 13 لسنة 1964 في 4 من يناير سنة 1964 بتخطي المدعي وترقية المهندسين السابق الإشارة إليهما للمرتبة الثالثة، وفي بيان هذه القواعد قالت الجهة الإدارية أن المادة 27 من قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 قصرت الترقية على الناجحين في الامتحانات وذلك بالنسبة إلى الوظائف التي تستوجب الترقية إليها اجتياز امتحانات خاصة، وتركت أمر تحديد تلك الوظائف إلى اللائحة التنفيذية التي أعطت وزير المواصلات بدون معقب عليه السلطة التقديرية الكاملة في تحديد هذه الوظائف بعد موافقة مجلس إدارة الهيئة، وقد وافق المجلس في 20 من مايو سنة 1961 على تعميم نظام الامتحانات للترقي إلى جميع المراتب سواء منها التي بالكادر العالي أم تلك التي بالمتوسط عدا المراتب التي أشار إليها قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 – وليس من بينها حالة المدعي – على أن يوضع لذلك نظام تفصيلي يعرض على مجلس الإدارة بحيث يبدأ تطبيقه في أول يوليه سنة 1962، وفعلا أعدت النظم التفصيلية وعرضت ليوم 18 من يوليه سنة 1962 على المجلس فأقرها وصدر بذلك القرار (482/ 2 – 62 – 62) وقد صدق عليه وزير المواصلات في 24 من يولية سنة 1962، إلا أنه لما كان هذا القرار قد جاء متأخرا عن أول يوليه سنة 1962 فقد أعيد عرض الموضوع على المجلس فقرر بجلسة 2 من أكتوبر سنة 1963 الموافقة على تنفيذ هذا النظام اعتبارا من أول يوليه سنة 1963، وقد تضمنت النظم التفصيلية التي أقرها مجلس إدارة الهيئة وصدق عليها الوزير أن يكون تعميم الامتحان في الترقيات إلى جميع المراتب عدا الوظائف الرئيسية، حكما انتقاليا يسري حتى نهاية السنة المالية 64/ 1965 وبعد هذا التاريخ يكون جميع المرقين إلى الوظائف الرئيسية ووظائف مدير إدارة عامة ووكيل إدارة عامة ووظائف المرتبة الأولى قد سبق اجتيازهم امتحانات الترقية وأصابوا فيها نجاحا، الأمر الذي لا تصبح معه ثمة ضرورة لإعادة امتحانهم بعد ذلك عند الترقية من لإحدى هذه الوظائف إلى الوظيفة التي تليها، ومن ثم فإنه اعتبارا من بداية السنة المالية 1965/ 1966 يكون الامتحان مقصورا على الترقية إلى الوظائف حتى المرتبة الثانية العالية، وخلصت الجهة الإدارية من هذا الإيضاح إلى أن قرار وزير المواصلات بتعميم نظام الامتحانات قد جاء صحيحا من مختص بإصداره، ومن ثم فإن قرار تخطي المدعي الذي صدر استنادا إلى قرار وزير المواصلات المشار إليه يكون سليما ولا وجه للنعي عليه، وبجلسة أول يونيه 1967 قضت محكمة القضاء الإداري "بقبول الدعوى شكلا وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 13 في 4 من يناير سنة 1964 بالترقية إلى المرتبة الثالثة العالية إلغاء كاملا مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الهيئة المصروفات" وأقامت قضاءها على أنه يبين من استظهار نصوص قراري رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1951 بنظام موظفي هيئة السكك الحديدية، ورقم 1640 لسنة 1960 باللائحة التنفيذية لنظام موظفي الهيئة فيما يتعلق بقواعد الترقية أنهما جعلا الترقية من مرتبة إلى المرتبة التي تليها بالأقدمية المطلقة وأجاز الترقية بالاختيار في حدود نسبة معينة، ووضعا ضوابط للترقية بالأقدمية وكذلك للترقية بالاختيار، واذا كان نظام العمل في الهيئة اقتضى في بعض وظائفها أن لا يرقى الموظف إلى المرتبة التالية إلا بعد أداء امتحان معين، الا أن القاعدة الأصلية هي أن تكون الترقية بالأقدمية أو بالاختيار في حدود النسب المقررة، وأن الاستثناء من هذه القاعدة هو الترقية بعد النجاح ذلك بأنه يجوز للوزير بموافقة مجلس الإدارة الهيئة الرئيسية أن يعمم نظام الامتحان بالنسبة للترقية إلى جميع الدرجات عدا الوظائف الرئيسية استنادا إلى حكم المادة 35 من اللائحة التنفيذية، لأنه بذلك يكون قد غير النظام الأساسي لموظفي الهيئة وعمم الاستثناء وجعله هو القاعدة الأصلية، مخالفا بذلك الأحكام العامة التي يجب مراعاتها بالنسبة إلى موظفي الهيئة وهي أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951، وهذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 بنظام موظفي الهيئة إنما يستوجب في أساسه إلى نص البند الثامن من المادة الرابعة من قانون إنشاء الهيئة رقم 366 لسنة 1956 الذي فوض رئيس الجمهورية – بعد اقتراح مجلس الإدارة – إصدار لائحة نظام موظفي الهيئة، ثم جاء قرار رئيس الجمهورية المشار إليه مفوضاً اللائحة التنفيذية في تحديد نوع الوظائف الخاضعة للامتحان، ثم أتت هذه اللائحة وفوضت بدورها وزير المواصلات في تحديد نوع هذه الوظائف، وأنه من ثم يكون قرار وزير المواصلات – في ضوء ما سلف – مشوباً بالبطلان، ذلك أنه جاء نتيجة تفويضات متلاحقة، والأصل أن التفويض على التفويض لا يجوز، هذا فضلاً عن أنه لا يجوز لقرار أدنى، وهو قرار وزير المواصلات، أن يخالف الأسس التي قام عليها نظام موظفي الهيئة، وهو صادر بقرار من رئيس الجمهورية، وبذا يكون قرارا مجلس إدارة الهيئة الصادران في 20 من مايو سنة 1961 و18 من يوليه سنة 1963 واللذان وافق عليهما الوزير باطلين لمخالفتهما للقانون ويتعين عدم انفاذ أثرها وإلغاء ما ترتب عليهما من ترقيات.
ومن حيث أن الطعن يقوم على أن الشارع قد كشف بما أورده بالفقرة الأخيرة من المادة 27 من قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 – من أنه إذا كان نوع الوظائف المطلوب الترقية إليها يستوجب امتحانات خاصة فتكون الترقية إلى هذه الوظائف مقصورة على الناجحين في الامتحان وذلك طبقاً للائحة التنفيذية – كشف عن رغبته في النهوض بسكك حديد مصر وأدائها لواجبها على الوجه الأكمل غير مقيدة باللوائح الإدارية والمالية المعمول بها في المصالح الحكومية وعلى وجه الخصوص ما يتعلق منها بنظام موظفي الدولة، وقد صدرت اللائحة التنفيذية مخولة وزير المواصلات سلطة تقديرية كاملة لا معقب عليها في تعداد الوظائف التي تتطلب الترقية إليها اجتياز امتحانات خاصة بشرط موافقة مجلس إدارة هيئة السكك الحديدية على ذلك، وأنه من ثم يكون قرار وزير المواصلات بالتصديق على ما انتهى إليه مجلس إدارة الهيئة من تعميم نظام الامتحانات بالنسبة إلى الترقية لسائر الوظائف ما عدا الوظائف الرئيسية صحيحاً وصادراً من مختص بإصداره، أما ما أثاره المدعى من أن الشارع لو كان يقصد تعميم نظام الامتحانات لما أورد نسبة للترقية بالاختيار وأخرى للترقية بالأقدمية المطلقة، فمردود بأن الشارع قد أعطى وزير المواصلات سلطة تقديرية كاملة في تعداد الوظائف التي تحتاج الترقية إليها عمل اختبارات خاصة، ولو أراد المشرع تقييد تلك السلطة لأفصح عن إرادته هذه وحدد نطاقها، وأن مجال اعمال أحكام الترقية بالأقدمية والاختيار إنما يكون حيث لا يستلزم للترقية إجراء امتحانات، وأن الهيئة حرصاً على أقدمية موظفيها قررت أن يكون ترتيب النجاح بحسب حصول الموظف على آخر تقديرين (ممتاز – صالح) ويعد ناجحاً من حصل على أحدهما، ويرتب الناجحون في كل امتحان في قائمتين القائمة الأولى للحاصلين على تقدير (ممتاز) ويرتبون بحسب أقدمياتهم فيما بينهم، والقائمة الثانية للحاصلين على تقدير (صالح) ويرتبون بحسب أقدمياتهم فيما بينهم، وتكون القائمتان صالحتين للترقية منهما، على أن يبدأ بالترقية من القائمة الأولى فإذا استنفذت رقى من القائمة الثانية، وأن تقدير مدى صلاحية وكفاية الموظف للوظيفة التي يرقى إليها أمر متروك لسلطة الإدارة تقدره بحسب ما تلمسه من شت الاعتبارات، وتقدير الإدارة في هذا الصدد لا معقب عليه ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة، ولا جناح على جهة الإدارة حرصاً منها على اختيار الأصلح أن تضع لنفسها قاعدة تنظيمية عامة تلتزمها في الترقية ما دامت تطبقها باطراد ولا تخالفها في حالات فردية.
ومن حيث أن النزاع في هذه الدعوى يدور – حسبما يبين مما تقدم – حول مدى مشروعية تعميم نظام الامتحان كوسيلة للكشف عن صلاحية الموظفين للترقية من الدرجات التي يشغلونها إلى الدرجات الأعلى بالكادر الملحق بنظام موظفي الهيئة العامة للسكك الحديدية، والذي استندت الهيئة إلى نتيجته في إصدار القرار المطعون فيه، وتخطت بموجبه المدعى في الترقية.
ومن حيث أن الهيئة العامة للسكك الحديدية تستند في القول بمشروعية تعميم نظام الامتحان للترقي إلى الدرجات الأعلى، إلى أن المشرع عندما أصدر القانون رقم 366 لسنة 1956 بإنشاء الهيئة نص في المادة الثانية من هذا القانون على أن "يكون لهذه الهيئة مجلس إدارة يصرف أمورها طبقاً لأحكام هذا القانون دون تقيد بالنظم الإدارية والمالية المتبعة في المصالح الحكومية"، وقد أفصح الشارع قي المذكرة الإيضاحية المرافقة لهذا القانون عن هدفه من عدم تقييد الهيئة بالنظم الإدارية والمالية المتبعة في المصالح الحكومية، وهو أن يمنحها التحرر من الروتين الحكومي، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بنظام موظفي الحكومة ومستخدميها وعمالها، تمكيناً لها من اختيار ما تراه أكثر ملاءمة لطبيعة المرفق من النظم والقواعد الإدارية والمالية ومن الانتفاع بالكفايات الممتازة، وقد نص في البند الثامن من المادة الرابعة من قانون إنشاء الهيئة التي حددت اختصاص مجلس الإدارة، على أن من بين هذه الاختصاصات، "اقتراح وضع لوائح خاصة بموظفي الهيئة ومستخدميها وعمالها تنظم قواعد تعيينهم وترتيب أقدمياتهم والتقارير الخاصة بهم وترقيتهم.. وتصدر اللائحة بقرار من رئيس الجمهورية"، وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 بنظام موظفي الهيئة، ونص في المادة 27 فقرة أخيرة منه على أنه "إذا كان نوع الوظائف المطلوب الترقية إليها يستوجب اجتياز امتحانات خاصة فتكون الترقية إلى هذه الوظائف مقصورة على الناجحين في الامتحان مع مراعاة الأسبقية وذلك طبقاً للائحة التنفيذية" ولما صدرت اللائحة التنفيذية لنظام موظفي الهيئة بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 1640 لسنة 1960 نص في المادة 35 من هذا القرار على أنه "يشترط للترقية إلى الوظائف التي تحدد بقرار من وزير المواصلات – بعد موافقة مجلس الإدارة – اجتياز امتحانات خاصة وتراعى الأسبقية في ترتيب النجاح عند الترقية إلى هذه الوظائف – ويصدر مدير السكك الحديدية القرارات اللازمة لتنظيم إجراءات الامتحان وشروطه" وقد وافق مجلس الإدارة بجلستيه المنعقدتين في 20 من مايو سنة 1961 و18 من يوليه سنة 1962 على تعميم الامتحان في الترقيات إلى جميع المراتب بالكادر العالي والمتوسط عدا الوظائف الرئيسية، على أن يكون هذا التعميم نظاماً مرحلياً حتى نهاية السنة المالية 1964/ 1965 بحيث يكون الامتحان للترقية بعدها مقصوراً على الوظائف حتى المرتبة الثانية العالية، وقد اعتمد السيد وزير المواصلات قراري مجلس الإدارة سالفى الذكر، أصدر السيد المدير العام للهيئة قراراً تضمن قواعد تنظيم إجراءات امتحانات الترقية بالتطبيق لهذين القرارين.
ومن حيث أن المدعي، وقد سايره الحكم المطعون فيه، يذهبان إلى أن الهيئة بتعميمها نظام الامتحان للترقية إلى الدرجات الأعلى، تكون قد جعلت من الاستثناء قاعدة أصلية، وعطلت تطبيق المواد التي تضمنت قاعد الترقية بالاختيار وتلك الخاصية بالترقية بالأقدمية، والتي أوردها قرارا رئيس الجمهورية رقما 2190 لسنة 1959 و1640 لسنة 1960.
ومن حيث أنه يبين من استقراء نص المادتين 27 فقرة أخيرة من قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 و35 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1640 لسنة 1960، اللتين قررتا مبدأ الاستناد إلى الامتحان في الترقية إلى الدرجات الأعلى، أن هاتين المادتين لم تقررا استثناء من قاعدة عامة أو من أصل عام، وإنما وضعتا قاعدة أصلية يعمل بها جنبا إلى جنب مع القواعد التي نظمت الترقيات سواء بالأقدمية أو الاختيار، فقد جرى نص الفقرة الأخيرة من المادة 27 المشار إليها كالآتي "إذا كان نوع الوظائف المطلوب الترقية إليها يستوجب اجتياز امتحانات خاصة، فتكون الترقية إلى هذه الوظائف مقصورة على الناجحين في الامتحان" وبمثل هذا جرى نص المادة 35 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1640 لسنة 1960 فقد قضى بأن "يشترط للترقية إلى الوظائف التي تحدد بقرار من وزير المواصلات بعد موافقة مجلس الإدارة اجتياز امتحانات خاصة.. " فهذان النصان لا يوردان استثناء من قاعدة عامة، وانما يقرران قاعدة أصلية بالنسبة للترقية إلى الدرجات التي تستوجب اجراء امتحانات أو التي تحدد بقرار من وزير المواصلات ولا يمكن القول بأن عبارة "نوع الوظائف أو عبارة الوظائف التي تحدد بقرار من وزير المواصلات تفيد أو تعني أي منهما، أن واضع اللائحة قصد أن يضع قيوداً أو حدوداً على ما خوله من سلطة تقديرية كاملة في تحديد نوع هذه الوظائف – وقد يكون هذا النوع هو الأغلب الأعم – فهذا الاتجاه في التفسير لا يجد له سنداً من النصوص السابقة، وعلى النقيض من ذلك فإنه يسوغ القول بأنه لو أراد واضع اللائحة تقييداً، وتحديداً للسلطة التقديرية الكاملة المخولة بمقتضى هذه النصوص، لأفصح عن إرادته هذه بوسيلة أو بأخرى، كما لا يستقيم القول بأن تعميم الامتحان للترقية إلى الوظائف الأعلى، من شأنه أن يعطل تطبيق قواعد الترقية بالأقدمية وكذلك قواعد الترقية بالاختيار، ذلك أن قرار تعميم الامتحان لم يشمل الترقية إلى سائر الوظائف وإنما استثنى الوظائف الرئيسية، كما أنه – على ما سلف البيان – كان بالنسبة للترقية إلى وظائف المرتبة الأولى نظاماً مرحلياً يتوقف العمل به في نهاية السنة المالية 1964/ 1965، ومن المقصود وقد خول مجلس الإدارة والوزير سلطة تحديد الوظائف التي يشترط للترقية إليها اجتياز امتحانات خاصة ليكون هناك قدر من المرونة في تعديل ما يصدر من قرارات في هذا الشأن، بمراعاة مقتضيات وظروف العمل تحقيقاً للصالح العام، من المتصور أن يكون هذا التعديل بالحذف كما يكون بالإضافة، ومن ثم فإن أحكام الترقية بالأقدمية والاختيار بعد تعميم نظام الامتحان، بقيت قائمة ومعمولاً بها في كل الأحوال التي لم يستلزم للترقية فيها إجراء امتحانات خاصة.
ومن حيث أنه ليس صحيحا ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن قرار وزير المواصلات بتحديد نوع الوظائف الخاضعة للامتحان قد شابه البطلان، لأنه جاء نتيجة تفويضات متلاحقة، لأنه لا يجوز لقرار أدنى وهو قرار وزير الموصلات أن يخالف الأسس التي قام عليها نظام موظفي الهيئة وهو صادر بقرار من رئيس الجمهورية، ليس صحيحا هذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه ذلك أن قرار وزير المواصلات لم يصدر نتيجة تفويضات متلاحقة، كما أنه لم يخالف الأسس التي قام عليها نظام موظفي الهيئة، ويتعين بادئ ذي بدء أن يسقط من حساب سلسلة التفويضات التي قال الحكم المطعون فيه بتلاحقها، أن رئيس الجمهورية فوض نفسه بمقتضى قراره رقم 2190 لسنة 1959 بنظم موظفي الهيئة في إصدار قراره رقم 1640 لسنة 1960 باللائحة التنفيذية لهذا النظام. والصحيح أن رئيس الجمهورية رأى وهو يصدر قراره رقم 2190 لسنة 1959 أن يترك بعض الأمور التفصيلية لقرار آخر يصدره هو القرار رقم 1640 لسنة 1960، القراران يكمل احدهما الآخر، وقد صدر بأداة واحدة، فلا يسوغ القول بأن احداهما صدر نتيجة تفويض من الآخر أو أن احدهما أدنى مرتبة من الآخر، وليس صحيحاً كذلك أن رئيس الجمهورية فوض من المشرع بمقتضى المادة 2 من القانون رقم 366 لسنة 1956 بإنشاء الهيئة، بإصدار لائحة ٍنظام موظفي الهيئة، ذلك أن ما تضمنه القانون المشار إليه في هذا الشأن لا يعدو أن يكون تقريراً لحق مخول لرئيس الجمهورية بمقتضى الدستور في مباشرة اختصاصه بإصدار اللوائح المنظمة للمصالح العامة، ولا شك أن تنظيم شئون العاملين بهذه المصالح مما يدخل في مجال هذا التنظيم.
أما القول بأن رئيس الجمهورية فوض بمقتضى المادة 35 من قراره رقم 1640 لسنة 1960 وزير المواصلات – بعد موافقة مجلس إدارة الهيئة – في تحديد الوظائف التي يشترط للترقية إليها اجتياز امتحانات خاصة، فإنه أيا كان الرأي في تكييف السلطة التي خولها وزير المواصلات في هذا الشأن، وهل تنطوي عل تفويض من رئيس الجمهوري لوزير المواصلات في مباشرة اختصاص من اختصاصاته، أم أأن تخويل وزير المواصلات هذه السلطة لا يعدو أن يكون نوعا من توزيع الاختصاصات في اطار التنظيم الذي وضعه رئيس الجمهورية لشئون العاملين بالهيئة وأقر فيه مبدأ الاستناد إلى الامتحان في الترقية إلى الدرجة الأعلى – أيا كان الرأي في هذا التكييف، فإن الأمر لا يشكل على أي حال سلسلة متلاحقة من التفويضات من شأنها أن تبطل قرار وزير المواصلات على نحو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، كما أنه ليس صحيحا القول بأنه لا يجوز لقرار أدنى وهو قرار وزير المواصلات أن يخالف الأسس التي قام عليها نظام موظفي الهيئة وهو صادر بقرار من رئيس الجمهورية، ذلك أن قرار وزير المواصلات انما صدر تنفيذا لقرار رئيس الجمهورية رقم 1640، وهو قرار يكمل لقرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1959 كما سلف البيان.
ومن حيث أنه تأسيسا على ما تقدم، يكون قرار تخطي المدعي في الترقية لرسوبه في الامتحان تطبيقا للقاعدة التي تقررت في هذا الشأن بقرار من وزير المواصلات، صحيحا ولا مخالفة فيه للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه، وقد خالف هذا النظر، قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين – والحالة هذه – القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى لعدم قيامها على سند سليم من الواقع والقانون، مع الزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات