الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1916 لسنة 6 ق – جلسة 10 /03 /1962 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة – العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر إبريل سنة 1962) – صـ 425


جلسة 10 من مارس سنة 1962

برئاسة السيد الأستاذ/ بدوي إبراهيم حمودة رئيس المجلس وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1916 لسنة 6 القضائية

( أ ) خبراء – أعمال الخبرة أمام جهات القضاء – الأصل فيها أن تكون لخبراء الجدول العام ثم لخبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي والمصالح الأخرى – جواز الندب من غير هؤلاء للمحاكم نفسها بشرط بيان الموجب لهذا الندب في الحكم – الكشف الخاص بخبراء من هؤلاء الغير – المقصود به وأثره – عدم إكسابه إياهم صفة خبراء الجدول العام.
(ب) خبراء – القاعدة التي تضعها الجمعية العمومية للقضاة لندب خبراء الجدول العام بالدور – إجراء تنفيذي للقانون وصحيح – إقحام طائفة خبراء الجدول الخاص عليهم وندبهم بالدور – قرار إداري مخالف للقانون – أساس ذلك.
(جـ) الجمعية العمومية لقضاة محكمة مصر – سلطتها في إصدار قواعد تنظيمية عامة بالنسبة للمسائل الماسة بشئونها الإدارية – مشروطة بعدم مخالفتها قانوناً قائماً – حقها في العدول عنها أو إلغائها.
1 – يخلص من استعراض نصوص القانون رقم 75 لسنة 1933 الخاص بالخبراء أمام المحاكم والمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء أن الأصل في أعمال الخبرة أمام جهات القضاء إنما هي أولاً للخبراء المقيدين في الجداول بالطريقة المرسومة قانوناً وبالشروط المتطلبة لذلك، ثم لخبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي والمصالح الأخرى التي يعهد إليها بأعمال الخبرة، ثم وفي حالة الضرورة ولظروف خاصة يجوز للقاضي أن يندب للقيام بعمل الخبرة من غير هؤلاء بشرط أن يبين في الحكم الموجب لهذا الندب، ولما كان المدعون في الدعاوى المشار إليها لم يتقدموا للقيد في جداول الخبراء بالتطبيق لأحكام القانونين المذكورين وإنما تقدموا لرئاسة محكمة القاهرة الابتدائية باعتبارهم ذوي خبرة في أمور معينة للاستعانة بهم إذا كان الأمر في حاجة إلى خبرتهم، ومن ثم فلا يمكن اعتبارهم من خبراء الجدول أو ما يسمى بالجدول العام أو من الخبراء المقبولين أمام المحاكم في نظر القانونين سالفي الذكر وهو الأمر الذي يسلم به هؤلاء المدعون والحكم المطعون فيه أيضاً، وأن مجرد إدراج أسمائهم في كشف أطلق عليه اسم الكشف الخاص لا يعطي لهم صفة خبراء الجدول العام ولا الحقوق التي رتبها القانون لهؤلاء، وبالتالي فليس من إلزام على المحاكم أن تندبهم إذا لم تجد الضرورة الملحة لهذا الندب، هذه الضرورة التي يرجع في تقديرها للمحاكم نفسها ومتى انعدمت الضرورة رجعت المحاكم إلى الأصل العام وتقيدت في الندب من بين طوائف الخبراء الذين عينهم القانون بصفاتهم وذواتهم، ويبين من المكاتبات التي دارت بين وزارة العدل وبين رئاسة محكمة القاهرة الابتدائية أن القصد من إنشاء الكشف الخاص هو الإرشاد وتسهيل الأمر للقضاء إذا ما دعت الضرورة للندب من غير من عينهم القانون.
2 – إن القانون وإن كان لم يضع قاعدة تجري على سننها المحكمة في ندب خبراء الجدول العام فإن من حق الجمعية العمومية للقضاة أن تضع من القواعد ما يكفل عدالة التوزيع بينهم وهذا لا يكون إلا بالنسبة لطائفة تماثلت ظروفها واتحدت مراكزها القانونية فإذا أقرت الجمعية العمومية أن يكون ندب خبراء الجدول بالدور فهذا ولا شك تنفيذ صحيح للقانون لأنه يحقق المساواة فيما بينهم، وأما إقحام طائفة خبراء الجدول الخاص عليهم وندبهم جميعاً بالدور معاً فهو الأمر الذي لا يتفق مع القانون لاختلاف المركز القانوني العام وتباين الظروف التي يندب فيها أفراد كل من الطائفتين، إذ الأصل أن يكون الندب من بين خبراء الجدول العام ولا يلجأ لغيرهم ممن ورد ذكرهم في الكشف الخاص إلا في حالة الضرورة وأن يبين القاضي في حكمه الأسباب التي دعته إلى هذا الندب وبمعنى آخر فإن ندب خبراء الجدول الخاص إنما هو ندب لظروف تقوم عند الندب لمسألة معينة مما لا يتأتى معه إعطاؤهم نفس مركز خبراء الجدول العام، وبداهة لا يمكن وضع قاعدة ثابتة للاستثناء لأنه مرهون بوقته، ومن ثم إذا كانت الجمعية العمومية لقضاة محكمة مصر الابتدائية قد سوت في الندب بالدور بين خبراء الجدول العام وخبراء الجدول الخاص، فإن قرارها هذا وهو لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً قد جاء مخالفاً للقانون نصاً وروحاً لأنه فضلاً عما سبق إيراده من حجج على عدم صحة هذا الجدول العام وخبراء الجدول الخاص يجعل ندبهم معاً بالدور هو بمثابة إلغاء للقيد الذي ورد في القانون من عدم إجراء أي قيد بجدول جديد في جدول الخبراء وإلغاء أيضاً للقيد الذي اشترطه القانون في حالة ندب خبير من خارج الجدول، فإذا رأت الجمعية العمومية بعد اتخاذها هذا القرار العدول عنه إثر المكاتبات التي دارت بينها وبين وزارة العدل وبعد استطلاع مكتب الخبراء بالوزارة المذكورة فإنها لا تكون قد أخطأت بل تكون قد صححت الإجراء بما يتفق مع القانون وطبيعة الأشياء.
3 – لا نزاع في أن للجمعية العمومية لقضاة محكمة مصر الابتدائية أن تصدر قواعد تنظيمية عامة فيما يتعلق بالمسائل الماسة بشئونها الإدارية بشرط ألا تخالف هذه القواعد قانوناً قائماً، كما وأن لها أن تعدل في تلك القواعد أو تلغيها إذا ما رأت فيها شذوذاً للمنطق السليم وحكم الواقع أو مجافاة لروح القانون وأن المصلحة العامة لا تقتضيها.


إجراءات الطعن

في 7 من يوليه سنة 1960 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1916 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 10 من مايو سنة 1960 في الدعاوى المشار إليها والقاضي أولاً: بإلغاء القرارين الصادرين من الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة في 29/ 12/ 1954 و9/ 6/ 1955 بقصر الندب بالدور على خبراء الجدول العام دون خبراء الكشف الخاص.
ثانياً: إلغاء القرار الصادر من الجمعية العمومية لقضاة المحكمة المذكورة بتاريخ 24/ 2/ 1955 بجعل الندب بالدور على خبراء الجدول مقصوراً على بعض خبراء الكشف الخاص دون البعض الآخر مع إلزام الحكومة بمصروفات هذه الدعاوى ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة عن كل دعوى عدا الدعوى رقم 1836 فقد قضت بإلزام المدعين فيها بالمصروفات. وطلب السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض دعوى المطعون ضدهم مع إلزامهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين" وقد أعلن هذا الطعن إلى الحكومة وإلى الخصوم وعين لنظره أمام هيئة فحص الطعون جلسة 15 من نوفمبر سنة 1961 ثم تقرر إحالة الطعن إلى المحكمة العليا لجلسة 27 من يناير سنة 1962 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعين في الدعاوى الخمسة الأولى وجميعهم من خبراء الجدول الخاص قد طالبوا بإلغاء القرارات الصادرة من الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية في 29/ 12/ 1953، 24/ 2/ 1955 و9/ 6/ 1955 والتي من شأنها حرمانهم من الندب بالدور مع خبراء الجدول العام وقالوا شرحاً لدعواهم أنه نظراً للضرورة التي قامت بعد إلغاء المحاكم المختلطة وضعت الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية في سنة 1950 جدولاً ضمنته أسماءهم وبعثت به إلى جميع محاكم القاهرة وطلبت أن يكون ندبهم مع خبراء الجدول العام بالدور معاً ثم صدر منشور دوري في 5/ 10/ 1952 على إثر صدور القانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم أعمال الخبرة مؤكداً ذلك المنشور استمرار العمل في ندب خبراء الجدول العام والجدول الخاص بالدور معاً وتأكد هذا أيضاً بالكتاب الدوري الصادر في 30/ 11/ 1953 وقد طلبت منهم لجنة خبراء الجدول تقديم كل ما يتطلبه القانون في خبراء الجدول من شروط وقررت تعيينهم كما طالبت الموظفين منهم بترك وظائفهم مما يقطع بتماثلهم مع خبراء الجدول سواء بسواء، ولكنهم فوجئوا بقرار صدر من الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة في 29/ 12/ 1954 بقصر الدور في الندب على خبراء الجدول العام دونهم. ولما تظلموا من هذا القرار صدر قرار في 24/ 2/ 1955 بإضافة سبعة من خبراء الجدول الخاص إلى خبراء الجدول العام في الندب بالدور ولما تظلم من هذا القرار من لم يقيد من خبراء الجدول الخاص وكذلك خبراء الجدول العام صدر قرار آخر من الجمعية العمومية المذكورة في 9/ 6/ 1955 بقصر الدور على خبراء الجدول العام أي بإلغاء القرار الصادر في 24/ 2/ 1955، ويقول المدعون في تلك الدعاوى أن القرارات الثلاثة السالفة الذكر قد صدرت مخالفة للقانون لأنها قد مست مراكزهم القانونية التي اكتسبوها منذ سنة 1950 في مساواتهم بخبراء الجدول العام بمقتضى قرارات تنظيمية صدرت مطابقة للقانون، وما كان يجوز للسلطة الإدارية أن تستبعد خبراء الجدول الخاص من الندب بالدور، لأن المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام القضاء قد نص في مادته الأولى على أن "يقوم بأعمال الخبرة أمام جهات القضاء خبراء الجدول الحاليون وخبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي" كما نصت المادة الثانية منه على أن الخبراء المقيدين في جداول المحاكم وقت العمل بهذا القانون يستمرون في أعمالهم كل في القسم المدرج فيه ولما كانوا هم مقيدون بالجدول قبل صدور هذا القانون فإن وضعهم ظاهر جلي في استمرار حقهم المكتسب في القيد بجدول الخبراء ولا يغير من ذلك أنهم مقيدون بجدول الخبراء الخاص إذ أن النص الوارد بالمادة الثانية المشار إليها هو نص مطلق يشمل من كان مقيداً بأي الجدولين ولا أدل على صحة هذا النظر من أن الجمعية العمومية نفسها قررت أن يكون الندب من بينهم بالدور مع خبراء الجدول العام وكان هذا القرار بعد صدور القانون رقم 96 لسنة 1952 فلو كان المقصود بعبارة "خبراء جدول المحاكم" الواردة بالمادة الثانية من هذا القانون هم خبراء الجدول العام دون خبراء الجدول الخاص لما جاز للجمعية المذكورة أن تسوي بين خبراء الجدولين في المعاملة ولم يتضمن القانون رقم 75 لسنة 1933 والمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 أي نص في شأن طريقة ندب خبراء الجدول العام كما وأن كل ما تضمنته المادة من قانون المرافعات هو أن يكون الندب من بين خبراء الجدول بالدور فيما بينهم، ويبين ذلك أن المشرع ترك هذا الأمر للقضاء ولجمعياته العمومية تقرره حسبما يتطلبه الصالح العام ويقتضيه حسن سير العمل وتأسيساً على ما تقدم يكون للجمعية العمومية للقضاء أن تضع أية قاعدة تنظيمية في هذا الشأن ما دامت تستهدف من ذلك تحقيق الصالح العام فلا تثريب عليها إن هي رأت أن يكون الندب بالدور لخبراء الجدولين العام والخاص معاً، وذلك بعد أن لمست حالة الضرورة القائمة بسبب كثرة القضايا وتشعبها وتنوعها وقلة عدد خبراء الجدول العام، ومن ثم يكون القرار الصادر في 5 من أكتوبر سنة 1952 هو قرار سليم متفق مع القانون ومستهدف تحقيق مصلحة عامة وضرورة قامت حتى تمكن القضاة من أن يؤدوا واجبهم على الوجه الأكمل في أسرع وقت ممكن، والثابت من الأوراق أن الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية لم تصدر قراراتها الثلاثة موضوع النزاع نتيجة بحث موضوعي قامت به ودلَّ على أن الضرورة لم تعد قاضية بأن يكون الندب بالدور بين خبراء الجدول العام والخاص والظاهر أنها كانت متأثرة في ذلك النزاع الطائفي القائم بين خبراء الجدول العام وخبراء الجدول الخاص، إذ أنه على أثر الشكاوى التي تقدمت بها رابطة خبراء الجدول العام من القرار الصادر في 5/ 10/ 1952 الذي بموجبه اشترك معهم خبراء الجدول الخاص، أصدرت قرارها الأول المؤرخ 29/ 12/ 1954 بقصر الندب بالدور على هؤلاء الخبراء الشاكين، ولما تظلم خبراء الجدول الخاص من هذا القرار المجحف بحقوقهم عدلت عن هذا القرار وأصدرت قرارها الثاني في 24/ 2/ 1955 بإشراك فريق من خبراء الجدول الخاص مع خبراء الجدول العام في الندب بالدور، ولما تظلمت رابطة خبراء الجدول العام من هذا القرار والتجئوا إلى وزارة العدل للعمل على قصر الندب بالدور عليهم وحدهم، عدلت الجمعية العمومية عن قرارها السابق ثانية بغير سبب وقصرت الندب بالدور على خبراء الجدول العام.
قدم هؤلاء المدعون مذكرة أخيراً تناولوا فيها الرد على الأسباب الواردة في صحيفة الطعن فقالوا أن ما ذهبت إليه الطاعنة من أن خبراء الجدول الخاص لا يعتبرون خبراء في الجدول العام، إنما هو أساس مسلم بين طرفي الخصومة ولم يذهب الحكم المطعون فيه مذهباً يخالفه، وقد قام دفاع المطعون ضدهم أمام محكمة القضاء الإداري على أن القرارات الثلاثة المطعون فيها إنما هي قرارات مخالفة للقانون مما استهدفت من تحقيق مصلحة خاصة دون المصلحة العامة.. كما أنه ليس بصحيح ما ذهبت إليه الطاعنة من أن ندب خبراء الجدول الخاص بالدور مع خبراء الجدول العام يعتبر قيداً مجحفاً بهم في الجدول العام وذلك بالاستدلال بما جاء في نص المادة الثامنة من القانون بين عدم جواز قيد إجراء جديد في الجدول بدلاً ممن حلوا محالهم في أي قسم من الأقسام.. وهذا الوجه مردود عليه بأن السير على قاعدة الندب بالدور بين خبراء الجدول العام والجدول الخاص لا يعتبر قيداً لهؤلاء الأخيرين في الجدول العام، وإنما هو إجراء تنظيمي يهدف إلى حسن سير العمل أي إلى مصلحة عامة، وواقع الحال أن القرارات سالفة الذكر تنضح بالبعد عن وجه المصلحة العامة التي تمثلت في قرار 5/ 10/ 1952 ولا أدل على أن المصلحة العامة هي في الإبقاء على هذا القرار ما أبرزته الجمعية العمومية عند إصدارها قرار 24/ 2/ 1955 بإشراك فئة معينة من خبراء الجدول الخاص مع خبراء الجدول العام في الندب بالدور، من أن الضرورة لا تزال قائمة سيما وأن عدد خبراء الجدول العام قد نزل إلى 22 خبيراً، مما اضطرت معه محكمة القاهرة الابتدائية إلى التقدم لوزارة العدل بطلب زيادة عدد خبراء الجدول العام إلى 40 خبيراً، فلم توافق الوزارة إعمالاً لنص المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 ثم انتهى المدعون من دفاعهم إلى طلب الحكم برفض الطعن موضوعاً، وبإلزام الطاعنة المصروفات. وأما عن الدعوى السادسة رقم 1836 فالمدعون فيها وهم من خبراء الجدول العام أقاموها في 7/ 4/ 1955 بطلب إلغاء القرار الصادر من الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية في 24/ 2/ 1955 والقاضي بأن يكون ندب خبراء الكشف الخاص المشار إليهم في عريضة الدعوى بالدور مع خبراء الجدول العام وذلك مع جميع ما يترتب عليه من آثار ومقابل أتعاب المحاماة. وقد تناولت الدعوى رقم 1353 هذا القرار بالذات وطلب فيها الحكم بإلغائه من أحد خبراء الجدول الخاص.. وقال المدعون في الدعوى رقم 1836 في بيان طلباتهم هذه، أن المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم أعمال الخبرة أمام جهات القضاء قد قصر أعمال الخبرة على خبراء الجدول الحاليين وخبراء وزارة العدل وخبراء مصلحة الطب الشرعي، وبموجبه أيضاً أقفل جدول الخبراء فلم يعد جائزاً أن يقيد به خبير جديد أو إقحام خبراء جدد على هذه الهيئات، غير أن قانون المرافعات عرض لحالة من الحالات التي تمليها أحياناً ضرورة استثنائية وقتية، فأباح للقاضي عند قيامها أن يندب خبيراً غير مقيد بجدول الخبراء بشرط أن يبين في حكمه الظروف التي قضت بهذا الندب، ومما هو جدير بالذكر أن الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية كانت قد تقدمت بالجلسة التي عقدتها في 21/ 12/ 1950 باقتراح زيادة عدد خبراء الجدول المقيدين أمامها عشرة، ليصبح عددهم أربعين بدلاً من ثلاثين، فلما رفع هذا الاقتراح إلى وزارة العدل رفضت الأخذ به، لمخالفته لصريح نص المادة الثانية من قانون الخبراء المعمول به وقتذاك، ولكنها أشارت على محكمة القاهرة الابتدائية أن تعد كشفاً بأسماء الأشخاص الذين يمكن الاستعانة بهم كلما قامت ضرورة من النوع الذي أشارت إليه المادة من قانون المرافعات على ألا يكون لهم صفة خبراء جدول وإنما ليكونوا خبراء ضرورة يندب منهم عند قيام المقتضى، ويحلف من يندب منهم اليمين في كل حالة يطلب لمباشرة عمل من أعمال الخبرة، وقد أقرت لجنة خبراء الجدول بمحكمة القاهرة الابتدائية رأي وزارة العدل هذا، ووافقت على إعداد كشف خاص بأسماء بعض الأشخاص الذين يمكن الاستعانة بهم عند الضرورة، ونصت في قرارها على أن يوضع هذا الكشف تحت نظر المحكمة عند ندب خبراء من غير المقبولين أمامها حتى إذا ما احتاجت إليه نصت على الضرورة التي قضت بذلك وأمرت بتحليفهم اليمين في كل قضية يندبون فيها، وقد توالى الإدراج في الكشف الخاص 12/ 2/ 1951، 16/ 2/ 1951، 15/ 1/ سنة 1952، 4/ 3/ 1952، 7/ 4/ 1952، ولما لاحظت وزارة العدل أن لجنة الخبراء بالمحكمة هي التي تتولى الإدراج في الكشف الخاص، أوضحت بكتابها رقم 2380 بتاريخ 24/ 4/ 1952، أن جهة الاختصاص في الإدراج في هذا الكشف الخاص هي الجمعية العمومية لقضاة المحكمة باعتبارها السلطة المحلية للمحكمة، ولها ولاية تنظيم المسائل المتعلقة بنظام المحكمة وترتيب شئونها الداخلية طبقاً للمادة 42 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949، وقد أخذت محكمة القاهرة بوجهة نظر الوزارة، فأصدرت جمعيتها العمومية بالجلسة التي عقدتها في 8/ 6/ 1952 قراراً بالموافقة على الإدراج بالكشف الخاص، وأوضحت في قرارها أن هذا الكشف وضع ليكون تحت نظر المحكمة، حتى إذا ما احتاجت إليه نصت على الضرورة التي قضت بذلك وأمرت بتحليفهم اليمين في كل دعوى يندبون لها، وقد استغل فريق من الأشخاص الذين أدرجوا في الكشف الخاص قيدهم فيه، وندبهم في بعض الظروف التي اقتضت الاستعانة بهم وأرادوا أن يرتبوا لأنفسهم حقوقاً ثابتة في مزاولة أعمال الخبرة على قدم المساواة مع خبراء الجدول، وأخذوا يطالبون السلطات بأن تجعل ندبهم بالدور مع خبراء الجدول ولكن المدعين كانوا مستيقظين للدفاع عن حقوقهم وأصدرت وزارة العدل في 4/ 11/ 1953 منشوراً أعطي رقم 74 – 45/ 7 نظمت فيه طريقة ندب خبراء الجدول بالدور، وبعرض الأمر على الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية بالجلسة التي عقدتها في 29/ 12/ 1954، قضت بأن يكون الندب في القضايا بالدور قاصراً على خبراء الجدول العام، أما المقيدون بالكشف الخاص فمتروك أمر ندبهم للسيد/ القاضي في الحالات التي تدعو الضرورة إلى ندبهم، وقد اعتمد السيد وزير العدل هذا القرار، ولكن خبراء الجدول الخاص لم يقفوا عند الحد الذي انتهت إليه جهودهم، بل واصلوا المسعى ومن عجب أن تستجيب إلى طلباتهم في هذه المرَّة الجمعية العامة لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية، فتصدر قراراً آخر في الجلسة التي عقدتها في يوم 24/ 2/ 1955، متضمناً أن يكون الندب بالدور بالنسبة لخبراء الجدول العام ومعهم القدر الكافي من خبراء الكشف الخاص، ولم تجد الجمعية المذكورة ما تقوله في تبرير قرارها الجديد المناقض لقرارها السابق والمخالف مخالفة صريحة لأحكام القانون، إلا الزعم بأن النشاط الاقتصادي وازدياد النواحي التجارية والعمرانية هما اللذان يبرران ذلك وقد أفصحت رياسة محكمة القاهرة الابتدائية عن المعنى الذي ينطوي عليه هذا القرار في منشور أصدرته في 3/ 3/ 1955، مفسراً طريق تنفيذ قرار الجمعية المذكورة، فأرفقت بالمنشور كشفاً بأسماء خبراء الجدول العام وكشفاً بأسماء خبراء الكشف الخاص. واتجهت إلى أن ندب هؤلاء يكون بالدور مع خبراء الجدول العام، وكشفاً ثالثاً بأسماء خبراء آخرين من خبراء الكشف الخاص، وهؤلاء تركت أمر ندبهم للظروف حين تبرر هذا الندب، ويبين من مطالعة الكشف الثاني أنه احتوى على أسماء متخصصين في فروع من نوع تخصص خبراء الجدول العام أي أنه لا توجد ضرورة تبرر الاستعانة بهم من خبرة خاصة – لا يوجد من بين خبراء الجدول العام من يستطيع القيام بها وهي الضرورة التي سوغت ابتداءً الالتجاء إلى الندب من خارج الجدول على الوجه الاستثنائي وعندما علمت رابطة الخبراء بهذا القرار بادرت إلى التظلم منه إلى السيد وزير العدل في 1/ 3/ 1955، ومن الأدلة المحسوسة على عدم صحة السبب الذي قام عليه قرار 24/ 2/ 1955 سالف الذكر أن عدد الخبراء المقيدين في قسم الهندسة بموجب القرار الذي أصدرته الجمعية العمومية بجلسة 12/ 6/ 1960 كان 13 خبيراً بقى منهم الآن عشرة ولكن أضيف إليهم خبراء مهندسون بوزارة العدل في مكتب مصر المخصص لمحكمة القاهرة الابتدائية يبلغ عددهم نحوا من ثلاثين مهندساً فأصبح عدد خبراء قسم الهندسة في الجدول وفي مكتب مصر أربعين خبيراً وهو ما يعادل ثلاثة أمثال ما كان عليه العدد في سنة 1950، وغني عن البيان أنه إثر صدور قرار الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية في 29/ 12/ 1954 بقصر الندب بالدور على خبراء الجدول دون خبراء الكشف الخاص، تظلم هؤلاء إلى وزارة العدل فكلفت الوزارة إدارة الخبراء بها بحث شكواهم ورفعت الإدارة المذكورة مذكرة برأيها في الشكوى، بأن هؤلاء الشاكين لا حق لهم في الاعتراض، وهذا فضلاً عن أن قرار الجمعية المطعون فيه قد تضمن إدراج موظف بجامعة القاهرة وإعطاء الحق في أن يندب بالدور مع خبراء الجدول خلافاً لما ينص عليه القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بموظفي الدولة والذي حرم على موظفي الدولة أن يؤدوا للغير أعمالاً بمكافأة أو بدون مكافأة سواء في أوقات العمل الرسمية أو في غيرها. وقد رجعت وزارة العدل إلى إدارة الرأي بمجلس الدولة فأفتتها بضرورة شطب هؤلاء من الكشف الخاص.. وأجابت الحكومة على الدعاوى السابقة بما محصله أن الغاية التي يستهدفها المدعون من خبراء الجدول الخاص هي إلغاء القرارات التي تقصر الندب بالدور على خبراء الجدول العام أو على بعض خبراء الجدول الخاص دون الآخرين. ولما كانت أعمال الخبرة في ظل القانون رقم 75 لسنة 1933 قاصرة على الخبراء المقيدين بجدول كل محكمة وكان ندب الخبراء يتم بين المقبولين أمام جهات القضاء وهم المقيدون بجدول الخبراء أمامها عملاً بنص المادة من القانون المشار إليه، والذي اقتضى أن يكون في كل محكمة من محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية جدول للخبراء المقبولين على ألا يزيد الحد الأقصى لمجموع هؤلاء الخبراء على ثلاثين خبيراً لكل محكمة ابتدائية وعشرين في محكمة استئناف مصر وخمسة عشر في محكمة استئناف أسيوط، وقد تضمن المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء تحديد من يجوز لهم القيام بأعمال الخبرة فقضى بأن يقوم بأعمال الخبرة أمام جهات القضاء خبراء الجدول الحاليون وخبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي والمصالح الأخرى التي يعهد إليها بأعمال الخبرة، ولكل من ترى جهات القضاء عند الضرورة الاستعانة برأيهم الفني من غير من ذكروا. وشرط على المحكمة في المادة من هذا المرسوم بقانون "إذا رأت ندب خبير من خبراء الجدول الحالي وخبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي والمصالح الأخرى التي يعهد إليها بعمل من أعمال الخبرة أن تبين في حكمها الظروف الخاصة التي قضت بهذا الندب" كما قضى هذا المرسوم أيضاً بقفل باب القيد في الجدول إذ نص في المادة الثامنة منه على أن "يستمر الخبراء المقيدون في جدول المحاكم وقت العمل بهذا القانون في أعمالهم على ألا يقيد في هذه الجداول أحد ممن تخلو محالهم" – ومقتضى ما تقدم، أن مزاولة مهنة الخبرة أمام المحاكم أصبحت قاصرة على الخبراء المقيدين بجدولها وعلى خبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي والمصالح الحكومية الأخرى التي يمكن الاستعانة بخبرة موظفيها فإذا قامت ضرورة تحتم الاستعانة بغير هؤلاء فإنه يجوز للقاضي ندب غيرهم للقيام بعمل بعينه من أعمال الخبرة وبشرط أن يبين الأسباب المسوغة لذلك في حكمه. وهؤلاء الخبراء الذين يندبهم القاضي في حالة الضرورة لا يمكن أن يتمتعوا بالحقوق التي يتمتع بها خبراء الجدول العام، لأن المشرع حرص في كل من القانون رقم 75 لسنة 1933 والمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 على وضع نظام قانوني لفئة بعينها من الخبراء هم خبراء الجدول وخبراء وزارة العدل والطب الشرعي وموظفي الحكومة من أهل الخبرة وقصر القواعد التي تضمنها هذا النظام عليهم دون سواهم ومن ثم فإن الحقوق التي يكفلها هذا النظام القانوني لا يمكن أن يتمتع بها غيرهم، كما أنه واضح أن ندب خبراء الجدول الخاص هو استثناء من الأصل فلا يجوز التوسع فيه، أما خبراء الضرورة، فلا يسري بشأنهم المرسوم بقانون سالف الذكر وحقوقهم مقررة بقانون المرافعات، وإذا كان الأصل الذي فرضه القانون على المحكمة هو أن تختار من بين الخبراء المقبولين أمامها وكان عدد هؤلاء الخبراء قد أضحى ثابتاً لا يجوز زيادته ولا الإضافة إليه، فقد استبان أن هذا العدد الثابت لا يمكن أن يواجه السيل المتدفق من الدعاوى التي تنظرها جهات القضاء التي يقتضي تحقيقها خبرة خاصة، وقد أرادت الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة الابتدائية أن توفق بين نصوص المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 التي حدد بها المشرع عدد الخبراء بين الضرورات العملية التي يقتضيها تحقيق العديد من الدعاوى، فأعدت كشفاً يتضمن بعض الخبراء وأسمته الكشف الخاص لتوفر على القضاة مشقة البحث عن الخبراء الذين قد تدعوا الحاجة للاستعانة بهم فوجدوا الكشف الخاص إذن لم يكن مستنداً إلى قانون من قوانين الخبرة، بل هو عمل إداري دعت الضرورة إليه ولا يعدو الغرض منه أكثر من مجرد إرشاد القضاة إلى من يصح ندبهم في ظروف خاصة بعد تحليفهم اليمين في كل دعوى يندبون إليها ومع بيان الأسباب في الحكم الصادر بندبهم، ولذلك يكون قصر الدور على خبراء الجدول العام هو إجراء سليم ولا مطعن عليه، وبالتالي يتعين الحكم برفض الدعاوى المشار إليها مع إلزام رافعها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 10 من مايو سنة 1960 قضت المحكمة في الدعاوى رقم 1352 و1914 و1736 و3496 و3727 لسنة 9 القضائية أولاً: بإلغاء القرارين الصادرين من الجمعية العمومية لقضاة محكمة القاهرة في 29 من ديسمبر سنة 1954 و9 من يونيه سنة 1953 بقصر الندب بالدور على خبراء الجدول العام دون خبراء الكشف الخاص. ثانياً: بإلغاء القرار الصادر من الجمعية العمومية لقضاة المحكمة المذكورة بتاريخ 24 من فبراير سنة 1955 بجعل الندب بالدور على خبراء الجدول مقصوراً على بعض خبراء الكشف الخاص دون البعض الآخر مع إلزام الحكومة بالمصروفات لهذه الدعاوى وبمبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة عن كل دعوى. وحكمت في الدعوى رقم 1836 لسنة 9 القضائية بإلزام المدعية فيها بالمصروفات وقامت المحكمة قضاءها على أن خبراء الجدول الخاص بوضعهم هذا ليسوا خبراء جدول، وإنما خبراء ضرورة اقتضت جمع أسمائهم في كشف خاص ليكون في متناول القضاة بعد أن تبينت الجمعية هذه الضرورة وتأكدت من قيامها ووجودها وذلك لندبهم والالتجاء إليهم كلما قامت ضرورة في هذا الشأن، ولا يغير من وضعهم هذا التأكد من توافر الشروط التي أوجب القانون توافرها في خبراء الجدول العام، وإعمال المادة من القانون رقم 210 لسنة 1951 في حقهم ومن تفرغهم لعملهم، ولذلك لا يكون ثمت محل للبحث في مدى تطبيق أحكام القانونين 75 لسنة 1933 و96 لسنة 1952 في حقهم ومدى مخالفة قيدهم بالجدول الخاص لأحكام هذين القانونين اللذين قصرا الأمر على الخبراء المقيدين بجدول المحاكم بعد أن وضح أن خبراء الكشف الخاص هم خبراء ضرورة وأن للقضاء أن يندبهم متى قامت حالة الضرورة، وإنهم ليسوا خبراء جدول عام ولم يضافوا إليهم، وإذن تقوم المنازعة الحقيقية بين الطائفتين خبراء الجدول العام وخبراء الجدول الخاص بالدور مع خبراء الجدول العام، إذ بينما يقول الأخيرون أنها لا تملك هذا الحق الذي أفردهم به القانون 75 لسنة 1933 ومن بعده القانون 96 لسنة 1952، يقول الأولون أنها تملك ذلك وأن من حقها أن تشركهم معاً في الندب بالدور، ويبين من الاطلاع على القانونين رقمي 75 لسنة 1933 و96 لسنة 1952 أنهما لم يقررا أي نص في شأن طريقة ندب خبراء الجدول العام، كما أن كل ما تضمنته المادة من قانون المرافعات هو أن يكون الندب من بين الخبراء المقيدين بالجدول، إذا لم يتفق الخصوم على ندب خبير معين دون أن تقرر أن يكون الندب بين خبراء الجدول بالدور فيما بينهم، ويبين من ذلك بوضوح وجلاء أن المشرع ترك الأمر للقضاة ولجمعياتهم العمومية فقرره حسبما يتطلبه الصالح العام ويقتضيه حسن سير العمل، وعلى ذلك فإن من حقها أن تضع أية قاعدة تنظيمية في هذا الشأن ما دامت تستهدف في ذلك تحقيق الصالح العام، فلا تثريب عليها إذا هي رأت أن يكون الندب بالدور لخبراء الجدولين العام والخاص معاً، وذلك بعد أن لمست حالة الضرورة القائمة بسبب كثرة القضايا وتشعبها وتنوعها وقلة عدد خبراء الجدول العام وبذلك يكون قرارها الصادر في 5/ 10/ 1952 بإشراك خبراء الجدول الخاص مع خبراء الجدول العام في مباشرة أعمال الخبرة على أن يكون الندب بالدور فيما بينهم جميعاً – قرار سليم متفق مع القانون ولا مخالفة فيه وقد استهدفت به تحقيق مصلحة عامة وضرورة قامت حتى يتمكن القضاء من أن يؤدي واجبه على الوجه الأكمل في أسرع وقت ممكن – وبما أنه بالنسبة للقرارات الثلاثة التي صدرت بعد ذلك سواء فيها ما قصر الدور على خبراء الجدول العام كقرار 29/ 12/ 54 و9/ 6/ 1955، أو أشرك معهم فريق من خبراء الجدول الخاص كقرار 24/ 2/ 1955 فإنه وإن كانت الجمعية تملك العدول عن القاعدة التنظيمية السابق تقريرها في 5/ 10 سنة 1952 بإشراك خبراء الجدول الخاص مع خبراء الجدول العام في الندب بالدور معاً، إلا أن ذلك مشروط بزوال حالة الضرورة التي أوجبت وضع هذه القاعدة، وأن تستهدف في تعديلها أو تغييرها الصالح العام، ومتى كان الثابت من الأوراق أن الجمعية العمومية لم تصدر قراراتها الثلاثة نتيجة بحث موضوعي قامت به بل كانت متأثرة في ذلك بالنزاع الطائفي القائم بين خبراء الجدول العام وخبراء الجدول الخاص، فتحت تأثير الشكاوي التي تقدمت بها رابطة خبراء الجدول العام من قرار 5/ 10/ 1952 الذي أشرك معهم خبراء الجدول الخاص، أصدرت قرارها الأول المؤرخ 29/ 12/ 1954 بقصر الندب بالدور على هؤلاء الخبراء الشاكين، ولما تظلم خبراء الجدول الخاص من هذا القرار المجحف بحقوقهم، عدلت عنه وأصدرت قرارها الثاني في 24/ 2/ 1955 بإشراك فريق من خبراء الجدول الخاص مع خبراء الجدول العام في الندب بالدور، ولما تظلمت رابطة الخبراء من هذا القرار إلى وزارة العدل إذ بالجمعية العمومية تعدل عن قرارها السابق بغير سبب، وتقصر الندب بالدور على خبراء الجدول العام، وفي تعدد هذه القرارات وتناقضها، وتقارب تواريخ إصدارها ما يقطع بانعدام المصلحة العامة في إصدارها، بل كان ذلك مبعثه تحقيق مصلحة خاصة لإحدى الطائفتين المتنازعين، وما يؤيد هذا النظر أن الضرورة التي كانت قائمة وقت صدور قرار 5/ 10/ 1952 بإشراك خبراء الجدولين في الندب بالدور معاً لم تكن قد زالت وقت إصدار القرارات الثلاثة المطعون فيها، بل إنها كانت لا تزال قائمة، بل زادت حدتها إذ كثر عدد القضايا وقلَّ عدد الخبراء ولا أدل على ذلك من أن الجمعية العمومية أفصحت عن قيام هذه الضرورة في قرارها الصادر في 24/ 2/ 1955 بإشراك بعض خبراء الجدول الخاص مع خبراء الجدول العام في الندب بالدور معاً، ومن ثم تكون هذه القرارات صدرت متسمة بسوء استعمال السلطة غير مستهدفة الصالح العام.. وأما بالنسبة للدعوى 1836 لسنة 9 المرفوعة من خبراء الجدول العام بإلغاء قرار 24/ 2/ 1955 القاضي بإشراك بعض خبراء الجدول الخاص معهم فإن المحكمة وإن كانت قد قضت بإلغاء هذا القرار وبذلك تحقق ما يطلبه المدعون في هذه الدعوى إلا أن الإلغاء لم يكن للسبب الذي استند إليه المدعون في دعواهم إنما للسبب السابق بيانه فيما تقدم من الأسباب بصدد إلغاء القرارات المذكورة ومن ثم فيتعين إلزامهم بمصروفات هذه الدعوى لأنهم لم يكونوا على حق في رفعها استناداً إلى السبب الوارد في صحيفة دعواهم. وقد طعنت الحكومة في هذا الحكم ويقوم طعنها على أن مزاولة مهنة الخبرة أمام المحاكم أصبحت قاصرة على الخبراء المقيدين بجدولها وعلى خبراء وزارة العدل وباقي الخبراء الذين ورد ذكرهم على سبيل الحصر في القانون رقم 96 لسنة 1952 – أما إذا قامت ضرورة تحتم الاستعانة بغير هؤلاء فإنه يجوز للقاضي ندب غيرهم للقيام بعمل معين من أعمال الخبرة وبشرط أن يبين الأسباب المسوغة لذلك، ولئن كان القانون رقم 96 لسنة 1952 قد أجاز ندبهم إلا أنه لم يقرر حكماً جديداً في هذا الشأن بل جاء هذا النص متفقاً وحكم المادة مرافعات والتي توجب على المحكمة أن تختار الخبراء من بين المقبولين أمامها إلا إذا قضت بغير ذلك ظروف خاصة وبشرط بيان هذه الظروف في الحكم وتتوافر حالة الضرورة التي أشار إليها القانون رقم 96 لسنة 1952 كلما اقتضت الاستعانة بخبرة خاصة لا تتوافر في الخبراء المقيدين بالجدول ويقتضي ذلك أن يكون الندب مؤقتاً أو قاصر على عمل معين من أعمال الخبرة لتحقيق ما قد يقتضيه الفصل في الدعوى من خبرة خاصة. ولا شبهة أن هؤلاء الخبراء الذين يندبهم القاضي في حالة الضرورة وبالشروط التي جاءت في المادة مرافعات وفي القانون رقم 96 لسنة 1952 لا يمكن أن يتمتعوا بالحقوق التي يتمتع بها خبراء الجدول العام ذلك لأن المشرع حرص في كل من القانونين رقمي 75 لسنة 1933 و96 لسنة 1952 على وضع نظام قانوني لفئة معينة من الخبراء هم خبراء الجدول وخبراء وزارة العدل والطب الشرعي وموظفي الحكومة من أهل الخبرة وقصر القواعد التي تضمنها هذا النظام عليهم دون سواهم، ومن ثم فإن الحقوق التي يكفلها هذا النظام القانوني لا يمكن أن يتمتع بها غيرهم… ولما كان الأصل الذي تلتزمه المحكمة هو أن تختار الخبراء من بين المقبولين أمامها، وهو أصل رددته المادة مرافعات فإنه لا يجوز والحالة هذه تسوية خبراء الضرورة بخبراء الجدول وندبهم بالدور مع هؤلاء لأن ندب خبراء الضرورة لا يكون إلا على سبيل الاستثناء.. ومتى كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى أن القرارات المطعون فيها لم تستهدف سوى تحقيق مصلحة خاصة يكون قد خالف الواقع وحكم القانون، وبالتالي يكون قد تجنب محجة الصواب فهو خليق بالإلغاء.
ومن حيث إن الذي يبين مما تقدم جميعه، أن المدعين في الدعاوى 1353 و1914 و 1736، 3496 و3727 لسنة 9 القضائية، وهم من خبراء الجدول الخاص، قد تخصصت طبيعة الرابطة التي تحدد مركزهم في علاقتهم بالحكومة على أساس أنهم خبراء ضرورة وليسوا من خبراء الجدول المقررين أمام المحاكم والذين ينتظم شئونهم القانون رقم 75 لسنة 1933 ومن بعده المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952، وهم لا يجحدون ذلك بل يسلمون ويعترفون به صراحة في المذكرة المقدمة منهم بملف الطعن على النحو السالف إيضاحه، وكذلك يقرر الحكم المطعون فيه، وعلى مقتضى هذا الوضع الذي لا خلاف فيه يكون مقطع النزاع في تلك الدعاوى البحث في السند الذي قامت عليه ومدى مطابقته للقانون من عدمه.
ومن حيث إنه بالاطلاع على القانون رقم 75 لسنة 1933 الخاص بالخبراء أمام المحاكم، والصادر في 10/ 7/ 1933 يبين أنه تضمن أحكاماً من موجبها أن يكون في كل محكمة من محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية جداول للخبراء المقبولين أمامها، وأن الذي يتولى وضع هذه الجداول لجنة الخبراء أمام كل محكمة من محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، ونص على كيفية تشكيل هذه اللجان، كما أوجب ألا يزيد مجموع الخبراء على ثلاثين في كل محكمة ابتدائية، وعشرين في محكمة استئناف مصر، وخمسة عشر في محكمة استئناف أسيوط، وحظر على موظفي الحكومة أو مجالس المديريات أو المجالس البلدية ما داموا في الخدمة، أن يؤدوا عمل أهل الخبرة، ومع ذلك فأعمال الخبرة التي تتطلب معلومات خاصة يجوز للمحكمة أن تكلف بها الموظف الحاصل على تلك المعلومات بشرط أن يصرح لهم رؤساؤهم بذلك، وقضى بأن الخبراء المقيدين في جداول المحاكم وقت نشر هذا القانون يستمرون في أعمالهم ولو كان عددهم زائداً عن المقرر لكل محكمة ولا يعين أحد في المحال التي تخلو ما دام عدد الخبراء المقيدين في كل قسم يزيد على الحد الأقصى المقرر. صدر بعد ذلك المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء ناصاً على أن يقوم بأعمال الخبرة أمام جهات القضاء خبراء الجدول الحاليون وخبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي والمصالح الأخرى التي يعهد إليها بأعمال الخبرة، وكل من ترى جهات القضاء عند الضرورة الاستعانة برأيهم الفني من غير من ذكروا، كما قضى بأن الخبراء المقيدين في جداول المحاكم وقت العمل بهذا القانون يستمرون في أعمالهم كل في القسم المدرج فيه، ولا يجوز أن يفيد من هذه الجداول أحد بدلاً ممن تخلوا محالهم في أي قسم من الأقسام، وأوجب شروطاً معينة فيمن يعين في وظائف الخبرة ثم أورد استثناء من أحكام المادة من قانون المرافعات وهو أن يحلف خبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي قبل مزاولة أعمال وظائفهم يميناً أمام إحدى دوائر محاكم الاستئناف، ونص في المادة منه على أنه لجهات القضاء أن تندب للقيام بأعمال الخبرة خبيراً أو أكثر من خبراء الجدول أو تندب مكتب خبراء وزارة العدل أو قسم الطب الشرعي أو إحدى المصالح الأخرى المعهود إليها بأعمال الخبرة، فإذا رأت لظروف خاصة أن تندب من غير هؤلاء وجب أن تبين ذلك في الحكم.
ويخلص من استعراض نصوص القانونين المتقدمين – الذين يقول المدعون أن حقهم الذي يطالبون به قد نشأ في ظلهما – أن الأصل في أعمال الخبرة أمام جهات القضاء إنما هي أولاً للخبراء المقيدين في الجداول بالطريقة المرسومة قانوناً وبالشروط المتطلبة لذلك ثم لخبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي والمصالح الأخرى التي يعهد إليها بأعمال الخبرة، ثم – وفي حالة الضرورة ولظروف خاصة – يجوز للقاضي أن يندب للقيام بعمل الخبرة من غير هؤلاء، بشرط أن يبين في الحكم الموجب لهذا الندب – وعلى ذلك، ولما كان المدعون في الدعاوى المشار إليها لم يتقدموا للقيد في جداول الخبراء بالتطبيق لأحكام القانونين المذكورين، وإنما تقدموا لرئاسة محكمة القاهرة الابتدائية باعتبارهم ذوي خبرة في أمور معينة للاستعانة بهم إذا كان الأمر في حاجة إلى خبرتهم، ومن ثم فلا يمكن اعتبارهم من خبراء الجدول أو ما يسمى بالجدول العام أو من الخبراء المقبولين أمام المحاكم في نظر القانونين سالفي الذكر، وهو الأمر الذي يسلم به هؤلاء المدعون والحكم المطعون فيه أيضاً، وأن مجرد إدراج أسمائهم في كشف أطلق عليه اسم الكشف الخاص لا يعطي لهم صفة خبراء الجدول العام ولا الحقوق التي رتبها القانون لهؤلاء وبالتالي فليس من إلزام على المحاكم أن تندبهم إذا لم تجد الضرورة الملجئة لهذا الندب هذه الضرورة التي يرجع في تقديرها للمحاكم نفسها، ومتى انعدمت الضرورة رجعت المحاكم إلى الأصل العام وتقيدت في الندب من بين طوائف الخبراء الذين عينهم القانون بصفاتهم وذواتهم. ويبين من المكاتبات التي دارت بين وزارة العدل وبين رئاسة محكمة القاهرة الابتدائية أن القصد من إنشاء الكشف الخاص هو للإرشاد وتسهيلاً للأمر على القضاء إذا ما دعت الضرورة للندب من غير من عينهم القانون.
ومن حيث إن القانون، وإن كان لم يضع قاعدة تجري على سنتها المحكمة في ندب خبراء الجدول العام، فإن من حق الجمعية العمومية للقضاة أن تضع من القواعد ما يكفل عدالة التوزيع بينهم وهذا لا يكون إلا بالنسبة لطائفة تماثلت ظروفها واتحدت مراكزها القانونية فإذا أقرت الجمعية العمومية أن يكون ندب خبراء الجدول بالدور فهذا ولا شك تنفيذ صحيح للقانون لأنه يحقق المساواة فيما بينهم وأما إقحام طائفة خبراء الجدول الخاص عليهم وندبهم جميعاً بالدور معاً فهو الأمر الذي لا يتفق مع القانون لاختلاف المركز القانوني وتباين الظروف التي يندب فيها أفراد كل من الطائفتين إذ الأصل أن يكون الندب من بين خبراء الجدول العام ولا يلجأ لغيرهم ممن ورد ذكرهم في الكشف الخاص إلا في حالة الضرورة وأن يبين القاضي في حكمه الأسباب التي دعته إلى هذا الندب وبمعنى آخر فإن ندب خبراء الجدول الخاص إنما هو ندب لظروف تقوم عند الندب لمسألة معينة مما لا يتأتى معه إعطاؤهم نفس المركز لخبراء الجدول العام، وبداهة إن الاستثناء لا يمكن أن يوضع له قاعدة ثابتة لأنه مرهون بوقته ومن ثم إذا كانت الجمعية العمومية لقضاة محكمة مصر الابتدائية قد سوت في الندب بالدور بين خبراء الجدول العام وخبراء الجدول الخاص فإن قرارها هذا – وهو لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً – قد جاء مخالفاً للقانون نصاً وروحاً، لأنه فضلاً عما سبق إيراده من حجج على عدم صحة هذا الإجراء التنفيذي للقانون فإن التسوية في المراكز القانونية بين خبراء الجدول العام وخبراء الجدول الخاص يجعل ندبهم معاً بالدور هو بمثابة إلغاء للقيد الذي ورد في القانون من عدم إجراء أي قيد جديد في جدول الخبراء وإلغاء أيضاً للقيد الذي اشترطه القانون في حالة ندب خبير من خارج الجدول فإذا رأت الجمعية العمومية بعد اتخاذها هذا القرار العدول عنه إثر المكاتبات التي دارت بينها وبين وزارة العدل وبعد استطلاع مكتب الخبراء بالوزارة المذكورة فإنها لا تكون قد أخطأت بل تكون قد صححت الإجراء بما يتفق مع القانون وطبيعة الأشياء.
ومن حيث إن المدعين في الدعاوى 1353 و1914 و1736 و3727 لسنة 9 القضائية قد طالبوا بإلغاء القرارات الصادرة من الجمعية العمومية لقضاة محكمة مصر الابتدائية في 29/ 12/ 1954 و9/ 6/ 1955 بقصر الندب بالدور على خبراء الجدول العام دون خبراء الكشف الخاص وفي 24/ 2/ 1955 بجعل الندب بالدور على خبراء الجدول مقصوراً على بعض خبراء الكشف الخاص دون البعض الآخر وبنوا طلبهم هذا تأسيساً على أن القانون رقم 75 لسنة 1933 والمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 لم يتضمنا أي نص في شأن طريقة ندب خبراء الجدول العام وعلى ذلك يكون للجمعية العمومية لقضاة محكمة مصر الابتدائية أن تقرر أي قاعدة تنظيمية في هذا الشأن، ما دامت تستهدف من ذلك تحقيق الصالح العام فلا تثريب عليها إذا هي رأت أن يكون الندب بالدور لخبراء الجدولين العام والخاص معاً وذلك بعد أن لمست حالة الضرورة القائمة بسبب كثرة القضايا وقلة عدد الخبراء وبذلك – هكذا يقول المدعون – يكون القرار الصادر في 5 من أكتوبر سنة 1952 هو ما صدر بشأنه المنشور القديم من الطاعنة تحت رقم 1 حافظة – بإشراك خبراء الجدول الخاص مع خبراء الجدول العام في مباشرة أعمال الخبرة، على أن يكون الندب بالدور فيما بينهم جميعاً هو قرار سليم وإن جاز للجمعية العمومية العدول عن القاعدة التنظيمية السابق تقريرها في 5/ 10/ 1952 المشار إليها إلا أن ذلك مشروط بزوال حالة الضرورة التي أوجبت وضع هذه القاعدة وأن تستهدف في تعديلها أو إلغائها تحقيق مصلحة عامة والثابت من الأوراق على النحو الذي سرده المدعون في ردهم عن الطعن والسابق الإشارة إليه في هذه الأسباب – أن حالة الضرورة لا تزال قائمة وبالتالي يكون الإلغاء لأسباب خاصة مما يعيب القرارات المطعون فيها ويبطلها.
ومن حيث إنه لا نزاع في أن للجمعية العمومية لقضاة محكمة مصر الابتدائية أن تصدر قواعد تنظيمية عامة فيما يتعلق بالمسائل الماسة بشئونها الإدارية بشرط ألا تخالف هذه القواعد قانوناً قائماً كما وأن لها أن تعدل في تلك القواعد أو تلغيها إذا ما رأت فيها شذوذاً للمنطق السليم وحكم الواقع أو مجافاة لروح القانون وأن المصلحة العامة لا تقتضيها.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى قرار 5/ 10/ 1952 والمنشور الصادر في شأنه وهما الدعامة الأولى في طلبات المدعين بإلغاء القرارات السالفة الذكر يبين أن القرار المذكور هو عبارة عن كتاب مبلغ من رئاسة محكمة القاهرة الابتدائية إلى المحاكم الجزئية التابعة لها متضمناً أن قانون الخبراء رقم 75 لسنة 1933 قد حدد مجموع خبراء كل محكمة ابتدائية بثلاثين خبيراً، وهذه المراكز سبق ملؤها منذ أمد بعيد وأنه نظراً لاتساع أعمال الخبرة فقد رؤي الاستعانة بخبراء من غير الحكوميين وغير خبراء الجدول العام المقيدين من قبل وأعد جدول خاص يشمل خبراء في أبواب من الخبرة لم تكن معروفة من قبل وذلك للمعاونة مع الخبراء المتقدم ذكرهم حتى تتمكن المحاكم من إنجاز ما لديها من أعمال، وإذ صدر المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 فقد ورد بالمادة الأولى منه بأن يقوم بأعمال الخبرة أمام جهات القضاء خبراء الجدول الحاليون وخبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي والمصالح الأخرى التي يعهد إليها بأعمال الخبرة ولكل من ترى جهات القضاء عند الضرورة الاستعانة برأيهم الفني من غير من ذكروا، لذلك ترى وللضرورة القائمة إعطاء خبراء الجدول الخاص الواردة أسماؤهم بالكشف دورهم في العمل كما كان جارياً من قبل.
ومن حيث إن هذا القرار، كما سبق القول، لا يعدو، أن يكون تنفيذاً خاطئاً للقوانين المنظمة للخبرة وهي محصورة في خبراء الجدول وخبراء وزارة العدل ومصلحة الطب الشرعي وموظفي المصالح الأخرى التي يعهد إليها بأعمال الخبرة وبصفة استثنائية وللضرورة الاستعانة بغير من ذكروا وهم الذين دونت أسماؤهم في الكشف الخاص فندبهم بالدور مع الفئات التي وكل إليها القانون بأعمال الخبرة أمام المحاكم هو إضفاء صفة الاستدامة عليهم مما يدخلهم في زمرة خبراء الجدول، الأمر الذي يحظره القانون بصفة قاطعة كما وأنه من غير المقبول عقلاً ولا منطقاً أن يتساوى في الحقوق الخبراء الدائمون وهم خبراء الجدول العام مع خبراء الضرورة الذين لا يندبون إلا في حالة معينة ولظروف خاصة يجب على القاضي تبيانها في الحكم، ومن ثم فلا اعتداد بهذا القرار ولا يكتسب أية حصانة، وللسلطة التي أصدرته أن تلغيه في أي وقت دون قيد أو شرط بمجرد أن تبين لها خطؤه، فإذا جاء الإلغاء بعد تظلم خبراء الجدول العام، فلا يكون ذلك سبباً في تعييب الإلغاء بالانحراف وسوء استعمال السلطة بحجة أنه صدر بالاستجابة للصالح الخاص والحقيقة أنه صدر استجابة لحكم القانون – وعلى فرض أن هذا القرار هو قاعدة تنظيمية تملك الجمعية العمومية إصدارها ولا مخالفة فيها للقانون فإنه من المسلم به أن للجمعية أن تلغيها لاعتبارات تراها هي وتقدرها دون ما معقب عليها في ذلك ما دامت تستهدف الصالح العام – والثابت من الأوراق أن الضرورة التي حدت بالجمعية إلى اتخاذ قرار 5/ 10/ 1952 قد زالت بعد أن تبين لها أن مكتب خبراء وزارة العدل قد زود بعدد كاف من الخبراء، وقد أشارت الجمعية العمومية في الجلسة التي اتخذت فيها قرار 9/ 6/ 1955 القاضي بجعل الندب بالدور قاصراً على خبراء الجدول العام فإن ذلك كان بناءً على كتاب وزارة العدل المؤرخ 4/ 6/ 1955 تعقيباً على قرار الجمعية الأخير الصادر في 4/ 2/ 1955 في إشراك بعض خبراء الجدول الخاص بالندب بالدور مع خبراء الجدول العام ولا جدال في أن وزارة العدل تعتبر جهة رئاسية بالنسبة للمحاكم فيما يختص بولاية هذه المحاكم الإدارية وفيما تتخذه من قرارات لها الصفة الإدارية، خصوصاً وأن وزارة العدل قد أفصحت في الكتب المتبادلة بينها وبين رئاسة محكمة مصر الابتدائية على اعتراضها على ما اتخذته الجمعية العمومية لهذه المحكمة من ندب خبراء الكشف الخاص الذي ينتمي إليه المدعون بالدور مع خبراء الجدول العام مما يجعلهم فعلاً ضمن الأخيرين، وبالتالي قيد جديد في الجدول وهو الأمر الذي يمنعه القانون، ومن ثم ولكل هذا تكون الجمعية المذكورة إذ عادت إلى الأصل الطبيعي وجعلت الندب بالدور مقصوراً على خبراء الجدول العام وحدهم دون خبراء الجدول الخاص فإنها تكون قد عدلت عن قرار 5/ 10/ 1952 الذي استند إليه المدعون في طلباتهم، ولم تعمد إلى ذلك إلا لمبررات لها سندها من الواقع والقانون ولم يكن بغية صالح خاص كما يقول المدعون ومن ورائهم الحكم المطعون فيه وكل قرار يصدر عن السلطة الإدارية مفروض فيه تحقيق مصلحة عامة إلا إذا قام الدليل على العكس وبالتالي فلا محل للقول بالتعسف أو سوء استعمال السلطة وتأثيم القرارين المطعون فيهما الصادرين في 29/ 12/ 1954 و9/ 6/ 1955 والقضاء ببطلانهما على هذا الأساس دون ما دليل في الأوراق على ذلك.
ومن حيث إنه عن القرار الصادر في 24/ 2/ 1955 بإشراك بعض خبراء الكشف الخاص في الندب بالدور مع خبراء الجدول العام وهو موضوع الدعوى رقم 1836 ضمن الطلبات الواردة في الدعويين 1736، 1914 فإن هذا القرار قد ألغي ضمناً بصدور القرار المؤرخ 9/ 6/ 1955 الذي جعل الندب بالدور مقصوراً على خبراء الجدول العام دون إشراك أي واحد معهم من خبراء الجدول الخاص ومع ذلك فإن هذا القرار قد جاء خاطئاً من ناحية أخرى لأن الندب بالدور لا يكون إلا بخبراء الجدول العام على النحو المفصل آنفاً في أسباب هذا الحكم، والحكم المطعون فيه وإن كان قد انتهى إلى إلغاء هذا القرار إلا أنه بنى الإلغاء على عدم جواز إشراك بعض خبراء الجدول الخاص في الندب بالدور مع خبراء الجدول العام دون الباقين، أي أنه يسلم بجواز إشراك خبراء الجدول الخاص بصفة مطلقة في الندب بالدور مع خبراء الجدول العام وهي وجهة نظر مغايرة تماماً لما انتهت إليه هذه المحكمة من عدم جواز ذلك.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما انتهى إليه من إلغاء القرار الصادر في 24 من فبراير سنة 1955 ويكون الطعن بالنسبة لهذا الشطر من الحكم على أساس غير سليم من القانون ومن ناحية أخرى فقد أخطأ الحكم المطعون فيه الصواب بإلغاء القرارين الصادرين في 29/ 12/ 1954 و9 من يونيه سنة 1955 للأسباب المتقدم ذكرها، ويتعين لذلك إلغاؤهما في هذا الشطر منه، ورفض الدعاوى المتعلقة بطلب إلغاء هذين القرارين وإلزام رافعيها المصروفات.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن أحد المدعين أسعد أبو زيد قد توفى إلى رحمة الله فيتعين الحكم بانقطاع سير الخصومة بالنسبة إليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة أولاً: بانقطاع سير الخصومة بالنسبة إلى أسعد أبو زيد لوفاته. ثانياً: قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء القرارين الصادرين في 29 من ديسمبر سنة 1954 و9 من يونيه سنة 1955 وبرفض الطلبات الخاصة بهما وبتأييده فيما عدا ذلك وإلزام الحكومة المصروفات المناسبة [(1)].


[(1)] صدر هذا الحكم وتلي علناً بجلسة يوم السبت 10 من مارس سنة 1962 الموافق 4 من شوال سنة 1381 هـ برئاسة السيد الإمام الإمام الخريبي وكيل المجلس وعضوية السادة المستشارين مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي. أما السيد بدوي إبراهيم حمودة رئيس المجلس الذي سمع المرافعة وحضر المداولة فقد وقَّع مسودة الحكم.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات