الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 27 سنة 5 ق – جلسة 07 /11 /1935 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) – صـ 923

جلسة 7 نوفمبر سنة 1935

برياسة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات محمد لبيب عطية بك ومراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك المستشارين.


القضية رقم 27 سنة 5 القضائية

مشارطة:
( أ ) الإكراه. كيف يتحقق الإكراه المبطل للرضا وللمشارطات. الخوف المكره. القول بحصوله أو بعدم حصوله. موضوعى. (المادتان 133 و135 مدنى)
(ب) حساب. طلب تصحيح خطأ فى أرقام حساب مقاولة. جواز قبوله. طلب إعادة عمل الحساب من جديد. لا يجوز.
(المادتان 535 و536 مدنى مصرى والمادة 541 مرافعات فرنسى)
(حـ، د) دعوى الغلط المحسوس فى الأعمال التى قام بها أحد المتعاقدين. متى يمكن قبولها؟ معنى الغلط فى هذه الدعوى. التوقيع اختيارا على الحساب مع العلم بالخطأ الواقع فيه. لا يجوز للموقع الرجوع فى شىء من الحساب. (المادتان 535 و536 مدنى)
1 – الإكراه المبطل للرضاء لا يتحقق إلا بالتهديد المفزع فى النفس أو المال أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لاقبل للإنسان باحتمالها أو التخلص منها، ويكون من نتيجة ذلك حصول خوف شديد يحمل الإنسان على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختيارا [(1)]. وحصول هذا الخوف الموصوف أو عدم حصوله إنما هو من الوقائع التى لقاضى الموضوع وحده القول الفصل فيها.
2 – الخطأ فى ذات الأرقام المثبتة بحساب المقاولة (erreur de calcul) يجوز طلب تصحيحه متى كان هذا الغلط ظاهرا فى الأرقام الثابتة فى كشف الحساب المعتمد من قبل، أو متى كانت أرقام هذا الكشف قد نقلت خطأ من ورقة أخرى معترف بها، أو كانت غير مطابقة لأرقام أخرى ثابتة قانونا. أمّا طلب إعادة عمل حساب تلك المقاولة من جديد، فإن القانون يأباه، لأن عمل المقاس والحساب النهائى عن المقاولة بعد إتمامها ما دام عملا متفقا عليه فى أصل عقدها، فان هذا الاتفاق متى نفذ بعمل المقاس والحساب فعلا، ووقع عليه بالاعتماد فقد انقضت مسئولية كل عاقد عنه وأصبح هو ونتيجته ملزما للطرفين. وعدم إمكان إعادة الحساب من جديد بعد عمله مرة أولى إذا كان لم يرد بشأنه نص خاص فى القوانين المصرية كما ورد النص عنه بالمادة 541 من قانون المرافعات الفرنسى، إلا أنه أمر مفهوم بالضرورة من أصول القانون التى تمنع تقاضى الالتزام مرتين.
3 – دعوى الغلط المحسوس المبطل للمشارطة بحسب المادة 535 لا يجوز توجيهها ضد المقاس والحساب المعتمدين فى مقاولة من المقاولات متى كانت فى حقيقتها ليست سوى دعوى لإعادة المقاس أو الحساب برمته من جديد. لكن دعوى وقوع هذا الغلط فى مقاس بعض أجزاء خاصة معينة من الأعمال الكلية التى قام بها المتعهد قد تقبل ويؤمر بتحقيقها، غير أن هذا لا يجوز إلا إذا كانت الظروف والدلائل تشهد بأنها دعوى جدّية، أما إذا رأت المحكمة أنها غير جدّية بل هى منازعة اعتسافية يراد بها الرجوع فيما تحقق وتم الاتفاق عليه، فالمحكمة فى حل من عدم قبول تحقيقها.
4 – إن معنى الغلط فى دعوى الغلط المحسوس المذكورة يقتضى حتما بصفة عامة أن يكون المتعاقد قد صدر منه الرضا وهو غير عالم بحقيقة الشىء المرضى عنه، بحيث لو كان عالما بحقيقته لما رضى. فإذا كان المدعى لم يدع عدم علمه بالحقيقة، بل ادعى أنه استكره على التوقيع وأثبتت المحكمة أن دعوى الإكراه مختلقة، فتوقيعه بهذه المثابة لا يجعل له أدنى وجه للرجوع فى شىء من الحساب، بل هو مرتبط به تمام الارتباط ودعواه غير جائزة السماع.


الوقائع

يتحصل موضوع هذه الدعوى بحسب ما يؤخذ من حكم محكمة الاستئناف المطعون فيه وما أشار إليه من المستندات فى أنه فى المدّة التى بين سنتى 1924 و1928 رسا على الطاعن عطاء أربع عمليات من أعمال المقاولات الخاصة بوزارة الأشغال وهى: إنشاء الطريق من سنورس إلى كفر محفوظ وإنشاء كوبريين على الطريق المذكور، وقد حصلت المحاسبة النهائية عن هذه المقاولة بمقتضى كشف حساب ختامى أمضاه الطاعن بتاريخ 31 يوليه سنة 1927 وصرفت له جميع المبالغ المستحقة عنه وعمل تكسيات بالدبش بين الرقة والعياط وقد حصلت المحاسبة النهائية عن هذه المقاولة أيضا بمقتضى كشف حساب ختامى أمضاه الطاعن بتاريخ 7 يوليه سنة 1928، وصرفت له جميع المبالغ المستحقة عنه وإنشاء سكة زراعية بناحية القطورى وكوبرى مصرف المحيط وقد حصلت المحاسبة النهائية عن هذه المقاولة أيضا بمقتضى كشف حساب ختامى أمضاه الطاعن بتاريخ 2 مارس سنة 1929 وصرفت له جميع المبالغ المستحقة عنها وإنشاء طريق الحوامدية، وهذه المقاولة تأخر إنجازها عن الوقت المحدّد فالوزارة فسخت العقد المحرّر عنها مع الطاعن وأعطت العمل لمقاول آخر لإنجازه على حسابه، وقرّرت فى الوقت نفسه حرمانه من أعمال المقاولات لمدّة ثلاث سنوات. وعلى أثر ما كان من الوزارة بشأن المقاولة الأخيرة قام الطاعن برفع هذه الدعوى أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية وقيدت بجدولها برقم 306 سنة 1930. وقد طلب فيها الحكم أصليا بالزام وزارة المواصلات بأن تدفع له مبلغ 3065 جنيها و425 مليما مع فوائد هذا المبلغ من يوم المطالبة الرسمية لغاية السداد بواقع 5% والمصاريف وأتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المؤقت، واحتياطيا إلزام المدعى عليه الثانى (المطعون ضدّه الثانى) بردّ مبلغ مائة جنيه وكسور مسلمة إليه من الطاعن مع إلزامه بمصاريف هذا المبلغ وفوائده وأتعاب المحاماة والحكم على الوزارة فيما عدا ذلك من الطلبات الأصلية. وبعد المرافعة قضت المحكمة المذكورة بتاريخ 7 يونيه سنة 1931 حضوريا وقبل الفصل فى الموضوع بتعيين أحمد أفندى سرى غالب الخبير لأداء المأمورية المبينة بأسباب الحكم. وهذه المأمورية مقصورة من جهة تحقيق أعمال المقاول على المقاولة الأخيرة فقط، وهى مقاولة طريق الحوامدية دون أعماله فى المقاولات الثلاث الأولى كما يطلب فى دعواه.
فاستأنف الطاعن هذا الحكم وطلب تعديله على أن تكون مأمورية الخبير، بجانب ما كلفته به المحكمة الابتدائية، إجراء مقاس وبيان جميع الأعمال التى قام بها الطاعن فى المقاولات الثلاث الأولى وتقدير تكاليفها حسب نماذج العطاء مع مقارنة الكميات الحقيقية للأعمال التى قام بها بالكميات التى احتسبتها مصلحة الطرق والكبارى فى كشوف الحساب الختامى وبيان الفرق بينهما والأعمال التى لم تحتسبها المصلحة وتكاليفها وأثمانها من واقع نماذج العطاء إلى آخر ما طلب ومع إلزام المستأنف ضدّها الأولى (المطعون ضدّها الأولى) بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقد قيد استئنافه هذا بجدول محكمة استئناف مصر الأهلية تحت رقم 211 سنة 50 قضائية. وبعد نظره قضت فيه المحكمة بتاريخ 9 ديسمبر 1934 برفضه وبتأييد الحكم المستأنف مع إلزام المستأنف (الطاعن) بالمصاريف وبمبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلن هذا الحكم إلى حافظ أفندى فريد فى 9 فبراير سنة 1935، فطعن فيه بطريق النقض فى 11 مارس سنة 1935 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّهما فى 21 و23 من الشهر المذكور، وقدّم هو والمطعون ضدّها الأولى مذكراتهما الكتابية فى الميعاد القانونى، ولم يقدّم المطعون ضدّه الثانى شيئا، وقدمت النيابة مذكرتها فى 24 يونيه سنة 1935.
وحدد لنظر هذا الطعن جلسة يوم الخميس 31 أكتوبر سنة 1935. وفيها سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ومنها تأجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن:
(أوّلا) أن الطاعن بنى دفاعه لدى محكمة الموضوع على أن كميات العمل التى قام بها فعلا أزيد بكثير من الكميات التى احتسبتها له الوزارة فى كشوف الحساب، واستشهد على صحة هذه الفروق بالواقع فى الطبيعة، وطلب تعيين خبير لتحقيقها ومعاينتها ومقاسها، وأنه أوضح تفصيلات الفروق التى لم تحسبها له الوزارة ولكن المحكمة رفضت دفاعه هذا قائلة "إن المادة 536 من القانون المدنى وإن كانت تنص على تصحيح الغلط فى أرقام الحساب إلا أن هذا التصحيح لا يجوز إجراؤه قانونا إلا متى كان الغلط ظاهرا فى الأرقام الثابتة فى الكشف المعتمد من قبل أو متى كانت أرقام هذا الكشف قد نقلت خطأ من ورقة أخرى معترف بها أو غير مطابقة لأرقام أخرى ثابتة قانونا. أما ادعاء حصول خطأ فى الحساب والمطالبة بتحقيق هذا الخطأ باعادة عمل الحساب من جديد فأمر لا يتفق مع أحكام القانون". ثم يقول فى تقريره وفى المذكرة التى قدّمها ما حاصله أن هذه القاعدة التى وضعتها المحكمة لتصحيح خطأ الحساب هى قاعدة خاطئة لا تدل عليها عبارة المادة 536 من القانون المدنى. وفوق هذا فان دفاعه مقبول بمقتضى المادة 535 التى تفيد بطلان الاتفاقات إذا كانت مبنية على غلط محسوس أو تدليس أو تزوير. فاذا كان هناك عمل قائم فى الطبيعة ولم يرد بيانه فى كشف الحساب بل سقط منه فان هذا السقوط هو خطأ مادّى محسوس دليله هو الطبيعة نفسها ويجب تصحيحه بمقتضى المادة المذكورة، وإن كان لا دليل عليه من ذات أرقام كشف الحساب ولا من مصادر الاستدلال الأخرى التى أشارت إليها قاعدة المحكمة.
(ثانيا) أن الحكم المطعون فيه اعتبر توقيع الطاعن على كشف ختامى طريق سنورس ملزما رغم ما أبانه من أنه وإن حصل التوقيع على هذا الكشف فى 31 يوليه سنة 1927 إلا أنه أرسل للوزارة خطابا فى اليوم السابق عليه يحتفظ فيه بحقه فى مناقشة الحساب للطعون التى وجهها عليه، وأن التوقيع فى مثل هذه الظروف لا يعتبر مصادقة صحيحة. ورغم أهمية هذا الدفاع فقد قال الحكم المطعون فيه إنه لا يرى محلا للبحث فى قيمة الخطاب "لأنه لم يثبت استلام الوزارة للخطاب المذكور" مع أن الطاعن قدّم إيصال البريد عن هذا الخطاب المسجل وثابت فيه إرسال الخطاب برسم مصلحة الطرق والكبارى، ومع أن المصلحة اعترفت به فى إحدى مذكراتها.
(ثالثا) أن الطاعن قرر أن توقيعه على كشوف الحساب كان مشوبا بالإكراه وحصل تحت تأثير الحاجة والضرورة إلى صرف المبالغ التى اعترفت بها الوزارة وامتنعت عن صرفها إلا بعد التوقيع فجاء الحكم المطعون فيه وقرر بأن هذه الظروف لا تعتبر من قبيل الإكراه لأن الإكراه الذى يترتب عليه بطلان الرضاء لا يكون إلا بالتهديد المفزع فى النفس أو المال أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لاقبل للإنسان على احتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول خوف شديد يضطر الإنسان بسببه أن يقرّ بقبول مالم يرض به حقا….." مع أنه من المقرر أن وقائع الإكراه يكفى فى تكوينها مجرّد وجود عمل مادى أو معنوى يسلب الشخص المكره حرّية الامتناع عن الرضاء، بل ويكفى فيه مجرّد التعسف، طبيعيا كان أو أدبيا، لحمل شخص على الرضاء بشىء ليكون رضاه هذا مشوبا، بل يكون الإكراه من مجرّد المعاملة السيئة مع التهديد باستمرارها إذا لم يحصل الرضاء بالمطلوب.
ولهذه الأسباب يطلب الطالب نقض الحكم وإعادة القضية لمحكمة الاستئناف لنظرها من جديد.
عن الوجه الثانى:
حيث إن هذا الوجه غير صحيح إذ لم يقدّم الطاعن لمحكمة النقض دليلا على تقديمه لمحكمة الاستئناف إيصال الخطاب الموصى عليه كما يدعى فى تقرير طعنه وفى مذكرته. وكذلك ليس للوزارة أية مذكرة اعترفت فيها بوصول هذا الخطاب إليها ولم يقدّم الطاعن أيضا لمحكمة النقض أى دليل على هذا.
عن الوجه الثالث:
حيث إن محكمة الاستئناف قالت بشأن الإكراه المبطل للرضاء وللمشارطات إنه لا يتحقق "إلا بالتهديد المفزع فى النفس أو المال أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لاقبل للإنسان على احتمالها أن التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول خوف شديد يضطر الإنسان بسببه أن يقرّ بقبول ما لم يرض به حقا". وقولها هذا قانونى لا غبار عليه وهو يشير إلى نوعى الإكراه من مادى وأدبى. ولذلك فلا تفهم تلك الاعتراضات والاستدراكات التى أوردها الطاعن فى تقريره على قول المحكمة ما دام قولها المتقدّم يشمل تلك الصور التى أشار إليها فيه. ولعله فاته أن تحقق الإكراه سواء أكان ماديا أم أدبيا مشروط – كما هو ظاهر من عبارة المحكمة – "بأن يكون من نتيجته حصول خوف شديد يضطر الإنسان بسببه أن يقرّ بقبول ما لم يرض به حقا". فالصور التى أشار إليها لا مانع أن يتحقق فيها الإكراه متى كانت نتيجته هو ذلك الخوف الشديد الذى يحمل على إقرار الإنسان بقبول ما لم يكن ليقبله اختيارا. وغير خاف أن حصول هذا الخوف الموصوف أو عدم حصوله إنما هو من الوقائع التى لقاضى الموضوع وحده القول الفصل فيها.
وحيث إن محكمة الاستئناف تناولت ما ادعاه الطاعن من استكراهه على التوقيع فى سنى 1927 و1928 و1929 على كشوف حساب المقاولات الثلاث، وأوردت من الأدلة ما ينفى هذا الادعاء وانتهت بقولها وحيث إنه يتضح مما تقدّم أن دعوى الإكراه ليست إلا دعوى مختلفة لتبرير منازعة الوزارة فيها تم الاتفاق عليه من قبل. فمحكمة النقض لا يسعها إلا أخذ قول محكمة الاستئناف فى هذا الصدد قضية مسلمة. ويكون إذن هذا الوجه الثالث غير جدير بالاعتبار.
عن الوجه الأوّل:
حيث إن الواقع فيما طلبه الطاعن من محكمة الاستئناف – كما أثبتته هى فى صدر حكمها المطعون فيه – هو أنه طلب منها تعديل الحكم المستأنف على وجه أن تكون مأمورية الخبير بجانب ما كلفته به المحكمة الابتدائية إجراء مقاس وبيان جميع الأعمال التى قام بها فى المقاولات الثلاث الأولى وتقدير تكاليفها حسب نماذج العطاء مع مقارنة الكميات الحقيقية للأعمال التى قام بها بالكميات التى احتسبتها مصلحة الطرق والكبارى فى كشوف الحساب الختامى وبيان الفرق بينهما والأعمال التى لم تحتسبها المصلحة وتكاليفها وأثمانها من واقع نماذج العطاء الخ….
وحيث إن الطلب بهذه الكيفية ليست مجرّد دعوى تصحيح خطأ فى ذات الأرقام المثبتة بحسابات المقاولات الثلاث المذكورة (erreur de calcul) مما كان يجوز تصحيحه متى كان هذا الغلط – كما قالته محكمة الاستئناف بحق – ظاهرا فى الأرقام الثابتة فى الكشوف المعتمدة من قبل أو متى كانت أرقام هذه الكشوف قد نقلت خطأ من ورقة أخرى معترف بها أو كانت غير مطابقة لأرقام ثابتة قانونا – ليس الطلب هو هذا، وإنما هو طلب إعادة عمل حساب تلك المقاولات من جديد (révision de compte) وهو طلب يأباه القانون – كما قالت محكمة الاستئناف أيضا بحق – لأن عمل المقاس والحساب النهائى عن كل من هذه المقاولات بعد إتمامها هو عمل متفق عليه فى أصل عقودها؛ فاذا ما تنفذ الاتفاق بعمل المقاس والحساب فعلا وتوقع عليه فى بالاعتماد فقد انقضت مسئولية كل عاقد عنه وأصبح هو ونتيجته حجة نهائية ملزمة للطرفين. وعدم إمكان إعادة الحساب من جديد بعد عمله مرة أولى إذا كان لم يرد بشأنه نص خاص فى القوانين المصرية، كما ورد النص عنه بالمادة 541 من قانون المرافعات الفرنسى، إلا أنه أمر مفهوم بالضرورة من أصول القانون التى تمنع تقاضى الالتزام مرتين.
وحيث إن الطاعن يتحدّى الآن فى دعوى الغلط لا بقاعدة تصحيح أرقام الحساب الواردة بالمادة 536 فقط، بل يقول إن المادة 535 الواردة أيضا فى ذلك الباب تفيد بطلان المشارطة إذا وقع فى موضوعها غلط محسوس.
وحيث إن ما يقوله الطاعن من ذلك لا يمكن متابعته فيه للأسباب القانونية الآتية: (أوّلا) لأن كشوف الحساب النهائية المعتمدة من الطاعن عن المقاولات الثلاث هى خلاصة قوائم تفصيلية لكميات العمل التى قام الطاعن بعملها فى كل مقاولة من المقاولات الثلاث، وهذه القوائم موقع عليها بالاعتماد لا من الطاعن وحده بل من مهندسه أيضا كما أثبتته محكمة الاستئناف وكما هو الواقع فى المستندات المقدّمة لمحكمة النقض. فدعوى الغلط المحسوس فى موضوع الأعمال التى قام بها لا تقبل ما دامت أنها ليست فى حقيقتها سوى دعوى إعادة المقاس كله أو إعادة الحساب من جديد (révision de compte) كما قال الحكم المطعون فيه. (ثانيا) على فرض أن دعواه ليست سوى دعوى غلط فى مقاس لبعض أجزاء خاصة معينة من الأعمال الكلية التى قام بها، وعلى فرض أن الدعوى بهذه الصورة قد يقبل فى بعض الظروف سماعها، فانها يجب أن تكون دعوى تشهد الظروف والدلائل على أنها جدّية حتى يأمر القضاء بتحقيقها. والذى يؤخذ من سياق مجموع العبارات الواردة بالحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تر فى الدعوى الحالية شيئا من الجدّ، بل هى ترى أنها منازعة اعتسافية يراد بها الرجوع فيما تحقق وتم الاتفاق عليه، ويستعان عليها حتى باختلاق دعوى الاستكراه، ومتى كان الأمر كذلك فالمحكمة فى حل من عدم قبول تحقيقها. (ثالثا) إن معنى الغلط يقتضى حتما بصفة عامة أن يكون المتعاقد قد صدر منه الرضاء وهو غير عالم بحقيقة الشىء المرضى عنه بحيث لو كان عالما بحقيقته لما رضى. فدعوى الخطأ تستلزم حتما على الأقل من جانب مدّعيها عدم علمه بالحقيقة وعدم رضائه لو كانت الحقيقة منكشفة له قبل حصوله. والطاعن فى الدعوى الحالية لم يدع عدم علمه قبل التوقيع على الحسابات النهائية المتنازع فيها بخطأ المقاس المؤسسة هى عليه، بل إنه ادعى أنه استكره على التوقيع على تلك الحسابات، وهذه دعوى تفيد أنه علم قبل التوقيع بالخطأ الذى قد يكون واقعا فيها، وأنه لولا الإكراه ما وقّع مع علمه بذلك الخطأ. وبما أن محكمة الاستئناف أثبتت أن دعوى الإكراه مختلفة فالمسألة تؤول إذن – لو صح ما يزعمه الطاعن – إلى أنه مع علمه قبل التوقيع على الحسابات بخطأ المقاسات التى يقول عنها فانه مع ذلك وقع عليها مختارا. والتوقيع بهذه المثابة لا يجعل للموقع أدنى وجه للرجوع فى شىء من الحساب، بل هو مرتبط به تمام الارتباط، ودعواه غير جائزة السماع.


[(1)] هذه هى قاعدة الحكم المطعون فيه وقد أقرّتها محكمة النقض.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات