الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 35 سنة 4 ق – جلسة 18 /04 /1935 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد المدنية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الأول (عن المدة من 12 نوفمبر سنة 1931 لغاية 29 أكتوبر سنة 1936) – صـ 694

جلسة 18 أبريل سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.


القضية رقم 35 سنة 4 القضائية

( أ ) تقادم: ترك الدعوى بالعين. متى يكون موجبا لعدم سماع الدعوى؟ مجرّد ترك العين أو إهمالها دون إنكار أحد حق مالكها فيها. لا يسقط حق ملكيتها ولا يمنع من سماع الدعوى بها. (المادة 375 من لائحة المحاكم الشرعية)
(ب) وضع اليد المكسب للملكية. مدّته بالنسبة للوقف.
1 – إن قاعدة الشريعة الإسلامية فى الترك الموجب لعدم سماع الدعوى هى ترك الدعوى بالعين مع قيام مقتضى الدعوى من غصب الغير للعين وتعدّيه عليها وإنكار حق مالكها. وهذه القاعدة صاغتها المادة 375 من لائحة المحاكم الشرعية المعمول بها الآن بالنص الآتى: "القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التى مضى عليها خمس عشرة سنة مع تمكن المدّعى من رفعها وعدم العذر الشرعى له فى عدم إقامتها إلا فى الإرث والوقف فانه لا يمنع من سماعها إلا بعد ثلاث وثلاثين سنة مع التمكن وعدم العذر الشرعى. وهذا كله مع الإنكار للحق فى تلك المدّة". أما مجرّد ترك العين أو إهمالها، مهما يطل الزمن، من غير أن يتعرّض لها أحد أو يغتصبها وينكر حق مالكها فيها، فانه لا يترتب عليه ألبتة – لا فى الشريعة الإسلامية ولا فى غيرها من الشرائع – لا سقوط حق ملكيتها ولا منع سماع الدعوى بها لو تعرّض لها متعرّض بعد زمن الإهمال المديد.
2 – إن مدّة وضع اليد المكسبة لملكية الوقف هى ثلاث وثلاثون سنة.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى – على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة – فى أن الأوقاف الخصوصية الملكية رفعت أمام محكمة المنصورة الابتدائية الأهلية ضدّ محمد باشا البدراوى عاشور والسيد باشا البدراوى عاشور دعوى قيدت بجدولها تحت رقم 438 سنة 1926 قالت فى عريضتها إن لوقف القصر 18 فدانا و16 قيراطا و10 أسهم مبينة الحدود والمعالم بالعريضة المذكورة اغتصب المدّعى عليهما 7 فدادين و18 قيراطا و8 أسهم منها فى سنة 1899، ثم اغتصبا الباقى بعد ذلك التاريخ وقبل سنة 1917 واستمرا واضعى اليد عليها. لهذا طلبت تثبيت ملكية وقف القصر إلى القدر المذكور وتسليمه إليها مع إلزام المدعى عليهما بالمصاريف والأتعاب.
وبتاريخ 19 أكتوبر سنة 1926 حكمت محكمة المنصورة بندب خبير لأداء المأمورية المبينة بالحكم المذكور ثم استبدلته بآخر قام بالمأمورية وقدّم تقريره.
وبتاريخ 18 فبراير سنة 1930 حكمت المحكمة نفسها حضوريا برفع الدعوى وألزمت المدعية بالمصاريف و1000 قرش أتعاب محاماة.
استأنفت الأوقاف الخصوصية هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بالاستئناف رقم 1148 سنة 47 قضائية طالبة إلغاء الحكم المستأنف والحكم بالطلبات الأصلية. وفى 4 مارس سنة 1931 حكمت تلك المحكمة بقبول الاستئناف شكلا وقبل الفصل فى الموضوع باحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفى ما تدوّن بأسباب الحكم المذكور. وقد بوشر التحقيق على الوجه المبين بمحضره. وبجلسة 20 يناير سنة 1932 حكمت المحكمة بندب الخبير السابق ندبه أمام محكمة أوّل درجة، ثم استبدلته بآخر قام بالمأمورية وقدّم تقريره. وأثناء سير الدعوى توفى محمد باشا البدراوى عاشور فأدخل ورثاؤه.
وبتاريخ 30 يناير سنة 1934 حكمت المحكمة بالغاء الحكم المستأنف وتثبيت ملكية وقف القصر إلى الـ 18 فدانا و16 قيراطا و10 أسهم المبينة الحدود والمعالم بعريضة الدعوى المؤرّخة 7 مارس سنة 1926 وتسليمها إلى هذا الوقف وإلزام المستأنف ضدّهم بمصاريف الدرجتين و1000 قرش أتعاب محاماة عنهما.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين فى 17 أبريل سنة 1934 فطعنوا فيه بطريق النقض فى 16 مايو سنة 1934 بتقرير أعلن إلى المطعون ضدّها فى 21 منه، وقدّم الطرفان مذكرتيهما فى الميعاد، وقدّمت النيابة مذكرتها فى 10 فبراير سنة 1935.
وبجلسة اليوم المحدّدة لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا فى الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن محصل الوجه الثالث بحسب التقرير والمذكرة المفصلة له أن الحكم المطعون فيه قد مزج فى مسألة مضى المدّة بين قواعد الشريعة الإسلامية وبين قواعد القانون المدنى مزجا لا يستقيم به التطبيق. ذلك بأن الحكم وقد أخذ عن الشريعة الإسلامية مقدار المدّة وهو ثلاث وثلاثون سنة، فانه لم يجر باقى حكمها؛ وذلك لأن الشريعة الإسلامية – على ما يزعم الطاعنون – تقضى بعدم سماع الدعوى من جهة الوقف لمجرّد ترك هذه الجهة للعين المتنازع عليها وإهمالها إياها تلك المدّة ولو لم يضع أحد يده عليها فى غضونها. ويقول الطاعنون بما أن جهة الوقف مقرّة باهمالها العين المتنازع عليها من زمن طويل قبل سنتى 1899 و1905 اللتين اعتبرتهما المحكمة مبدأ لاغتصاب مورّث الطاعنين فتكون الدعوى غير مسموعة حتى بحسب قواعد الشريعة التى أخذ عنها الحكم المطعون فيه مقدار المدّة وهو ثلاث وثلاثون سنة. ثم يقول الطاعنون: لكن المعوّل عليه هى قواعد القانون المدنى وهى لا تفرّق بين الأعيان الموقوفة والأعيان المملوكة، بل كلها سواء فى مسألة اكتساب ملكيتها بوضع اليد المدّة المقرّرة بالقانون. ويقولون إنهم لكونهم واضعى اليد بسبب الميراث على الأعيان المتنازع عليها فقد اكتسبوا ملكيتها بمضى خمس سنوات بهذا السبب أى بسبب الميراث، بل اكتسبوها أيضا بالمدّة الطولى، وهى خمس عشرة سنة لأن وضع يدهم اسمر أكثر من ذلك.
وحيث إن هذا الوجه لو صح وقبل لكان حاسما موجبا لنقض الحكم ورفض الدعوى. ولذلك يتعين بحثه قبل الوجهين الأوّل والثانى.
وحيث إن قاعدة الشريعة الإسلامية فى الترك الموجب لعدم سماع الدعوى ليست كما يرويه الطاعنون من أنه ترك العين وإهمالها، بل هو ترك الدعوى بالعين مع قيام مقتضى الدعوى من غصب الغير للعين وتعدّيه عليها وإنكار حق مالكها. وهذه القاعدة صاغتها المادة 375 من لائحة المحاكم الشرعية المعمول بها الآن بالنص الآتى: "القضاة ممنوعون من سماع الدعوى التى مضى عليها خمس عشرة سنة مع تمكن المدّعى من رفعها وعدم العذر الشرعى له فى عدم إقامتها إلا فى الإرث والوقف، فانه لا يمنع من سماعها إلا بعد ثلاث وثلاثين سنة مع التمكن وعدم العذر الشرعى وهذا كله مع الإنكار للحق فى تلك المدّة". أما مجرّد ترك العين أو إهمالها، مهما يطل الزمن، من غير أن يتعرّض لها أحد أو يغتصبها وينكر حق مالكها فيها فانه لا يترتب عليه ألبتة – لا فى الشريعة الإسلامية ولا فى غيرها من الشرائع – لا سقوط حق ملكيتها ولا منع سماع الدعوى بها لو تعرّض لها متعرّض بعد زمن الإهمال المديد. وهذه بديهية شرعية وقانونية لا تحتاج لإيضاح. وعليه فكل زمن مضى من قبل مبدأ الاغتصاب الذى أثبتته المحكمة لا يمكن بحسب الشريعة الإسلامية التحدّى به قبل جهة الوقف على خلاف ما يزعم الطاعنون.
وحيث إن من المبادئ الثابتة الآن فقها وقضاءً أن مدّة وضع اليد المكسبة لملكية الوقف هى ثلاث وثلاثون سنة مطلقا، أى لا خمس سنوات ولا خمس عشرة سنة. وهذه المدّة لم تمض من وقت الاغتصاب كما أثبته الحكم المطعون فيه، فالوجه الثالث المذكور متعين الرفض، ولا حاجة مع هذا لبحث ما أشار إليه الطاعنون من اعتبارهم الميراث من الأسباب الصحيحة التى لا يلزم معها سوى خمس سنوات لاكتساب الملكية بوضع اليد ذلك الاعتبار البين خطؤه.
وحيث إن أهم ما فى الوجهين – الأوّل والثانى – هو الادّعاء باستناد الحكم إلى أسانيد غير صحيحة تنقضها أوراق رسمية كانت مقدّمة لمحكمة الموضوع. ولكن الطاعنين لم يقدّموا لهذه المحكمة تلك الأوراق التى يزعمون مخالفة الحكم لما فيها حتى تستبين المحكمة صحة ادّعائهم ومبلغ مايكون قانونا للافتيات المدّعى به من التأثير فى صحة الحكم. أما باقى الوجهين فليس سوى مناقشات موضوعية لا تلتفت إليها محكمة النقض.

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات