الطعن رقم 1833 سنة 17 ق – جلسة 07 /10 /1947
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) – صـ 370
جلسة 7 من أكتوبر سنة 1947
برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: أحمد علي علوبة بك وأحمد حلمي بك وأحمد حسني بك وحسن إسماعيل الهضيبي بك المستشارين.
القضية رقم 1833 سنة 17 القضائية
اشتراك. استنتاج حصوله من محرر لاحق لوقوع الجريمة. جوازه.
إنه وإن كان من المقرر قانوناً أن الأفعال المكونة للاشتراك يجب أن تكون سابقة على
اقتراف الجريمة أو معاصرة لها، إذ المادة 40 من قانون العقوبات تشترط لتحقق الاشتراك
بطريق التحريض والاتفاق أن تقع الجريمة بناءً عليهما، ولقيام الاشتراك بطريق المساعدة
أن تنصب المساعدة على الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكاب الجريمة، إلا
أنه لا حرج على المحكمة في أن تستنتج فعل الاشتراك من فعل لاحق للجريمة يشهد به.
الوقائع
اتهمت النيابة العمومية الطاعنين في قضية الجنحة رقم 1397 سنة 1946 بندر سوهاج بأنهما في 23 يونيه سنة 1946 بسوهاج – الأول استولى على مبلغ 22 جنيهاً لجمعية الإسعاف بسوهاج بطريق الاحتيال بأن ادعى أنه اشترى لها فردة كاوتش وقدم فاتورة بالشراء مع أن الفردة موجودة من الأصل ومملوكة للجمعية وسبق أن اشتراها لها، والمتهم الثاني اشترك مع الأول بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب هذه الجريمة بأن حرر الفاتورة بخطة مع علمه بذلك. وطلبت عقابهما بالمواد 40/ 2 – 3 و41 و336 عقوبات إلخ إلخ.
المحكمة
وحيث إن هذا الطاعن (الطاعن الثاني) يبني طعنه على سببين (أولهما)
أن الحكم المطعون فيه استنتج نية الاشتراك في مقارفة الجريمة من تقديم الطاعن الإطار
للطاعن الأول، وهذا الاستنتاج غير سائغ إذا لوحظ أن الطاعن الأول في الوقت الذي ألقى
فيه التهمة على الثاني لم ينكر أنه هو الذي طلب إليه إرسال الإطار لتركيبه في سيارة
النادي المعطلة، وأن الإطار استعمل فعلاً لهذا الغرض (وثانيهما) أن الحكم المطعون فيه
أخطأ في تطبيق القانون إذ استنتج اشتراك الطاعن بطريقي الاتفاق والمساعدة في الأعمال
المسهلة والمتممة لارتكاب الجريمة من تحرير الطاعن فاتورة شراء الإطار بخطه، في حين
أن هذه الفاتورة أرسلت مع خطاب من هذا الطاعن إلى الطاعن الأول بتاريخ 27 من يونيه
سنة 1944 وكان الطاعن الأول قد استولى على مبلغ الاثنين وعشرين جنيهاً من خزينة جمعية
الإسعاف بتاريخ 23 من يونيه سنة 1944 أي قبل إرسال الفاتورة إليه، وإذن فلا يصح ارتكان
الحكم المطعون فيه في إدانته بتهمة الاشتراك بطريقي الاتفاق والمساعدة على هذه الفاتورة
التي لم تصل ليد الطاعن الأول إلا بعد أن تمت الجريمة. ذلك بأن الأفعال المكونة للاشتراك
يجب أن تكون سابقة على وقوع الجريمة لا لاحقة لها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيَّن واقعة الدعوى في قوله إن السيد عبد الرحيم قام في
مستهل عام 1946 بجرد الكاوتشوك الموجود بمخازن جمعية الإسعاف وبالسيارات التابعة لها
وتبين له من الاطلاع على الدفاتر وأذونات الإضافة والصرف أن إطار الكاوتشوك رقم 394256
ماركة دنلوب مقاس 18 × 525 قد اشترته الجمعية في 27/ 7/ 1942 بمعرفة القومندان السابق
وهو المتهم الأول، وكان الشراء من شركة المحاريث الهندسية بموجب فاتورة قدمها المتهم
المذكور، وقد أضيف الإطار المشترى للعهدة في 1/ 8/ 1942 بإذْن الإضافة رقم 271 ثم صرف
لقائد سيارة الجمعية بأخميم ويدعى أحمد محمود حسن في 18/ 8/ 1942 بموجب إذْن صرف رقم
273 وهذا الإذن الأخير موقع عليه من المتهم الأول بوصف كونه مديراً للمخازن. وبعد ذلك
في 17/ 6/ 1944 تقدم المتهم الأول بطلب للموافقة على أن يصرف له مبلغ 22 جنيهاً ثمناً
لكاوتشوك وأدوات اشتريت بمعرفته لسيارة النادي التابعة لجمعية الإسعاف، وبناءً على
موافقة حضرة رئيس الجمعية صرف له المبلغ المذكور في 22/ 6/ 1944 وقد قدم للجمعية إطاراً
من الكاوتشوك أضيف للعهدة بإذْن إضافة رقم 173 في 22/ 6/ 1944 وسلم في اليوم نفسه إلى
محمد عبد الغفار قائد سيارة النادي بإذْن صرف رقم 440 موقع عليه من المتهم الأول. وقد
تبين من الاطلاع على إذْني الإضافة والصرف الأخيرين أنهما خاصان بنفس الإطار ماركة
دانلوب 18 × 525 رقم 394256 الذي سبق اشترته الجمعية في 27/ 7/ 1942 وأضيف لعهدة مخازنها
في 1/ 8/ 1942 بالإذن رقم 271 كما تبين ذلك من دفتر الشطب الخاص بالعهدة إذ قيد إطار
الكاوتشوك برقم 394256 مرتين الأولى في الدفتر الخاص بسنة 1942 بالصحيفة رقم 362 منه
والثانية في الدفتر الخاص بسنة 1944 في الصحيفة رقم 192 منه. وأضاف السيد عبد الرحيم
محمد أنه لا يعلم كيف حصل المتهم الأول على الإطار المذكور بحيث استطاع تقديمه للجمعية
في 23 من يونيه سنة 1944 مع أنه كان قد سلم في 18 أغسطس سنة 1942 لقائد سيارة أخميم
أحمد محمود حسن، وأن المتهم الأول لم يقدم للجمعية فاتورة الشراء عندما صرف له مبلغ
22 جنيهاً في 22 يونيه سنة 1944 كما أنه لم يقدم سوى إطار الكاوتشوك مع أن الطالب المقدم
منه بتاريخ 17 يونيه سنة 1944 لم يكن قاصراً على الكاوتشوك وإنما جاء به أن مبلغ الـ
22 جنيهاً المطلوب هو ثمن كاوتشوك وأدوات. وبعد أن أوردت المحكمة في حكمها الأدلة المبررة
لاستنتاجها في منطق سائغ انتهت إلى بيان الأدلة قبل هذا الطاعن في قولها "وإن المتهم
الثاني قد اشترك مع المتهم الأول في ارتكاب هذه الجريمة بطريقي الاتفاق والمساعدة وهذا
ثابت ثبوتاً كافياً مما يأتي: (أولاً) أنه ثابت من أقوال المتهم الثاني نفسه أن الإطار
موضوع الجريمة كان مودعاً بمخزن الجمعية بأخميم وفي متناول يده وقد تولى فعلاً نقله
بنفسه من المخزن المذكور إلى المتهم الأول بسوهاج حيث تمكن الأخير من تقديمه للجمعية
والاستيلاء على مبلغ 22 جنيهاً ثمناً له. (ثانياً) أن المتهم الثاني المذكور أعدَّ
في هذا الوقت فاتورة شراء نسب صدورها من شخص أطلق عليه اسم أحمد حسن محمد. وقد أعطى
هذه الفاتورة للمتهم الأول تعزيزاً لعملية البيع وتسهيلاً لمهمة المتهم الأول عند صرف
ثمن البيع. وقد ثبت، على ما تقدم البيان، أن هذه الفاتورة زائفة وصادرة من تاجر وهمي.
وزعم المتهم الثاني أن شخصاً مجهولاً سلمه هذه الفاتورة لتوصيلها للمتهم الأول وأنه
لا يعلم عنها شيئاً ولكن ثبت من عملية المضاهاة التي قام بها حضرة الطبيب الشرعي أنها
محررة بخطه الأمر الذي يقطع بكذبه كما يقطع بتوافر القصد الجنائي لديه. وقد زعم أخيراً
وعلى خلاف أقواله الأولى أنه بناءً على طلب المتهم الأول حرر بخطه صورة طبق الأصل من
الفاتورة المقدمة إليه وفضلاً عن عدم جدية هذا الزعم وعن أنه جاء متأخراً فإن كذبه
واضح من أن عبارة الخطاب الذي قدمه المتهم الأول والذي كانت الفاتورة مرفقة به تفيد
أن المرسل هو أصل الفاتورة وليس مجرد صورة منها وقد خلا الخطاب من أي كلمة تؤيد رواية
المتهم الثاني. وبناءً على ما تقدم يتعين عقاب المتهم الثاني المذكور بالمواد 40/ 2،
3 و41 و336 عقوبات.
وحيث إن الوجه الأول مردود بأن ما أوردته المحكمة من الأدلة على اشتراك الطاعن يؤدي
إلى ما رتبته عليها من أن هذا الأخير كان متفقاً مع الطاعن الأول على اقتراف الجريمة
حين سلمه الإطار الذي كان في عهدته بمخزن أخميم، وأنه ساعده بذلك على اقتراف جريمته
ولم تستخلص هذه النتيجة من مجرد تسليمه الإطار فحسب بل من عدم أخذه سنداً عليه بتسليمه
إياه ومن تحريره الفاتورة التي قصد بها الطاعنان الإيهام بواقعة مزورة هي شراء الإطار
من تاجر وهمي بأسيوط، وهي في ذلك لم تتجاوز سلطتها في تقدير أدلة الثبوت في الدعوى.
وما يثيره الطاعن من جدل في هذا الصدد لا معنى له إلا محاولة فتح باب المناقشة في وقائع
الدعوى وأدلة الثبوت فيها مما لا شأن لهذه المحكمة به.
وحيث إنه عن الوجه الثاني فإنه وإن كان من المقرر قانوناً أن الأفعال المكونة للاشتراك
يجب أن تكون سابقة على اقتراف الجريمة أو معاصرة لها إذ اشترطت المادة 40 من قانون
العقوبات لتحقق الاشتراك بطريق التحريض والاتفاق أن تقع الجريمة بناءً عليهما، ولقيام
الاشتراك بطريق المساعدة أن تنصب تلك المساعدة على الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة
لارتكاب الجريمة، إلا أنه مع ذلك لا حرج على المحكمة إذا هي استنتجت استنتاجاً سائغاً
فعل الاشتراك السابق من محرر لاحق لوقوع الجريمة. والحال في هذه القضية أن تمكين الطاعن
الأول من الاستيلاء على الإطار حصل قبل استيلاء هذا الأخير على مبلغ الاثنين وعشرين
جنيهاً، وقد ساعده بفعله هذا على الاستيلاء على المبلغ المذكور. أما الفاتورة فقد استخلصت
منها المحكمة مع سائر الأدلة علاقة الطاعنين كلاهما بالآخر وسبق حصول اتفاق بينهما
على ارتكاب الجريمة.
