الطعن رقم 323 لسنة 33 ق – جلسة 28 /12 /1967
أحكام النقض – المكتب الفنى – مدنى
العدد الرابع – السنة 18 – صـ 1901
جلسة 28 من ديسمبر سنة 1967
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدى، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقى البشبيشى، ومحمد سيد أحمد حماد.
الطعن رقم 323 لسنة 33 القضائية
( أ ) تحكيم. "التحكيم الإجبارى فى منازعات القطاع العام".
المنازعات الخاضعة لنظام التحكيم الإجبارى وفقا للقانون 32 لسنة 1966، هى المنازعات
الموضوعية التى تنشأ بين شركات القطاع العام أو بين إحداها وبين جهة حكومية أو هيئة
أو مؤسسة عامة.
(ب، ج) إختصاص. "إختصاص ولائى". تحكيم. "التحكيم الإجبارى فى منازعات شركات القطاع
العام".
اختصاص هيئات التحكيم المنصوص عليها فى القانون 32 لسنة 1966 وحدها بمنازعات شركات
القطاع العام. وجوب استثناء المنازعات المطروحة على محكمة النقض من اختصاص هذه الهيئات.
نقض الحكم. وجوب إحالة القضية إلى هيئات التحكيم التى أحلها المشرع محل محكمة الموضوع.
(د) نقض. "الخصومة فى الطعن". "ماهيتها".
الطعن بالنقض لا ينقل – خلافا للاستئناف – الدعوى برمتها إلى محكمة النقض. عدم جوازه
فى الأحكام الانتهائية إلا فى أحوال بينها القانون بيان حصر. لا تنظر محكمة النقض إلا
فى الأسباب التى ذكرها الطاعن فى تقرير الطعن. الطعن بالنقض ليس هو الخصومة المرددة
– من قبل – أمام محكمة الموضوع وإنما هو مخاصمة للحكم النهائى الذى صدر فيها.
(هـ) إختصاص. "إختصاص ولائى". قرار إدارى. "الترخيص بالانتفاع بالأموال العامة". تقادم.
رسم.
خروج تأويل الأمر الإدارى أو وقف تنفيذه عن ولاية المحاكم. للمحاكم العادية أن تتحقق
من وجود الأمر الإدارى أو عدم وجوده. المنازعة فيما إذا كان الانتفاع بجسر النيل مستندا
إلى تراخيص جهة الإدارة فيعتبر مقابل الانتفاع رسما يتقادم بخمس سنوات أو غير مستند
إلى هذه التراخيص – لانتهائها – فيعتبر مقابل الانتفاع ربما مستحقا فى ذمة حائز سئ
النية لا ينقضى إلا بخمس عشرة سنة. نزاع يدخل فى اختصاص المحاكم العادية إذا كان الفصل
فى الدعوى لم يقتضى من محكمة الموضوع تأويل التراخيص – وهى أوامر إدارية.
(و) قرار إدارى. "تجديد التراخيص".
تأشير جهة الإدارة بتجديد الترخيص بعد إنتهاء مدته. قرار إدارى. اعتبار التراخيص قائمة
فى المدة السابقة على تجديدها. التجديد لا يرد على ترخيص سبق إلغاؤه.
1 – المنازعات التى قصد المشرع إخضاعها لنظام التحكيم الإجبارى الذى استحدثه القانون
رقم 32 لسنة 1966 إنما هى المنازعات الموضوعية التى تنشأ بين شركات القطاع العام أو
بين إحداها وبين جهة حكومية أو هيئة أو مؤسسة عامة بشأن تقرير حق أو نفيه وذلك اعتبارا
بأن هذه الأنزعة – على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية – لا تقوم على خصومات تتعارض فيها
المصالح كما هو الشأن فى مجال القطاع الخاص بل تنتهى جميعا، فى نتيجتها إلى جهة واحدة
هى الدولة.
2 – وإن كانت المادة 66 من قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر بالقانون
رقم 32 لسنة 1966 قد جعلت هيئات التحكيم المنصوص عليها فى هذا القانون مختصة دون غيرها
بنظر المنازعات التى تقع بين شركات القطاع العام أو بين شركة منها وبين جهة حكومية
أو هيئة عامة أو مؤسسة عامة، دون أن تستثنى من ذلك الطعون المعروضة على محكمة النقض
على خلاف قرار مجلس الوزراء الصادر فى 10 يناير سنة 1966 الذى كان ينص صراحة على استثناء
المنازعات المطروحة على محكمة النقض من اختصاص هيئات التحكيم المشكلة وفقا لأحكام هذا
القرار، إلا أنه مع ذلك ترى محكمة النقض وجوب سريان هذا الاستثناء فى ظل أحكام القانون
رقم 32 لسنة 1966 ذلك أن المشرع إذ جعل العنصر الغالب فى تشكيل هيئات التحكيم لغير
رجال القانون وأحل هذه الهيئات من التقيد بقواعد قانون المرافعات إلا ما تعلق منها
بالضمانات والمبادئ الأساسية فى التقاضى فإنه يكون قد دل بذلك على أنه لم يقصد تهيئتها
للفصل فى تلك المسائل القانونية الدقيقة التى تعرض على محكمة النقض كما أن المشرع وقد
استثنى فى المادة السادسة من قانون الإصدار من الإحالة إلى هيئات التحكيم الدعاوى التى
تهيأت للحكم فيها ولو كانت أمام محكمة أول درجة فإن هذا الاستثناء يجب أن ينسحب من
باب أولى إلى الدعاوى التى تم الفصل فيها بحكم نهائى نافذ وإن طعن فيه بطريق النقض
إذ ليس من شأن هذا الطعن أن يمس قوة هذا الحكم أو يوقف تنفيذه.
3 – لا يصح القول بأن المشرع وقد ناط بهيئات التحكيم الفصل فى كافة منازعات القطاع
العام، فإنه يكون قد قصد إسقاط ما سبق صدوره من أحكام نهائية مما يخول تلك الهيئات
نظر الموضوع من جديد إذا أحيل إليها الطعن بحالته من محكمة النقض ذلك بأنه ما دام المشرع
لم ينص صراحة على إسقاط هذه الأحكام فإنها لا تسقط بطريق الاستنتاج لما يترتب على إسقاطها
من المساس بالحقوق المكتسبة للخصوم. والصواب أن تظل لهذه الأحكام قوتها وحصانتها التى
كلفها القانون حتى يقضى من محكمة النقض فى أمر الطعن المرفوع عنها فإن قضت برفضه طويت
صفحة النزاع نهائيا وإن قضت بنقض الحكم سقطت عنه حصانته وزالت آثاره وتعين على محكمة
النقض عندئذ أن تحيل القضية إلى هيئات التحكيم التى أحلها المشرع محل محكمة الموضوع.
4 – الطعن بالنقض لا تنتقل به الدعوى برمتها إلى محكمة النقض كما هو الشأن فى الاستئناف
بل هو طعن لم يجزه القانون فى الأحكام الانتهائية إلا فى أحوال بينها بيان حصر وهى
ترجع كلها إما إلى مخالفة القانون أو خطأ فى تطبيقه أو فى تأويله أو إلى وقوع بطلان
فى الحكم أو بطلان فى الإجراءات أثر فيه ولا تنظر محكمة النقض إلا فى الأسباب التى
ذكرها الطاعن فى تقرير الطعن مما يتعلق بهذه الوجوه فى المسائل القانونية البحتة ومن
ثم فالأمر الذى يعرض على محكمة النقض ليس هو الخصومة التى كانت مرددة بين الطرفين أمام
محكمة الموضوع وإنما هو فى الواقع مخاصمة الحكم النهائى الذى صدر فيها.
5 – إذ كان ما يخرج عن ولاية المحاكم هو تأويل الأمر الإدارى أو وقف تنفيذه فإن للمحاكم
العادية – بل عليها – أن تتحقق من وجود الأمر الإدارى أو عدم وجوده – إذا ثار النزاع
بين الخصوم فى هذا الشأن – وأن تعمل آثاره متى ثبت لها قيامه. فإذا كان النزاع فى الدعوى
قد انحصر فيما إذا كان انتفاع الشركة المطعون ضدها بالمنشآت التى أقامتها على جسر النيل
والمستحق عنه المبلغ المطالب برده فى الدعوى مستندا إلى التراخيص الممنوحة لها من وزارة
الأشغال فيعتبر مقابل الانتفاع رسميا يتقادم بخمس سنوات أو غير مستند إلى هذه التراخيص
باعتبار أنها قد انتهت فيعتبر وضع يد الشركة بطريق الغصب ويكون مقابل الانتفاع ريعا
مستحقا فى ذمة حائز سئ النية لا يسقط إلا بانقضاء خمس عشرة سنة، فإن هذا النزاع على
هذه الصورة مما يدخل فى إختصاص المحاكم العادية إذ أن هذه التراخيص وإن كانت أوامر
إدارية إلا أنه إذ كان الفصل فى هذا النزاع لم يقتض من محكمة الموضوع تأويل التراخيص
– لعدم اختلاف الخصوم على تفسيرها – أو وقف تنفيذها بل اقتصر البحث على تعرف ما إذا
كانت هذه التراخيص قائمة أو غير قائمة وتطبيقها وفقا لظاهر نصوصها وهو ما تملكه المحاكم
العادية فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض الدفع بعدم الاختصاص الولائى يكون قد طبق القانون
تطبيقا صحيحا.
6 – تأشير جهة الإدارة على التراخيص بتجديدها بعد انتهاء مدتها يعتبر قرارا إداريا
منها بإجراء هذا التجديد. وهذا القرار يفيد بذاته أن جهة الإدارة اعتبرت التراخيص قائمة
فى المدة السابقة على تجديدها إذ أن التجديد لا يرد على ترخيص سبق إلغاؤه.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – تتحصل فى أن
مدير عام تفتيش رى قنا أرسل فى 24 فبراير سنة 1959 خطابا إلى مدير مصنع شركة السكر
بنجع حمادى ضمنه (أولا) أن التفتيش المذكور أصدر فى عام 1934 ترخيصا للشركة بإقامة
سقالة على النيل ونص فيه على أن مدته عشر سنوات إبتداء من أول يناير سنة 1934 وأن على
المرخص إليها أن تقدم طلبا لتجديد الترخيص قبل إنتهاء المدة بشهرين على الأقل وأنه
إذ كانت الشركة لم تقدم هذا الطلب فى الميعاد فإن الترخيص يكون قد إنتهى بانتهاء مدته
فى 31 ديسمبر سنة 1943 ويكون انتفاع الشركة بالسقالة موضوع الترخيص بعد هذا التاريخ
انتفاعا بغير سند وأنه إذ كانت الشركة قد قامت بدفع الجعول إلى نهاية سنة 1948 والجعول
المستحقة من أول يناير سنة 1953 حتى آخر ديسمبر سنة 1958 فإنه يكون باقيا فى ذمتها
الجعول المستحقة من 1/ 1/ 1949 إلى 31/ 12/ 1952 ومقدارها 72 ج بواقع 18 ج فى السنة
(ثانيا) أن التفتيش أصدر ترخيصا للشركة فى عام 1949 بإنشاء سقالة أخرى عليها ونش وقد
نص فى هذا الترخيص على رفع الجعل المستحق فى أول يناير من كل سنة وعلى أنه إذا تأخر
الدفع لغاية 15 يناير يصبح الترخيص لاغيا من نفسه وإذ كانت الشركة لم تدفع سوى الجعل
المستحق عن السنة الأولى فإن هذا الترخيص يعتبر ملغيا من تلقاء نفسه إبتداء من 16/
1/ 1950 وبالتالى يكون إنتفاع الشركة بالسقالة موضوع هذا الترخيص إنتفاعا بغير سند
ويستحق عليها الجعل المقابل لهذا الإنتفاع إبتداء من 1/ 1/ 1950 إلى 31/ 12/ 1958 وإذ
كانت الشركة قد قامت بدفع الجعل المستحق من أول يناير سنة 1953 حتى آخر ديسمبر سنة
1958 فإنه يكون باقيا فى ذمتها الجعل المستحق فى 1/ 1/ 1950 حتى 31/ 12/ 1952 ومقداره
30 جنيها بواقع 10 ج سنويا (ثالثا) أن الشركة تستعمل مرساة على النيل لصندل مملوك لها
من سنة 1937 وقد استحق عليها الجعل المقابل لهذا الانتفاع من 1/ 1/ 1943 حتى 31/ 12/
1958 وإذ قامت بدفع المستحق من 1/ 1/ 1953 حتى 31/ 12/ 1958 فإنه يكون باقيا فى ذمتها
الجعول المستحقة من أول يناير سنة 1943 حتى 31 ديسمبر سنة 1952 ومقداره 630 جنيها بواقع
63 جنيها سنويا وإنتهى التفتيش فى كتابة هذا إلى أن مجموع المستحق على الشركة يكون
لذلك مبلغ 732 جنيها طلب منها أداءه فى خلال شهر من تاريخ هذا الكتاب وهددها فى حالة
التأخير بتوقيع الحجز الإدارى على أموالها استنادا إلى القانون رقم 308 لسنة 1955 فى
شأن الحجز الإدارى وبتاريخ 25 من مايو سنة 1959 أرسلت الشركة المطعون ضدها شيكا بمبلغ
732 جنيها إلى السيد/ مفتش رى قنا وأرفقت به خطابا ضمنته أنه مع إصرارها بعدم أحقية
التفتيش فى مطالبتها بهذا المبلغ فإنها إضطرت لدفعه تفاديا من إجراءات الحجز الإدارى
التى هدد التفتيش باتخاذها ضدها مع إحتفاظها بالحق فى استرداد ما دفعته – ثم رفعت الشركة
فى 24 سبتمبر سنة 1959 الدعوى رقم 493 سنة 1959 كلى قنا على الوزارة الطاعنة قائلة
إنه إذ كان هذا المبلغ عبارة عن رسوم استحقت عليها وقد سقط حق الوزارة فى اقتضائها
بالتقادم الخمسى وكان سدادها لذلك المبلغ سدادا إضطراريا لتفادى إجراءات الحجز الإدارى
التى هدد بها تفتيش الرى وكانت الوزارة الطاعنة فى قبضها له قد استلمت ما ليس مستحقا
لها فإن للشركة أن تطالب باسترداده عملا بالمادة 181 من القانون المدنى ومن ثم فقد
طلبت الشركة فى دعواها الحكم (أولا) بعدم أحقية وزارة الأشغال (الطاعنة) فى مطالبتها
بمبلغ 732 ج وببراءة ذمتها من هذا المبلغ لانقضائه بالتقادم الخمسى (ثانيا) بإلزام
الوزارة بأن ترد لها مبلغ 732 ج مع الفوائد القانونية بواقع 4% سنويا من تاريخ دفعه
فى 25 من مايو سنة 1959 حتى السداد – وقد أجابت الوزارة الطاعنة على هذه الدعوى بأن
إنتفاع الشركة بالمنشآت موضوع التراخيص الصادرة إليها يعتبر بعد إلغاء هذه التراخيص
بطريق الغصب ومن ثم يكون المبلغ المطالب به ريعا مستحقا فى ذمة حائز سئ النية فلا يسقط
إلا بخمس عشر سنة وبتاريخ 16 مايو سنة 1961 حكمت محكمة قنا الابتدائية للشركة المطعون
ضدها بطلباتها سالفة البيان وأقامت قضاءها على أن المبلغ المطالب برده عبارة عن رسوم
سقط حق الوزارة فى إقتضائها لمضى أكثر من خمس سنوات على تواريخ إستحقاقها. إستأنفت
الوزارة الطاعنة هذا الحكم لدى محكمة استئناف أسيوط وقيد إستئنافها برقم 392 سنة 36
قضائية ولدى نظر الاستئناف دفعت بجلسة 19 من ديسمبر سنة 1962 بعدم إختصاص محكمة أول
درجة ولائيا بنظر الدعوى إستنادا إلى القول بأن العلاقة القانونية بينها وبين الشركة
علاقة تعاقدية موضوعها إشغال مال عام وأنها لذلك تعتبر من قبيل العقود الإدارية وإذ
كانت الدعوى تتضمن منازعة متعلقة بعقد إدارى فإن مجلس الدولة يختص دون غيره بها عملا
بالقانون رقم 165 لسنة 1955 وبتاريخ 22 من مايو سنة 1963 حكمت محكمة الإستئناف (أولا)
بقبول الإستئناف شكلا (ثانيا) برفض الدفع بعدم الإختصاص الولائى بنظر الدعوى وباختصاص
القضاء العادى بنظرها (ثالثا) برفض الإستئناف موضوعا وتأييد الحكم المستأنف وبتقرير
تاريخه 21 من يوليه سنة 1963 طعنت وزارة الأشغال فى هذا الحكم بطريق النقض. وقدمت النيابة
مذكرتين أبدت فيهما الرأى بنقض الحكم المطعون فيه فى خصوص الوجهين الأول والرابع من
السبب الثانى وبالجلسة المحددة لنظر الطعن دفع الحاضر عن الوزارة الطاعنة بعدم إختصاص
هذه المحكمة بنظر الطعن إستنادا إلى القول بأنه أصبح من إختصاص هيئات التحكيم المنصوص
عليها فى القانون رقم 32 لسنة 1966 وطلبت المطعون ضدها والنيابة رفض هذا الدفع.
وحيث إن الطاعنة تؤسس الدفع بعدم إختصاص هذه المحكمة ولائيا بنظر الطعن على أن النزاع
فيه قائم بين جهة حكومية هى وزارة الأشغال وبين شركة قطاع عام هى شركة السكر والتقطير
وأنه طبقا للمادة 66 من القانون رقم 32 لسنة 1966 تختص بنظره هيئات التحكيم المنصوص
عليها فيه – دون غيرها – وأن نص هذه المادة قد ورد بصيغة عامة مطلقة بحيث يشمل جميع
المنازعات التى تقع بين شركات القطاع أو بين إحداها وبين جهة حكومية أو هيئات أو مؤسسة
عامة كما أن نص المادة 6 من قانون الإصدار الذى أوجب على المحاكم أن تحيل من تلقاء
نفسها ما يكون معروضا عليها من هذه المنازعات إلى هيئات التحكيم لم يستثن الدعاوى المعروضة
على محكمة النقض خلافا لقرار مجلس الوزراء الصادر فى 10 من يناير سنة 1966 الذى كان
يستثنى هذه الدعاوى من إختصاص هيئات التحكيم المشكلة وفقا لأحكامه.
وحيث إنه وإن كانت المادة 66 من قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام الصادر
بالقانون رقم 32 لسنة 1966 قد جعلت هيئات التحكيم المنصوص عليها فى هذا القانون مختصة
دون غيرها بنظر المنازعات التى تقع بين شركات القطاع العام أو بين شركة منها وبين جهة
حكومية أو هيئة عامة أو مؤسسة عامة، كما أوجبت المادة 6 من مواد الإصدار على المحاكم
أن تحيل ومن تلقاء نفسها الدعاوى المعروضة عليها والتى أصبحت من إختصاص هيئات التحكيم
بمقتضى أحكام القانون المذكور إلى هذه الهيئات وذلك بالحالة التى تكون عليها ما لم
تكن قد تهيأت للحكم فيها – دون أن تستثنى من ذلك الطعون المعروضة على محكمة النقض وذلك
على خلاف قرار مجلس الوزراء الصادر فى 10 من يناير سنة 1966 الذى كان ينص صراحة على
إستثناء المنازعات المطروحة على محكمة النقض من إختصاص هيئات التحكيم المشكلة وفقا
لأحكام هذا القرار – إلا أنه مع ذلك ترى هذه المحكمة وجوب سريان هذا الاستثناء فى ظل
أحكام القانون رقم 32 لسنة 1966 ذلك أن المنازعات التى قصد المشرع إخضاعها لنظام التحكيم
الإجبارى الذى استحدثه هذا القانون إنما هى المنازعات الموضوعية التى تنشأ بين شركات
القطاع العام أو بين إحداها وبين جهة حكومية أو هيئة أو مؤسسة عامة بشأن تقرير حق أو
نفيه وذلك اعتبارا بأن هذه الأنزعة – على ما جاء فى المذكرة الإيضاحية – لا تقوم على
خصومات تتعارض فيها المصالح كما هو الشأن فى مجال القطاع الخاص بل تنتهى جميعا فى نتيجتها
إلى جهة واحدة هى الدولة. وإذ كان الطعن بطريق النقض لا تنتقل به الدعوى برمتها إلى
محكمة النقض كما هو الشأن فى الاستئناف بل هو طعن لم يجزه القانون فى الأحكام الانتهائية
إلا فى أحوال بينها بيان حصر وهى ترجع كلها إما إلى مخالفة القانون أو خطأ فى تطبيقه
أو فى تأويله أو إلى وقوع بطلان فى الحكم أو بطلان فى الإجراءات أثر فيه ولا تنظر محكمة
النقض إلا فى الأسباب التى ذكرها الطاعن فى تقرير الطعن مما يتعلق بهذه الوجوه من المسائل
القانونية البحتة فالأمر الذى يعرض على محكمة النقض ليس هو الخصومة التى كانت مرددة
بين الطرفين أمام محكمة الموضوع وإنما هو فى الواقع مخاصمة الحكم النهائى الذى صدر
فيها – لما كان ذلك وكان المشرع إذ جعل العنصر الغالب فى تشكيل هيئات التحكيم لغير
رجال القانون واستلزم صدور أحكامها بأغلبية الآراء وإذ أحل هذه الهيئات من التقيد بقواعد
قانون المرافعات إلا ما تعلق منها بالضمانات والمبادئ الأساسية فى التقاضى فإنه يكون
قد دل بذلك على أنه لم يقصد تهيئتها للفصل فى تلك المسائل القانونية الدقيقة التى تعرض
على محكمة النقض إذ مما لا يمكن التسليم به أن المشرع قد قصد إلى أن يكون القول الفصل
فى هذه المسائل لمن لا إلمام لهم بالقانون من العناصر الأخرى التى لهم الغلبة فى تشكيل
هيئات التحكيم – هذا إلى أنه وقد استثنى المشرع فى المادة السادسة من قانون الإصدار
من الإحالة إلى هيئات التحكيم الدعاوى التى تهيأت للحكم فيها ولو كانت أمام محكمة أول
درجة فإن هذا الاستثناء يجب أن ينسحب من باب أولى إلى الدعاوى التى تم الفصل فيها بحكم
نهائى نافذ وإن طعن فيه بطريق النقض إذ ليس من شأن هذا الطعن أن يمس بقوة هذا الحكم
أو يوقف تنفيذه ولا يصح القول بأن المشرع وقد ناط بهيئات التحكيم الفصل فى كافة منازعات
القطاع العام فإنه يكون قد قصد إسقاط ما سبق صدوره فيها من أحكام ولو كانت انتهائية
مما يخول لتلك الهيئات نظر الموضوع من جديد إذا أحيل إليها الطعن بحالته من محكمة النقض
ذلك بأنه ما دام المشرع لم ينص صراحة على إسقاط هذه الأحكام فإنها لا تسقط بطريق الاستنتاج
لما يترتب على إسقاطها من المساس بالحقوق المكتسبة للخصوم هذا إلى أنه من غير المستساغ
أن يكون المشرع الذى يسعى عن طريق نظام التحكيم إلى سرعة حسم المنازعات القائمة بأحكام
فاصلة نهائية قد قصد إلى أن يعيد إثارة منازعات قد انحسمت بالفعل بأحكام نهائية حائزة
لقوة الأمر المقضى لا لسبب إلا مجرد أنه قد طعن فيها بالنقض وهو طعن لا ينال من قوة
هذه الأحكام ولا يترتب عليه إعادة عرض أصل النزاع على محكمة النقض بل الصواب الذى يتفق
مع حكمة التشريع هو أن تبقى تلك المنازعات التى فصل فيها بأحكام انتهائية بمنأى عن
تجديدها وأن تظل لهذه الأحكام قوتها وحصانتها التى كفلها القانون حتى يقضى من محكمة
النقض فى أمر الطعن المرفوع عنها فإن قضت برفضه طويت صفحة النزاع نهائيا وإن قضت بنقض
الحكم سقطت عنه حصانته وزالت آثاره وتعين على محكمة النقض عندئذ أن تحيل القضية إلى
هيئات التحكيم التى أحلها المشرع محل محكمة الموضوع – إذ لم يعد لغير هذه الهيئات إختصاص
بنظرها – لما كان ما تقدم فإن الدفع بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الطعن يكون على غير
أساس متعينا رفضه.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن بنى على سببين، الأول وجهين والثانى من أربعة أوجه ويتحصل الوجه الأول
من السبب الثانى فى أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون ذلك أنه أقام قضاءه
برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى على ما قاله من أنها ليست منازعة
فى عقد إدارى لأن شركة السكر (المطعون ضدها) لا تنازع فى أن المبلغ المطالب به من وزارة
الأشغال (الطاعنة) كرسم مستحق لها، ولكنها تتمسك بسقوطه بالتقادم الخمسى عملا بالمادة
375 من القانون المدنى كما أن شركة السكر لا تخالف وزارة الأشغال فى التكييف القانونى
للترخيص فضلا عن أن دعواها هى دعوى موضوعها استرداد ما دفع منها بغير حق إعمالا لنص
المادة 181 من القانون المدنى وترى الطاعنة أن الحكم قد أخطأ فى هذا الذى أقام عليه
قضاءه برفض الدفع ذلك أنه لإمكان الفصل فى أحقية الوزارة الطاعنة أو الشركة المطعون
ضدها للمبلغ المطالب به يتعين الفصل أولا فى أصل الحق وهو ما يستلزم بحث عقود الترخيص
الصادرة من الوزارة إلى الشركة لتبين ما إذا كانت سارية على أساس التجديد الضمنى كما
ذهبت إلى ذلك الشركة أم أنها ألغيت بانتهاء المدة المحددة لها على ما تقوم الوزارة
الطاعنة وهذا يقتضى دراسة شروط هذه التراخيص وإنزال حكم القانون عليها وفى ضوء ما تسفر
عنه هذه الدراسة يمكن الفصل فيما إذا كان مقابل الإنتفاع مستندا إلى العقد فيسقط بالتقادم
الخمسى أم غير مستند إليه وناشئا عن الفعل الضار فلا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة وسواء
اعتبر الترخيص عملا إداريا أو عقدا إداريا فإن الإختصاص بالفصل فى المنازعات الناشئة
عنه معقود لمحكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة دون غيرها طبقا للمادة العاشرة من القانون
رقم 165 لسنة 1955 والقانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة وإذ خالف الحكم
المطعون فيه هذا النظر وقضى باختصاص المحاكم بنظر الدعوى فإنه يكون مخطئا فى القانون.
وحيث إن هذا النعى غير سديد ذلك أن الشركة المطعون ضدها أقامت الدعوى على وزارة الأشغال
(الطاعنة) تطالبها برد مبلغ 732 ج إستنادا إلى المادة 181 من القانون المدنى وعلى أساس
أن الوزارة تسلمت منها هذا المبلغ وهو غير مستحق لها لأنه عبارة عن رسوم تقادمت بمضى
أكثر من خمس سنوات على تواريخ استحقاقها وإذ كان النزاع الذى دار بين الخصوم فى هذه
الدعوى والذى عرض الحكم للفصل فى قد انحصر فيما إذا كان انتفاع الشركة المطعون ضدها
بالمنشآت التى أقامتها على جسر نهر النيل والمستحق عنه المبلغ المطالب برده مستندا
إلى التراخيص الممنوحة لها من الوزارة فيعتبر مقابل الإنتفاع رسما يتقادم بخمس سنوات
أو غير مستندا إلى هذه التراخيص باعتبار أنها قد انتهت فيعتبر وضع يد الشركة بطريق
الغصب ويكون مقابل الإنتفاع ريعا مستحقا فى ذمة حائز سيئ النية لا يسقط إلا بانقضاء
خمس عشرة سنة وكان النزاع على هذه الصورة مما يدخل فى اختصاص المحاكم العادية إذ أن
هذه التراخيص وإن كانت أوامر إدارية كما تدل نصوصها ونصوص الأمر العالى الصادر فى 22
فبراير سنة 1894 والقانون رقم 68 لسنة 1953 الذى حل محله والتى تقطع بأن انتفاع الافراد
بالأملاك العامة المتصلة بالرى والصرف ومنها مجرى النيل وجسوره يكون بترخيص من وزارة
الأشغال بشروط معينة ومقابل رسم محدد إلا أنه لما كان ما يخرج عن ولاية المحاكم إنما
هو تأويل الأمر الإدارى أو وقف تنفيذه وكان الفصل فى النزاع الذى دار بين الطرفين على
النحو السالف بيانه لم يقتض من محكمة الموضوع تأويل التراخيص لأن الخصوم لم يختلفوا
على تفسيرها أو وقف تنفيذها بل اقتصر البحث على تعرف ما إذا كانت هذه التراخيص قائمة
أو غير قائمة وتطبيقها وفقا لظاهر نصوصها وهو ما تملكه المحاكم العادية إذ لها بل عليها
أن تتحقق من وجود الأمر الإدارى أو عدم ووجوده إذا ثار النزاع بين الخصوم فى هذا الشأن
وأن تعمل آثاره متى ثبت لها قيامه – لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ رفض
الدفع بعدم الاختصاص الولائى يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحا ويكون النعى عليه بهذا
الوجه على غير أساس.
وحيث إن الطاعنة تنعى فى الوجه الأول من السبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور
فى التسبيب وفى بيان ذلك إن الحكم أغفل الرد على ما أثارته فى صحيفة استئنافها من دفاع
جوهرى مؤداه أن جميع التراخيص التى كانت ممنوحة للشركة المطعون ضدها أصبحت لاغية طبقا
لنصوصها وأنه لذلك فقد أضحت يد الشركة على المنشآت التى كان مرخصا لها بإقامتها على
نهر النيل يد غاصب ويكون للطاعنة الحق فى مطالبتها بالريع ولا يسقط حقها فيه إلا بانقضاء
خمس عشرة سنة ولا يشفع للحكم فى هذا القصور كونه قد أحال إلى أسباب الحكم الابتدائى
لأن هذا الحكم قد خلا هو أيضا من الرد على هذا الدفاع.
وحيث إن هذا النعى غير صحيح ذلك أن الحكم الابتدائى الذى أحال إلى أسبابه الحكم المطعون
فيه قد تناول الرد على هذا الدفاع بقوله "وإذ كانت هذه التراخيص قد تمت طبقا لهذه القوانين
(الأمر العالى الصادر فى 22 فبراير سنة 1894 والقانون رقم 68 لسنة 1953 والقانون رقم
130 لسنة 1957) وكانت هذه القوانين تجعل مقابل الانتفاع رسما، وكان صحيحا فى القانون
ما يدعيه المدعى بصفته (المطعون ضدها) من أن مقابل الانتفاع رسم وكان بهذه الصفة يستحق
فى المواعيد التى تحددت لاستحقاقه فى التراخيص المشار إليها وتستمر التراخيص طوال المدة
التى تحددت لها ما لم تر جهة الإدارة رأيا آخر. فإذا انتهت هذه المدة وتغاضت جهة الإدارة
عن اتخاذ أى إجراء من شأنه وقف الشركة عن الانتفاع بأحكام هذه التراخيص بل وسمحت لها
بالاستمرار فى هذا الانتفاع وقبضت منها ما دفع عن فترة لاحقة من رسوم بل وذهبت إلى
تجديد هذه التراخيص كما يشير إلى ذلك التأشير عليها بالتجديد فى فترة لاحقة (حافظة
المدعى عليها 8 دوسيه) ودون استعمال شروط الترخيص من إلغاء أو فسخ أو خلافه أو حتى
مجرد التهديد باستعمالها فإن ذلك دليل على قبول جهة الإدارة استمرار التراخيص لمدة
جديدة ولا يجوز لها الاحتجاج بأن مدتها قد انتهت ولا الاحتجاج بما احتوته التراخيص
من شروط لم تر لأمر ما استعمالها أو الاستناد إليها عند إنتهاء هذه التراخيص وينبنى
على ذلك أن هذه الرسوم موضوع الدعوى تكون قد سقطت بالتقادم الخمسى وذلك لفوات أكثر
من خمس سنوات على استحقاق كل قسط منها قبل المطالبه بها" – وهذا الذى قرره الحكم الابتدائى
فيه الرد الكافى على دفاع الطاعنة الذى تدعى فى وجه الطعن أن الحكم أغفل الرد عليه.
وحيث إن الطاعنة تنعى فى الوجه الثانى من السبب الثانى على الحكم المطعون فيه مخالفة
القانون وفى بيان ذلك تقول إنه أقام قضاءه ببراءة ذمة الشركة المطعون ضدها من المبلغ
الذى دفتعه للطاعنة على أساس تكييف خاطئ لسندها فى وضع يدها على المال العام إذ اعتبر
إنتفاعها بهذا المال مستندا إلى التراخيص الصادرة إليها من وزارة الأشغال ورتب على
ذلك أن المقابل يكون رسما مما يسقط بخمس سنوات وليس ريعا وهذا من الحكم خطأ فى القانون
ذلك أن الترخيص الصادر للشركة فى سنة 1934 ينص على أن مدته عشر سنوات وأن على المرخص
لها أن تقدم طلبا لتجديده قبل نهاية هذه المدة بشهرين على الأقل وإذ كانت الشركة المطعون
ضدها لم تتقدم بهذا الطلب فى الميعاد المذكور فإن الترخيص يكون قد إنتهى فى 31 ديسمبر
سنة 1943 بإنتهاء مدته ويكون إنتفاع الشركة بالمال العام موضوع هذا الترخيص بعد هذا
التاريخ إنتفاعا بغير سند قانونى ولا يغير من ذلك إستمرار الشركة فى سداد مقابل الإنتفاع
سنويا حتى نهاية سنة 1948 طالما أن الترخيص لم يجدد لها وطالما أنها ملزمة على أى حال
بدفع مقابل إنتفاعها بغير سند بوصفه ريعا مستحقا للوزارة كذلك فإن الترخيص الصادر للشركة
فى سنة 1949 ينص على وجوب دفع الجعل فى أول يناير من كل سنة وعلى أنه إذا تأخر دفعه
لغاية يوم 15 من الشهر المذكور يصبح الترخيص لاغيا من نفسه ولما كانت الشركة قد توقفت
عن دفع هذا الجعل عن السنة الثانية فإنه يعتبر ملغيا إبتداء من 16 يناير سنة 1950 وبالتالى
يعتبر إنتفاع الشركة بالمال موضوع هذا الترخيص بعد هذا التاريخ إنتفاعا بغير سند ولا
يسقط حق الوزارة فى المطالبة بمقابل هذا الإنتفاع إلا بخمس عشرة سنة وإذ أقام الحكم
المطعون فيه قضاءه على أن هذين الترخيصين قد تجددا تجديدا ضمنيا فإنه يكون مخالفا للقانون
ذلك أن الترخيص بالإنتفاع بالمال العام سواء كان قرارا إداريا يصدر من جهة الإدارة
بإرادتها الملزمة أم كان عقدا إداريا يجب أن يتوفر لتجديده من الشكل والإجراءات ما
يجب أن يتوفر لإنعقاده لأول مرة وهو ما لم يثبت تحققه فى خصوص هذه الدعوى.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الحكم الإبتدائى الذى أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه –
على ما يبين من أسبابه الواردة فى الرد على الوجه السابق – قد استند فيما استند إليه
فى القول بقبول جهة الإدارة إستمرار التراخيص لمدة جديدة إلى أنها أشرت على هذه التراخيص
بالتجديد فى فترة لاحقة لانتهاء مدتها – وإذ كان هذا الذى قرره الحكم المطعون فيه ليس
محل نعى من الطاعنة وكان تأشير جهة الإدارة على التراخيص بتجديدها بعد إنتهاء مدتها
يعتبر قرارا إداريا منها بإجراء هذا التجديد وهذا القرار يفيد بذاته أن جهة الإدارة
اعتبرت التراخيص قائمة فى المدة السابقة على تجديدها إذ أن التجديد لا يرد على ترخيص
سبق إلغاؤه. لما كان ذلك فإن هذا الذى إستند إليه الحكم يكون كافيا بذاته لحمل قضائه
فى شأن إعتبار إنتفاع الشركة مستندا إلى التراخيص الصادرة إليها وما رتبه على ذلك من
إعتبار مقابل الإنتفاع رسما وبالتالى يكون النعى على أسبابه الأخرى – بفرض صحته – غير
منتج.
وحيث إن الطاعنة تنعى فى الوجه الثانى من السبب الأول على الحكم المطعون فيه البطلان
لخلوه من التسبيب وفى بيان ذلك تقول إنه لم يتنبه إلى أن المبلغ المطالب برده لم ينشأ
عن التراخيص الثلاثة التى أشار إليها وإنما نشأ كذلك فى جزء منه عن استعمال الشركة
المطعون ضدها لمرساة من سنة 1937 حتى تاريخ رفع الدعوى بدون ترخيص وإذ كان التكييف
القانونى لمقابل الانتفاع يختلف فى حالة ما إذا كان مبدأ الانفاع بالمال العام بترخيص
أم بغير ترخيص إذ فى الحالة الثانية يكون بغير سند قانونى وكان ما يصدق من الرد على
دفاع الطاعنة فى الحالة الأولى لا يصلح ردا على دفاعها فى الحالة الثانية فإن الحكم
المطعون فيه إذ أغفل الرد على دفاعها فى خصوص المبلغ الناشئ عن استعمال الشركة المطعون
ضدها للمرساة بدون ترخيص يكون خاليا من التسبيب فى هذا الخصوص وبالتالى مشوبا بالبطلان.
ويتحصل الوجه الثالث من السبب الثانى فى أن الحكم المطعون فيه قد خالف الثابت فى الأوراق
فيما ذهب إليه من اعتبار انتفاع الشركة بالمرساة المذكورة مستندا إلى ترخيص ذلك أنه
لم يثبت من أوراق الدعوى أن ترخيصا صدر من تفتيش الرى المختص إلى الشركة المطعون ضدها
باستعمال تلك المرساة بل الثابت – على خلاف ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه – هو أن
الشركة استعملت هذه المرساة بدون ترخيص وأنها طولبت فى 15 يونيه سنة 1937 بدفع مقابل
الانتفاع المستحق وقدره 63 ج ولكنها لم تقبل دفعه مما يجعل يدها فى انتفاعها بهذا المال
العام يد غاصب.
وحيث إنه يبين من أوراق الملف المضموم أن الطاعنة لم تتمسك بهذا الدفاع أمام محكمة
الموضوع بدرجتيها بل إنها على عكس ما تقول فى هذين الوجهين قد سلمت فى جميع مذكراتها
المقدمة للمحكمة الإبتدائية وفى مذكرتها الختامية المقدمة إلى محكمة الإستئناف لجلسة
22 أبريل سنة 1963 بأن جميع المنشآت التى أقامتها الشركة على نهر النيل بما فيها المرساة
المشار إليها فى وجهى النعى كان مرخصا لها بها وانحصر دفاعها فى هذه المذكرة الختامية
فى أن المطعون ضدها قد خالفت شروط التراخيص بعدم إخطارها المصلحة برغبتها فى تجديدها
قبل إنتهاء مدتها بشهرين وأنه لذلك يعتبر انتفاع الشركة المطعون ضدها بالأموال العامة
موضوع التراخيص إنتفاعا بغير سند وتكون بمثابة الحائز السئ النية. لما كان ذلك فإن
الحكم المطعون فيه إذ اعتمد فى قضائه على وجود هذه التراخيص التى سلمت الوزارة الطاعنة
أمام محكمة الموضوع بوجودها لا يكون مخالفا للثابت فى الأوراق وبالتالى يكون النعى
فى شقه الثانى على غير أساس وفى شقه الأول غير مقبول لانطوائه على دفاع موضوعى جديد
لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع.
وحيث إن الوجه الرابع والأخير من السبب الثانى يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه أخطأ
فى القانون إذ رفض إعتبار مطالبة الوزارة الطاعنة للشركة المطعون ضدها بالخطاب الموصى
عليه المؤرخ 28 من أكتوبر سنة 1958 قاطعة للتقادم مع أنه لو صح تكييف الحكم لمقابل
الانتفاع محل الدعوى بأنه رسم فإنه طبقا للمادة 3 من القانون رقم 646 لسنة 1953 يعتبر
قاطعا للتقادم الإخطارات التى ترسل للممول بكتاب موصى عليه بعلم الوصول والخطاب المذكور
يندرج تحت هذه الإخطارات.
وحيث إن هذا النعى غير منتج ذلك أنه لما كان الخطاب المؤرخ 28 من أكتوبر سنة 1958 قد
أرسل إلى الشركة المطعون ضدها بعد إكتمال مدة التقادم الخمسى فإنه لا يكون ذا أثر فى
قطع التقادم كما قرر الحكم الإبتدائى بحق ومن ثم يكون تعييب الحكم المطعون فيه قرر
عن هذا الخطاب – بفرض صحته – غير منتج.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه.
