الطعن رقم 1687 سنة 2 ق – جلسة 06 /06 /1932
مجموعة القواعد القانونية التى قررتها محكمة
النقض والإبرام فى المواد الجنائية – وضعها محمود أحمد عمر باشكاتب محكمة النقض والإبرام
الجزء الثانى (عن المدة بين 6 مارس سنة 1930 وبين 31 أكتوبر سنة 1932) – صـ 583
جلسة الاثنين 6 يونيه سنة 1932
تحت رياسة حضرة صاحب السعادة عبد العزيز فهمى باشا.
القضية رقم 1687 سنة 2 القضائية
( أ ) تزوير فى أوراق رسمية. ذكر غير الحقيقة فى محرر رسمى ولو
كان غير معد لإثبات حقيقة الواقعة المزوّرة يعتبر تزويرا.
(المادة 181 ع)
(ب) اختلاس الأموال الأميرية. أموال مجالس المديريات والمجالس البلدية والهيئات المحلية
الأخرى. اختلاسها. حكمه.
(المادة 103 ع)
1 – إذا كان الثابت فى الحكم أن المتهم – وهو كاتب بقسم المجارى باحدى البلديات – حرر
أمرا بتوصيل المجارى إلى منزل وذكر به نمرة حافظة توريد مفتعلة كيما يطمئن رئيسه الباشمهندس
إلى أن رسم التوصيل قد ورد للخزانة فعلا فيصدر أمر التوصيل كان هذا الفعل تزويرا فى
محرر رسمى من واجبه تحريره وعليه بحكم وظيفته أن يثبت فيه كل البيانات الصحيحة التى
يهم رئيسه الاطلاع عليها قبل إصدار أمره بتنفيذ العمل المطلوب. ولا عبرة بأن هذا المحرّر
ليس معدّا لإثبات توريد الرسم المستحق وأن إثباته إنما يكون بقسيمة التوريد ما دام
أن ذكر نمرة حافظة التوريد بالمحرّر إنما كان الغرض منه أن يعلم الباشمهندس واقعة جوهرية
هى شرط أساسى لإصدار أمره بالتوصيل. وهذه الواقعة من اختصاص الموظف إثباتها بعد التأكد
من صحتها بناء على التحرّيات المطلوب منه عملها قبل هذا الإثبات ومن واجب وظيفته أنه
إن ذكرها فى المحرّر فلا يذكرها إلا على وجهها الصحيح.
2 – لا فرق بين أموال الدولة بصفتها سلطة عامة مركزية وبين أموال مجالس المديريات والمجالس
البلدية على اختلاف أنواعها بصفتها سلطات خاصة محلية من حيث حماية القانون بمثابة واحدة
لكل منهما إذ أموال الفريقين هى فى الجملة أموال الدولة ومخصصة للمنافع العامة فى الدولة.
ومجرّد تمتع الهيئات المحلية بالشخصية المعنوية واستقلالها بأموالها لتنفق فى المصالح
العامة المحلية وعدم ضمان الحكومة المركزية لها فى نتائج تصرفاتها – لا شىء من ذلك
ينافى وصف كون أموال تلك الهيئات هى جزءا من أموال الدولة سمحت السلطات العليا فى الدولة
لتلك الهيئات بجبايته واستبقته فى يدها لتنفقه فى المصالح العامة المحلية. وإذن فكل
نص قانونى شرع لحماية أموال الحكومة أو الدولة يجب أن يمتد حكمه إلى أموال تلك الهيئات.
فالموظف الذى يدخل فى ذمته شيئا منها ينطبق عقابه على المادة 103 ع.
الطعن المقدّم من النيابة العامة فى دعواها رقم 777 سنة 1932 المقيدة بجدول المحكمة
رقم 1687 سنة 2 قضائية ضد حسن أفندى كمال.
الوقائع
اتهمت النيابة العمومية حسن أفندى كمال بأنه فى خلال المدة ما بين
6 أغسطس سنة 1926 و4 أكتوبر سنة 1928 ببندر المنصورة مديرية الدقهلية: (أولا) بصفته
موظفا عموميا أى كاتبا بقسم المجارى بمجلس المنصورة البلدى ارتكب تزويرا فى أوراق رسمية
وهى قسائم من دفتر أوامر توصيل المنازل والمبانى للمجارى العمومية وأوامر بيع محصولات
من مزرعة المجارى فى حال تحريرها المختص بوظيفته بجعله واقعة مزوّرة فى صورة واقعة
صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت فيها أن المبالغ المذكورة بها وردت مع أنها لم ترد
لخزانة المجلس. (ثانيا) أدخل فى ذمته مبلغ 78 جنيها و255 مليما من نقود الحكومة وهى
رسوم إعادة المكدام وأجور تسليك البالوعات وأثمان محصولات من مزرعة المجارى المسلمة
إليه من أشخاص مبينة أسماؤهم فى الكشوف المرفقة على ذمة توريدها خزانة المجلس البلدى.
(ثالثا) توصل بطريق الاحتيال على مبلغ 2 جنيه و125 مليما من كل من أحمد عبد المجيد
عقل ومحمد التلبانى ويوسف شتيوى باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهامهم بوجود واقعة
مزوّرة بأن أفهمهم بصفته المذكورة أن هناك رسما مستحقا للبلدية على أعمال المكدام بعد
توصيل منازلهم للمجارى العمومية مع أن الشارع غير مرصوف ولا يستحق عنه رسم. وطلبت من
حضرة قاضى الإحالة إحالته إلى محكمة جنايات المنصورة لمحاكمته بالمواد 181 و103 و293
من قانون العقوبات. وقرر حضرته إحالته إلى المحكمة المذكورة فى أول ديسمبر سنة 1929
لمعاقبته بالمواد السابق بيانها.
وبعد أن سمعت المحكمة الدعوى رأت أن التهمة كما يلى: –
أن المتهم فى المدة ما بين 6 أغسطس سنة 1926 و4 أكتوبر سنة 1928 الموافقة للمدة التى
بين 27 محرّم سنة 1345 و20 ربيع آخر سنة 1347 ببندر المنصورة مديرية الدقهلية اختلس
مبالغ مجموعها 78 جنيها و255 مليما مسلمة إليه بصفته موظفا فى مجلس بلدى المنصورة لذمة
توريدها لخزانة المجلس المذكور، وحكمت حضوريا فى 28 يناير سنة 1932 عملا بالمادتين
296 و52 من قانون العقوبات والمادة 50 من قانون تشكيل محاكم الجنايات بالنسبة لتهمة
التزوير والنصب بحبس المتهم ستة شهور مع الشغل عن تهمة الاختلاس وبراءته من تهمتى التزوير
والنصب وأمرت بايقاف التنفيذ.
فطعن حضرة رئيس نيابة المنصورة فى هذا الحكم بطريق النقض فى 15 فبراير سنة 1932 وقدّم
تقريرا بالأسباب فى ذات التاريخ.
المحكمة
بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قدّم وبينت أسبابه فى الميعاد فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن محصل الوجه الأول من أوجه الطعن أن المحكمة أخطأت فى تطبيق القانون إذ اعتبرت
أن الوقائع المنسوبة إلى المتهم لا تتضمن تزويرا معاقبا عليه وذلك لنقص شرط من شروط
الجريمة وهو أن يكون تغيير الحقيقة حاصلا فى البيانات التى أعدّ المحرّر لإثباتها مع
أن من واجب المتهم أن يثبت فى أمر عملية التوصيل ورود الرسم قبل تقديمه للباشمهندس
للتوقيع عليه ولا يمكن أن يصدر أمر الباشمهندس إلا بعد ثبوت ما يفيد أن الرسم ورد للخزانة
وهذا البيان يستخرج من الملف الموجود لدى المتهم المشتمل على جميع الإجراءات التمهيدية
السابقة على صدور الأمر، فاذا أثبت على خلاف الواقع أن الرسم ورد الخزانة فيكون قد
غير الحقيقة وارتكب تزويرا فى محرر من اختصاصه تحريره ولا عبرة بأن قسيمة التوريد هى
الدليل الذى يجب الرجوع إليه للتحقق من صحة دفع الرسم فان كان ورقة استوجب نظام العمل
أن يثبت بها توريد الرسم ويعتبر إثبات ما يخالف الواقع فيها عن الرسم تزويرا فى أوراق
رسمية.
ومن حيث إن الثابت بوقائع الحكم المطعون فيه "أن المتهم كان يشتغل كاتبا بقسم المجارى
ببلدية المنصورة وأنه كان من اختصاصه القيام بالأعمال الكتابية المتعلقة بالمجارى ومخزنها
فاذا قدّم له طلب خاص بتوصيل المجارى إلى منزل أو غيره كان عليه أن يضع له دوسيها خاصا
وأن يستوفى كل الأوراق الواجب على الطالب تقديمها ثم يعرض الأمر بعد ذلك على باشمهندس
المجارى للمراجعة وتقدير الرسم اللازم دفعه وعندئذ يحرر الكاتب المذكور حافظة توريد
الرسم للخزانة عن الاستمارة نمرة 37 (ع. ح) ويسلمها إلى الطالب بعد أن ينقل ما دوّنه
فيها من البيانات فى كعب الحافظة الذى يبقى عنده محفوظا فى دفتر الاستمارات ويقوم الطالب
نفسه بدفع الرسم بمقتضى تلك الحافظة للخزانة وعلى صرافها أن يرسل تلك الحافظة إلى قلم
الإيرادات الذى عليه بمقتضاها أن يحرر قسيمتين بتسديد الرسم يسلم إحداهما إلى الطالب
والأخرى لكاتب المجارى. وبعد وصول قسيمة التوريد من قلم الحسابات يحرر كاتب المجارى
(أى المتهم) أمرا من صورتين….. يوقعه الباشمهندس إلى ملاحظ المجارى لتنفيذ التوصيل
إلى منزل الطالب… "وأن من واجب الكاتب المذكور أن لا يكتب أمرا بتنفيذ الطلب إلا
إذا تحقق من توريد رسمه باستلامه قسيمة التوريد أو بالاستعلام عن ذلك كتابة من قلم
الحسابات".
ومن حيث إنه قد جاء بالحكم بعد ذلك عند التطبيق القانونى "أن الورقة المنسوب إلى المتهم
ارتكاب التزوير فيها هى عبارة عن خطاب يحرره المتهم بمقتضى وظيفته ويعرضه على الباشمهندس
ليوقعه، والذى ثبت للمحكمة من التحقيقات أن هذا المحرر لم يعدّ بمقتضى نظام المجلس
البلدى لإثبات توريد الرسم المستحق وكل ما يشترط فى هذا الشأن أن الكاتب لا يجوز له
تحرير هذا الخطاب إلا بعد أن يتأكد من توريد الرسم المستحق… وأن موضوع هذا المحرر…
منحصر فى الأمر باجراء التوصيل وأن المتهم إنما كان يلجأ إلى إثبات نمرة حافظة التوريد
على أمر التوصيل لكى يوهم رئيسه بأن الرسم تورد فعلا ولكن الواجب أن ذلك الرئيس لا
يلتفت إلى هذه الإشارة لأنها ليست الطريق المرسوم بحسب الأصول لإثبات توريد الرسم بل
المفروض عليه أن يطلع على قسيمة الدفع ذاتها أو علم الخبر ليتأكد من توريد الرسم قبل
توقيع أمر التوصيل بصرف النظر عن إشارة الكاتب التى لا قيمة لها".
ومن حيث إنه وإن كان لا نزاع فى أن خطاب الأمر بالتوصيل الذى نسب إلى المتهم تغيير
الحقيقة فيه لم يعدّ لإثبات توريد الرسم وأن الطريق المرسوم بحسب الأصول لإثبات ذلك
التوريد هى قسيمة الدفع التى أعدّت لأن تكون سندا على الخزانة بتسلمها رسم التوصيل
من طالب التوصيل. ولكن الثابت من الوقائع المتقدّم ذكرها نقلا عن الحكم المطعون فيه
أن على الكاتب أن لا يحرر أمر التوصيل إلا بعد أن يتأكد من توريد الرسم المستحق كما
أن عليه أيضا أن يستوفى كافة الإجراءات الأخرى التمهيدية كطلب الأوراق التى يجب على
طالب التوصيل تقديمها وذلك كله قبل عرض الأمر على الباشمهندس. وهذه الواجبات التى ذكر
الحكم أن الكاتب مكلف بها علتها واضحة وهى أن وقت الباشمهندس نفسه وهو رجل فنى لما
كان لا يتسع للتثبت بشخصه من استيفاء هذه الإجراءات الأولية اللازمة لصدور أمر التوصيل
جعل على الكاتب نفسه عبء مراقبة حصول هذه الإجراءات واستكمالها طبقا للأصول المرعية.
فاذا حرر الكاتب فى النهاية خطاب الأمر بالتوصيل وقدّمه إلى الباشمهندس لتوقيعه كان
ذلك إيذانا منه بأن كافة الإجراءات المطلوبة قد استوفيت. ولا شك فى أن على الكاتب بحكم
وظيفته ألا يثبت فى هذا الخطاب إلا ما يطابق الواقع. فاذا ذكر فى الخطاب نمرة حافظة
توريد مفتعلة أو غير مطابقة للحقيقة كيما يطمئن رئيسه الباشمهندس – الذى هو بحكم نظام
توزيع العمل لا يتسع وقته للإحاطة بنفسه بكل شىء – إلى أن الرسم قد ورد للخزانة فعلا،
فانه يكون بذلك قد قرر غير الحقيقة فى محرر رسمى من واجبه تحريره وعليه بحكم وظيفته
أن يثبت فيه كل الوقائع الصحيحة التى يهم رئيسه الاطلاع عليها قبل إصدار أمره بتنفيذ
العمل المطلوب. ولا عبرة بما يقوله الحكم المطعون فيه من أن المحرر لم يعد لإثبات توريد
الرسم المستحق وأن إثبات ذلك إنما يكون بقسيمة التوريد – لا عبرة بذلك لأن ذكر نمرة
حافظة التوريد بالخطاب المزوّر لم يكن الغرض منه أن يصبح الخطاب المذكور حجة على البلدية
فى ورود الرسم للخزانة وإنما كان الغرض منه أن يعلم الباشمهندس واقعة جوهرية هى شرط
أساسى لإصدار أمر التوصيل ويهم الباشمهندس الإحاطة بها قبل الإقدام على توقيع ذلك الأمر.
وهذه الواقعة من اختصاص المتهم إثباتها بناء على التحريات المطلوب منه عملها قبل تحرير
الخطاب، ومن واجب وظيفته أنه إن ذكرها فى الخطاب فلا يذكرها إلا على وجهها الصحيح.
فاذا غير الحقيقة فيها كان فعله ولا شك تزويرا فى محرّر رسمى مستوجبا للعقاب بمقتضى
المادة 181 من قانون العقوبات.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ اعتبر ما وقع من المتهم فى هذا
الخصوص أمرا غير معاقب عليه، ويتعين من أجل ذلك نقض الحكم المطعون فيه وتطبيق القانون
على وجهه الصحيح.
ومن حيث إن محصل الوجه الثانى أن الحكم المطعون فيه أخطأ أيضا فى تطبيق القانون إذ
قرر أن المادة 103 من قانون العقوبات لا تنطبق إلا على من يدخل فى ذمته بأى كيفية كانت
نقودا للحكومة، أما من يدخل فى ذمته نقودا للمجالس البلدية أو مجالس المديريات فلا
يدخل تحت حكم هذه المادة لأن هذه المجالس – على ما يقول الحكم المطعون فيه – قد اكتسبت
الشخصية المعنوية بحكم الدستور فأصبحت أموالها مستقلة عن أموال الحكومة أو "الدولة"
بحسب التعبير الصحيح الوارد فى النص الفرنسى للمادة 103 المذكورة فكل نص يعاقب على
اختلاس أموال الدولة لا يمكن أن يندرج تحت حكمه اختلاس أموال هذه المجالس. ووجه الخطأ
فى هذا التأويل أن هذه الهيئات برغم انفرادها بشخصية معنوية مستقلة لا تزال من الهيئات
العامة تقوم بقسط من الحكم كان يقع على عاتق السلطة الرئيسية لو لم تكن هذه الهيئات
موجودة كما أن أموال هذه الهيئات هى من الأموال العامة ولو لم تكن داخلة فى ميزانية
الدولة العمومية، والواجب على كل حال أن يطبق عليها كل نص وضع فى قانون العقوبات لحماية
الأموال العمومية أو الأموال الأميرية أو أموال الدولة إذ أن هذه الألفاظ كلها مترادفة
ولها مدلول واحد وهو الأموال المخصصة لأن ينفق منها على المرافق والمصالح العمومية.
فاخراج أموال المجالس البلدية من حماية المادة 103 من قانون العقوبات خطأ فى تطبيق
القانون يستوجب نقض الحكم المطعون فيه – هذا محصل وجه الطعن.
ومن حيث إنه وإن كان لا جدال فى أن المديريات والمدن والقرى أصبحت بمقتضى الدستور أشخاصا
معنوية فيما يتعلق بمباشرة حقوقها ويمثلها فى ذلك مجالس المديريات والمجالس البلدية
على اختلاف أنواعها وكان من مقتضى هذه الشخصية المعنوية أن أصبح لكل منها مالية خاصة
مستقلة عن مالية الدولة وفاقا لأحكام القانون العام – وإن كان لا جدال فى ذلك إلا أنه
لا جدال أيضا فى أن الشارع لم يقصد قط بانشاء هذا النظام اللامركزى أن يقطع الصلة بين
الدولة بصفتها قوامة على المصالح العامة للبلاد وبين هذه المجالس وأن لا يعتبر هذه
المجالس سوى جمعيات خاصة لا تمتاز بشىء عن جمعيات الأفراد. كلا لم يقصد الشارع ذلك
وإنما كان غرضه بانشاء هذا النظام اللامركزى – على ما هو ظاهر من الدستور نفسه ومن
الأوامر واللوائح المتعلقة بمجالس المديريات وبالمجالس البلدية – تدريب الأهليين على
نظام الحكم وتعويدهم الاهتمام بالشئون العامة والاشتراك فى إدارتها بقدر محدود وتوزيع
أعباء الحكم توزيعا يحفف عن كاهل الحكومة المركزية ولا يضر المصلحة العامة. فهذا النظام
إذن جزء من أنظمة الدولة يقوم بقسط مما فى يدها من المصالح العامة. ومتى كان الأمر
كذلك كان من الواجب استبعاد كل فكرة ترمى إلى التفريق بين أموال الدولة بصفتها سلطة
عامة مركزية وأموال تلك الهيئات بصفتها سلطة خاصة محلية من حيث حماية القانون بمثابة
واحدة لكل منهما إذ أموال الفريقين هى فى الجملة أموال الدولة ومخصصة للمنافع العامة
فى الدولة. ومجرّد تمتع الهيئات المحلية بالشخصية المعنوية واستقلالها بأموالها لتنفق
فى المصالح العامة المحلية وعدم ضمان الحكومة المركزية لها فى نتائج تصرفاتها – لا
شىء من ذلك ينافى وصف كون أموال تلك الهيئات هى جزءًا من أموال الدولة سمحت السلطات
العليا فى الدولة لتلك الهيئات بجبايته واستبقته فى يدها لتنفقه فى المصالح العامة
المحلية. وإذن فمن المجازفة التذرّع بمجرّد ثبوت الشخصية المعنوية لمجالس المديريات
والبلديات والهيئات المحلية الأخرى واستقلالها بأموالها وعدم ضمانة الحكومة لها فى
تصرفاتها للقول بأن كل نص قانونى شرع لحماية أموال الحكومة أو الدولة لا يمكن أن يمتد
حكمه لحماية أموال تلك الهيئات، بل الأوجب أن يقال بامتداد حكمه ما دام لا يوجد نص
صريح يقضى بالحرمان من تلك الحماية.
ومن حيث إنه لذلك يكون الحكم المطعون فيه أخطأ فى اعتباره أن أموال مجلس المنصورة البلدى
ليست من أموال الحكومة أو الدولة التى تنطبق المادة 103 من قانون العقوبات على الموظف
الذى يدخل فى ذمته شيئا منها ويكون المتعين نقضه من هذه الجهة أيضا وتطبيق المادة 103
المذكورة على المتهم بدل المادة 269 عقوبات التى طبقها عليه.
وحيث إنه مع ثبوت جريمة التزوير فى ورق رسمى على المتهم ووجوب عقابه عليها بالمادة
181 عقوبات وثبوت جريمة إدخال نقود الحكومة فى ذمته ووجوب معاقبته عليها بالمادة 103
ومع ملاحظة أن الجريمتين مرتبطتان ارتباطا لا يتجزأ وأن المتعين العقاب على أشدّهما
فقط بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 32 عقوبات وملاحظة وجوب معاملة المتهم بمقتضى
المادتين 17 و52 عقوبات لما هو ظاهر من حكم محكمة الجنايات من أنها رأت استعمال الرأفة
معه – ترى المحكمة الاكتفاء فى حقه بالعقوبة التى قضى بها الحكم المطعون فيه.
