الرئيسية الاقسام القوائم البحث

الطعن رقم 1728 سنة 18 ق – جلسة 04 /01 /1949 

مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) – صـ 728

جلسة 4 من يناير سنة 1949

برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: أحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك وأحمد حسني بك وفهيم عوض بك المستشارين.


القضية رقم 1728 سنة 18 القضائية

نقد مباح. استعمال عبارات قاسية. لا يؤثر ما دام المتهم ملتزماً الحدود القانونية للنقد.
متى كان الحكم متضمناً ما يفيد أن المتهم كان فيما نسبه إلى المجني عليه في الحدود المرسومة في القانون للنقد الذي لا عقاب عليه فلا يقدح في صحته أن كانت العبارات التي استعملها المتهم مُرَّة قاسية [(1)].


الوقائع

اتهمت النيابة العمومية محمد علي حماد أفندي بأنه في يوم… سبَّ علناً كلاً من حضرة صاحب الدولة إسماعيل صدقي باشا وحضرة صاحب المعالي حسين هيكل باشا وحضرة صاحب الدولة محمود فهمي النقراشي باشا وحضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا وحضرة صاحب الدولة حسين سري باشا أعضاء هيئة المفاوضات بسبب أداء وظائفهم بأن أسند إلى حضراتهم أموراً تتضمن خدشاً للشرف والاعتبار بأن نشر بصفته رئيساً لتحرير جريدة الشعلة بالعدد 414 الذي أعدَّ للبيع والتوزيع في 14 يونيو سنة 1946 مقالاً تحت عنوان "صحيفة سوابق المفاوض المصري" جاء فيه أن عهد دولة صدقي باشا اشتهر بحوادث التعذيب في البدارى وإخطاب وغيرها، وانتشرت رائحة الفضائح التي تمس نزاهة الحكم… إلخ، وأن معالي هيكل باشا بنطلون كل وزارة مسؤول عن كل فضائحها وتصرفاتها… إلخ, وأن دولة النقراشي باشا هو ذلك الذي اشترته الرجعية الإنجليزية وهو صاحب اليد الطولى في تزوير انتخابات سنة 1945… إلخ، وأن رفعة علي ماهر باشا كان ولا يزال المتآمر الأول بين الرجعيين المصريين على النظام الديمقراطي… إلخ، وأن دولة حسين سري باشا هو رئيس الوزارة الوحيد الذي هاجت الجماهير الجائعة في عهده بسبب إسرافه في تملق السادة الإنجليز… وهو صاحب المناورات الحقيرة لإبعاد الشعب عن الحكم.
وطلبت من محكمة الجنايات محاكمته بالمواد 171 فقرة أولى وخامسة و185 فقرة أولى و195 فقرة أولى و198 فقرة ثالثة ورابعة و200 فقرة ثانية و307 من قانون العقوبات… إلخ إلخ.


المحكمة

وحيث إن وجه الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ استند في براءة المتهم إلى عدم توفر القصد الجنائي لديه وإلى أن العبارات التي نسبها للمجني عليهم، وإن كانت مُرَّة قاسية لا تتجاوز حدود النقد المباح. ذلك لأن القصد الجنائي في القذف والسب يتوافر متى كانت الألفاظ الموجهة إلى المجني عليهم شائنة بذاتها.
وحيث إنه بغض النظر عما جاء في الحكم المطعون فيه بصدد القصد الجنائي فإنه تضمن في الوقت ذاته ما يفيد أن المتهم كان فيما نسبه إلى المجني عليهم في الحدود المرسومة في القانون للنقد الذي لا عقاب عليه.


[(1)] القصد الجنائي في جرائم السب والقذف والإهانة ومعنى حسن النية والنقد وأثرهما القانوني:
فقه القانون الفرنسي وقضاؤه – القصد الجنائي وحسن النية:
1 – في القانون الفرنسي يعبرون عن القصد الجنائي في باب القذف والسب ونحوهما بقصد الإساءة، ويقولون إن هذا القصد ركن في الجريمة. ولا نجد – مع ذلك – فارقاً بين معنى العبارتين، لأن قصد الإساءة كما يتحقق بإرادة الإضرار بالغير مادياً أو أدبياً يتحقق بمجرد الشعور بالضرر الذي يمكن أن يصيب الغير من إسناد أمر شائن إليه علانية من غير أن يكون المتهم مباشراً لحق أو مضطلعاً بواجب. فلا يلزم عندهم أن تكون غاية المتهم المباشرة إيذاء المجني عليه بل يكفي أن يكون مدركاً الأذى الذي ينتج عن فعله. وقصد الإساءة بهذا المعنى لا يزيد على معنى القصد الجنائي العام (باربييه بند 417 ص 422).
وإذا كان بعض الكتاب الفرنسيين قد خالف هذا النظر وحتم لتوفر قصد الإساءة أن يكون المتهم مدفوعاً إلى ما نشره بشهوة ممقوتة من كره أو رغبة في الكسب أو في التشهير (شافرجان في مقاله المنشور بسيرى 1887 – 441) فإن رأي هذا البعض لم يسد لا في الفقه ولا في القضاء. وما زال أغلب شراح القانون الفرنسيين يسترشدون في تحديد الركن المعنوي لجرائم القذف والسب والإهانة بحكم محكمة استئناف إكس الصادر في 19 فبراير سنة 1869 الذي قضى بأنه لا يكفي للتبرئة أن يتبين عدم اتجاه قصد المتهم إلى الإضرار بشخص معين لأن عليه قبل أن يقدم على فعلته أن يتروى في نتائجها ولا يقدم عليها إذا أحس أنه لا يستطيع الإحاطة بهذه النتائج، وأنه يلزم التحرز من الخلط بين القصد وبين الباعث أو الغاية لأنه مهما تكن الغاية محمودة فهي لا تبرر الوسيلة الممنوعة. فمدير مكتب الاستعلامات التجارية الذي يزود عملاءه بمعلومات كاذبة عن بعض الأشخاص (من جهة يسارهم وقدرتهم على الوفاء بتعهداتهم) لا يمكن اعتباره أنه قد فعل ذلك بغير قصد الإساءة (داللوز وبمعناه حكم محكمة النقض الفرنسية في 30 ديسمبر سنة 1904 سيرى 1905 – 1 – 537 وتعليق برو عليه وفي 9 مايو سنة 1908 د 1909 – 1 – 80, 69 – 2 – 83). ومن هذا القبيل ما قضت به محكمة النقض الفرنسية من أن اعتقاد الناشر وثقته في المراسل الذي نقل عنه الوقائع التي نشرها لا يعفيه من المسؤولية الجنائية. وقد استشهد شاسان بحكم لمحكمة النقض قضى بأنه إذا كانت مصلحة إحدى الهيئات ومصلحة الجمهور تقتضي وضع إعلان في مكاتبها مذكور فيه أسباب فصل أحد المستخدمين لوقائع مشينة فإن اعتقاد هذه الهيئة أن من حقها استعمال مكاتبها لتنبيه الجمهور وإخباره بما اتخذته قبل مستخدمها المخطئ لا يمنع من تحقق جريمة القذف في حق ذلك المستخدم ولا من توفر القصد الجنائي (شاسان جـ 1 ص 52). ولا يخلي داللوز من قصد الإساءة إلا إنساناً كان وقت النشر في حال لا يدرك معها الضرر الذي يحدث عن فعله إما لوجود ظرف يمنعه من إدراك مدى ما يرمي إليه كلامه، وإما لتسلط مصلحة جدية مشروعة ملحة استبدت بخاطره فنفت عنه كل فكرة عداها. فمن يرمي إلى إنارة الجمهور عن أخلاق شخص يغتصب ثقة الناس وتقديرهم بنشر وقائع مشينة صحيحة يرتكب قذفاً لأنه مع رغبته في خدمة مواطنيه يدرك تماماً ما يترتب على فعله من ضرر. وعكس هذا حال من انشغل خاطره بالرغبة الملحة في العثور على ملكه المسروق أو متاعه الضائع فأقدم بغير أن يقدر خطورة الدعوى التي يدعيها على اتهام شخص علناً بأنه اختلسه فإن هذا لا يكون قاذفاً لأن الظرف الذي يوجد فيه يتنافى مع كل قصد إلا قصد البحث والعثور على المتاع الضائع أو المسروق (موسوعة داللوز presse – outrage سيرى 881 والحكم الذي أشار إليه). وبهذا المعنى حكم محكمة النقض الفرنسية في 25 أغسطس سنة 1864 (د 65 – 1 – 319) وحكمها في 11 أغسطس سنة 1877 (د 79 – 1 – 236) وقد خرج لپواتفان هذه الصور من العقاب لا على أساس انتفاء القصد الجنائي وإنما على أساس الإباحة الحاصلة من استعمال حق التبليغ المقرر في قانون تحقيق الجنايات (جـ 2 ص 337).
2 – والواقع أن الشراح الفرنسيين وهم يحددون القصد الجنائي أو قصد الإساءة على النحو المتقدم يعترفون بأن هذا التحديد ليس قاطعاً ولا مانعاً ويسلمون بأن هذا القصد – الذي ترك تحريه لقاضي الموضوع – لا تضبطه قاعدة مطلقة ويشير بعضهم – متأثراً بما يشهده من عدم اتساق أحكام محاكم الموضوع في هذه المسألة وخلطها انعدام القصد الجنائي بحسن النية – إلى أنه كلما كانت الغاية التي توخاها القاذف أو من في حكمه من الجد والمشروعية بحيث تصلح لتبرير الوسيلة، أو بعبارة أخرى كلما كانت المصلحة العامة أو الرغبة في القيام بالواجب أو مباشرة الحق هي المتسلطة على ذهن المتهم جاز لقاضي الموضوع تبرئته (باربييه بند 417 وقد استشهد بحكم محكمة استئناف بوردو في 17 يونيو سنة 1891 وآخر من محكمة استئناف باريس في 6 ديسمبر سنة 1890 منشور في د 910 س 2 – 366).
3 – وهذا التحفظ الذي يضيفه البعض إلى تعريف القصد الجنائي مجمل المعنى مبهم المعالم عرضة لأن يضيقه قاض ويوسعه آخر، وهو بهذا الوضع غير مفهوم الأساس القانوني لأن كون قاضي الموضوع مفوضاً بتحري القصد الجنائي بغير معقب ليس معناه أنه مفوض بالتصرف في معنى ذلك القصد بإضافة عنصر جديد إليه أو بالخروج به عن الحدود التي له في نظر القانون، ثم إن رعاية المصلحة العامة أو الشعور بالواجب أو بالحق لا تخرج عن كونها بواعث يقتضي القياس الصحيح ألا تعتبر في إثبات القصد الجنائي أو نفيه (يراجع فيللي في مقال منشور في سيرى 87 – 1 – 137 و138 ولابيه في مقال منشور في سيرى 77 – 1 – 127 ولبواتفان جزء 2 بند 730 وعلى الأخص ص 268 و269 بند 738).
4 – ولعل التعلق بسلامة القياس وطرد القاعدة إلى كل نتائجها في كل الأحوال يبدو مكروهاً حين يصطدم بالشعور الطبيعي للبشر، ولعل هذا هو الذي حدا بالقضاء الفرنسي أحياناً إلى أن يحكم بالبراءة على أساس انتفاء القصد الجنائي إذا كان القاذف قد حرَّكه باعث شريف مثل الحرص على تنبيه الجمهور إلى خطر المطبوعات المنافية للآداب ليتجنب الشبان قراءتها (حكم محكمة النقض في 3 إبريل سنة 924 مشار إليه في فيدال ومانيول ص 165 هامش طبعة ثامنة) أو الحرص على مصالح الشركة التي تتعرض للخطر إذا عين لها مدير مفلس (استئناف باريس 131 ف. أ سنة 1887 و88 – 2 – 275 والأحكام الأخرى التي أشار إليها فيدال المرجع السابق) أو الرغبة في تنوير الناخبين أو ضرورة الرد على اعتداءات الخصوم السياسيين، فإن محكمة النقض الفرنسية، مع تمسكها بقواعد القانون العام وثباتها على أن حق المناقشة أثناء الانتخابات ينتهي حين تبدأ الجريمة، تسلم لقاضي الموضوع بحقه في التبرئة لانتفاء سوء القصد متى تبين أن ما أسند إلى المرشح أو النائب لم يكن وليد العداوة والرغبة في الانتقام بل كان لإنارة الناخبين أو لمدافعة الخصوم السياسيين (باربييه 416 و427 والأحكام التي أشار إليها).
5 – وقد ظلت – مع ذلك – الصورة التي رسمتها المحاكم الفرنسية لاتجاه القضاء في جرائم القذف والسب مشوشة مختلطة إلى أن نشر المستشار ميمان مقاله القيم عن حسن النية في مجلة داللوز الانتقادية 1939 ص 78 وما بعدها، فأشاع النظام في ذلك الخليط من الأحكام ورفع التعارض بينها وبين أن القضاء في الواقع لم يترك نفسه للهوى أو للتحكم وإنما لاحظ بصفة عامة – فيما يتعلق بحسن النية – ضوابط متماسكة وهو إن لم يفصح عن كل هذه الضوابط في أحكامه إلا أن الاهتداء إليها ممكن من استقراء هذه الأحكام جملة. وقد بدأ ميمان بأن بيَّن أن حسن النية أمر والقصد الجنائي أو قصد الإضرار أمر آخر وأنهما لا يتنافيان لأن حسن النية لا يمحو الركن الأدبي للجريمة وإنما يمحو صفة الجريمة عن الفعل على نحو ما تفعل أسباب الإباحة وأن سمو الدوافع لا ينفي القصد الجنائي أو قصد الإضرار. فذلك الذي ينشد خير الوطن بإظهاره الناخبين على أمر أحد المرشحين من جهة كونه مفلساً أو دجالاً يقصد – بغير شك – تعريض هذا المرشح للخيبة أي الإضرار به، وذلك الذي يهاجم مسرحية لأنها منافية للآداب ومفسدة لأخلاق الشباب يعلم جيداً أنه يؤذي أصحاب المسرح الذي يعرضها والمؤلف الذي ألفها. فإذا كان القضاء في هذين الفرضين وأمثالهما يقضي بالبراءة فلا يمكن تأسيس هذه البراءة على إنكار قصد الإضرار رغم وجوده وإنما على حسن النية باعتباره علة مستقلة عن القصد الجنائي. وبعد أن أشار ميمان إلى اختلاف الفقهاء في تحديد معنى حسن النية وإلى أن لبواتفان لا يعتبر حسن النية عذراً في باب القذف والسب لأنه لا يفهم من حسن النية إلا الاعتقاد بشرعية الفعل – أخذ يجمع العناصر التي يتألف منها حسن النية في باب القذف والسب طبقاً لأحكام القضاء الفرنسي فاستظهر (أولاً) أن حسن النية يفترض وجود صدق الاعتقاد Sencerité وهذا هو معنى حسن النية في اللغة الجارية ومعناه في تطبيق المادة 41 من قانون الصحافة التي تكفل حرية نشر ما يجري في المداولات البرلمانية والقضائية وفي المادة 27 من ذلك القانون الخاصة بالأخبار الكاذبة – وأشار إلى أن صدق الاعتقاد يكاد يكون دائماً قائماً عند المؤرخين وهو نادر عند النقاد ومعدوم لدى الروائيين. (ثانياً) أن حسن النية يفترض كذلك غرضاً مشروعاً but légitime ولا يشترط أن يكون متصلاً بمصلحة عامة بل يكفي أن يكون غرضاً متصلاً بمصلحة خاصة كرد فرية أو الدفاع عن النفس. وقد حكم ببراءة المطران ديبانلور الذي رمى كتاب مجلة العصر بأنهم قوم مفترون، بعد أن رماه هؤلاء بأنه شريك جامح وكاهن كافر لا يتراجع أمام المذابح ومشاهد الدماء (تراجع الأحكام التي أشار إليها الكاتب). ولا يؤثر على قيمة الغرض المشروع أن يقصد معه أن يتحقق معه غرض آخر أو أن يختلط به قصد الإضرار لأن القاذف مفروض دائماً أنه عامد أي قاصد إلى إيذاء المقذوف. ومعنى هذا أن للباعث في باب القذف والسب وزناً واعتباراً إن لم يكن له كل الوزن أو كل الاعتبار. وهذا العنصر من عناصر حسن النية يسمح بفهم الاختلاف الظاهري في أحكام المحاكم بالنسبة للقذف الذي يقع من الصحفيين، ولماذا يبرئ القضاء بعضهم ويدين البعض الآخر رغم أنهم يصدرون غالباً عن إخلاص وصدق اعتقاد. ذلك بأن الغرض الذي يهدف إليه كل منهم ليس واحداً ولذا اختلفت في شأنهم الأحكام وتغايرت مصائرهم فمنهم من ينشد عملاً سلمياً نافعاً للحياة السياسية أو الحياة الفكرية أو الحياة الخلقية للشعب، وهؤلاء يغلب أن لا يدينهم القضاء (تراجع الأحكام التي أشار إليها الكاتب) ومنهم فريق آخر لا ينشد إلا إرضاء حب الجمهور في الاستطلاع وهؤلاء يغلب أن يحكم عليهم (تراجع الأحكام التي أشار إليها الكاتب). (ثالثاً): أن حسن النية يفترض التناسب بين القذف أو السب وبين الغرض المشروع فلا يكفي أن تكون الغاية مشروعة بل يجب أن تكون الوسيلة معقولة مبررة, ومن هذه الناحية يشبه عذر حسن النية حق الدفاع الشرعي. وكما لا يتوفر حق الدافع الشرعي إلا إذا كانت أفعال الدفاع تناسب الاعتداء المراد دفعه كذلك لا وجود لحسن النية إلا إذا كان ما صدر من المتهم بالقذف أو السب مناسباً للغاية المراد إدراكها. فيعتبر التناسب مفقوداً حين يلجأ إلى العلانية في أمر تكفي فيه الخصوصية وحين يضاف إلى العبارة المحققة للغرض عبارات أخرى مؤذية كان من الممكن الاستغناء عنها أو حين يضاف إلى القذف سب غير وثيق الصلة به. فإذا كان من المستساغ أن يرمى مرشح في الانتخابات بأنه طلق التقاليد الطيبة التي كانت لأجداده فلا يمكن أن يشفع هذا لاتهامه بأنه متفق مع ألد أعداء آبائه. وإذا كان يصح أن يقال عن المرشح إنه ماسوني فلا يشفع هذا لرميه بأنه ينتمي إلى جماعة تتلقى أوامرها من نصاب أو قاطع طريق (تراجع الأحكام التي أشار إليها الكاتب). والحملات الصحفية تفضي إلى العقاب لأنه يندر أن تراعي التناسب بين ضرباتها وبين الغاية التي تنشدها نظراً لأنها تنشد الرواج لدى جمهور فترت حماسته blasé ولا تصل إلى إرضائه إلا بالإفراط في المدح والذم (تراجع الأحكام التي أشار إليها الكاتب). (رابعاً): أن حسن النية يفترض التبصر وليس في هذا الشرط ما ينافي المألوف لأن العلة التي تقتضي اعتبار حسن النية على سبيل الاستثناء وجهاً للإباحة تقتضي التشدد في تقييد هذه الإباحة، فلا يقبل من القاذف أو الساب دفاعه بحسن النية – ولو كان يعتقد صدق ما قال – إذا كان قد فاته القيام بالتحريات الملائمة والاستطلاع الجدي ولم يكن قد بذل من الهمة في التثبت ما يناسب خطورة الوقائع التي ذكرها. وهذا الشرط قد بينته محكمة النقض المصرية في حكم حديث لها فقالت: "إن حسن النية ليس معنى باطنياً بقدر ما هو موقف أو حالة يوجد فيها الشخص نتيجة ظروف تشوه حكمه على الأمور رغم تقديره لها تقديراً كافياً واعتماده في تصرفه فيها على أسباب معقولة. وأنه لا يقال عن شيء إنه عمل أو صدق بحسن نية إذا كان قد عمل أو صدق بغير التثبت أو الالتفات الواجب ولا يكفي القاذف أن يكون قد تثبت من واقعة ليحتج بحسن نيته فيما عداها من الوقائع التي أسندها للمقذوف في حقه دون دليل" (حكم 11 نوفمبر سنة 1946 رقم 220 ص 199 من هذا الجزء).
6 – فحسن النية لا يصلح دفعاً لتهمة القذف أو السب في مذهب القضاء الفرنسي إلا إذا كان توفر للمتهم صدق الاعتقاد الغرض المشروع وقام التناسب بين ما قاله وما كتبه وبين ذلك الغرض المشروع ودلَّ على أنه فيما قال أو ما كتب لم يفته الحذر أو التبصر الواجب على من يقدم على مثل ما أقدم عليه.
حق النقد:
7 – ويختلف حق النقد عن حسن النية بالمعنى المتقدم في أن حسن النية يفترض وجود قذف أو سب بالفعل. فيشفع حسن نية القاذف أو الساب في تبرئته عند من يأخذون بمذهب محاكم الموضوع في فرنسا. أما النقد المباح فهو فعل ليس فيه قذف ولا سب. أي ليس فيه مساس بشرف الشخص أو اعتباره أو سمعته – وإنما فيه نعي على تصرف الشخص أو على عمله بغير قصد المساس بشخصه من جهة شرفه واعتباره. فالتفرقة بين الشخص وبين تصرفاته هي التي تعين دائرة القذف أو السب المعاقب عليه ودائرة النقد الذي لا جريمة فيه. والقانون يحمي شرف الشخص واعتباره حماية عامة وسلبية. فهو يحميه حماية عامة لا يلاحظ فيها المنزلة الخاصة التي يعتقد الشخص أنه جدير بها، حقاً كان اعتقاده هذا أو باطلاً، وهو يحميه حماية سلبية أي يمنع عنه فقط الازدراء والتحقير والمهانة. ولكن القانون لا يحمي التصرفات لأن تصرفات المرء هي الرصيد الذي يتكون منه سمعته في باب الكفاية والجدارة وكل ما يمس هذه السمعة ليس إلا عائقاً في سبيل المجد وجرحاً يصيب الكبرياء والمجد نعمة يوزعها الرأي العام وليس في مقدور السلطات أن تمنحها أو أن تضمنها لأحد من العباد (بورتاليس مشار إليه في بارين بند 414). إنما إذا كان النعي على التصرفات وسيلة مقصودة للمساس بشرف الشخص والزراية به وتحقيره فإنه لا يكون نقداً بل قذفاً أو سباً معاقباً عليه. والواقع أن الاتصال الطبيعي بين الشخص وتصرفاته وتأثير سمعته على قيمة تصرفاته وتأثير تصرفاته على سمعته، أظهر من أن يجادل فيه. ولذلك اشترطوا للنقد المباح أن يكون بسلامة نية أي خالياً من قصد التشهير والتحقير لأنه حينئذٍ يكون من النتائج الطبيعية للعيش في مجتمع حر – تلك النتائج التي يجب أن يتحملها كل راغب في التقدير العام أو متطلع إلى كريم المنزلة أو حسن الأحدوثة (بارين المرجع السابق شاسان جـ 1 بند 482 ثانية).
والنقد تعليق على تصرف وقع فعلاً أو هو حكم على واقعة ثابتة أو مسلمة أو غير منكورة فاختراع الوقائع المشينة أو مسخ الوقائع الصحيحة بشيء يجعلها مشينة لا يعتبر نقداً بل قذفاً.
فقه القانون الإنجليزي وقضاؤه:
8 – في سوء القصد وحسن النية:
يبسط القانون الإنجليزي حمايته على كل ما يقال أو يكتب قياماً بواجب أياً كان، سواء كان هذا الواجب قانونياً أو أدبياً أو اجتماعياً، فإذا صار المرء في موقف يكون فيه من الصواب أن يقول لشخص ثالث واقعة أو وقائع ماسة بغيره فلا مسؤولية عليه متى كان حسن النية فيما يقول لأنه إذا كانت إذاعة أمور غير صحيحة ماسة بسمعة الغير تعتبر في نظر القانون مصحوبة بسوء القصد – إلا حين تكون قد صدرت بإخلاص قياماً بواجب عام أو خاص أو في مجرى العمل أو فيما يمس المصلحة – فإن المناسبة occasion تحول عندئذٍ دون استخلاص القصد السيئ المفترض قانوناً وتبسط على القاذف إعفاء لا يزول إلا بثبوت سوء نيته ثبوتاً فعلياً. والقاضي هو الذي يقدر أمر هذا الواجب (فريزر ص 241 و242 والأحكام التي أشار إليها) وقد قضى هناك بأن الإعفاء لا يشمل الأقوال التي لم تذع لخير المجموع أو لمصلحة عامة أو بدافع شعور برئ بالواجب صادر عن نية خالصة, بل بدافع أناني من شخص يتكسب من الاتجار بسمعة الناس (المرجع السابق ص 243). وقضى أيضاً بأنه "إذا كانت المسألة مما يهم الجمهور معرفته وكان ناشرها يدين للجمهور بواجب نشرها فلا مسؤولية عليه، وإن كلمة واجب في هذا المقام لا تنصرف إلى الواجب الذي يفرضه القانون بل إلى الواجب الذي يسلم به ذوو الأخلاق الفاضلة والذكاء العادي من الإنجليز ولو كان القانون لا يضمن أداءه بدعوى جنائية أو مدنية" (المرجع السابق ص 249).
كذلك يبسط القانون الإنجليزي حمايته على ما يكتب أو يقال دفاعاً عن النفس أو دفاعاً عن مصلحة مشروعة للكاتب أو القائل فإذا كان المقذوف في حقه قد سبق أن قذف القاذف فكل ما يقوله الأخير مما يكون ضرورياً لحماية نفسه ومتعلقاً بالادعاء المنسوب إليه من خصمه يشمله الإعفاء. على أن هذا الإعفاء يقدر بقدر المناسبة وضروراتها، فلا موضع للإعفاء إذا كان القاذف قد أسرف في الإذاعة. فإذا كان المدعي في دعوى القذف قد هاجم القاذف في صحيفة محلية مغمورة فلا يشفع هذا للقاذف في أن يرد عليه في صحيفة من صحف العاصمة. كذلك لا يمتد الإعفاء إلى أمور غير متعلقة أو غير منتجة في القيام بالواجب أو مباشرة الحق أو حماية المصلحة التي اقتضت الإعفاء (المرجع السابق ص 234). ويضفي القانون الإنجليزي حماية كذلك على ما يبدى في سبيل مصلحة مشتركة بين القائل أو الكاتب وبين من قال أو كتب له. فإذا كانت الواقعة مما يصح أن يكون لقائلها مصلحة في ذكرها ولسامعها أو قارئها مصلحة مقابلة أن تقال له كانت المناسبة التي حصل فيها النشر موجبة للإعفاء ويكفي أن تكون هذه المصلحة مشروعة ومحمودة proper أي مما يصح أن يقره القضاء, فلا تعتبر المصلحة إذا كان أساسها الفضول السخيف أو الرغبة في القالة والثرثرة (المرجع السابق ص 237 و238). في هذه المناسبات ونحوها رأى القانون الإنجليزي إعفاء القاذف بشرط أن لا يكون سيء النية، ولم يكلفه بإثبات حسن نيته اكتفاء بإثبات المناسبة وأنها تشهد بأن الظاهر في مصلحته، وجعل إثبات سوء النية الذي ينفي الإعفاء على خصمه لأنه يدعي في هذا على خلاف الظاهر (المرجع السابق ص 260 و261). ويريد القانون الإنجليزي من عبارة سوء النية الإشارة إلى كل باعث سيء أو فاسد من مثل الكراهية والحقد وكذا كل دافع آخر غير كريم لا يتفق مع الشعور بالواجب. وقد بيَّن لورد اشمر في أحد أحكامه لباب سوء القصد بقوله أن المسألة هي هل استعمل المدعي المناسبة استعمالاً نزيهاً أو تعسف بها وأساء. فإن كان قد أذاع ما يعلم كذبه فهو سيء قطعاً. كذلك إذا كان بسبب الغضب أو بسبب أي دافع آخر سيء قد استباح أن يلقي التهم على غيره جزافاً واستهتاراً دون اكتراث لصحتها أو فسادها. ويستوي مع الغضب في النتيجة التعصب الأعمى والتحامل على شخص أو شعب أو موضوع معين ممن كان منوطاً بالبحث في حقوق الناس ومصالحهم ورضي بأن ينزل في الموضوع الذي يتناوله إلى حد من التعصب لم يعد معه يبالي بما يقرره صحيحاً كان أو كاذباً فإنه يعتبر سيء النية قد أساء استعمال المناسبة (المرجع السابق ص 260 و261). كذلك يثبت سوء النية من كون العبارة المستعملة عنيفة بغير موجب (المرجع السابق ص 265) إلا أن مجرد كون العبارات المستعملة ليست متزنة تماماً أو فيها بعض الشدة لا يفيد سوء النية إذا لم توجد قرينة أخرى تدل على أنها لم تستعمل بقصد حسن. وقد قال لورد دبوندن في إحدى القضايا ينبغي ألا تأخذ الناس في هذا المقام بمقاييس دقيقة لأن إخضاع لغة العبارات المستعملة في المناسبات التي يشملها إعفاء القانون لرقابة دقيقة واعتبار كل ما تجاوز الضرورة القصوى التي تقتضيها المناسبة دليلاً على سوء النية يحد كثيراً من هذا الإعفاء إن لم يبطل أثره كلية (المرجع السابق ص 266).
9 – حق النقد:
وحقيقة النقد لا تختلف في القانون الإنجليزي عنها في القانون الفرنسي فهو إبداء لرأي في واقعة وتعليق عليها ويجب أن ينصب على أمر ثابت أو مسلم. فعندهم إذا كان النقد الموجه إلى عمل أدبي أو تجاري أو إلى رجل عام يتضمن اتهاماً لا تسنده الوقائع الثابتة فلا يعتبر إلا قذفاً. ويجب أن يقتنع القاضي بأن العبارات المستعملة يمكن حملها على أنها تعليق ونقد فإذا اقتنع بأنها مما يعتبر تعليقاً أو استنتاجاً معقولاً من الوقائع المسلم بها وجب عليه أن يتثبت من أن المدعى عليه كان سليم القصد فيما استنتج. ولا تثريب على الشخص إذا استنتج من الوقائع المسلم بها أموراً تدعو للانتقاد متى كان استنتاجه معقولاً أو ممكناً (فريزر 168 و169 و173) وهم يشترطون أن يكون النقد نزيهاً أي بريئاً من بواعث السوء وأن لا يكون ستاراً للشتم ولا فرصة لشفاء الأحقاد وإقحام الاتهامات فإن تبين أن الكاتب لم يكتب ليعلق على المسألة موضوع البحث وإنما ليجرح المجني عليه بطريق غير مباشر فلا يحوز له التمسك بحق النقد (فريزر ص 168 والأحكام التي أشار إليها). على أنهم ينبهون إلى أن النقد لا يفقد براءته لمجرد كونه ضاراً بمن وجه إليه بل قد لا يفقد براءته ولو نسب الناقد لمن انتقده بواعث سيئة أو دوافع غير كريمة أو يأباها الشرف متى كانت الوقائع الصحيحة التي ذكرها تصلح أساساً لذلك وكانت المسألة تهم المصلحة العامة (المراجع السابقة ص 173 و163 و164 والأحكام المشار إليها فيها).
وهم ينبهون كذلك إلى أن قانونهم لا يضيق بالنقد النزيه ولو كان شديد المبالغة أو كان صاحبه مخطئاً أو كان متعصباً أو متأثراً بفكرة سابقة وأنه يكفي للإباحة أن يتبين القاضي أن ما كتب أو قيل هو مما يصدر عن الرجل الشريف النزيه إذا كان عنيداً أو متعصباً أو مغالياً في وجهة نظره وأن عنف العبارة أو حدتها لا يؤثر إذا كانت المناسبة تقتضيه أو تشفع له. ويقولون أن القاضي ليس له أن يتحكم في صحة النقد وعدم صحته ولا أن يضع رأيه بدل رأي الناقد ولا أن يزن نزاهة النقد بهذا الميزان ولا أن يردها إلى ما يحسبه الرجل العادي ذو العقل العادي أنه هو الحكم الصحيح على العمل المنقود (فريزر 163 و167 والأحكام التي أشار إليها وقارن ذلك بتعليق الحقانية على المادة 262 من قانون العقوبات السابق).
القانون الإيطالي – فقهه وقضاؤه:
10 – القصد الجنائي وحسن النية:
يتحقق القصد الجنائي في القانون الإيطالي بتوفر الإرادة المدركة الحرة واتجاهها إلى الفعل المعاقب عليه مع العلم بأنه يؤذي شرف شخص أو سمعته univoque et absolue. وحيث تكون دلالة العبارات والإشارات المؤذية غير مشتركة ومطلقة يكون الفعل الحاصل من المتهم متضمناً حتماً القصد الجنائي (منسينى شرح قانون العقوبات الإيطالي جـ 8 ص 449 وص 45) ولا عبرة بالبواعث في جرائم السب والقذف والإهانة. وهذا هو مذهب قانون العقوبات الإيطالي الجديد وهو الغالب في فقه القانون السابق عليه وإن يكن قد ذهب فريق من الفقهاء الإيطاليين الذين كتبوا قبل القانون الجديد إلى أن القصد الجنائي ينعدم حين يتبين أن القذف أو السب كان بدافع غير شخصي وغير ضار بالمجتمع anti – social لأن لوم الغير في هذه الصورة لا يكون نافعاً فقط للمجتمع بل لا يمكن اعتباره وليد إرادة منافية للقانون أو خارجة عليه (فلوريان ص 45). ولذلك عرف بيلي القصد الجنائي في جريمة السب أو القذف بأنه هو تعمد الزراية بالغير لعلة في غير مصلحة المجتمع أو بقصد إحداث ضرر لشرف الغير – ولا فائدة فيه للمجتمع . وقد نبَّه منسينى إلى أن هذه الآراء لا يمكن الأخذ بها في ظل قانون العقوبات الجديد الذي لم يجعل للبواعث تأثيراً على قيام الجريمة بل حصر أثرها في تشديد العقوبة وتخفيفها. وأشار منسينى إلى أن مذهب الأخذ بالباعث إلى حد التبرئة ينبغي، حتى من الوجهة التشريعية, ألا يسود في بلد منظم. ذلك فضلاً عن استحالة تحديد البواعث الحقيقة وتعيين طبيعتها وفصل الطيب منها عن الخبيث وما يترتب على إقامة الإدانة والبراءة على الفائدة الاجتماعية من إشاعة عدم الاستقرار والوحدة في التقدير. ولا عبرة بكون معيار الفائدة الاجتماعية هذا معياراً واقعياً ما دام تقديره متروكاً لاختلاف المشارب والأذواق الشخصية؛ ولذلك يوصي منسينى بالأخذ بالمعيار القائم على مشروعية الفعل في ذاته وعدم مشروعيته ويقول إنه هو الذي يتفق مع النصوص ومع قواعد القانون العامة, وقد استشهد في ذلك بتقرير مجلس النواب الإيطالي عند مراجعة باب القذف في قانون العقوبات سنة 1909 وجاء في هذا التقرير أن الأخذ بالبواعث في العقاب على القذف وعدم العقاب ليس تقدماً في التشريع بل لعله رجوع إلى الوراء من الوجهة الجنائية لأنه إذ يقتضي الأخذ باعتبارات قانونية سياسية يزج بالقاضي في ميدان ليس له ضوابط ثابتة هو ما يسمونه éthique (ص 452 من المرجع السابق).
ولا يشترطون للعقاب في إيطاليا قصد الإضرار animus nocendi ولا قصد القذف أو السب animus inuiriandi – diffamandi.
أما النوايا الأخرى التي تصاحب السب أو القذف فليست عندهم إلا بواعث لا تأثير لها على قيام الجريمة, فلا عبرة في هذا الخصوص بأن يكون الساب أو القاذف كان يقصد التأديب animus corrigendi إلا أن يكون القانون قد خوله ذلك باعتباره حقاً له أو واجباً عليه, كذلك لا عبرة بنية النصح consulendi ولا نية المزاح animus iocandi ولا نية الدفاع عن النفسanimus defendie في حدود ما تسمح به قواعد القانون، كذلك لا عبرة بنية الرواية أو الحكايةanimus narrandi (منسينى ص 455 و456).
أما حسن النية فهم لا يعرفونه إلا باعتباره مزيلاً للقصد الجنائي كنتيجة للغلط الحاصل في الوقائع إذا كان هذا الغلط قد جر الشخص إلى الاعتقاد بأنه في دائرة حقه عملاً بالمادة 59 من قانون العقوبات الإيطالي. ولا يشفع الغلط عندهم في صحة وقائع القذف لأن قانونهم الجديد لا يسمح بإثبات هذه الصحة في أية حالة من الأحوال ولأنه حتى في ظل القانون السابق الذي كان يجيز الإثبات في بعض الصور لم يكن هذا الغلط يصلح شفيعاً للبراءة لأن القانون يشترط ثبوت واقعة القذف لا رأي القاذف أو اعتقاده فيها (منسينى ص 458).
11 – حق النقد: وأساس هذا الحق عندهم يرجع إلى أن من يعرض على الجمهور عمله أو تصرفاته يتقبل بالضرورة حكمه عليها وهم يؤسسون عدم المسؤولية الجنائية في هذه الصورة على المادة 50 من قانونهم التي تقرر أن رضاء المجني عليه بالجريمة يعدمها إذا وقعت على ما يملك التصرف فيه uolonte non fit injuria وإذا كان النقد خالياً من العبارات الجارحة أو الماسة بالسمعة فلا جريمة ولو ترتب عليه ضرر بمصالح المجني عليه الاقتصادية أو المهنية, ولا يعاقب الناقد إلا إذا خرج عن الحدود التي يقتضيها هذا النقد أو السب أو إلى تشويه الوقائع ومسخها واقتحام حياة الناس الخاصة (ص 365).
12 – ومع صلة القانون البلجيكي بالتشريعات اللاتينية عامة وبالتشريع الفرنسي خاصة فإن المادة 443 من قانون العقوبات البلجيكي تشترط صراحة للعقاب على القذف أن يقع بقصد الإساءة mechamment وقد أفسح ذلك الشرط هناك المجال للأخذ بالبواعث والغايات في التبرئة من القذف (يراجع شويرمان جـ 1 ص 152 – 157 فيما يتعلق بمناقشة المسائل السياسية وص 159 – 173 فيما يتعلق بالمسائل الانتخابية).
هذا ويمكن أن يلحق بالقانون الإنجليزي – في مذهبه في حسن النية وحق النقد وأسباب الإعفاء عموماً – قانون العقوبات الهندي الذي نص في المادة 449 منه على أنه لا يعد قذفاً إسناد أمر ثبتت صحته إذا كان هذا الإسناد في سبيل المصلحة العامة, ولا إبداء رأي بحسن نية في سلوك موظف عمومي في عمله ولا إبداء رأي في خلق الموظف كما يظهر من سلوكه في عمله فقط. وأنه لا يعد قذفاً إبداء رأي في سلوك أي شخص بصدد مسألة عامة أو في سلوك أي شخص كان طرفاً أو وكيلاً أو شاهداً في قضية حكم فيها أو في خلقه كما يظهر من سلوكه فيها فقط. وأنه لا يعد قذفاً كذلك إبداء رأي في عمل يعرضه شخص على الجمهور أو في خلق هذا الشخص كما يبدو من هذا العمل فقط. ولا يعتبر قذفاً اللوم الذي يوجهه شخص بحسن نية إلى شخص آخر له عليه سلطة بمقتضى قانون أو عقد إذا انصب اللوم على خلق الشخص في المسائل المتصلة بهذه السلطة (تراجع أيضاً المادة 408 وما بعدها من قانون العقوبات السوداني).
13 – هذا العرض المستمد من القانون المقارن بسطناه بعقيدة أنه قد يفيد في فهم القانون المصري في المسألة التي نعالجها سواء بمعرفة الأصول التي يكون قد استقاها أو استوحاها أو بتعيين الاتجاه الذي يسير إليه وفيه نحو التطور والتقدم.
14 – القانون المصري – فقهه وقضاؤه:
القصد الجنائي وحسن النية:
يتوفر القصد الجنائي في رأي الفقه متى نشر القاذف أو الساب قذفه أو سبه عالماً بأنه يوجب الاحتقار أو يمس الشرف، ولا عبرة بالبواعث فقد يكون غرضه الإضرار بالمجني عليه وقد يكون مدفوعاً بعوامل شريفة ولكن الغاية لا تبرر الوسيلة، وقد يكون من واجب القاضي النظر إلى تلك البواعث والاعتبار بها في تخفيف العقوبة ولكنها لا يمكن أن تكون سبباً في محو الجريمة. ذلك لأن القذف أو السب ضار بذاته لأنه يترتب عليه حتماً بمجرد وقوعه تعريض سمعة المجني عليه للأذى فلا محل إذن لاشتراط نية الإضرار حيث لا يتصور إمكان تخلف الضرر وليس للمتهم أن يدرأ المسؤولية عن نفسه بادعاء حسن القصد أو شرف الغاية (أحمد بك أمين ص 534 و535 و564 و565) وهو متأثر إلى حد بعيد بفقه لبواتفان الذي لا يعتبر حسن النية سبباً للإعفاء في القذف والسب (جـ 2 بند 731 – 763 والمراجع التي سبقت الإشارة إليها والدكتور القللي بك في المسؤولية الجنائية ص 135 – 143).
وقد جرى قضاء محكمة النقض أول الأمر على أن كل ما يشترط لقيام ركن الأذى في جرائم القذف هو مجرد نشر الواقعة مع العلم بمضمونها وأنه "ليس لسوء النية في الحقيقة معنى في الاصطلاح القانون إلا أن الفاعل قصد نتائج العمل الذي ارتكبه. وفي جميع الجرائم التي تكون مضرة بالغير ضرراً ظاهراً متى توجهت إرادة الفاعل إلى العمل وارتكبه عمداً فإرادته تحيط في الوقت ذاته بنتائجه الطبيعية" (حكم 28 مارس سنة 1908 مجموعة رسمية سنة 9 ص 159 وبهذا المعنى حكم 3 مارس سنة 1900 مجموعة رسمية سنة 2 ص و15 أكتوبر سنة 1913 شرائع سنة 1 ص 75 و2 يناير سنة 1917 مجموعة رسمية سنة 18 ص 69 و12 أكتوبر سنة 1924 في القضية رقم 885 سنة 41 قضائية – وقد صدر في تهمة عيب).
ولكن محكمة النقض عقب إعلان الدستور واشتداد الكفاح الحزبي في بداية الحياة النيابية مالت إلى عدم الاكتفاء بالقصد الجنائي العام في السب أو القذف الموجه إلى الخصوم السياسيين وقضت بأن الطعن في أعمال السياسيين بنوع عام يجوز قبوله بشكل أوسع وأعم من الطعن في موظف معين بالذات، وأن الشخص الذي يرشح نفسه للنيابة عن البلاد يتعرض عن علم لأن يرى كل أعماله هدفاً للطعن والانتقاد، وأن المناقشات العمومية مهما بلغت من الشدة في نقد أعمال وآراء الأحزاب السياسية تكون في مصلحة الأمة التي يتسنى لها بهذه الطريقة أن تكون لها رأياً صحيحاً في الحزب الذي تثق به وتؤيده (حكم 6 نوفمبر سنة 1924 محاماة سنة 5 ص 203). وفي حكم آخر قالت "إنه من الخطأ افتراض سوء القصد بمجرد نشر القذف وإن للمحكمة أن تبحث الظروف لتبين ما إذا كان الناشر أراد منفعة البلاد أو أنه أراد الإضرار بالأشخاص الذين طعن عليهم. وإن المقالات التي رفعت الدعوى بشأنها لا تتمايز عما اختارته محكمة الموضوع ورأت فيه توافر أركان الجرائم التي أدين فيها الطاعنون بل إن الكل كان حلقة مفرغة من التطاحن السياسي حمت الشدة في فقرات منه وهدأت في أخرى ولكن الغرض متصل والروح واحد, والغرض جلي وهو المساجلة العنيفة والرغبة في الزراية بالحزب المختصم على أمل أن يرتفع بذلك شأن الحزب المعارض, وقد يكون ألم المطاعن السابقة التي وجهت من حزب المقذوف في حقه لحزب الطاعنين هي التي أذكت النار ورفعت الحدة إلى ما هو بعيد عن السداد مما يلقى اعتباراً… (حكم أول مايو سنة 1928 في القضية رقم 323 سنة 45 القضائية).
فقضاء محكمتنا العليا في تلك الفترة كان يقيم التبرئة في دعاوى القذف والسب الموجهة إلى الخصوم السياسيين غالباً على أساس الباعث وأحياناً يضيف إليه أساساً آخر هو الرضاء الضمني للمجني عليه المستفاد من قبوله النيابة عن الأمة أو الاضطلاع بالشؤون العامة.
ولكن محكمة النقض عدلت عن هذا الرأي إلى رأيها الأول وبدأ عدولها وئيداً متردداً في أوائل سنة 1929 (يراجع حكم 28 مارس سنة 1929 مجموعة القواعد جـ 1 ص 246 وحكم 28 فبراير سنة 1929 نفس المرجع من 200) ثم أخذ يتضح ويثبت حتى أصبح قضاءً مستقراً مضطرداً إلى الآن. فقد قالت في حكم أصدرته في 4 يناير سنة 1932 "إن المتفق عليه علماً وقضاءً أن القصد الجنائي في جرائم القذف والسب الإهانة يتحقق متى كانت الألفاظ الموجهة للمجني عليه شائنة بذاتها ولا حاجة في هذه الحالة إلى الاستدلال عليه بأكثر من ذلك، وإنه يجب عدم الخلط بين أمرين هما (أولاً) البحث الخاص بالقصد الجنائي وهو الركن الأدبي الواجب توفره في الجرائم العمومية إطلاقاً ومنها جرائم القذف والسب والإهانة و(ثانياً) البحث الخاص بسوء النية وسلامتها وهو ما لا يؤكد للخوض فيه محل إلا عندما يكون الطعن موجهاً إلى موظف عمومي ويريد المتهم أن يحتمي وراء الفقرة الثانية من المادة 261 ع أو الفقرة الأخيرة من المادة 265 ع (مجموعة القواعد جـ 2 ص 401).
وقالت في حكم آخر صدر في 11 يونيو سنة 1944 "إن القصد الجنائي في جرائم القذف ليس إلا علم القاذف بأن ما أسنده للمقذوف من شأنه لو صح أن يلحق بهذا الأخير ضرراًً مادياً أو أدبياً. وهذا الركن وإن كان يجب على النيابة إثباته إلا أن العبارات ذاتها قد تكون من الوضوح والصراحة بحيث يكون من المفروض علم المتهم بمدلولها وبأنها تمس المجني عليه في سمعته، وعندئذٍ يكون معنى العبارات حاملاً بنفسه الدليل الكافي على القصد الجنائي فلا تكون النيابة بحاجة إلى تقديم دليل خاص على توفر هذا الركن… أما حسن النية فأمر آخر يجب عدم الخلط بينه وبين القصد الجنائي إذ حسن النية لا يعفي من العقاب إلا إذا اقترن بإثبات صحة الوقائع المسندة إلى المجني عليه الموظف ومن يكون في حكمه… (مجموعة القواعد جـ 3 ص 263) (وبهذا المعنى أحكام عديدة مضطردة يراجع منها على الأخص حكم 10 يناير سنة 1938 مجموعة القواعد جـ 4 ص 140 وحكم 22 مايو سنة 1939 المرجع نفسه ص 56 وحكم 25 أكتوبر سنة 1943 مجموعة القواعد جـ 6 ص 325).
وقد أعادت محكمة النقض هذه المعاني كلها في حكم آخر أصدرته في 8 مايو سنة 1944 وأكدت فيه نظرها الذي سلف عرضه – سواء في تحديد القصد الجنائي أو في عدم اعتبار حسن النية سبباً للإعفاء إلا في الحالة الخاصة التي نص عليها القانون صراحة في الفقرة الثانية من المادة 302 ع (مجموعة القواعد جـ 6 ص 483).
وقد أخذت المحكمة العليا نفسها كما أخذت محاكم الموضوع بهذه الضوابط لا تحيد عنها قط منذ سنة 1929 إلى الآن مهما كانت المناسبة التي حصل فيها القذف أو الإهانة ومهما كانت الظروف السياسية العامة من شأنها إثارة حدة المهاجمين والمؤيدين لخطة الحكومة أو من شأنها إيقاظ حماسة الرأي العام واهتمامه بالمسائل العامة الراهنة. فقد أخذت بها في قضايا القذف والسب والإهانة التي وقعت خلال الأزمة الدستورية التي حصلت في سنة 1930 (تراجع الأحكام الصادرة في سنة 1932 التي سبقت الإشارة إليها سيما حكم 4 يناير سنة 1932 ويراجع أيضاً حكم 14 مارس سنة 1932 مجموعة القواعد جـ 2 ص 481).
كما أخذت بها جميعاً في شأن صحفي كان قد نشر مقالين نسب فيهما إلى مجلس النواب واللجنة البرلمانية المشكلة لفحص مشروع سد جبل الأولياء المقامرة بمستقبل مصر والميل إلى إقرار ذلك المشروع لضمان بقاء الحكومة القائمة إذ ذاك وبقاء أعضاء البرلمان في ظلالها شهوراً وأعواماً. وقالت المحكمة في إبراز ما في هذا من معنى الإهانة: "إن مناحي المقالين ومؤداهما.. هو رمي أعضاء البرلمان وأعضاء اللجنة البرلمانية التي نيط بها بحث مشروع جبل الأولياء بأنهم قوم لا ضمير لهم ولا عواطف وأنهم في سبيل بقاء الوزارة القائمة في الحكم يضحون بمصلحة وطنهم لكي يعيشون في ظل الوزارة غير مبالين بما يجنون بفعلتهم على الأجيال المقبلة" (حكم 27 فبراير سنة 1933 مجموعة القواعد جـ 3 ص 140).
كذلك قضت المحكمة العليا بالعقوبة في تهمة إهانة مجلس النواب على صحفي نشر مقالاً بصدد معاهدة الصداقة والتحالف المصرية الإنجليزية نسب فيه إلى النواب أنهم أقروا المعاهدة المذكورة مع يقينهم أنها ضد مصلحة بلادهم حرصاً على مناصبهم وما تدره عليهم من مرتبات (حكم 10 يناير سنة 1938 مجموعة القواعد جـ 4 ص 140).
ولا شك أن الضوابط التي ارتضتها المحكمة العليا واستقرت عليها إلى الآن أقيس وأكثر اتفاقاً مع قواعد القانون العامة التي لا تجيز الإعفاء من العقوبة إلا بنص ولا تسمح باعتبار البواعث إلا في تقدير العقوبة فقط ولا ترتب على حسن النية إلا ما ترتبه على البواعث فيما عدا الأحوال الخاصة التي يرتب فيها القانون نفسه على حسن النية البراءة، كالحالة الواردة في الفقرة الثانية من المادة 302 ع (يراجع في تأييد مذهب محكمة النقض القللي بك في المسؤولية الجنائية ص 142).
والواقع أن مذهب محكمة النقض في حسن النية يطابق مذهب الثقاة من فقهاء القانون الفرنسي وبخاصة لبواتفان الذي ختم كلامه في القصد الجنائي في باب القذف بقوله (جـ 2 ص 269):
"Aussi nous I’affirmons de nouveau I’excuse de bonne foi ne saurait être admise en matière de diffamation. Elle attenue la gravité du délit mais ne peut le faire disparaitre".
حق النقد:
حق النقد بصفة عامة لا تختلف معالمه الأساسية عما سبق أن ذكرناه في بيان حكم القانون الفرنسي إلا أنه فيما يتعلق بالمسائل السياسية والعامة فإن النقد إذا دار حول آراء الخصوم السياسيين ومن يتصدون للأعمال العامة ومبادئهم ومذاهبهم وكفاءتهم ومشروعاتهم فإنه لا يقع تحت طائلة العقاب لكن إذا تجاوز الناقد ذلك إلى القذف في حقهم أو سبهم أو إهانتهم فلا تشفع له المناسبة أو الغاية (القللي بك ص 309 وما بعدها).
وقد استقر قضاء محكمة النقض منذ سنة 1929 إلى الآن على أن النقد المباح الذي يجوز توجيهه إلى من يتصدون للخدمة العامة يجب أن لا يتعدى مناقشة أعمالهم وآرائهم وجدارتهم وميولهم. وقد قالت في حكم لها سبق أن أشرنا إليه "إن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن العرف جرى على المساجلة بالعبارات الحماسية وألفاظ التهويل والمبالغة والتحذير والإرهاب لمجرد التأثير على النفس وحملها على التصديق في الشؤون التي ليس من المستطاع حمل المناظر على تصديقها بالطرق البرهانية الهادئة – كالحال في مسألة جبل الأولياء – هذا الرأي لا تجيزه محكمة النقض بل إنها تصرح أن فيه خطراً على كرامة الناس وطمأنينتهم وتشجيعاً للبذاءة ودنس الشتائم، والحقيقة ليست بنت التهويل والمبالغة والترهيب والتشهير بل هي بنت البحث الهادئ والجدل الكريم، وإذا كان لحسن النية مظهر ناطق فإنه الأدب في المناظرة (حكم 27 فبراير سنة 1933 مجموعة جـ 3 ص 140). وقد قالت المحكمة العليا في حكم لها أصدرته سنة 1938 إن النقد "هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به أو الحط من كرامته فإذا تجاوز النقد هذا الحد وجب العقاب عليه باعتباره مكوناً لجريمة سب أو إهانة أو قذف حسب الأحوال" (حكم 10 يناير سنة 1938 مجموعة القواعد جـ 4 ص 140) (ويراجع في تطبيقات هذا المبدأ حكم في 7 فبراير سنة 1929 مجموعة القواعد جـ 1 ص 163 وحكمين في 4 يناير سنة 1932 المرجع السابق ص 337 وص 403).
هذا وقد نبهت محكمة النقض إلى أن التعميم في العبارات الجارحة يفيد بذاته سوء القصد ولا يسمح بالاحتجاج بحق النقد فقالت في حكم لها إنه "إذا كانت العبارات المنسوبة للمتهم قاذعة وجاءت بأسلوب عام لا تبرز فيه واقعة معينة بالذات يمكن القول بأن المتهم كان ينتقدها ومن أثر هذه العبارات أن تصور في خيال القارئ أزرى الصفات التي يمكن أن تسند إلى هيئة الحكم في البلاد فصيغة التعميم هذه هي تشهير صريح لا يقبل فيه القول بحسن النية. كما أن هذا التعميم لا ينقلب إلى تخصيص بوقائع معينة جائز إثباتها لمجرد ما ورد على لسان المتهم فيما بعد عندما تولت النيابة التحقيق، لأن أقواله عندئذٍ حقه كانت أو باطلة كانت على سبيل ضرب الأمثال وهي لا تغني شيئاً فيما كان لفعله من الأثر في أذهان الجمهور الذي قرأ كلامه خالياً من التخصيص والتعيين (حكم 14 مارس سنة 1932 مجموعة القواعد جـ 2 ص 481).

يمكنك مشاركة المقالة من خلال تلك الايقونات