الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 308 لسنة 5 ق – جلسة 07 /04 /1962 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة – العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر إبريل سنة 1962) – صـ 554


جلسة 7 من إبريل سنة 1962

برياسة السيد – الإمام الإمام الخريبي وكيل المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل، وحسن السيد أيوب، والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي – المستشارين.

القضية رقم 308 لسنة 5 القضائية

( أ ) طعن جواز الالتجاء إلى محكمة الطعن أو عدم جوازه – أمر متعلق بالنظام العام – وجوب تصدي المحكمة له من تلقاء نفسها، ولو لم يتعرض له ذوو الشأن أساس ذلك.
(ب) طعن – الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا – تحديد الأحكام التي يجوز الطعن فيها أمامها والتي لا يجوز – الرجوع بشأنه إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية.
(جـ) حكم – تكييفه – الرجوع إلى منطوقه لاستخلاص فهم القضاء الوارد به – الحكم بإجراء إثبات معين حكم تمهيدي.
(د) طعن الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع – إجازة المادة 361 من قانون المرافعات القديم الطعن فوراً في الحكم التمهيدي منها دون الحكم التحضيري – مبررات ذلك.
(هـ) طعن الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع – اتجاه التشريعات الحديثة في المرافعات إلى إلغاء التفرقة فيما بين إجازة الطعن في الحكم التمهيدي دون الحكم التحضيري – استحداث قانون المرافعات المصري الحديث في المادة 378 قاعدة تقضي بعدم جواز الطعن في الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع – الحكمة التي حدت إلى تبرير هذا الاتجاه التشريعي المستحدث على ضوء المذكرة التفسيرية – عمومية هذا الحكم وانتظامه كل طرق الطعن في الأحكام – مناط عدم جواز الطعن هو كون الحكم صادراً قبل الفصل في الموضوع – الطعن في الحكم التمهيدي قبل الفصل في الموضوع بندب خبير هندسي لمعاينة الأعمال التي تمت تنفيذاً للعقد الإداري – عدم جوازه.
1 – من القواعد الأساسية في التشريع أنه لا يجوز اتباع طرق الطعن إلا في الأحوال التي نص عليها المشرع، وهذه القاعدة من النظام العام. وإذا قرر الشارع أن رفع الطعن في ميعاده من النظام العام حتى تستقر الحقوق لدى أصحابها فمن باب أولى يكون جواز الالتجاء إلى محكمة الطعن أو عدم جوازه من الأمور التي يتعين أن تتحقق المحكمة منها من تلقاء نفسها. فعلى محكمة الطعن إذن أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبوله كلما تخلف شرط الصفة أو المصلحة أو كان الطعن مرفوعاً من قبل الحكم أو مرفوعاً على من تنازل عنه. كذلك على محكمة الطعن أن تقضي بعدم جوازه إذا تخلف شرط من شروطه كما إذا رفع الاستئناف عن حكم يمنع المشرع استئنافه استثناءً. أو كما إذا رفع طعن بالنقض أو بالتماس إعادة النظر ولم يتوافر سبب من أسباب الطعن في الحكم بهذا الطريق أو بذلك.
ومن القواعد الأساسية في التشريع كذلك أن الخصومة في الطعن هي حالة استثنائية وأن المشرع ما أجاز التظلم من الحكم إلا على سبيل الاستثناء ومن ثم يكون اختصاص محكمة الطعن بنظره من النظام العام. فجواز أو عدم جواز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا هو أمر يتصل – ولا شك – بالنظام العام مما يتعين معه التصدي له حتى ولو لم يتعرض له أي من ذوي الشأن.
2 – إنه لتحديد ما يجوز وما لا يجوز الطعن فيه أمام هذه المحكمة الإدارية العليا من أحكام يتعين الرجوع في ذلك إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية ما دام قانون مجلس الدولة لم يتعرض لذلك واقتصر على بيان الأحوال التي يجوز الطعن فيها على الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية.
أما تقسيم الأحكام من حيث الحجية المترتبة عليها، إلى قطعية وغير قطعية. ومن حيث قابليتها للطعن فيها إلى أحكام ابتدائية وانتهائية وحائزة قوة الشيء المحكوم فيه وباتة، ومن حيث صدورها في مواجهة المحكوم عليه أو في غيبته إلى حضورية وغيابية ومن حيث قابليتها للطعن المباشر إلى أحكام يجوز الطعن فيها فور صدورها وأحكام لا يجوز الطعن فيها إلا مع الطعن في الحكم الصادر في موضوع الدعوى فإن المرد في ذلك كله وفي مجال المنازعة الإدارية، إلى أحكام قانون المرافعات بالتطبيق لنص المادة الثالثة من القانون رقم 55 لسنة 1959.
3 – إذا أريد تكييف حكم ما وجب أولاً فهم القضاء الوارد به ويكون استخلاص هذا الفهم بالرجوع إلى منطوق الحكم لأن القاضي في المنطوق يعبر عما حكم به بألفاظ صريحة واضحة فالعبرة بمنطوق الحكم. أما أسبابه فالمقصود منها – في الأصل – بيان الحجج التي أقنعت القاضي بما قضى به وجعلته يسلك في فهم الدعوى السبيل الذي ارتاح إليه. فهي تشمل الحجج القانونية والأدلة الواقعية التي بني عليها الحكم. والحكم الذي يأمر في منطوقه بإجراء إثبات معين يعد حكماً تمهيدياً فقط ولو ناقش في أسبابه العقد المبرم بين طرفي الخصوم وحدد طبيعته.
4 – إن الحكم التمهيدي يشف عن اتجاه رأي المحكمة في موضوع النزاع. وكان قانون المرافعات القديم الصادر سنة 1883 يجيز في المادة منه استئناف الحكم التمهيدي دون التحضيري – قبل صدور الحكم في الموضوع كما أجاز استئنافه مع الحكم في الموضوع، وقد جرت هذه المادة بالآتي: –
"أما الأحكام التمهيدية التي يؤخذ منها ما يدل على ما تحكم به المحكمة في أصل الدعوى والأحكام الصادرة بإجراء أمور مؤقتة فيجوز استئنافها في الحال كما يجوز استئنافها عند استئناف الحكم في أصل الدعوى بدون أن يترتب على التأخير في ذلك سقوط حق طالب الاستئناف ولو سبق تنفيذ تلك الأحكام برضائه".
ومما قيل في تبرير استئناف الحكم التمهيدي فوراً وعلى استقلال وقبل صدور الحكم في الموضوع أنه يشتمل على الأمر بتنظيم سير الدعوى وإعدادها للفصل فيها أو تهيئة سبيل إثباتها – وهذا لا يسبب ضرراً لأحد الخصوم كما يبين وجهة نظر المحكمة في موضوع الدعوى فهو إذن تهديد خطير للخصوم كاف لتبرير الطعن فيه فوراً. على الرغم من أن تأثيره على نتيجة الدعوى ليس كاملاً. لأن المحكمة تملك العدول عن وجهة نظرها على أساس أن لها العدول عن مجرد الرأي ما دامت تثبته قضاءً، إلا أنه في الواقع ذو تأثير كبير. وقد جاء في المذكرة التفسيرية لقانون المرافعات تعليقاً على جواز الطعن في الأحكام التمهيدية دون غيرها، وفور صدورها "وفي الحق أنه لسرف وجزاف أن يباح الطعن بالاستئناف أو المعارضة على أساس مجرد اتجاه القاضي قبل أن ينطق بقضائه ويعرف حكمه، وأن تعلق أهمية قانونية على ما يعتبره الخصوم إرهاصاً بالحكم في الموضوع. ويجعل من هذا الإرهاص فيصلاً للتمييز بين بعض الأحكام المتعلقة بالتحقيق وبعضها الآخر مع أنها كلها متفقة في الطبيعة والغاية، وفي أنها كلها لا تقطع في نزاع ولا تحدد مركز الخصوم تحديداً مؤقتاً أو نهائياً. بل ترمي إلى إعداد القضية للحكم في موضوعها". وبسبب هذه التفرقة وما يترتب عليها من قواعد تعطل الفصل في الخصومات وتعقد إجراءات التقاضي مع ما يرتبه كل هذا من زيادة مصاريف الدعوى فضلاً عن أنه كثيراً ما يقصد من استئناف هذه الأحكام مجرد المشاكسة حتى يكِل صاحب الحق عن الاستمرار في دعواه. وليس أدل على ما تسببه تلك القواعد الخاصة من تعقيد الدعوى وإجراءاتها من أنه قد يستأنف الحكم التمهيدي وحده ويطعن فيه بالنقض – طبقاً للرأي السائد في فرنسا، والذي يجيز الطعن في الأحكام التمهيدية قبل الحكم في الموضوع ومع ذلك تبقى الدعوى الأصلية أمام قاضي الدرجة الأولى – وقد يصدر الحكم في الموضوع قبل إتمام النظر في الاستئناف المرفوع عن الحكم التمهيدي وأعجب ما في الأمر أن الاحتفال بدلالة الحكم على اتجاه المحكمة يتضاءل حتى لينعدم عندما ينفذ الحكم التمهيدي. فإن المحكمة لا تتقيد بنتيجته ولها ألا تأخذ بما أسفر عنه التحقيق في قليل أو كثير. ففي ظل المادة من قانون المرافعات القديم لا توجد إلا مصلحة نفسية فقط تبرر ذلك الطعن إذ أن الحكم التمهيدي لا يمس في الواقع حقوق الخصم، ولا يسبب ضرراً وإنما هو يصور فقط في ذهن الخصم المحكوم عليه أن المحكمة قد تأخذ بوجهة نظر خصمه في الدعوى.
5 – إن التشريعات الحديثة في علم المرافعات قد اتجهت إلى إلغاء التفرقة بين إجازة الطعن فوراً في الحكم التمهيدي دون الحكم التحضيري فبعضها لا يجيز الطعن في جميع الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع كما هي الحال في التشريع الألماني والإيطالي. وبعضها يبيح الطعن فيها فوراً كما فعل التشريع الفرنسي الحديث الذي أبطل الفارق بين الحكم التمهيدي والحكم التحضيري فلم يذكر هذين النوعين من الأحكام باسميهما وأجاز الطعن بالاستئناف مباشرة في جميع الأحكام التي تصدر قبل الفصل في الموضوع (المادة 451 وما بعدها من قانون المرافعات الفرنسي الحديث). أما القانون الإنجليزي فإنه لا يعرف الحكم التمهيدي كما يعرفه تشريعنا إذ يعتبر كل حكم لا يفصل في طلبات الخصوم المتعلقة بالموضوع تمهيدياً ويصدر إما قبل الحكم في الموضوع لمجرد تنظيم إجراءات الدعوى دون أن يفصل قطعياً في المسائل المتنازع عليها وأما بعد الحكم في الموضوع فيبين فقط كيفية تنفيذه للحصول على الحقوق التي قررها الحكم. والحكم القطعي هو الذي يفصل في موضوع الدعوى ويضع حداً لها بتقرير أن المدعي على حق أو ليس على حق في دعواه. وقد اختار المشرع المصري الحديث مذهباً وسطاً في القانون رقم لسنة 1949 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية فاستحدث في المادة منه قاعدة عامة من مقتضاها أن الأحكام التي تصدر قبل الفصل في الموضوع ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها ولا يجوز الطعن فيها إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع سواء أكانت تلك قطعية كالحكم برفض دفع شكلي أو الحكم في مسألة فرعية، أم كانت متعلقة بالإثبات كالحكم بسماع الشهود أو بندب خبير أم متعلقة بسير الإجراءات كالحكم بضم قضية إلى قضية أخرى. أما الحكم الذي تنتهي به الخصومة أمام المحكمة، كالحكم بعدم اختصاص المحكمة أو بعدم قبول الدعوى فيجوز الطعن في مثل هذه الأحكام على استقلال. وعلى أساس ما تقدم صيغت المادة مرافعات فجرى نصها بأن "الأحكام التي تصدر قبل الفصل في موضوع الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها لا يجوز الطعن فيها إلا مع الطعن في الحكم الصادر في موضوع الدعوى سواء أكانت تلك الأحكام قطعية أم متعلقة بالإثبات أو بسير الإجراءات. إنما يجوز الطعن في الحكم الصادر بوقف الدعوى وفي الأحكام الوقتية والمستعجلة قبل الحكم في الموضوع. وتقول المذكرة التفسيرية في تبرير هذا الاتجاه التشريعي المستحدث أن المقصود منها هو منع تقطيع أوصال القضية الواحدة وتوزيعها بين مختلف المحاكم وما يترتب على ذلك أحياناً من تعويق الفصل في موضوع الدعوى وما يترتب عليه حتماً من زيادة نفقات التقاضي مع احتمال أن يقضي آخر الأمر في أصل الحق للخصم الذي أخفق في النزاع الفرعي فيعفيه ذلك عن الطعن في الحكم الصادر عليه قبل الفصل في الموضوع. على أن المشرع قد استثنى من هذه القاعدة الأحكام التي تصدر بوقف الدعوى وكذلك الأحكام الوقتية والأحكام المستعجلة. وقد أجمع الشراح والتقت أحكام القضاء على أن نص المادة مرافعات هي مادة ذات حكم عام ينتظم كل طرق الطعن في الأحكام بدليل أن المشرع أوردها في الفصل الخاص بالأحكام العامة التي تنتظم سائر طرق الطعن. وأن مناط عدم جواز الطعن هو أن يكون الحكم محل الطعن صادراً قبل الفصل في الموضوع.
وعلى هدي ما تقدم يكون الطعن على استقلال وفور صدور الحكم التمهيدي قبل الفصل في الموضوع، بندب خبير هندسي لمعاينة الأعمال التي قام بها المدعي في الوحدة (ج) يكون الطعن في هذا الحكم على هذا النحو قد أغفل ما استحدثه قانون المرافعات من أصول وأوضاع في هذا الشأن وفاته الغرض الذي سعى المشرع إلى تحقيقه من الاتجاه الواضح الذي قدمنا أسبابه ومن المسلم أن الطعن لا يعتد به أو يعول عليه ولا ينتج أي أثر ما لم يكن قد رفع صحيحاً بالتطبيق السليم لأحكام القانون.


إجراءات الطعن

في 17 من فبراير سنة 1959 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم لسنة 5 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري – هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض – بجلسة 21 من ديسمبر سنة 1958 في الدعوى رقم لسنة 10 القضائية المقامة من المهندس سليمان جميعي ضد وزارة الشئون البلدية والقروية والإدارة العامة للمباني بوزارة الشئون البلدية، والذي قضى بما يأتي: –
"حكمت المحكمة تمهيدياً، وقبل الفصل في الموضوع، بندب خبير هندسي من مكتب الخبراء بمحكمة الإسكندرية الابتدائية لمعاينة الأعمال التي قام بها المدعي في الوحدة حرف (جـ) بناءً على العقد موضوع الدعوى. وتقدير تكاليف هذه الأعمال في 22 من يناير سنة 1955 وتكاليفها في 25 من يناير سنة 1956 ومقدار فرق التكاليف في التاريخين المذكورين، وللخبير في سبيل أداء المأمورية سماع أقوال الطرفين وشهودهما ومن يرى لزوماً لسماعه بدون يمين، وعليه الاطلاع على المستندات المقدمة في الدعوى وما عسى أن يقدمه له الطرفان من مستندات غيرها، وما يرى لزوماً لتقديمه من مستندات أخرى. وقدرت لذلك أمانة قدرها ثلاثون جنيهاً على ذمة مصاريف وأتعاب الخبير يدفعها المدعي في ظرف عشرة أيام ورخص لمكتب الخبراء في صرف نصفها بدون إجراءات وعينت لنظر الدعوى جلسة 11 من يناير سنة 1959 في حالة عدم دفع الأمانة، وجلسة 25 من يناير سنة 1959 في حالة دفعها. وعلى سكرتيرية المحكمة إخطار مكتب الخبراء بمجرد دفع الأمانة لمباشرة المأمورية وأبقت الفصل في المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين – للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه – "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه، لتكون مهمة الخبير المهندس هي بيان الأضرار التي لحقت بالمدعي نتيجة لتأخير تسليمه موقع الوحدة (جـ) حتى يوم 15 من يونيه سنة 1955. وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة في 31 من أغسطس سنة 1959 وإلى الخصم في 3 من سبتمبر سنة 1959 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 20 من ديسمبر سنة 1959 وفيها قررت الدائرة ضم العقد الإداري موضوع المنازعة وملف المكاتبات الإدارية المتبادلة ومحاضر التسليم وبجلسة 6 من مارس سنة 1960 قدم المدعي مذكرة انتهى فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن. وبجلسة 7 من مايو سنة 1960 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 8 من أكتوبر سنة 1960 وأمرت بضم المفردات. وفي 22من أكتوبر سنة 1961 قدمت إدارة قضايا الحكومة مذكرة أخيرة بدفاعها خلصت منها إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون عليه بالمصروفات ومقابل الأتعاب عن الدرجتين. وبجلسة 24 من فبراير سنة 1962 سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة 7 من إبريل سنة 1962. وفي 22 من مارس سنة 1962 قدم المدعي مذكرة ختامية بالرد على مذكرة الحكومة وخلص فيها إلى طلب الحكم برفض الطعن.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم لسنة 10 القضائية ضد وزارة الشئون البلدية والقروية وضد الإدارة العامة للمباني بالوزارة المذكورة، بعريضة أودعها في 6 من مارس سنة 1956 سكرتيرية محكمة القضاء الإداري – هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض طلب فيها الحكم بإلزام وزارة الشئون البلدية والقروية بأن تدفع له على سبيل التعويض مبلغ جنيهاً وفوائده بواقع (4%) من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء مع المصاريف ومقابل الأتعاب. وقال شرحاً لدعواه أن الحكومة أسندت إليه في 5 من يناير سنة 1955 عملية إنشاء ثلاث وحدات لمساكن الطلبة الغرباء بالإسكندرية طبقاً للشروط والمواصفات الواردة بعقد الاتفاق المبرم بين الطرفين. وأنه في 22 من يناير سنة 1955 قام تفتيش مباني المشروعات الجامعية بتسليم الموقعين ( أ )، (ب) للمدعي وتعذر على التفتيش تسليم الموقع (ج) بسبب وضع يد الأهالي عليه ووجود مزروعات وأشجار بتلك الأرض. وأن المدعي أرسل في 25 من إبريل سنة 1955 إلى تفتيش مباني المشروعات الجامعية خطاباً يتضمن أن الأراضي الخاصة بالموقع (ج) لم تسلم إليه رغم مرور أربعة أشهر ونصف، وأنه بناءً على ذلك زادت أسعار المواد البنائية في تلك الفترة من حديد تسليح وأسمنت وزلط وطوب وأخشاب زيادة كبيرة، وأنه لذلك يأسف لعدم إمكانه القيام بالعمل في الوحدة (ج) نظراً لمضي تلك المدة الطويلة دون تسليم الأرض الخاصة بها. ثم أنه في 5 من يونيو سنة 1955 أرسل تفتيش مباني المشروعات الجامعية خطاباً إلى المدعي يتضمن أن الموقع (ج) قد أصبح خالياً من جميع المواقع ويدعوه لاستلامه للبدء في العمل، ويقول المدعي أنه قد رفض الاستجابة إلى هذا الطلب للأسباب التي ساقها في خطابه المؤرخ 10 من يونيو سنة 1955 غير أن المدعى عليه الثاني رد عليه في 12 من يناير سنة 1956 بخطاب ينبه عليه فيه بأن إدارة الفتوى والتشريع بالوزارة قد أفتت بضرورة قيام المدعي بتنفيذ التزامه. ويستطرد المدعي قائلاً، إن إدارة الفتوى جانبها التوفيق في الرأي الذي ذهبت إليه، وقد أرسل المدعي في 16 من يناير سنة 1956 خطاباً إلى المدعى عليه الثاني ناقش فيه بإسهاب تلك الأسباب التي اعتمدت عليها إدارة الرأي كما أبدى المدعي استعداده، إزاء إصرار إدارة المباني على إسناد العمل في الموقع (ج) إلى المدعي، للقيام بالعمل على شريطة الاحتفاظ بحقه في رفع الأمر إلى القضاء للمطالبة بما يوازي فروق الأسعار بواقع (40%) من المبلغ المتفق عليه. وقال أنه أرسل إلى المدعى عليهما إنذاراً يكلفهما فيه بأن يدفعا إليه 40% من قيمة العملية عن الموقع (ج) في مقابل فروق الأسعار وكذلك (5%) من القيمة في مقابل ما سيتحمله من مرتبات وجملة ذلك كله جنيهاً، ولكن المدعى عليهما لم يدفعا له شيئاً من ذلك. وأرفق المدعي بصحيفة الدعوى مذكرة شارحة ناقش فيها فتوى إدارة الرأي والتشريع وطلب المدعي أصلياً الحكم له بطلباته واحتياطياً ندب خبير لتقدير قيمة الفروق المستحقة له. وأرفق المدعي بعريضة الدعوى حافظة بمستنداته ضمنها عقد العملية والخطابات المتبادلة بينه وبين المصلحة وصورة محضر تسليم الموقع وإنذار المدعي إلى الوزارة لدفع فروق الأسعار وكشف ببيان المهمات اللازمة لبناء المجموعة، وقد أجابت الوزارة على هذه الدعوى بمذكرة قالت فيها أنه تصرح للمدعي بإنشاء ثلاث وحدات هي المرموز لها بالحروف ( أ )، (ب)، (ج) بمبلغ 536 م و13527 ج لإنشاء مساكن للطلبة الغرباء بجهة سموحة بالإسكندرية وحدد لإتمام العمل مدة أحد عشر شهراً من تاريخ تسليم الموقع للمقاول. وقد أخطر المقاول باعتماد عطائه بموجب الخطاب رقم في 12 من ديسمبر سنة 1954 ويعتبر هذا الإخطار من جانب المصلحة ارتباطاً بالعملية للوحدات الثلاثة، وقد دفع المقاول التأمين في 19 من يناير سنة 1955 وبذلك تم التعاقد فعلاً بين المقاول والمصلحة. ثم استطردت الوزارة قائلة أن المدعي استلم الموقع في 22 من يناير سنة 1955 وأصبح هذا هو تاريخ العمل. ولكن التسليم اقتصر على الجزء الخاص بالوحدتين (أ، ب) دون الموقع الخاص بالوحدة (ج) لسبب خارج عن إرادة المصلحة وذلك لتعرض واضعي اليد على هذا الجزء من الموقع ورفع دعوى ملكية، لما دعا المصلحة إلى طلب إصدار قرار الاستيلاء على هذا الجزء من الموقع وإخراج المتعرضين منه لتنفيذ المشروع بالكامل وقد بذلت المصلحة في سبيل تحقيق ذلك أقصى جهدها وتم الاستيلاء على الموقع وقامت المصلحة باستلامه في 9 من مايو سنة 1955 ثم أزيلت المزروعات التي كانت بالأرض وحددت المصلحة للمدعي يوم 7 من يونيو سنة 1955 لإتمام التسليم ولكن المدعي لم يحضر لاستلام الموقع. فأرسلت المصلحة إليه خطاباً آخر في 12 من يونيو سنة 1955 فاعترض عليه المقاول وأبدى عدم قبوله بالعمل في الوحدة (ج) وكان اعتراضه الأخير في 26 من سبتمبر سنة 1955 فقامت المصلحة بعرض الموضوع برمته على إدارة الفتوى والتشريع فأفتت بأنه ليس للمقاول أن يتخلى عن تنفيذ التزاماته المترتبة على عقد الأشغال العامة المبرم في 5 من يناير سنة 1955 وأخطر المقاول بالحضور يوم 18 من يناير سنة 1956 لاستلام الموقع وقام فعلاً بالاستلام في ذلك التاريخ وكان المقاول قد أرسل في 16 من يناير سنة 1956 كتاباً إلى الإدارة يقول أنه لا مانع في إسناد العمل إليه بالوحدة (ج) على شرط الاحتفاظ بحقه في رفع الأمر إلى القضاء للمطالبة بفروق الأسعار ثم عرضت الوزارة لحالة سير العمل في الوحدة (أ، ب) من تاريخ التصريح للمقاول بالعمل إلى تاريخ استلامه الموقع (ج) في 25 من يناير سنة 1956 فذكرت الوزارة أن التقارير الأسبوعية وما ورد بدفاتر الزيارات تدل على أن العمل كان يسير ببطء وأن الأخشاب اللازمة للصيانة والشدات للخرسانة غير كافية. وفي 30 من مايو سنة 1955 لم يتم المقاول من أعمال الوحدة ( أ ) إلا صب الأعمدة الخرسانية المسلحة للدور الأرضي وشدة الأسقف ورمي حديد التسليح لجناح واحد فقط بالدور الأرضي. وفي الوحدة (ب) لم يكن قد قام المقاول إلا بأعمال الأساسات فقط. وهذه الوحدات تتكون من ثلاثة أدوار ولم يتم العمل إلا في 12 من أغسطس سنة 1956 أي أنه في 10 من مايو سنة 1955 لم يكن المقاول قد أتم من الوحدتين (أ، ب) إلا جزءاً بسيطاً جداً من العمل وبلغت قيمة الأعمال التي نفذها حسب صرفية 18 من مايو سنة 1955 مبلغ (573 م و6361 ج) أي بنسبة (7%) فقط من قيمة الوحدتين (أ، ب) وفقاً للعقد وهي (024 م و91685 ج) مع أنه انقضى حتى ذلك التاريخ يوماً أي حوالي (35%) من مدة العملية واستطردت الوزارة قائلة أن السبب الذي دفع المقاول إلى عدم قبول تنفيذ الوحدة (ج) هو أنه كان في ذلك الوقت مرتبكاً في تنفيذ الوحدتين ولم تكن لديه الأخشاب الكافية فأراد المقاول كسب الوقت لحين إتمام خراسانات هاتين الوحدتين (أ، ب) لكي يستعمل بعد ذلك مهماته في الوحدة الثالثة (ج) فلجأ أولاً إلى الرفض ثم قبل بعد ذلك الاستمرار في العمل مما أدى إلى كسبه سبعة أشهر واثني عشر يوماً. وقالت الوزارة أن المفروض هو أن المقاول إذ التزم ببناء الوحدات الثلاثة فإنه يكون قد تعاقد مع الموردين على جميع مهمات الوحدات الثلاثة معاً من بدء العملية. أما بخصوص التشوين فإن الموقع بالنسبة للثلاثة وكان يمكنه تشوين المهمات للوحدة (ج) بجوار (أ، ب). ثم قالت الحكومة أن المادة "39" من شروط العملية تعطي المصلحة الحق في تعديل الأعمال سواء بالزيادة أو بالنقص في حدود (20%) من قيمة العملية جميعها. فلو فرض أن المصلحة لم يمكنها تنفيذ هذه الوحدة لاستطاع المقاول أن يطالبها بالتعويض عن الإلغاء بما يوازي (20%) وبما أن الوحدة (ج) هي عبارة عن ثلث العملية بأجمعها فيكون حق المقاول قاصراً على التعويض في حالة الإلغاء على 13% من قيمة العملية كلها ومن ثم فلا يستساغ من المقاول أن يطالب رفض القيام بالعملية (ج) والمصلحة تملك أن تضيف عليه عمليات جديدة توازي (20%) من جملة الأعمال المصرح له بها ولو لم يكن متعاقداً عليها أصلاً. وخلصت المصلحة من دفاعها إلى أن دعوى المدعي لا تقوم على أساس من القانون. وقدم السيد مفوض الدولة أمام محكمة القضاء الإداري تقريراً بالرأي استعرض فيه وقائع المنازعة وناقش أوجه دفاع الخصوم وانتهى إلى أن التحقيق من وجود الضرر وتقدير قيمته يحتاج إلى دراسة العملية الخاصة بالوحدة رقم (ج) من الناحية الفنية وما تحتاجه من مهمات ثم مقارنة تكاليفها في 22 من يناير سنة 1955 تاريخ تسليم موقع الوحدتين (أ، ب) بتكاليفها في 15 من يونيه سنة 1955 تاريخ محضر استلام المصلحة لموقع الوحدة (ج) من مالكها سموحة، وذلك طبقاً لحالة السوق والأسعار في هذين التاريخين، الأمر الذي يستوجب الاستعانة بأهل الخبرة في هذا الصدد ليوضحوا ما إذا كانت أسعار كل مادة مما يحتاجه إنشاء الوحدة حرف (ج) المتفق على إنشائها في العقد المبرم مع المدعي، قد زادت في 15 من يونيو سنة 1955 عما كانت عليه في 22 من يناير سنة 1955 وما مقدار هذه الزيادة. وقال المدعي رداً على تقرير السيد المفوض أنه إذا عارضت الحكومة في التقرير الذي يطالب به فإنه لا يمانع في الحكم بندب خبير لتقرير الفروق على اختلاف أنواعها مضافاً إليها ما فاته من كسب.
وبجلسة 21 من ديسمبر سنة 1958 أصدرت هيئة العقود الإدارية وطلبات التعويض بمحكمة القضاء الإداري الحكم الآتي: "حكمت المحكمة تمهيدياً، وقبل الفصل في الموضوع، بندب خبير هندسي من مكتب الخبراء بمحكمة الإسكندرية الابتدائية لمعاينة الأعمال التي قام بها المدعي في الوحدة حرف (ج) بناءً على العقد موضوع الدعوى وتقدير تكاليف هذه الأعمال في 22 من يناير سنة 1955 وتكاليفها في 25 من يناير سنة 1956 ومقدار فرق التكاليف في التاريخين المذكورين. وللخبير في سبيل أداء المأمورية سماع أقوال الطرفين وشهودها، ومن يرى لزوماً لسماعه بدون يمين، وعليه الاطلاع على المستندات المقدمة في الدعوى وما عسى أن يقدمه له الطرفان من مستندات غيرها. وما يرى لزوماً لتقديمه من مستندات أخرى وقدرت لذلك أمانة قدرها ثلاثون جنيهاً على ذمة مصاريف وأتعاب الخبير يدفعها المدعي في ظرف عشرة أيام ورخص لمكتب الخبراء في صرف نصفها بدون إجراءات. وعينت لنظر الدعوى جلسة 11 من يناير سنة 1959 في حالة عدم دفع الأمانة، وجلسة 25 من يناير سنة 1959 في حالة دفعها. وعلى سكرتيرية المحكمة إخطار مكتب الخبراء بمجرد دفع الأمانة لمباشرة المأمورية، وأبقت الفصل في المصروفات". وأقامت المحكمة حكمها التمهيدي، وقبل الفصل في الموضوع على أن التحقق من وجود الضرر الذي يدعيه المدعي وقيمته يقتضي دراسة العملية الخاصة بالوحدة (ج) وما احتاج إليه المدعي من مهمات وأدوات ثم مقارنة تكاليفها في يوم 22 من يناير سنة 1955 بتكاليفها في يوم 25 من يناير سنة 1956 ومن ثم ترى المحكمة قبل الفصل في موضوع هذه الدعوى ندب خبير هندسي من مكتب الخبراء بمحكمة الإسكندرية الابتدائية.
ومن حيث إن السيد رئيس مفوضي الدولة أودع في 17 من فبراير سنة 1959 عريضة طعن أمام هذه المحكمة في ذلك الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 21 من ديسمبر سنة 1958 وطلب في ختامها الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه لتكون مهمة الخبير المهندس هي بيان الأضرار التي لحقت بالمدعي نتيجة لتقارير تسليمه موقع الوحدة (ج) لغاية يوم 15 من يونيه سنة 1955. وقد قام الطعن على الأسباب الموضوعية التي انطوت عليها صحيفة هذا الطعن. ولا ترى المحكمة محلاً للتعرض إليها قبل البت في جواز الطعن من عدمه في مثل هذا الحكم المطعون فيه فمن القواعد الأساسية في التشريع أنه لا يجوز اتباع طرق الطعن إلا في الأحوال التي نص عليها المشرع، وهذه القاعدة من النظام العام وإذ قرر الشارع أن رفع الطعن في ميعاده من النظام العام حتى تستقر الحقوق لدى أصحابها فمن باب أولى يكون جواز الالتجاء إلى محكمة الطعن أو عدم جوازه من الأمور التي يتعين أن تتحقق المحكمة منها من تلقاء نفسها. فعلى جوازه من الأمور التي يتعين أن تتحقق المحكمة منها من تلقاء نفسها. فعلى محكمة الطعن إذن أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبوله كلما تخلف شرط الصفة أو المصلحة أو كان الطعن مرفوعاً ممن قبل الحكم أو مرفوعاً على من تنازل عنه. كذلك على محكمة الطعن أن تقضي بعدم جوازه إذا تخلف شرط من شروطه. كما إذا رفع الاستئناف عن حكم يمنع المشرع استئنافه استثناءً. أو كما إذا رفع طعن بالنقض أو بالتماس إعادة النظر ولم يتوافر سبب من أسباب الطعن في الحكم بهذا الطريق أو بذلك. ومن القواعد الأساسية في التشريع كذلك أن الخصومة في الطعن هي حالة استثنائية وأن المشرع ما أجاز التظلم من الحكم إلا على سبيل الاستثناء، ومن ثم يكون اختصاص محكمة الطعن بنظره من النظام العام. فجواز أو عدم جواز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا هو أمر يتصل، ولا شك، بالنظام العام مما يتعين معه التصدي له حتى ولو لم يتعرض له أي من ذوي الشأن.
ومن حيث إن المادة من القانون رقم لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة تنص على أنه "يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية، وذلك في الأحوال الآتية: –
1) إذا كان الحكم المطعون فيه مبنياً على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو تأويله.
2) إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم.
3) إذا صدر الحكم خلافاً لحكم سابق حاز قوة الشيء المحكوم فيه سواء دفع بهذا الدفع أو لم يدفع. ويكون لذوي الشأن، ولرئيس هيئة مفوضي الدولة أن يطعن في تلك الأحكام خلال ستين يوماً من تاريخه صدور الحكم وذلك مع مراعاة الأحوال التي يوجب عليه القانون فيها الطعن على الحكم" فمهمة هذه المحكمة الإدارية العليا هي التعقيب النهائي على جميع الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية وظاهر من ذلك أن كلمتها هي القول الفصل في فهم القانون الإداري وتأجيل أحكامه وتنسيق مبادئه واستقرارها ومنع تناقض الأحكام. ونصت المادة الثالثة من القانون رقم لسنة 1959 وهي التي تقابل المادة رقم من القانون رقم لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة على أن "تطبق الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون وتطبق أحكام قانون المرافعات وقانون أصول المحاكمات فيما لم يرد فيه نص، وذلك إلى أن يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بالقسم القضائي". وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه لما كان قانون المرافعات فيما لم يرد فيه نص في قانون مجلس الدولة هو المطبق لدى القسم القضائي، وكان من المستحسن أن يصدر قانون بالإجراءات الخاصة بهذا القسم تتسق مع طبيعة القضاء الإداري فقد نصت المادة على أن يستمر تطبيق قانون المرافعات إلى أن يصدر قانون بتلك الإجراءات.
ومن حيث إنه لتحديد ما يجوز وما لا يجوز الطعن فيه أمام هذه المحكمة الإدارية العليا من أحكام، يتعين الرجوع في ذلك إلى قانون المرافعات المدنية والتجارية ما دام قانون مجلس الدولة لم يتعرض لذلك، واقتصر على بيان الأحوال التي يجوز الطعن فيها على الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية. أما تقسيم الأحكام من حيث الحجية المترتبة عليها، إلى قطعية وغير قطعية، ومن حيث قابليتها للطعن فيها إلى أحكام ابتدائية وانتهائية وحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه وباتة، ومن حيث صدورها في مواجهة المحكوم عليه أو في غيبته إلى حضورية وغيابية ومن حيث قابليتها للطعن المباشر إلى أحكام يجوز الطعن فيها فور صدورها وأحكام لا يجوز الطعن فيها إلا مع الطعن في الحكم الصادر في موضوع الدعوى فإن المرد في ذلك كله وفي مجال المنازعة الإدارية، إلى أحكام قانون المرافعات بالتطبيق لنص المادة الثالثة من القانون رقم 55 لسنة 1959.
ومن حيث إنه لا جدال في أن الحكم المطعون فيه إنما هو حكم تمهيدي صادر قبل الفصل في الموضوع بندب خبير هندسي لمعاينة الأعمال التي قام بها المدعي ولتقدير تكاليف تلك الأعمال.
وإذا أريد تكييف حكم ما وجب أولاً فهم القضاء الوارد به ويكون استخلاص هذا الفهم بالرجوع إلى منطوق الحكم لأن القاضي في المنطوق يعبر عما حكم به بألفاظ صريحة واضحة. فالعبرة بمنطوق الحكم. أما أسبابه فالمقصود منها – في الأصل – بيان الحجج التي أقنعت القاضي بما قضى به وجعلته يسلك في فهم الدعوى السبيل الذي ارتاح إليه. فهي تشمل الحجج القانونية والأدلة الواقعية التي بني عليها الحكم. والحكم الذي يأمر في منطوقه بإجراء إثبات معين يعد تمهيدياً فقط ولو ناقش في أسبابه العقد المبرم بين طرفي الخصوم وحدد طبيعتها.
والحكم التمهيدي يشف عن اتجاه رأي المحكمة في موضوع النزاع. وكان قانون المرافعات القديم – الصادر سنة 1883 – يجيز في المادة منه استئناف الحكم التمهيدي دون التحضيري – قبل صدور الحكم في الموضوع، كما أجاز استئنافه مع الحكم في الموضوع. وقد جرت هذه المادة بالآتي: –
"أما الأحكام التمهيدية التي يؤخذ منها ما يدل على ما تحكم به المحكمة في أصل الدعوى والأحكام الصادرة بإجراء أمور مؤقتة فيجوز استئنافها في الحال، كما يجوز استئنافها عند استئناف الحكم في أصل الدعوى بدون أن يترتب على التأخير في ذلك سقوط حق طالب الاستئناف ولو سبق تنفيذ تلك الأحكام برضائه". ومما قيل في تبرير استئناف الحكم التمهيدي فوراً وعلى استقلال وقبل صدور الحكم في الموضوع أنه يشتمل على الأمر بتنظيم سير الدعوى وإعدادها للفصل فيها أو بتهيئة سبيل إثباتها – وهذا لا يسبب ضرراً لأحد الخصوم كما يبين وجهة نظر المحكمة في موضوع الدعوى فهو إذن تهديد خطير للخصوم كاف لتبرير الطعن فيه فوراً على الرغم من أن تأثيره على نتيجة الدعوى ليس كاملاً. لأن المحكمة تملك العدول عن وجهة نظرها على أساس أن لها العدول عن مجرد الرأي ما دامت تثبته قضاءً، إلا أنه في الواقع ذو تأثير كبير. وقد جاء في المذكرة التفسيرية لقانون المرافعات تعليقاً على جواز الطعن في الأحكام التمهيدية دون غيرها. وفور صدورها: "وفي الحق أنه لسرف وجزاف أن يباح الطعن بالاستئناف أو المعارضة على أساس مجرد اتجاه القاضي قبل أن ينطق بقضائه ويعرف حكمه، وأن تعلق أهمية قانونية على ما يعتبره الخصوم إرهاصاً بالحكم في الموضوع. ويجعل من هذا الإرهاص فيصلاً للتمييز بين بعض الأحكام المتعلقة بالتحقيق وبعضها الآخر مع أنها كلها متفقة في الطبيعة والغاية، وفي أنها كلها لا تقطع في نزاع ولا تحدد مركز الخصوم تحديداً مؤقتاً أو نهائياً. بل ترمي إلى إعداد القضية للحكم في موضوعها". وبسبب هذه التفرقة وما يترتب عليها من قواعد تعطل الفصل في الخصومات وتعقد إجراءات التقاضي مع ما يرتبه كل هذا من زيادة مصاريف الدعوى فضلاً عن أنه كثيراً ما يقصد من استئناف هذه الأحكام مجرد المشاكسة حتى يكِل صاحب الحق عن الاستمرار في دعواه. وليس أدل على ما تسببه تلك القواعد الخاصة من تعقيد الدعوى وإجراءاتها من أنه قد يستأنف الحكم التمهيدي وحده ويطعن فيه بالنقض – طبقاً للرأي السائد في فرنسا، والذي يجيز الطعن في الأحكام التمهيدية قبل الحكم في الموضوع ومع ذلك تبقى الدعوى الأصلية أمام قاضي الدرجة الأولى – وقد يصدر الحكم في الموضوع قبل إتمام النظر في الاستئناف المرفوع عن الحكم التمهيدي وأعجب ما في الأمر أن الاحتفال بدلالة الحكم على اتجاه المحكمة يتضاءل حتى لينعدم عندما ينفذ الحكم التمهيدي، فإن المحكمة لا تتقيد بنتيجته ولها ألا تأخذ بما أسفر عنه التحقيق في قليل أو كثير. ففي ظل المادة من قانون المرافعات القديم لا توجد إلا مصلحة نفسية فقط تبرر ذلك الطعن إذ أن الحكم التمهيدي لا يمس في الواقع حقوق الخصم، ولا يسبب ضرراً وإنما هو يصور فقط في ذهن الخصم المحكوم عليه أن المحكمة قد تأخذ بوجهة نظر خصمه في الدعوى.
ومن حيث إن التشريعات الحديثة في علم المرافعات قد اتجهت بالنظر إلى ما تقدم من أسباب إلى إلغاء هذه التفرقة، فبعضها لا يجيز الطعن في جميع الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع إلا مع الطعن في الحكم في الموضوع كما هي الحال في التشريع الألماني والإيطالي. وبعضها يبيح للطعن فيها فوراً كما فعل التشريع الفرنسي الحديث الذي أبطل الفارق بين الحكم التمهيدي والحكم التحضيري فلم يذكر هذين النوعين من الأحكام باسميهما وأجاز الطعن بالاستئناف مباشرة في جميع الأحكام التي تصدر قبل الفصل في الموضوع (المادة 451 وما بعدها من قانون المرافعات الفرنسي الحديث). أما القانون الإنجليزي فإنه لا يعرف الحكم التمهيدي كما يعرفه تشريعنا إذ يعتبر كل حكم لا يفصل في طلبات الخصوم المتعلقة بالموضوع تمهيدياً ويصدر إما قبل الحكم في الموضوع لمجرد تنظيم إجراءات الدعوى دون أن يفصل قطعياً في المسائل المتنازع عليها وإما بعد الحكم في الموضوع فيبين فقط كيفية تنفيذه للحصول على الحقوق التي قررها الحكم. والحكم القطعي هو الذي يفصل في موضوع الدعوى ويضع حداً لها بتقرير أن المدعي على حق أو ليس على حق في دعواه. وقد اختار المشرع المصري الحديث مذهباً وسطاً في القانون رقم لسنة 1949 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية فاستحدث في المادة منه قاعدة من مقتضاها أن الأحكام التي تصدر قبل الفصل في الموضوع ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها لا يجوز الطعن فيها إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع سواء أكانت تلك قطعية كالحكم برفض دفع شكلي أو الحكم في مسألة فرعية. أم كانت متعلقة بالإثبات كالحكم بسماع الشهود أو بندب خبير أم متعلقة بسير الإجراءات كالحكم بضم قضية إلى قضية أخرى. أما الحكم الذي تنتهي به الخصومة أمام المحكمة، كالحكم بعدم اختصاص المحكمة أو بعدم قبول الدعوى فيجوز الطعن في مثل هذه الأحكام على استقلال. وعلى أساس ما تقدم صيغت المادة مرافعات فجرى نصها بأن "الأحكام التي تصدر قبل الفصل في موضوع الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة كلها أو بعضها لا يجوز الطعن فيها إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع سواء أكانت تلك الأحكام قطعية أم متعلقة بالإثبات أو بسير الإجراءات إنما يجوز الطعن في الحكم الصادر بالوقف والإثبات أو بسير الإجراءات. إنما يجوز الطعن في الحكم الصادر بوقف الدعوى وفي الأحكام الوقتية والمستعجلة قبل الحكم في الموضوع". وتقول المذكرة التفسيرية في تبرير هذا الاتجاه التشريعي المستحدث "أن المقصود منها هو منع تقطيع أوصال القضية الواحدة وتوزيعها بين مختلف المحاكم وما يترتب على ذلك أحياناً من تعويق الفصل في موضوع الدعوى وما يترتب عليه حتماً من زيادة نفقات التقاضي مع احتمال أن يقضي آخر الأمر في أصل الحق للخصم الذي أخفق في النزاع الفرعي فيعفيه ذلك من الطعن في الحكم الصادر عليه قبل الفصل في الموضوع" على أن المشرع قد استثنى من هذه القاعدة الأحكام التي تصدر بوقف الدعوى وكذلك الأحكام الوقتية والأحكام المستعجلة. وقد أجمع الشراح والتقت أحكام القضاء على أن نص المادة مرافعات هي مادة ذات حكم عام ينتظم كل طرق الطعن في الأحكام بدليل أن المشرع أوردها في الفصل الخاص بالأحكام العامة التي تنتظم سائر طرق الطعن. وأن مناط عدم جواز الطعن هو أن يكون الحكم محل الطعن صادراً قبل الفصل في الموضوع.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم يكون الطعن على استقلال، وفور صدور الحكم التمهيدي قبل الفصل في الموضوع، بندب خبير هندسي لمعاينة الأعمال التي قام بها المدعي في الوحدة (ج) يكون الطعن في هذا الحكم، على هذا النحو قد أغفل ما استحدثه قانون المرافعات من أصول وأوضاع في هذا الشأن وفاته الغرض الذي سعى المشرع إلى تحقيقه من الاتجاه الواضح الذي قدمنا أسبابه ومن المسلم أن الطعن لا يعتد به أو يعول عليه ولا ينتج أي أثر ما لم يكن قد رفع صحيحاً بالتطبيق السليم لأحكام القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم جواز الطعن.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات