الطعن رقم 1889 لسنة 6 ق – جلسة 31 /03 /1962
مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ
القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة – العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر إبريل سنة 1962) – صـ
527
جلسة 31 من مارس سنة 1962
برياسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.
القضية رقم 1889 لسنة 6 القضائية
اختصاص – عقد – متى يعتبر العقد إدارياً – إذا تضمن ثلاثة شروط
هي: كون أحد طرفيه شخصاً معنوياً عاماً، واتصاله بمرفق عام، وتضمنه شروطاً غير مألوفة
في نطاق القانون الخاص – العقد الذي تبرمه الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي لتوريد
عجول بقصد زيادة رقعة الأرض المنزرعة وبشرط الاحتفاظ بحقها في توقيع غرامة يومية محددة
عند الإخلال بشروطه، وبحقها المطلق في فسخه في هذه الحالة – هو عقد إداري يختص القضاء
الإداري بنظر المنازعات المتعلقة به – إنذار الهيئة المذكورة المتعهد بالتوريد والإشارة
إلى حكم المادتين 147 و158 من القانون المدني لا يغير من الحكم المتقدم – أساس ذلك.
إن العقد يعتبر إدارياً إذا كان أحد طرفيه شخصياً معنوياً عاماً ومتصلاً بمرفق عام
ومتضمناً شروطاً غير مألوفة في نطاق القانون الخاص، فإذا تضمن عقد هذه الشروط الثلاثة
مجتمعة كان عقداً إدارياً يختص به القضاء الإداري بحسب ولايته المحددة. وغني عن البيان
أن الشروط المتقدمة تسري بالنسبة للعقود الإدارية المسماة في القانون لاعتبارها كذلك
فإذا كان العقد المسمى مبرماً لتحقيق مصلحة خاصة وليس في نصوصه شروط غير مألوفة في
القانون الخاص فهو عقد من عقود هذا القانون وتخرج المنازعة بشأنه عن ولاية القضاء الإداري.
وعلى ضوء هذه المبادئ المستقرة فإنه إذا كانت الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي وهي
من أشخاص القانون العام قد أبرمت عقداً يقوم الطرف الثاني فيه بتوريد عدد من العجول
إليها لخدمة المرفق العام القائمة على إدارته، ذلك أنه تزرع مساحات شاسعة من الأراضي
التابعة للمرفق بنبات البرسيم بقصد إصلاح هذه الأراضي، ولتعذر تصريفه فقد رصدت الهيئة
90000 جنيه في ميزانيتها على ذمة شراء عجول لاستهلاك هذا النبات ومد الأرض بالسماد
العضوي لا بغرض الربح وإنما لتسيير المرفق في نطاقه العام بالوصول إلى الهدف الذي قام
لتحقيقه وهو زيادة رقعة الأرض المنزرعة فيتوافر بذلك الإنتاج الزراعي والحيواني بما
يسد حاجة البلاد المتزايدة، ومتى كان الأمر كذلك يكون التعاقد قد انصب على شيء يتعلق
باحتياجات المرفق العام وتسييره. ويبين من نصوص العقد وشروطه أن بعضها غير مألوف في
مجال القانون الخاص، فالنص على حق الهيئة في توقيع غرامة يومية قدرها جنيه عند الإخلال
بأي شرط من شروط العقد إنما هو نص استثنائي غير مألوف في العقد الخاص ولا يعرف القانون
المدني سوى الغرامة التهديدية فنص في المادة على أنه إذا كان تنفيذ الالتزام
عيناً غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه، جاز للدائن أن يحصل على حكم
بإلزام المدين بهذا التنفيذ ويدفع غرامة تهديدية إن امتنع عن ذلك وإذا رأى القاضي أن
مقدار الغرامة ليس كافياً لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ جاز له أن يزيد في الغرامة
كلما رأى داعياً للزيادة. وظاهر من هذا النص أن الحكم الذي تناوله مغاير تماماً للنص
الوارد في العقد خاصاً بالغرامة، كذلك النص في العقد على حق الإدارة المطلق في فسخه
إذا أخل المورد بأي شرط من الشروط، لأن مثل هذا الشرط غير مألوف أيضاً في نطاق القانون
الخاص ومغاير لأحكام الفسخ الواردة والمبينة في المواد 157، 158، 159، 160، 161 من
القانون المدني ويكفي احتواء العقد على شرط استثنائي واحد لإظهار نية الإدارة في الأخذ
بأسلوب القانون العام وأحكامه، هذا إلى أنه واضح من الصورة التي تم على أساسها التعاقد
في 10/ 12/ 1956 أن القواعد الخاصة به قد وضعتها الهيئة من قبل وقام المتعاقدان بدفع
التأمين في 8 من ديسمبر سنة 1956 وكل ذلك من مقومات العقد الإداري غير المألوفة في
مجال القانون الخاص ومن ثم يكون العقد موضوع الدعوى قد تكاملت له العناصر الثلاثة المشار
إليها باعتباره عقداً إدارياً مما يختص بنظره القضاء الإداري، ولا يقدح في هذا النظر
استناد الإدارة في الإنذار المرسل منها إلى المطعون ضدهما إلى نصين واردين في القانون
المدني وهما السابق الإشارة إليهما، وذلك أن بعض القواعد والمبادئ العامة في القانون
المدني مما لا تختلف فيه روابط القانون العام عن روابط القانون الخاص وبالتالي فليس
ثمة ما يمنع من نقلها إلى نطاق القانون العام وإدماجها في القواعد الخاصة به والنصان
اللذان نقلتهما الإدارة من القانون الخاص ليس فيهما أي تعارض مع النظام القانوني الذي
تخضع له العقود الإدارية وتطور القانون الإداري وإن اتجه إلى الاستقلال بمبادئه وأحكامه
إلا أن ذلك لا يعني قطع الصلة من غير مقتض بينه وبين القانون المدني.
إجراءات الطعن
في 6 من يوليه سنة 1960 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته
المذكورة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن قيد بجدولها تحت رقم 1889 لسنة 6 القضائية
في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 8 من مايو سنة 1960 في الدعوى رقم 400
لسنة 12 القضائية المقامة من: الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي ضد السيد أ/ عبد
الله مصطفى الجويلي السيد/ عمر الدسوقي البصيلي والقاضي بعدم اختصاص المحكمة بنظر
الدعوى وإلزام الوزارة المدعية بالمصروفات. وطلب السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة –
للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه – الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع
بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء باختصاص محكمة القضاء الإداري وإحالتها إليها لتقضي
في موضوعها مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبتاريخ 26/ 7/ 1960، 18/ 1/ 1961 أعلن الطعن للطرفين وعين لنظره جلسة 5/ 11/ 1961
أمام دائرة فحص الطعون وأخطر بهذه الجلسة وقررت بجلسة 10/ 12/ 1961 إحالته إلى هذه
المحكمة لجلسة 13 من يناير سنة 1962 وأنها سمعت الإيضاحات التي رأت ضرورة سماعها من
الطرفين ثم حجزت القضية للحكم وصدر فيها الحكم بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن إجراءات الطعن قد استوفيت من الناحية الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تنحصر – حسبما تبين من أوراق الطعن – في أن السيد وزير
الدولة للإصلاح الزراعي بصفته رئيساً للهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي أقام الدعوى
رقم 400 لسنة 12 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 18 من يناير
سنة 1958 طلب فيها الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا إليه بصفته المذكورة
مبلغ 834 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة حتى السداد مع المصروفات
ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً لدعواه أنه بتاريخ 3/ 10/ 1956 أعلنت الهيئة الدائمة
لاستصلاح الأراضي عن حاجتها إلى حوالي 2000 عجل بقري تسمين للتفاتيش التابعة لها طبقاً
للشروط والمواصفات المودعة بمقر الهيئة وحددت يوم 18 من أكتوبر سنة 1956 لانعقاد جلسة
الممارسة. وفي 10 من ديسمبر سنة 1956 تعاقدت الهيئة المعلن إليها على توريد 200 عجل
بقري لتفتيش الستاموني – وجاء في البند الثالث بأن المعلن إليهما يلتزمان بتوريد 40
عجلاً في الأسبوع على الأقل يتم توريدها على دفعات بشرط ألا تقل الدفعة عن حمولة عربة
كاملة على أن يبدأ توريد الدفعة الأولى اعتباراً من 12 من ديسمبر سنة 1956 وعلى أن
يتم توريد الأربعين عجلاً الأولى في 18 من ديسمبر سنة 1956 ويستمر التوريد أسبوعياً
على هذا الأساس، وكان محدداً يوم 15 من يناير سنة 1957 آخر ميعاد لتوريد كل العجول
المتفق عليها، فإذا تأخر التوريد عن هذا الميعاد ولم يقم المتعاقدان بتوريد العجول
أو أخلا بأي شرط من شروط العقد فللهيئة الحق في توقيع غرامة يومية قدرها جنيه واحد
والتعويض الذي تراه الهيئة. وقد مضى الميعاد ولم يقم المعلن إليهما بتنفيذ التزامهما
وتسبب عن ذلك أضرار بالغة تقدر بمبلغ 800 جنيهاً مضافاً إليه غرامة التأخير المقدرة
بواقع جنيه واحد يومياً وتبلغ 34 جنيهاً فيكون جملة المبلغ المستحق في ذمة المعلن هو
834 جنيهاً علماً بأن الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي قد أدرجت اعتماد 90000 جنيه
لعملية شراء العجول واستهلاك مساحات البرسيم المنزرعة بالتفاتيش إذ أن البرسيم يعتبر
من الحاصلات الرئيسية في أراضي الإصلاح والذي يدخل في الدورة الزراعية الاستصلاحية
في مساحات واسعة تبلغ حوالي خمسة آلاف فدان.
وقال المدعى عليهما رداً على المدعي بأن عدم الوفاء بما التزما به إنما يرجع إلى ظروف
خارجة عن إرادتهما أوجدها العدوان الثلاثي الغاشم على مصر بعد التعاقد بأيام قلائل،
وليس بصحيح أن مجرد التأخير في تنفيذ الالتزام يجعل العقد مفسوخاً دون صدور حكم قضائي
بذلك لأن العقد لم يتضمن نصاً مثل هذا وكل ما اشترط أنه في حالة الإخلال من المورد
بأي شرط من شروط التعاقد للهيئة الحق المطلق في فسخه، وبهذا الإجراء التعسفي الذي لجأ
إليه المدعي قد أضاع عليهما فرصة الالتجاء للقضاء للمطالبة برد الالتزام المرهق إلى
الحد المعقول عملاً بأحكام القانون حتى يمكنهما تنفيذه ومن باب الاحتياط لا محل لمطالبتهما
بتعويض لانتفاء الضرر وإن وجد فهو من خطأ المدعي نفسه. فضلاً عن أن الهيئة تحصل مقدماً
على تأمين تجعله بمثابة تعويض عند الإخلال بالالتزام. وبجلسة 8 من مايو سنة 1960 قضت
محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت الوزارة المدعية المصروفات،
وأقامت المحكمة قضاءها على أن شروط العقد الإداري غير متوافرة في الاتفاق المبرم بين
المدعي والمدعى عليهما وأن نية المتعاقدين قد اتجهت فيه إلى الأخذ بأسلوب القانون الخاص
وطبقاً لأحكامه وقد وضح ذلك في الإنذار الموجه إلى المدعى عليهما بتاريخ 3 من فبراير
سنة 1957 وأن النص في الاتفاق المذكور على أنه لتوريد عدد من العجول لا يغير من طبيعته
بأنه عقد توريد مدني من عقود القانون الخاص الذي يخرج بمنازعاته عن اختصاص القضاء الإداري.
من حيث إن الطعن يقوم على أن العقد يعتبر إدارياً إذا أبرمه شخص اعتباري بقصد تسيير
مرفق عام واتجهت نيته في الأخذ بأحكام القانون العام إما بتضمين العقد شروطاً استثنائية
غير مألوفة في القانون الخاص وإما بالسماح للمتعاقدين مع الإدارة بالاشتراك مباشرة
في تسيير المرفق وبتطبيق هذه الشروط على العقد موضوع الدعوى يبين أن الذي أبرم العقد
هو شخص إداري اعتباري بخصوص أمر متعلق بصميم المرفق القائم على استصلاح الأراضي ذلك
أن الهيئة قد أدرجت اعتماداً بلغت قيمته 90000 جنيه لعملية شراء العجول واستهلاك مساحات
البرسيم المنزرعة بالتفتيش إذ إن البرسيم يعتبر من الحاصلات الرئيسية في أراضي الإصلاح
والذي يدخل في الدورة الزراعية الاستصلاحية في مساحات واسعة تبلغ حوالي خمسة آلاف فدان
– وقد احتوى العقد على شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص فقضى في مادته الثامنة
على أن مدة التوريد يجب ألا تتعدى بأي حال من الأحوال 15 من يناير سنة 1957 وإذا تأخر
التوريد عن هذا الميعاد ولم يقم بتوريد المقدار الوارد بهذه الشروط أو أخلَّ بأي شرط
من الشروط السابقة فللهيئة حق توقيع غرامة يومية قدرها جنيه واحد ومطالبته بالتعويض
الذي تراه، ولا يقدح فيما تقدم ما استند إليه الحكم المطعون فيه في أسبابه أن الجهة
الإدارية اتجهت بنيتها بالنسبة لهذا العقد أو الأخذ بأسلوب القانون الخاص وأن هذا عين
ما اتجهت إليه الإدارة في إنذارها الموجه إلى المطعون ضدهما بتاريخ 3 من فبراير سنة
1957 والذي أشارت فيه إلى حكم المادتين 147 و158 من القانون المدني، وهذا الذي ذهب
إليه الحكم المطعون فيه في غير محله ذلك لأنه من المعلوم أن الأحكام والمبادئ الخاصة
بالعقود الإدارية وإن كانت تفترق كثيراً عما يقابلها في قواعد القانون الخاص إلا أن
بعض القواعد والمبادئ العامة في القانون المدني وخاصة تلك القواعد التي تمليها طبيعة
الأمور ومقتضيات العدالة مما لا تختلف فيه روابط القانون العام عن روابط القانون الخاص،
هذه القواعد والأصول تسري بدورها على العقود الإدارية، وللجهة الإدارية كما للقضاء
الإداري أن يستهدي بها عند التصدي أو عند الفصل في المنازعات الخاصة بالعقد الإداري
بمعنى أنه حيث لا يوجد حكم خاص مميز للعقد الإداري فلا ضير على جهة الإدارة أو القاضي
الإداري إذا هو طبق أو أعمل أحكام القانون الخاص التي وضعت أصلاً لتحكم العقود وبصفة
عامة. ولكن هذا لا يعني أن جهة الإدارة أو القضاء الإداري إذ يطبق تلك الطائفة المشتركة
من القواعد يفقد استقلاله أو يهدف إلى التخلي عن اعتبار العقد إدارياً بل أنه حين يطبق
تلك القواعد إنما يقصد نقلها فقط إلى نطاق القانون العام وإدماجها في القواعد الخاصة
به.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً حددت فيه وقائع الدعوى والمسائل القانونية التي أثارها
النزاع وأبدت رأيها مسبباً، وانتهت إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً
وإلزام الطاعن المصروفات.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة ملف الطعن أن اتفاقاً أبرم بتاريخ 10 من ديسمبر سنة 1956
ما بين الهيئة الدائمة لاستصلاح الأراضي وبين المطعون ضدهما بتوريد مائتي عجل بقر طبقاً
للأوصاف والشروط المدونة فيه، وجاء في المادة الثامنة من هذا الاتفاق أن مدة التوريد
يجب ألا تتعدى بأي حال من الأحوال 15 من يناير سنة 1957 وإذا تأخر التوريد عن هذا الميعاد
ولم يقم المتعهد بتوريد المقدار الوارد بهذه الشروط أو أخلَّ بأي شرط من هذه الشروط
السابقة فللهيئة حق توقيع غرامة يومية قدرها جنيه واحد ومطالبته بالتعويض الذي تراه
الهيئة. كما نص في المادة التاسعة على أنه "في حالة إخلال المورد بأي شرط من شروط التعاقد
للهيئة الحق المطلق في فسخه". وجاء في المادة العاشرة "أن المورد دفع مبلغ 25 جنيهاً
مصرياً في 8 من ديسمبر سنة 1956 بقسيمة رقم 304614 تأميناً على تنفيذ هذا العقد وتعهد
بخصم خمسة عشر جنيهاً أخرى تخصم من ثمن أول دفعة يقوم بتوريدها لأي تفتيش على أن يكون
التأمين مبلغ أربعين جنيهاً مصرياً يحاسب عليها في آخر دفعة من هذا العقد،.." وفي 3
من فبراير سنة 1957 أرسلت الهيئة المطعون ضدهما إنذاراً أشارت فيه إلى نصوص الاتفاق
المبرم بينها وبينهما وعدم قيامها بما التزما به رغم سابقة تحذيرهما، كما أوضحت الجزاءات
المترتبة على مخالفة شروط العقد من غرامة يومية وتعويض، وأوردت في هذا الإنذار نص المادتين
147، 158 من القانون المدني، وتنص الأولى على أن العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه
أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون"، وتنص المادة الثانية
على أن "لا يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم
قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه"، وأشارت أيضاً إلى التأمين المدفوع
من المطعون ضدهما ضماناً لنفاذ العقد وأنه أصبح حقاً خالصاً لها لأنهما لم يقوما بالتوريد،
ثم نبهت بأنها سبق أن أخطرت المنذر إليها في 22 من ديسمبر سنة 1956 بضرورة التوريد
في المواعيد المحددة ومنحتها مهلة للتنفيذ وحذرتها من مغبة التأخير الذي سيترتب عليه
فسخ العقد ومصادرة التأمين المدفوع لحساب الهيئة ولكنهما رغم ذلك أحجما عن تنفيذ العقد
دون أي سند لهما من القانون أو العقد التي انتهت مدته في 15 من يناير سنة 1957 دون
أي تنفيذ، وخلصت الهيئة في إنذارها المؤرخ في 3 من فبراير سنة 1957 إلى فسخ العقد واعتبار
التأمين المدفوع منهما حقاً خالصاً لها.
ومن حيث إنه بعد استعراض وقائع الدعوى ووجهتي النظر على النحو المتقدم ذكره يكون فيصل
النزاع في هذه القضية هو البحث فيما إذا كان العقد المبرم ما بين الهيئة الدائمة لاستصلاح
الأراضي وبين المطعون ضدهما من العقود الإدارية التي يختص بنظرها القضاء الإداري أم
أنه عقد مدني يخرج على هذا الاختصاص بحسب الولاية القضائية.
ومن حيث إن العقد يعتبر إدارياً إذا كان أحد طرفيه فيه شخصاً معنوياً عاماً ومتصلاً
بمرفق عام ومتضمناً شروطاً غير مألوفة في نطاق القانون الخاص، فإذا تضمن عقد هذه الشروط
الثلاثة مجتمعة كان عقداً إدارياً يختص به القضاء الإداري بحسب ولايته المحددة، وغني
عن البيان أن الشروط المتقدمة تسري بالنسبة للعقود الإدارية المسماة في القانون لاعتبارها
كذلك، فإذا كان العقد المسمى مبرماً لتحقيق مصلحة خاصة وليس في نصوصه شروط غير مألوفة
في القانون الخاص فهو عقد من عقود هذا القانون وتخرج المنازعة بشأنه عن ولاية القضاء
الإداري.
ومن حيث إنه على ضوء هذه المبادئ المستقرة يكون العقد موضوع النزاع قد أبرمته الهيئة
الدائمة لاستصلاح الأراضي وهي من أشخاص القانون العام ليقوم الطرف الثاني فيه بتوريد
عدد من العجول إليها لخدمة المرفق العام القائمة على إدارته، ذلك أنه تزرع مساحات شاسعة
من الأراضي التابعة للمرفق بنبات البرسيم بقصد إصلاح هذه الأراضي، ولتعذر تصريفه فقد
رصدت الهيئة 90000 جنيه في ميزانيتها على ذمة شراء عجول لاستهلاك هذا النبات ومد الأرض
بالسماد العضوي لا بغرض الربح وإنما لتسيير المرفق في نطاقه العام بالوصول إلى الهدف
الذي قام لتحقيقه وهو زيادة رقعة الأرض المنزرعة فيتوافر بذلك الإنتاج الزراعي والحيواني
بما يسد حاجة البلاد المتزايدة، ومتى كان الأمر كذلك يكون التعاقد قد انصب على شيء
يتعلق باحتياجات المرفق العام وتسييره.
ومن حيث إنه عما إذا كانت الجهة الإدارية قد أخذت في تعاقدها هذا بأساليب القانون العام
أم بأساليب القانون الخاص، وهذه النقطة في الحقيقة هي المثار الجدي في النزاع المطروح،
فإنه يبين من نصوص العقد وشروطه أن بعضها غير مألوف في مجال القانون الخاص. فالنص على
حق الهيئة في توقيع غرامة يومية قدرها جنيه عند الإخلال بأي شرط من شروط العقد إنما
هو نص استثنائي غير مألوف في العقد الخاص ولا بعرف القانون المدني سوى الغرامة التهديدية
فنص في المادة على أنه إذا كان تنفيذ الالتزام عيناً غير ممكن أو غير ملائم إلا
إذا قام به المدين نفسه، جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ وبدفع
غرامة تهديدية إن امتنع عن ذلك، وإذا رأى القاضي أن مقدار الغرامة ليس كافياً لإكراه
المدين الممتنع عن التنفيذ جاز له أن يزيد في الغرامة كلما رأى داعياً للزيادة. وظاهر
من هذا النص أن الحكم الذي تناوله مغاير تماماً للنص الوارد في العقد خاصاً بالغرامة،
كذلك النص في العقد على حق الإدارة المطلق في فسخه إذا أخلَّ المورد بأي شرط من الشروط،
لأن مثل هذا الشرط غير مألوف أيضاً في نطاق القانون الخاص ومغاير لأحكام الفسخ الواردة
فيه والمبينة في المواد 157، 158، 159، 160، 161 من القانون المدني، ويكفي احتواء العقد
على شرط استثنائي واحد لإظهار نية الإدارة في الأخذ بأسلوب القانون العام وأحكامه،
هذا إلى أنه واضح من الصورة التي تم على أساسها التعاقد في 10 من ديسمبر سنة 1956 أن
القواعد الخاصة به قد وضعتها الهيئة من قبل وقام المتعاقدان بدفع التأمين في 8 من ديسمبر
سنة 1956 وكل ذلك من مقومات العقد الإداري غير المألوف في مجال القانون الخاص، ومن
ثم يكون العقد موضوع الدعوى قد تكاملت له العناصر الثلاثة المشار إليها باعتباره عقداً
إدارياً مما يختص بنظره القضاء الإداري، ولا يقدح في هذا النظر استناد الإدارة في الإنذار
المرسل منها إلى المطعون ضدهما إلى نصين واردين في القانون المدني وهما السابق الإشارة
إليهما وذلك أن بعض القواعد والمبادئ العامة في القانون المدني مما لا تختلف فيه روابط
القانون العام عن روابط القانون الخاص وبالتالي فليس ثمة ما يمنع من نقلها إلى نطاق
القانون العام وإدماجها في القواعد الخاصة به، والنصان اللذان نقلتهما الإدارة من القانون
الخاص.. ليس فيهما أي تعارض مع النظام القانوني الذي تخضع له العقود الإدارية. وتطور
القانون الإداري وإن اتجه إلى الاستقلال بمبادئه وأحكامه إلا أن ذلك لا يعني قطع الصلة
من غير مقتض بينه وبين القانون المدني.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه والحالة هذه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله
حقيقاً بالإلغاء وبإحالة القضية إلى المحكمة المختصة للفصل في موضوعها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وبإعادة القضية لمحكمة القضاء الإداري للفصل فيها.