الطعن رقم 2389 سنة 17 ق – جلسة 08 /06 /1948
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) – صـ 588
جلسة 8 من يونيه سنة 1948
برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: أحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك وأحمد حسني بك وحسن الهضيبي بك.
القضية رقم 2389 سنة 17 القضائية
اختصاص. محكمة جنائية. لا اختصاص لها في الحكم برد حيازة العين
المتنازع عليها. دعوى التعويض الناشئة عن ارتكاب فعل. حقها في أن تتخلى عنها إذا رأت
من الظروف أن الحكم فيها يقتضي تحقيقات خاصة لا تتفق مع طبيعة مهمتها.
لا اختصاص للمحكمة الجنائية برد حيازة العين المتنازع عليها، فإن اختصاصها مقصور على
التعويضات الناشئة عن ارتكاب الجريمة. ثم إن من حقها أن تتخلى عن الدعوى المدنية إذا
رأت من الظروف أن الحكم فيها يقتضي إجراء تحقيقات خاصة لا تتفق مع طبيعة مهمتها.
المحكمة
وحيث إن أوجه الطعن تتحصل في أن المحكمة برَّأت المطعون ضده على
اعتبار أن ما نسب إليه لا يكوِّن الجريمة المنصوص عليها في المادتين 369، 370 من قانون
العقوبات مع أنه كان يجب إدانته طبقاً للمادة 373 من نفس القانون، وأن الدعوى المدنية
واجب قبولها بنص المادة 54 من قانون تحقيق الجنايات، وقضاء المحكمة بعدم اختصاصها بنظرها
يخالف القانون.
وحيث إن الحكم الابتدائي قضى ببراءة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية الخاصة بالتعويض
وقبول الدفع وعدم قبول دعوى الإخلاء. فاستأنف الطاعن وحده دعواه المدنية والحكم المطعون
فيه قضى حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص
المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية بشطريها. وقالت المحكمة في ذلك "وحيث إن الحكم
المستأنف قضى ببراءة المتهم من التهمة المسندة إليه وبالنسبة للدعوى المدنية قضى برفضها
فيما يتعلق بشطر التعويض وبعدم القبول فيما يتعلق بطلب الإخلاء مع إلزام (المدعي المدني)
بالمصروفات. فاستأنف المدعي بالحق المدني هذا الحكم طالباً إلغاءه والحكم له بالطلبات
التي تقدم بها لمحكمة أول درجة. وردد المستأنف عليه في المذكرة المقدمة منه ما سبق
له أن طلبه من محكمة أول درجة بالنسبة لهذه الطلبات. وحيث إنه ولو أن الاستئناف المطروح
قاصر على الدعوى المدنية دون الدعوى العمومية التي أصبح حكم البراءة فيها انتهائياً
لعدم استئنافه من النيابة إلا أن هذه المحكمة وهي تنظر في تلك الدعوى المدنية في ظل
تبعيتها للدعوى العمومية, إذ لا تزال تلك التبعية قائمة منتجة آثارها إلى أن يصبح الحكم
المستأنف نهائياً في الدعوى العمومية وما تفرع عنها وترتب عليها، ومن أجل ذلك يتعين
عند النظر في استئناف المدعي بالحق المدني تطبيق القواعد القانونية الخاصة بالدعوى
المدنية عند رفعها أمام المحاكم الجنائية. وحيث إن الحكم المستأنف حين قضى ببراءة المستأنف
عليه من التهمة المسندة إليه قد أصاب في ذلك القضاء وما تأسس عليه من القول بأن المتهم
(المستأنف عليه) لم يتوفر لديه قصد منع حيازة المستأنف بالقوة وهو ما تدل عليه أسباب
الحكم المستأنف عندما أشار إلى أن كسر القفل بفرض حصوله لا يجعل التعرض واقعاً على
شخص وإنما على شيء. وحيث إنه فيما عدا ما تقدم فإن الحكم المستأنف أثبت للمستأنف عليه
دون المستأنف حيازة واجبة الاحترام قانوناً – واستمد هذا القول من أنه كان يبيت مع
زميله المستأجر السابق للمنزل في اليوم السابق على إخلائه له ثم استمر هو في اليوم
الثاني مدعماً تلك الحيازة بنقل منقولاته إلى ذلك المسكن، ويقرر الحكم المستأنف في
هذا الصدد أن المستأجر السابق قد تخلى عن الحيازة الثابتة له بمقتضى الإيجار إلى زميله
(المستأنف عليه). وحيث إن هذا القول ليس من شأنه أن ينفي عن المالك حيازته التي ينوب
عنه فيها المستأجر منه ولا أن ينقل للمتهم (المستأنف عليه) حيازة واجبة الاحترام قانوناً.
ذلك فضلاً عن أن عقد الإيجار وهو لا ينشئ إلا التزامات شخصية بين طرفيه لا يخول للمستأجر
أن ينقل للغير حقوقاً في الحيازة بغير تصريح المالك، وما أشار إليه الحكم المستأنف
في هذا الخصوص لا محل له، خصوصاً والمستأنف عليه لا يدعي أنه استأجر من باطن المستأجر
السابق وإنما يدعي أن المالك قد قبل سكناه بذلك المنزل بصفة مستأجر منه، ومن أجل ذلك
طلب أن يمكن من إثبات عقد الإيجار بشهادة الشهود مرتكناً في ذلك على نص المادة الخامسة
من المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 1946 مقرراً أنه حيازته للمسكن لم تكن عن طريق الغصب
وإنما عن طريق الرضا والعقد. وحيث إن المدعي بالحق المدني (المستأنف) ينكر على المستأنف
عليه هذا العقد ويرى من وجهة نظره أن هذا المستأنف لم يكن إلا غاصباً واضعاً اليد بلا
سند أو سبب ومن أجل ذلك طلب بدعواه المدنية طرده بصفة مستعجلة أو على وجه الاستعجال،
كما طلب بسبب الغصب أيضاً تعويضاً مؤقتاً مبلغاً من المال وأبدى أنه لا محل قانوناً
لإجابة المستأنف عليه لما طلبه من إثبات العقد بشهادة الشهود ولا يزال في نظره عقد
الإيجار خاضعاً في إثباته للقواعد المدنية المنصوص عليها في المادة 363 (مدني) بحيث
لا يجوز فيما عدا الإقرار والامتناع عن اليمين والبدء في التنفيذ إثبات ذلك العقد بشهادة
الشهود, موضحاً أن المادة الخامسة من ذلك المرسوم بقانون لا تنصرف إلى إلغاء تلك القواعد
المدنية في إثبات عقد الإيجار. وحيث إنه والنزاع هو على هذه الصورة بين طرفي الدعوى
فإنه لا يتأتى لهذه المحكمة وهي لما تزل محكمة جنائية أن تختص بالفصل فيه، وذلك: (أولاً)
لأن اختصاص المحكمة الجنائية بالفصل في الدعوى المدنية إنما هو في ذاته استثناء من
الأصل الذي ناط بالفصل فيه الدعاوى المدنية محاكم مدنية بحتة. (ثانياً) لأن اختصاص
المحكمة الجنائية بالفصل السابق أيضاً اختصاص استثنائي محض وقد جعله القانون اختيارياً
ولم يوجبه عليها. (ثالثاً) لأن الدعوى المدنية بحالتها الموصوفة من قبل تراها هذه المحكمة
غير صالحة للفصل فيها. ويستدعي ذلك الفصل إجراءات لا تنسجم مع ما هو مفروض في طبيعة
القضاء الجنائي من السرعة. وحيث إن هذه الأسباب تقتضي حتماً ومن باب أولى: ألا يكون
هناك وجه لم طلبه المستأنف من القضاء في دعواه المدنية بصفة مستعجلة أو على وجه الاستعجال،
فإن للقضاء الجنائي صفة أخرى تختلف عن صفة القضاء المدني والقضاء المستعجل المتفرع
عنه، ولا تبيح الأصول العامة لهذين القضاءين أن يسلب أحدهما اختصاص الآخر، فيما عدا
استثناءات معينة رسمت حدودها ومعالمها واضحة. وحيث إنه أخذاً بالأسباب المتقدمة يتعين
إفراغ المبادئ المتقدمة في صورتها القانونية الصحيحة بالنسبة لوقائع الدعوى الحالية
وذلك بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدعوى المدنية الخاصة بطلب التعويض
وبعدم القبول فيما يتعلق بطلب الإخلاء والقضاء في هذين الطلبين معاً بعدم اختصاص القضاء
الجنائي بنظرهما، وللمدعي المدني أن يسلك سبيله الطبيعي فيما يدعيه من الغصب وطلب التعويض
المؤسس عليه أمام المحكمة المدنية المختصة (يراجع حكماً بالنقض الصادران في 3 إبريل
سنة 1944 محاماة سنة 26 ص 740، 22 مايو سنة 1944 محاماة سنة 26 ص 836). وهذا الذي قالته
المحكمة صحيح. فمن جهة عدم اختصاصها برد حيازة العين المتنازع عليها فإنها غير مختصة
بداهة بذلك لأن اختصاصها مقصور على التعويضات الناشئة عن ارتكاب الجريمة. أما من جهة
ما قضت به من عدم اختصاصها بالقضاء بالتعويض الناشئ عن الفعل فهذا من حقها لأن لها
أن تتخلى عن الدعوى المدنية إذا رأت من الظروف أن الحكم فيها يقتضي إجراء تحقيقات خاصة
كما قالت.
