الرئيسية الاقسام القوائم البحث

أصدرت الحكم الآتى:لم يتم التعرف على تاريخ الجلسة

الجريدة الرسمية – العدد 31 مكرر (جـ) – السنة الثامنة والخمسون
17 شوال سنة 1436هـ، الموافق 2 أغسطس سنة 2015م

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الخامس والعشرين من يوليو سنة 2015 م، الموافق التاسع من شوال سنة 1436 هـ.
برئاسة المستشار/ عدلى محمود منصور……… رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: أنور رشاد العاصى وعبد الوهاب عبد الرازق والسيد عبد المنعم حشيش وسعيد مرعى عمرو والدكتور/ عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم – نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم – رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع – أمين السر

أصدرت الحكم الآتى:

فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 116 لسنة 29 قضائية " دستورية ".

المقامة من:

السيد/ عبد الرحمن وصفى محمد يوسف.

ضـد

1 – السيد رئيس الجمهورية.
2 – السيد رئيس مجلس الوزراء.
3 – السيد/ عيسى إبراهيم عيسى.


الإجراءات

بتاريخ الثالث عشر من شهر مايو سنة 2007، أودع المدعى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا صحيفة هذه الدعوى، طلبًا للحكم بعدم دستورية نص المادة من قانون العقوبات فيما تضمنه من تقرير عقوبة الحبس (الإكراه البدنى).
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها أصليًا الحكم، أولاً: بعدم اختصاص هذه المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى بالنسبة لمخالفة النص المطعون فيه لأحكام العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية؛ ثانيًا: برفض الدعوى فيما جاوز ذلك.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد ا لاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى إلى المحاكمة الجنائية، فى الجنحة رقم 30754 لسنة 2006 جنح مركز ديرب نجم، بطلب عقابه بالمادتين ومن قانون العقوبات، بوصف أنه بدد المنقولات المبينة الوصف والقيمة بالأوراق والمملوكة له والمحجوز عليها قضائيًا لصالح/ عيسى إبراهيم عيسى، والمسلمة إليه على سبيل الأمانة، فاختلسها لنفسه إضرارًا بالمجنى عليه. وبجلسة 8/ 11/ 2006، قضت محكمة الجنح غيابيًا بحبس المتهم شهرين، وكفالة مائة جنيه لإيقاف التنفيذ، والمصاريف الجنائية، فعارض المحكوم عليه فى هذا الحكم، وأثناء نظر الدعوى دفع بعدم دستورية المادة من قانون العقوبات؛ وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة من قانون العقوبات تنص على أنه " كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو أمتعة أو بضائع أو نقودًا أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على تمسك أو مخالصة أو غير إضرارًا بمالكيها أو أصحابها أو واضعى اليد عليها، وكانت الأشياء المذكورة لم تسلم له إلا على و جه الوديعة أو الإجارة أو على سبيل عارية الاستعمال أو الرهن، أن كانت سلمت له بصفة كونه وكيلاً بأجرة أو مجانًا بقصد عرضها للبيع أو بيعها أو استعمالها فى أمر معين لمنفعة المالك لها أو غيره، يحكم عليه بالحبس ويجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصرى ".
كما نصت المادة من القانون ذاته على أنه " يحكم بالعقوبات السابقة، على المالك المعين حارسًا على أشيائه المحجوز عليها قضائيًا أو إداريًا إذا اختلس شيئًا منها ".
وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بنظر الدعوى، استنادًا إلى أن مناط اختصاص هذه المحكمة هو تعارض النصوص القانونية مع أحكام الدستور، حال أن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته أحكام العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذى يعد فى مرتبة القانون بعد موافقة مصر عليه بمقتضى قرار رئيس الجمهورية رقم 536 لسنة 1981
وحيث إن هذا الدفع مردود، ذلك أن مخالفة نص فى قانون لقانون آخر، وإن كانت لا تشكل فى ذاتها خروجًا على أحكام الدستور المنوط بهذه المحكمة صونها وحمايتها، إلا أن ذلك لا يستطيل إلى الحالة التى تشكل فيها هذه المخالفة إخلالاً بأحد المبادئ الدستورية التى تختص هذه المحكمة بحمايتها والذود عنها. مت كان ذلك، وكانت قاعدة إعمال القانون الأصلح للمتهم، تجد سندها فى الالتزام الدستورى بصون الحرية الشخصية، التى كفلتها المادةمن دستور سنة 1971، والمادة من الدستور الصادر سنة 2014، ومن ثم، يخضع أى نص قانونى يخالف هذه القاعدة – إذا توافرت شروط إعمالها – للرقابة على الدستورية، التى تقوم عليها هذه المحكمة، ومن ثم فإن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاصها يكون مفتقدًا لسنده متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إن النيابة العامة قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية بوصف أنه بدد المنقولات المملوكة له المحجوز عليها قضائيًا والمسلمة إليه على سبيل الوديعة لحراستها وتقديمها يوم البيع، فاختلسها لنفسه، وكان هذا الفعل المؤثم جنائيًا بمقتضى نص المادة من قانون العقوبات، معاقبًا عليه بالعقوبة المقررة بنص المادة من القانون ذاته وهى عقوبة الحبس الذى يجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه, فإن مصلحة المدعى الشخصية والمباشرة فى الدعوى الماثلة تتوافر فى الطعن على دستورية العقوبة المنصوص عليها بالمادة من قانون العقوبات، كما تتوافر له مصلحة شخصية ومباشرة فى الطعن على نص المادة من القانون ذاته، باعتبار أن هذا النص هو الذى تضمَّن الفعل المؤثم المنسوب إلى المدعى ارتكابه، وبذلك يتحدد نطاق الدعوى الماثلة، فى هذين النصين فيما تضمناه من معاقبة المالك المعين حارسًا على أشيائه المحجوز عليها قضائيًا إذا اختلس شيئًا منها بالحبس الذى يجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه.
وحيث إن المدعى ينعى على النصين المطعون فيهما – محددين نطاقًا على النحو المتقدم – تعارضهما مع نص المادة من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية التى حظرت سجن الإنسان بسبب عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدى، ونيلهما من الحرية الشخصية، وإهدارهما لمبدأ سيادة القانون، وإخلالهما بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وإهدارهما لأصل البراءة، ومساسهما باستقلال السلطة القضائية، واعتدائهما على مبدأ استقلال القضاة بإهدارهما مبدأ تفريد العقاب، وذلك كله بالمخالفة لأحكام المواد(41، 64، 66، 67، 151/ 1، 165، 166) من دستور سنة 1971
وحيث إنه من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التى ينبغى أن تقوم عليها الجماعة، وتقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها – وأيًا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التى آتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد فى مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.
إذ كان ذلك، فإن المحكمة تتناول بحث دستورية النصين المطعون فيهما على ضوء أحكام الدستور الصادر فى 18/ 1/ 2014
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الحرية الشخصية من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها أو تقيدها بالمخالفة لأحكام المادة من الدستور الحالي – المقابلة للمادة من دستور سنة 1971 – والتى تنص على أن "الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تمس"، وتُعد بمثابة القاعدة التى يرتكز عليها مبدأ رجعية النصوص العقابية الأصلح للمتهم بالنسبة لما اقترفه من جرائم فى تاريخ سابق عليها، ذلك أن الحرية الشخصية وإن كان يهددها القانون الجنائى الأسوأ، إلا أن هذا القانون يرعاها ويحميها إذا كان أكثر رفقًا بالمتهم، سواء من خلال إنهاء تجريم أفعال أثمها قانون جنائى سابق، أو عن طريق تعديل تكييفها أو بنيان بعض العناصر التى تقوم عليها، بما يمحو عقوباتها كلية أو يجعلها أقل بأسًا، وبمراعاة أن غلو العقوبة أو هوانها إنما يتحدد على ضوء مركز المتهم فى مجال تطبيقها بالنسبة إليه. وشرط إعمال قاعدة القانون الأصلح للمتهم، أن ينصب على المحل ذاته الذى أثمه القانون الأسبق عليه، وأن يتفقا وأحكام الدستور. إذ كان ذلك، وكانت المادة من الدستور الحالى تنص على أن "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة"، وكانت المادة من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية، إذ نصت على أنه "لا يجوز سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدى فقط"؛ مما مؤداه عدم جواز إنزال عقوبة سالبة للحرية على شخص، لمجرد إخلاله بالتزام تعاقدى، حال أن النصين المطعون عليهما – محددين نطاقًا على النحو المتقدم – لا يقرران عقوبة الحبس وما قد يقترن بها من غرامة، على إخلال بالتزام تعاقدى وإنما تقرر تلك العقوبة لارتكاب فعل مؤثم جنائيًا هو اختلاس أشياء محجوز عليها قضائيًا، ومن ثم لا يعد نص المادة من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية بمثابة قانون أصلح للمتهم لاختلاف الفعل المؤثَّم بالنصين المطعون فيهما عن العجز عن الوفاء بالتزام تعاقدى محل نص المادة من العهد الدولى المشار إليه.
وحيث إن افتراض أصل البراءة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يعد أصلا ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية فى جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها. وقد غدا حتميًا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التى تخلص إليها المحكمة، وتتكون من مجموعها عقيدتها حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض فى الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، والتى تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها، بما فى ذلك القصد الجنائى بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة.
وحيث إن النطاق الحقيقى لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات يأتى على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهى ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها. إذ كان ذلك، وكان النصان المطعون فيهما – فى النطاق السالف تحديده – قد صيغت عبارتاهما بطريقة واضحة لا خفاء فيها أو غموض، تكفل لأن يكون المخاطبون بهما على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها، فإن الطعن عليهما بأنهما قد أخلا بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يكون على غير أساس متعينًا الالتفات عنه.
وحيث إنه من المقرر أيضًا فى قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائى على أوجه السلوك التى تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائى، وإن اتفق مع غيره من القوانين فى سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم البعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، إلا أن هذا القانون يفارقها فى اتخاذه الجزاء الجنائى أداة لحملهم على إتيان الأفعال التى يأمرهم بها، أو التخلى عن تلك التى ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعى ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التى اقتضتها ظروف الجماعة فى مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية.
لما كان ذلك، وكان نص المادة من قانون العقوبات قد انتظم العقوبة التى ارتأى المشرع تقريرها جزاء اقتراف الفعل الذى أثّمه بمقتضى نص المادة من القانون ذاته، وهو قيام مالك الأشياء المحجوز عليها قضائيًا والتى عين حارسًا عليها باختلاس شيء منها، وهى عقوبة الحبس الذى يقدره القاضى بين حدين الأدنى منهما يوم واحد وأقصاهما ثلاث سنوات، وأجاز هذا النص اقتران الحبس بغرامة لا تجاوز مائة جنيه، وكان المشرع قد توخى بهذه العقوبة حماية مصلحة معتبرة قانونًا، وهى كفالة تحصيل المستحقات المحجوز من أجلها قضائيًا، لصالح مستحقيها، وأوجب لاكتمال التجريم أن يتوافر لدى الجانى علم وإرادة باحتباس المال لنفسه، وجاءت العقوبة التى رصدها النص المطعون فيه، فى إطار العقوبات المقررة للجرائم المعتبرة جنحًا، وتلك العقوبة فضلاً عن أنها تتناسب مع الإثم الجنائى لمرتكب تلك الجريمة، دون أن يصيبها غلو أو يداخلها تفريط، فإنها تدخل فى إطار سلطة المشرع التقديرية فى اختيار العقاب، ودون مصادرة أو انتقاص من سلطة القاضى فى تفريدها فى ضوء الخطورة الإجرامية للمتهم، إذ احتفظ النص المطعون فيه للقاضى بسلطة تقديرية واسعة فى الحكم بمدة الحبس المناسبة للفعل الذى قارفه الجانى، بحسب ظروف كل جريمة وظروف مرتكبها، وله أن يقرن عقوبة الحبس بعقوبة الغرامة، بما لا يجاوز مائة جنيه.
ومؤدى ما تقدم جميعه, أن النصين التشريعيين محل الدعوى الماثلة قد التزما جميع الضوابط الدستورية المتطلبة فى محال التجريم والعقاب، موضوعًا وصياغة، بما لا مخالفة فيه لأى من المواد (54، 94، 96، 151, 184، 186) من الدستور القائم، أو أى من أحكامه الأخرى، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

أمين السر رئيس المحكمة
يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات