الطعن رقم 708 لسنة 33 ق – جلسة 11 /06 /1988
مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة أحكام
المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والثلاثون – الجزء الثاني (أول مارس 1988 – 30 سبتمبر 1988) – صـ 1701
جلسة 11 من يونيه سنة 1988
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد المهدي مليحى وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر وإسماعيل صديق محمد المستشارين.
الطعن رقم 708 لسنة 33 القضائية
( أ ) دعوى – الحكم الصادر فيها – حجية الأحكام (أحكام الإحالة).
الحكم الصادر بالإحالة دون بحث الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة (كما هو الحال
عندما تحكم محكمة القضاء الإداري بالإحالة إلى محكمة إدارية) – لا يحوز حجية تمنع المحكمة
المحال إليها من معاودة بحث اختصاصها الولائي – أساس ذلك: أن الالتزام بحجية حكم الإحالة
لا يكون إلا بالنسبة للأسباب التي قام عليها – لا وجه للقول بأن حكم الإحالة قد انطوى
على قضاء ضمني بالاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة وحاز قوة الأمر المقضى فيه بما
يلزم المحكمة الإدارية (المحال إليها) والدائرة الاستئنافية بعدها بالفصل في الدعوى
دون معاودة البحث في الاختصاص الولائي – تطبيق.
(ب) شركات القطاع العام – طبيعة العقود التي تبرمها.
شركات القطاع العام ليست من أشخاص القانون العام ونشاطها لا يعتبر من قبيل ممارسة السلطة
العامة ولا تعتبر العقود التي تبرمها مع غير أشخاص القانون العام من العقود الإدارية
– تطبيق [(1)].
إجراءات الطعن
في يوم الأحد الموافق 25 من يناير سنة 1987 أودع السيد المستشار/
رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقريراً بالطعن قيد بجدولها برقم 708
لسنة 33 القضائية عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية (الدائرة الاستئنافية)
بجلسة 27 من نوفمبر سنة 1986 في الطعن رقم 58 لسنة 18 ق. س المقام من شركة المعمورة
للإسكان والتعمير ضد السيدين/ ……. و……. والقاضي بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً
وإلزام الشركة الطاعنة بالمصروفات، وطلب الطاعن للأسباب المبينة في تقرير الطعن الحكم
بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى المحكمة
الإدارية بالإسكندرية للفصل في موضوعها مجدداً بدائرة أخرى.
وأعلن الطعن قانوناً وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت
فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 21/ 9/ 1987 وتداول بالجلسات على ما هو
ثابت بالمحاضر حتى قررت بجلسة 2/ 5/ 1988 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا
(دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) لنظره بجلسة 4/ 6/ 1988
وفيها نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بمحضرها فقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم،
وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تتحصل – حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن،
في أنه بتاريخ 26/ 8/ 1980 أقامت شركة المعمورة للإسكان والتعمير الدعوى رقم 1236 لسنة
34 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية ضد السيدين/ ……. و……. طالبة الحكم
باعتبار الترخيص الصادر منها إلى المدعى عليه الأول للانتفاع بالشاليه رقم 5 مجموعة
النصر بشاطئ المعمورة منتهياً مع ما يترتب على ذلك من آثار وبطرد المدعى عليه الثاني
من العين المذكورة وإلزامهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقالت إنها كانت قد
رخصت للمدعى عليه الأول في الانتفاع بالشاليه المذكور مقابل خمسمائة جنيه سنوياً طبقاً
لأحكام وشروط لائحة شاطئ المعمورة التي تقضي في البند السادس منها بعدم أحقية المرخص
له في التنازل عن الكابينة للغير أو شغلها من الباطن إلا بإذن كتابي من الشركة وفي
حالة المخالفة يحق لها إلغاء الترخيص فوراً بموجب كتاب موصى عليه دون حاجة إلى تنبيه
أو اتخاذ أي إجراء قضائي آخر وقد غادر المدعى عليه الأول البلاد وترك الكابينة للمدعى
عليه الثاني دون موافقة الشركة، فوقعت المخالفة بما يترتب عليها من إعمال الشرط الفاسخ
الصريح المنصوص عليه في الترخيص واللائحة المكملة له وبذلك يكون وضع يد المدعى عليه
الثاني على الكابينة وضع يد غاصب يلحق ضرراً بمصالح الشركة التي تقوم بإدارة مرفق عام
كان في الأصل موضوع التزام منحته الدولة للشركة المصرية للأراضي والمباني سنة 1954
ثم حلت هي محلها فيه فتصبح في مركز الملتزمة بمرفق عام ونائبة عن الدولة في إدارته
فتعتبر العقود التي تبرمها بشأنه عقوداً إدارية. وبجلسة 10/ 1/ 1985. حكمت المحكمة
بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها بحالتها إلى المحكمة الإدارية بالإسكندرية
للاختصاص فقيدت بجدولها تحت رقم 902 لسنة 32 ق وبجلسة 10/ 12/ 1985.. قضت المحكمة الإدارية
بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة الإسكندرية الابتدائية (دائرة
المساكن) للاختصاص وأبقت الفصل في المصروفات وأسست قضاءها على أن المحكمة المحال إليها
الدعوى لا تلتزم بحكم الإحالة إلا للأسباب التي نص عليها فإذا رأت أنها على الرغم من
الإحالة غير مختصة بنظر الدعوى اختصاصاً متعلقاً بالنظام العام وجب عليها الحكم بعدم
الاختصاص دون أن يعتبر ذلك إخلالاً بالمادة 110 من قانون المرافعات. وفي المنازعة المطروحة
عليها تبينت من شروط الترخيص أنه جاء على غرار الشروط المألوفة في عقود القانون الخاص
بالنسبة لتأجير الأماكن، ولا يعدو أن يكون عقداً عرفياً لا تختص محاكم مجلس الدولة
بنظر المنازعات الناشئة عنه، مستندة إلى أن الشركة لا تعتبر من أشخاص القانون العام
وتأجيرها لممتلكاتها بمقتضى الترخيص المشار إليه لا يتصل بنشاط مرفق عام، ولم يتضمن
شروطاً غير مألوفة في القانون الخاص وأيدت ذلك بالحكم الصادر من المحكمة العليا (الدستورية)
في القضية رقم 10 لسنة 4 ق بجلسة 29/ 6/ 1974 وأشارت إلى أنه يخالف الحكم الصادر من
المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 851 لسنة 20 ق بجلسة 21/ 6/ 1980. بتاريخ 2/
1/ 1986 طعنت الشركة في هذا الحكم بالطعن رقم 58 لسنة 18 ق. س أمام محكمة القضاء الإداري
بالإسكندرية (الدائرة الاستئنافية) طالبة وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبصفة أصلية
الحكم بإلغائه فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة الإدارية ولائياً بنظر الدعوى والحكم
باختصاصها بالفصل في موضوع الدعوى وأعادتها إليها للفصل فيها وفقاً للطلبات الواردة
بصحيفة الدعوى وبصفة احتياطية الحكم في الدعوى وفقاً لهذه الطلبات. وبجلسة 27/ 11/
1986.. أصدرت المحكمة حكمها موضوع الطعن الماثل وأخذت فيه بأسباب حكم المحكمة الإدارية
سواء بالنسبة لعدم التزام المحكمة بالفصل في موضوع الدعوى أو باعتبار العقد محل المنازعة
عقداً مدنياً تختص بنظره المحاكم المدنية دون محاكم مجلس الدولة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون فيما قضى به من تأييد
حكم المحكمة الإدارية بعدم التزامها بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية
بإحالة الدعوى إليها للاختصاص وذلك نظراً لما لهذا الحكم من حجية تمنع من معاودة البحث
في الاختصاص الولائي مرة أخرى طبقاً لنص المادة 110 من قانون المرافعات وما استقر عليه
قضاء المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن، كما خالف الحكم المطعون فيه قضاء سابق
لهذه المحكمة في الطعن رقم 851 لسنة 20 ق. عليا بجلسة 11/ 6/ 1980 قضى باعتبار المنازعة
بين الشركة والمنتفع بكازينو رخصت له به بشاطئ المعمورة متعلقة بعقد إداري.
ومن حيث إنه عن هذا النعي بشقيه، فالثابت أن الدعوى رفعت ابتداءً أمام محكمة القضاء
الإداري بالإسكندرية فأحالتها إلى المحكمة الإدارية بالإسكندرية للاختصاص عندما تبينت
عدم اختصاصها نوعياً بنظرها دون أن تتعرض لبحث الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة
عمن ينظر المنازعة، وبذلك لا يكون حكمها القاضي بالإحالة قد اكتسب حجية تمنع المحكمة
الإدارية المحال إليها الدعوى من بحث اختصاصها الولائي بنظر موضوع المنازعة فقد جرى
قضاء هذه المحكمة على أن الالتزام بحجية حكم الإحالة لا يكون إلا بالنسبة للأسباب التي
قام عليها. ومن جهة أخرى فإنه لا يصح القول بأن حكم الإحالة قد تضمن قضاءً ضمنياً بالاختصاص
الولائي لمحاكم مجلس الدولة بنظر المنازعة وأصبح حائزاً لقوة الأمر المقضى فيه بما
يلزم المحكمة الإدارية – وتبعاً الدائرة الاستئنافية – بالفصل في الدعوى دون معاودة
البحث من جديد في الاختصاص الولائي، فضلاً عن أن حكم الإحالة لم يتطرق إلى بحث طبيعة
المنازعة من حيث توافر أو عدم توافر أركان العقد الإداري فإن هذه المحكمة سبق أن قضت
بأن الطعن في الحكم لصدوره على خلاف حكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم فيه في مسألة شكلية
يمتد أثره إلى ذلك الحكم السابق أيضاً رغم فوات ميعاد الطعن عليه طالما أن الأمر في
الحكمين مردهما إلى دعوى واحدة لا يصح أن يتغاير فيها وجه الحكم في مسألة أساسية هي
الاختصاص الولائي بمجلس الدولة وقد حسمت المحكمة العليا (الدستورية) بحكمها الصادر
بجلسة 29 من يونيه سنة 1974 في الدعوى رقم 10 لسنة 4 القضائية عليا (تنازع) تكييف العلاقة
بين شركة المعمورة للإسكان والتعمير والمنتفعين بشغل كبائنها المقامة على شاطئ البحر:
فقضى بأن ترخيص الشركة للمدعي في شغل أحد الكبائن المذكورة لا يعتبر قراراً إدارياً
بل الواقع أن شغله لهذه الكابينة وفقاً للشروط المقررة في هذا الشأن قد تم بناء على
علاقة تعاقدية نشأت بينه وبين الشركة بتوافق إرادتها وبذلك يكون المدعي في مركز تعاقدي
يستمد عناصره ومقوماته من العقد الذي يحكم علاقته بالشركة وهو من عقود القانون الخاص..
وأعملت ذات المبدأ محكمة النقض بحكمها الصادر بجلسة 27 من نوفمبر سنة 1986 في الطعن
رقم 1543 لسنة 51 ق بأن قضت بأنه: لا وجه لتحدي الطاعنة (الشركة) باعتبار العقد ترخيصاً
بالاستغلال إذ أن الشركة وهي من شركات القطاع العام لا تعتبر من أشخاص القانون العام،
ونشاطها لا يعتبر من قبيل ممارسة السلطة العامة، ولا تتسم العقود التي تبرمها مع غير
أشخاص القانون العام بالطابع المميز للعقود الإدارية من حيث اتصالها بمرفق عام وأخذها
بأسلوب القانون العام وتضمنها شروطاً غير مألوفة في القانون الخاص، هذا إلى أن الترخيص
يشغل عقار لا يرد إلا على الأموال العامة للدولة أو للشخص الاعتباري العام وأموال الشركة
الطاعنة ليست من الأموال العامة…. وبناء على ذلك فقد خلص هذا القضاء في تكييف العلاقة
بين طرفي الدعوى إلى أنها علاقة إيجارية من علاقات القانون الخاص وتخضع لأحكام قوانين
إيجار الأماكن فلا تعد ترخيصاً أو عقداً إدارياً، ومقتضى ذلك كله أن يكون الاختصاص
الولائي بنظر الدعوى مثار الطعن مقصوراً للمحاكم المدنية دون محاكم مجلس الدولة باعتبار
أن موضوع المنازعة متعلقاً بعقد مدني يحكمه القانون الخاص ويخضع لأحكام قوانين إيجار
الأماكن ولا شأن له بالعقد الإداري فإن قضت المحكمة الإدارية بذلك بالرغم من إحالة
الدعوى إليها بالحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية فإن حكمها يكون سديداً
ومتفقاً من صحيح حكم القانون ويغدو كذلك الحكم المطعون فيه مما يتعين معه رفض الطعن
لعدم قيامه على سند من القانون، وإذ كانت المحكمة العليا قد فصلت في موضوع الاختصاص
في دعوى تنازع الاختصاص كما هو واضح من حكمها فإن التزام هذه المحكمة بقضاء المحكمة
العليا فضلاً على حكم القانون لا يدع مجالاً لتطبيق حكم المادة 54 مكرراً من قانون
مجلس الدولة إذ مخالفة هذا الحكم للحكم السابق الصادر من هذه المحكمة في الطعن رقم
851 لسنة 5 ق بجلسة 11/ 6/ 1980 الذي خالف حكم المحكمة العليا المشار إليه وهو سابق
عليه وكان عليه أن يلتزم في قضائه في موضوع الاختصاص، وإذ لم يلتزم وكان على المحكمة
في قضاءها الحالي الالتزام بحكم المحكمة العليا المشار إليه، ومن ثم لا يتحقق وجه العدول
على مبدأ سابق لما كان يوجب تطبيقه حكم المادة (54 مكرراً) من قانون المجلس.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.
[(1)] راجع حكم النقض بجلسة 27/ 11/ 1986 الطعن رقم 1543 لسنة 51 القضائية.
