الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 87 سنة 4 ق – جلسة 18 /04 /1935 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) – صـ 708

جلسة 18 أبريل سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.


القضية رقم 87 سنة 4 القضائية

بيع. الصورية التدليسية. ثبوتها بالقرائن. اقتضاء وجود مبدأ ثبوت بالكتابة مع توافر القرائن المثبتة للصورية. خطأ.
صورية البيع التدليسية تثبت بالقرائن فى حق كل من مسه هذا التدليس ولو كان طرفا فى العقد. فاذا توفرت القرائن المثبتة للتدليس والاحتيال على استصدار هذا العقد صورة واقتضت محكمة الموضوع مع ذلك ممن صدر منه العقد وجود مبدأ ثبوت بالكتابة كيما تحقق الصورية التى يقول بها كان حكمها خاطئا وجاز لمحكمة النقض عند نقضها الحكم أن تستخلص ثبوت هذه الصورية التدليسية من الأوراق والتحقيقات التى كانت معروضة على محكمة الموضوع.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى – على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة وكانت مقدّمة لمحكمة الاستئناف – فى أن صلاح الدين الغزولى ادعى أمام محكمة إسكندرية الابتدائية فى دعواه هذه التى رفعها وقيدت بجدولها تحت رقم 677 سنة 1932 بأنه بتاريخ 21 يونيه سنة 1930 باع لخصمه عبد المحسن سيد أحمد إبراهيم قطعة أرض بشارع عثمان جلال باسكندرية بثمن ذكر فى عقد البيع أنه خمسمائة جنيه وأنه لم يدفع ولكن حقيقته أنه يبلغ ثمانمائة جنيه، كما تشهد بذلك ورقة الضدّ المؤرّخة 9 يونيه سنة 1930 (كذا)، وطلب الحكم بالزام المدّعى عليه بأن يدفع له هذا المبلغ مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
فأجاب المدّعى عليه – على ما جاء بالحكم الابتدائى – بأن عقد البيع المذكور هو عقد صورى كان يقصد به إيقاع المسيو دى جرير فى الغش والتدليس وإفلات مدينه أحمد صالح رفاعى من دينه الذى له عليه. وذلك أن أحمد صالح رفاعى المذكور كان مدينا للخواجة دى جرير فى مبلغ 300 جنيه فرفع دعوى تفليس ضدّ أحمد صالح أمام المحكمة المختلطة، فتدخل المدّعى بأن ضمن أحمد صالح لدائنه فى سداد الدين بالتضامن معه وأظهر له استعداده لرهن قطعة الأرض الواردة فى عقد البيع تأمينا لوفاء كامل الدين، وهذا بورقة مؤرّخة فى 7 يونيه سنة 1930. ثم هرب قطعة الأرض المذكورة إلى المدّعى عليه بعقد البيع المذكور وأخذ بالثمن البالغ قدره ثمانمائة جنيه سندا لوقت الطلب على المشترى وأحمد صالح رفاعى وشخص ثالث (وهو من يدعى مصطفى ملوك) ثم رفع بها دعوى أمام المحكمة المختلطة فحكمت برفض دعواه لعدم وجود سبب قانونى للمديونية.
وبتاريخ 12 يناير سنة 1933 حكمت محكمة إسكندرية الابتدائية برفض هذه الدعوى حكمها الوارد فى وقائعه ما تقدّم. وقد اعتمدت فى رفضها الدعوى على ما ثبت لها من المستندات المقدّمة من طرفى الخصوم ومن تحقيق النيابة من أن البيع كان فى الحقيقة صوريا صدر بطريق الغش والتدليس فى ظروف دعوى الإفلاس وحين كان المدّعى وكيلا لمحامى أحمد صالح رفاعى المفلس وحين كان المدّعى عليه الذى أصدر البيع له مستخدما لدى أحمد صالح رفاعى، ولهذا كان أحمد صالح رفاعى المذكور مدينا متضامنا مع مستخدمه عبد المحسن فى الكمبيالة المتقدّمة الذكر وأن هذا التدليس ارتكب للإضرار ولو مؤقتا بالخواجة جرير.
استأنف المدّعى هذا الحكم طالبا إلغاءه وإلزام المستأنف عليه بأن يدفع له 800 جنيه مصرى مع المصاريف والفوائد وقيد هذا الاستئناف تحت رقم 726 سنة 50 قضائية.
وفى تاريخ 3 أبريل سنة 1934 حكمت محكمة استئناف مصر بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف ضدّه بأن يدفع للمستأنف مبلغ 800 جنيه مصرى ومصاريف الدعوى عن الدرجتين وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة عنهما ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعن بتاريخ 23 يوليه سنة 1934، فطعن فيه بطريق النقض فى 19 أغسطس سنة 1934، وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدّه فى 26 منه، وقدّم طرفا الخصومة المذكرات الكتابية فى الميعاد القانونى، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 18 فبراير سنة 1935.
وبجلسة يوم الخميس الموافق 11 أبريل سنة 1935 المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى كالمبين بمحضر الجلسة ومنها تأجلت للنطق بالحكم لجلسة اليوم لعدم إتمام المداولة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن محكمة الاستئناف قد اعتمدت فى قضائها بالغاء الحكم المستأنف وبالزام الطاعن بأن يدفع لخصمه مبلغ الثمانمائة الجنيه المدّعى بأنها ثمن الأرض التى اشتراها منه، على ما قالته من أنه لا يوجد فى مستندات المستأنف ضدّه أو فى أوراق الدعوى أو فى تحقيق النيابة المشار إليه فى الحكم المستأنف وفى مذكرة المستأنف ضدّه أية ورقة تثبت الصورية المدّعاة أو تكون مبدأ إثبات لها تصح تكملته بالشهود وقرائن الأحوال. ويقول الطاعن إن محكمة الاستئناف قد أخطأت فى ذلك لأن الأوراق المقدّمة منه وأقوال خصمه فى تحقيق النيابة وأمام المحكمة المختلطة كلها تصلح لإثبات ما ادّعاه من صورية عقد البيع، كما ذهبت إلى ذلك محكمة الدرجة الأولى، ويضيف الطاعن إلى هذا الوجه أن الحكم المطعون فيه قد خلا من الأسباب التى تكون محكمة الاستئناف قد اعتمدت عليها فى عدم اعتبار الأوراق المقدّمة فى الدعوى. وهذا الخلو يعيب الحكم ويبطله.
وحيث إن الواقع فى الدعوى أن الطاعن ادّعى صورية البيع الصورية التدليسية التى تثبت قانونا بالقرائن. وقد أثبتتها محكمة إسكندرية المختلطة بحكمها الصادر بتاريخ 4 ديسمبر سنة 1930 والذى كان مقدّما لمحكمة الاستئناف الأهلية. وهذا الحكم قد صدر فى دعوى رفعها الخواجة شالون بنيتا على عبد المحسن سيد أحمد إبراهيم (الطاعن) ومصطفى ملوك وعلى الصنديك المعين على تفليسة أحمد صالح رفاعى وحكم بشطبها ثم جدّدها على عبد المحسن ومصطفى ملوك فقط، ثم تدخل فيها صلاح الدين الغزولى. ففى تلك الدعوى – كما هو ثابت من الحكم المذكور – طلب مدّعيها الحكم بالزام المدّعى عليهما بأن يدفعا له ثمانمائة جنيه بمقتضى سند تحت الطلب تاريخه 9 يونيه سنة 1930 أقرّ فيه عبد المحسن ومصطفى ملوك وأحمد صالح رفاعى بأنهم مدينون لصلاح الدين الغزولى فى مبلغ ثمانمائة جنيه وصلتهم نقدية ثم حوّله له صلاح الدين الغزولى. فعبد المحسن ادّعى يومئذ أمام المحكمة المختلطة صورية سبب الدين. ولما رأت تلك المحكمة – كما تقول فى حكمها – أن هذه الصورية مؤكدة وأوجبت على المدّعى حامل السند وعلى محيله صلاح الدين الغزولى أن يبينا السبب الحقيقى ويقيما الدليل عليه قرّر الغزولى أن للسند سببا حقيقيا مزدوجا هو ضمان الغزولى لأحمد صالح رفاعى فى المبلغ المطلوب منه للخواجة دى جرير، ثم ثمن أرض باعها الغزولى لعبد المحسن. فبحثت المحكمة فى هذا السبب، وبعد أن تكلمت طويلا وقارنت تواريخ ورقة ضمان الغزولى المحرّرة للخواجة دى جرير وورقة سند الدين المدّعى به وورقة بيع الأرض لعبد المحسن قالت: إن هذه المقارنة تكفى لعدم الثقة برواية شالون بنيتا والغزولى. ثم قالت: وحيث إنه إذا سلمت المحكمة بنظرية بنيتا والغزولى التى مبناها أن سبب الدين هو ضمانة الغزولى وبيع الأرض لعبد المحسن لتعذر عليها فهم أن يكون السند بمبلغ 800 جنيه فقط لا بمبلغ 1109 جنيهات و559 مليما أى (قيمة الضمانة والبيع معا). ثم قالت: وحيث إن رفاعى أشهر إفلاسه بحكم فى 20 أغسطس سنة 1930 فيكون رفاعى قد وقع السند فى فترة الاشتباه. وحيث إن الصنديك كان على حق فى اعتبار السند معدوم السبب. وحيث إنه ليس من مهمة المحكمة الفصل فى مدى استخدام عبد المحسن، وهو عامل بسيط يشتغل نجارا فى ورشة مخدومه رفاعى، فى هذه المناورة التدليسية فيظهر وهو صعلوك مشتريا لأرض مساحتها 750 ذراعا وموقعا للسند المتنازع عليه. ولما استأنف شالون هذا الحكم وتدخل الغزولى كذلك فى الاستئناف منضما للمستأنف أيدته محكمة الاستئناف بحكمها المؤرّخ فى 20 أبريل سنة 1932، وقالت فى أسباب حكمها المقدّمة صورته لمحكمة النقض وكانت مقدّمة من قبل لمحكمة الاستئناف: "إن الغزولى يقرّ بأنه حمل رفاعى على توقيع السند بمناسبة ضمانته هو له لدى دائنه دى جرير ثم أخذ توقيع عبد المحسن على هذا السند قبل صدور عقد البيع. ثم قالت: وحيث إن البحث فى التحقيق الذى أجرته النيابة فى الشكوى المقدّمة ضدّ الغزولى وفى نتائج مناقشة الخصوم أثناء حضورهم شخصيا أمام هذه المحكمة أسفر عن مناقضات عديدة تتعلق بالدور الذى لعبه عقد البيع فى المناورات التى حركتها يد الغزولى مما يحمل هذه المحكمة على عدم التعويل على روايته…..
وحيث إن مفاد هذا الحكم الصادر فى مواجهة الغزولى أن البيع كان لعبة اتخذها الغزولى فى المناورات التدليسية التى قام بها فى مسألة دين رفاعى للخواجة جرير وضمانته هو لهذا الدين. أى أنه غير حقيقى، بل صورى لم يفد نقل ملك الأرض من البائع للمشترى ولا التزام المشترى بدفع ثمنها سواء أكان الغزولى قد استخدم فى المطالبة عقد البيع أم استخدم سند المداينة.
وحيث إنه متى كان الأمر كذلك تكون محكمة الاستئناف قد أخطأت فى اقتضائها مبدأ ثبوت بالكتابة كيما تحقق الصورية مع أن تلك الدلائل والقرائن كافية كل الكفاية لإمكان تحقق هذه الصورية التدليسية المدعى بها. ولهذا يتعين نقض الحكم المطعون فيه.
وحيث إن الدعوى صالحة للحكم فى موضوعها.
وحيث إن مما يؤكد الصورية والتدليس أن الغزولى قد أخذ على عبد المحسن سندا بمبلغ 800 جنيه وهو فى آن واحد، إذ باعه الأرض، قد أخذ اعتراف عبد المحسن فى عقد البيع بأن الثمن لم يدفع بحيث أصبح فى يده سندان أحدهما بمبلغ قرض والآخر بثمن بيع. ولو كان شالون الذى حوّل إليه السند نجح فى دعواه أمام المحكمة المختلطة على اعتبار أنه قرض حقيقى لاستطاع الغزولى أن يقتضى ثمن الأرض من عبد المحسن بمقتضى عقد البيع. ولو أن الغزولى كان حسن القصد غير مدلس فى إجراءاته لاعترف هو فى عقد البيع بقبضه الثمن. ولكن سلوكه فى هذه المادة وما ثبت فى حكم المحكمة المختلطة وما هو ثابت فى الدعوى الحالية من أن عبد المحسن رجل فقير خادم عند أحمد صالح لا علة ظاهرة لأن يفترض 800 جنيه من الغزولى ولا علة ظاهرة لأن يشترى أرض فضاء بمبلغ 800 جنيه مع رقة حاله – كل ذلك يفيد أن مسألة البيع تصوير فى تصوير وأن المراد منها هو مجرّد إيجاد تسجيل عقارى على العين كيما يهربها الغزولى من ضمانته لرفاعى فى دين الخواجة دى جرير ولو مؤقتا كما تقول محكمة أوّل درجة بحق.
وحيث إن الحكم المستأنف يكون إذن فى محله للأسباب المتقدّمة وللأسباب الأخرى الواردة به.
وحيث إن هذه المحكمة ترى مع ذلك فى صالح المطعون ضدّه أن تقرّر حين تأييدها الحكم المستأنف أن الأرض المبيعة باقية على ملك الغزولى البائع لم تخرج منه وأن له – إذا أراد – أن يسجل هذا الحكم ليعيد الملك إلى اسمه فى دفاتر التسجيل.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات