الطعن رقم 1285 لسنة 7 ق – جلسة 03 /03 /1962
مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ
القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة – العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر إبريل سنة 1962) – صـ
415
جلسة 3 من مارس سنة 1962
برياسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي وكيل المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد عبد العزيز البرادعي ومحمد مختار العزبي المستشارين.
القضية رقم 1285 لسنة 7 القضائية
( أ ) موظف – تعيين في وظيفة معاون تليفون – اتباع هيئة المواصلات
السلكية واللاسلكية قاعدة تنظيمية تقضي بوجوب أخذ رأي إدارة المباحث العامة في المرشحين
للتعيين كإجراء وقائي متعلق بأمن الدولة وسلامتها – مقتضى إعمال هذه القاعدة – اعتبار
التعيين الذي يتم دون مراعاة حكمها مبتسراً غير بات ومعلقاً على شرط ضمني هو عدم قيام
مانع متصل بأمن الدولة من هذا التعيين – حق الهيئة في الرجوع في هذا التعيين.
(ب) موظف – تعيين في وظيفة معاون تليفون – عدم موافقة مكتب الأمن بوزارة المواصلات
بناءً على تحريات إدارة المباحث العامة، على تعيين المرشحة لهذه الوظيفة لنشاطها الشيوعي
وسحب قرار التعيين لهذا السبب – صحيح – خلو ملف الخدمة السابقة للمرشحة من أي جزاء
تأديبي بسبب نشاط من هذا القبيل لا يغير من هذا الحكم.
1 – إن إعادة المدعية إلى العمل بخدمة هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية في وظيفة
معاونة تليفون كانت بصفتها مستجدة الأمر الذي يستلزم خضوع هذا التعيين الجديد للقاعدة
المتبعة في شأن المرشحين لوظائف بهيئات وزارة المواصلات ومصالحها وهي وجوب أخذ رأي
إدارة المباحث العامة في هذا التعيين كإجراء وقائي متعلق بأمن الدولة وسلامتها درجت
عليه الإدارة لدى التعيين في الوظائف العامة لا سيما ما كان منها ذا وضع حساس. ومقتضى
إعمال هذه القاعدة التنظيمية المطردة أن كل تعيين يتم دون مراعاة حكمها يكون تعييناً
مبتسراً غير بات ومعلقاً على شرط ضمني هو عدم قيام مانع متصل بأمن الدولة من هذا التعيين
مما اختص جهاز المباحث العامة بالكشف عنه. فإذا ثبت قيام المانع تخلف شرط من شروط الصلاحية
للتعيين في الوظيفة العامة ابتداءً أو للبقاء فيها استمراراً وكان للإدارة الرجوع في
هذا التعيين.
2 – إذا كان الثابت أن إدارة المباحث العامة وهي جهاز التحريات الرسمي المختص بمعاونة
الإدارة في استجماع المعلومات والبيانات والدلائل عن المرشحين للتعيين، والمفروض فيه
الحيدة والصدق وتحري الدقة وأمانة العرض – قد أوضحت ما أخذته على المدعية من نشاط ضار
بأمن الدولة وبالصالح العام مما حددته تفصيلاً أو اعتبرته في تقديرها سبباً مبرراً
كافياً لعدم الاطمئنان إليها في الوظيفة المرشحة لها. وقد أسندت إدارة المباحث إلى
المذكور إتيان عمل إيجابي من جانبها أخذتها فيه بسلوكها هي لا بجريرة غيرها من الأشقاء
أو الأهل، ولا يقدح في صحة هذه الوقائع خلو ملف المدعية إبان خدمتها السابقة من أي
جزاء بسبب نشاط من هذا القبيل مع وجود جهاز مختص للمراقبة على عمال التليفون وعاملاته
أثناء قيامهم بواجبات وظائفهم الرسمية وأن هذا الجهاز لو اكتشف مثل هذا النشاط لبدا
أثره في ملف خدمتها في جزاء وقع عليها بسببه في حينه، ذلك أنه لم ينهض دليل على عدم
صحة المعلومات التي كشفت عنها تحريات المباحث العامة فإن الظاهر من الظروف المحيطة
بالمدعية يؤيد هذه المعلومات وإذا كان جهاز المراقبة لم يسجل في ملف خدمة المذكورة
في الماضي تسمعها للمحادثات التليفونية بين الإدارة وفروعها بالمنصورة ونقلها مضمون
هذه المحادثات وبوجه خاص ما اتصل منها بالنشاط الشيوعي إلى الشيوعيين الذين تسربت إليهم
أنباؤها رغبة منه في تكتم الأمر وتربص العثرة بها في الفرصة المناسبة مما يكون قد حال
دونه استقالتها بسبب الزواج، فإن الدليل العقلي الملموس على حصول هذا التسجيل بالفعل
خارج الملف هو ظهور هذه الوقائع مفصلة وعدم خفائها على ذوي الشأن لدى البحث في إعادة
تعيين المدعية، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه الصادر من الهيئة بسبب عدم موافقة مكتب
الأمن بوزارة المواصلات بناءً على تحريات إدارة المباحث العامة (فرع النشاط الداخلي)
على تعيينها من الوجهة السياسية يكون صحيحاً صادراً ممن يملكه وقائماً على سببه المشروع
الذي يبرره وهو سبب له أصل ثابت من الأوراق يؤيد مادياً وقانوناً النتيجة التي انتهى
إليها القرار والتي استخلصها استخلاصاً سائغاً من هذه الأوراق.
إجراءات الطعن
في يوم السبت الموافق 3 من يونيه سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة
بصفتها نائبة عن السيد مدير عام هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية سكرتيرية المحكمة
عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1285 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر
من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية بجلسة 4 من إبريل
سنة 1961 في الدعوى رقم 290 لسنة 6 القضائية المقامة من السيدة/ ملكة جندي إبراهيم
ضد السيد وزير المواصلات التنفيذي، القاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار
الإداري المطعون فيه رقم 443 المؤرخ أول نوفمبر سنة 1958 القاضي بفصل المدعية من الخدمة
مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى عليها المصروفات وبأن تدفع للمدعية مبلغ
200 ق (مائتي قرش) مقابل أتعاب المحاماة. وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها
في صحيفته "إحالة هذا الطعن على دائرة فحص الطعون لتقضي بإحالته على المحكمة الإدارية
العليا لتقضي بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون
ضدها وإلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين".
وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليها في 27 من يونيه سنة 1961. وبعد أن انقضت المواعيد
القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام
دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 3 من ديسمبر سنة 1961 التي أبلغ بها الطرفان في
12 من نوفمبر سنة 1961. وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا لنظره بجلسة
3 من فبراير سنة 1962 التي أبلغ بها الطرفان في 9 من ديسمبر سنة 1961. وقد قررت الدائرة
إحالة الطعن إلى المحكمة العليا لنظره الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء
إصدار الحكم في الطعن إلى جلسة اليوم، مع الترخيص في تقديم مذكرات. وقد أودعت المطعون
عليها بمذكرة انتهت فيها إلى طلب "الحكم برفض الطعن موضوعاً، وتأييد الحكم المطعون
فيه مع إلزام الهيئة الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". كما قدمت هيئة المواصلات
السلكية واللاسلكية الطاعنة مذكرة بدفاعها خلصت فيها إلى طلب "الحكم بقبول الطعن شكلاً،
وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعية المصروفات ومقابل
أتعاب المحاماة عن الدرجتين".
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعية أقامت
الدعوى رقم 290 لسنة 6 القضائية ضد وزارة المواصلات (هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية)
أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية بعريضة أودعتها
سكرتيرية المحكمة في 5 من فبراير سنة 1959 ذكرت فيها أنها التحقت بهيئة المواصلات السلكية
واللاسلكية في عام 1945 حيث عملت بسنترال المنصورة ثم قدمت استقالتها بعد ذلك بسبب
زواجها، ولكن الظروف اضطرتها إلى العودة إلى عملها مرة أخرى بعد أن حصلت على استثناء
من السيد وزير المواصلات لأن القانون يمنع عمل المتزوجات في السنترال، وقد روعي في
هذا الاستثناء اعتبارات إنسانية تحيط بالمدعية، وبالفعل تسلمت عملها في يوم 28 من سبتمبر
سنة 1958 إلا أنها فوجئت في يوم 18 من أكتوبر سنة 1958 بفصلها من العمل بغير ما ذنب
اقترفته. وقد تقدمت في 17 من ديسمبر سنة 1958 بتظلم إلى الهيئة التي أجابت بأن "الفصل
كان لصالح العمل" وهذا الرد من جانب الهيئة دليل قوي على أن الفصل جاء تعسفياً غير
مبني على أساس من القانون، وأن الإدارة قد أساءت استعمال حقها، ومن ثم فإن المدعية
تطلب من المحكمة "أن تحكم بإلغاء قرار الفصل الصادر في 18 من أكتوبر سنة 1958 واعتباره
كأن لم يكن، مع إلزام وزارة المواصلات بالمصروفات وأتعاب المحاماة". وقد ردت هيئة المواصلات
السلكية واللاسلكية على هذه الدعوى بأن المدعية كانت تشغل وظيفة معاونة تليفون واستقالت
بسبب الزواج، ثم تقدمت بطلب لإعادتها إلى الخدمة بصفة مستجدة، وقد وافق السيد المدير
العام على ذلك، إلا أنه عقب تسلمها العمل أبلغ مكتب الأمن بوزارة المواصلات بأنه لا
يوافق على تعيينها من الوجهة السياسية في الوظيفة المرشحة لها، ولذا فصلت من الخدمة
اعتباراً من 18 من أكتوبر سنة 1958، ومن ثم تكون دعواها غير مستندة إلى أساس سليم من
القانون.
وقد عقبت المدعية على دفاع الوزارة هذا بمذكرة قالت فيها أن فصلها لم يكن لصالح العمل
وأنه لم يكن لها في أي وقت من الأوقات أي نشاط سياسي وأن ثمت معلومات خاطئة وردت إلى
الجهة الإدارية التي لم توافق على خدمتها لأسباب سياسية وكل ما في الأمر أن لها شقيقاً
معتقلاً في تهمة سياسية وما كانت صلة القربى لتنهض سبباً لمساءلتها عن فعل الغير لتنافي
هذا مع أبسط قواعد العدالة ومبادئ الدستور والقانون، وإنما المصلحة في بقائها في الخدمة
لانتشال مواطنة شريفة وأسرتها من التشريد والإفادة من مرانها السابق على العمل الذي
يجعلها تفضل أي مستخدم مبتدئ. وقد أودعت هيئة مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني
مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي
الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الهيئة العامة
لشئون المواصلات السلكية واللاسلكية بالمصروفات" وقد قدمت الهيئة مذكرة تعقيباً على
تقرير هيئة مفوضي الدولة أشارت فيها إلى أن السيد المفوض ذهب إلى أنه لم يوجد بملف
خدمة المدعية ما يثبت قيامها بالتسمع ونقل الأخبار إلى شقيقها وقريبيها الشيوعيين،
والواقع أن التحريات التي بني عليها فصلها قد تمت بوساطة إدارة المباحث. والقاعدة المتبعة
والنظم المعمول بها تقضي بوجوب أخذ رأي إدارة المباحث أولاً عند تعيين أي موظف أو موظفة.
وتقوم تلك الإدارة بعمل التحريات اللازمة عن طالب الوظيفة ثم تبدي رأيها في تعيينه.
وهو ما حصل مع المدعية وبناءً على كتاب مكتب الأمن المبلغ للهيئة والمتضمن عدم موافقته
على تعيين المذكور ثم إلغاء قرار تعيينها وبذلك يكون هذا القرار قد جاء سليماً موافقاً
للقانون والصالح العام. وبجلسة 4 من إبريل سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية بقبول الدعوى
شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه رقم 443 المؤرخ أول نوفمبر سنة
1958 القاضي بفصل المدعية من الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى عليها
بالمصروفات وبأن تدفع للمدعية مبلغ 200 ق (مائتي قرش) مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت
قضاءها على أن القضاء الإداري قد استقر على أن الإدارة إذا ما ذكرت أسباباً لقرارها
فإن هذه الأسباب تكون خاضعة لرقابته للتحقق من صحتها من الوجهة الواقعية ومن مطابقتها
للقانون، بحيث إذا اتضح عدم صحتها واقعياً أو مخالفتها للقانون أو عدم صلاحيتها بحسب
التكييف القانوني السليم سبباً للقرار كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب
ووقع مخالفاً للقانون. أما إذا كان السبب صحيحاً واقعياً وقانوناً فإن القرار يكون
قائماً على سببه ومطابقاً للقانون. وقد أوضحت الإدارة بجلاء أن سبب القرار المطعون
فيه هو عدم موافقة مكتب الأمن بوزارة المواصلات على تعيين المدعية. كما ذكرت إدارة
المباحث العامة أن سبب عدم موافقتها على هذا التعيين هو أنه قد ثبت لديها من التحريات
أن المذكورة عندما كانت تعمل من قبل بسنترال المنصورة كانت تستغل وظيفتها في التسمع
إلى المحادثات التليفونية بين الإدارة وفروعها بالمنصورة وكانت تبلغ مضمون هذه المحادثات
– وخاصة ما يتصل منها بالنشاط الشيوعي – إلى شقيقيها الشيوعيين المعتقل أحدهما حالياً
وإلى ابن خالها الشيوعي المحبوس على ذمة قضية شيوعية. وقد ترتب على ذلك تسرب هذه المحادثات
التليفونية إلى الشيوعيين وما ينتج عنه من أضرار بالصالح العام. وقد أقرَّ الحاضر عن
الهيئة المدعى عليها بأن لدى الهيئة جهازاً للمراقبة على عمال التليفون وعاملاته أثناء
قيامهم بأعمالهم الرسمية بحيث يسجل عليهم كافة الأخطاء التي يرتكبونها أثناء قيامهم
بواجباتهم الرسمية. ومعنى ذلك أنه لو صح ما نسب إلى المدعية من تسمع للمحادثات التليفونية
بين الإدارة وفروعها لاكتشف جهاز المراقبة المختص بذلك ولوقعت عليها العقوبة التي تستحقها
عن هذا الفعل بيد أن كشف الجزاءات الموقعة عليها أثناء مدة خدمتها الأولى بالهيئة جاء
خلواً من مثل هذه العقوبة، كما أن إدارة المباحث ما كانت لتتوانى عن إخطار الهيئة بهذا
الفعل فيما لو كان قد وقع من المذكورة قبل استقالتها بسبب الزواج. ولما كان لم يثبت
ثبوتاً قاطعاً أن المدعية قد قارفت فعلاً من الأفعال الضارة بالدولة وأمنها فإن القرار
المطعون فيه يكون قد جاء مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء. وقد طعنت هيئة المواصلات
السلكية واللاسلكية في هذا الحكم بعريضة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة في 3 من يونيه
سنة 1961 طلبت فيها "إحالة هذا الطعن على دائرة فحص الطعون لتقضي بإحالته على المحكمة
الإدارية العليا لتقضي بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض
دعوى المطعون ضدها وإلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين" واستندت
في أسباب طعنها إلى أن القرار الصادر بإعادة تعيين المدعية قد وقع مخالفاً للقانون
الذي يشترط لصلاحية الموظف للتعيين في الوظيفة العامة أن يكون حسن السير والسلوك وحسن
السمعة الأمر الذي يثبت إما بشهادة إدارية أو بتحريات الجهات الإدارية بأجهزتها الخاصة
وقد ثبت من التحريات التي أجرتها إدارة المباحث العامة أن المدعية تقوم بعمل ضار بأمن
الدولة وسلامتها، إذ أنها عندما كانت في خدمة الهيئة قبل استقالتها كانت تستغل وظيفتها
للتسمع إلى المحادثات التليفونية وتنقل مضمونها وخاصة ما يتصل منها بالنشاط الشيوعي
إلى شقيقيها وأحد أقاربها الشيوعيين. وقد أخطأت المحكمة إذ قررت أن ملف خدمة المدعية
خلو من أي دليل على ارتكابها هذا الفعل، إذ أن هذا الملف ليس هو المصدر الوحيد الذي
يجب الاقتصار عليه في كل ما يتعلق بالموظف من بيانات ومعلومات فقد لا يحتويها ولكنها
لا تغيب عن ذوي الشأن ممن بيدهم زمام الأمور يستقونها سواء بأنفسهم أو بمصادرهم الخاصة
أو بالأجهزة الرسمية المخصصة لاستجماع هذه البيانات والمعلومات، ومتى ثبت أن المدعية
قد فقدت أحد شروط الصلاحية للتعيين وهو حسن السمعة والسير والسلوك، فإن القرار الصادر
بتعيينها يكون مخالفاً للقانون ويحق للجهة الإدارية أن تراجع نفسها فيه وتسحبه. وقد
تم هذا السحب من جانب الإدارة خلال الستين يوماً من تاريخ صدور القرار وبذلك يكون القرار
المطعون فيه قد صدر صحيحاً ممن يملكه وقائماً على سببه. وإذ جرى الحكم المطعون فيه
على خلاف هذا النظر. فإنه يكون قد خالف القانون وقامت به إحدى حالات الطعن أمام المحكمة
الإدارية العليا. وقد عقبت المدعية على هذا الطعن بمذكرة قالت فيها أن الأمر لم يكن
يتعلق بشروط صلاحية التعيين بل كان إعادة إلى العمل والمفروض أن الهيئة قد قامت بتحرياتها
التي تأكدت بها من صلاحية المدعية لإعادتها إلى العمل فعلاً. إذ ليس يقبل منها أن تطعن
على قرار أصدرته هي بإرادتها المنفردة بالبطلان. ومع ذلك لم يقم دليل على هذا البطلان
إذ لا يوجد بملف خدمة المدعية أي تقرير يثير الشبهة حول صلاحيتها لشغل وظيفتها أو يؤيد
الزعم بخطورتها على أمن الدولة وسلامتها. وإذا صح هذا الادعاء فكيف يمكن تقرير سكوت
الإدارة عنها قبل استقالتها وعدم فصلها إياها إبان خدمتها السابقة. وإذا كان ملف الخدمة
ليس هو الوعاء الوحيد الذي يعكس شخصية الموظف بما فيها من حسنات وسيئات فلا أقل من
أن يتناول ذلك ملفه السري الخاص. وبالرجوع إلى هذا الملف السري يبدو خالياً من أي أثر
مما زعمته الإدارة في حق المدعية. وعليه فليس ثمت من سبب قانوني صحيح أقامته الهيئة
الطاعنة أساساً لتصرفها حتى يمكن إقامة الدليل على عدم صحته، ومن ثم يكون القرار الإداري
الذي ألغاه الحكم المطعون فيه قراراً خاطئاً في الواقع ومخالفاً للقانون والعدالة،
مما يتعين معه تأييد هذا الحكم. وخلصت المدعية من هذا إلى طلب "الحكم برفض الطعن موضوعاً
وتأييد الحكم المطعون فيه مع إلزام الهيئة الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعية أنها كانت تعمل بخدمة هيئة المواصلات
السلكية واللاسلكية بوظيفة معاونة تليفون بسنترال المنصورة في الدرجة الخصوصية (60/
96) جنيهاً خارج الهيئة بماهية سنوية قدرها ستون جنيهاً اعتباراً من 27 من مايو سنة
1954 ثم اعتبرت مستقيلة من الخدمة بسبب الزواج من 12 من يناير سنة 1956 تاريخ انقطاعها
عن العمل، وصدر بذلك الأمر الإداري رقم 856 في 10 من إبريل سنة 1956 من السيد مدير
عام الهيئة. وقد تقدمت بعد ذلك إلى السيد وزير المواصلات بطلب تلتمس فيه إعادتها إلى
الخدمة لمعاونة زوجها الذي كان يعمل بقاعدة قناة السويس بالتل الكبير وأصبح متعطلاً
عن العمل بعد تصفية القاعدة، فرأى سيادته أن يتحقق من البيانات الواردة بهذا الطلب
حتى إذا ثبتت صحتها ينظر في أمر إعادتها إلى العمل. وقد وافق السيد مدير حركة التليفونات
في 29 من مارس سنة 1958 على إعادتها كما وافق على ذلك السيد مدير عام الهيئة في 10
من إبريل سنة 1958 وعلى هذا صدر الأمر الإداري رقم 331 في 28 من سبتمبر سنة 1958 من
السيد المدير العام بإعادة المذكورة للخدمة بصفة مستجدة بوظيفة معاونة تليفون بالدرجة
الخصوصية (60/ 96) جنيهاً خارج الهيئة بماهية سنوية قدرها ستون جنيهاً. ولما كان المتبع
في التعيينات أن يؤخذ رأي إدارة المباحث العامة وفرع النشاط الداخلي في الأشخاص المرشحين
للوظائف بهيئات وزارة المواصلات ومصالحها، فقد استطلع رأيها في تعيين المدعية في هيئة
المواصلات السلكية واللاسلكية في الوظيفة المرشحة لها. وذلك على النموذج الخاص الذي
حررته الإدارة العامة للمستخدمين بالهيئة – قسم الميزانية والتعيينات – في 10 من سبتمبر
سنة 1958 وأرسلت إلى السيد رئيس مكتب الأمن بالوزارة الذي رد على السيد مدير المستخدمين
بالهيئة في 7 من أكتوبر سنة 1958 بأنه لا يوافق على تعيين المذكورة من الوجهة السياسية
في الوظيفة المرشحة لها. وفي 11 من أكتوبر سنة 1958 رفع مدير المستخدمين إلى السيد
مدير عام الهيئة مذكرة يبلغه فيها برأي مكتب الأمن بالوزارة ويطلب الموافقة على رفع
المدعية من العمل وشطب اسمها من السجلات، منوهاً بأن المتبع فيما يختص بمعاونات التليفون
هو إلحاقهن بالعمل قبل وصول رد مكتب الأمن بشأنهن. وبناءً على هذا صدر الأمر الإداري
المطعون فيه رقم 443 في أول نوفمبر سنة 1958 من السيد المدير العام لهيئة المواصلات
السلكية واللاسلكية برفع اسم المذكورة اعتباراً من 18 من أكتوبر سنة 1958 من سجلات
الموظفات الخارجات عن الهيئة بالهيئة لعدم موافقة مكتب الأمن بوزارة المواصلات على
تعيينها من الوجهة السياسية. وقد أوضح السيد رئيس قسم الميزانية والتعيينات في 23 من
فبراير سنة 1959 أن السيد مدير المستخدمين الأسبق كان قد أشر في 8 من سبتمبر سنة 1956
على خطاب ترشيح 18 معاونة تليفونية بالآتي: "بناءً على تعليمات المدير العام تتخذ إجراءات
التعيين وتسليمهن العمل دون انتظار إجراءات التحري بمعرفة المباحث العامة. على أن يستمر
الاتصال بالمباحث العامة كالمتبع وتفصل من توصي المباحث بعدم تعيينها فيما بعد". وقد
ذكرت إدارة المباحث العامة فرع النشاط الداخلي (قسم مكافحة الشيوعية)، بكتابيها الموجهين
إلى المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات في أول فبراير سنة 1960 و29 من مارس سنة 1960
أنه "رئي عدم الموافقة على تعيين المدعية بالهيئة العامة لشئون المواصلات السلكية واللاسلكية
لنشاطها الضار بأمن الدولة" وأنه ثبت للإدارة من التحريات "أن المذكورة عندما كانت
تعمل من قبل بسنترال المنصورة كانت تستغل وظيفتها في التسمع إلى المحادثات التليفونية
بين الإدارة وفروعها بالمنصورة، وكانت تبلغ مضمون هذه المحادثات وخاصة ما يتصل منها
بالنشاط الشيوعي إلى شقيقيها الشيوعيين موسى جندي إبراهيم المعتقل حالياً وألبير جندي
إبراهيم وابن خالها جندي رزق إبراهيم الشيوعي المحبوس حالياً على ذمة قضية شيوعية.
مما ترتب على ذلك تسرب هذه المحادثات التليفونية إلى الشيوعيين وما ينتج عنه من إضرار
بالصالح العام".
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن إعادة المدعية إلى العمل بخدمة هيئة المواصلات السلكية
واللاسلكية في وظيفة معاونة تليفون كانت بصفتها مستجدة الأمر الذي يستلزم خضوع هذا
التعيين الجديد للقاعدة المتبعة في شأن المرشحين للوظائف بهيئات وزارة المواصلات ومصالحها.
وهي وجوب أخذ رأي إدارة المباحث العامة في هذا التعيين كإجراء وقائي متعلق بأمن الدولة
وسلامتها درجت عليه الإدارة لدى التعيين في الوظائف العامة لا سيما ما كان منها ذا
وضع حساس. ومقتضى إعمال هذه القاعدة التنظيمية المطردة أن كل تعيين يتم دون مراعاة
حكمها يكون تعييناً مبتسراً غير بات ومعلقاً على شرط ضمني هو عدم قيام مانع متصل بأمن
الدولة من هذا التعيين مما اختص جهاز المباحث العامة بالكشف عنه. فإذا ثبت قيام المانع
تخلف شرط من شروط الصلاحية للتعيين في الوظيفة العامة ابتداءً أو للبقاء فيها استمراراً
وكان للإدارة الرجوع في هذا التعيين على نحو ما ذهبت إليه تعليمات السيد مدير عام الهيئة
التي أشار إليها السيد رئيس قسم الميزانية والتعيينات بها. والثابت من الأوراق أن الإدارة
العامة للمستخدمين بالهيئة قد استطلعت في 10 من سبتمبر سنة 1958 رأي مكتب الأمن بوزارة
المواصلات في ترشيح المدعية وذلك قبل صدور قرار تعيينها في 28 منه وقد ألحقت بالعمل
حتى لا يتعطل جرياً على المتبع فيما يختص بمعاونات التليفون قبل ورود رد المكتب في
7 من أكتوبر سنة 1958 وذلك في انتظار هذا الرد لا تحللاً منه. فلما جاء الرد بعدم الموافقة
على تعيين المذكورة من الوجهة السياسية صدر قرار مدير عام الهيئة في أول نوفمبر سنة
1958 أي في الميعاد القانوني بسحب قرار التعيين اعتباراً من 18 من أكتوبر 1958 وبني
على السبب الذي أفصح عنه صراحة وهو عدم موافقة مكتب الأمن بوزارة المواصلات على هذا
التعيين من الوجهة السياسية. وقد أوضحت إدارة المباحث العامة – وهي جهاز التحريات الرسمي
المختص بمعاونة الإدارة في استجماع المعلومات والبيانات والدلائل في مثل هذه الأمور،
والمفروض فيه الحيدة والصدق وتحري الدقة وأمانة العرض – ما أخذته على المدعية من نشاط
ضار بأمن الدولة وبالصالح العام مما حددته تفصيلاً أو اعتبرته في تقديرها سبباً مبرراً
كافياً لعدم الاطمئنان إليها في الوظيفة المرشحة لها وقد أسندت إدارة المباحث إلى المذكورة
إتيان عمل إيجابي من جانبها أخذتها فيه بسلوكها هي لا بجريرة غيرها من الأشقاء أو الأهل،
ولا يقدح في صحة هذه الوقائع خلو ملف المدعية إبان خدمتها السابقة من أي جزاء بسبب
نشاط من هذا القبيل مع وجود جهاز مختص للمراقبة على عمال التليفون وعاملاته أثناء قيامهم
بواجبات وظائفهم الرسمية، وأن هذا الجهاز لو اكتشف مثل هذا النشاط لبدا أثره في ملف
خدمتها في جزاء وقع عليها بسببه في حينه ذلك أنه لم ينهض دليل على عدم صحة المعلومات
التي كشفت عنها تحريات المباحث العامة – فإن الظاهر من الظروف المحيطة بالمدعية يؤيد
هذه المعلومات، وإذا كان جهاز المراقبة لم يسجل في ملف خدمة المذكورة في الماضي تسمعها
للمحادثات التليفونية بين الإدارة وفروعها بالمنصورة ونقلها مضمون هذه المحادثات وبوجه
خاص ما اتصل منها بالنشاط الشيوعي إلى الشيوعيين الذين تسربت إليهم أنباؤها رغبة منه
في تكتم الأمر وتربص العثرة بها في الفرصة المناسبة مما يكون قد حال دونه استقالتها
بسبب الزواج فإن الدليل العقلي الملموس على حصول هذا التسجيل بالفعل خارج الملف هو
ظهور هذه الوقائع مفصلة وعدم خفائها على ذوي الشأن لدى البحث في إعادة تعيين المدعية،
ومن ثم فإن القرار المطعون فيه الصادر من مدير عام الهيئة برفع اسم المذكورة من سجلات
الموظفات الخارجات عن الهيئة بسبب عدم موافقة مكتب الأمن بوزارة المواصلات بناءً على
تحريات إدارة المباحث العامة (فرع النشاط الداخلي) على تعيينها من الوجهة السياسية
يكون صحيحاً صادراً ممن يملكه قائماً على سببه المشروع الذي يبرره وهو سبب له أصل ثابت
من الأوراق يؤيد مادياً وقانوناً النتيجة التي انتهى إليها القرار والتي استخلصها استخلاصاً
سائغاً من هذه الأوراق، وإذ ذهب حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه غير هذا المذهب،
فإنه يكون قد جانب الصواب فيتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعية بمصروفاتها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعية بالمصروفات.
