الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 626 لسنة 7 ق – جلسة 24 /02 /1962 

مجلس الدولة – المكتب الفني – مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة – العدد الثاني (من أول فبراير سنة 1962 إلى آخر إبريل سنة 1962) – صـ 389


جلسة 24 من فبراير سنة 1962

برئاسة السيد/ بدوي إبراهيم حمودة رئيس المجلس وعضوية السادة الإمام الإمام الخريبي ومصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح المستشارين.

القضية رقم 626 لسنة 7 القضائية

أ – هيئة السكك الحديدية – عمالها – سلطة تأديبهم – هي لمدير الهيئة أو من ينيبه عنه في حدود القوانين واللوائح وليس لوكيل الوزارة – أساس ذلك – نص المادة الثالثة من قانون إنشاء الهيئة رقم 366 لسنة 1956 – تفويضه غيره في مباشرة هذه السلطة ومنهم مديرو المناطق، بقرارين رقمي 204 لسنة 1956 و36 لسنة 1957 الصادرين استناداً إلى القانون رقم 390 لسنة 1956 وقانون إنشاء الهيئة – صحيح مطابق للقانون – تأكيد ذلك بقرار وزير المواصلات رقم 10 لسنة 1957 بتنظيم إدارات السكك الحديدية بمقتضى سلطته المستمدة من القانون رقم 390 لسنة 1956 سالف الذكر.
ب – هيئة السكك الحديدية – عمالها – تأديبهم – اللجنة الفنية المختصة بإبداء الرأي في فصلهم – تشكيلها بقرار من مدير المنطقة بناءً على تفويض من الوزير – صحيح مرتب لآثاره – صحة قرار الفصل الصادر بعد موافقة هذه اللجنة – أساس ذلك.
1 – إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 366 لسنة 1956 بإنشاء هيئة عامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر نص في الفقرتين قبل الأخيرة من المادة الثالثة منه على أنه "يكون للسكك الحديدية مدير يعين بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على عرض وزير المواصلات. ويقوم المدير تحت إشراف وزير المواصلات بإدارة السكك الحديدية وتصريف شئونها، وله على الأخص فيما يتعلق بالموظفين والعمال سلطة التعيين والنقل والترقية والتأديب وما إلى ذلك من شئونهم. وله أن ينيب غيره في بعضها وذلك كله في حدود القوانين واللوائح". وقد خول الشارع بمقتضى هذا النص مدير عام الهيئة اختصاصاً أصيلاً بسلطة كاملة على تأديب العمال كما أجاز له أن ينيب غيره في هذا الاختصاص دون حد أو قيد إلا من القوانين واللوائح. ثم صدر بعد ذلك قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 390 لسنة 1956 في شأن التفويض بالاختصاصات ونص في مادته الثالثة على أن "للوزير أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة لوكيل الوزارة بموجب القوانين إلى الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح. وللوزير بناءً على ما يعرضه رؤساء المصالح أن يعهد ببعض اختصاصاتهم إلى رؤساء الفروع والأقسام وقد أجاز هذا القانون بدوره تفويض رؤساء الفروع والأقسام في بعض اختصاصات رؤساء المصالح. وأوضح كقاعدة عامة الاختصاصات التي يجوز فيها هذا التفويض ولمن هي أصلاً ثم لمن يمكن أن يعهد بها، واستناداً إلى القانونين آنفي الذكر أصدر السيد المدير العام للهيئة العامة لشئون السكك الحديدية القرار الإداري رقم 204 لسنة 1956 في 21 نوفمبر سنة 1956 الذي قضى في مادته الثانية بأن "يعهد إلى السادة وكيل مدير عام الهيئة ومساعد المدير العام والسكرتير العام والمفتش العام بالقسم الميكانيكي والمفتش العام لهندسة السكة والأشغال والمفتش العام للحركة والبضائع ومدير عام المخازن والمشتريات ومدير عام القسم الطبي كل في دائرة اختصاصه بالسلطات الآتية وفقاً لأحكام القانون – أ… ب – … جـ – د – … هـ – … و – … السلطة المخولة لرئيس المصلحة بمقتضى القانون رقم 210 لسنة 1951 فيما يتعلق بكافة مسائل المستخدمين الخارجين عن الهيئة والعمال" كما أصدر القرار الإداري رقم 36 لسنة 1957 في 7 نوفمبر سنة 1957 الذي نص في المادة الأولى منه على أن "يعهد إلى السادة مساعد المدير العام للشئون المالية والنقل ومساعد المدير العام للشئون العامة والأفراد ومفتش عام الحركة ومفتش عام النقل والسادة مديري المناطق والمدير العام المالي كل في دائرة اختصاصه، بالسلطات الواردة تحت المادة (ثانياً) أ، ب، جـ، د، هـ، ومن الأمر الإداري رقم 204 المؤرخ 21 من نوفمبر سنة 1956". وسلطة المدير العام للهيئة العامة لشئون السكك الحديدية على تأديب العمال وحقه في إنابة غيره في مباشرة هذه السلطة ثابتان له بمقتضى المادة الثالثة من قانون إنشاء الهيئة رقم 366 لسنة 1956 بما يجعل قراريه رقم 204 لسنة 1956 ورقم 36 لسنة 1957 فيما قضيا به من تفويض السادة مديري المناطق، كل في دائرة اختصاصه، في السلطات المخولة لرئيس المصلحة فيما يتعلق بكافة مسائل العمال، صحيحين مطابقين للقانون ورتب لمديري المناطق هؤلاء اختصاصاً بطريق الإنابة في هذه الشئون وذلك كله بحكم خاص في قانون إنشاء الهيئة منفك عن الحكم الوارد في كادر العمال الذي يسند هذا الاختصاص لوكيل الوزارة ومغاير له، وهو حكم في خصوص التأديب صدر به تشريع لاحق للكادر، وأداته قانون هو أعلى مرتبة من قرار مجلس الوزراء ومن كتب وزارة المالية الدورية الصادر بها كادر العمال، ومن ثم يتهاوى منطق الجدل الذي أقامه الحكم المطعون فيه على الارتداد بأمر تأديب العمال في الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية إلى سلطة وكيل الوزارة المقررة له في هذا الخصوص بمقتضى كادر العمال وبناءً على إنكار ما خرج به قانون إنشاء الهيئة على هذا الوضع من حكم خاص استحدثه في هذا الشأن لاعتبارات تتعلق بتنظيم الهيئة وضبط أمور موظفيها وعمالها والهيمنة على حسن سير العمل فيها بمراعاة تكوينها القانوني وترتيب الوظائف بها بوصفها هيئة عامة منحها الشارع الشخصية الاعتبارية وخولها استقلالها في ماليتها وفي إدارة شئونها وجعل لرئيسها اختصاصاً أصيلاً في تأديب موظفيها وعمالها. على أن وزير المواصلات أصدر في 30 من يونيه سنة 1957 القرار الوزاري رقم 10 لسنة 1957 بتنظيم إدارات السكك الحديدية وتحديد اختصاصاتها الذي نص في البند (ثالثاً) من المادة 30 منه على أن "يختص مدير المنطقة بما يأتي أولاًَ… وثانياً… وثالثاً… الشئون الإدارية 1 – الإشراف على كافة الأفراد بالمنطقة من ناحية تشغيلهم والرقابة عليهم داخل المنطقة وتأديبهم طبقاً للقواعد القانونية 2 – … 3 – … 4 – … 5 – إصدار جميع القرارات الخاصة بعمال اليومية في حدود منطقته.." وبذلك يكون هذا القرار الوزاري قد أكد بمقتضى سلطة الوزير المستمدة من القانون رقم 390 لسنة 1956 في شأن التفويض بالاختصاصات ما تضمنه القرار الإداري رقم 204 لسنة 1956 وما ردده عنه بعد ذلك القرار الإداري رقم 36 لسنة 1957 الصادران من مدير عام الهيئة من تفويض مديري المناطق في كافة مسائل العمال. ولما كانت سلطة تأديب عمال الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية هي بحسب قانون إنشائها لمديرها العام لا لوكيل الوزارة وهو بمثابة رئيس المصلحة أو لمن ينيبه عنه في هذا الاختصاص على خلاف الحال بالنسبة إلى عمال الحكومة الآخرين المعاملين بأحكام كادر العمال فإن التفويض في هذه السلطة الصادر من كل من وزير المواصلات ومدير عام الهيئة إلى مديري المناطق بالاستناد إلى الرخصة المخولة لهما قانوناً في ذلك يثبت لهؤلاء المديرين هذا الاختصاص في التأديب. وإذ صدر القرار التأديبي المطعون فيه من مدير عام المنطقة الشمالية، فإنه يكون قد صدر من مختص قانوناً في حدود السلطة المفوض بها في هذا الشأن.
2 – إذا كان الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه القاضي بفصل المدعي من خدمة الهيئة للأسباب التي بني عليها قد صدر بناءً على توصية اللجنة الفنية الرئيسية لشئون العمال بالمنطقة الشمالية بالإسكندرية بجلستها المنعقدة في يوم 20 من نوفمبر سنة 1958 وهي المشكلة بالأمر الإداري رقم 317 لسنة 1958 بناءً على التفويض الصادر من وزير المواصلات إلى مديري المناطق بمقتضى المادة 20 فقرة (ثالثاً) بنود 1، 5، 6 من القرار الوزاري رقم 10 لسنة 1957 آنف الذكر وإذا كان كادر العمال يقضي بعدم جواز فصل العامل إلا بعد أخذ رأي اللجنة الفنية التي يصدر بتشكيلها قرار من الوزير المختص وكان وزير المواصلات يملك بحكم المادة الثالثة من القانون رقم 390 لسنة 1952 في شأن التفويض بالاختصاصات أن يعهد ببعض اختصاصات رؤساء المصالح إلى رؤساء الفروع والأقسام وكان مدير عام الهيئة وهو رئيس المصلحة باعتباره المهيمن على شئون العمال فيها بمقتضى قانون إنشائها رقم 366 لسنة 1956 يختص بإجراء هذا التشكيل بوصفه من مستلزمات ممارسة سلطة التأديب التي أطلق المشرع حقه فيها وأسندها إليه باختصاص كامل أصيل فإن قرار الوزير بتفويض مديري المناطق في سلطة رئيس المصلحة في هذا الشأن وهو مدير عام الهيئة يكون صحيحاً مطابقاً للقانون مرتباً لآثاره في إسناد هذا الاختصاص إلى هؤلاء المديرين، ومن ثم تكون اللجنة الفنية التي أوصت بفصل المدعي مشكلة تشكيلاً صحيحاً بأداة قانونية هي قرار صادر من مختص بالأمر بهذا التشكيل ومختصة بإبداء الرأي في فصل عمال الهيئة بالمنطقة تأديبياً – يكون القرار التأديبي الصادر بعد أخذ رأي هذه اللجنة سليماً شكلاً ومطابقاً للقانون.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 21 من يناير سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد وزير المواصلات التنفيذي للإقليم المصري بصفته ممثلاً للهيئة العامة للسكك الحديدية سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 626 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 21 من نوفمبر سنة 1960 في الدعوى رقم 301 لسنة 7 القضائية المقامة من السيد فوزي لبيب سيدهم ضد كل من المدير العام للهيئة العامة للسكك الحديدية السيد وزير المواصلات بصفته الرئيس الأعلى للهيئة العامة للسكك الحديدية القاضي بإلغاء القرار التأديبي الصادر من مدير المنطقة الشمالية بهيئة السكة الحديد في 27 من نوفمبر سنة 1958 بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه "إحالة هذا الطعن إلى دائرة فحص الطعون لتقضي بإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 18 من فبراير سنة 1961 فعقب عليه بمذكرة طلب فيها "الحكم برفض هذا الطعن وإلزام الهيئة العامة للسكك الحديدية مصروفاته ومقابل أتعاب المحاماة عنه" كما أودعت الهيئة العامة للسكك الحديدية مذكرة بملاحظاتها انتهت فيها إلى التصميم على طلباتها الواردة بعريضة الطعن كذلك قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً خلصت فيه لما أبدت من أسباب إلى أنها ترى أن الطعن في الحكم غير قائم على أساس من القانون متعين رفضه وبعد انقضاء المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 16 من إبريل سنة 1961 التي أبلغ بها الطرفان في 11 منه وبجلسة 19 من نوفمبر سنة 1961 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا لنظره بجلسة 27 من يناير سنة 1962 التي أبلغ بها الطرفان في 23 من ديسمبر سنة 1962 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 21 من نوفمبر سنة 1960 وأن صحيفة الطعن أودعت سكرتيرية هذه المحكمة في يوم السبت الموافق 21 من يناير سنة 1961 وهو أول يوم عمل بعد ميعاد الستين يوماً المقررة للطعن الذي صادف آخره عطلة رسمية هي يوم الجمعة وذلك بالتطبيق لحكم المادة 23 من قانون المرافعات التي تنص على أنه "إذا صادف آخر الميعاد عطلة رسمية امتد إلى أول يوم عمل بعدها" ومن ثم فإن الطعن يكون مرفوعاً في الميعاد القانوني.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة – حسبما يبين من أوراق الطعن – تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 457 لسنة 6 القضائية ضد الهيئة العامة للسكك الحديدية أمام المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية بعريضة أودعها سكرتيرية المحكمة في 7 من إبريل سنة 1959 ذكر فيها أنه في 18 من يناير سنة 1958 أصدر السيد مدير المنطقة الشمالية بالإسكندرية قراراً بفصله من وظيفته دون مبرر ودون عرض أمره على اللجنة الفنية المختصة وقد تظلم من هذا القرار فأعيد إلى عمله بيد أن هذا لم يقع من السيد مدير المنطقة موقع القبول فتعقبه بالاضطهاد وبالجزاءات الصارمة إلى أن حدث في يوم 10 من أكتوبر سنة 1958 أن أصيب في الساعة الثامنة والنصف صباحاً بأزمة مغص وقيء شديدين فاضطر إلى إغلاق المحطة والتوجه إلى أقرب مستشفى وهي تبعد عن المحطة بزهاء سبعة كيلو مترات وفي أثناء ذلك مرَّ بالمحطة القطاران رقم 28 ورقم 39 في اتجاهين متضادين فأبلغ كمساريا القطارين بأن المحطة مغلقة وليس بها أحد فلما عاد المدعي من المستشفى توجه إلى السيد مفتش الحركة وأبلغه بظروف تغيبه عن العمل، وقد سئل خفير المحطة فأيد إصابة المدعي بالمغص والقيء واضطراره للتوجه إلى المستشفى لإسعافه بالعلاج ولكن هذا العذر لم يرق في نظر السيد مدير المنطقة الشمالية الذي قدم إلى السيد مدير عام الهيئة مذكرة اقترح فيها فصل المذكور من الخدمة وقد استجاب السيد المدير لهذه الرغبة وبرر فصل المدعي من وظيفته تلميذ بضائع التي كان يشغلها وذلك في 27 من نوفمبر سنة 1958، وقد تظلم المدعي من هذا القرار إلى كل من السيد المدير العام والسيد وزير المواصلات ولم يبت فيه في المدة المقررة قانوناً. والحال أنه لم يرتكب خطأ وإذ أنه أصيب بالمرض فجأة فاضطر إلى التوجه إلى المستشفى لإسعاف نفسه بالعلاج، وأغلق المحطة بسبب عدم وجود من يقوم مقامه بالعمل فيها، ولم يتسع له الوقت ليعود قبل موعد أول قطار مار بالمحطة فأبلغ خدمة القطار المذكور والقطار التالي له بأن المحطة مغلقة وأن راكبين قد استقلا القطار منها دون تذاكر فصرفت إليهما تذاكر بدون غرامات وقد أوصت رياسة الأقسام بمجازاته بخمسة أيام من راتبه مع خصم نصف أجر اليوم الذي انقطع في بعضه للذهاب إلى المستشفى ولكن السيد مدير المنطقة الشمالية لم يوافق على توقيع هذا الجزاء وانتهز الفرصة لفصل المدعي من وظيفته بصفة نهائية. وقد جاء قرار الفصل مشوباً بإساءة استعمال السلطة لأن السيد المدير كان يتصرف مع المدعي تحت تأثير سخطه عليه بسبب سحب قرار الفصل السابق الذي كان هو صاحب الرأي فيه. فضلاً عن صدوره معيباً بمخالفة القانون لعدم صحة السبب أو الأسباب التي بني عليها، وقيامه على كثرة المخالفات التي جوزي المدعي عنها الأمر الذي يجعل منه جزاءً مكرراً على مخالفات سبق توقيع جزاءات عنها. وخلص المدعي من هذا إلى طلب الحكم بإلغاء القرار الصادر في 27 من نوفمبر سنة 1958 أو في أي تاريخ غير هذا التاريخ بفصل الطالب من وظيفته مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الهيئة العامة للسكك الحديدية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد ردت الهيئة العامة للسكك الحديدية على هذه الدعوى بأن المدعي سبق أن فصل من عمله لأمور نسبت إليه ثم سحب قرار فصله بناءً على تظلمه لوقوع عيب شكلي فيه واكتفى بحرمانه من أجره عن المدة التي لم يؤد فيها عملاً. وقد حصل بعد ذلك أن كان في يوم 10 من أكتوبر سنة 1958 شغالاً بمحطة أبيس. ومن واجباته صرف التذاكر للركاب إلا أنه بوصول القطار رقم 28 إلى المحطة تبين أنها مغلقة الأمر الذي اضطر المسافرين إلى ركوب القطار بدون تذاكر وقد أبلغ خدمة القطار ذلك إلى المحطة التالية التي طلبت عدم تحصيل غرامات من الركاب في هذه الحالة.
وفي اليوم ذاته وصل القطار رقم 39 إلى المحطة فلم يجد خدمته المدعى بها ووجدوا مفتاح مكتب المحطة بالباب حيث دواليب التذاكر والإيراد. فقاموا بغلق الباب بالمفتاح الذي أخذوه معهم وسلموه لمحطة سيدي جابر مع إبلاغها بتفاصيل الموضوع وبركوب خمسة مسافرين بدون تذاكر وتحصيل الأجرة منهم بدون غرامة وبتحقيق الموضوع زعم المدعي أنه اضطر لمغادرة المحطة بسبب مغص وقيء شديدين أصاباه في الساعة الثامنة والنصف صباحاً وتوجه إلى المستشفى الموجود بأبيس حيث أسعف بالعلاج ثم عاد إلى محطته في الساعة 9.20. وبسؤال الوحدة الصحية الموجودة تبين كذبه في أقواله إذ أنه لم يعرض نفسه عليها كما ادعى. ونظراً لأنه سبق أن ارتكب مثل هذه المخالفة أثناء عمله بمحطة أبيس في يوم 7 من سبتمبر سنة 1958 ولم يردعه الجزاء الذي وقع عليه وقتذاك ولاستمرار انقطاعه عن العمل بدون إذْن حتى بلغت مرات انقطاعه من شهر يونيه إلى شهر أكتوبر سنة 1958 ست مرات فقد طلبت رئاسة أقسام الحركة بالقبارى النظر في أمر المخالفات التي ارتكبها ولم يفصل فيها وأوصت بفصله من الخدمة لأنه لا يرجى منه إصلاح بالمرَّة وقد عرض أمره على اللجنة الفنية فأوصت في 20 من نوفمبر سنة 1958 بفصله من الخدمة لجسامة مخالفاته وتكرارها وانعدام الأمل في إصلاحه وبعرض الموضوع على السيد المهندس مدير المنطقة الشمالية وافق على توصية اللجنة وصدر القرار رقم 271 في 27 من نوفمبر سنة 1958 بفصل المدعي من الخدمة.
وقد قام هذا القرار على سببه الذي يبرره قانوناً واستند إلى وقائع ثابتة في التحقيق وهي تكون مخالفات جسيمة إذ أنه ترك المحطة في يوم 10 من أكتوبر سنة 1958 أثناء أوقات العمل دون أن يحتفظ بمفاتيحها أو مفاتيح دولاب التذاكر والخزانة، الأمر الذي يعرض العهدة والإيراد للضياع والسرقة والذي يدل على استهتاره بالعمل وعدم تقديره للمسئولية كما أنه صدر بعد عرض الأمر على اللجنة الفنية بالمنطقة التي أوصت بفصله، ولا وجه لما ينعاه المدعي على هذا القرار من صدوره مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة بمقولة أن السيد المهندس مدير المنطقة لم يرض عن إعادته إلى العمل بعد فصله الأول في 18 من يناير سنة 1958 لأن المدير المذكور كان يملك لو قصد اضطهاده – أن يفصله في ذلك الوقت بعد تصحيح العيب الشكلي الذي أصاب القرار وذلك وفقاً لما أشار به السيد مفوض الدولة عند عرض الأمر عليه ولكنه آثر الرفق به وإعطاءه فرصة أخرى ليحسن من أمر نفسه فأعاده إلى الخدمة مكتفياً بحرمانه من أجره عن الفترة ما بين فصله وإعادته إلى عمله. ومتى كان الأمر كذلك و كان القرار المطعون فيه قد صدر طبقاً للأوضاع الشكلية الصحيحة ممن يملكه قانوناً في حدود السلطة المخولة له، فإن الدعوى بطلب إلغائه تكون غير قائمة على سند من القانون ويتعين القضاء برفضها مع إلزام المدعي بمصروفاتها.
وبجلسة 5 من يناير سنة 1960 قضت المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية "بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وأمرت بإحالتها إلى المحكمة الإدارية لجميع الوزارات والمصالح الحكومية بالإسكندرية وأبقت الفصل في المصاريف" وقد أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية بالإسكندرية حيث قيدت بجدولها تحت رقم 301 لسنة 7 القضائية وقدم فيها السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه لما أبداه به من أسباب إلى أنه يرى "الحكم بإلغاء القرار رقم 271 الصادر من مدير المنطقة الشمالية في 27 من نوفمبر سنة 1958 بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الإدارة المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة".
وبجلسة 21 من نوفمبر سنة 1960 قضت المحكمة الإدارية بالإسكندرية بإلغاء القرار التأديبي الصادر من مدير المنطقة الشمالية بهيئة السكة الحديد في 27 من نوفمبر سنة 1958 بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت قضاءها على أن كادر العمال قضى بأن فصل العامل من الخدمة بالطريق التأديبي لا يكون إلا بقرار يصدر من وكيل الوزارة أو غيره ممن يعلوه في سلم التدرج الإداري دون غيره ممن هم أدنى منه وحكمة ذلك توفير ضمانة للعمال حتى لا يتمكن من هم دون وكيل الوزارة من إساءة استعمال السلطة بفصل هؤلاء العمال، ومن ثم فإنه يترتب على عدم مراعاة هذه الضمانة أن يصبح قرار الفصل باطلاً لصدوره من غير مختص كما أنه يجب لمشروعية قرار الفصل أخذ رأي اللجنة المشكلة بقرار من الوزير المختص، لا التي تشكل بأي أداة أخرى دون القرار الوزاري إذ أنها تكون في هذه الحالة غير مختصة ويكون قرار الفصل الصادر بناءً على موافقتها مخالفاً للقانون ومشوباً بعيب الشكل وإذا كانت سلطة تنظيم شئون العمال قد انتقلت بموجب القرار الإداري رقم 366 لسنة 1957 الصادر من المدير العام للهيئة العامة للسكك الحديدية بناءً على التفويض المخول له بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 366 لسنة 1956 إلى مديري المناطق، فإنه ليس لهؤلاء بالنسبة إلى هذه الشئون سوى ما لرئيس المصلحة من سلطات ليس من بينها فصل عمال اليومية الأمر الذي هو من سلطة وكيل الوزارة وفقاًَ لأحكام كادر العمال، ومن سلطة مدير عام الهيئة بمقتضى الفقرة التاسعة من المادة الثالثة من القانون رقم 396 لسنة 1956 بوصفه المهيمن على شئون العمال بها. وترتيباً على هذا لا يكون لمديري المناطق الحق في تشكيل اللجان الفنية المنصوص عليها في كادر العمال والتي تختص بالموافقة على فصل العمال تأديبياً – إذ أن تشكيل هذه اللجان يجب أن يتم بقرار من الوزير أو من مدير عام الهيئة لا من رؤساء المصالح الذين لم يخول مديرو المناطق سوى السلطات المقررة لهم. وبناءً عليه يكون القرار الصادر من وزير المواصلات بتخويل مديري المناطق سلطة تشكيل اللجان الفنية بدلاً منه قد وقع باطلاً لمخالفته لحكم القانون رقم 390 لسنة 1956 بشأن التفويض بالاختصاصات. وعلى هذا يكون القرار الصادر بناءً على موافقة اللجنة الفنية المشكلة بموجب قرار مدير المنطقة الشمالية الصادر في 25 من مارس سنة 1958 باطلاً لمخالفته للقانون من حيث الشكل لعدم وجود أي اختصاص لها فيما يتعلق بفصل العمال تأديبياً. ومن ثم يكون قرار الفصل المطعون فيه قد صدر من غير مختص دون موافقة اللجنة الفنية المختصة قانوناً بفصل العمال مما يتعين معه إلغاؤه حتى تعيد الإدارة إصداره من مختص وفي الشكل القانوني.
وقد طعنت الهيئة العامة للسكك الحديدية في هذا الحكم بعريضة أودعتها سكرتيرية هذه المحكمة في 21 من يناير سنة 1961 طلبت فيها "إحالة هذا الطعن على دائرة فحص الطعون لتقضي بإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.." واستندت في أسباب طعنها إلى أن القرار المطعون فيه قد صدر ممن يملك إصداره وهو السيد المهندس مدير المنطقة الشمالية في حدود السلطة المخولة له بمقتضى القرار الصادر من مدير عام الهيئة تحت رقم 36 في 7 من نوفمبر سنة 1957 بعد عرضه على اللجنة الفنية المشكلة بقرار منه أيضاً بناءً على التفويض الصادر له بمقتضى القرار الوزاري رقم 10 لسنة 1957 في 31 من يونيه سنة 1957 وبذلك يكون القرار المطعون فيه صحيحاً صدر ممن يملكه وقائماً على أسباب لها أصول تنتجها من واقع الأوراق. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون. وقامت به حالة من حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وقد أردفت الهيئة العامة للسكك الحديدية هذا الطعن بمذكرة أوضحت فيها أن القانون رقم 360 لسنة 1956 الذي أنشأ الهيئة العامة للسكك الحديدية خول مديرها اختصاصاً أصيلاً فيما يتعلق بشئون العمال وتأديبهم. وأجاز له الإنابة في هذه الاختصاصات في حدود القوانين واللوائح. وتأسيساً على هذا وعلى أحكام القانون رقم 290 لسنة 1956 في شأن التفويض في الاختصاصات أصدر مدير الهيئة القرار رقم 204 لسنة 1956 بتخويل بعض موظفيها سلطات معينة منها السلطة المقررة لرئيس المصلحة بمقتضى القانون رقم 210 لسنة 1951 فيما يتعلق بجميع مسائل المستخدمين الخارجين عن الهيئة والعمال. ثم أصدر القرار رقم 36 لسنة 1957 الذي عهد فيه إلى طائفة معينة من موظفي الهيئة ومنهم مديرو المناطق كل في دائرة اختصاصه بالسلطات الواردة في الأمر الإداري رقم 204 لسنة 1956 سالف الذكر ولما كانت السلطة المخولة لرئيس المصلحة وهو مدير عام هيئة السكك الحديدية بمقتضى قانون الهيئة فيما يتعلق بالعمال تشمل التعيين والنقل والترقية والتأديب، فقد أصبح لمديري المناطق سلطة رئيس المصلحة في إصدار القرارات التأديبية. ومن ثم يكون قرار مدير عام المنطقة الشمالية بفصل المدعي قد صدر ممن يملك سلطة إصداره ولا يعتبر معيباً بعيب عدم الاختصاص على نحو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه. أما فيما يختص بتشكيل اللجنة الفنية فإن أعمال النص الوارد في كادر العمال بشأنها وهو أن يكون التشكيل بوساطة الوزير إنما يكون في مجال التنظيم الإداري الذي على هيئة وزارة. فإذا كان الوضع بصدد مؤسسة عامة منحها القانون الشخصية المعنوية والاستقلال في إدارتها وخول رئيسها اختصاصاً أصيلاً في التأديب فإن مجال التفويض يكون في اختصاص ممنوح لمدير الهيئة الذي هو بمثابة رئيس المصلحة. وهذا التفويض جائز بمقتضى قانون التفويض في الاختصاصات. وعلى ذلك فإن القرار الوزاري رقم 10 لسنة 1957 الذي منح رؤساء المناطق اختصاص المدير العام في تشكيل اللجان الفنية يكون قراراً سليماً وبناءً عليه يكون مدير المنطقة الشمالية مختصاً بتشكيل اللجنة الفنية التي عرض عليها قرار الفصل المطعون فيه ويكون الحكم المطعون فيه حرياً بالإلغاء.
وقد عقب المدعي على طعن الهيئة العامة للسكك الحديدية بمذكرة بدفاعه طلب فيها "الحكم برفض هذا الطعن وإلزام الهيئة العامة للسكك الحديدية مصروفاتها ومقابل أتعاب المحاماة عنه" وأحال في ذلك إلى أسباب الحكم المطعون فيه وأخصها ما أورده من بطلان قرار وزير المواصلات الذي فوض مديري المناطق في مباشرة بعض الاختصاصات المخولة له شخصياً مع أن القانون حدد سلطته في التفويض بأن يكون لمديري المصالح الاختصاصات المخولة لوكلاء الوزارة أو وكلائها المساعدين، ومديرو المناطق أرقى في التدرج الإداري من مديري المصالح والوزير أعلى في هذا التدرج من وكلاء الوزارة ووكلائها المساعدين، وخلص من هذا إلى أن الحكم المطعون فيه سليم ومطابق للمبادئ القانونية الصحيحة. وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أن الطعن في الحكم غير قائم على أساس سليم من القانون متعين رفضه. واستندت في رأيها إلى أن ما خول لمديري المناطق من اختصاص بمقتضى التفويض الوارد في قرار مدير عام الهيئة العامة للسكك الحديدية رقم 204 لسنة 1956 لا يشمل سلطة إصدار قرار تأديبي بالفصل من الوظيفة لأن كادر العمال يقضي بأنه لا يجوز فصل العامل من الخدمة بسبب تأديبي إلا بموافقة وكيل الوزارة بعد أخذ رأي اللجنة الفنية. وبناءً عليه يكون القرار المطعون فيه قد صدر من غير مختص. كما تكون توصية اللجنة الفنية لشئون العمال بفصل المدعي من الخدمة وهي اللجنة المشكلة بقرار من مدير المنطقة الشمالية لا من الوزير المختص، باطلة لمخالفتها لأحكام القانون وقد عرضت هيئة المفوضين بعد ذلك لبحث ركن السبب في القرار موضوع الطعن من باب الاحتياط، وقالت أن هذا القرار قد استند في واقع الأمر إلى المخالفة الأخيرة التي نسبت إلى المدعي وأن الجهة الإدارية رأت في وقوعها دليلاً على عدم صلاحيته للعمل، ولما كانت هذه المخالفة ثابتة في حق المذكور وكان القرار قد صدر بما للإدارة من سلطة تقديرية، فإن ركن السبب يكون موافراً فيه.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه رقم 271 صدر في 27 من نوفمبر سنة 1958 من السيد المهندس مدير عام المنطقة الشمالية بفصل المدعي – وهو تلميذ بضائع بأقسام حركة القبارى باليومية بالفئة (140/ 300) مليم – من خدمة الهيئة العامة للسكك الحديدية لما نسب إليه من استهتاره بعمله وتركه إياه في يوم 10 من أكتوبر سنة 1958 بمحطة أبيس أثناء دوريته بدون إذْن ولا عذر صحيح مبرر وعدم احتفاظه بمفاتيح مكتب المحطة ودولاب التذاكر والخزانة حيث توجد التذاكر والإيراد مما يعرض العهدة والإيراد للضياع والسرقة وسابقة ارتكابه مثل هذه المخالفات أثناء عمله في يوم 7 من سبتمبر سنة 1958 ومخالفات أخرى دون أن يردعه الجزاء الذي وقع عليه من أجلها. مما يدل على عدم تقديره للمسئولية وقد صدر هذا القرار بعد عرض الأمر على اللجنة الفنية الرئيسية لشئون عمال المنطقة الشمالية بالإسكندرية التي رأت بجلستها المنعقدة في يوم 20 من نوفمبر سنة 1958 "التوصية بفصله من الخدمة لجسامة وتكرار المخالفات التي ارتكبها… مما لا يرجى معه أي إصلاح ومما يجعله غير صالح للعمل بالهيئة".
ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 366 لسنة 1956 بإنشاء هيئة عامة لشئون سكك حديد جمهورية مصر نص في الفقرتين قبل الأخيرة من المادة الثالثة منه على أنه "ويكون للسكك الحديدية مدير يعين بقرار من رئيس الجمهورية بناءً على عرض وزير المواصلات. ويقوم المدير تحت إشراف وزير المواصلات بإدارة السكك الحديدية وتصريف شئونها وله على الأخص فيما يتعلق بالموظفين والعمال سلطة التعيين والنقل والترقية والتأديب وما إلى ذلك من شئونهم. وله أن ينيب غيره في بعضها وذلك كله في حدود القوانين واللوائح. وقد خول الشارع بمقتضى هذا النص مدير عام الهيئة اختصاصاً أصيلاً بسلطة كاملة في تأديب العمال كما أجاز له أن ينيب غيره في هذا الاختصاص دون حد أو قيد إلا من القوانين واللوائح. ثم صدر بعد ذلك قرار من رئيس الجمهورية بالقانون رقم 390 لسنة 1956 في شأن التفويض بالاختصاصات ونص في مادته الثالثة على أن "للوزير أن يعهد ببعض الاختصاصات المخولة لوكيل الوزارة بموجب القوانين إلى الوكلاء المساعدين أو رؤساء المصالح. وللوزير بناءً على ما يعرضه رؤساء المصالح أن يعهد ببعض اختصاصاتهم إلى رؤساء الفروع والأقسام" وقد أجاز هذا القانون بدوره تفويض رؤساء الفروع والأقسام في بعض اختصاصات رؤساء المصالح. وأوضح كقاعدة عامة الاختصاصات التي يجوز فيها هذا التفويض ولمن هي أصلاً ثم لمن يمكن أن يعهد بها، واستناداً إلى القانونين آنفي الذكر أصدر السيد المدير العام للهيئة العامة لشئون السكك الحديدية القرار الإداري رقم 204 لسنة 1956 في 21 من نوفمبر سنة 1956 الذي قضى في مادته الثانية بأن "يعهد إلى السادة وكيل مدير عام الهيئة ومساعد المدير العام والسكرتير العام والمفتش العام بالقسم الميكانيكي والمفتش العام لهندسة السكة والأشغال والمفتش العام للحركة والبضائع ومدير عام المخازن والمشتريات ومدير عام القسم الطبي كل في دائرة اختصاصه بالسلطات الآتية وفقاً لأحكام القانون: أ – .. ب – .. د – .. هـ – .. و – السلطة المخولة لرئيس المصلحة بمقتضى القانون رقم 210 لسنة 1951 فيما يتعلق بكافة مسائل المستخدمين الخارجين عن الهيئة والعمال". كما أصدر القرار الإداري رقم 36 لسنة 1957 في 7 من نوفمبر سنة 1957 الذي نص في المادة الأولى منه على أن "يعهد إلى السادة مساعد المدير العام للشئون المالية والنقل ومساعد المدير العام للشئون العامة والأفراد ومفتش عام الحركة ومفتش عام النقل والسادة مديري المناطق والمدير العام المالي كل في دائرة اختصاصه، بالسلطات الواردة تحت المادة (ثانياً) أ، ب، جـ، د، هـ، ومن الأمر الإداري رقم 204 المؤرخ 21 من نوفمبر سنة 1956" وسلطة المدير العام للهيئة العامة لشئون السكك الحديدية في تأديب العمال وحقه في إنابة غيره في مباشرة هذه السلطة ثابتان له بمقتضى المادة الثالثة من قانون إنشاء الهيئة رقم 366 لسنة 1956 بما يجعل قراريه رقم 204 لسنة 1956 ورقم 36 لسنة 1957 فيما قضيا به من تفويض السادة مديري المناطق، كل في دائرة اختصاصه، في السلطات المخولة لرئيس المصلحة فيما يتعلق بكافة مسائل العمال صحيحين مطابقين للقانون ورتب لمديري المناطق هؤلاء اختصاصاً بطريق الإنابة في هذه الشئون وذلك كله بحكم خاص في قانون إنشاء الهيئة منفك عن الحكم الوارد في كادر العمال الذي يسند هذا الاختصاص لوكيل الوزارة ومغاير له، وهو حكم في خصوص التأديب صدر به تشريع لاحق للكادر المذكور، وأداته قانون هو أعلى مرتبة من قرار مجلس الوزراء ومن كتب وزارة المالية الدورية الصادر بها كادر العمال ومن ثم يتهاوى منطق الجدل الذي أقامه الحكم المطعون فيه على الارتداد بأمر تأديب العمال في الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية إلى سلطة وكيل الوزارة المقررة له في هذا الخصوص بمقتضى كادر العمال، وبناءً على إنكار ما خرج به قانون إنشاء الهيئة على هذا الوضع من حكم خاص استحدثه في هذا الشأن لاعتبارات تتعلق بتنظيم الهيئة وضبط أمور موظفيها وعمالها والهيمنة على حسن سير العمل فيها بمراعاة تكوينها القانوني وترتيب الوظائف بها بوصفها هيئة عامة منحها الشارع الشخصية الاعتبارية وخولها استقلالها في ماليتها وفي إدارة شئونها وجعل لرئيسها اختصاصاً أصيلاً في تأديب موظفيها وعمالها. على أن وزير المواصلات أصدر في 30 من يونيه سنة 1957 القرار الوزاري رقم 10 لسنة 1957 بتنظيم إدارات السكك الحديدية وتحديد اختصاصاتها الذي نص في البند (ثالثاً) من المادة 30 منه على أن "يختص مدير المنطقة بما يأتي (أولاً).. وثانياً.. وثالثاً.. الشئون الإدارية: 1 – الإشراف على كافة الأفراد بالمنطقة من ناحية تشغيلهم والرقابة عليهم داخل المنطقة وتأديبهم طبقاً للقواعد القانونية 2 – .. 3 – .. 4 – .. 5 – إصدار جميع القرارات الخاصة بعمال اليومية في حدود منطقته.." وبذلك يكون هذا القرار الوزاري قد أكد بمقتضى سلطة الوزير المستمدة من القانون رقم 390 لسنة 1956 في شأن التفويض بالاختصاصات ما تضمنه القرار الإداري رقم 204 لسنة 1956 وما ردده عنه بعد ذلك القرار الإداري رقم 36 لسنة 1957 الصادران من مدير عام الهيئة من تفويض مديري المناطق في كافة مسائل العمال، ولما كانت سلطة تأديب عمال الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية هي بحسب قانون إنشائها لمديرها العام لا لوكيل الوزارة وهو بمثابة رئيس المصلحة أو لمن ينيبه عنه في هذا الاختصاص على خلاف الحال بالنسبة إلى عمال الحكومة الآخرين العاملين بأحكام كادر العمال، فإن التفويض في هذه السلطة الصادر من كل من وزير المواصلات ومدير عام الهيئة إلى مديري المناطق بالاستناد إلى الرخصة المخولة لهما قانوناً في ذلك يثبت لهؤلاء المديرين هذا الاختصاص في التأديب. وإذ صدر القرار التأديبي المطعون فيه من مدير عام المنطقة الشمالية فإنه يكون قد صدر من مختص قانوناً في حدود السلطة المفوض بها في هذا الشأن.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه القاضي بفصل المدعي من خدمة الهيئة للأسباب التي بني عليها قد صدر بناءً على توصية اللجنة الفنية الرئيسية لشئون العمال بالمنطقة الشمالية بالإسكندرية بجلستها المنعقدة في يوم 20 من نوفمبر سنة 1958 وهي المشكلة بالأمر الإداري رقم 317 لسنة 1958 بناءً على التفويض الصادر من وزير المواصلات إلى مديري المناطق بمقتضى المادة 30 فقرة (ثالثاً) بنود 1، 5، 6 من القرار الوزاري رقم 10 لسنة 1957 آنف الذكر، وإذا كان كادر العمال يقضي بعدم جواز فصل العامل إلا بعد أخذ رأي اللجنة الفنية التي يصدر بتشكيلها قرار من الوزير المختص وكان وزير المواصلات يملك بحكم المادة الثالثة من القانون رقم 390 لسنة 1956 في شأن التفويض بالاختصاصات أن يعهد ببعض اختصاصات رؤساء المصالح إلى رؤساء الفروع والأقسام وكان مدير عام الهيئة وهو رئيس المصلحة باعتباره المهيمن على شئون العمال فيها بمقتضى قانون إنشائها رقم 366 لسنة 1956 يختص بإجراء هذا التشكيل بوصفه من مستلزمات ممارسة سلطة التأديب التي أطلق المشرع حقه فيها وأسندها إليه باختصاص كامل أصيل، فإن قرار الوزير بتفويض مديري المناطق في سلطة رئيس المصلحة في هذا الشأن وهو مدير عام الهيئة يكون صحيحاً مطابقاً للقانون مرتباً لآثاره في إسناد هذا الاختصاص إلى هؤلاء المديرين. ومن ثم تكون اللجنة الفنية التي أوصت بفصل المدعي مشكَّلة تشكيلاً صحيحاً بأداة قانونية هي قرار صادر من مختص بالأمر بهذا التشكيل ومختصة بإبداء الرأي في فصل عمال الهيئة بالمنطقة تأديبياً – يكون القرار التأديبي الصادر بعد أخذ رأي هذه اللجنة سليماً شكلاً ومطابقاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن القرار التأديبي مثار المنازعة قد استمد كيانه من أصول صحيحة ثابتة في هذه الأوراق ذلك أنه في يوم 10 من أكتوبر سنة 1958 كان المدعي شغالاً بمحطة أبيس ومن واجباته صرف التذاكر للركاب، إلا أنه لدى وصول القطار رقم 28 إلى المحطة لاحظ خدمته أن المحطة مغلقة وأنه لا يوجد أحد يعمل بها الأمر الذي اضطر الركاب المسافرين منها إلى ركوب القطار بدون تذاكر. واضطر معه موظفو القطار إلى صرف قسائم لهم بدون غرامة. وفي ذات اليوم عند وصول القطار رقم 39 إلى المحطة المذكورة لم يجد خدمته المدعى بها ووجدوا مفتاح مكتبها بالباب حيث توجد دواليب التذاكر والخزانة والإيراد فقاموا بغلق الباب بالمفتاح الذي أخذوه معهم وسلموه لمحطة سيدي جابر وأبلغوها بتفصيلات الموضوع وبركوب خمسة مسافرين بدون تذاكر وتحصيل الأجرة منهم بدون غرامة. وقد أخطرت رئاسة الأقسام بترك المدعي محطته أثناء نوبة عمله. فقام السيد مفتش وكيل حركة القسم بتحقيق الموضوع وأخذ أقوال المدعي الذي علل تغيبه بأنه اعتراه في الساعة الثامنة والنصف مغص وقيء اضطراه إلى التوجه إلى المستشفى التي تبعد حوالي سبعة كيلو مترات من أبيس لإسعافه بالعلاج، وبالاستعلام من الوحدة الصحية بأبيس عن مبلغ ادعائه هذا من الصحة أجابت بأنه لم يتردد عليها في ذلك اليوم ولم يعرض نفسه على أحد بها وأنها تعمل طوال الأسبوع وليست لها عطلة أسبوعية. ولم يقدم هو دليلاً على قوله. ونظراً إلى أنه سبق أن ارتكب مثل هذه المخالفة أثناء عمله بالمحطة ذاتها في يوم 7 من سبتمبر سنة 1958 ولم يردعه الجزاء الذي وقع عليه وقتذاك وإلى استمرار انقطاعه عن العمل بدون إذْن عدد من المرات بلغ ست مرات خلال المدة من 9 من يونيه سنة 1958 حتى 10 من أكتوبر سنة 1958 فضلاً عن مخالفات أخرى ارتكبها في هذه الفترة كتسببه في تخلف إيراد المحطة وعدم مقابلته القطارات لغلقه المحطة وبقاء الطرود وتأخير إرسال الأوراق ومنها ما لم يفصل فيه، فقد رأت رئاسة أقسام حركة القبارى من مجموعة هذه المخالفات وجسامتها وتكرارها أن المذكور لا يرجى إصلاحه وبناءً عليه عرض أمره بمذكرة مؤرخة 18 من نوفمبر سنة 1958 على اللجنة الفنية الرئيسية لشئون عمال المنطقة الشمالية بالإسكندرية التي أوصت بجلستها المنعقدة في يوم 20 منه بفصله من الخدمة لانعدام الرجاء في صلاحه مما يجعله غير صالح للعمل بخدمة الهيئة. وقد وافق السيد المهندس مدير المنطقة الشمالية على هذه التوصية فأصدر قراره المطعون فيه رقم 271 في 27 من نوفمبر سنة 1958 بفصل المدعي من خدمة الهيئة اعتباراً من تاريخه. وقد قام هذا القرار على سببه المشروع الذي يبرره وهو سبب مشتق من أصل ثابت في الأوراق واستخلص النتيجة التي انتهى إليها استخلاصاً سائغاً من وقائع صحيحة تنتجها مادياً وقانوناً بما لا سبيل معه إلى تدخل القضاء الإداري بالموازنة والترجيح فيما قام لدى الجهة الإدارية مصدرة القرار من قرائن وشواهد ودلائل أحوال كونت منها عقيدتها واقتناعها بإدانة سلوك المدعي وعدم الجدوى من صلاح حاله. وقررت على أساسها ملاءمة الجزاء الذي أوقعته عليه ما دام قرارها قد برئ من عيب مخالفة القانون وخلا من شائبة إساءة استعمال السلطة. ولا وجه لما يزعمه المذكور من اضطهاد مدير المنطقة الشمالية له وملاحقته إياه إزاء ما هو قائم في حقه من وقائع ومخالفات غير منكورة وعدم تقدير المسئولية وما هو ثابت من الأوراق من سابقة فصله من خدمة الهيئة لارتكابه تزويراً في أورنيك مرض خاص بأجازة مرضية حصل عليها وذلك بقرار صدر في 18 من يناير سنة 1958 وإعادة مدير المنطقة إياه إلى العمل بعد إلغاء هذا القرار، وعلى الرغم من توصية اللجنة الفنية الخاصة بالمنطقة في 21 من يونيه سنة 1958 بفصله من الخدمة وذلك رفقاً به لمنحه فرصة يصلح فيها من أمر نفسه وقد كان في وسع المدير كما ذهب إلى ذلك السيد مفوض الدولة تصحيح القرار شكلاً بعرضه على اللجنة الفنية والإصرار على فصله من الخدمة بدلاً من إعادته إليها ولاسيما بعد أن صحح الشكل وبعد أن أوصت اللجنة الفنية المختصة بفصله، الأمر الذي ينفي كل مظنة في التعسف أو الانحراف بالسلطة.
ومن حيث إن لكل ما تقدم يكون المدعي على غير حق في دعواه ويكون القرار التأديبي المطعون فيه صحيحاً سليماً مطابقاً للقانون، وإذ ذهب حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه غير هذا المذهب فقضى بإلغاء هذا القرار وما ترتب عليه من آثار بمقولة أنه صدر من غير مختص ودون موافقة اللجنة الفنية قانوناً بفصل العمال، فإنه يكون قد جانب الصواب ويتعين القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات [(1)].


[(1)] صدر هذا الحكم وتلي علناً بجلسة يوم السبت 24 من فبراير سنة 1962 برئاسة السيد الإمام الخريبي رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي. أما السيد بدوي إبراهيم حمودة رئيس المجلس الذي سمع المرافعة وحضر المداولة فقد وقَّع مسودة الحكم.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات