الطعن رقم 1510 سنة 16 ق – جلسة 11 /11 /1946
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) – صـ 199
جلسة 11 من نوفمبر سنة 1946
برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: أحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك ومحمد توفيق إبراهيم بك ومحمد صادق فهمي بك المستشارين.
القضية رقم 1510 سنة 16 القضائية
أ – قذف. حسن النية. معناه. صحة الوقائع. لا يكفي التثبت من صدق
واقعة للاحتجاج بحسن النية فيما عداها من الوقائع.
ب – قذف. حسن النية. خضوعه لرقابة محكمة النقض.
1 – إن حسن النية المشترط في المادة 302 من قانون العقوبات ليس معنى باطنياً بقدر ما
هو موقف أو حالة يوجد فيها الشخص نتيجة ظروف تشوه حكمه على الأمور رغم تقديره لها تقديراً
كافياً واعتماده في تصرفه فيها على أسباب معقولة. ولقد أشارت إلى هذا المعنى تعليقات
وزارة الحقانية على المادة 261 من قانون العقوبات السابق (المادة 302 الحالية) حين
قالت: "ويلزم على الأقل أن يكون موجه القذف يعتقد في ضميره صحته حتى يمكن أن يعد صادراً
عن سلامة نية وأن يكون قدر الأمور التي نسبها إلى الموظف تقديراً كافياً". وليست هذه
الإشارة إلا تطبيقاً لقاعدة اعتمدها قانون العقوبات في المادة 63 الواردة في باب الأحكام
العامة والتي أوجبت على الموظف، لكي يدرأ عن نفسه مسؤولية جريمة ارتكبها بحسن نية تنفيذاً
لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه، أن يثبت لبيان حسن نيته أنه
لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري، وأنه كان يعتقد مشروعيته، وأن اعتقاده كان
مبنياً على أسباب معقولة. وقد ذكرت تعليقات وزارة الحقانية على هذه المادة أن حكمها
مأخوذ من المادتين 77 و78 من قانون العقوبات الهندي الذي عرف حسن النية في المادة 52
صراحة بقوله "لا يقال عن شيء إنه عمل أو صدق بحسن نية إذا كان قد عمل أو صدق بغير التثبت
أو الالتفات الواجب".
هذا ولقد أوجب المشرع، فضلاً عن ذلك، على القاذف الذي يحتج بحسن نيته أن يثبت صحة كل
فعل أسنده للمقذوف في حقه، فدل بذلك على أن التثبت الذي لا غنى عنه لحسن النية يجب
أيضاً أن يشمل كل وقائع القذف المؤثرة في جوهره واقعة واقعة، وأنه لا يكفي القاذف أن
يكون قد تثبت من واقعة ليحتج بحسن نيته فيما عداها من الوقائع التي أسندها للمقذوف
في حقه دون دليل.
2 – إن حسن النية المؤثر في المسؤولية عن الجريمة رغم توافر أركانها هو من كليات القانون
التي تخضع لرقابة محكمة النقض، وهو معنى لا تختلف مقوماته باختلاف الجرائم. ويكفي أن
يكون الشارع قد ضبطه وأرشد إلى عناصره في نص معين أو مناسبة معينة ليستفيد القاضي من
ذلك القاعدة العامة الواجبة الاتباع في مناسبة أخرى.
المحكمة
وحيث إن محصل الواقعة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه، على ما
جاء به، أنه في يوم 22 يونيو سنة 1945 نشر المطعون ضده في العدد رقم 2167 من جريدة
"الوفد المصري" التي يتولى رياسة تحريرها مقالاً بعنوان "لمن كانت الأذونات.. يا وزير
التموين؟" ورد به "قيل يا معالي وزير الكساء والغذاء إنه صرفت عقب الانتخابات خمسة
أذونات على شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وكل إذن منها يبيح لحامله الحصول
على خمسين ثوباً من الدمور أو الدبلان. فهل صرفت هذه الأذونات يا معالي الوزير؟ ولمن؟
وباسم من كانت الأذونات؟ فإنها خلت من ذكر الأسماء. لمن كانت هذه الأذونات يا معالي
الوزير؟ وهل تعتقدون أن هذه الأذونات صرفت فعلاً لمن عنيت أن تصرف إليهم الأقمشة؟"
وفي 27 يونيه سنة 1945 أذاع وزير التموين بياناً نشره في جريدة المصري بالعدد 2171
جاء به "نشرت إحدى الصحف أخيراً خبراً تساءلت فيه عما إذا كانت وزارة التموين صرفت
خمسة أذونات على شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى وكل إذن يبيح لحامله الحصول
على خمسين ثوباً من الدمور أو الدبلان ووزارة التموين تقرر أن هذا الخبر لا نصيب له
من الصحة إطلاقاً فلم يحصل أن أصدرت الوزارة أذونات على هذا الوجه لا فيما يختص بالأقمشة
الشعبية التي توزع وفقاً لقواعد مقررة ولا فيما يختص بالأقمشة الحرة". وفي 10 يوليه
سنة 1945 ظهر العدد 2182 من جريدة "الوفد المصري" وبه مقال عنوانه "بلاغ رسمي… كاذب"
ورد به: "إليك الدليل يا معالي وزير التموين… نشرنا سؤالاً وجهناه إلى معالي وزير
التموين سألناه عما إذا كانت صرفت أذونات على شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى
كل إذن يبيح لحامله الحصول على خمسين ثوباً من الدمور أو الدبلان، وتساءلنا لمن صرفت
هذه الأذونات؟ وباسم من؟ فقد كانت الأذونات على بياض. فأرسلت إلينا وزارة التموين هذا
البلاغ الرسمي ضمن بلاغاتها وبياناتها الرسمية التي لا حصر لها، ونشرناه بتاريخ 27
يونيه سنة 1945… نشرنا نحن هذا البلاغ الرسمي الذي يكذب السؤال تكذيباً قاطعاً….
نشرنا هذا البلاغ الرسمي العجيب دون أن نعلق عليه فقد كنا نعد العدة لضربة موجعة آثرنا
التمهل فيها حتى تطمئن الوزارة ويطمئن وزيرها إلى سكوتنا حتى عن التعليق على بلاغه
الرسمي. والآن ما رأي معالي الوزير في أن بلاغه الرسمي كاذب؟ وما رأيه إذا قلت له إن
ما تساءلنا عنه صحيح؟…. يا معالي الوزير إليك هذا الدليل الحاسم الفاتك وهو صورة
بالزنكوغراف لأحد تلك الأذونات البيضاء من غير سوء كالبطاقات سواء بسواء فإذا شاءت
وزارة التموين أن ننشر لها بقية الأذونات بنفس الكمية ولحاملها أيضاً فنحن على استعداد".
ويلي ذلك صورة بالزنكوغراف لإذن عليه تاريخ إبريل سنة 1945 على شركة مصر للغزل والنسيج
يسمح لحامله بخمسة وعشرين ثوباً من الدبلان وعشرة أثواب من الدمور. وقد ثبت من التحقيق
الذي أجرته المحكمة أن هذا الإذن مزور قدمه أحد مخبري الجريدة – الذي حكم عليه بالعقوبة
من أجل التزوير والقذف – للمطعون ضده فاعتقد صحته.
وحيث إن الواقعة على النحو المتقدم هي جريمة قذف في حق وزير التموين تمت جميع أركانها
القانونية بما فيها القصد الجنائي المستفاد من نشر العبارات والوقائع المشينة في المقالين.
ولا يرفع مسؤولية المطعون ضده عنها ما قالته المحكمة من أنه قدم له إذن مزور من أحد
المخبرين الصحفيين فجاز عليه وأذن بالنشر، لأن المطعون ضده لم يقذف المجني عليه بواقعة
هذا الإذن الوحيد المنفرد المحدود الكمية، إنما قذفه بأنه صرف لأنصاره في الانتخابات
خمسة أذونات لحاملها كل منها بخمسين ثوباً، فلما نفى المجني عليه ذلك ببلاغه الرسمي
عاد المطعون ضده فأعاد هذا القذف ورمى المجني عليه بالكذب وجبهه بالإذن الذي تبين فيما
بعد تزويره، ولم يقف عند ذلك بل تجاوزه إلى التوعد بنشر الأذونات الأخرى زاعماً أنها
تحت يده.
وحيث إنه لا وجه لما تمسك به المطعون ضده، وأيده فيه الحكم المطعون فيه، من أنه كان
حسن النية فيما نشره نتيجة انخداعه بالإذن المزور الذي دسَّ عليه ولم يكن في مقدوره
كشف تزويره – لا وجه لذلك لأن المعنى الذي نعاه المتهم على وزير التموين في المقالين
المتقدم ذكرهما وهو الاستهتار في استغلال سلطانه وهيمنته على التموين في سبيل مرضاة
من نصروه في الانتخابات، هذا المعنى لا يمكن أن يحمله إذن واحد كالإذن المزور، لا عند
القراء ولا عند المتهم نفسه، فلو قد وقف المطعون ضده عند هذا الإذن وقنع بنصه أو بفحواه
لأعجزه ذلك عن إظهار فكرتي الاستهتار والاستغلال، وهما لباب ما أسنده للمجني عليه،
لكنه لم يقف عند حد ذلك بل رمى المجني عليه بأنه أصدر لا إذناًَ واحداً بل خمسة أذون
بأثواب من القماش تبلغ المائتين والخمسين متراً، فكان له من هذه الكثرة ما يشهد عند
القارئ بأن تصرف المجني عليه قد بلغ من حيث التكرار والسعة حداً يصعب حمله إلا على
الاستهتار والاستغلال. وأكد هذا المعنى الجارح في أذهان قارئيه في مقاله الثاني الذي
نشر معه الإذن المزور بإعلان أنه مستعد، إذا شاءت وزارة التموين، أن ينشر لها الأذونات
الأخرى وبنفس الكمية ولحاملها.
وحيث إنه تبين أن يد المطعون ضده خالية من كل ما تحدى به من الأدلة على صحة ما أسنده
للمجني عليه، اللهم إلا ذلك الإذن الذي نشر صورته وثبت تزويره على وزارة التموين، فلم
يتحقق لمصلحته من الشرطين اللذين ذكرتهما الفقرة الثانية من المادة 302 شرط ثبوت صحة
وقائع القذف بل لم يتوافر لديه شرط حسن النية. لأن حسن النية ليس معنى باطنياً بقدر
ما هو موقف أو حالة يوجد فيها الشخص نتيجة ظروف تشوِّه حكمه على الأمور رغم تقديره
لها تقديراً كافياً واعتماده في تصرفه فيها على أسباب معقولة. ولقد أشارت إلى هذا المعنى
تعليقات وزارة الحقانية على المادة 261 من قانون العقوبات السابق (وهي 302 من القانون
الحالي) حين قالت "ويلزم على الأقل أن يكون موجه القذف يعتقد في ضميره صحته حتى يمكن
أن يعد صادراً عن سلامة نية، وأن يكون قدر الأمور التي نسبها إلى الموظف تقديراً كافياً".
وليست هذه الإشارة إلا تطبيقاً لقاعدة اعتمدها قانون العقوبات في المادة 63 الواردة
في باب الأحكام العامة والتي أوجبت على الموظف الذي يدرأ عن نفسه مسؤولية جريمة ارتكبها
بحسن نية تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه أن يثبت –
لبيان حسن نيته – أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري، وأنه كان يعتقد مشروعيته،
وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة. وقد ذكرت تعليقات وزارة الحقانية على هذه
المادة أن حكمها مأخوذ من المادتين 77 و78 من قانون العقوبات الهندي الذي عرف حسن النية
في المادة 52 صراحة بقوله "لا يقال عن شيء إنه عمل أو صدق بحسن نية إذا كان قد عمل
أو صدق بغير التثبت أو الالتفات الواجب".
وحيث إن المشرع فضلاً عن ذلك قد أوجب على القاذف الذي يحتج بحسن نيته أخذاً بالفقرة
الثانية من المادة 302 من قانون العقوبات أن يثبت صحة كل فعل أسنده للمقذوف في حقه
فدل بهذا على أن التثبت الذي لا غنى عنه لحسن النية يجب أيضاً أن يشمل كل وقائع القذف
المؤثرة في جوهره واقعة واقعة، وأنه لا يكفي القاذف أن يكون قد تثبت من واقعة ليحتج
بحسن نيته فيما عداها من الوقائع التي أسندها للمقذوف في حقه دون دليل.
وحيث إن المطعون ضده وإن أخذ نفسه – على ما جاء بالحكم المطعون فيه – ببعض الاحتياط
في صدد الإذن الذي تبين تزويره إلا أنه لم يأخذ نفسه بشيء من ذلك في مقومات القذف الأخرى
التي نشرها في مقاليه.
وحيث إن حسن النية المؤثر في المسؤولية عن الجريمة رغم توافر أركانها هو من كليات القانون
التي تخضع لرقابة محكمة النقض والإبرام، وهو معنى لا تختلف مقوماته باختلاف الجرائم،
ويكفي أن يكون الشارع قد ضبطه وأرشد إلى عناصره في نص معين أو مناسبة معينة كما تقدم
ليستفيد القاضي من ذلك القاعدة العامة الواجبة الاتباع.
وحيث إنه لما تقدم يكون الحكم قد خالف القانون في قضائه ببراءة المطعون ضده، ويتعين
لذلك إلغاؤه وتوقيع العقوبة المقررة في المواد 302 و303 فقرة ثانية و307 من قانون العقوبات
على المتهم من أجل ما ثبت وقوعه منه على الوجه المبين في الحكم المطعون فيه.
