الطعن رقم 171 سنة 16 ق – جلسة 21 /01 /1946
مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة
النقض والإبرام في المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء السابع (عن المدة من 5 نوفمبر سنة 1945 لغاية 13 يونيه سنة 1949) – صـ 57
جلسة 21 من يناير سنة 1946
برياسة سعادة سيد مصطفى باشا رئيس المحكمة وحضور حضرات: جندي عبد الملك بك وأحمد علي علوبة بك وأحمد فهمي إبراهيم بك ومحمد توفيق إبراهيم بك المستشارين.
القضية رقم 171 سنة 16 القضائية
دفاع. تمسك المتهم بطلب ضم قضايا وسماع شهود نفي. الغرض من ذلك
إثبات وجود خصومة بين المتهم وبين العمدة الذي ضبطه متلبساً بجريمته. رفض هذا الطلب
لا يقتضي رداً صريحاً مستقلاً.
إذا كان الدفاع قد تمسك بطلب ضم قضايا وسماع شهود نفي، وكان الظاهر من محضر جلسة المحاكمة
أن هذا الطلب كان المراد به إثبات وجود خصومة بين المتهم والعمدة الذي ضبطه متلبساً
بجريمته، فمثل هذا الطلب لا يقتضي من المحكمة عند رفضه رداً صريحاً مستقلاً [(1)]
ما دام الدليل الذي قد يستمد منه ليس من شأنه أن يؤدي إلى البراءة أو ينفي القوة التدليلية
للأدلة الأخرى القائمة في الدعوى.
[(1)] محكمة الموضوع ملزمة بأن ترد في حكمها على
كل طلب Chef de demande وكل دفاع جوهري Chef de défense قدم إليها صراحة formellement
وبطريقة صحيحة régulièrement، فإن لم تفعل كان حكمها باطلاً لخلوه من الأسباب (راجع
جارو شرح قانون تحقيق الجنايات جـ 3 ص 584). أما ما عدا الطلبات والدفوع الجوهرية فليست
محكمة الموضوع ملزمة بالرد عليها. وقد رددت محكمتنا العليا هذه القاعدة في أحكام لها
عديدة. فقضت بأن "محكمة الموضوع في حل من أن لا تجيب على شيء من الدفاع سوى ما يكون
له من الطلبات الجوهرية المعينة Chefs de demandes (يراجع الجزء الأول من هذه المجموعة
تحت رقم 78 ص 92). وبأنه "يشترط لكي تكون محكمة الموضوع ملزمة بالإجابة صراحة على طلب
يقدم إليها حتى لو كان من الطلبات الأصلية أن يكون هذا الطلب ظاهر التعلق بموضوع القضية
أي أن يكون الفصل فيه لازماً للفصل في الموضوع ذاته، وإلا فهي ليست ملزمة بالرد عليه
صراحة حتى لو كان الطلب صريحاً بل يجوز لها ألا تلتفت إليه بأن ترفضه ضمناً. لأن الخصم
الذي يقدم طلباً من هذا القبيل لا يكون له أي صالح في المطالبة بالرد عليه رداً مسبباً"
(جـ 1 تحت رقم 189 ص 234). وبأنه "ليس من الواجب على المحكمة في التدليل على ما تراه
الواقع أن تتعقب الدفاع في كل شبهة يقيمها أو استنتاج يستنتجه من ظروف الواقعة أو أقوال
الشهود وترد عليه شبهةً شبهة واستنتاجاً استنتاجاً. بل يكفي أن تؤكد أن أركان الجريمة
من أفعال وقصد جنائي قد وقعت من المتهم وأن تشير إلى الأدلة التي قامت لديها فجعلتها
تعتقد ذلك وتقول به. ومجرد قولها به يفيد حتماً وبطبيعة الحال أنها وجدت الشبهة والاستنتاجات
التي أقامها الدفاع غير جديرة بالاعتبار" (جـ 1 تحت رقم 50 ص 69). وبأن "محكمة الموضوع
غير ملزمة بأن تناقش كل الأدلة الاستنتاجية التي يتمسك بها الدفاع عن المتهم ولا بأن
ترد صراحة على الأوجه التي يتقدم بها إلا ما كان منها معتبراً من قبيل الدفوع الفرعية
وطلبات التحقيق المعينة". (جـ 3 تحت رقم 42 ص 43 و44). وبأن "سكوت الحكم عن الرد على
الدفع الهام الذي يتمسك به المتهم وعن تحقيقه يعيب الحكم ويبطله" (جـ 3 تحت رقم 314
ص 411). وبأنه "إذا كان ما دفع به الطاعن تهمته لدى المحكمة الاستئنافية دفاعاً جوهرياً
ينبني عليه – لو صح – هدم التهمة المسندة إليه وجب على المحكمة أن تعرض في حكمها لهذا
الدفاع وترد عليه. فإذا أغفلت الرد عليه كان ذلك موجباً لنقض الحكم" (جـ 3 تحت رقم
373 ص 473). وغير هذا من قضاء محكمة النقض في هذا الصدد كثير. ولكن متى يعتبر الطلب
أو وجه الدفاع جوهرياً أو عاماً فيتعين الرد عليه ومتى لا يعتبر فلا يكون الرد متعيناً؟
يبدو من استقراء قضاء محكمتنا العليا أنها جعلت المناط في ذلك كون تحقيق الطلب أو وجه
الدفاع لازماً للفصل في الدعوى. ويعتبر الطلب مما يلزم تحقيقه للفصل في الدعوى متى
كان يترتب عليه ثبوت الواقعة المدعاة سواء أكانت هذه الواقعة أساساً لمساءلة جنائية
أو مدنية، وسواء أكان ثبوتها مباشراً أو نتيجة نفي دفع أو دفاع أبداه الخصم الآخر.
فطلبت النيابة سماع شاهد إثبات أعلنته أو ندب خبير لإثبات إدراك متهم دفع بأنه كان
فاقد الإدراك عند ارتكاب الجريمة, وطلب المدعي بالحقوق المدنية تعيين خبير لإثبات سبب
الضرر الذي لحقه أو مقداره أو معانية مكان الحادث لنفي الخطأ الذي يسنده إليه المتهم،
كل أولئك من قبيل الطلبات اللازمة للفصل في الدعوى. ويعتبر الدفاع جوهرياً لازماً تحقيقه
للفصل في الدعوى متى كان يؤدي إلى نفي الواقعة المدعاة أو إلى نفي المسؤولية الجنائية
أو المدنية عنها أو إلى منع توقيع العقوبة المقررة أو إلى منع سماع الدعوى بشأنها،
فإذا طلب المتهم سماع شاهد نفي فهو بهذا يسعى إلى نفي الواقعة المسندة إليه من طريق
إثبات واقعة أخرى يشهد بها ذلك الشاهد ويناقض ثبوتها ثبوت التهمة. كذلك الحال تماماً
إذا طلب المتهم المنكر للتهمة تعيين خبير أو إجراء معاينة أو ضم أوراق فطلبه يعتبر
جوهرياً ما دام يرمي مباشرة إلى إثبات واقعة لو ثبتت لاقتضى ثبوتها بذاته نفي واقعة
التهمة حتماً نتيجة التعارض المنطقي والعقلي بين الواقعتين. فإذا كان الإجراء المطلوب
– برفض حصوله على النحو الذي يرجوه طالبه – لا يؤدي إلى هذا التعارض المنطقي أو الحتمي
فلا يعتبر لازماً ولا جوهرياً. على أنه يكفي لكي يعتبر الدفاع جوهرياً أن يكون تحقيقه
من شأنه أن ينتج نتيجة تتعارض تعارضاً منطقياً وحتمياً مع صحة دليل من أدلة الإثبات
التي اعتمدها قاضي الموضوع في الحكم على المتهم في الدعوى العمومية أو المدنية (يراجع
جـ 3 تحت رقم 190 ص 193 فقد جاء به أنه إذا كان طلب التحقيق الذي يستند إليه المتهم
في دفاعه لا تتأثر به إدانته لثبوتها من دلائل أخرى فلا تثريب على المحكمة إذا هي أغفلته).
فإذا تمسك الدفاع بكذب شهود الإثبات في جناية قتل مستنداً إلى دليل فني كالكشف الطبي
المتوقع على المجني عليه ولم تحقق المحكمة دفاعه وترد عليه كان حكمها بإدانته أخذاً
بأقوال أولئك الشهود معيباً متعيناً نقضه (جـ 4 تحت رقم 324 ص 422). أما إذا كان الدفاع
مقصوداً به فقط إثارة شبهة في الدليل ليس من شأنها، بفرض قيامها، أن تذهب بصلاحيته
القانونية للإثبات فلا يعتبر الدفاع جوهرياً ولا يلزم القاضي بالرد عليه في حكمه. وفي
ذلك قالت محكمتنا العليا: "إذا طلب الدفاع عن المتهمين الاطلاع على قضية تثبت تلفيق
المجني عليهم لجناية على بعض متهمين ورفضت المحكمة هذا الطلب فلا يعتبر هذا إخلالاً
بحق الدفاع موجباً لنقض الحكم، لأن هذا الدفاع لا يقطع إطلاقاً بأن المجني عليهم يكذبون
دائماً في ادعاءاتهم، وليس على محكمة الموضوع عند رفضها هذا الطلب أن تعلل رفضها إياه
تعليلاً صريحاً" (جـ 2 تحت رقم 281 ص 348 و349). وقالت: "كل إنسان يجوز للمحكمة قبول
شهادته والاعتماد عليها متى وثقت بصحتها ولو كان لهذا الإنسان سوابق في الكذب والتلفيق.
فإذا طلب الدفاع عن المتهم ضم قضية لبيان الحالة الأدبية لأحد شهود الإثبات للطعن فيه
وتجريحه ورفضت المحكمة هذا الطلب غير إبداء أسباب فلا يعتبر هذا إخلالاً منها بحق الدفاع"
(جـ 2 تحت رقم 283 ص 351).
والأحكام في صدد هذا الموضوع كثيرة نرجو مراجعتها في الجزءين الخامس والسادس من هذه
المجموعة.
