الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 887 لسنة 7 ق – جلسة 07 /04 /1962 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة – العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر إبريل سنة 1962) – صـ 576


جلسة 7 من إبريل سنة 1962

برياسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي وكيل المجلس، وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي، المستشارين.

القضية رقم 887 لسنة 7 القضائية

( أ ) حانوتية وتُربِية – تعيينهم – إجراء النشر عن خلو منطقة الجبانة تمهيداً لشغل وظيفة تُربِي – العدول عنه واعتباره منتهي المفعول لسبق الحكم جنائياً على التُربِي طالب شغل الوظيفة في جريمة نصب داخل منطقة الجبانات – قيامه على سبب مبرر – إعادة النشر واعتبار الطلبات المقدمة عند النشر الأول كأن لم تكن ولو كانت مستوفاة – لا مخالفة فيه للقانون أو بطلان في الإجراءات.
(ب) حانوتية وتُربِية – تعيينهم – فصل التُربِي تأديبياً إعمالاً لحكم المادة 25 من لائحة القواعد والأنظمة الخاصة بممارسة مهنة الحانوتية والتُربِية بمدينة القاهرة، بعد الحكم عليه جنائياً في جريمة نصب داخل منطقة الجبانات – استبعاد لجنة اختبار وتعيين التُربِية طلب ترشيحه لوظيفة تُربِي الخالية – قيامه على سبب مبرر قانوناً – كونه قد رد إليه اعتباره جنائياً لا يسلب اللجنة سلطتها التقديرية في اختيار الأصلح – نص المادة 28 من اللائحة على أولوية تعيين أولاد أو أقرباء الحانوتية والتُربِية – غير ملزم للجنة بل هو رخصة جوازية وتوجيه لها وإعماله منوط بتوافر شرط أساسي هو طهارة الماضي والصلاحية للمهنة – نص اللائحة على جواز إعادة التُربِي المفصول تأديبياً بعد مضي 3 سنوات – قصر حكمه وهو أمر جوازي على حالة الحرمان من المهنة بسبب التقصير أو مخالفة أحكام اللائحة – عدم شموله حالة ارتكاب جريمة جنائية تفقد شرط حسن السمعة ونقاء السيرة.
(جـ) حانوتية وتُربِية – تعيينهم – الإجراءات التمهيدية للتعيين والتوصيات الصادرة من اللجنة المختصة باختبارهم وتعيينهم في ظل لائحة القواعد والأنظمة الخاصة بممارسة مهنة الحانوتية والتُربِية بمدينة القاهرة قبل تعديلها في 25/ 5/ 1959 – بقاؤها صحيحة منتجة لآثارها – تغيير تشكيل اللجنة بعد ذلك عند التصديق على هذه التوصيات أو تغيير السلطة المنوط بها اعتمادها بناءً على التعديل اللاحق لصدورها – لا يبطلها ولا يسري أثره الحال إلا بالنسبة لما يجد منها في ظل سريان أحكامه.
1 – إذا كان الثابت أن الجهة الإدارية المختصة التي أمرت بإجراء النشر الأول عن خلو منطقة الجبانة المتنازع عليها – وهي التي تترخص في اختيار الوقت الملائم لهذا النشر وفي الاستمرار فيه أو العدول عنه ما دام لم يترتب عليه أثر قانوني تعلق به حق لأحد من المرشحين بما لا معقب عليها في ذلك – قد رأت لما استبان لها من عدم جواز قبول طلب المدعي لسابقة معاقبته جنائياً عن ارتكابه جريمة نصب داخل منطقة الجبانات مما يعد إخلالاً بآداب المهنة، اعتبار النشر الذي تم في 11 من مارس سنة 1956 قد انتهى مفعوله واستنفد غرضه وهذا حق لها تملكه حسبما تقدر فيه وجه المصلحة العامة، وقد عدلت عنه بسبب يبرر هذا العدول، وأعادت النشر بموافقة لجنة الجبانات لتتيح الفرصة من جديد للمتقدمين وتفتح الباب خصوصاً لمن كان منهم قد تقدم في المرَّة السابقة بعد الميعاد أو لم يكن قد استوفى مسوغات تعيينه، وهو إجراء ينطوي على توفير مزيد من الضمانات وتوسيع مجال الاختيار ولا يخل بحق مكتسب لأحد أو يمس مركزاً قانونياً قد ثبت لصاحبه واستقر، ما دام النشر الذي عدل عنه لم يرتب حقاً لأحد، وما دامت الإدارة تملك بسلطتها التقديرية إعادة النشر كلما رأت ذلك أبلغ في تحقيق الصالح العام طالما لا يوجد نص يوجب عليها التزام هذا النشر أو يقيد سلطتها في العدول عنه أو في إعادته من جديد. ومتى كانت هذه الرخصة مقررة لها فإنها تملك عند إعادة النشر اعتبار ما سبق أن تقدم من طلبات لدى النشر الأول كأن لم يكن، وإن استوفى مسوغاته، وعدم الاعتداد إلا بما يقدم بعد إعادته من طلبات جديدة بالشروط الموضوعة لذلك. وإذا كان الأمر كذلك، وكان النشر الأول قد انتهى أثره بما تقرر من صرف النظر عنه، والنشر الثاني قد وقع صحيحاً مستكملاً شرائطه وإجراءاته القانونية، ولم ينهض دليل على ما يزعمه المدعي من إنكار حصول هذا النشر، بل الثابت من إجابة قسم الخليفة في 30 من يونيه سنة 1957 أنه قد تم بالفعل، كما أنه قد أحدث أثره بالنسبة إلى محمود محمد يوسف الذي تقدم بناءً عليه بطلب تعيين جديد في الميعاد دون المدعي، فليس يجدي هذا الأخير الاستمساك بالنشر الأول الملغى سعياً وراء تدارك ما فاته إدراكه في الوقت المناسب. ولا يكون ثمة وجه لما يتحدى به من مخالفة للقانون في إعادة النشر ووقوع بطلان في الإجراءات تأسيساً على ذلك.
2 – إن استبعاد لجنة اختيار وتعيين التُربِية بجلستها المنعقدة في 26 من سبتمبر سنة 1956 لطلب المدعي ترشيح نفسه لوظيفة التُربِي الخالية قد قام على سببه المبرر له قانوناً بعد إذ رأت في ماضيه وفيما ارتكبه وعوقب من أجله جنائياً مما يعد إخلالاً بآداب المهنة وانتهاكاً لحرمات القبور ما يحملها على عدم الاطمئنان إلى ائتمانه على المصلحة العامة الموكولة إلى من يعهد إليه بهذه المهنة، وعدم الثقة بصلاحيته للعودة إلى ذات الوظيفة التي سبق أن فصل منها تأديبياً إعمالاً لحكم المادة 25 من لائحة القواعد والأنظمة المختصة بممارسة مهنة الحانوتية والتُربِية بمدينة القاهرة التي تقضي بأن "كل حانوتي أو تُربِي يرتكب ما يخل بآداب المهنة يحرم بقرار من اللجنة التأديبية وتسحب رخصته" ولا يسلب الجهة الإدارية سلطتها التقديرية في اختيار الأصلح من بين المرشحين لهذه المهنة أو يقيد من حريتها في الترجيح والمفاضلة بين المتقدمين لها تبعاً لما تأنس فيه تحقيق المصلحة العامة التي هي قوامة على رعايتها بإيثار من كانت صحيفة ماضيه بيضاء على من ليست صحيفته كذلك، لا يسلبها هذا الحق أو يحد منه كون المدعي قد رد إليه اعتباره جنائياً، ما دام اقتناعها بعدم صلاحيته الوظيفية للعودة إلى المهنة لما تقدم من أسباب ولما بدر منه بعد فصله وإبان تعيين نجله محمد أحمد بدوي المفصول كذلك من تصرفات تدين مسلكه قد قام على أسباب ووقائع صحيحة لها أصل ثابت في الأوراق يؤدي مادياً وقانوناً إلى النتيجة التي انتهت إليها في شأنه والتي استخلصتها من حقيقة الواقع استخلاصاً سائغاً سليماً، وما دام موقفها هذا منه قد استهدف غاية مشروعة وتغيا وجه الصالح العام وخلا من مخالفة القانون ومن إساءة استعمال السلطة، ولا وجه بعد ذلك لما يثيره المدعي من حقه في أولوية التعيين بوصفه والد التُربِي المفصول ذلك أن هذه الأولوية منوطة بشرط أساسي هو طهارة الماضي والصلاحية للمهنة ورهينة بتوافر هذا الشرط وهو ما أنكرته عليه اللجنة بحق. هذا إلى أن المادة 28 من لائحة الحانوتية والتُربِية قد جعلت مراعاة الأولوية بالنسبة إلى الأولاد أو الأقرباء رخصة جوازية وتوجيهاً للجنة لا إلزاماً عليها، وقرنته بوجوب توافر شروط الانتخاب فيهم إذ نصت على أنه "إذا خلا محل حانوتي أو تُربِي فللجنة عند تعيين بدله أن تراعي الأولوية لأولاده أو أقربائه متى توافرت فيهم شروط الانتخاب". كما أن ما نصت عليه المادة 9 من قرار الهيئة الإدارية التي حلت محل المجلس البلدي لمدينة القاهرة الصادر بجلسة 25 من مايو سنة 1959 بتعديل بعض أحكام لائحة القواعد والأنظمة المختصة بممارسة مهنة الحانوتية والتُربِية، وهو الذي جاء ترديداً لما كانت تقضي به المادة 23 الملغاة من اللائحة المذكورة، من جواز إعادة التُربِي الذي صدر قرار من اللجنة التأديبية بحرمانه من المهنة بعد مضي ثلاث سنوات على الأقل متى توافرت فيه الشروط التي تتطلبها اللائحة لمزاولة المهنة، لم يكن من سبيل لإعماله في حق المدعي لكونه حكماً مقصوراً على حالة الحرمان بسبب التقصير أو مخالفة أحكام اللائحة لا يتعداه إلى حالة افتقاد التُربِي المفصول لشرط التمتع بحسن السمعة ونقاء السيرة بسبب ارتكابه جريمة من جرائم القانون العام – وهي جريمة نصب داخل منطقة الجبانات كما يتضح من ماضيه وسجل حياته، فضلاً عن كون الإعادة في هذه الحالة – وإن توافرت شروطها – أمراً جوازياً محضاً للإدارة تترخص فيه بسلطتها التقديرية وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة بما لا معقب عليها في ذلك ما دام قرارها قد برئ من عيب إساءة استعمال السلطة.
3 – إن توصيات لجنة اختبار وتعيين الحانوتية والتُربِية التي صدرت بجلسة 31 من يناير سنة 1958 صحيحة مستوفية للشكل والأوضاع القانونية المقررة وقتذاك في ظل لائحة القواعد والأنظمة المختصة بممارسة مهنة الحانوتية والتُربِية بمدينة القاهرة قبل تعديلها بقرار الهيئة الإدارية ببلدية القاهرة الصادر في 25 من مايو سنة 1959 تظل صحيحة سليمة منتجة لآثارها ما دامت قد صدرت من اللجنة المذكورة مشكلة تشكيلاً صحيحاً مطابقاًً للقانون في حدود اختصاصها وقت أن كانت تملك هذا الحق وأن تغير تشكيلها بعد ذلك وقت التصديق على توصياتها أو تغيرت السلطة المنوط بها اعتماد هذه التوصيات بناءً على التعديل اللاحق لصدورها، إذ أن هذا التعديل – وهو غير ذي أثر رجعي – لا يبطل الإجراءات التمهيدية للتعيين التي تمت صحيحة وفقاً لأحكام اللائحة النافذة وقت تمامها، ولا يسري أثره الحال إلا بالنسبة إلى ما يجد من إجراءات تتخذ في ظل سريان أحكامه.


إجراءات الطعن

في 23 من فبراير سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيد محافظ القاهرة بصفته رئيس الشئون البلدية بالمحافظة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 887 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية بجلسة 25 من ديسمبر سنة 1960 في الدعوى رقم 482 لسنة 7 القضائية المقامة من السيد/ أحمد أحمد حجاج ضد كل من السيد وزير الشئون البلدية والقروية والسيد مدير عام بلدية القاهرة، القاضي "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 4 لسنة 1959، الصادر في 2 من يناير سنة 1960 من مدير عام بلدية القاهرة بتعيين محمود محمد يوسف تُربِياً بجبانة باب الوزير وألزمت المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة" وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "إحالة الطعن على دائرة فحص الطعون لتقضي بإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده وإلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 28 من مارس سنة 1961 فعقب عليه بمذكرة خلص فيها إلى طلب "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع رفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه لأسبابه، مع إلزام الجهة الطاعنة المصروفات"، وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 24 من ديسمبر سنة 1961 التي أبلغ بها الطرفان في 27 من نوفمبر سنة 1961 وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا لنظره بجلسة 10 من مارس سنة 1962 التي بلغ بها الطرفان في 14 من فبراير سنة 1962، وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 482 لسنة 7 القضائية ضد كل من وزارة الشئون البلدية والقروية وبلدية القاهرة أمام المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والأوقاف والشئون البلدية والقروية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 7 من إبريل سنة 1960 قال فيها أن لجنة اختبار وتعيين التُربِية أصدرت في 21 من يناير سنة 1958 توصيتها بتعيين محمود محمد يوسف الشهير بمحمود صنيبر تُربِياً لمنطقة جبانة باب الوزير، وقد صدر القرار رقم 184 في 10 من يناير سنة 1960 من السيد مدير عام بلدية القاهرة بهذا التعيين فتظلم منه المدعي في 16 من يناير سنة 1960 وقيد تظلمه تحت رقم 692، ولما لم تجبه الإدارة عن هذا التظلم في الميعاد المقرر قام برفع دعواه الحالية في المدة القانونية وهو يؤسسها على أنه كان يشغل وظيفة تُربِي بجبانة باب الوزير حتى دبر له خصومه تهمة حوكم من أجلها وفصل تأديبياً بصدور حكم ضده بالعقوبة وعين نجله محمد أحمد بدوي بدلاً منه، وخلال هذه المدة حصل على حكم برد اعتباره في القضية رقم 905/ 109 لسنة 1954 وقد تقدم نجله بمناسبة تعيينه مدرساً بوزارة التربية والتعليم، بطلب إعفائه من مهنة تُربِي بشرط حلول والده محله وعلى أثر هذا تقدم هو بطلب تعيينه في الوظيفة محل ولده، إلا أن سكرتير المجلس البلدي أصدر في 26 من سبتمبر سنة 1956 قراراً بحفظ هذا الطلب استناداً إلى فتوى صادرة من قسم قضايا الحكومة بحرمان التُربِي من حق إعادة تعيينه ما دام قد صدر ضده حكم جنائي. وقد تظلم من هذا القرار إلى السيد الوزير طالباً وقف إجراءات التعيين حتى يفصل في الدعوى التي أقامها أمام المحكمة الإدارية بطلب إلغاء هذا القرار. وفي هذه الأثناء قدم محمود محمد يوسف إلى بلدية القاهرة طلباً جديداً لتعيينه تُربِياً للمنطقة. وبجلسة 21 من يناير سنة 1958 صدر قرار لجنة اختبار وتعيين التُربِية بالتوصية بتعيينه، وهو القرار الذي ظل موقوفاً إلى أن صدق عليه السيد مدير عام البلدية في 10 من يناير سنة 1960. وقد صدر قرار بتعديل بعض أحكام لائحة القواعد والأنظمة الخاصة بممارسة مهنة الحانوتية والتُربِية بمدينة القاهرة ونفذ هذا التعديل من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 10 من أغسطس سنة 1959 أي بعد تاريخ صدور قرار اللجنة آنف الذكر، وقد تناول هذا التعديل تأليف اللجنة واختصاصها وطريقة إصدار قراراتها وسلطة مدير عام البلدية في الترخيص في مزاولة حرفة الحانوتي أو التُربِي أو مساعد التُربِي. ونصت المادة العاشرة من القرار على إلغاء المادة 22 من لائحة القواعد والأنظمة الخاصة بممارسة مهنة الحانوتية والتُربِية، وهي التي كانت تنص على أن تنتخب لجنة الجبانات من بين أعضائها لجنة فرعية مكونة من عالم وطبيب وأحد الأعيان لاختبار طالبي رخص الحانوتية والتُربِية ومساعدي التُربِية والكشف عليهم طبياً بعد التحقق من توفر شروط المهنة فيهم. ولما كانت اللجنة التي أصدرت قرار 21 من يناير سنة 1958 هي اللجنة المنصوص عليها في المادة 22 من اللائحة، وكانت هذه المادة قد ألغيت في التعديل المعمول به من 10 من أغسطس سنة 1959، فإن تصديق السيد مدير عام البلدية على قرار اللجنة المذكورة يكون قد وقع باطلاً، إذ كان من الواجب أن تعاد الإجراءات أمام اللجنة الجديدة المنصوص عليها في قرار التعديل، هذا إلى أن المدعي هو صاحب الأولوية في التعيين في وظيفة تُربِي حيث إنه والد التُربِي المفصول، وقد نصت المادة 28 من اللائحة على أن تراعي اللجنة في التعيين الأولوية لأولاده، والتُربِي المفصول هو نجل المدعي. ولو أن اللجنة الملغاة اطلعت قبل صدور قرارها في 21 من يناير سنة 1958 على ملف المنطقة الأصلي لاتضح لها بطلان الإجراءات التي اتخذت إذ لم يعلن من تقدموا بطلبات تعيين ولم ينشر عن المنطقة طبقاً للقانون. ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد شابه البطلان من جميع نواحيه فضلاً عن كونه قد صدق عليه تصديقاً باطلاً وعن أنه قد صدر بتعيين من لا حق له في التعيين. ومن أجل هذا فإن المدعي يطلب "القضاء بإلغاء القرار الإداري رقم 184 الصادر في 21 يناير سنة 1958 والمصدق عليه من السيد مدير عام بلدية القاهرة في 10 يناير سنة 1960 والقاضي بتعيين محمود محمد يوسف تُربِياً بجبانة باب الوزير حيث قد جاء نتيجة إجراءات باطلة على خلاف ما أوجبه القانون، وأحقية الطاعن في التعيين في الوظيفة المذكورة بدلاً من المعين، مع إلزام المدعى عليهما المصروفات ومقابل الأتعاب".
وقد ردت بلدية القاهرة على هذه الدعوى بأنه في 11 من مارس سنة 1956 نشر عن خلو منطقة التُربِي المفصول محمد أحمد بدوي بجبانة باب الوزير فتقدم لها في الميعاد المقرر كل من أحمد أحمد بدوي وأحمد أحمد أحمد بدوي ومحمود محمد يوسف، وقد استوفوا مستندات التعيين كما تقدم لها آخرون بعد الميعاد. وفي 24 من إبريل سنة 1956 عرض الموضوع على اللجنة المختصة التي طلبت التحرير للبلدية بأنها ترى إعادة أحمد أحمد بدوي الذي كان تُربِياً بالمنطقة قبل نجله محمد أحمد بدوي وحرم من المهنة وسحبت رخصته لارتكابه جريمة نصب داخل منطقة الجبانات ما دام قد رد إليه اعتباره، على أن يستأنس برأي مجلس الدولة في ذلك. وقد تبين وجود فتوى من المجلس بأنه في مثل حالته حيث ارتكب ما يخل بآداب المهنة لا يجوز للجنة إعادة النظر في طلبه بعد فصله ولا تصح عودته للمهنة. وفي 26 من سبتمبر سنة 1956 أعيد عرض الموضوع على اللجنة حيث حضر المدعي وأفهمته مضمون الفتوى، إلا أنه تظلم للسيد مفوض الدولة بوزارة الشئون البلدية والقروية الذي رأى رفض تظلمه لكونه قد ارتكب ما يخل بآداب المهنة، كما تظلم للنيابة الإدارية التي حفظت التظلم. وفي هذه الأثناء أقام دعاوى ضد البلدية طالباً إعادة تعيينه، كما تقدم محمود محمد يوسف بشكاوى طالباً تعيينه بالمنطقة. ولما كان النشر الأول عن خلو المنطقة الحاصل في 11 من مارس سنة 1956 قد انتهى مفعوله فقد أعيد النشر وكتب إلى قسم الخليفة في 29 من إبريل سنة 1957 لاتخاذ إجراءاته. وفي 30 من يونيه سنة 1957 أعيد من القسم المذكور كتاب النشر سالف الذكر مؤشراً عليه بما يفيد تنفيذ المطلوب. وعلى أثر هذا تقدم محمود محمد يوسف بطلب للتعيين في هذه المنطقة ولم يتقدم سواه. وفي 31 من يناير سنة 1958 أعيد عرض الموضوع على اللجنة بعد استيفاء مسوغات التعيين والكشف الطبي، وحضر مقدم الطلب محمود محمد يوسف وبعد أن قامت اللجنة بامتحانه ونجح أوصت بتعيينه تُربِياً بالمنطقة المذكورة، وبعد صدور هذا القرار قام المدعي بتوجيه إنذار لعدم التصديق عليه بدعوى أن له طلباً سابقاً. كما أقام الدعوى رقم 343 لسنة 6 القضائية "محاكم" أمام المحكمة الإدارية طالباً وقف تنفيذ قرار تعيين محمود محمد يوسف. وبجلسة 7 من ديسمبر سنة 1959 صدر الحكم برفض هذا الطلب مع إلزام المدعي بمصروفاته. كما أصدرت المحكمة بجلسة 23 من مارس سنة 1960 حكمها في الموضوع بعدم قبول الدعوى وبإلزام المدعي بمصروفاتها. ولما كان محمود محمد يوسف قد تظلم لجميع الجهات من عدم التصديق على قرار تعيينه فقد صدر قرار السيد المدير العام لبلدية القاهرة رقم 4 في 2 من يناير سنة 1960 بالتصديق على توصية اللجنة بتعيينه، وذلك تطبيقاً لقرار تعديل بعض أحكام لائحة القواعد والأنظمة المختصة بممارسة مهنة الحانوتية والتُربِية بمدينة القاهرة الذي خول المدير العام لبلدية القاهرة سلطة التصديق على قرارات لجان الجبانات. وقد تظلم المدعي من هذا القرار في 23 من يناير سنة 1960 إلى السيد وزير الشئون البلدية والقروية، ثم رفع دعواه الحالية التي يتعين القضاء برفضها لأن التعيين في الوظائف العامة، ومنها وظائف التُربِية والحانوتية التي تتصل بمرفق عام هو مرفق الصحة العامة، سلطة تقديرية لجهة الإدارة تباشرها بلا معقب عليها طالما خلا تصرفها من إساءة استعمال السلطة، والثابت من الأوراق أن جهة الإدارة أرسلت إلى قسم الخليفة في طلب النشر عن الوظيفة مثار المنازعة، وأن القسم رد عليها بأنه قد اتخذ اللازم لإجراء هذا النشر، وأنه لم يتقدم للتعيين في هذه الوظيفة سوى محمود محمد يوسف الذي استوفى مسوغات تعيينه وأوصت لجنة الاختبار والترشيح بتعيينه إلا أن السيد المدير العام للبلدية لم يصدر قراره بهذا التعيين إلا بعد أن صدر حكم المحكمة الإدارية برفض طلب وقف تنفيذ قرار اللجنة في الدعوى التي كان المدعي قد أقامها. وقد استطلعت بلدية القاهرة رأي مجلس الدولة في أثر التعديل الذي أدخل على لائحة ممارسة مهنة التُربِية والحانوتية وعما إذا كان يتعين إعادة الإجراءات من عدمه. فورد الرد بأنه لا حاجة لإعادة عرض قرارات اللجان القديمة على اللجان الجديدة لأن شأن كليهما واحد فما يتعلق بالإجراءات التمهيدية الخاصة بالتعيين في هذه المهنة ولما كان المدعي لم يتقدم بطلب التعيين في الوظيفة آنفة الذكر عند إعادة النشر عنها، فإنه يكون من غير الجائز النظر في حالته ولا يكون له حق في الطعن على القرار. أما عن جواز إعادة التُربِي المفصول طبقاً لنص المادة 9 من قرار الهيئة الإدارية الصادر في 25 من مايو سنة 1959 بعد ثلاث سنوات متى توافرت فيه الشروط التي تتطلبها اللائحة، فإن الواضح من هذا النص أنه جعل الإعادة جوازية لجهة الإدارة التي يتعين عليها أن تراعي أن ماضيه وسجل حياته يدلان على أنه يتمتع بسمعة حسنة وسيرة محمودة، وهو ما لم يتوافر في حالة المدعي حيث إن ماضيه ينطق بأنه ارتكب ما يخل بآداب المهنة لارتكابه جريمة نصب داخل المقابر، وحيث إن الإدارة، على الرغم من رد اعتباره، لا تطمئن إلى إعادة إسناد هذه الوظيفة إليه، ولو أنها رفضت إعادته إلى وظيفة تُربِي لكان تصرفها على هذا النحو سليماً لا تشوبه أية شائبة سواء من مخالفة القانون أو من إساءة استعمال السلطة، ومن ثم فإن الدعوى تكون على غير أساس من القانون أو من الواقع ويتعين القضاء برفضها وبإلزام المدعي بمصروفاتها.
وقد عقب المدعي على رد بلدية القاهرة بمذكرة ردد فيها دفاعه السابق إبداؤه، وزاد عليه أن الإدارة لم تقدم الدليل الحاسم على حصول النشر الثاني عن المنطقة وعلى استيفائه أوضاعه ومراقبتها تنفيذه، وأنه كان يتعين إعادة عرض الأمر على لجنة الجبانات بتشكيلها الجديد بعد تعديل اللائحة وأن الجريمة التي سبق أن حكم عليه من أجلها بعقوبة جنائية وفصل بسببها تأديبياً من وظيفة تُربِي ليست من قبيل الجرائم التي تمنع من إعادة التعيين في هذه الوظيفة بعد مضي ثلاث سنوات، وخلص من هذا إلى التصميم على طلباته.
وقد قدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه لما أبداه من أسباب إلى أنه يرى "الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع برفضها وإلزام المدعي المصروفات".
وبجلسة 25 من ديسمبر سنة 1960 قضت المحكمة الإدارية "بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 4 لسنة 1959 الصادر في 2 من يناير سنة 1960 من مدير عام بلدية القاهرة بتعيين محمود محمد يوسف تُربِياً بجبانة باب الوزير، وألزمت المدعى عليها المصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن النشر الأول الذي تم في 11 من مارس سنة 1956 كان صحيحاً مستكملاً كافة الإجراءات القانونية، وكان يتعين على اللجنة النظر في الطلبات المقدمة إليها وإصدار توصياتها بتعيين من تختاره من بين المتقدمين ممن استوفوا مسوغات التعيين وتقدموا في الميعاد القانوني. ولا صحة للقول بانتهاء مفعول هذا النشر، ومن ثم فإن قرار اللجنة بإعادة النشر عن خلو المنطقة يكون قد صدر مخالفاً للقانون، وكذلك ما بني عليه من آثار أخصها استبعاد طلبين قدما في الميعاد القانوني منهما طلب المدعي الذي كان مستوفياً مسوغات التعيين الأمر الذي يدمغ توصيات اللجنة التي صدرت بعد ذلك بالبطلان. وفضلاً عن هذا فقد صدر قرار من الهيئة الإدارية لبلدية القاهرة في 25 من مايو سنة 1959 نص في المادة الأولى منه على تشكيل جديد للجنة اختبار وترشيح الحانوتية والتُربِية ومساعدي التُربِية، ولا جدال في أن تغيير تشكيل اللجنة إنما تم لحكمة معينة هي توفير ضمانات للمرشحين، كما أن توصيات اللجنة أصبحت تعرض على مدير عام البلدية للتصديق عليها بعد أن كانت تعرض على الهيئة الإدارية للبلدية لهذا التصديق. فإذا كانت اللجنة بتشكيلها القديم قد أصدرت توصيات ولم يتم التصديق عليها قبل صدور التعديل الجديد للائحة فإن مدير عام البلدية لا يجوز له التصديق على هذه القرارات لأنها صدرت من لجنة مشكلة تشكيلاً غير قانوني وقت التصديق، وإن كانت مشكلة تشكيلاً قانونياً وفق أحكام اللائحة وقت إصدار توصياتها، لأن المعول عليه هو تاريخ صدور القرار من المدير العام للبلدية ومن ثم فإنه كان يتعين إعادة عرض الموضوع على اللجنة بتشكيلها الجديد لتصدر توصياتها فيما هو معروض عليها، وربما رجحت كفة المدعي أو غيره والقول بغير ذلك فيه إهدار للضمانات التي قصد الشارع إلى تحقيقها بتعديل تشكيل اللجنة، وبالتالي مخالفة للقانون. وتأسيساً على هذا يكون القرار المطعون فيه مشوباً بعيب مخالفة القانون ويتعين إلغاؤه حتى تتاح الفرصة للجنة اختبار وترشيح الحانوتية والتُربِية ومساعدي التُربِية بتشكيلها الجديد لترشيح تُربِي لجبانة باب الوزير من بين المتقدمين إليها المستوفين لشروط ممارسة المهنة ولمسوغات التعيين، وذلك على أساس النشر الذي تم في 11 من مارس سنة 1956.
ومن حيث إن السيد محافظ القاهرة بصفته رئيس الشئون البلدية بالمحافظة قد طعن في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 23 من فبراير سنة 1961 طلب فيها "إحالة الطعن على دائرة فحص الطعون لتقضي بإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده وإلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" واستند في أسباب طعنه إلى أنه ليس صحيحاً اعتبار توصيات اللجنة الأولى كأن لم تكن وأنها صادرة من لجنة غير مشكلة تشكيلاً قانونياً لمجرد أن التصديق على هذه التوصيات قد تم في وقت كان قد تغير فيه تشكيلها، ذلك أن العبرة في صحة التوصيات وصدورها من لجنة تملك إصدارها ليست بوقت إجراء التصديق عليها، وإنما بوقت صدور هذه التوصيات من لجنة تملك إصدارها قانوناً، ولا سيما أن التعديل الذي حدث في تشكيل اللجنة ليس تعديلاً جوهرياً قصد به توفير ضمانات جديدة للمرشحين لم تكن مكفولة من قبل، وهذا واضح من المقارنة بين أعضاء كل من اللجنتين القديمة والجديدة. هذا فضلاً عن أن مؤدى الأخذ بوجهة نظر المحكمة في هذا الصدد هو إعادة إجراء الإعلان عن خلو المنطقة وقيام اللجنة الجديدة بامتحان المرشحين الموجودين من قبل ومن يستجد غيرهم، وهو ما نبذته المحكمة في السبب الثاني من أسباب حكمها حيث اعتبرت إعادة الإعلان عن المنطقة إجراءً مخالفاً للقانون، وهذا كله يؤدي إلى وقوع التناقض والاضطراب في أسباب الحكم. وإذا سلم في الجدل ببطلان الإعلان الثاني وأنه كان يجب على اللجنة أن تعتد بالإعلان الأول، وقد استبعدت اللجنة المدعي من قائمة المرشحين لماضيه الذي لم تطمئن إليه، فإن المدعي يكون بذلك غير داخل في قائمة المرشحين، وبالتالي لا يحق له المطالبة بتعيينه. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله وتناقضت أسبابه الأمر الذي يستوجب الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المدعي قد عقب على هذا الطعن بمذكرة ردد فيها دفاعه السابق وأضاف إليه أن النشر الذي تم في 11 من مارس سنة 1956 كان مستوفياً لكافة الإجراءات القانونية، مما كان يتعين معه على اللجنة النظر في الطلبات الثلاثة الصحيحة المقدمة إليها من أشخاص استوفوا مسوغات تعيينهم وإصدار توصياتها بتعيين من تختاره منهم. أما ما تم في جلسة اللجنة في 20 من سبتمبر سنة 1956 من مواجهته باستبعاد طلبه بناءً على فتوى قلم قضايا الحكومة الصادرة في سنة 1936 فلا أثر له في إنهاء مفعول النشر المشار إليه، ومن ثم يكون قرار إعادة النشر مخالفاً للقانون وكذلك ما ترتب عليه، هذا إلى أن قرار الهيئة الإدارية ببلدية القاهرة الصادر في 25 من مايو سنة 1959 قد قضى بتشكيل اللجنة على نحو مغاير لتشكيلها السابق وبوجوب عرض توصياتها على مدير عام البلدية للتصديق عليها بعد أن كانت تعرض على الهيئة الإدارية البلدية. ولما كانت العبرة هي بوقت التصديق على القرار فإنه كان يتعين إعادة عرض الموضوع على اللجنة باعتبارها صاحبة الاختصاص في إصدار التوصيات، والقول بغير ذلك يهدر الحكمة من تعديل تشكيلها الأمر الذي يخالف القانون ويعيب القرار المطعون فيه. واختتم المدعي مذكرته بطلب "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع رفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه لأسبابه، مع إلزام الجهة الطاعنة المصروفات".
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة أودعت تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات". وأسست رأيها على أن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن تغيير تشكيل لجنة اختبار وترشيح الحانوتية والتُربِية يمنع مدير البلدية من التصديق على توصيات اللجنة التي صدرت بتشكيلها القديم باعتبار أن هذه التوصيات قد سقطت بتغيير التشكيل، هو نظر غير صحيح، لأن العبرة إنما هي بتاريخ صدور قرار اللجنة، وقد توافر اختصاصها وقت إصداره، فإذا تغير تشكيل اللجنة والجهة المختصة بالتصديق، فليس ثمة ما يحتم قانوناً إعادة بحث الموضوعات التي صدرت فيها توصيات وقرارات من اللجنة بتشكيلها القديم. ومن ثم تكون الإجراءات التي انتهت إلى اختيار السيد محمود يوسف في وظيفة تُربِي قد تمت سليمة متفقة وأحكام القانون، ويكون ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من القضاء بإلغاء قرار مدير عام بلدية القاهرة الصادر في 2 من يناير سنة 1960 بإجراء التعيين في هذه الوظيفة قد خالف أحكام القانون.
ومن حيث إن المدعي يطلب الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 4 لسنة 1959 جبانات الصادر من السيد المدير العام لبلدية القاهرة في 2 من يناير سنة 1960 بتعيين محمود محمد يوسف تُربِياً بجبانة باب الوزير في المنطقة التي خلت بفصل التُربِي السابق محمد أحمد بدوي، وبأحقيته في التعيين في هذه الوظيفة مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وينعى على هذا القرار صدوره مشوباً بعيب مخالفة القانون لبطلان إجراءات النشر التي قام عليها، وإغفاله تعيينه هو مع أنه صاحب الأولوية في هذا التعيين باعتباره والد التُربِي المفصول وتأسيسه على قرار لجنة الجبانات الصادر قبل التعديل الذي طرأ على تشكيل هذه اللجنة وعلى السلطة المختصة باعتماد قراراتها قبل حصول هذا الاعتماد.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي كان يعمل تُربِياً بمنطقة جبانة باب الوزير وحرم من المهنة وسحبت رخصته بجلسة لجنة الجبانات المنعقدة في 4 من مايو سنة 1946 لارتكابه جريمة نصب داخل منطقة الجبانات في سنة 1943، بأن استدرج هو وآخرون إحدى السيدات إلى المقابر وأوهموها بأنهم على اتصال بملوك الجان واستولوا منها على مبلغ ألف جنيه. وقد حكم عليه استئنافياً في هذه التهمة بالحبس سنة مع الشغل والتعويض والمصروفات، وفصل بسببها من عمله تأديبياً. وبجلسة 4 من يوليه سنة 1948 عين تُربِياً للمنطقة بدلاً منه ولده محمد أحمد بدوي، الذي فصل هو أيضاً بدوره من مهنته بقرار من اللجنة التأديبية وسحبت رخصته في 20 من فبراير سنة 1956 على أثر ما قدم ضده من الجمهور من شكاوى بأنه يجمع بين وظيفة التدريس بإحدى المدارس الابتدائية وبين مهنة التُربِي التي يتخذها ستاراً ليتيح لوالده المدعي الاستمرار في فرض سيطرته على المنطقة كما لو كانت تركة موروثة لعائلته وفي انتهاك حرمات المقابر بأساليب من الشعوذة والابتزاز والمكائد وفي 11 من مارس سنة 1956 نشر عن خلو منطقة التُربِي المفصول محمد أحمد بدوي بجبانة باب الوزير، فتقدم لها في الميعاد القانوني ثلاثة مرشحين استوفوا مسوغات التعيين، هم المدعي وولده أحمد أحمد أحمد بدوي ومحمود محمد يوسف، كما تقدم لها آخرون بعد الميعاد ومنهم من لم يستوف مستندات التعيين، وبجلسة 24 من إبريل سنة 1956 رأت لجنة الجبانات استطلاع الرأي فيما إذا كان من السائغ إعادة المدعي إلى المهنة، ولما كانت هناك فتوى بعدم جواز إعادة النظر في طلب التُربِي المفصول بعد ثبوت ارتكابه ما يخل بآداب المهنة، فقد أعيد عرض الموضوع على اللجنة بجلسة 26 من سبتمبر سنة 1956، التي حضر فيها المدعي وأفهم بمضمون هذه الفتوى. وقد تظلم المذكور من استبعاد ترشيحه لكل من السيد مفوض الدولة بوزارة الشئون البلدية والقروية الذي رأى رفض تظلمه، والنيابة الإدارية التي قررت حفظ التظلم، لخروج المتظلم على واجبات المهنة وآدابها. وقد رأت الإدارة بعد هذا أن النشر الأول عن خلو المنطقة الحاصل في 11 من مارس سنة 1956 قد انتهى مفعوله بما تم بجلسة 26 من سبتمبر سنة 1956 فاعتبرته مستنفذاً غرضه. وبإعادة عرض الموضوع على اللجنة بجلسة 11 من مارس سنة 1957 المستمرة إلى 16 منه قررت إعادة النشر عن خلو المنطقة. وفي 29 من إبريل سنة 1957 حرر إلى قسم الخليفة الذي تقع المنقطة الخالية بدائرته لاتخاذ إجراءات النشر فأعاد القسم المذكور في 30 من يونيه سنة 1957 كتاب النشر مؤشراً عليه بما يفيد تنفيذ المطلوب، وفي هذه المرَّة لم يتقدم بطلب التعيين في هذه المنطقة سوى محمود محمد يوسف وهو الذي قامت اللجنة في 31 من يناير سنة 1958 بامتحانه بعد استيفاء مسوغات تعيينه وتوقيع الكشف الطبي عليه، وأوصت بتعيينه تُربِياً لمنطقته بعد أن أدى الامتحان بنجاح، ثم صدر القرار المطعون فيه رقم 4 لسنة 1959 في 2 من يناير سنة 1960 من السيد المدير العام لبلدية القاهرة بالتصديق على توصية لجنة الجبانات بتعيينه.
ومن حيث إنه ظاهر مما تقدم أن الجهة الإدارية المختصة التي أمرت بإجراء النشر الأول عن خلو منطقة الجبانة المتنازع عليها – وهي التي تترخص في اختيار الوقت الملائم لهذا النشر وفي الاستمرار فيه أو العدول عنه ما دام لم يترتب عليه أثر قانوني تعلق به حق لأحد من المرشحين بما لا معقب عليها في ذلك – قد رأت لما استبان لها من عدم جواز قبول طلب المدعي لسابقة معاقبته جنائياً عن ارتكابه جريمة نصب داخل منطقة الجبانات مما يعد إخلالاً بآداب المهنة، اعتبار النشر الذي تم في 11 من مارس سنة 1956 قد انتهى مفعوله واستنفذ غرضه، وهذا حق لها تملكه حسبما تقدر فيه وجه المصلحة العامة. وقد عدلت عنه بسبب يبرر هذا العدول، وأعادت النشر بموافقة لجنة الجبانات لتتيح الفرصة من جديد للمتقدمين وتفتح الباب خصوصاً لمن كان منهم قد تقدم في المرَّة السابقة بعد الميعاد أو لم يكن قد استوفى مسوغات تعيينه، وهو إجراء ينطوي على توفير مزيد من الضمانات وتوسيع مجال الاختبار ولا يخل بحق مكتسب لأحد أو يمس مركزاً قانونياً قد ثبت لصاحبه واستقر، ما دام النشر الذي عدل عنه لم يرتب حقاً لأحد، وما دامت الإدارة تملك بسلطتها التقديرية إعادة النشر كلما رأت ذلك أبلغ في تحقيق الصالح العام، طالما لا يوجد نص يوجب عليها التزام هذا النشر أو يقيد سلطاتها في العدول عنه أو في إعادته من جديد، ومتى كانت هذه الرخصة مقررة لها فإنها تملك عند إعادة النشر اعتبار ما سبق أن تقدم من طلبات لدى النشر الأول كأن لم يكن، وإن استوفى مسوغاته، وعدم الاعتداد إلا بما يقدم بعد إعادته من طلبات جديدة بالشروط الموضوعة لذلك. وإذ كان الأمر كذلك، وكان النشر الأول قد انتهى أثره بما تقرر من صرف النظر عنه، والنشر الثاني قد وقع صحيحاً مستكملاً شرائطه وإجراءاته القانونية، ولم ينهض دليل على ما يزعمه المدعي من إنكار حصول هذا النشر، بل الثابت من إجابة قسم الخليفة في 30 من يونيه سنة 1957 أنه قد تم بالفعل، كما أنه قد أحدث أثره بالنسبة إلى محمود محمد يوسف الذي تقدم بناءً عليه بطلب تعيين جديد في الميعاد دون المدعي، فليس يجدي هذا الأخير الاستمساك بالنشر الأول الملغى سعياً وراء تدارك ما فاته إدراكه في الوقت المناسب. ولا يكون ثمة وجه لما يتحدى به من مخالفة القانون في إعادة النشر ووقوع بطلان في الإجراءات تأسيساً على ذلك.
ومن حيث إن استبعاد لجنة اختيار وتعيين التُربِية بجلستها المنعقدة في 26 من سبتمبر سنة 1956 لطلب المدعي ترشيح نفسه لوظيفة التُربِي الخالية قد قام على سببه المبرر له قانوناً، بعد إذ رأت في ماضيه فيما ارتكبه وعوقب من أجله جنائياً مما يعد إخلالاً بآداب المهنة وانتهاكاً لحرمات القبور، ما يحملها على عدم الاطمئنان إلى ائتمانه على المصلحة العامة الموكولة إلى من يعهد إليه بهذه المهنة، وعدم الثقة بصلاحيته للعودة إلى ذات الوظيفة التي سبق أن فصل منها تأديبياً إعمالاً لحكم المادة 25 من لائحة القواعد والأنظمة المختصة بممارسة مهنة الحانوتية والتُربِية بمدينة القاهرة التي تقضي بأن "كل حانوتي أو تُربِي يرتكب ما يخل بآداب المهنة يحرم بقرار من اللجنة التأديبية وتسحب رخصته" ولا يسلب الجهة الإدارية سلطتها التقديرية في اختيار الأصلح من بين المرشحين لهذه المهنة أو يقيد من حريتها في الترجيح والمفاضلة بين المتقدمين لها تبعاً لما تأنس فيه تحقيق المصلحة العامة التي هي قوامه على رعايتها بإيثار من كانت صحيفة ماضيه بيضاء على من ليست صحيفته كذلك، لا يسلبها هذا الحق، أو يحد منه، كون المدعي قد رد إليه اعتباره جنائياً، ما دام اقتناعها بعدم صلاحيته الوظيفية للعودة إلى المهنة لما تقدم من أسباب ولما بدر منه بعد فصله، وإبان تعيين نجله محمد أحمد بدوي المفصول كذلك، من تصرفات تدين مسلكه قد قام على أسباب ووقائع صحيحة لها أصل ثابت في الأوراق يؤدي مادياً وقانوناً إلى النتيجة التي انتهت إليها في شأنه والتي استخلصتها من حقيقة الواقع استخلاصاً سائغاً سليماً، وما دام موقفها هذا منه قد استهدف غاية مشروعة وتغيا وجه الصالح العام وخلا من مخالفة القانون ومن إساءة استعمال السلطة. ولا وجه بعد ذلك لما يثيره المدعي من حقه في أولوية التعيين بوصفه والد التُربِي المفصول، ذلك أن هذه الأولوية منوطة بشرط أساسي هو طهارة الماضي والصلاحية للمهنة ورهينة بتوافر هذا الشرط وهو ما أنكرته عليه اللجنة بحق. هذا إلى أن المادة 28 من لائحة الحانوتية والتُربِية قد جعلت مراعاة الأولوية بالنسبة إلى الأولاد أو الأقرباء رخصة جوازية وتوجيهاً للجنة لا إلزاماً عليها، وقرنته بوجوب توافر شروط الانتخاب فيهم، إذ نصت على أنه "إذا خلا محل حانوتي أو تُربِي فللجنة عند تعيين بدله أن تراعي الأولوية لأولاده أو أقربائه متى توافرت فيهم شروط الانتخاب". كما أن ما نصت عليه المادة 9 من قرار الهيئة الإدارية التي حلت محل المجلس البلدي لمدينة القاهرة الصادر بجلسة 25 من مايو سنة 1959 بتعديل بعض أحكام لائحة القواعد والأنظمة المختصة بممارسة مهنة الحانوتية والتُربِية، وهو الذي جاء ترديداً لما كانت تقضي به المادة 23 الملغاة من اللائحة المذكورة، من جواز إعادة التُربِي الذي صدر قرار من اللجنة التأديبية بحرمانه من المهنة بعد مضي ثلاث سنوات على الأقل متى توافرت فيه الشروط التي تتطلبها اللائحة لمزاولة المهنة لم يكن من سبيل لإعماله في حق المدعي لكونه حكماً مقصوراً على حالة الحرمان بسبب التقصير أو مخالفة أحكام اللائحة لا يتعداه إلى حالة افتقاد التُربِي المفصول لشرط التمتع بحسن السمعة ونقاء السيرة بسبب ارتكابه جريمة من جرائم القانون العام كما يتضح من ماضيه وسجل حياته، فضلاً عن كون الإعادة في هذه الحالة – وإن توافرت شروطها – أمراً جوازياً محضاً للإدارة تترخص فيه بسلطتها التقديرية وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة بما لا معقب عليها في ذلك ما دام قرارها قد برئ من عيب إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن توصيات لجنة اختبار وتعيين الحانوتية والتُربِية التي صدرت بجلسة 31 من يناير سنة 1958 صحيحة مستوفية للشكل والأوضاع القانونية المقررة وقتذاك في ظل لائحة القواعد والأنظمة المختصة بممارسة مهنة الحانوتية والتُربِية بمدينة القاهرة قبل تعديلها بقرار الهيئة الإدارية ببلدية القاهرة الصادر في 25 من مايو سنة 1959 تظل صحيحة سليمة منتجة لآثارها ما دامت قد صدرت من اللجنة المذكورة مشكلة تشكيلاً صحيحاً مطابقاً للقانون في حدود اختصاصها، وقت أن كانت تملك هذا الحق وإن تغير تشكيلها بعد ذلك وقت التصديق على توصياتها أو تغيرت السلطة المنوط بها اعتماد هذه التوصيات بناءً على التعديل اللاحق لصدورها، إذ أن هذا التعديل – وهو غير ذي أثر رجعي – لا يبطل الإجراءات التمهيدية للتعيين التي تمت صحيحة وفقاً لأحكام اللائحة النافذة وقت تمامها ولا يسري أثره الحال إلا بالنسبة إلى ما يجد من إجراءات تتخذ في ظل سريان أحكامه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون القرار المطعون فيه رقم 4 لسنة 1959 الصادر في 2 من يناير سنة 1960 من المدير العام لبلدية القاهرة بتعيين محمود محمد يوسف تُربِياً بجبانة باب الوزير سليماً مطابقاً للقانون، ويكون حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه، إذ قضى بإلغاء هذا القرار، قد جانب الصواب، ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات