الطعن رقم 351 لسنة 33 ق – جلسة 07 /12 /1967
أحكام النقض – المكتب الفنى – مدنى
العدد الرابع – السنة 18 – صـ 1833
جلسة 7 من ديسمبر سنة 1967
برياسة السيد المستشار/ محمود توفيق اسماعيل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور محمد حافظ هريدى، والسيد عبد المنعم الصراف، ومحمد صدقى البشبيشى، ومحمد سيد أحمد حماد.
الطعن رقم 351 لسنة 33 القضائية
( أ ) هبة. "نية التبرع". محكمة الموضوع. نقض.
نية التبرع مسألة نفسية. تعرفها من شئون محكمة الموضوع. جواز استخلاص الحكم توافر نية
التبرع لدى المورث وقت التصرف من إرادته التصرف بدون عوض وأن الثمن المسمى فى العقد
صورى لم يقصد قبضه. إختلاط نية التبرع بركن الرضا فى الهبة.
(ب) عقد. "تكييف العقد". محكمة الموضوع.
العبرة فى تكييف العقود هى بحقيقة ما عناه العاقدون منها. تعرف هذا القصد من سلطة محكمة
الموضوع. متى تبينت المحكمة حقيقة إرادة العاقدين فإن عليها تكييفها التكييف القانونى
الصحيح دون التقيد بتكييف العاقدين.
(ج) إثبات "الإثبات بالبينة" نظام عام. صورية. بيع.
قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة والقرائن فى الأحوال التى يجب فيها الإثبات بالكتابة.
عدم تعلقها بالنظام العام. جواز الاتفاق صراحة أو ضمنا على مخالفتها. قبول الطاعن إثبات
صورية الثمن المسمى فى العقد بكافة الطرق. عدم جواز النعى على الحكم بعد ذلك بمخالفة
قواعد الإثبات.
(د) وارث. "التحايل الممنوع على أحكام الإرث". نظام عام.
التحايل الممنوع على أحكام الإرث – لتعلق الإرث بالنظام العام – هو ما كان متصلا بقواعد
التوريث وأحكامه المعتبرة شرعا كاعتبار شخص وارثا خلافا للحقيقة أو العكس والتعامل
فى التركات المستقبلة والزيادة أو النقص فى الحصص الشرعية. تصرفات المورث المنجزة والصادرة
حال صحته لأحد ورثته أو غيرهم صحيحة شرعا ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته أو التقليل
من أنصبائهم فى الميراث. عدم جواز الطعن فيها بعدم مشروعية السبب بمقولة إن الباعث
الدافع إليها هو المساس بحق الورثة فى الميراث.
1 – نية التبرع مسألة نفسية وتعرفها من شئون محكمة الموضوع. فإذا كان الحكم المطعون
فيه قد استخلص توافر نية التبرع لدى المورث وقت التصرف من إرادته الهبة أى التصرف بدون
عوض وأثبت الحكم أن الثمن المسمى فى العقد صورى لم يقصد المورث المتصرف قبض شئ منه
فإن الحكم يكون بذلك قد دلل على أن المورث لم يقصد من التصرف تحقيق أية منفعة له وإنما
مجرد تضحية من جانبه لأجل الموهوب له وهو ما يكفى للتدليل على توافر نية التبرع ولا
على الحكم إن هو استخلص هذه النية أيضا من رضاء المتصرف بالهبة لأن نية التبرع تختلط
فى الواقع بركن الرضاء فى الهبة فالواهب عندما يرضى بالهبة وهى تعنى التصرف فى مال
له دون عوض فإن رضاءه هذا يكون متضمنا نية التبرع.
2 – العبرة فى تكييف العقود هى بحقيقة ما عناه العاقدون منها وتعرف هذا القصد من سلطة
محكمة الموضوع ومتى تبينت تلك المحكمة إرادة العاقدين على حقيقتها فإن عليها أن تكيفها
بعد ذلك التكييف القانونى الصحيح غير متقيدة فى ذلك بتكييف العاقدين.
3 – متى كان الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بجواز إثبات صورية الثمن المسمى فى
العقد بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن فإن هذا يعتبر قبولا منه للإثبات
بهذا الطريق ولا يجوز له بعد ذلك النعى على الحكم الذى سايره فى إثبات تلك الصورية
بغير الكتابة ذلك أن قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة والقرائن فى الأحوال التى يجب
فيها الإثبات بالكتابة ليست من النظام العام فيجوز الإتفاق صراحة أو ضمنا على مخالفتها.
4 – التحايل الممنوع على أحكام الإرث – لتعلق الإرث بالنظام العام – هو على ما جرى
به قضاء محكمة النقض – ما كان متصلا بقواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعا كاعتبار
شخص وارثا وهو فى الحقيقة غير وارث أو العكس وكذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل
فى التركات المستقبلة كإيجاد ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعا أو الزيادة
أو النقص فى حصصهم الشرعية ويترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث فى
حال صحته لأحد ورثته أو لغيرهم تكون صحيحة ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته أو
التقليل من أنصبتهم فى الميراث لأن التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته
أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق للورثة فيه. ومتى كانت هذه التصرفات المنجزة
جائزة شرعا فإنه لا يجوز الطاعن فيها بعدم مشروعية السبب بمقولة إن الباعث الدافع إليها
هو المساس بحق الورثة فى الميراث إذ لا حق لهؤلاء فى الأموال المتصرف فيها يمكن المساس
به.
المحكمة
بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار
المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع تتحصل – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن – فى
أن الطاعنين أقاما على المطعون ضدهم الدعوى رقم 1094 سنة 1958 مدنى كلى المنصورة وطلبا
الحكم أولا بتثبيت ملكيتهما إلى حصة قدرها 18 ط من 24 قيراطا من العقارات الموضحة الحدود
والمعالم بكشف التحديد الملحق بصحيفة الدعوى وذلك من تركة مورثهما المرحوم الدكتور
ناشد رزق الله عوض وثانيا بإلغاء التصرفين الصادرين من المورث المذكور للمطعون ضدهم
فيما يتعلق بهذه الحصة واعتبارهما باطلين ومحو جميع التسجيلات الموقعة على هذه الحصة
بموجبهما وبكف منازعة المطعون ضدهم لهما فيها وتسليمها إليهما. وقالا بيانا للدعوى
إن شقيقهما المرحوم الدكتور ناشد رزق الله توفى عقيما وانحصر إرثه فيهما وفى زوجته
المطعون ضدها الأولى. وكانت تلك الزوجة قد باعدت بينه وبين إخوته واستغلت تقدمه فى
العمر فاستصدرت منه عقدى بيع رسميين مؤرخين فى 25 مارس سنة 1954 ومسجلين فى أول ابريل
سنة 1954 تضمن أحدهما بيعه لها أطيانا زراعية مساحتها 35 ف 11 ط 15 س موضحة بالصحيفة
وتضمن الآخر بيعه لابنها وابنتها وهما المطعون ضدهما الثانى والثالثة أطيانا زراعية
مساحتها 38 ف و8 ط و6 س موضحة بالصحيفة كل منهما بحق النصف وأنه إذ كان المقصود من
العقدين هو حرمان الطاعنين من حقهما فى الميراث مما يتعارض مع النظام العام فإنهما
يكونان باطلين لعدم مشروعية السبب وهو الباعث الدافع إلى التعاقد وذلك علاوة على بطلانهما
بسبب صورية الثمن المسمى فيهما إذ لم يدفع هذا الثمن ولم يكن مقصودا قبضه مما يجعل
ركن الثمن منعدما فى العقدين. لهذا فقد رفعا الدعوى بطلب بطلانهما وتثبيت ملكيتهما
لنصيبهما الميراثى فى تركة المورث على أساس أن هذين التصرفين باطلان ولدى نظر الدعوى
تمسك الطاعنان ببطلان العقدين للسببين المشار إليهما وقدما عدة قرائن لتأييد طعنهما
بالصورية ثم أضافا إلى هذين السببين أنه على أسوأ الفروض بالنسبة إليهما فإن هذين العقدين
يستران وصية لا تنفذ فيهما زاد على ثلث التركة إذ لم يقصد بهما تنجيز التصرف الوارد
فيهما بل إضافته إلى ما بعد موت المورث وأجاب المطعون ضدهم على الدعوى بأن العقدين
هما عقدا بيع متجر وبأنهما على فرض صورية الثمن يكونان هبة مستترة فى عقد بيع رسمى
وهى صحيحة ما دام عقد البيع الساتر لها مستوفى الأركان. وبتاريخ 27 يونيه سنة 1960
أحالت محكمة المنصورة الابتدائية الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنان بكافة طرق الإثبات
بما فى ذلك البينة أن العقدين صوريان ولينفى المطعون ضدهم ذلك وجاء بأسباب هذا الحكم
أن المدعيين (الطاعنين) يطعنان على العقدين بالصورية لانعدام ركن الثمن فيهما رغم النص
فيهما على أن الثمن قد دفع إذ لم يذكر الثمن فيهما إلا استكمالا للشكل فقط فيعتبر فى
حكم الثمن المنعدم وقالا إن من حقهما إثبات هذه الصورية بكافة طرق الإثبات – وقد أقرتهما
المحكمة على ذلك بمقولة إن مبنى الطعن فى هذه الحالة هو التحايل على القانون الخاص
بنظام المواريث ورأت لذلك إجابتهما إلى ما طلباه من إثبات الصورية التى ادعياها بكافة
طرق الإثبات بما فيها البينة. وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين قضت فى 9 ديسمبر سنة
1961 برفض الدعوى مقيمة قضاءها على أن العقدين يعتبران هبة مستترة فى شكل عقد بيع رسمى
وهى صحيحة فى القانون – استأنف الطاعنان هذا الحكم لدى محكمة إستئناف المنصورة بالإستئناف
رقم 93 لسنة 14 ق طالبين إلغاءه والحكم لهما بطلباتهما وبتاريخ 9 يونيه سنة 1963 قضت
تلك المحكمة بتأييد الحكم المستأنف فطعن الطاعنان فى قضائها بطريق النقض وقدمت النيابة
العامة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره أمام هذه الدائرة
صممت النيابة على رأيها السابق.
وحيث إن الطعن بنى على ثلاثة أسباب ينعى الطاعنان فى الوجه الأول من السبب الأول على
الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفى بيان ذلك يقولان إن ذلك الحكم خلط بين إرادة
الإلتزام وبين سببه إذ أنه وضع للتمييز بين ما إذا كان العقدان الصادران من المورث
عقدى بيع أو عقدى هبة معيارا مناطه البحث عن نية التبرع إلا أنه بدلا من أن يستجلى
حقيقة هذه النية ويتقصى مقوماتها قرر أنها فى الهبة المستورة تكمن فى رضاء البائع بالبيع
وإذ كان عقد الهبة يتكون من ركنين هما إلتزام الواهب بنقل الملك بدون عوض وتوافر نية
التبرع لديه وكان لا تلازم بينهما إذ ليس حتما أن تتضمن إرادة الواهب نقل الملكية بدون
عوض نية التبرع ولا تفترض هذه النية من مجانية التصرف فإن الحكم المطعون فيه إذ إفترض
وجود هذه النية من إرادة الإلتزام بدون عوض ولم يقم الدليل على توافرها استقلالا لدى
الواهب فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعى غير صحيح ذلك أن الحكم المطعون فيه قال فى إثبات نية التبرع ما يأتى
"وحيث إن التمييز بين الهبة يقتضى البحث فى نية التبرع فإذا كانت موجودة فى جانب العاقد
الذى أعطى الشئ كان العقد هبه وإلا فالعقد بيع ولا مراء فى أن وجود نية التبرع مسألة
واقع موكولة لقاضى الموضوع وقد جرى العمل على أن يتخذ البيع ستارا للهبة" وبعد أن قرر
الحكم صحة الهبة المستترة فى صورة بيع أثبت أن التصرف كان منجزا وأن الثمن المسمى فى
العقدين لم يذكر إلا بصفة صورية إذ المورث المتصرف لم يقبض منه شيئا ولم يكن مقصورا
قبض شئ منه، ثم قال الحكم "وحيث إنه لاثبات نية التبرع فترى هذه المحكمة مصداقا لما
سار عليه الفقه والقضاء أنه ما دام الواهب قد رضى بالهبة وصاغ العقد فى صورة بيع فإن
رضاءه يتضمن نية التبرع فمتى سمى العقد الساتر للهبة عقد بيع ولو كان فى حقيقته هبة
فإن نية التبرع تكون قائمة ومستفادة حتما من رضاء البائع بالبيع ورضاء المشترى بالشراء
ولا شك أن البيع أقوى من الهبة فى الدلالة على الإلتزام" ولما كانت نية التبرع مسألة
نفسية وتعرفها من شئون محكمة الموضوع وكان الحكم المطعون فيه قد إستخلص توافر نية التبرع
لدى المورث وقت التصرف من إرادته الهبة أى التصرف بدون عوض وكان الحكم قد أثبت فى موضع
آخر منه أن الثمن المسمى فى العقدين هو ثمن صورى لم يقصد المورث المتصرف قبض شئ منه
فإن الحكم يكون بذلك قد دلل على أن المورث لم يقصد من التصرف تحقيق أية منفعة له وإنما
مجرد تضحية من جانبه لأجل الموهوب لهم وهو ما يكفى للتدليل على توافر نية التبرع ولا
على الحكم إن هو إستخلص هذه النية أيضا من رضاء المتصرف بالهبة لأن نية التبرع تختلط
فى الواقع بركن الرضاء فى الهبة فالواهب عندما يرضى بالهبة وهى تعنى التصرف فى مال
له دون عوض – فإن رضاءه هذا يكون متضمنا لنية التبرع.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الثانى من ذلك السبب على الحكم المطعون فيه أنه مسخ
إرادة المتعاقدين وأحل إرادته محل إرادتهم وخالف قواعد الإثبات وفى بيان ذلك يقولان
إنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تكيف العقدين محل النزاع وفقا لحقيقة طبيعتهما القانونية
إلا أنه ليس لها أن تمسخ الإرادة الظاهرة لحقيقة ما عناه المتعاقدان وأن تحل إرادتها
محل إرادتهما ما دامت تلك الإرادة قد اتجهت إلى إبرام عقد معين بالذات لم يخطئا التكييف
القانونى له، وأنه إذ كان الثابت حسب نصوص العقدين أنهما عقدا بيع وأن الطاعنين والمطعون
ضدهم قد تمسكوا بهذا التكييف وانحصر الخلاف بينهم فى واقعة دفع الثمن فتمسك الطاعنان
بعدم أدائه وأن العقدين لذلك قد فقدا باعتبارها بيعا ركنا أساسيا مما يجعلهما باطلين
بطلانا مطلقا وتمسك المطعون ضدهم بأنهم دفعوا الثمن ونفوا عن البائع نية التبرع وأصروا
على أن العقدين لذلك يكونان عقدى بيع منجز. إذ كان ذلك، فإنه ليس لمحكمة الموضوع أن
تمسخ إرادة المتعاقدين وأن تحل إرادتها محل إرادتهم بدعوى تكييف العقدين وإذ فعلت ذلك
دون بيان لما دعاها إليه فإن حكمها يكون مخالفا للقانون ومشوبا بالقصور، ويضيف الطاعنان
إلى ما تقدم قولهما إنه لما كان العقدان محل النزاع ثابتين بالكتابة كما أن قيمة كل
منهما تزيد على عشرة جنيهات فإنه لا يجوز إثبات عكس الثابت فيهما إلا بالكتابة وإذ
كان الحكم المطعون فيه قد استدل بغير الكتابة على أن العقدين يستران هبة فإنه يكون
قد خالف قواعد الإثبات.
وحيث إن هذا النعى فى شقه الأول غير سديد ذلك أن العبرة فى تكييف العقود هى بحقيقة
ما عناه العاقدون منها وتعرف هذا القصد من سلطة محكمة الموضوع ومتى تبينت تلك المحكمة
إرادة العاقدين على حقيقتها فإن عليها أن تكيفها بعد ذلك التكييف القانونى الصحيح غير
متقيدة فى ذلك بتكييف العاقدين، ولما كان الواقع فى هذه الدعوى أن الطاعنين قد أقاما
دعواهما على أساس أن التصرفين الصادرين من مورثهما باطلان لإنعدام ركن الثمن فيهما
باعتبارهما بيعا وقد أجاب المطعون ضدهم على الدعوى بتوافر هذا الركن من أركان البيع
وأنه بفرض عدم توافره فإن التصرفين يعتبران هبة مستترة فإن تكييف هذا العقد من حيث
كونه بيعا أو هبة هو واجب على المحكمة، ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن محكمة
الموضوع قد استظهرت من ظروف الدعوى وما أحاط بالتصرفين من ملابسات أن نية العاقدين
اتجهت إلى الهبة وليس إلى البيع وأنهم تعمدوا ستر هذه الهبة فى صورة بيع ودلل الحكم
على ذلك بأدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها فإنه لا يقبل من الطاعنين
أن يناقشا بعد ذلك فى هذا القصد ويرتبان على ذلك أن المحكمة قد أخطأت فى تكييف العقدين.
والنعى فى شقه الثانى مردود بأنه لما كان الثابت أن الطاعنين قد تمسكا أمام محكمة الموضوع
بجواز إثبات صورية الثمن المسمى فى العقدين بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن
فان هذا يعتبر قبولا منهما للإثبات بهذا الطريق ولا يجوز لهما بعد ذلك النعى على الحكم
الذى سايرهما فى إثبات تلك الصورية بغير الكتابة إذ أن قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة
والقرائن فى الأحوال التى يجب فيها الإثبات بالكتابة ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق
صراحة أو ضمنا على مخالفتها. وإذ كان ذلك، فان النعى فى جميع ما تضمنه يكون على غير
أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثانى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفى بيان
ذلك يقولان إنهما تمسكا أمام محكمة الموضوع بأنه لما كان ركن السبب فى الهبة هو الباعث
الدافع إلى التعاقد وكان الباعث الدافع على التعاقد لدى مورثهما على ما هو ثابت من
شهادة الشهود – هو حرمانهما من الميراث وهو الأمر المخالف للنظام العام فإن الهبة تكون
باطلة بطلانا مطلقا لعدم مشروعية سببها، وإذ لم يحصل الحكم دفاعهما على هذا النحو وأهمل
تطبيق أحكام السبب فى عقد الهبة باعتبار أن السبب هو الباعث الدافع إلى التعاقد وأنه
يجب أن يكون باعثا مشروعا وكان قد أورد تعريفا غير صحيح للتحايل على نظام المواريث
وترتب على خطئه هذا أنه ورث من لا يستحق الميراث شرعا وهما المطعون ضدهما الثانى والثالثة
وزاد فى نصيب الزوجة وحرم الطاعنين فإنه يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن التحايل الممنوع على أحكام الإرث لتعلق الارث بالنظام
العام هو – كما ذكر الحكم المطعون فيه وفقا لما استقر عليه قضاء محكمة النقض – ما كان
متصلا بقواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعا كاعتبار شخص وارثا وهو فى الحقيقة غير
وارث أو العكس وكذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل فى التركات المستقبلة كإيجاد
ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعا أو الزيادة أو النقص فى حصصهم الشرعية
ويترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث فى حال صحته لأحد ورثته أو لغيرهم
تكون صحيحة ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته أو التقليل من أنصبتهم فى الميراث
لأن التوريث لا يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته أما ما يكون قد خرج من ماله
حال حياته فلا حق للورثة فيه. ومتى كانت هذه التصرفات المنجزة جائزه شرعا فإنه لا يجوز
الطعن فيها بعدم مشروعية السبب بمقولة إن الباعث الدافع إليها هو المساس بحق الورثة
فى الميراث إذ لا حق لهؤلاء فى الأموال المتصرف فيها يمكن المساس به. ومتى كان ذلك،
وكانت الأسباب التى أوردها الحكم للتدليل على أن التصرفين محل النزاع كانا هبة منجزة
استكملت شرائطها ولم تصدر من المورث فى مرض الموت أسبابا سائغة ومن شأنها أن تؤدى إلى
هذه النتيجة فإن الحكم المطعون فيه لا يكون فى ذلك قد خالف القانون.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب وفى
بيان ذلك يقولان إنهما قدما إلى محكمة الموضوع إثباتا لعدم تنجيز العقدين شهادات رسمية
كان من بينها شهادة من قسم إكثار البذور بوزارة الزراعة مفادها أن المورث كان هو الحائز
الزارع للأرض المتنازع عليها فى الفترة اللاحقة لصدور العقدين حتى تاريخ وفاته إذ تعاقد
مع وزارة الزراعة على زراعة مساحة 54 فدانا قطنا عن موسم 1956/ 1957، 50 فدانا قمحا
وقطنا عن موسم 1957/ 1958 وكان من بينها أيضا شهادة من وزارة الزراعة تفيد أن المطعون
ضدهم لم يكونوا من بين المتعاقدين مع الوزارة على إكثار المحاصيل الشتوية غير أن الحكم
المطعون فيه أهدر دلالة هاتين الشهادتين دون أن يذكر أسبابا لإطراحهما وهو ما يعيب
الحكم بالقصور ويضيف الطاعنان أن المستندات التى اعتمدت عليها محكمة الموضوع فى إثبات
إنتقال الحيازة إلى الأرملة المطعون ضدها الأولى لا تفيد ذلك علاوة على أن استمارات
الحيازة المقدمة منها ظاهر تزويرها إذ أن العبارة الواردة فيها والتى تفيد أن هناك
31 فدانا تضع الأرملة اليد عليها زراعتها الخاصة هذه العبارة مصطنعة وأضيفت بطريق التحشير.
وحيث إن هذا النعى مردود بما أورده الحكم الإبتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه وهو
بصدد استعراض مستندات الطرفين من أنه "ثبت من الاطلاع على المستندات التى قدمتها المدعى
عليها الأولى أنها تسلمت الأطيان المتصرف فيها من تاريخ التصرف إليها فيها وأدارتها
وانتفعت بها بصفتها مالكة لها إذ دلت المستندات المقدمة بالحافظة رقم 21 دوسيه على
أن المدعى عليها المذكورة كانت التى تتعاقد وتتصرف وتتحاسب بإسمها ولحسابها فى محصول
القطن الناتج من الأطيان اعتبارا من محصول سنة 1954 كما كانت تتعامل بهذه الصفة مع
بنك التسليف الزراعى وكانت تشترى بإسمها الأسمدة الكيماوية اللازمة للزراعة من مارس
سنة 1954 كما دلت على ذلك الفواتير المقدمة بالحافظة رقم 23 دوسيه وكانت تدفع الأموال
الأميرية المستحقة على الأطيان "حافظة رقم 22 دوسيه" وتأيد ذلك كله بما بان من الاطلاع
على الصور الرسمية لإستمارات الحيازة عن المدة من سنة 1955/ 1956 إلى سنة 1957/ 1958
من أن الأطيان الخاصة بناحية دماص والبالغ قدرها 31 ف و18 ط و12 س أدرجت بإسمها شخصيا
باعتبارها الحائزة والزارعة لها وإن كانت مضمومة لحيازة زوجها الدكتور ناشد تحت رقم
544 "الحافظتين 42، 44 دوسيه" وأبعد من ذلك فقد بان للمحكمة من مطالعة هذه المستندات
جميعها أن المدعى عليها الأولى كانت تدير الأطيان جميعها الخاصة بها وبولديها باعتبارها
مالكة للقدر الخاص بها وباعتبارها نائبة عن زوجها الدكتور ناشد باعتبارها صاحب حق المنفعة
الثابت بعقد البيع لولديها وأورد الحكم المطعون فيه بعد أن عرض للشهادتين المقدمتين
من الطاعنين والصادرتين من وزارة الزراعة وغيرها من مستنداتهما وللمستندات المقدمة
من المطعون ضدهم أورد ما يأتى "وحيث إن المستندات المقدمة من المستأنفين والسابق تبيانها
لا يمكن الأخذ بها كدليل على بقاء الحيازة أو الانتفاع بها فى يد المورث البائع بعد
حصول البيع فالعقد الخاص بالمستأنف عليها الأولى ليس مشروطا فيه هذا الحق والشهادة
المقدمة بتعاقده مع وزارة الزراعة عن أطيان من عزبته بدماص وهى المستندات المنوه عنها
فى مستندات المستأنفين لم يستدل منها على وجه التحديد والقطع بقاء هذه الأرض المبيعة
للمستأنف عليها الأولى فى حيازته أو أنه ينتفع بها لأنها متعلقة بالزراعة وقد أكد الصراف
المسئول أن المستأنف عليها الأولى هى التى كانت حائزة للأرض المبيعة لها منذ إبرام
العقد وأنها كانت تباشر زراعتها. وحيث إن التوكيل الصادر للمستأنف عليها الأولى من
المورث لا يمكن أن يستفاد منه على وجه القطع أنه خاص بالأطيان المبيعة إليها إذ أن
الثابت أن المورث احتفظ لنفسه مدى الحياة بحق الانتفاع بالأرض التى باعها لولديها المستأنف
عليهما الثانى والثالثة وليس ثمة ما ينفى أن يكون هذا التوكيل خاصا بهذه الأرض المبيعة
للمستأنف عليهما الثانى والثالث والثابت من الأوراق وأوراد المال وأقوال الطرفين أن
التكليف الخاص بهذه الأرض أى الأرض المبيعة للمستأنف عليهما الثانى والثالثة لم ينتقل
إليهما إلا بعد وفاة المورث ومن ثم فقد جرى العمل على أن تبقى الحيازة بإسمه ما دام
هو صاحب التكليف، وهذا الذى أورده الحكمان كاف للرد على ما يثيره الطاعنان فى هذا السبب
ويتضمن التعليل لإطراحه الشهادتين اللتين يحاج بهما الطاعنان فإذا كان ذلك وكان الطاعنان
وإن ادعيا أمام محكمة الاستئناف بوقوع تزوير فى استمارات الحيازة المقدمة من المطعون
ضدها الأولى إلا أنهما لم يقدما دليلا على هذا التزوير أو يسلكا الطريق القانونى للطعن
فيها بالتزوير فإن ما تضمنه هذا السبب لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فى تقدير محكمة
الموضوع للدلائل والمستندات المقدمة لها وفى الموازنة بينها وترجيح ما تطمئن نفسها
إلى ترجيحه منها ومثل هذا الجدل لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه.
