الطعن رقم 106 سنة 4 ق – جلسة 23 /05 /1935
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد المدنية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) – صـ 793
جلسة 23 مايو سنة 1935
برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.
القضية رقم 106 سنة 4 القضائية
( أ ) نقض وإبرام. صحة الحكم فى نتيجته. ابتناؤه على تكييف غير
صحيح للوقائع الثابتة به. لا نقض.
(ب) التعهدات المترتبة على الأفعال. أخذ الشىء بدون حق. مناط تطبيق المادتين 145 و146
مدنى. التفريق بين الشىء المأخوذ وبين ثمرته. متى يجب ردّ الثمرة؟
1 – إذا رأت محكمة النقض أن الحكم المطعون فيه صحيح فى نتيجته وإن كان قائما على تكييف
غير صحيح للوقائع التى أثبتها جاز لمحكمة النقض أن تصحح هذا التكييف الخاطئ بأسباب
قانونية من عندها تنطق على الوقائع الثابتة بالحكم.
2 – إن تطبيق المادتين 145 و146 من القانون المدنى يقتضى حتما التفريق بين الشىء المأخوذ
بدون حق وبين ثمرته فان لكل حكما، إذ الشىء المأخوذ واجب الردّ على كل حال، أما الثمرة
فواجبة الردّ إذا كان آخذ الشىء قد أخذه بسوء نية عالما أن لا حق له فيه. أما إذا كان
أخذه إياه وقع بسلامة نية دون علمه بعدم استحقاقه له فلا ردّ للثمرة.
فاذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم هى أن زيدا كان يعتبر نفسه مستحقا فى وقف كذا، وكان
يعتقد هذا تمام الاعتقاد ويعتقده معه ناظر الوقف وباقى المستحقين اعتقادا هم جميعا
سليمو النية فيه، واستمرّ زيد مدّة طويلة يستولى على نصيبه من غلة الوقف حتى جاء بكر
فادّعى الاستحقاق دونه وحصل على حكم شرعى نهائى لمصلحته، ثم رفع بكر دعوى يطالب بها
زيدا أن يردّ ما أخذه من غلة الوقف فى السنين الماضية التى استولى فيها على هذه الغلة،
فهذه الوقائع تدل على أن الذى أخذه زيد بدون حق إنما هو حق الانتفاع أو أصل الاستحقاق
ذلك الحق العينى الذى كان واضعا يده عليه بواسطة ناظر الوقف وأن المال الذى كان يقبضه
سنويا إنما هو الثمرة الناتجة من ذلك الحق العينى الذى أخذه بدون وجه حق. وإذن فالشىء
الذى يجب ردّه بمقتضى المادة 145 هو أصل الاستحقاق فى الوقف أى حق الانتفاع العينى
(droit d’ usufruit) وهو ما حصل ردّه تنفيذا للحكم الشرعى. أما الثمرة وهى الريع الذى
كان يقبضه فغير واجب ردّها ما دام أخذه لأصل الحق المنتج لها ووضع يده عليه كان بسلامة
نية.
الوقائع
تتحصل وقائع الدعوى بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه أن المرحوم
راغب أفندى إسماعيل مورّث المطعون ضدّهم استمرّ من سنة 1902 لسنة 1916 يستولى على نصيب
من ريع وقف المرحوم سلطان باشا على اعتبار أنه مستحق فى هذا الوقف بعد جدّته التى كانت
مستحقة فيه. ولكن المرحوم طه أو غنيمة استصدر فى سنة 1918 حكما من محكمة بنى سويف الشرعية
قاضيا باستحقاقه هو فى الوقف المذكور دون راغب أفندى إسماعيل وتأيد هذا الحكم استئنافيا
من محكمة مصر العليا فى سنة 1919. وفى سنة 1928 رفع طه أبو غنيمة المذكور على ورثة
راغب أفندى إسماعيل لدى محكمة المنيا الابتدائية الأهلية دعوى قيدت بجدولها برقم 421
سنة 1928 طلب بها إلزامهم بأن يدفعوا له مبلغ 1161 جنيها و327 مليما قيمة الريع السنوى
الذى استولى عليه مورّثهم من سنة 1902 لسنة 1916 بدون وجه حق مع أن هذا الريع كان من
حقه هو. وفى أثناء نظر هذه الدعوى توفى المدّعى طه أبو غنيمة وحل محله ورثته، ومحكمة
المنيا حكمت بتاريخ 15 فبراير سنة 1932 بالزام هؤلاء الورثة بأن يدفعوا من تركة مورّثهم
للمدّعين مبلغ 776 جنيها و680 مليما وألزمتهم بالمصاريف. فاستأنف المحكوم عليهم هذا
الحكم استئنافا أصليا طالبين إلغاءه ورفض الدعوى، كما استأنفه ورثة طه أبو غنيمة فرعيا
طالبين زيادة المبلغ المحكوم به وجعله 967 جنيها و765 مليما. وقد قيد هذان الاستئنافان
بجدول محكمة استئناف مصر برقم 787 سنة 50 و208 سنة 51 قضائية. ومحكمة الاستئناف بعد
نظرهما حكمت فى 30 مايو سنة 1934 بالغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى ورثة طه أبو غنيمة
وإلزامهم بمصاريف الدرجتين وبمبلغ 600 قرش أتعابا للمحاماة لورثة راغب أفندى إسماعيل.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين فى 15 سبتمبر سنة 1934 فطعنوا فيه بطريق النقض فى
7 أكتوبر سنة 1934 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّهم فى 13 منه، وقدّم الطاعنون مذكرتهم
الكتابية فى الميعاد القانونى، ولم يقدّم المطعون ضدّهم شيئا، وقدّمت النيابة مذكرتها
فى 8 أبريل سنة 1935.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 23 من شهر مايو سنة 1935 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت المحكمة
الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن يتحصل فى مخالفة الحكم المطعون فيه للمادة 145 من القانون المدنى القاضية
بأن من أخذ شيئا بغير استحقاق وجب عليه ردّه والمبلغ المطلوب هو مال أخذه مورّث المطعون
ضدّهم بلا حق فهو واجب الردّ خلافا لما قضى به الحكم. ويقول الطاعنون إن هذا الردّ
ليس واجبا بحكم القانون المدنى فقط، بل هو واجب بحكم الشريعة الإسلامية كما يعلم من
المادتين 386 و389 من قانون العدل والإنصاف. ويضيفون أن محكمة الاستئناف مع قولها إن
قاعدة المادة 145 من القانون المدنى مؤسسة على مبدأ عدم جواز الإثراء على حساب الغير
فانها مع ذلك لم تعمل بمقتضى هذا المبدأ إذ هى تقول إن راغب أفندى إسماعيل كان من الأغنياء
فلم يكن المبلغ الذى أخذه فى السنين المذكورة بجاعله مثريا، وبينما هى تقول هذا مما
يقتضى أن تركته مليئة وفيها هذا المبلغ ولا يضيرها دفعه فانها مع ذلك ترفض الدعوى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذا كان صحيحا فى نتيجته فان ما أورده فى تفسير المادة 145
من قوله إن استلام مورّث المطعون ضدّهم للمبالغ التى استولى عليها من غلة الوقف وإن
كان أخذا بغير حق إلا أنه لا يجب عليه ولا على ورثته من بعده ردّها لأنه بقبضه هذه
المبالغ لم يثر على حساب الغير – ما أورده من ذلك غير صائب. ثم هو غير مفيد فى الدعوى
الحالية وأمثالها لأنه قائم على تكييف غير صحيح للوقائع التى أثبتها. وكذلك كل ما أورده
الطاعنون فى تقرير طعنهم ومذكرتهم من تفسير للمادة 145 المذكورة فهو غير مؤثر فى الحقيقة
القانونية الواجب تطبيقها فى الدعوى بعد تكييف وقائعها الثابتة التكييف الصحيح.
وحيث إن المادتين 145 و146 فى علاقتهما بالدعوى الحالية لا غموض فى عباراتهما ولا إبهام
حتى تحتاج أية منهما للجهد فى التفسير وإنما تطبيقهما يقتضى حتما التفريق بين الشىء
المأخوذ بدون حق وبين ثمرته فان لكل حكما إذ الشىء المأخوذ واجب الردّ على كل حال.
أما الثمرة فواجبة الردّ إذا كان آخذ الشىء قد أخذه بسوء نية عالما أن لا حق له فيه،
أما إذا كان أخذه إياه وقع بسلامة نية فلا ردّ للثمرة.
وحيث إن الفصل فى الطعن الحالى يقتضى إذن معرفة ماذا هو المطلوب بالدعوى أهو الشىء
المأخوذ بلا حق أم هو ثمرته.
وحيث إن الواقع الذى أثبتته محكمة الاستئناف هو أن المرحوم راغب أفندى إسماعيل مورّث
المطعون ضدّهم كان يعتبر نفسه مستحقا فى وقف المرحوم سلطان باشا فى الحصة المنحلة فى
سنة 1902 عن جدّته الست مصرية وكان يعتقد هذا تمام الاعتقاد ويعتقده معه ناظر الوقف
وباقى المستحقين اعتقادا هم جميعا سليمو النية فيه، ولذلك فقد أخذ من سنة 1902 إلى
سنة 1916 يستولى على نصيبه من غلة الوقف إلى أن قام المرحوم طه أبو غنيمة مورّث الطاعنين
فادّعى الاستحقاق دونه وحصل على حكم شرعى لمصلحته من محكمة بنى سويف الشرعية فى سنة
1918 تأيد من المحكمة العليا الشرعية فى سنة 1919 وأن أساس هذا الحكم الشرعى هو تفسير
الشروط الواردة بكتاب الوقف تفسيرا لغويا ونحويا يخالف التفسير الذى كان يعتقده ناظر
الوقف والمستحقون فيه. وأنه من بعد صدور ذلك الحكم رفع طه أبو غنيمة الدعوى الحالية
يطلب بها من ورثة راغب أفندى إسماعيل (الذى توفى من قبل) ردّ ما يخصه مما أخذه مورّثهم
من غلة الوقف فى جميع السنين الماضية التى استولى فيها على هذه الغلة.
وحيث إن الواضح بكل بساطة من هذا الواقع الذى أثبته الحكم أن الذى أخذه مورّث المطعون
ضدّهم بدون حق إنما هو حق الانتفاع أو أصل الاستحقاق ذلك الحق العينى الذى كان واضعا
يده عليه بواسطة ناظر الوقف، وأن المال الذى كان يقبضه سنويا إنما هو ريع ذلك الحق
العينى الذى أخذه ووضع يده عليه بواسطة الناظر بدون وجه حق.
وحيث إنه ما دام أن الشىء الذى كان مأخوذا بدون وجه حق إنما هو أصل الاستحقاق فى الوقف
أى حق الانتفاع العينى (droit d’usufruit) فهذا الشىء هو الذى كان واجبا ردّه بمقتضى
المادة 145، وقد حصل ردّه فعلا تنفيذا للحكم الشرعى. ومفهوم بالبداهة أن هذا الحكم
لم يصدر إلا بعد أن تمسك راغب أفندى إسماعيل وناظر الوقف بما يفهمانه من أن شرط الواقف
يجعل راغب أفندى إسماعيل هو صاحب الانتفاع ذلك الفهم الذى أثبته الحكم المطعون فيه.
فلما لم يقبل ناظر الوقف أن يجعل حيازته لحق الانتفاع هذا هى لذمة طه أو غنيمة رفع
أبو غنيمة دعواه على الناظر وعلى راغب إسماعيل لتقرّر المحكمة أن أبا غنيمة هو صاحب
حق الانتفاع دون راغب، ولتأمر الناظر بتنفيذ هذا أى بأن تكون حيازته لهذا الحق هى لذمة
أبو غنيمة لا لذمة راغب، وقد فعلت.
وحيث إن الدعوى الحالية ليس مطلوبا بها إلا ريع ذلك الحق العينى الذى كان مأخوذا بلا
حق.
وحيث إن حكم الريع هو عدم وجوب ردّه متى كان آخذ الشىء المنتج للريع قد أخذه بسلامة
نية غير عالم بعدم استحقاقه له كما هو مقتضى حكم المادة 146 من القانون المدنى.
وحيث إن الثابت فى الدعوى أن مورّث المطعون ضدّهم إذا كان أخذ حق الانتفاع ووضع يده
عليه بواسطة ناظر الوقف، فانما فعل وهو معتقد بكل سلامة نية أن ذلك الحق حقه، وسنده
فى هذا الاعتقاد كتاب الوقف نفسه، فالقانون يقضى بأن لا مسئولية عليه فيما يكون حصل
عليه من الريع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه هو وتقرير الطعن تناسيا ما هو الشىء المأخوذ بلا حق واعتبرا
أن الريع هو هو ذلك الشىء المأخوذ بلا حق وأخذا بناء على هذا التكييف الخاطئ يفسران
المادة 145 تفسيرا غير منتج.
وحيث إنه للأسباب المتقدّمة وحدها يكون الحكم المطعون فيه صحيحا. ولا محل للأخذ بما
يعتمد عليه الطاعنون من النصوص الشرعية أمام نصوص القانون المدنى.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن.
