الرئيسية الاقسام القوائم البحث

القضيتان رقما 956 و958 لسنة 5 ق – جلسة 14 /04 /1962 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة – العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر إبريل سنة 1962) – صـ 601


جلسة 14 من إبريل سنة 1962

برياسة السيد – الإمام الإمام الخريبي وكيل المجلس، وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي، المستشارين.

القضيتان رقما 956 و958 لسنة 5 القضائية

( أ ) دعوى الإلغاء – ميعاد رفعها – بدؤه من تاريخ نشر القرار الإداري أو إعلان صاحب الشأن به – الإعلان بالقرار هو الأصل أما النشر فهو استثناء لا يكفي إذا كان الإعلان ممكناً – النشر والإعلان قرينتان على علم صاحب الشأن – قيام الدليل القاطع على العلم بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً بحيث يكون شاملاً جميع محتويات هذا القرار – سريان الميعاد من تاريخ ثبوت هذا العلم دون حاجة إلى نشر القرار أو إعلانه – أساس ذلك.
(ب) أحكام عرفية – المقصود بها – مبررات إعلانها – حالات إعلانها المنصوص عليها في القانون رقم 533 لسنة 1954 – آثار إعلانها.
(جـ) أحكام عرفية – للحكومة في حالة الضرورة سلطة اتخاذ الإجراءات التي يتطلبها الموقف ولو خالفت في ذلك القانون في مدلوله اللفظي ما دامت تبغي الصالح العام – القيود التي تخضع لها هذه السلطة – هي قيام حالة واقعية أو قانونية تدعو إلى التدخل، وأن يكون تصرف الحكومة لازماً بوصفه الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه الحالة، وأن يكون رائد الحكومة ابتغاء مصلحة عامة – خضوع هذه التصرفات لرقابة القضاء الإداري – مناطه ليس هو التحقق من مدى مشروعية القرار من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون وإنما هو مدى توافر الضوابط سالفة الذكر أو عدم توافرها.
1 – تنص المادة من القانون رقم لسنة 1959 بتنظيم مجلس الدولة بالجمهورية العربية المتحدة التي تقابل المادة من القانون رقم لسنة 1955 على أن "ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحب الشأن به". ومفاد ذلك أن المشرع قد جعل مناط بدء سريان ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة الإدارية المختصة هو واقعة نشر القرار المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به وفي هذا يلتقي التشريع المصري مع القانون الفرنسي في المادة 49 من القانون الصادر في 31/ 7/ 1945 بتنظيم مجلس الدولة الفرنسي والمادة الأولى من المرسوم بقانون الصادر في 8 من سبتمبر سنة 1934 بتنظيم مجالس الأقاليم والمرسوم الصادر في 30 من سبتمبر سنة 1953 بإنشاء المحاكم الإدارية الإقليمية وبإعادة تنظيم مجلس الدولة الفرنسي التقيا حيث قرر كل منهما أن يكون النشر معادلاً للإعلان من حيث قوة كليهما في إثبات وصول القرار المطعون فيه إلى علم صاحب الشأن. وفي بدء الميعاد المقرر قانوناً للطعن فيه. ورغم أنه قد تقرر بنص القانون أن يكون النشر كالإعلان وسيلة لإثبات العلم بالقرار المطعون فيه إلا أنه لا يزال من الثابت مع ذلك، أن هذه المساواة بين الوسيلتين ليست كاملة إذ لا زال الإعلان بالقرار هو الأصل، وأما النشر فهو الاستثناء بحيث لا يكفي النشر حيث يكون الإعلان ممكناً. ومن أجل هذا فقد اجتهد القضاء لكي يحدد الحالات التي يصح الالتجاء فيها إلى وسيلة النشر، والحالات التي يتعين الالتجاء فيها إلى وسيلة الإعلان. وكان مما قرره القضاء في هذا الشأن هو التمييز بين قرارات الإدارة التنظيمية وقراراتها الفردية بحيث متى كانت الأولى بحكم عموميتها وتجريدها لا يتصور حصر الأشخاص الذين تحكمهم، مما لا يكون معه محل لالتزام وسيلة الإعلان بالنسبة إليها، فإن الثانية إذ تتجه بالعكس إلى أشخاص معينين بذواتهم ومعلومين سلفاً لدى الإدارة فإنه لا يكون ثمة محل بالنسبة إليها للاكتفاء بوسيلة النشر بل يكون الإعلان إجراءً محتماً. وغني عن البيان أنه إذا كانت نصوص القانون قد حددت واقعة النشر والإعلان لبدء الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء فإن القضاء الإداري في مصر وفي فرنسا لم يلتزم حدود النص في ذلك. فهو لا يرى الإعلان والنشر إلا قرينتين على وصول القرار المطعون فيه إلى علم صاحب الشأن. ومن ثم يوجب أن يتم النشر والإعلان بالشكل الكافي للتعريف بالقرار ومحتوياته الجوهرية حتى يكفي كلاهما في تحقيق العلم بالقرار. على أنه إذا كانت قرينة العلم المستفادة من النشر أو الإعلان ليست مما يقبل إثبات العكس، فليس ما يمنع ثبوت العلم بدونها. وهو ما قرره القضاء الإداري فيما قضى به من أنه متى قام الدليل القاطع وفقاً لمقتضيات ظروف النزاع وطبيعته، على علم صاحب الشأن بالقرار علماً يقيناً لا ظنياً ولا افتراضياً بحيث يكون شاملاً لجميع محتويات هذا القرار ومؤداه حتى يتيسر له بمقتضى هذا العلم أن يحدد مركزه القانوني من القرار متى قام الدليل على ذلك بدأ ميعاد الطعن من تاريخ ثبوت هذا العلم دون حاجة إلى نشر القرار أو إعلانه إذ لا شأن للقرائن حين يثبت ما يراد بها ثبوتاً يقينياً قاطعاً وقد استقر قضاء هذه المحكمة على ما يفيد تأييد نظرية العلم اليقيني. وهذه النظرية توجب أن يكون هذا العلم ثابتاً لا مفترضاً وأن يكون حقيقياً لا ظنياً. وقضت هذه المحكمة في ذلك أن العلم اليقيني الشامل يثبت من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة. وللقضاء التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذي يمكن ترتيبه عليهما من حيث كفاية العلم أو قصوره، وذلك حسبما تستبينه المحكمة من أوراق الدعوى وظروف الحال، فلا تأخذ بهذا العلم إلا إذا توافر اقتناعها بقيام الدليل عليه كما لا تقف عند إنكار صاحب المصلحة له حتى لا تهدد المصلحة المبتغاة من تحصين القرارات الإدارية ولا تزعزع المراكز القانونية التي اكتسبها أربابها بمقتضى هذه القرارات.
2 – تقتضي بعض الظروف توسعاً في سلطات الإدارة وتقييداً في الحريات الفردية. من ذلك حالة تهديد سلامة البلاد إثر وقوع حرب أو التهديد بخطر الحرب أو اضطراب الأمن أو حدوث فيضان أو وباء أو كوارث.. ففي مثل تلك الحالات تعلن الدولة بلا تردد الأحكام العرفية، وهي نظام استثنائي خطير بوقف الحريات الفردية ويعطل الضمانات الدستورية المقررة لها. وتبرره نظرية الضرورة وتقتضي منح الحكومة سلطات استثنائية واسعة لمواجهة الظروف الطارئة ابتغاء المحافظة على سلامة الدولة. وبالنظر إلى كثرة التعديلات التي أدخلت على قانون الأحكام العرفية القديم رقم الصادر في 26 من يونيو سنة 1923 لوحظ من بعدها أنها خلت من كثير من الضمانات الواجب توافرها لمن يعاملون بأحكامه، فقد صدر القانون رقم في 7 من أكتوبر سنة 1954 متضمناً أحكاماً جديدة بعد أن ألغي قانون الأحكام العرفية القديم. وقد نص القانون رقم لسنة 1954 على الأسباب التي تقضي إعلان الأحكام العرفية وحدها بثلاث حالات هي: كلما تعرض الأمن أو النظام العام في الأراضي المصرية أو في جهة منها للخطر بسبب إغارة قوات العدو من الخارج، أو بسبب وقوع اضطرابات في الداخل، كما يجوز إعلان الأحكام العرفية لتأمين سلامة الجيوش المصرية وضمان تموينها وحماية طرق المواصلات وغير ذلك مما يتعلق بحركاتها وأعمالها العسكرية خارج الجمهورية. ومن آثار إعلان الأحكام العرفية انتقال معظم اختصاصات السلطات المدنية في ممارسة وظيفة الضبط الإداري إلى السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أي إلى الحاكم العسكري العام وإلى مندوبه. ومن آثار إعلانها منح الهيئة القائمة على إجراء الأحكام العرفية سلطات استثنائية فيجوز للحاكم العسكري العام أن يتخذ التدابير المتعددة التي نص عليها القانون ومنها الأمر بالقبض واعتقال ذوي الشبهة أو الخطرين على الأمن والنظام العام ووضعهم في مكان أمين. ويجوز لمجلس الوزراء أن يضيق دائرة السلطات المخولة للحاكم العسكري العام كما يجوز أن يرخص له في اتخاذ أي تدبير آخر مما يقتضيه تحقيق الأغراض التي من أجلها أعلنت الأحكام العرفية في كل الجهة التي أجريت فيها أو في بعضها.
3 – إن النصوص التشريعية إنما وضعت لتحكم الظروف العادية. فإذا طرأت ظروف استثنائية ثم أجبرت الإدارة على تطبيق النصوص العادية فإن ذلك يؤدي حتماً إلى نتائج غير مستساغة تتعارض حتى ونية واضعي تلك النصوص العادية. فالقوانين تنص على الإجراءات التي تتخذ في الأحوال العادية وما دام أنه لا يوجد فيها نص على ما يجب إجراؤه في حالة الخطر العاجل تعين عندئذٍ تمكين السلطة الإدارية من اتخاذ الإجراءات العاجلة التي لم تعمل لغاية سوى المصلحة العامة دون غيرها. وغني عن البيان في هذا المجال أن هناك قاعدة تنتظم القوانين جميعها وتفوقها محصلها وجوب الإبقاء على الدولة. فعناية مبدأ المشروعية يتطلب أولاً وقبل كل شيء العمل على بقاء الدولة الأمر الذي يستتبع تخويل الحكومة استثناءً وفي حالة الضرورة من السلطات ما يسمح لها باتخاذ الإجراءات التي يتطلبها الموقف ولو خالفت في ذلك القانون في مدلوله اللفظي ما دامت تبغي الصالح العام. غير أن سلطة الحكومة في هذا المجال ليست ولا شك طليقة من كل قيد بل تخضع لأصول وضوابط. فيجب أن تقوم حالة واقعية أو قانونية تدعو إلى التدخل، وأن يكون تصرف الحكومة لازماً لمواجهة هذه الحالة بوصفه الوسيلة الوحيدة لمواجهة الموقف وأن يكون رائد الحكومة في هذا التصرف ابتغاء مصلحة عامة. وبذلك تخضع مثل هذه التصرفات لرقابة القضاء غير أن المناط في هذه الحالة لا يقوم على أساس التحقق من مدى مشروعية القرار من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون، وإنما على أساس توافر الضوابط التي سلف ذكرها أو عدم توافرها فإذا لم يكن رائد الحكومة في هذا التصرف الصالح العام بل اتجهت إلى تحقيق مصلحة خاصة مثلاً فإن القرار يقع في هذه الحالة باطلاً.


إجراءات الطعن

في 11 من يونيه سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري – هيئة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 14 من إبريل سنة 1959 في الدعوى رقم لسنة 11 القضائية المقامة من عيد مطير العطشان ضد وزير الداخلية والحاكم العسكري العام، والذي قضى (بعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات). وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه (الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الدعوى شكلاً وإعادتها إلى المحكمة للفصل في موضوعها). وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 11، 14 من يوليو سنة 1959 وإلى الخصم في 14 من يوليو سنة 1959 وفي 11 من يونيو سنة 1959 أيضاً أودع الأستاذ المحامي عن المدعي عيد مطير العطشان كذلك تقريراً بالطعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم لسنة 5 القضائية في نفس الحكم الذي طعنت فيه هيئة مفوضي الدولة، وطلب محامي المدعي للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه: "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الدعوى شكلاً وبإعادتها إلى المحكمة للفصل في موضوعها مع إلزام وزارة الداخلية بالمصروفات ومقابل الأتعاب عن درجتي التقاضي". وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 11، 14 من يوليو سنة 1959. وتحدد لنظر كل من الطعنين أمام دائرة فحص الطعون جلسة 16 من أكتوبر سنة 1960 حيث تقرر تأجيل الطعنين لجلسة 20 من نوفمبر سنة 1960 وفيها قررت الدائرة ضم الطعنين كل إلى الآخر وأمرت بضم المفردات قبل إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 11 من فبراير سنة 1961 وتحمل الطعنان عدة تأجيلات بناءً عن طلب الخصوم لتقديم مذكرات وإيداع مستندات. وبجلسة 3 من مارس سنة 1962 سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعنين المنضمين إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعنين وقد استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة – حسبما يبين من أوراق الطعنين (956، 958) لسنة 5 القضائية تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم لسنة 11 ضد وزير الداخلية والحاكم العسكري العام بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري مع حافظة بمستندات في 14 من أغسطس سنة 1957 طلب فيها أولاً: الحكم بوقف تنفيذ الأمر الصادر باعتقاله من السيد وزير الداخلية وثانياً: عند نظر موضوع الدعوى القضاء بإلغاء أمر الاعتقال الذي طلب وقف تنفيذه وما يترتب على ذلك من آثار وقال شرحاً لدعواه رقم لسنة 11 القضائية أنه كان قد أقام في 16 من فبراير سنة 1955 الدعوى رقم لسنة 9 القضائية طالباً إلغاء الأمر العسكري الصادر باعتقاله في معتقل قنا. ثم أفرج عنه في 15 من يونيو سنة 1956 ولكن ما لبث أن أعيد اعتقاله ثانية بالأمر الصادر من 18 من يونيو سنة 1956 من الحاكم العسكري لمناطق الحدود. وإذ كان هذا الأمر باعتقاله قد صدر من غير مختص فقد أقام المدعي الدعوى الثانية رقم 531 لسنة 11 القضائية من 23 من ديسمبر سنة 1956 طلب فيها وقف تنفيذ الأمر الثاني وإلغاءه. وفي 19 من مارس سنة 1957 قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ أمر الاعتقال الصادر ضده في 18 من يونيو سنة 1956 لأنه صدر ضده من غير المختص بإصداره. وفي 21 من مارس سنة 1957 أعلن المدعي حكم وقف التنفيذ إلى الحاكم العسكري للحدود فأمر بالإفراج عن المدعي تنفيذاً لحكم القضاء الإداري وتحرر بذلك خطاب رقم (11 تهريب سنة 1957) في 24 من مارس إلى مدير الفيوم وبعثت الإدارة بصورة منه إلى قائد معتقل الفيوم للتنبيه بالإفراج عن المدعي. ولكن أمر الإفراج هذا لم ينفذ حسبما جاء بصحيفة الدعوى. وبدلاً من الإفراج عنه أحيل المدعي مقبوضاً عليه إلى إدارة مكافحة المخدرات بالقاهرة في 28 من مارس سنة 1957 وما لبث أن أعيد من جديد في اليوم التالي إلى معتقل الفيوم حيث كان من قبل، ويقول أنه لا يزال بالمعتقل إلى يوم رفع هذه الدعوى رقم لسنة 11 القضائية في 14 من أغسطس سنة 1957. ويقول المدعي أنه قد تناهى إلى علمه أن اعتقاله الحالي (الأخير) كان بناءً على أمر صادر من وزير الداخلية لأسباب يقول المدعي أنه يجهلها. وأن هذه هي المرَّة الثالثة التي يعتقل فيها بلا ذنب، ومن ثم يكون هذا الأمر الأخير الصادر باعتقاله للمرَّة الثالثة قد جاء مخالفاً للقانون وانتهى المدعي إلى طلب الحكم بوقف تنفيذ أمر الاعتقال الثالث وفي الموضوع بإلغائه. وقد أودع المدعي بحافظة مستندات صورة من حكم وقف التنفيذ الصادر له في الدعوى رقم لسنة 11 القضائية وصورة من كتاب الإفراج عنه من الحاكم العسكري لمنطقة الحدود، ثم أودعت الحكومة بدورها صورة من أمر الاعتقال الأخير ومذكرة من قسم مكافحة المخدرات. وقد عين لنظر طلب وقف الدعوى رقم لسنة 11 القضائية جلسة 10/ 9/ 1957 وفيها أودعت الحكومة ملف مكتب مكافحة المخدرات الخاص بالمدعي ومذكرة طالبت فيها الحكم أولاً: أصلياً بعدم سماع الدعوى، ثانياً: احتياطياً بعدم قبولها، ثالثاً: من باب الاحتياط الكلي برفضها وبرفض طلب وقف التنفيذ، وقالت شرحاً لدفاعها أنها قدمت ملف قسم مكافحة المخدرات الخاص بالمدعي وقد تضمن التحريات التي تمت من جانب الجهات المختصة لمكافحة المخدرات التي لديها من الوسائل ما يكفي للإلمام بأساليب التهريب: وكل ما في الملف ينطق بأن المدعي هو من كبار مهربي المخدرات، وأن الأدلة والشبهات الواضحة من الملف كافية للقطع بنشاط المدعي في التهريب والاتجار. فالمدعي يقيم بعزبته بجوار الرياح قنطرة غرب التابعة لمحافظة القنال، ولما كثرت حوادث خروج المخدرات عن طريق القنال سنة 1942 قام فرع الإدارة بالإسماعيلية بعمل التحريات اللازمة فثبت أن المدعي، كان وقتئذٍ حكمداراً لمنطقة المحدث بصحراء سينا له اتصال غير شريف بالمهربين وأنه يسهل لهم المرور بمهرباتهم عبر الصحراء حتى يصلوا إلى الشاطئ الشرقي للقنال. كما ثبت أن المدعي هو صديق للمدعو (مسلم عواد سليمان الجديري) الذي كان يحصل من المهربين الذين يأتون بمهرباتهم من جبل أم خشيب (ريالاًً) عن كل أقة للأومباشي عيد مطير العطشان (المدعي) حتى يكون هؤلاء المهربون في مأمن من تعقب الدوريات لهم في دائرة اختصاص نقطة المحدث المشرف عليها الأومباشي المدعي بحيث إذا لم يدفع المهربون هذا الجعل قبض عليهم وضبطت المخدرات، ولا يفرج عنها إلا إذا حصل الأومباشي المدعي ثلاثة جنيهات عن كل أقة من المخدرات. فلما أن تأيدت لجهة الإدارة صحة المعلومات حررت لمصلحة الحدود في 27/ 7/ 1942 طالبة نقل الأومباشي إلى جهة نائية حتى يضحى بعيداً عن مناطق تهريب المخدرات، وصدر الأمر فعلاً بنقله ولكنه سرعان ما قدم استقالته من عمله الرسمي ومنذ ذلك الوقت اختار لنفسه تجارة المخدرات سبيلاً للإثراء الحرام. وفي سنة 1946 قدم بلاغ ضد المدعي وأخر يدعى عيد إبراهيم ثبت من التحري عنه بمعرفة فرع بور سعيد أن المذكورين من المهربين المعروفين لمكتب القنال وأنه جاري مراقبتهما وأعوانهما وذلك حسبما جاء بإخطار الفرع في 18/ 1/ 1946. وفي شهر يونيو سنة 1947 علم فرع الإدارة بالقنطرة أن المهرب محمد سليمان أبو سليم الفلسطيني الجنسية جلب حوالي ألفين أقة مخدرات من الشام وضبط منها يوم 28/ 6/ 1947 مقدار كيلو جرام بجمرك القنطرة بإحدى سيارات الصليب الأحمر التابعة للجيش البريطاني. وثبت بصفة قاطعة أن المدعي خزن كمية كبيرة من المخدرات لهذا المهرب بصحراء سيناء بالقرب من القنطرة شرق، وهو الذي كان يشرف على نقلها لغرب القنال وأنه قد نجح في نقل خمسمائة أقة من الحشيش قبل هذا الضبط بخمسة عشر يوماً. كما دلت التحريات على أن المدعي كان يستخدم في التهريب مجموعة من الشبان العاطلين أو الذين كانوا يشتغلون بأعمال متصلة بالمعسكرات البريطانية ويمكنهم التفاهم باللغة الإنجليزية مع قائدي السيارات الإنجليزية، ومن هؤلاء من سبق الحكم عليه في قضايا جنائية. وفي 14 من ديسمبر سنة 1947 علم فرع الإدارة بالقنطرة أن المدعي يجري تهريب المخدرات في سيارات المستشفى العسكري البولندي ضمن طرود الغسيل حيث تسلم إليه بالبر الغربي فقام بمراقبة تلك السيارات حتى تمكن في 18/ 12/ 1947 من ضبط (27.630 كيلو جرام) من الأفيون وكذلك مقدار (20.390 كيلو جرام) من الحشيش بجوار سور المستشفى مع أحد العساكر الذي ما أن شعر بمرور سيارات الداورية حتى قفز إلى داخل المستشفى ولم يتمكن الاستعراف عليه وقيدت عن ذلك الجنحة رقم لسنة 1947 قسم القنطرة شرق. وقد نما إلى علم قسم السواحل بالقنطرة أن بعض المهربين العائمين سيقومون بتهريب كمية كبيرة من المخدرات صباح يوم 26/ 9/ 1949 عبر القنال فاتخذت الاحتياطات اللازمة لضبطهم وقد شاهدت القوة شخصين قادمين من الصحراء ويتقربان من القنال وعلى كتف كل منهما جراب، ولما حاولت القبض عليهما أطلق النيران عليها فردت عليهما بالمثل وقتل أحدهما وهرب الآخر وضبط 21.250 كيلو جرام حشيش ثم (10.130) كيلو جرام أفيون وحرر عن ذلك المحضر رقم لسنة 1949 أحوال القنطرة شرق، وبتتبع آثار المهرب الهارب قادهما الأثر إلى منزل المدعي عيد مطير العطشان إلا أنه لم يعثر على الهارب.
وفي 16/ 9/ 1950 أخطرت الإدارة فرعها بالإسماعيلية أن المدعي وآخرين من المهربين المعروفين قد اتفقوا مع بعض رجال الحدود على تهريب حوالي ألفين أقة من الحشيش عن طريق خليج السويس (وأم خشيب) وقامت الإدارة بتبليغ فروعها لتشديد الرقابة وضبط المهربين. وفي أول نوفمبر سنة 1950 تقدم أحد ضباط الجيش ببلاغ للسيد وزير الحربية ضد بعض ضباط سلاح الحدود ينسب إليهم اتصالهم بمهربي المخدرات نظير مبالغ شهرية ضخمة. وفي 17 من يناير سنة 1951 أبلغت مصلحة خفر السواحل الإدارة بصورة من تحريات قسمها السري ببور سعيد مع المهربين الخطيرين سالم مسلم الشهير (بالبس) وعيد مطير العطشان وهو المدعي. وفي 19 من مايو سنة 1951 شاهد حرس الدرك بالشاطئ الغربي للقنال شخصين يعبران القنال حاملين كمية من المخدرات فقبض على أحدهما وهرب الثاني بعد أن ألقى بحمولته ولما تبعه أدِلاء المنطقة وداورية المطاردة شاهدوا السيارة رقم جيب ملاكي مصر وهي مملوكة للمدعي عيد مطير العطشان، تسير ببطء بالقرب من مكان الحادث، وعند مشاهدتها للقوة أسرعت في سيرها إلا أن القوة لحقتها ولكن كان يقودها المدعي سليمان سلام جابر وقد أنكر صلته بالواقعة. وفي 22/ 4/ 1952 أخطرت إدارة اللوائح والرخص الإدارة بأن المدعي يرغب في الحصول على رخصة حمل مسدس عن طريق مديرية الشرقية وبإجراء التحريات بمعرفة فرع الإدارة بالزقازيق ثبت أن المدعي من كبار تجار ومهربي المخدرات، وقد ثرى من ذلك ثراءً فاحشاً حتى جاوزت ماليته ما يزيد على مائة ألف جنيه مع أنه كان حتى سنة 1944 يشتغل بسلاح الحدود أومباشي. وطلب رئيس الفرع عدم إجابته إلى طلبه بشأن حمل السلاح لخطورته على الأمن العام وأبلغت الإدارة ذلك لإدارة اللوائح والرخص في 15/ 7/ 1952. وفي شهر أكتوبر سنة 1953 علم فرع الإدارة بالقنطرة أن كمية من المخدرات قد وصلت إلى منطقة الزغبة بمعرفة المهرب خليل سالم يغيس بالاشتراك مع مصطفى السمهوري اللبناني الجنسية فقام الفرع بعمل التحريات التي ثبت منها أن مصطفى السمهوري في ضيافة المدعي عيد مطير العطشان وأنه عقد اجتماعاً في 21/ 10/ 1953 بينهم جميعاً بالاشتراك مع غيرهم بقهوة الاتحاد بالقنطرة غرب وكان لهذا الاجتماع علاقة وثيقة بالمخدرات التي وصلت. وفي أوائل شهر نوفمبر سنة 1953 ورد بلاغ للإدارة ضد مصطفى السمهوري وعيد مطير العطشان لتهريبهما المخدرات فأحيل لفرع الإدارة ببور سعيد الذي أفاد في 17/ 11/ 1953 أن مصطفى السمهوري معروف عنه تهريب المخدرات وأنه كان موجوداً بضيافة عيد مطير العطشان وأن هذا الأخير من أخطر تجار ومهربي المخدرات بالمنطقة ومن كبار أعوان تاجر المخدرات المعروف سالم مسلم سويلم الشهير (بالبس) وفي 17 من أغسطس سنة 1954 اتصل بالإدارة الطيار أحمد شوقي حافظ مبلغاً أن زيد سليم القاضي أحد المهربين الخطرين المعروفين للإدارة، والهارب من الحكم الصادر ضده في القضية رقم لسنة 1952 جنائي عليا سينا الشمال، قابله في الإسماعيلية، وقدمه إلى أحد أعوانه عيد مطير العطشان، وطلبا منه إعداد طائرة كبيرة لجلب كمية كبيرة من المخدرات إلى الأراضي المصرية، واتفقوا معه على أن ينتظر وصول تلغراف من زيد سويلم القاضي يستدعيه فيه إلى الحضور لمقابلة عيد مطير العطشان وأن هذا الأخير سيسلمه خطاباً لأحد عملائه في بيروت ليسلمه المخدرات المطلوب تهريبها نقلاً بالطائرة إلى مصر. وقد عملت الإدارة الترتيبات اللازمة وطلبت رأي الوزارة في أول يناير سنة 1954 إلا أن الوزارة لم ترَ لأسباب خاصة عدم السير في الإجراءات. وفي شهر نوفمبر سنة 1954 بلغت الإدارة بلاغاً من مصطفى محمود الشرياقي من أهالي صيدا بلبنان متضمناً معلومات عن بعض مهربي المخدرات وبعد التحريات اتضح أن هناك عمليات تهريب تتم من لبنان إلى المنطقة المصرية بفلسطين والسواحل الشمالية بقسم سينا الشمال لحساب عيد مطير العطشان وآخرين من بينهم مقدم البلاغ نفسه. وفي 9 من فبراير سنة 1955 طلبت الإدارة من لجنة مراجعة القوائم وضع اسم عيد مطير العطشان على قوائم الممنوعين من السفر لخطورته في أعمال التهريب وحداً من نشاطه. وتقول الحكومة أخيراً أنه لم يكن بد من اعتقال كبار مهربي المخدرات ومن بينهم المدعي عيد مطير العطشان فصدر أمر من الحاكم العسكري العام في 10/ 1/ 1955 باعتقال ستين شخصاً من كبار المهربين الخطرين ومن بينهم المدعي. ثم أفرج عنه في 15/ 6/ 1956 ولكن أعيد اعتقاله في 18/ 6/ 1956 بأمر الحاكم العسكري لمناطق الحدود لخطورته على أمن وسلامة القوات المسلحة فرفع المدعي الدعوى رقم لسنة 11 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري في 23/ 12/ 1956 طالباً وقف تنفيذ الأمر المشار إليه فقضت المحكمة في 19/ 3/ 1957 بوقف تنفيذه لصدوره من غير مختص، وأعلن هذا الحكم في 21/ 3/ 1957 وتؤكد الحكومة أنه أفرج عن المدعي فعلاً في 27/ 3/ 1957. وتستطرد مذكرة الحكومة قائلة أنه لما كانت الأسباب التي من أجلها صدر أمر الحاكم العسكري لمناطق الحدود في 18/ 6/ 1956 باعتقال المدعي ما زالت قائمة، وما كان الحكم الصادر بوقف تنفيذ الأمر إلا بصدور من غير مختص فقد أصدر السيد/ وزير الداخلية بناءً على السلطة المخولة له بمقتضى الأمر العسكري رقم أمراً باعتقال المدعي في 28/ 3/ 1957 لمصلحة الأمن العام إذ نصت المادة الأولى من الأمر العسكري رقم الصادر من الحاكم العام العسكري علماً بأنه "يعهد إلى وزير الداخلية السلطات الآتية:
أ – .. ب – الأمر بالقبض على المتشردين والمشتبه فيهم، ومن مقتضى صون الأمن العام القبض عليهم وحجزهم في مكان أمين والإفراج عنهم وذلك في المناطق الآتية محافظة القنال..". ويقع موطن المدعي في دائرة محافظة القنال. وتنفيذاً لأمر السيد وزير الداخلية المشار إليه اعتقل المدعي في 28/ 3/ 1957 فرفع الدعوى الحالية رقم لسنة 11 القضائية بصحيفتها المودعة في 14/ 8/ 1957 طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ أمر الاعتقال الصادر في 28/ 3/ 1957 وعند النظر في موضوعه الحكم بإلغائه وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المدعى عليهما وزير الداخلية والحاكم العسكري بالمصاريف ومقابل الأتعاب. وأساس دفع الحكومة بعدم سماع الدعوى هو المادة الثالثة من القانون رقم لسنة 1956 وتنص على أنه لا تسمح أمام أية جهة قضائية أية دعوى أو طلب أو دفع يكون الغرض منه الطعن في أي إعلان أو تصرف أو أمر أو بتدبير أو قرار وبوجه عام أي عمل أمرت به أو تولته السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أو مندوبوها أو وزير المالية والاقتصاد أو أحد الحراس العاميين أو مندوبيهم عملاً بالسلطة المخولة بمقتضى نظام الأحكام العرفية، وذلك سواء أكان هذا الطعن مباشرة عن طريق المطالبة بإبطال شيء مما ذكر أو بسحبه وبتعديله أم كان الطعن غير مباشر عن طريق المطالبة بتعويض أو بحصول مقاصة أو بإبراء من تكليف أو التزام أو برد مال أو باسترجاعه أو باسترداده أو باستحقاقه أو بأي طريق آخر. ولا تسري الأحكام على الدعاوى المدنية الجنائية التي ترفع بناءً على طلب وزير المالية والاقتصاد عن تصرفات الحراس في شئون وظائفهم". وهذا النص مطابق لنص المادة من دستور سنة 1956 ويعمل به من تاريخ نشره في الجهة الرسمية في 20 من يونيو سنة 1956 وأساس دفع الحكومة بعدم قبوله الدعوى هو أن دعوى الإلغاء يجب أن تودع صحيفتها في خلال ستين يوماً من تاريخ علم صاحب الشأن بالقرار المطعون فيه علماً يقينياً. وقد تم له ذلك باعتقاله فعلاً في يوم 28/ 3/ 1957 تنفيذاً للأمر المطعون فيه بعد سبق الإفراج عنه تنفيذاً للحكم الصادر في طلب وقف التنفيذ في الدعوى رقم لسنة 11 القضائية والذي تحرر عنه الخطاب رقم (11 تهريب سنة 1957) بتاريخ 24/ 3/ 1957 بالتنبيه بالإفراج عن المدعي حسبما جاء بأقوال المدعي في صحيفة دعواه الأخيرة رقم لسنة 11 القضائية والتي رفعت في 14/ 8/ 1957 أي بعد فوات الميعاد القانوني لرفع دعوى الإلغاء بحوالي ثلاثة شهور. وأساس دفاع الحكومة في طلب رفض الدعوى هو ما ينطق به ملف المدعي بقسم مكافحة المخدرات من أنه من كبار المهربين وتجار المخدرات، وقد عهد للسيد وزير الداخلية بمقتضى الأمر العسكري رقم لسنة 1956 سلطة اعتقال المتشردين والمشتبه فيهم، ومن مقتضى صون الأمن العام القبض عليهم في المناطق المحددة في الأمر العسكري المذكور ومنها محافظة القنال التي يقطن في دائرتها المدعي. ولا أثر للحكم الصادر في 19/ 3/ 1957 في الدعوى رقم لسنة 11 القضائية بوقف تنفيذ أمر الحاكم العسكري لسلاح الحدود في 18/ 6/ 1956 لتأسيس الحكم على صدور الأمر من غير مختص وبناءً على ذلك يكون أمر السيد وزير الداخلية المطعون فيه قد صدر من مختص وله ما يبرره وهو أن المدعي من كبار مهربي وتجار المخدرات ويقتضي صون الأمن العام اعتقاله. وأساس دفاع الحكومة في طلب رفض طلب وقف تنفيذ أمر الاعتقال هو أن وقف التنفيذ جوازي للمحكمة لها أن تأمر به إذا رأت أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها، وقد مثلت هذه النتائج المذكرة التفسيرية بإفلاس شركة أو هدم منزل، أما في هذه الدعوى فلا تترتب هذه النتائج إلا على الإفراج عن المدعي فحينئذٍ يستعيد نشاطه في التهريب والاتجار أما عن اعتقاله إلى أن يفصل في موضوع طلب إلغاء أمر الاعتقال فلا يترتب على ذلك ثمة نتائج يتعذر تداركها. وبجلسة 22/ 10/ 1957 أودعت الحكومة صورة من أمر الاعتقال المطعون فيه. وبجلسة 5/ 11/ 1957 قررت محكمة القضاء الإداري ضم القضيتين رقم لسنة 9 القضائية، لسنة 11 القضائية، وقد حجزت الدعوى للحكم في طلب وقف التنفيذ. وقد أودع المدعي مذكرة ثانية بدفاعه بجلسة 24/ 12/ 1957 رد فيها على الدفع بعدم سماع الدعوى وقال أن القانون رقم لسنة 1956 صدر ونشر في 20/ 6/ 1956 فهو لم يهدف إلا إلى التدابير السابقة على تاريخ صدوره ولا يسري على المستقبل وواضح أن أمر الاعتقال محل هذه الدعوى صدر في 28/ 3/ 1957. وقال المدعي رداً على الدفع بعدم قبول الدعوى أنه ظل معتقلاً رغم صدور الحكم في الدعوى رقم لسنة 11 القضائية بوقف تنفيذ أمر الاعتقال وأنه لم يعلم بأمر اعتقاله موضوع هذه الدعوى إلا قبيل رفع هذه الدعوى رقم لسنة 11 القضائية. ورد على موضوع الدعوى قائلاً أن إعلان الأحكام العرفية ليس من أعمال السيادة ومع التسليم جدلاً بذلك فلا أقل من وجوب اختلاف تقدير المحكمة لسلطة القائمين على إجراء الأحكام العرفية باختلاف الظروف ووجوب تفسير عبارة (ومن مقتضى صون الأمن العام القبض عليهم) في حدود أسباب إعلان الأحكام العرفية. فلا يجوز استعمال سلطة الاعتقال لمكافحة الجرائم العادية مما يعتبر انحرافاً بالسلطة يوجب البطلان مع تفاهة تقرير مكتب المخدرات الذي هو السبب الحقيقي للاعتقال. وقد أودعت الحكومة مذكرة ثانية بجلسة 7/ 1/ 1958 قررت فيها بالتنازل عن الدفع الأول بعدم سماع الدعوى ولكن الحكومة تمسكت بدفعها الثاني (عدم قبول الدعوى) قائلة في ذلك أن المدعي علم بصدور قرار الإفراج في 24/ 3/ 1957 إذ قدم صورته في حافظة مستنداته. وتقول الحكومة أنه قد أفرج عنه فعلاً في 27/ 3/ 1957.
وبجلسة 4 من فبراير سنة 1958 قضت محكمة القضاء الإداري (برفض طلب وقف التنفيذ) وأقامت المحكمة قضاءها على ما تراه بحسب الظاهر من الأوراق أن المدعي قد تراخى في رفع دعواه حتى فات ميعاد الستين يوماً المحدد في القانون لطلب الإلغاء، ومن ثم يكون طلب وقف التنفيذ من هذه الناحية في غير محله متعيناً رفضه. ولم يطعن أي من ذوي الشأن في هذا الحكم برفض طلب وقف التنفيذ.
وبجلسة 14 من إبريل سنة 1959 حكمت محكمة القضاء الإداري (هيئة منازعات الأفراد والهيئات) بعدم قبول الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات، وأقامت قضاءها في دعوى الموضوع على أن المدعي اعتقل في 10/ 1/ 1955 بأمر من الحاكم العسكري العام لخطورته على الأمن. وقدمت إدارة مكافحة المخدرات تقريراً يفيد أنه من كبار تجار المخدرات ومن مهربيها فرفع الدعوى رقم لسنة 9 القضائية طالباً إلغاء أمر اعتقاله فلما ألغيت الأحكام العرفية أفرج عنه في 15/ 6/ 1956 ثم أعيد اعتقاله ثانية في 18/ 6/ 1956 بأمر من الحاكم العسكري لمناطق الحدود فرفع الدعوى رقم لسنة 11 القضائية وطلب وقف تنفيذ قرار الاعتقال الثاني وقدمت إدارة مكافحة المخدرات صورة من تقريرها المشار إليه، ولما ثبت للمحكمة أن محل إقامة المدعي يخرج عن نطاق الحدود، قضت المحكمة في 19/ 3/ 1957 بوقف تنفيذ هذا القرار لصدوره من غير مختص ثم قام المدعي في 21/ 3/ 1957 بإعلان هذا الحكم إلى الحاكم العسكري لمناطق الحدود واستصدر منه أمراً بالإفراج عن المدعي، وقد حرر لذلك كتاب برقم (11 تهريب سنة 1957) في 24/ 3/ 1957 إلى مدير الفيوم وصورة إلى قائد معتقل الفيوم وصورة إلى محامي المدعي. وقد نفذ هذا الأمر بإرسال المدعي إلى إدارة مكافحة المخدرات بمصر وهي التي طلبت اعتقاله ونفذ الإفراج عنه في 27/ 3/ 1957 وفي ذلك الحين كانت الأحكام العرفية قد أعيد فرضها على البلاد فصدر أمراً جديد في 28 من مارس سنة 1957 باعتقال المدعي فرفع هذه الدعوى رقم لسنة 11 القضائية وأودعت فيها إدارة مكافحة المخدرات صورة من تقريرها السابق عن نشاط المدعي في تجارة المخدرات وتهريبها. ومن كل ذلك يتضح لمحكمة القضاء الإداري أن المدعي كان على علم بقرار الإفراج الصادر من الحاكم العسكري للحدود وتنفيذاً للحكم، أوقف التنفيذ في القضية رقم لسنة 11 القضائية وأن اعتقاله الجديد (الثالث) كان بمقتضى الأمر العسكري الصادر في 28/ 3/ 1957 وقد تراخى برغم اعتقاله، في رفع هذه الدعوى إلى يوم 14/ 8/ 1957، ومن ثم يكون الدفع من جانب الحكومة، بعدم قبول الدعوى، في محله، ويتعين لذلك الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد مع إلزام المدعي بمصروفاتها.
ومن حيث إن الطعن رقم لسنة 5 القضائية المقدم من السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فيما ذهب إليه من أن المدعي اعتقل في يوم 28/ 3/ 1957 وقد تراخى رغم اعتقاله في رفع هذه الدعوى إلى يوم 14/ 8/ 1957، ومن ثم تكون الدعوى قد رفعت، في نظر محكمة القضاء الإداري، بعد الميعاد. ومفاد ذلك أن تلك المحكمة، قد اعتبرت الاعتقال دليلاً على العلم بالقرار مما يتعين معه أن يسري ميعاد الطعن من تاريخ هذا الاعتقال. والواقع من الأمر أن العلم المجرد مستمداً من واقعة الاعتقال ليس هو العلم المقصود الذي يجري منه ميعاد الطعن. وإنما ينبغي أن يكون العلم يقينياً أي شاملاً لمحتويات القرار حتى يتمكن المدعي من تحديد موقفه منه من حيث الطعن فيه وجوداً وعدماً. وإذ كان المدعي قد أقام دعواه مطالباً بإلغاء أمر اعتقاله، وتلك الدعوى رفعها في 14 من أغسطس سنة 1957 وقرر أنه لم يعلم بمحتوى القرار إلا في ذلك التاريخ. فيتعين التعويل على قوله طالما أن جهة الإدارة لم تثبت ما يخالف ذلك. ولما كانت جهة الإدارة لم تفعل ذلك فإن الدعوى تكون قد رفعت في ميعادها القانوني وكان يتعين رفض دفع الحكومة والقضاء بقبولها. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك واعتنق أساس دفع الحكومة فيلزم القضاء بإلغائه والحكم بقبول الدعوى شكلاً وبإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها أما الطعن رقم لسنة 5 ق المقدم من السيد محامي المدعي عيد مطير العطشان فإنه يقوم على أن الحكم الصادر في 14 من إبريل سنة 1959 من محكمة القضاء الإداري بعدم قبول دعوى المدعي لرفعها بعد الميعاد قد أخطأ لسببين: الأول: مخالفته للثابت في الأوراق، ولما استقر عليه قضاء مجلس الدولة في مصر وأيدته المحكمة الإدارية العليا. الثاني مخالفته للمبادئ القانونية السليمة. وتلك المبادئ هي: –
1) أن الحريات العامة، وبصفة خاصة الملكية والحرية الشخصية، لا تدخل بطبيعتها – كقاعدة عامة – في المجال القانوني للتنظيم الإداري، ومن ثم فلا تكون موضعاً للتنظيم عن طريق القرارات الإدارية.
2) أن سلطات البوليس هي سلطات مقيدة، ومن ثم فلا يخضع الطعن في القرارات الصادرة بالحد من الحريات العامة للمواعيد.
3) أن قرار الاعتقال يعتبر قراراً متجدداً كل يوم ما دام الاعتقال قائماً. وخلص الطاعن (المدعي) إلى طلب الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بقبول الدعوى ثم بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها.
أولاً – عن عدم قبول الدعوى:
ومن حيث إنه يبين من استظهار حالة الطاعن عيد مطير العطشان من واقع الأوراق والملفات المنضمة إلى الطعنين (956، 958 لسنة 5 ق أن أمراً صدر في 10/ 1/ 1955 من الحاكم العسكري العام (السيد/ جمال عبد الناصر) بالقبض على واحد وستين شخصاً وحجزهم في مكان أمين. وكان اسم الطاعن قرين الرقم ومذكور أمامه أن موطنه بعزبته قنطرة غرب. وجاء في ديباجة هذا الأمر أنه صدر بعد الاطلاع على المرسوم الصادر في 26 من يناير سنة 1952 بإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد. وعلى المرسوم الصادر في 25 من مارس سنة 1952 باستمرار الأحكام العرفية وعلى القانون رقم لسنة 1954 في شأن الأحكام العرفية. وبمقتضى السلطات المخولة للحاكم العسكري العام بالمرسوم الصادر في 18 من إبريل سنة 1954 وبعد الاطلاع على كتاب وزارة الحربية (إدارة مراقبة المضبوطات رقم 42/ 4/ 3 المؤرخ 20/ 12/ 1954) المرفق به محضر الجلسة الثانية والعشرين للجنة تنسيق التعاون لمكافحة التهريب، المنعقدة بقاعة المؤتمرات بديوان عام وزارة الحربية في يوم الخميس 9 من ديسمبر سنة 1954 تقرر القبض على المذكورين بالكشف المرافق ونص على أن يجري حجزهم في مكان أمين. فرفع الطاعن أول دعاواه الثلاثة رقم لسنة 9 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري في 16/ 2/ 1955 وطلب فيها الحكم بوقف تنفيذ الأمر العسكري الصادر باعتقاله بمعتقل قنا وفي الموضوع بإلغاء الأمر. وبجلسة 28 من يونيه سنة 1955 حكمت الهيئة الأولى من محكمة القضاء الإداري برفض طلب وقف التنفيذ وقالت المحكمة أنها ترى من ظروف الدعوى أن طعن المدعي لا يستند بحسب الظاهر على أسباب جدية. وقبل الفصل في موضوع تلك الدعوى كان القانون رقم لسنة 1956 قد صدر في 20 من يونيه سنة 1956 بإلغاء الأحكام العرفية وجاء في مستهل مذكرته الإيضاحية أن الحكومة ترقبت اليوم الذي تستطيع فيه تحقيق أمنية البلاد بإلغاء الأحكام العرفية والعودة بأمور الحكم إلى مجراها الطبيعي، وبإتمام الجلاء عن أرض الوطن وإعلان الدستور واستقرار أوضاع الحكم آن الأوان لإلغاء الأحكام العرفية فأعد مشروع القانون المرافق لهذا الغرض. وتحقيقاً لذلك تم الإفراج عن أولئك المعتقلين ومن بينهم الطاعن، واقتضى ذلك ترحيله إلى قسم غرب القنطرة حيث محل إقامته الدائمة لتنفيذ أمر الإفراج عنه بعد عرضه على مباحث القنطرة للاستيثاق من أنه غير مطلوب ولا محبوس لأي سبب آخر. وهذا إجراء سليم يتبع عادة مع كل مسجون أو محبوس يتم الإفراج عنه قانوناً. وما كاد هذا الإفراج يتم بالفعل في 16 من يونيو سنة 1956 حتى أصدر المدير العام لسلاح الحدود بوصفه حاكماً عسكرياً لمناطق الحدود أمراً في 18 من يونيه سنة 1956 باعتقال الطاعن من جديد لنشاطه في تهريب المخدرات. فبادر الطاعن إلى رفع الدعوى رقم لسنة 11 القضائية ضد الحاكم العسكري لمناطق الحدود وطلب الحكم في الموضوع بإلغاء قرار اعتقاله وبصفة مستعجلة الحكم بوقف تنفيذ ذلك القرار. وبجلسة 19 من مارس سنة 1957 حكمت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وأسست قضاءها العاجل هذا على أن الثابت من الأوراق، ومن بطاقة المدعي الشخصية، ومن نفس كتاب مدير عام سلاح الحدود أن المدعي يقيم بعزبة بجوار الرياح قنطرة غرب التابعة لمحافظة القنال حيث تقع أملاكه، ومن ثم يكون القرار الصادر باعتقاله، وهو مقيم بمنطقة رفعت عنها الأحكام العرفية بمقتضى القانون رقم لسنة 1956 يكون قد صدر من غير مختص وبالتالي يكون باطلاً وغير ذي أثر ويتعين لذلك إجابة المدعي إلى طلب وقف تنفيذ القرار. وما أن أعلن هذا الحكم إلى الحاكم العسكري لمناطق الحدود في 21/ 3/ 1957 حتى بادر إلى الأمر بالإفراج عن المدعي. وحرر بذلك الكتاب رقم (11 تهريب سنة 1957 في 24/ 3/ 1957) إلى السيد مدير الفيوم جاء فيه (نرجو العلم بأن محكمة القضاء الإداري قد أصدرت حكمين لصالح المعتقلين سالم مسلم سويلم الشهير (بالبس) وعيد مطير العطشان، وذلك بإيقاف تنفيذ الأمر العسكري الصادر منَّا بتاريخ 18/ 6/ 1956 برقم 54 فيما يختص بهذين المعتقلين. وقد أعلن الحكمان إلينا في 21/ 3/ 1957 مذيلين بالصيغة التنفيذية. وعلى ذلك نرجو التنبيه بالإفراج عنهما فوراً. إمضاء لواء مدير عام سلاح الحدود). والثابت من الأوراق أن هذا الكتاب أرسل أولاً إلى مدير الفيوم كما أرسلت صورة منه إلى كل من قائد المعتقل بالفيوم وإلى محامي المدعي كذلك. فرفض مدير الفيوم تنفيذ ما جاء بهذا الخطاب لأنه لم يصدر إليه من وزارة الداخلية مباشرة بل أرسل إليه من سلاح الحدود. فلما أن أحيط مدير عام سلاح الحدود علماً بما تم في الفيوم بشأن كتابه قام بشطب اسم مدير الفيوم وكتب بدلاً عنه اسم مدير قسم مكافحة المخدرات بالداخلية. وهذا الشطب بالتعديل ثابت في أصل الخطاب المرفق بالأوراق، ولم تجحده الحكومة. بعد ذلك نقل المدعي من معتقل الفيوم إلى القاهرة محفظاً عليه وتحت الحراسة المشددة، إلى مكتب المخدرات ثم إلى قسم الأزبكية بميدان العتبة الخضراء. وبقى إلى اليوم التالي حيث نقل إلى قسم الخليفة وظل هناك إلى أن أعيد ترحيله إلى معتقل الفيوم في 28 من مارس سنة 1957 وتستشهد صحيفة طعن المدعي على ذلك بدفتر سجن قسم الأزبكية بدفتر سجن التخشيبة بقسم الخليفة إذ قيد اسم المدعي في ذينك الدفترين طوال مدة بقائه في القاهرة في الأيام 26، 27، 28 من مارس سنة 1957 ويبين من تلك الأوراق أن المدعي كان نزيل السجن يوم 27 من مارس سنة 1957 وليس في مذكرات الحكومة ولا في المستندات المقدمة منها ولم يرد في مرافقتها ما يدحض هذه الوقائع وكل ما تضمنه دفاع الحكومة في ذلك هو مجرد القول بأن المدعي أفرج عنه بمصر يوم 27 من مارس سنة 1957 دون أن تقدم صورة من أمر الإفراج بينما هي قالت أن أمراً جديداً صدر في 28 من مارس سنة 1957 بالقبض على المدعي ووضعه في مكان أمين. وأودعت الحكومة بجلسة 22 من أكتوبر سنة 1957 صورة من أمر الاعتقال الجديد والمطعون فيه في هذه الدعوى رقم لسنة 11 القضائية وجاء في هذا الأمر "أن وزير الداخلية، بعد الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية رقم لسنة 1956 بإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد وعلى القانون رقم لسنة 1954 بشأن الأحكام العرفية والقوانين المعدلة له، وبناءً على السلطة المخولة لنا بمقتضى الأمر رقم الصادر في 19 من ديسمبر سنة 1956 قرر القبض على المذكورين بعد، ويوضعان في مكان أمين:
1) سالم مسلم سويلم الشهير (بالبس).
2) عيد مطير العطشان. "(توقيع وزير الداخلية)".
والحكومة لم تقدم دليلاً على ما قالت به من أن المدعي أفرج عنه في 27/ 3/ 1957 أو أنها اتخذت في شأنه جانباً من الإجراءات التي تقضي التعليمات باتباعها مع كل مقبوض عليه يصدر أمر بالإفراج عنه. وكل ما تضمنه دفاعها في أمر الإفراج عنه يوم 27/ 3/ 1957 هو قولها بأنه ما لم يكن قد سبق الإفراج عن المدعي لما كان هنالك حاجة إلى إصدار أمر جديد بالقبض عليه في اليوم التالي في 28/ 3/ 1957. وكذلك لم تقدم الحكومة دليلاً على أن المدعي أعلن بهذا القرار الجديد باعتقاله، أو أن هذا القرار قد جرى نشره بطريق قانوني وإنما اقتصر دفاعها في صدد الدليل على علم المدعي بالأمر الجديد باعتقاله، ذلك الأمر الصادر في 28/ 3/ 1957 اقتصر على أن المدعي جرى عليه أمر الاعتقال بأن سيق من جديد إلى معتقل الفيوم، وعاد مخفوراً من حيث أتى. ومن ثم يقوم علم المدعي بقرار الاعتقال الجديد من يوم هذا الاعتقال. والثابت أن المدعي، وقد كان طوال أيام (24، 25، 26، 27) من مارس سنة 1957 تحت قبضة البوليس سواء في الفيوم أو القاهرة، لم يعلن بأمر الاعتقال الجديد، ولم يثبت أن هذا القرار قد نشر. وثابت من الأوراق ومن ذات صحيفة الدعوى الأخيرة لسنة 11 القضائية ومن دفاع الحكومة أن المدعي لم يواجه لأول مرَّة بقرار اعتقاله الصادر في 28 من مارس سنة 1957 إلا عندما أودعت الحكومة صورة منه بجلسة 22 من أكتوبر سنة 1957 على ما سلف البيان.
ومن حيث إن المادة من القانون رقم لسنة 1959 بتنظيم مجلس الدولة للجمهورية العربية المتحدة تقابل المادة من القانون رقم لسنة 1955 – تنص على أن "ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح أو إعلان صاحب الشأن به". ومفاد ذلك أن المشرع قد جعل مناط بدء سريان ميعاد رفع الدعوى إلى المحكمة الإدارية المختصة هو واقعة نشر القرار المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به. وفي هذا يلتقي التشريع المصري مع القانون الفرنسي في المادة 49 من القانون الصادر في 31 من يوليه سنة 1957 بتنظيم مجلس الدولة الفرنسي والمادة الأولى من المرسوم بقانون الصادر في 8 من سبتمبر سنة 1934 بتنظيم مجالس الأقاليم والمرسوم الصادر في 30 من سبتمبر سنة 1953 بإنشاء المحاكم الإدارية الإقليمية وبإعادة تنظيم مجلس الدولة الفرنسي، يلتقيان حيث قرر كل منهما أن يكون النشر معادلاً للإعلان من حيث قوة كليهما في إثبات وصول القرار المطعون فيه إلى علم صاحب الشأن. وفي بدء الميعاد المقرر قانوناً للطعن فيه. ورغم أنه قد تقرر بنص القانون أن يكون النشر كالإعلان وسيلة لإثبات العلم بالقرار المطعون فيه إلا أنه لا يزال من الثابت من ذلك، أن هذه المساواة بين الوسيلتين ليست كاملة إذ لا زال الإعلان بالقرار هو الأصل، وأما النشر فهو الاستثناء بحيث لا يكفي النشر حيث يكون الإعلان ممكناً. ومن أجل هذا فقد اجتهد القضاء لكي يحدد الحالات التي يصح الالتجاء فيها إلى وسيلة النشر، والحالات التي يتعين الالتجاء فيها إلى وسيلة الإعلان. وكان مما قرره القضاء في هذا الشأن هو التمييز بين قرارات الإدارة التنظيمية وقراراتها الفردية. بحيث متى كانت الأولى بحكم عموميتها وتجريدها لا يتصور حصر الأشخاص الذين تحكمهم، مما لا يكون معه محل لالتزام وسيلة الإعلان بالنسبة إليها، فإن الثانية إذ تتجه بالعكس إلى أشخاص معينين بذواتهم ومعلومين سلفاً لدى الإدارة فإنه لا يكون ثمت محل بالنسبة إليها للاكتفاء بوسيلة النشر بل يكون الإعلان إجراءً محتماً. وغني عن البيان أنه إذا كانت نصوص القانون قد حددت واقعة النشر والإعلان لبدء الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء فإن القضاء الإداري في مصر وفي فرنسا لم يلتزم حدود النص في ذلك. فهو لا يرى الإعلان والنشر إلا قرينتين على وصول القرار المطعون فيه إلى علم صاحب الشأن. ومن ثم يوجب أن يتم النشر والإعلان بالشكل الكافي للتعريف بالقرار ومحتوياته الجوهرية حتى يكفي كلاهما إلى تحقيق العلم بالقرار. على أنه إذا كانت قرينة العلم المستفادة من النشر أو الإعلان ليست مما يقبل إثبات العكس، فليس ما يمنع ثبوت العلم بدونها. وهو ما قرره القضاء الإداري فيما قضى به من أنه متى قام الدليل القاطع وفقاً لمقتضيات ظروف النزاع وطبيعته، على علم صاحب الشأن بالقرار علماً يقيناً لا ظنياً ولا افتراضياً بحيث يكون شاملاً لجميع محتويات هذا القرار ومؤداه حتى يتيسر له بمقتضى هذا العلم أن يحدد مركزه القانوني من القرار متى قام الدليل على ذلك بدأ ميعاد الطعن من تاريخ ثبوت هذا العلم دون حاجة إلى نشر القرار أو إعلانه إذ لا شأن للقرائن حين يثبت ما يراد بها ثبوتاً يقينياً قاطعاً. وقد استقر قضاء هذه المحكمة على ما يفيد تأييد نظرية العلم اليقيني. وهذه النظرية توجب أن يكون هذا العلم ثابتاً لا مفترضاً وأن يكون حقيقياً لا ظنياً. وقضت هذه المحكمة في ذلك أن العلم اليقيني الشامل يثبت من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة، وللقضاء التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذي يمكن ترتيبه عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره، وذلك حسبما تستبينه المحكمة من أوراق الدعوى وظروف الحال، فلا تأخذ بهذا العلم إلا إذا توافر اقتناعها بقيام الدليل عليه كما لا تقف عند إنكار صاحب المصلحة له حتى لا تهدد المصلحة المبتغاة من تحصين القرارات الإدارية ولا تزعزع المراكز القانونية التي اكتسبها أربابها بمقتضى هذه القرارات.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم من حيث الصحيح الثابت من وقائع الدعوى ومن حيث التطبيق القانوني السليم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بقبول دفع الحكومة بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد تأسيساً على أن الإفراج عن الطاعن قد وقع فعلاً في 27 من مارس سنة 1957 وترتيباً على ذلك يكون علمه يقينياً بصدور أمر اعتقاله من جديد في 28 من مارس سنة 1957 مستفاداً يقينياً من مجرد تنفيذ أمر الاعتقال عليه في 28/ 3/ 1957 ويكون قد أخطأ في فهم الواقع كما أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويكون الطعنان المقدمان فيه من جانب هيئة المفوضين ثم من جانب المدعي قد التقيا وقاما على سند من القانون صحيح فيما تضمناه من أن الحكم المطعون فيه قد خالف الثابت في الأوراق وجرى على غير ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة في مناط العلم اليقيني بالقرار الإداري. وفي ذلك وحده ما يكفي للقضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الدعوى. ولا جدوى والحالة هذه من التعرض بالتفنيد أو بالتأييد لأوجه الطعن الأخرى التي تضمنتها صحيفة طعن المدعي ومذكراته من حيث أوجه المخالفة للمبادئ القانونية السليمة من حريات عامة وسلطات بوليس مقيدة، وتجدد قرار الاعتقال بقيام مثل هذه الحالة.
ب – عن الموضوع:
ومن حيث إنه متى كانت الدعوى مهيأة للفصل فيها وكان موضوعها قد سبق طرحه برمته على المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بعد إذ أبدى ذوو الشأن ملاحظاتهم بصدده، واستوفوا فيه دفاعهم ومستنداتهم فإن لهذه المحكمة أن تتصدى للفصل في هذا الموضوع. ولا وجه لإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها من جديد.
ومن حيث إن دفاع المدعي من حيث الموضوع يقوم على مدى رقابة القضاء على نظام الأحكام العرفية وعلى مدى مخالفة القرار الصادر من وزير الداخلية في 28 من مارس سنة 1957 بالقبض على الطاعن وبوضعه مع غيره ممن تشابهت ظروفه وإياهم في مكان أمين، وذلك تأسيساً على قرار رئيس الجمهورية رقم لسنة 1956 بإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد وعلى القانون رقم 533 لسنة 1954 بشأن الأحكام العرفية والقوانين المعدلة له وبناءً على السلطة المخولة لمصدر القرار بمقتضى الأمر رقم الصادر في 19 من ديسمبر سنة 1956 – مدى مخالفته القرار المطعون فيه للقانون.
ومن حيث إنه قد تقتضي بعض الظروف توسعاً في سلطات الإدارة وتقييداً في الحريات الفردية. من ذلك حالة تهديد سلامة البلاد أثر وقوع حرب أو التهديد بخطر الحرب أو اضطراب الأمن أو حدوث فيضان أو وباء أو كوارث.. ففي مثل تلك الحالات تعلن الدولة بلا تردد الأحكام العرفية، وهي نظام استثنائي خطير بوقف الحريات الفردية ويعطل الضمانات الدستورية المقررة لها. وتبرره نظرية الضرورة وتقتضي منح الحكومة سلطات استثنائية واسعة لمواجهة الظروف الطارئة ابتغاء المحافظة على سلامة الدولة. وبالنظر إلى كثرة التعديلات التي أدخلت على قانون الأحكام العرفية القديم رقم الصادر في 26 من يونيو سنة 1923 لوحظ من بعدها أنها خلت من كثير من الضمانات الواجب توافرها لمن يعاملون بأحكامه، فقد صدر القانون رقم في 7 من أكتوبر سنة 1954 متضمناً أحكاماً جديدة بعد أن ألغي قانون الأحكام العرفية القديم. وقد نص القانون رقم لسنة 1954 على الأسباب التي تقضي بإعلان الأحكام العرفية وحددها بثلاث حالات هي: –
كلما تعرض الأمن أو النظام العام في الأراضي المصرية أو في جهة منها للخطر بسبب إغارة قوات العدو من الخارج، أو بسبب وقوع اضطرابات في الداخل، كما يجوز إعلان الأحكام العرفية لتأمين سلامة الجيوش المصرية وضمان تموينها وحماية طرق المواصلات وغير ذلك مما يتعلق بحركاتها وأعمالها العسكرية خارج الجمهورية. ومن آثار إعلان الأحكام العرفية انتقال معظم اختصاصات السلطات المدنية في ممارسة وظيفة الضبط الإداري إلى السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أي إلى الحاكم العسكري العام وإلى مندوبيه. ومن آثار إعلانها منح الهيئة القائمة على إجراء الأحكام العرفية سلطات استثنائية فيجوز للحاكم العسكري العام أن يتخذ التدابير المشددة التي نص عليها القانون ومنها الأمر بالقبض واعتقال ذوي الشبهة أو الخطرين على الأمن والنظام العام ووضعهم في مكان أمين. ويجوز لمجلس الوزراء أن يضيق دائرة السلطات المخولة للحاكم العسكري العام كما يجوز أن يرخص له في اتخاذ أي تدبير آخر مما يقتضيه تحقيق الأغراض التي من أجلها أعلنت الأحكام العرفية في كل الجهة التي أجريت فيها أو في بعضها. ومفاد ما تقدم أن النصوص التشريعية إنما وضعت لتحكم الظروف العادية. فإذا طرأت ظروف استثنائية ثم أجبرت الإدارة على تضييق النصوص العادية فإن ذلك يؤدي حتماً إلى نتائج غير مستساغة تتعارض حتى ونية واضعي تلك النصوص العادية. فالقوانين تنص على الإجراءات التي تتخذ في الأحوال العادية وما دام أنه لا يوجد فيها نص على ما يجب إجراؤه في حالة الخطر العاجل تعين عندئذٍ تمكين السلطة الإدارية من اتخاذ الإجراءات العاجلة التي لم تعمل لغاية سوى المصلحة العامة. وغني عن البيان في هذا المجال أن هناك قاعدة تنتظم القوانين جميعها وتفوقها محصلها وجوب الإبقاء على الدولة فحماية مبدأ المشروعية يتطلب أولاً وقبل كل شيء العمل على بقاء الدولة، الأمر الذي يستتبع تخويل الحكومة استثناء وفي حالة الضرورة من السلطات ما يسمح لها باتخاذ الإجراءات التي يتطلبها الموقف، ولو خالفت في ذلك القانون في مدلوله اللفظي ما دامت تبغي الصالح العام. غير أن سلطة الحكومة في هذا المجال ليست ولا شك طليقة من كل قيد، بل تخضع لأصول وضوابط. فيجب أن تقوم حالة واقعية أو قانونية تدعو إلى التدخل، وأن يكون تصرف الحكومة لازماً لمواجهة هذه الحالة، بوصفه الوسيلة الوحيدة لمواجهة الموقف، وأن يكون رائد الحكومة في هذا التصرف ابتغاء مصلحة عامة. وبذلك تخضع مثل هذه التصرفات لرقابة القضاء، غير أن المناط في هذه الحالة، لا يقوم على أساس التحقق من مدى مشروعية القرار من حيث مطابقته أو عدم مطابقته للقانون، وإنما على أساس توافر الضوابط التي سلف ذكرها أو عدم توافرها، فإذا لم يكن رائد الحكومة في هذا التصرف الصالح العام، بل اتجهت إلى تحقيق مصلحة خاصة مثلاً فإن القرار يقع في هذه الحالة باطلاً.
ومن حيث إن الثابت من وقائع الدعوى محل هذا الطعن أن نظام الأحكام العرفية التي اشتق منها القرار المطعون فيه قد أعلن بالتطبيق السليم لأحكام القانون. وكان ذلك في أعقاب الاعتداء الثلاثي الأثيم على أمن وسلامة هذه البلاد في أوائل شهر نوفمبر سنة 1956 فصدر قرار رئيس الجمهورية رقم لسنة 1956 بإعلان حالة الطوارئ تأسيساً على المادة من الدستور وابتغاء المحافظة على الأمن والنظام بعد إغارة العدو من الخارج تقرر مادة أولى: أن تعلن حالة الطوارئ في جميع أنحاء جمهورية مصر.
مادة ثانية: يتولى جمال عبد الناصر حسين رئيس الجمهورية جميع السلطات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون رقم لسنة 1954 ويعمل بهذا القرار ابتداءً من أول نوفمبر سنة 1956. وثابت من الأوراق أن القرار الصادر باعتقال المدعي ووضعه مع غيره في مكان أمين، في 28 من مارس سنة 1957 قد صدر ممن يملك إصداره في ظل إعلان الأحكام العرفية وحالة الطوارئ في البلاد. وقد استندت السلطة التي أصدرته إلى سبب قانوني هو حماية النظام العام ويدخل في ذلك صحة وسلامة أبناء البلاد. فقد بان للمحكمة من الاطلاع على ملفات إدارة مكافحة التهريب والمخدرات وثبت لها بوجه لا يحتمل التردد أو الشك أن المدعي ضالع في تجارة المخدرات راسخ في أساليب تهريبها من الخارج إلى داخل الديار. وأنه أثْرِي من وراء هذا النشاط المرذول الذي يباشره منذ ما يزيد على ربع قرن، ثراءً فاحشاًَ على حساب الصحة العامة لأبناء الشعب. ومما يتعين الإشارة إليه أن القرار المطعون فيه صدر من السيد وزير الداخلية الذي خوله سيادة الحاكم العسكري العام بالأمر العسكري رقم لسنة 1956 مباشرة بعض السلطات في مناطق معينة. وقد نص في المادة الأولى على أن (يعهد إلى وزير الداخلية السلطات الآتية: – أ – الترخيص في تفتيش الأشخاص أو المنازل أو الأماكن في أية ساعة من ساعات النهار أو الليل – ب – الأمر بالقبض على المتشردين والمشتبه فيهم، ومن مقتضى صون الأمن العام القبض عليهم وحجزهم في مكان أمين والإفراج عنهم وذلك في المناطق الآتية: – ومن بينها محافظة القنال. ونص على أن يعمل بهذا الأمر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية وقد نشر في 19 من ديسمبر سنة 1956. وصدر القرار المطعون فيه بالإلغاء في 28 من مارس سنة 1957 مستمداً سببه مما زخر به ملف الطاعن من أسباب سلف الإشارة إليها في الشق الخاص بالوقائع من أسباب هذا الحكم، وقد تبين لهذه المحكمة صحتها من مراجعة عشرات التقارير والمستندات والأوراق التي تقطع بصحة ما هو منسوب إلى الطاعن مما يؤكد سلامة القرار محل الطعن وقيامه على سببه مع توافر الأركان التي لا تجعل فيه مثالاً للقضاء بإلغائه، ومن ثم تكون الدعوى قد قامت على غير سند سليم من القانون خليقة بالرفض مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعها بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى وبرفضها موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات