الطعن رقم 107 سنة 4 ق – جلسة 23 /05 /1935
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد المدنية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) – صـ 798
جلسة 23 مايو سنة 1935
برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.
القضية رقم 107 سنة 4 القضائية
إقرار:
( أ ) إقرار. الأهلية المشترطة لصحته. أهلية المقرّ. جواز الإقرار للصغير وللمجنون.
(ب) إقرار. تبين محكمة الموضوع أن الإقرار إخبار عن حقيقة واقعية. إعطاء هذا الإقرار
شكل عقد بيع. ثبوت صحة الإقرار. الطعن بصورية الإقرار. حكم الصورية لا شأن له بالواقع
الثابت.
1 – الأهلية التى تشترط لصحة الأقارير هى أهلية المقرّ للتصرف فيما أقرّ به. أما المقرّ
له فلا يشترط فيه أهلية مّا، بل يجوز الإقرار للصغير غير المميز والمجنون. كما أن الأقارير
لا تستلزم قبول المقرّ له وإنما ترتدّ بردّه فقط.
2 – متى أثبتت محكمة الموضوع فى حكمها أن الإقرار المسند للمقرّ هو إخبار صادق عن حقيقة
واقعية لا شبهة فيها ولا شك فلا يضير هذا الإخبار الصحيح أن يكون أعطى له شكل عقد بيع.
ومتى ثبتت صحة هذا الإقرار واقعيا – وثبوتها هذا هو أمر موضوعى لا رقابة لمحكمة النقض
عليه – فسواء بعد ذلك أأخطأت تلك المحكمة فى إيراد حكم القانون فى التصرفات الصورية
أم لم تخطئ، فان هذا لا شأن له بالواقع الذى أثبتته، بل حكم هذا الواقع هو وجوب اعتبار
المقرّ لهم أصحاب الحقوق المقرّ لهم بها.
الوقائع
تتحصل وقائع الدعوى، بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه، فى أن
عبد العزيز أفندى خليل بركات وباقى الطاعنين شرعوا فى نزع ملكية أطيان بطرس أفندى مرجان
المطعون ضدّه الأخير فى دين كان لمورّثهم عليه فقام ورثة أبسخرون عوض وهم باقى المطعون
ضدّهم ورفعوا فى مايو سنة 1932 لدى محكمة طنطا الابتدائية الأهلية دعوى على نازعى الملكية
والمدين المذكور طلبوا بها الحكم باستحقاقهم 14 فدّانا و17 قيراطا و3 أسهم من الأطيان
المذكورة وبابطال إجراءات نزع الملكية بالنسبة لها وشطب التسجيلات الواقعة عليها. وقد
احتجوا فى دعواهم هذه بعقد بيع صدر لهم من بطرس أفندى مرجان بتاريخ 3 يونيه سنة 1921
وثابت التاريخ فى أوّل يوليه سنة 1922 ومؤيد بعقد آخر محرّر فى ظهر ورقة العقد الأوّل
بتاريخ أوّل أغسطس سنة 1922 وكلا المحرّرين مسجل تسجيلا كليا فى 25 سبتمبر سنة 1923.
ومحكمة طنطا التى قيدت هذه الدعوى بجدولها برقم 199 كلى سنة 1932، حكمت بتاريخ 8 أكتوبر
سنة 1932 برفضها وبالزام المدّعين بالمصاريف، فاستأنف ورثة أبسخرون عوض هذا الحكم طالبين
إلغاءه والحكم لهم بما طلبوه لدى الدرجة الأولى. ومحكمة استئناف مصر التى قيد هذا الاستئناف
بجدولها برقم 257 سنة 50 قضائية، حكمت بتاريخ 22 فبراير سنة 1934 بالغاء الحكم المستأنف
وباستحقاق ورثة أبسخرون عوض المستأنفين للمقدار المذكور وبالزام عبد العزيز أفندى خليل
بركات وباقى ورثة والده من المستأنف عليهم بمصاريف الدرجتين وأتعاب المحاماة.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين فى 12 سبتمبر سنة 1934، فطعن فيه بطريق النقض فى 13
أكتوبر سنة 1934 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّهم فى 14 و25 من الشهر المذكور، وقدّم
طرفا الخصومة مذكراتهم الكتابية فى الميعاد القانونى عدا بطرس أفندى مرجان المطعون
ضدّه الأخير فلم يقدّم شيئا، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 10 أبريل سنة 1935.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 23 مايو سنة 1935 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على
الوجه المبين بمحضر الجلسة.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن هو:
(أوّلا) الخطأ فى تطبيق القانون. وذلك من النواحى الآتية: اعتبار المحكمة أن العقد
عقد بيع صحيح مع أن بعض المشترين قصر لا أهلية فيهم لقبول البيع ومع كون العاقد يلزم
أن يكون ذا أهلية كمقتضى المادتين 236 و246 من القانون المدنى، ولم تبين المحكمة من
الذى قبل عن هؤلاء القصر وبأى صفة قبل وتجهيل المبيع لعدم بيان حدوده ومساحاته
وأن العقد الذى يتحدّى به ورثة أبسخرون مذكور فيه أنه يصير تحرير عقد نهائى، وأن
تحرير هذا العقد النهائى موقوف على الانتهاء فى قضية لمن يدعى الخواجة ناتان (وهى قضية
خاصة عن أطيان بطرس أفندى مرجان بمحلة أبو على) ويقول الطاعنون إن توقيف تحرير العقد
النهائى على الانتهاء من تلك القضية يفيد أن وجود البيع معلق على شرط موقف هو نتيجة
قضية ناتان المذكورة وأن البيع إذن لم يتم والملكية لم تنقل.
(ثانيا) الخطأ فى تأويل القانون. وفى هذا الوجه يقول الطاعنون إن المحكمة ارتأت أن
الدائن الذى يدّعى صورية التصرف الحاصل من مدينه ينبغى أن يكون دينه ثابتا ومسجلا من
قبل حصول التصرف المطعون فيه.
وحيث إن ما فى وجهى الطعن، بقطع النظر عن صحته وعدم صحته، كله غير منتج فى الطعن الحالى.
وبيان ذلك أن محكمة الاستئناف وجدت عبد العزيز أفندى خليل بركات وباقى ورثة والده يوجهون
مطاعن كثيرة للعقد باعتباره عقد بيع فهى ابتدأت ترد على هذه المطاعن على التسليم –
مجاراة لهم – بأن العقد هو عقد بيع فردّتها جميعا فى عبارات مطوّلة. وبعدها أتت فتناولت
ما أدلى به ورثة أبسخرون من أن حقيقة هذا العقد هو إقرار لهم من بطرس أفندى مرجان بملكية
هذه الأطيان وقد وضع الإقرار فى صورة عقد بيع، وأن سبب هذا الإقرار هو أن أبسخرون عوض
مورّثهم كان رجلا هرما ماتت زوجته فتزوّج بأخرى وخشى أولاده من الزوجة الأولى ومنهم
سيدة كانت متزوّجة ببطرس أفندى مرجان – خشوا أن تؤثر عليه زوجته الجديدة فيتصرف فى
ملكه تصرفا ضارّا بهم، فلم يجدوا لمنعه من هذا سوى أن يكلفوه يبيع أطيانه لبطرس أفندى
مرجان، وقد باعها له فعلا بعقد محرّر فى 25 يوليه سنة 1908 ومسجل تسجيلا كليا فى 14
نوفمبر سنة 1908 وهو عقد صورى محرّر لهذا الغرض غرض حفظ الملك للبائع ومنعه من التصرف
فيه، وأنه لما توفى أبسخرون عوض فى 27 مايو سنة 1921 قام ورثته من فورهم يطالبون بطرس
أفندى مرجان برد ملك أبيهم إليهم وحرّر لهم ورقة 2 يونيه سنة 1921 أى بعد وفاة أبيهم
بخمسة أيام تعهد فيها بتحرير عقد بيع نهائى عن أطيانه بناحية محلة أبو على إلى زكى
أفندى أبسخرون وإخوته الأشقاء وغير الأشقاء وقرّر أنه قبض الثمن ومقداره 2000 جنيه
وأن للمشترين وضع يدهم على الأطيان من تاريخه. ولأن هذه الورقة مجملة لا بيان فيها
لمقدار ما باعه ولا لأسماء المشترين فقد حرر لهم بظهرها فى أوّل أغسطس سنة 1922 بيانا
للأطيان المبيعة للورثة بأحواضها، وقد ذكرت أسماؤهم وأمام كل منهم مقدار ما اشتراه.
وقد تقرر فى محرّر أوّل أغسطس سنة 1922 هذا أن المشترين وضعوا يدهم على المبيع، كما
تقرّر أن تحرير عقد البيع النهائى يكون عند الفصل فى قضية الخواجة ناتان إبراهيم جلانطه
(وهى قضية مرفوعة من بطرس أفندى على ناتان المذكور بخصوص فدانين ونصف) وأنه إذا تأخر
بطرس أفندى عن تحرير العقد النهائى فيعتبر هذا العقد نهائيا. تناولت المحكمة هذا القول
الذى قاله ورثة أبسخرون فأثبتت صدقه وأن محرّرى 2 يونيه سنة 1921 وأوّل أغسطس سنة 1922
وإن كانا وضعا فى صيغة عقد بيع إلا أنهما صوريان من جهة الشكل، وحقيقة الواقع فيهما
أنهما إقرار من بطرس أفندى مرجان بأن الملك ملك والدهم، وأن عقد التمليك الصادر له
من والدهم سنة 1908 إنما كان عقدا صوريا، وأنه بمحرّرى يونيه سنة 1921 وأغسطس سنة 1922
المذكورين لم يفعل سوى رد هذا الملك لهم لعدم أحقيته فيه. وقد دللت المحكمة على صدق
هذا ومطابقته للواقع بقرائن أوردتها فى حكمها. وهذا هو وحده السبب الجوهرى الذى بنت
عليه حكمها لورثة أبسخرون باستحقاقهم فى الأطيان المذكورة.
وحيث إن الأهلية التى تشترط لصحة الأقارير هى أهلية المقرّ للتصرف فيما أقرّ به، أما
المقرّ له فلا يشترط فيه أهلية مّا، بل يجوز الإقرار للصغير غير المميز والمجنون. كما
أن الأقارير لا تستلزم قبول المقرّ له وإنما ترتدّ بردّه فقط. ومتى كان الأمر كذلك
فكل ما خاض فيه الطاعنون من عدم أهلية بعض المشترين وعدم قبول البيع من ذى صفة للتحدّث
عنهم هو كلام منقول عن موطنه وغير منتج ما دامت المسألة كما أثبتتها محكمة الموضوع
مسألة إقرار لا مسألة بيع وشراء. وكذلك الحال فى كون البيع معلقا وجوده على شرط أو
غير معلق وكون المبيع محدودا أو غير محدود لأنه لا بيع ولا شراء بل إقرار لورثة أبسخرون
عوض بأن الأطيان أطيان أبيهم وأن عقد سنة 1908 صورى، وهذا الإقرار لا تعليق فيه بل
هو لا يحتمل التعليق بشىء. كما أنه بقطع النظر عن أن هؤلاء الورثة هم الأعلم بحدود
أطيان أبيهم ومواقعها وأن من الفضول الافتيات عليهم فى هذا الصدد – بقطع النظر عن هذا
فانه سواء عليهم استلموها ووضعوا يدهم عليها بسبب هذا الإقرار أم هم لما يستلموها إذ
لا إنتاج لشىء من ذلك فى الطعن الحالى لأنه يكفيهم أن يكون بطرس أفندى مرجان أقرّ لهم
بملكية ما أخذه من أبيهم بعقد سنة 1908 حتى يستحقوه استحقاقا يحتجون به على الطاعنين،
وهم وشأنهم فى الاستلام وعدمه مما لا مدخل للطاعنين فيه اللهم إلا إذا كان ما ينزع
الطاعنون ملكيته خارجا عما فى عقد سنة 1908. وظاهر من الحكم أن هذا غير حاصل. ومثل
ذلك ما قيل عن خطأ محكمة الموضوع فى بيان حكم القانون فى شأن الصورية، فان أقوال الطاعنين
فى هذا الصدد وإن كان غير مفهوم منها أية صورية يقصدون إلا أنهم إن كانوا يقصدون صورية
عقد البيع على اعتبار أنه عقد منشئ لملكية لم تكن لورثة أبسخرون من قبل، وأنه صورى
لم ينقل هذه الملكية فانه لا بيع ولا شراء من هذا القبيل، ويكون كلامهم عن خطأ المحكمة
– بفرض صحته – كلاما غير منتج. وإن كانوا يقصدون بالصورية التى أخطأت المحكمة فى بيان
حكمها صورية الإقرار ذاته وكونه حاصلا بطريق التواطؤ، فان محكمة الموضوع أثبتت بصفة
جلية أنه إخبار صادق عن حقيقة واقعية لا شبهة فيها ولا شك. ولا يضير هذا الإخبار الصحيح
أن يكون أعطى له شكل عقد بيع. وما دام هذا الإقرار قد ثبتت صحته واقعيا وثبوتها هذا
– الذى قد يجوز أن تكون محكمة الاستئناف قد أخطأت فيه – هو أمر موضوعى لا رقابة لمحكمة
النقض بشأنه فسواء إذن أخطأت تلك المحكمة فى إيراد حكم القانون فى التصرفات الصورية
أو لم تخطئ فان حكم الصورية لا شأن له بالواقع الذى أثبتته، بل حكم هذا الواقع هو وجوب
اعتبار المقرّ لهم وأبيهم من قبلهم المالكين للأطيان المقرّ بها وأنها لم تخرج قط من
ملكيتهم. أما الكلام فى الصورية وأحكامها فغير منتج.
