الطعن رقم 732 سنة 16 ق – جلسة 13 /05 /1946
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) – صـ 140
جلسة 13 من مايو سنة 1946
برياسة حضرة جندي عبد الملك بك وحضور حضرات: أحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك ومحمد توفيق إبراهيم بك ومصطفى مرعي بك المستشارين.
القضية رقم 732 سنة 16 القضائية
أ – أسباب الإباحة وموانع العقاب. سكران فاقد الشعور. لا تتوفر
في حقه نية القتل إلا إذا كان انتواه ثم أخذ المسكر ليشجعه على تنفيذه.
ب – المادة 62 ع. لا تنطبق في حالة الجرائم التي يجب فيها توفر قصد جنائي خاص.
1 – السكران متى كان فاقد الشعور أو الاختيار في عمله فلا يصح أن يقال عنه إنه كانت
لديه نية القتل. وذلك سواء أكان قد أخذ المسكر بعلمه ورضاه أم كان قد أخذه قهراً عنه
أو على غير علم منه ما دام المسكر قد أفقده شعوره واختياره. ومثل هذا الشخص لا تصح
معاقبته على القتل العمد إلا إذا كان قد انتوى القتل ثم أخذ المسكر ليكون مشجعاً له
على تنفيذ نيته [(1)].
2 – إن المادة 62 من قانون العقوبات لا تنطبق في حالة الجرائم التي يجب فيها توفر قصد
جنائي خاص لدى المتهم إذ لا يتصور في هذه الحالة اكتفاء الشارع في ثبوت هذا القصد باعتبارات
وافتراضات قانونية، فإن القصد الجنائي باعتباره واقعة يجب أن يكون ثبوته بناءً على
حقيقة الواقع.
المحكمة
وحيث إن مبنى الطعن هو أن محكمة الجنايات استخلصت قيام نية القتل
عند الطاعن من وقائع لا تؤدي إليها. وذلك لأنها قالت "إن جريمة القتل وقعت وليدة عقل
سقيم وإرادة هزيلة ضعف سلطانها على صاحبها ولعبت الخمر برأسه فخيل إليه أن المجني عليه
الذي كان يسير خلفه يلاحقه فنهاه عن متابعته وكبر عليه أن يعصى أمره فأرداه قتيلاً".
وقد كانت النتيجة المنطقية لذلك عدم معاقبة الطاعن عن القتل العمد لأن من يكون فاقد
الشعور أو الاختيار في عمله بسبب السكْر لا يمكن أن يكون لديه نية القتل، ولكن المحكمة
قالت مع ذلك إنه انتوى القتل عامداً لاستعماله آلة قاتلة وتصويبها نحو المجني عليه
في مقتل. وهي بقولها هذا قد خالفت المنطق والقانون. وفضلاً عن ذلك فإن المحكمة لم تبحث
في ملابسات السكْر ولم تبين إن كان الطاعن قد تعاطى المسكر عن علم أو جهل، طوعاً أو
كرهاً، وكان عليها أن لا تغفل ذلك ما دامت حالة السكْر قد ثبتت لديها وما دام القانون
يعفي المتهم من العقاب إعفاءً تاماً في حالات معينة من حالات السكْر.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين تعرض إلى بيان نية القتل والباعث عليه قال "إنه مما
لا جدال فيه أنه ليس بين المتهم (الطاعن) والقتيل ضغن أو حفيظة ورواية الشاهدين عزب
ومنصور عن كيفية حصول الحادث رواية بريئة وليس في تعرف سبب الجريمة ما يدعو للتساؤل
أو الحيرة وذلك لأمر بسيط غاية البساطة وهو أن ليس للجريمة سبب أو باعث وإنما وقعت
بنت ساعتها وليدة عقل سقيم وإرادة هزيلة ضعف سلطانها على صاحبها ولعبت الخمر برأسه
فخيل إليه أن ذلك المسكين الذي يسير خلفه يلاحقه فنهاه عن متابعته وكبر عليه أن يعصى
أمره فأرداه قتيلاً… وإنه من جميع ما ذكر ترى المحكمة أن التهمة ثابتة ضد المتهم
ثبوتاً كافياً. وقد انتوى القتل عامداً لاستعماله آلة قاتلة وتصويبها نحو المجني عليه
في مقتل". وانتهى إلى إدانة الطاعن بجناية القتل العمد.
وحيث إن السكران متى كان فاقد الشعور أو الاختيار في عمله لا يصح أن يقال عنه إنه كانت
لديه نية القتل وذلك سواء أكان قد أخذ المسكر بعلمه ورضاه أم أخذه قهراً عنه أو على
غير علم منه، ما دام المسكر قد أفقده شعوره واختياره. فمثل هذا الشخص لا تصح معاقبته
عن القتل العمد إلا أن يكون قد انتوى القتل من قبل ثم أخذ المسكر ليكون مشجعاً له على
ارتكاب جريمته. ولا يرد على ذلك بأنه يؤخذ من نص المادة 62 من قانون العقوبات أن السكران
لا يعفى من العقاب إلا إذا كان قد أخذ المسكر بغير إرادته ما دام القانون يوجب في جريمة
القتل العمد أن يكون الجاني قد انتوى إزهاق روح المجني عليه وما دامت هذه النية باعتبارها
ركناً من أركان الجريمة لا يصح القول بقيامها إلا إذا تحققت بالفعل. ويلزم عن ذلك أن
المادة 62 المذكورة لا تنطبق في حالة الجرائم التي يجب فيها توافر قصد جنائي خاص لدى
المتهم إذ لا يتصور في هذه الحالة اكتفاء الشارع في ثبوت هذا القصد باعتبارات وافتراضات
قانونية، فإن القصد الجنائي باعتباره واقعة يجب أن يكون ثبوتها بناءً على حقيقة الواقع.
هذا هو التفسير الذي يجب أن يعطى للمادة المذكورة وهو هو المعول عليه في القانون الهندي
الذي أخذت عنه المادة 62.
وحيث إنه متى كان هذا مقرراً وكان الحكم المطعون فيه قد تحدث عن سكْر الطاعن دون أن
يبين ماهية هذا السكْر ودرجته ومبلغ تأثيره في المتهم وهل أخذه بإرادته أو بغير إرادته
فإنه يكون قاصر البيان متعيناً نقضه.
[(1)] القانون المصري طبقاً للتأويل الذي أخذت
به محكمتنا العليا في هذا الحكم لا يعترف بالسكْر الاختياري، أي يفترض في السكران أنه
يقظ صاحٍ مالك لإدراكه واختياره، ويوجب على القاضي أن يعامله على هذا الاعتبار وفي
حدوده. فإذا كانت الجريمة تقتضي لقيامها قانوناً أن يتوفر في مرتكبها أكثر من اليقظة
والاختيار والإدراك فلا يحاسب عليها السكران لاستحالة ذلك. فالجرائم التي تتحقق بالقصد
العام، أي التي يتوفر القصد الجنائي فيها بمجرد العلم بالفعل المادي، يحاسب السكران
عليها كما يحاسب اليقظ الصاحي سواء بسواء. أما الجرائم التي تتطلب قصداً خاصاً كالقتل
العمد فلا يحاسب عليها السكران لأن اليقظ لا يحاسب عليها في كل الأحوال بل يحاسب حينما
يتوفر لديه نية إزهاق الروح، أما فيما عدا ذلك فلا يحاسب اليقظ عن فعله الذي نتجت عنه
الوفاة إلا باعتباره جرحاً أو ضرباً، وعلى أساس النتائج التي ترتبت على هذا الجرح أو
الضرب. ولذلك فالسكران إذا قتل يكون التكييف القانوني دائماً لفعله أنه جرح أو ضرب
أفضى إلى الموت.
هذا ولحضرة الدكتور السعيد مصطفى السعيد عميد كلية الحقوق بجامعة فاروق تعليق على حكم
صادر من محكمة النقض بجلسة 2 من فبراير سنة 1948 في القضية رقم 18 سنة 18 القضائية
في مسؤولية السكران منشور بمجلة التشريع والقضاء بالعدد 9 من السنة الأولى بصفحات 183
– 185 فنرجو مراجعته أيضاً.
